فصل: النكرة والمعرفة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


النكرة والمعرفة‏:‏

إنما قدم الناظم هذا الباب إلى هذا الموضع، لتوقف كثير من الأحكام الإعرابية عليه، وبدأ بالنكرة؛ لأنها الأصل‏.‏ فقال‏:‏

نكرة قابل أل مؤثرا‏.‏‏.‏‏.‏ أو واقع موقع ما قد ذكرا

يعني أن النكرة قسمان أحدهما يقبل ‏"‏أل‏"‏ المؤثرة أي المعرفة نحو ‏"‏رجل‏"‏ ‏"‏فإنه يقبلها‏"‏ فتقول ‏"‏الرجل‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ لا يقبل المؤثرة بنفسه، ولكنه واقع موقع شيء يقبلها نحو‏:‏ ‏"‏ذو‏"‏ بمعنى صاحب، فإنه لا يقبل ‏"‏أل‏"‏ ولكنه واقع موقع صاحب وصاحب يقبل ‏"‏أل‏"‏ فيستدل على تنكير ‏"‏ذو‏"‏ بذلك‏.‏

واحترز بقوله ‏"‏مؤثرا‏"‏ من أل الزائدة والتي للمح الصفة، فإنهما لا يدلان على تنكير ما يدخلان عليه، بل يدخلان على العلم‏.‏

‏"‏فالزائدة‏"‏ نحو‏:‏

باعد أم العمرو من أسيرها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

والتي للمح الصفة ‏"‏نحو‏:‏ ‏"‏الحارث‏"‏ و‏"‏العباس‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ أل في الحارث ونحوه مؤثرة للمح الصفة فهي واردة على إطلاقه‏.‏

قلت‏:‏ التي للمح الصفة لم تؤثر في الاسم الذي دخلت عليه أثرا من تعريف ولا غيره، وإنما نبهت عن أصله، وإن كان صفة‏.‏

فإن قلت‏:‏ حصر النكرة، في القسمين غير صحيح، لوجود ثالث لا يقبل ‏"‏أل‏"‏ ولا يقع موقع شيء يقبلها وهو نكرة، وذلك ‏"‏من وما‏"‏ في الشرط والاستفهام خلافا لابن كيسان في ‏"‏مَن وما‏"‏ الاستفهاميتين، فإنهما عنده معرفتان‏.‏

قلت‏:‏ الحصر في القسمين صحيح، وما ومن المذكورتان واقعتان موضع شيء يقبل ‏"‏أل‏"‏ ولا يشترط أن يكون مساويا لهما في تضمن معنى الشرط ‏"‏والاستفهام‏"‏‏,‏ لأن ‏"‏من وما‏"‏ لم يوضعا في الأصل لذلك، وتضمن معنى الشرط و‏"‏الاستفهام‏"‏ طارئ على معناهما الأصلي فليتأمل‏.‏

ولما فرغ من تعريف النكرة انتقل إلى المعرفة‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏وغيره معرفة‏"‏‏.‏

أي‏:‏ وغير النكرة معرفة، إذ لا وساطة بينهما، واستغنى بذلك عن حد المعرفة‏.‏

المعارف

قال في شرح التسهيل‏:‏ من تعرض لحد المعرفة عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه‏.‏

ثم أشار إلى أنواع المعارف بالأمثلة وهي ستة أنواع‏:‏

مضمر، وعلم، واسم إشارة، وموصول، وذو أداة، ومضاف إلى واحد من هذه إضافة تخصيص‏.‏

‏"‏وهم‏"‏ مثال للمضمر، ‏"‏وذي‏"‏ مثال لاسم الإشارة، ‏"‏وهند‏"‏ مثال للعلم، ‏"‏وابني‏"‏ مثال للمضاف، و‏"‏الغلام‏"‏ مثال لذي الأداة ‏"‏والذي‏"‏ مثال للموصول‏,‏ وأعرفها المضمر على الأصح ثم العلم، ثم اسم الإشارة، ثم الموصول، ثم ذو الأداة‏,‏ وقيل‏:‏ هما في مرتبة واحدة‏.‏ وقيل‏:‏ ذو الأداة أعرف من الموصول والمضاف إلى واحد منها في مرتبته مطلقا على رأي المصنف ‏"‏إلا‏"‏ المضاف إلى المضمر، فإنه في مرتبة العلم على رأي أكثرهم‏.‏

وقال في التسهيل‏:‏ أعرفها ضمير المتكلم ثم المخاطب ثم العلم ثم الغائب السالم عن إبهام ‏"‏ثم المشار به والمنادى والموصول‏"‏‏,‏ ومثلها في النظم غير مرتبة، ورتب أبوابها‏.‏

فإن قلت‏:‏ بقي من المعارف قسم سابع وهو النكرة المقصودة في النداء نحو‏:‏ ‏"‏يا رجل‏"‏ فلم تركه‏؟‏ ‏"‏وما‏"‏ مرتبته‏؟‏

قلت‏:‏ لم يدع الحصر بل أتى بكاف التشبيه المشعرة بعدم الحصر، وأيضا فقد ذهب قوم إلى أن نحو‏:‏ ‏"‏يا رجل‏"‏ إنما تعرف بأل المقدرة، وأما مرتبته عند من جعل تعريفه بالمواجهة والقصد فمرتبته اسم الإشارة‏.‏

الضمير‏:‏

ثم شرع في الكلام على أن أعرف المعارف وهو المضمر‏.‏ فقال‏:‏

فما الذي غيبة او حضور‏.‏‏.‏‏.‏ كأنت وهو سم بالضمير

الضمير‏:‏ هو الموضوع لتعيين مسماه مشعرا بتكلمه أو خطابه أو غيبته، وهذا هو المراد بقوله‏:‏ ‏"‏فما الذي غيبة أو حضور‏"‏ أي‏:‏ فما وضع لمسمى ذي غيبة أو حضور‏.‏ ‏"‏والحضور‏"‏ يشتمل للمتكلم والخطاب، لكن فيه إيهام إدخال اسم الإشارة‏.‏

وأجاب الشارح بأن إفراد اسم الإشارة بالذكر يرفع الإيهام ومثل الحاضر‏:‏ ‏"‏بأنت‏"‏ والغائب ‏"‏بهو‏"‏‏.‏

وقوله ‏"‏سم بالضمير‏"‏ هذا هو اصطلاح البصريين يسمى عندهم بالضمير والمضمر، والكوفيون يسمونه الكناية والمكنى‏.‏

والضمير قسمان‏:‏ متصل ومنفصل، والمتصل قسمان‏:‏ بارز ومستتر‏.‏ هذا تقسيم الجمهور‏.‏

وأما المصنف فقسمه أولا إلى بارز ومستتر‏,‏ فالبارز ما له صورة في اللفظ، والمستتر ضده، والبارز قسمان‏:‏ متصل ومنفصل‏.‏

ولما كان المتصل هو الأصل، لكونه أخصر قدمه على المنفصل فقال‏:‏

وذو اتصال منه ما لا يبتدا‏.‏‏.‏‏.‏ ولا يلي إلا اختيارا أبدا

أي‏:‏ الضمير المتصل هو الذي لا يصح وقوعه أول الكلام ولا بعد ‏"‏إلا‏"‏ في الاختيار‏.‏

والمنفصل بخلافه، أي‏:‏ يصح وقوعه أول الكلام وبعد ‏"‏إلا‏"‏ في الاختيار، وسيأتي تمثيل النوعين‏:‏

واحترز بقوله‏:‏ ‏"‏اختيارا‏"‏ من وقوع المتصل بعد ‏"‏إلا‏"‏ في ضرورة الشعر، كقول الشاعر‏:‏

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا‏.‏‏.‏‏.‏ ألا يجاورنا إلاك ديار

قال آخر‏:‏

أعوذ برب العرش من فئة بغت‏.‏‏.‏‏.‏ عليّ فمالي عوض إلاه ناصر

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ منع المبرد ‏"‏وقوع المتصل بعد إلا مطلقا، وأنشد ‏"‏سواك ديار‏"‏ وأنكر رواية ‏"‏إلاك‏"‏ وأجازه ابن الأنباري‏"‏ مطلقا‏.‏

الثاني‏:‏ كلام الناظم هنا موافق لمذهب الجمهور، في كون وقوع المتصل بعد ‏"‏إلا‏"‏ ضرورة‏.‏

وقال في التسهيل وشذ ‏"‏إلاك‏"‏ فلا يقاس عليه ‏"‏وصرح في باب الاستثناء من شرح التسهيل، بأن ذلك ليس بضرورة‏"‏ ثم مثل المتصل فقال‏:‏

كالياء والكاف من ابني أكرمك‏.‏‏.‏‏.‏ والياء والهاء من سليه ما ملك

المضمر المتصل ثلاثة أقسام‏:‏ مرفوع ومنصوب ومجرور‏,‏ وكل من الثلاثة، إما لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب‏.‏

فالمرفوع للمتكلم ‏"‏فعلتُ‏,‏ فعلنا‏"‏ والمخاطب ‏"‏فعلتَ‏,‏ فعلتِ، فعلتما، فعلتم، فعلتن‏"‏‏.‏

وللغائب ‏"‏فعل، فعلتْ، فعلا، فعلوا‏,‏ فعلن‏"‏ والمنصوب للمتكلم ‏"‏أكرمني‏,‏ أكرمنا‏"‏‏.‏

وللمخاطب ‏"‏أكرمكَ‏,‏ أكرمكِ‏,‏ أكرمكما‏,‏ أكرمكم‏,‏ أكرمكن‏"‏‏.‏

وللغائب‏:‏ ‏"‏أكرمه‏,‏ أكرمها‏,‏ أكرمهما‏,‏ أكرمهم‏,‏ أكرمهن‏"‏‏.‏

والمجرور للمتكلم‏:‏ ‏"‏مرَّ بي‏,‏ مرَّ بنا‏"‏ وللمخاطب ‏"‏مر بكَ‏,‏ مر بكِ‏,‏ مر بكما‏,‏ مر بكم‏,‏ مر بكن‏"‏ وللغائب ‏"‏مر به‏,‏ مر بها‏,‏ مر بهما‏,‏ مر بهم‏,‏ مر بهن‏"‏‏.‏

فهذه ستة وثلاثون ضميرا متصلا، والسابع والثلاثون ‏"‏ياء المخاطبة‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏تفعلين يا هند‏"‏ على مذهب سيبويه‏.‏

وقد أشار الناظم إلى المتكلم بالياء ‏"‏من ابني‏"‏ وإلى المخاطب بالكاف من ‏"‏أكرمك‏"‏ وإلى الغائب بالياء من ‏"‏سليه‏"‏‏.‏

وأشار أيضا إلى الرفع من سليه، وإلى النصب بالكاف من أكرمك، وإلى الجر بالياء من ابني‏.‏

فقد نبه بهذه الأمثلة الأربعة على الأقسام كلها‏.‏

ثم أشار إلى حكم عام لجميع المضمرات فقال‏:‏

وكل مضمر له البنا يجب

المضمرات كلها مبنية بالاتفاق، واختلف في سبب بنائها فقيل‏:‏ ‏"‏بنيت‏"‏ لشبهها بالحرف في المعنى؛ لأن كل ضمير متضمن معنى التكلم أو الخطاب أو الغيبة وهي من معاني الحروف ‏"‏وقيل‏"‏ غير ذلك‏.‏

وقد ذكر في التسهيل، لبنائه أربعة أسباب‏:‏

أولها‏:‏ شبه الحرف وضعا؛ لأن أكثره على حرف أو حرفين وحمل الباقي على الأكثر‏.‏

وثانيها‏:‏ شبه الحرف افتقارا؛ لأن المضمر لا تتم دلالته على مسماه إلا بضميمة من مشاهدة أو غيرها‏.‏

وثالثها‏:‏ شب الحرف جمودا، والمراد بالجمود عدم التصرف في لفظه بوجه من الوجوه حتى في التصغير وبأن يوصف أو يوصف به كما فعل بالمبهمات‏.‏

ورابعها‏:‏ الاستغناء باختلاف صيغة لاختلاف المعاني‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

قال الشارح‏:‏ ولعل هذا المعتبر عند الشيخ في بناء المضمرات، ولذا عقبه بتقسيمها بحسب الإعراب، كأنه قصد بذلك ‏"‏إظهار‏"‏ علة البناء، فقال‏:‏

ولفظ ما جر كلفظ ما نصب

أي‏:‏ الصالح للجر من الضمائر المتصلة هو الصالح للنصب‏.‏

وقد ‏"‏تم‏"‏ تقدم ذكره‏.‏

ثم قال‏:‏

للرفع والنصب وجر نا صلح

يعني‏:‏ أن هذا الضمير، يعني لفظ ‏"‏نا‏"‏ صلح للرفع والنصب والجر، ومثل للثلاثة بقوله‏:‏

كاعرف بنا فإننا نلنا المنح

فموضع ‏"‏نا‏"‏ جر بعد الباء ونصب بعد ‏"‏إن‏"‏ ورفع بعد الفعل‏.‏

وما سوى ما ذكر من ‏"‏الصالح‏"‏ للنصب والجر والصالح للثلاثة مختص بالرفع فالأقسام ثلاثة وذلك واضح، ثم قال‏:‏

وألف والواو والنون لما‏.‏‏.‏‏.‏ غاب وغيره كقاما واعلما

الضمير المتصل بالنسبة إلى المعنى على ثلاثة أقسام‏:‏ مختص بالحاضر ‏"‏كالكاف‏"‏ ومختص بالغائب ‏"‏كالهاء‏"‏‏.‏

وهذان القسمان ظاهران، وقسم يكون للغائب تارة وللمخاطب أخرى، وهو ثلاثة ضمائر‏:‏ ألف الاثنين، وواو الجمع، ونون الإناث، ومثل الألف ‏"‏بقاما واعلما‏"‏ فالألف في قاما للغائبين وفي اعلما للمخاطبين، ومثال الواو ‏"‏قاموا واعلموا‏"‏ والنون ‏"‏قمن واعلمن‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله ‏"‏وغيره‏"‏ أعم من المخاطب‏.‏

قلت‏:‏ لما كانت الألف والواو والنون لا تكون للمتكلم ‏"‏تعينت‏"‏ إرادة المخاطب وذلك بين‏.‏

ثم أشار إلى المستتر فقال‏:‏

ومن ضمير الرفع ما يستتر

فعلم من تخصيصه بالرفع أن المستتر لا يكون ضمير نصب ولا جر‏.‏

والمستتر ضربان‏:‏ واجب الاستتار‏,‏ وهو ما يخلفه الظاهر، وجائز الاستتار وهو ما يخلفه الظاهر‏.‏

فالواجب الاستتار في سبعة مواضع‏:‏ فعل أمر الواحد ‏"‏كافعل‏"‏ والمضارع المبدوء بهمزة المتكلم ‏"‏كأوافق‏"‏ والمبدوء بتاء الخطاب ‏"‏التي‏"‏ للمفرد ‏"‏كتغتبط‏"‏ والمبدوء بنون المتكلم المعظم نفسه أو المشارك ‏"‏كنشكر‏"‏، واسم فعل الأمر ‏"‏كنزال‏"‏ واسم المضارع ‏"‏كأف‏"‏ والمصدر الواقع بدلا من فعله في الأمر نحو‏:‏ ‏"‏ضربا زيدا‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد أخل الناظم بهذه الثلاثة ‏"‏الأواخر‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ لم يدع الحصر، وإنما مثل ليقاس على تمثيله، وأيضا فاختصر على الأفعال لأصالتها في العمل، واسم الفعل والمصدر نائبان على الفعل في ذلك‏.‏

والجائز الاستتار هو ‏"‏المرفوع‏"‏ بفعل الغائب والغائبة ماضيا ومضارعا وبالصفة وباسم الفعل الماضي‏.‏

ثم انتقل إلى الضمير المنفصل وهو نوعان‏:‏ مرفوع ومنصوب، وبدأ بالمرفوع فقال‏:‏

وذو ارتفاع وانفصال أنا هو‏.‏‏.‏‏.‏ وأنت والفروع لا تشتبه

ضمير الرفع المنفصل ثلاثة أقسام‏:‏ متكلم، ومخاطب، وغائب، فلذلك مثل بثلاثة أمثلة‏.‏

والمراد بالفروع‏:‏ ما دل على مؤنث أو مثنى أو مجموع، ‏"‏فأنا‏"‏ له فرع واحد هو ‏"‏نحن‏"‏‏.‏

و‏"‏أنت‏"‏ له أربعة فروع ‏"‏أنتِ‏,‏ أنتما‏,‏ أنتم‏,‏ أنتن‏"‏‏.‏

و‏"‏هو‏"‏ له أربعة أيضا ‏"‏هي‏,‏ هما‏,‏ هم‏,‏ هن‏"‏‏.‏

تنبيه‏:‏

مذهب البصريين أن ألف ‏"‏أنا‏"‏ زائدة، والاسم هو الهمزة والنون، واستدلوا بحذف الألف وصلا، وإنما زيدت وقفا لبيان الحركة، ولذلك عاقبتها هاء السكت في قول حاتم‏:‏ ‏"‏هذا فزدي أنه‏"‏‏.‏

ومذهب الكوفيين‏:‏ أن الاسم هو مجموع الأحرف الثلاثة واختاره المصنف وفي ‏"‏أنا‏"‏ لغات الفصيحة حذف ألفه وصلا وإثباتها وقفا‏.‏

والثانية إثباتها وصلا ووقفا وهي لغة تميم‏.‏

والثالثة ‏"‏هنا‏"‏ بإبدال همزته هاء‏.‏

والرابعة‏:‏ آن بمدة بعد الهمزة‏.‏

قال المصنف‏:‏ من قال ‏"‏آن‏"‏ فإنه قلب ‏"‏أنا‏"‏ كما قال بعض العرب في رأي راء‏.‏

والخامسة‏:‏ ‏"‏أن‏"‏ ‏"‏كعن‏"‏ حكاها قطرب‏.‏

وأما ‏"‏أنت‏"‏ وفروعه، فالضمير عند البصريين ‏"‏أن‏"‏ والتاء وحرف خطاب ‏"‏ومذهب الفراء أن ‏"‏أنت‏"‏ بجملته ضمير‏"‏‏.‏

ومذهب جمهور البصريين أن ‏"‏هو‏"‏ بجملته ضمير وكذلك، ‏"‏هي‏"‏ وأما ‏"‏هما وهم وهن‏"‏ فذهب أبو عليّ‏:‏ إلى أنها بجملتها ضمائر، وقد قيل غير ذلك مما لا يحتمل ذكره هذا الموضع‏.‏

ثم ثنى بالمنصوب فقال‏:‏

وذو انتصاب في انفصال جعلا‏.‏‏.‏‏.‏ إياي والتفريع ليس مشكلا

‏"‏إيا‏"‏ هو الضمير المنصوب المنفصل ولواحقه حروف تدل على المراد به من تكلم أو خطاب أو غيبة، هذا مذهب سيبويه وذهب الخليل‏:‏ إلى أن ‏"‏إيا‏"‏ ضمير مضاف إلى لواحقه وهو ضمائر وإليه ذهب المصنف وفيه مذاهب أخر لا نطول بها‏.‏

فللمتكلم‏:‏ ‏"‏إياي‏,‏ إيانا‏"‏ وللمخاطب ‏"‏إياك‏,‏ إياكِ‏,‏ إياكما‏,‏ إياكم‏,‏ إياكن‏"‏‏.‏

وللغائب‏:‏ ‏"‏إياه‏,‏ إياها‏,‏ إياهما‏,‏ إياهم‏,‏ إياهن‏"‏‏,‏ وهذا معنى قوله‏:‏ ‏"‏والتفريع ليس مشكلا‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

وفي اختيار لا يجيء المنفصل‏.‏‏.‏‏.‏ إذا تأتي أن يجيء المتصل

لما كان الغرض من وضع المضمر الاختصار، وكان المتصل أخصر لم يستعمل المنفصل مع تأتي المتصل وإمكانه إلا في الضرورة كقوله‏:‏

بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت‏.‏‏.‏‏.‏ إياهم الأرض في دهر الدهارير

وإلى هذا أشار بقوله‏:‏ وفي اختيار‏.‏

ولا بد من ذكر المواضع التي يتعين فيها الانفصال؛ لعدم تأتي الاتصال وهي اثنا عشر موضعا‏:‏

الأول‏:‏ أن يحصر بإلا وشذ ‏"‏إلاك‏"‏ فلا يقاس عليه‏.‏

الثاني‏:‏ أن يحصر بإنما كقول الفرزدق‏:‏

أنا الذائد الحامي الذمار وإنما‏.‏‏.‏‏.‏ يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

الثالث‏:‏ أن يرفع بمصدر مضاف إلى المنصوب كقول الشاعر‏:‏

بنصركم نحن كنتم ظافرين وقد‏.‏‏.‏‏.‏ أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا

الرابع‏:‏ أن يرفع بصفة جرت على غير ‏"‏صاحبها‏"‏ نحو زيد عمرو ضاربه هو، مطلقا عند البصريين وبشرط خوف اللبس عند الكوفيين‏.‏

الخامس‏:‏ أن يحذف عامله نحو‏:‏

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

السادس‏:‏ أن يؤخر عامله نحو‏:‏ ‏{‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ‏}‏‏.‏

السابع‏:‏ أن يكون العامل حرف نفي نحو‏:‏ ‏{‏مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ‏}‏‏.‏

الثامن‏:‏ أن يفصله متبوع نحو‏:‏ ‏{‏يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ‏}‏‏.‏

التاسع‏:‏ أن تلي واو المصاحبة نحو‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ تكون وإياها ‏"‏بها‏"‏ مثلا بعدي

العاشر‏:‏ أن تلي ‏"‏أما‏"‏ نحو‏:‏

بك أو بي استعان فليل أما‏.‏‏.‏‏.‏ أنا أو أنت ما ابتغي المستعين

ويدل على جواز الانفصال قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏إن الله ملككم إياهم‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

في كنته الخلف انتمى

أي في هاء كنته، والمراد ‏"‏به‏"‏، ما وقع خبرا لكان أو إحدى أخواتها، واخلف في الاختيار كما بينه في البيت الآتي‏:‏

وقوله‏:‏ كذاك خلتنيه‏.‏

يعني أن هاء خلتنيه كهاء كنته في الخلاف المشار إليه، والمراد بها خلتنيه‏:‏ ما وقع ثاني ضميرين منصوبين بفعل ناسخ‏.‏

ثم ذكر اختياره فقال‏:‏ واتصالا أختار‏.‏

يعني في باب كنته وخلتنيه، ووجه أن الأصل الاتصال‏.‏

ثم قال‏:‏ غيري اختار الانفصالا‏,‏ وهم الأكثرون ومنهم سيبويه، ووجهه أن الضمير في البابين خبر في الأصل، وحق الخبر الانفصال وكلاهما مسموع، وما اختاره هو اختيار الرماني وابن الطراوة‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ وافق في التسهيل سيبويه على اختيار الانفصال في ‏"‏باب‏"‏ خلتنيه قال لأنه خبر مبتدأ في الأصل، وقد حجزه عن الفعل منصوب آخر بخلاف هاء كنته فإنه خبر في الأصل ولكنه شبيه بهاء ضربته في أنه لم يحجزه إلا ضمير مرفوع‏,‏ والمرفوع كجزء من الفعل فكأن الفعل مباشر له فاضطرب اختيار الناظم في باب خلتنيه‏.‏

الثاني‏:‏ يجوز الاتصال والانفصال أيضا فيما وقع من الضمائر منصوبا بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل نحو‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كان فراقيها أمر من الصبر

أو مفعول أول نحو‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ومنعكها بشيء يستطاع

أو باسم فاعل مضاف إلى ضمير وهو مفعول أول‏,‏ كقول الشاعر‏:‏

لا ترج أو تخش غير الله إن أذى‏.‏‏.‏‏.‏ واقيكه الله لا ينفك مأمونا

والمختار في هذه الثلاثة الانفصال، ولكنه ترك في هذه الأبيات؛ لأن الوزن لم يتأت به‏.‏

ويجوز الوجهان أيضا في المفعول الثاني من نحو‏:‏ ‏"‏أعطيت زيدا درهما‏"‏ في باب الإخبار فتقول‏:‏ ‏"‏الذي أعطيت زيدا إياه درهم والذي أعطيته زيدا درهم‏"‏‏.‏

والمختار فيه عند المازني والمصنف الاتصال؛ لأنه الأصل، وعند غيرهما الانفصال مراعاة لترتيب الأصل‏.‏

ثم قال‏:‏

وقدم الأخص في اتصال

أي‏:‏ قدم ‏"‏في الاتصال‏"‏ المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب؛ لأن المتكلم أخص من المخاطب، والمخاطب أخص من الغائب‏.‏

وفهم من ذلك‏:‏ أن شرط جواز الاتصال في ها سلنيه وخلتنيه ونحوهما‏.‏ أن يكون الأول أخص، فإنه متى تقدم غير الأخص وجب الاتصال؛ لأنه مع الاتصال يمتنع تقديم غير الأخص‏.‏

والحاصل‏:‏ أن المبيح لجواز الاتصال والانفصال هو كون الضمير ثاني ضميرين أولهما أخص وغير مرفوع، أو كونه خبر كان وأخواتها‏.‏

ثم إذا كان المقدم من الضميرين غير الأخص، فإما أن يكون مخالفا في الرتبة أو مساويا ‏"‏لها‏"‏ فإن كان مخالفا لم يجز اتصال ما بعده إلا فيما ندر كقول عثمان رضي الله عنه أراهمني الباطل شيطانا‏.‏

وأجاز المبرد وكثير من القدماء تقديم غير الأخص، مع الاتصال نحو‏:‏ ‏"‏أعطيتهوك‏"‏ ولكن الانفصال عندهم أرجح، وإن كان مساويا فسيأتي‏.‏

قوله‏:‏

وقدمن ما شئت في انفصال

يعني أنه يجوز في الانفصال تقديم الأخص وتقديم غير الأخص، فتقول‏:‏ ‏"‏الدرهم أعطيتك إياه‏"‏ بتقديم الأخص، ‏"‏وأعطيته إياك‏"‏ بتقديم غير الأخص، وفي الحديث‏:‏ ‏"‏أن الله ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏

وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا

أي‏:‏ إذا اتحدت رتبة الضميرين، بأن يكونا لمتكلم أو لمخاطب أو لغائب لزم انفصال الثاني‏.‏ فتقول‏:‏ ‏"‏ظننتني إياي وعلمتك إياك وحسبته إياه‏"‏‏.‏

ثم نبه على أنهما قد يتصلان غائبين بقوله‏:‏

وقد يبيح الغيب فيه وصلا

مثال ذلك ما رواه الكسائي في قول بعض العرب‏:‏ ‏"‏هم أحسن الناس وجوها وأنضرهموها‏"‏‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

لوجهك في الإحسان بسط وبهجة‏.‏‏.‏‏.‏ أنالهماه قفو أكرم والد

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ شرط الناظم في غير هذا النظم في جواز اتصال الغائبين، أن يختلف لفظهما كمثالين، ولم يذكر ذلك هنا، واعتذر عنه الشارح، بأن قوله‏:‏ ‏"‏وصلا‏"‏ بلفظ التنكير على معنى نوع من الوصل، تعريض، بأنه لا يستباح الاتصال مع الاتحاد في الغيبة مطلقا‏.‏ بل بقيد‏.‏ وهو الاختلاف في اللفظ‏.‏

الثاني‏:‏ أجاز بعضهم الاتصال مع اتحاد الضميرين في المتكلم والخطاب أو الغيبة مطلقا وهو ضعيف‏.‏

ثم استطرد إلى أن ذكر نون الوقاية للزومها بعض المضمرات فقال‏:‏

وقبل يا النفس مع الفعل التزم‏.‏‏.‏‏.‏ نون وقاية وليسي قد نظم

مذهب الجمهور‏:‏ أن هذه النون سميت نون الوقاية؛ لأنها تقي الفعل من الكسر‏.‏

وقال المصنف‏:‏ بل لأنها تقي اللبس في نحو‏:‏ ‏"‏أكرمني‏"‏ في الأمر، فلولا النون لالتبست ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكر بأمر المؤنث‏:‏ ‏"‏ففعل‏"‏ الأمر أحق بها من غيره‏.‏

ثم حمل الماضي والمضارع على الأمر‏.‏

ومعنى البيت‏:‏ أن نون الوقاية تلزم قبل ياء المتكلم مع جميع الأفعال نحو‏:‏ ‏"‏أكرَمني‏,‏ يكرمني‏,‏ أكرِمني‏"‏ إلا فعلا واحدا ‏"‏وهو ليس‏"‏، فإنه قد ندر حذف نون الوقاية معه في النظم لضرورة الشعر كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إذ ذهب القوم الكرام ليسي

والوجه‏:‏ ‏"‏ليسني‏"‏ وهو الفصيح كقول بعض العرب‏:‏ ‏"‏عليه رجلا ليسني‏"‏ حكاه سيبويه وأجاز بعضهم ‏"‏ليس‏"‏ في الاختيار‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد جاء في ‏"‏نحو‏"‏ تأمرونني مما اجتمع فيه نون الرفع ونون الوقاية ثلاثة أوجه‏:‏

الفك، والإدغام، والحذف‏.‏

قلت‏:‏ المحذوف عند المصنف نون الرفع لا نون الوقاية، فلا يرد على إطلاقه وهو مذهب سيبويه‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد ندر حذف نون الوقاية أيضا في قول الشاعر‏:‏

تراه كالثغام يعل مسكا‏.‏‏.‏‏.‏ يسوء الفاليات إذا فليني

والأصل فلينني‏:‏ فحذف النون الثانية وهو نون الوقاية‏.‏

قال في البسيط‏:‏ لا خلاف أن المحذوفة نون الوقاية، لأن الأولى ضمير‏.‏

قلت‏:‏ مذهب سيبويه، أن المحذوفة نون الإناث لا نون الوقاية وهو مذهب المصنف، فلذلك لم ينبه هنا على ندوره، وليس نقل الاتفاق ‏"‏في ذلك‏"‏ بصحيح‏.‏

تنبيه‏:‏

أجاز الكوفيون حذف نون الوقاية في ‏"‏ما أفعل زيدا‏"‏ في التعجب لأنهم يقولون باسمية أفعل المذكور‏.‏

ومذهب البصريين‏:‏ ‏"‏أن نون الوقاية تلزم معه، لأنهم يقولون بفعليته وهو الصحيح‏.‏

واعلم أن نون الوقاية تلحق قبل ياء المتكلم مع بعض الحروف وبعض الأسماء‏.‏

وقد شرع في بيان ذلك فقال‏:‏ وليتني فشا، أي كثر لحاق النون مع ليت، ولم يأت في القرآن إلا كذلك‏:‏ وليتى ندرا أي‏:‏ ندر إسقاط النون مع ليت كقول الشاعر‏:‏

كمنية جابر إذ قال ليتي‏.‏‏.‏‏.‏ أصادفه وأتلف جل مالي

وهو ضرورة‏.‏

وقال الفراء‏:‏ يجوز ليتني وليتي، وظاهر هذا جوازه في الاختيار‏.‏

وقوله‏:‏ ومع لعل اعكس‏.‏

يعني‏:‏ أن الحذف معها هو الكثير، ولم يأت في القرآن إلا كذلك‏.‏

وإثبات النون معها نادر كقول الشاعر‏:‏

فقلت أعيراني القدوم لعلني‏.‏‏.‏‏.‏ أخط بها قبرا لأبيض ماجد

ونص بعضهم على أنه ضرورة‏.‏

تنبيه‏:‏

إثبات النون مع لعل أكثر من حذف النون مع ليت وإن اشتركا في القلة‏.‏ نبه على ذلك في الكافية حيث قال‏:‏ ومن لعلني ليتي أقل‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وقوله‏:‏

وكن مخيرا في الباقيات

يعني‏:‏ من أخوات‏:‏ ‏"‏ليت ولعل‏"‏ وهي أربعة ‏"‏إن وأن ولكن وكأن‏"‏ يجوز فيها إثبات نون الوقاية وحذفها كراهة لاجتماع الأمثال‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم اختلف حكم نون الوقاية مع هذه الأحرف ‏"‏الستة مع أنها مستوية في العمل‏؟‏

قلت‏:‏ إنما ألحقت هذه النون مع هذه الأحرف‏"‏ لشبهها بالأفعال المتعدية في عمل الرفع والنصب وأوجه أخر مذكورة في موضعها فاستمرت ليت على مقتضى هذا الشبه إلا في الشعر، وضعفت لعل من ‏"‏جهة‏"‏ أنها تعلق في الغالب ما قبلها بما بعدها‏.‏

ومن أجل أنها تجر على لغة، وكان حق ‏"‏إن وأن ولكن وكأن‏"‏ مساواتها لليت، لوجود الشبه المذكور، لكن استثقل لحاق النون معها لتوالي الأمثال، كما تقدم‏.‏

تنبيه‏:‏

ما ذهب إليه الناظم من أن المحذوفة من ‏"‏إني وأني ولكني وكأني‏"‏ نون الوقاية هو مذهب الأكثرين من البصريين والكوفيين، وذهب بعضهم إلى أن الساقط هو النون الثانية وذهب بعضهم إلى أن المحذوف هو النون الأولى‏.‏

والصحيح‏:‏ الأول، لأنها طرف، وبدليل لعلي وهو مذهب سيبويه‏.‏

وأما نحو‏:‏ ‏"‏إنا‏"‏ فقد حكى بعض النحويين فيه المذاهب الثلاثة إلا أن الصحيح هنا حذف الثانية؛ لأن الثالثة هنا هي الضمير، ولثبوت حذفها في ‏"‏إن‏"‏ إذا خففت وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ واضطرارا خففا‏.‏‏.‏‏.‏ مني وعني بعض من قد سلفا

أشار به إلى قول الشاعر‏:‏

أيها السائل عنهم وعني‏.‏‏.‏‏.‏ لست من قيس ولا قيس مني

وهذا في غاية الندور‏.‏

وقوله‏:‏ وفي لدنِّي لدُنِي قل، يعني‏:‏ أن الأكثر في لدني إلحاق النون وحذفها قليل‏.‏

وبالحذف قرأ نافع‏:‏ ‏"‏قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِي عُذْرًا‏"‏‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ وزعم سيبويه أن عدم لحاقها للدن من الضروريات وليس كذلك بل هو جائز في الكلام الفصيح، ومن ذلك قراءة من قرأ ‏"‏من لدني عذرا‏"‏ بتخفيف النون وضم ‏"‏الدال‏"‏ ولا يجوز أن تكون نون ‏"‏لدني‏"‏ نون الوقاية؛ لأن ‏"‏لد‏"‏ متحرك الآخر، والنون في ‏"‏لدن‏"‏ وأخواتها إنما جيء بها لصون ‏"‏أواخرها‏"‏ من زوال السكون فلاحظ فيها لما آخره متحرك‏.‏

وإنما يقال في ‏"‏لد‏"‏ مضافة إلى الياء ‏"‏في‏"‏ ‏"‏لدى‏"‏ نص على ذلك سيبويه‏.‏

واعترض‏:‏ بأن سيبويه لم ينص على أن عدم لحاقها ‏"‏للدن‏"‏ من الضرورات‏.‏ وفي قدني وقطني مثل لدن ‏"‏في أن إثبات‏"‏ النون فيهما هو الأكثر، ولذلك قلل الحذف بقوله‏:‏ الحذف أيضا قد يفي‏.‏ وليس بعكس ‏"‏لدن‏"‏ خلافا للشارح‏.‏

وقد جمع الراجز بين الأمرين في قوله‏:‏

قدني من نصر الخبيبين قدي‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وفي الحديث‏:‏ ‏"‏قط قط بعزتك‏"‏ يروى بسكون الطاء وبكسرها مع ياء ودونها ويروى قطني ‏"‏قطني‏"‏ بنون الوقاية، وقط قط بالتنوين وبالنون أشهر‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ذهب بعضهم إلى أن حذف النون من ‏"‏قد وقط‏"‏ لا يجوز إلا في الضرورة، والصحيح جوازه في الاختيار‏.‏

الثاني‏:‏ اعلم أن ‏"‏قد‏"‏ تكون حرفا واسما، فالحرفية ليست هي المذكورة هنا؛ لأنها من خواص الأفعال، فلا تتصل بها ياء المتكلم‏.‏

والاسمية لها معنيان‏:‏ أحدهما‏:‏ أن تكون بمعنى ‏"‏حسب‏"‏ فتكون الياء المتصلة بها مجرورة بالإضافة، وتلحقها نون الوقاية ويجوز حذفها ‏"‏وهي المذكورة هنا‏"‏‏.‏

والثاني أن تكون اسم فعل بمعنى ‏"‏أكتفي‏"‏ فتكون الياء المتصلة بها منصوبة، وتلزمها نون الوقاية‏.‏

ولم يتعرض المصنف لذكر هذا القسم هنا، وقد ذكره في التسهيل في باب أسماء الأفعال‏.‏

وأما ‏"‏قط‏"‏ فلها ثلاثة أقسام‏:‏ تكون اسما بمعنى حسب وهي المذكورة في النظم‏.‏

وتكون اسم فعل فتلزمها نون الوقاية كما تقدم في ‏"‏قد‏"‏‏.‏

وتكون ظرفا بمعنى ‏"‏قط‏"‏ الظرفية فلا تتصل بها ياء المتكلم‏.‏

الثالث‏:‏ مذهب الكوفيين أن من أجل ‏"‏قط وقد‏"‏ بمعنى حسب قال‏:‏ ‏"‏قدي وقطي‏"‏ بغير نون‏.‏ كما يفعل من قال حسبي، ومن جعلهما ‏"‏اسمي‏"‏ فعل قال‏:‏ ‏"‏قدني وقطني‏"‏ بالنون كما يفعل في غيرها من أسماء الأفعال وتكون الياء في الوجه الأول مجرورة، وفي الوجه الثاني منصوبة‏.‏

ومذهب سيبويه والخليل‏:‏ أن ‏"‏قد وقط‏"‏ بمعنى حسب والباء مجرورة بالإضافة عند من ألحق النون ومن لم يلحق‏.‏

الرابع‏:‏ تلزم نون الوقاية أيضا مع ياء المتكلم إن نصب باسم فعل نحو‏:‏ ‏"‏عليكني‏"‏ حكاه سيبويه وحكى أيضا ‏"‏عليكي بالياء‏.‏

وسمع الفراء من بعض بني سليم ‏"‏مكانكني‏"‏ يريد انتظرني ‏"‏في‏"‏ مكانك، ولم يذكر الناظم هذا في النظم وذكره في التسهيل‏.‏

الخامس‏:‏ قد تلحق نون الوقاية مع ‏"‏بجل‏"‏ والحذف معها أكثر‏.‏

كقول طرفة‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ألا بجلي من الشراب ألا بجل

ولذلك لم يذكر ‏"‏هذا الثالث، قال في التسهيل‏"‏‏:‏ وقد تلحق مع اسم الفاعل وأفعل التفضيل‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

مثال الأول قوله‏:‏

وما أدري وظني كل ظن‏.‏‏.‏‏.‏ أمسلمني إلى قومي شراحي

وقيل‏:‏ إن النون في ‏"‏أمسلمني‏"‏ ونحوه هو التنوين ثبت شذوذا، ورد بثبوتها مع ‏"‏أل‏"‏ في قوله‏:‏

وليس الموافيني ليرفد خائبا‏.‏‏.‏‏.‏ فإن له أضعاف ما كان أملا

ومثال الثاني‏:‏ قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏غير الدجال أخوفني عليكم‏"‏ واعلم‏:‏ أن لحاقها مع هذين في غاية من القلة فلا يقاس عليه‏,‏ والله أعلم‏.‏