فصل: العلم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


العلم‏:‏

اسم يعين المسمى مطلقا‏.‏‏.‏‏.‏ علمه‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏اسم‏"‏ جنس، ‏"‏ويعين المسمى‏"‏ مخرج للنكرات، ‏"‏ومطلقا‏"‏ مخرج لما سوى العلم من المعارف‏.‏ فإن العلم يعين مسماه بمجرد الوضع أو بالغلبة لا بقرينة، بخلاف غيره من المعارف، فإنه لا يعينه إلا بقرينة، إما لفظية ‏"‏كأل‏"‏ أو معنوية كالحضور والغيبة ‏"‏في أنت وهو‏"‏‏.‏

وحد أبو عصفور العلم بقوله‏:‏ الاسم الذي علق في أول أحواله على شيء بعينه في جميع أحواله من غيبة وخطاب وتكلم‏.‏

فإن قلت‏:‏ العلم ضربان‏:‏ شخصي وجنسي‏.‏

أما الشخصي‏:‏ فلا إشكال في صدق هذا التعريف عليه‏.‏

وأما الجنسي‏:‏ فلا يصدق عليه هذا التعريف لأنه ‏"‏لم يعين مسماه إذ هو‏"‏ في المعنى شائع كاسم الجنس النكرة ولكنه جرى مجرى العلم الشخصي في الأحكام اللفظية‏.‏

قلت‏:‏ ‏"‏التحقيق‏"‏ أن العلم الجنسي ليس كاسم الجنس في المعنى، بل هو معين لمسماه، فالتعريف صادق عليه، وسيأتي بيان هذا‏.‏

واعلم أن العلم الشخصي لا يختص بأولى العلم، بل يوضع لما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات، فذلك نوع أمثلته ‏"‏كجعفر‏"‏ علم رجل ‏"‏خرنقا‏"‏ علم امرأة ‏"‏وقرن‏"‏ علم قبيلة وإليها ينسب أويس القرني ‏"‏وعدن‏"‏ علم بلد‏,‏ ‏"‏ولاحق‏"‏ علم فرس ‏"‏وشدقم‏"‏ علم جمل ‏"‏وهيلة‏"‏ علم شاة ‏"‏وواشق‏"‏ علم كلب‏.‏

ثم قال‏:‏

واسما أتى وكنية ولقبا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

العلم على ثلاثة أقسام‏:‏ اسم وكنية ولقب؛ لأنه إن صدر بأب أو أم فهو كنية، كأبي بكر وأم كلثوم، وإلا فإن أشعر برفعة المسمى أو ضعته فهو لقلب ‏"‏كالصديق والفاروق‏"‏ في الأول، ‏"‏وكبطة، وأنف الناقة‏"‏، في الثاني وإن لم يكن كذلك فهو اسم ‏"‏كزيد وعمرو‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وأخرن ذا إن سواه صحبا

‏"‏ذا‏"‏ إشارة إلى اللقب، أي‏:‏ إذا اجتمع مع اللقب غيره أخر اللقب، وقدم الاسم أو الكنية نحو، قال‏:‏ أبو بكر الصديق وعمر الفاروق؛ لأن اللقب في الغالب منقول من اسم ‏"‏غير‏"‏ الإنسان ‏"‏كبطة‏"‏ فلو قدم لتوهم السامع، أن المراد مسماه الأصلي، وذلك مأمون بتأخيره‏.‏

وندر تقدم اللقب على الاسم في الشعر كقول الشاعر‏:‏

أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغها‏.‏‏.‏‏.‏ عني حديثا وبعض القول تكذيب

بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا‏.‏‏.‏‏.‏ ببطن شريان يعوي حوله الذيب

وفي بعض نسخ الألفية‏:‏

وذا جعل آخرا إن اسما صحبا

وما سبق أولى؛ لأن هذه النسخة لا يفهم حكم اللقب مع الكنية‏.‏

ثم قال‏:‏

وإن يكونا مفردين فأضف‏.‏‏.‏‏.‏ حتما‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ إذا كان اللقب والمصاحب له مفردين أضيف الاسم إلى اللقب نحو‏:‏ ‏"‏هذا سعيد كرز‏"‏ على تأويل الأولى المسمى؛ لأن المعوض للإسناد إليه والثاني بالاسم، والمعنى ‏"‏هنا‏"‏ مسمى هذا اللقب‏.‏

وقوله ‏"‏حتما‏"‏ هو مذهب جمهور البصريين؛ لأنهم لا يجيزون ‏"‏في المفردين إلا الإضافة‏"‏‏.‏

وأجاز الكوفيون وبعض البصريين‏:‏ الاتباع أيضا بدلا أو عطف بيان والقطع إلى النصب بإضمار فعل، وإلى الرفع بإضمار مبتدأ، وإلى هذا ذهب التسهيل‏.‏

وقال في شرحه‏:‏ لم يذكر سيبويه فيهما إلا الإضافة؛ لأنها على خلاف الأصل، فبين استعمال العرب لها، إذ لا مسند لها إلا السماع، بخلاف الإتباع والقطع فإنهما على الأصل‏.‏

تنبيه‏:‏

جواز الإضافة مقيد بعدم المانع فإن كان في الاسم مانع منها لم يضف ولو كانا مفردين نحو ‏"‏الحارث كرز‏"‏ فإن ‏"‏أل‏"‏ تمنع الإضافة‏.‏

وقوله‏:‏

وإلا أتبع الذي ردف

أي‏:‏ وإن لم يكونا مفردين فشمل ذلك المركبين نحو ‏"‏عبد الله أنف الناقة‏"‏ والاسم المفرد مع اللقب المركب، نحو‏:‏ ‏"‏زيد عائد الكلب‏"‏ وعكسه ‏"‏عبد الله بطة‏"‏‏.‏

فالحكم في هذه الصور الثلاث‏,‏ امتناع الإضافة، ووجوب الإتباع أو القطع ‏"‏بوجهيه‏"‏‏.‏

ولم يذكر القطع هنا، وكذلك لم يذكر الشارح، بل قال فلا بد من الإتباع وقد ذكره في التسهيل‏.‏

ثم قال‏:‏

ومنه منقول كفضل وأسد‏.‏‏.‏‏.‏ وذو ارتجال كسعاد وأدد

العلم قسمان‏:‏ منقول ومرتجل‏.‏

فالمنقول‏:‏ هو ما استعمل قبل العلمية لغيرها ‏"‏كفضل‏"‏ فإنه منقول من المصدر ‏"‏وأسد‏"‏ فإنه منقول عن اسم عين‏.‏

والمرتجل‏:‏ بخلافه ‏"‏كسعاد‏"‏ وهو علم امرأة ‏"‏وأدد‏"‏ وهو علم رجل‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ذهب بعضهم إلى أن الأعلام كلها منقولة، وبعضهم إلى أنها كلها مرتجلة، والمشهور الأول‏.‏

الثاني‏:‏ قال بعضهم‏:‏ تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل، إنما هو بالنسبة إلى الأعم الأغلب، وإلا فالذي علميته بالغلبة لا منقول ولا مرتجل‏.‏

الثالث‏:‏ المنقول، إما من مصدر ‏"‏كفضل‏"‏ أو اسم عين ‏"‏كأسد‏"‏ أو اسم فاعل ‏"‏كحارث‏"‏ أو اسم مفعول ‏"‏كمسعود‏"‏ أو صفة مشبهة ‏"‏كسعيد‏"‏ أو فعل ماض ‏"‏كشمر‏"‏ علم على فرس‏.‏ أو مضارع ‏"‏كيزيد‏"‏ أو جملة من فعل وفاعل ظاهر ‏"‏كبرق نحره‏"‏ أو مضمر بارز ‏"‏كأطرقا‏"‏‏.‏

في قول الشاعر‏:‏

على أطرقا باليات الخيام‏.‏‏.‏‏.‏ إلا الثمام وإلا العصي

أو مستتر ‏"‏كيزيد‏"‏ في قول الراجز‏:‏

نبئت أخوالي بني يزيد‏.‏‏.‏‏.‏ ظلما علينا لهم فديد

كذا أنشده الزمخشري بالياء المثناة من تحت‏.‏

قال ابن يعيش‏:‏ صوابه بالتاء المثناة من فوق وهو اسم رجل وإليه تنسب الثياب التزيدية‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ ولم يرد عن العرب علم منقول من مبتدأ أو خبر ولا من فعل أمر دون إسناد إلا ‏"‏إصمت‏"‏ اسما للفلاة الخالية‏.‏

فإن من العلماء من زعم أنه منقول من الأمر بالصمت، وذلك عندي غير صحيح من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أنه متى كان من ‏"‏أصمت‏"‏ فالأمر منه مفتوح الهمزة، وإن كان من ‏"‏صمت‏"‏ فالأمر منه مضموم الميم ‏"‏وإصمت‏"‏ بخلاف ذلك والمنقول لا يغير‏.‏

والثاني‏:‏ أنه قد قيل فيه ‏"‏أصمتة‏"‏ بتاء التأنيث ولو كان فعل أمر لم تلحقه هاء التأنيث‏.‏ وإذا انتفى كونه منقولا من فعل أمر ولم يثبت له استعمال في غير العلمية تعين كونه مرتجلا‏.‏

واعترض بأنه أمر من ‏"‏صمت يصمت‏"‏ بكسر الميم‏.‏

والجواب عن ‏"‏لحاق‏"‏ التاء أنهم أرادوا أن يعلموا بذلك كونه فارق موضعه من الفعلية‏.‏

وزاد بعضهم في المنقول منقولا من صوت وعني بذلك ‏"‏ببَّه‏"‏ وهو ابن لبعض بني هاشم‏:‏ وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وهو منقول من الصوت، كانت أمه ترقصه به وهو صبي وذلك قولها‏:‏

لأنكحن ببه‏,‏ جارية خدبه‏,‏ مكرمة محبه‏,‏ تجب أهل الكعبه‏.‏

قال ابن مالك‏:‏ والصحيح أن ‏"‏ببَّه‏"‏ منقول من قولهم للغلام السمين ببه‏.‏

قال ابن خالويه‏:‏ إن ‏"‏ببَّه‏"‏ هو الغلام السمين فيكون منقولا من الصفة‏.‏

وقال في الصحاح‏:‏ يقال للأحمق الثقيل ‏"‏ببه‏"‏ وهو أيضا لقب لعبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب والي البصرة‏.‏ قال الفرزدق‏:‏

وبايعت أقواما وفيت بعهدهم‏.‏‏.‏‏.‏ وببه قد بايعته غير نادم

واسم جارية، وقال لأنكحن ببه، جارية خدبة، مكرمة محبة، تجب أهل الكعبة‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وقد وهم في استشهاده في الرجز على أنه اسم جارية؛ لأن ‏"‏ببه‏"‏ في الرجز هو اللقب لعبد الله بن الحارث كما تقدم وأنشده بفتح الهمزة في قوله‏:‏ ‏"‏لأنحكن‏"‏ والصواب ضمها، وأنشد ‏"‏تجب أهل الكعبة‏"‏ ‏"‏بفتح التاء وكسر الجيم‏"‏ أي تغلبهم حسنا، يقال‏:‏ جب القوم إذا غلبهم والله أعلم‏.‏ ثم قال‏:‏

وجملة وما بمزج ركبا‏.‏‏.‏‏.‏ ذا إن بغير ويه تم أعربا

العلم قسمان‏:‏ مفرد نحو‏:‏ ‏"‏زيد‏"‏ ومركب وهو ثلاثة أقسام‏:‏

تركيب إسناد‏:‏ وهو ما كان جملة في الأصل نحو‏:‏ ‏"‏برق نحره‏"‏ وتقدم أنه لم يسمع النقل من الجملة الاسمية ولو سمي بها لجاز‏.‏

وتركيب مزج‏:‏ وهو كل اسمين جعلا اسما واحدا منزلا ثانيهما منزلة هاء التأنيث نحو‏:‏ ‏"‏بعلبك‏"‏‏.‏

وتركيب إضافة‏:‏ ‏"‏كامرئ القيس‏"‏‏.‏

فالإسنادي يحكى ولا يعرب مطلقا‏.‏ قال في التسهيل‏:‏ وربما أضيف صدر ذي الإسناد إلى ‏"‏عجزه‏"‏ إن كان ظاهرا‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

فتقول على هذا‏:‏ ‏"‏جاءني برق نحره‏"‏ بالإضافة، قال بعضهم‏:‏ وهذا لا يقاس عليه‏.‏

والمزجي‏:‏ إن ختم بويه بني على الكسر على الأشهر، وقد يعرب غير منصرف، وإن لم يختم بويه، أعرب غير منصرف على الأشهر، وقد يبنى تشبيها بخمسة عشر، وقد يضاف صدره إلى عجزه‏.‏

وقد علم حكم المزجي من قوله‏:‏ ‏"‏ذا إن بغير ويه ثم أعربا‏"‏ وذا إشارة إلى المزجي‏.‏

فإن قلت‏:‏ أبهم في قوله‏:‏ ‏"‏أعرب‏"‏ إذ لم يبين أنه غير منصرف‏.‏

قلت‏:‏ قد نبه عليه في موضعه من باب ما لا ينصرف‏.‏

وأما الإضافي فقد ذكره في قوله‏:‏

وشاع في الأعلام ذو الإضافه‏.‏‏.‏‏.‏ كعبد شمس وأبى قحافه

والإضافي‏:‏ ضربان‏:‏ كنية كأبي قحافة، وغير كنية كعبد شمس، وقد نبه على النوعين بالمثالين‏.‏

وأشار بقوله‏:‏ ‏"‏شاع‏"‏ إلى أن المضاف أكثر ‏"‏أقسام‏"‏ المركب إذ ‏"‏منه‏"‏ الكنى ولا تخفى كثرتها‏.‏

فإن قلت‏:‏ مقتضى ما ذكر انحصار المركب في الأنواع الثلاثة، وأن ما عداها مفرد‏.‏

وقد صرح بذلك في التسهيل حيث قال‏:‏ وما عري من إضافة وإسناد ومزج مفرد، وما لم يعرَ مركب‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ وليس الأمر كما قال؛ لأنه يرد عليه ‏"‏أشياء‏"‏ كثيرة من المركب نحو‏:‏ ما تركب من حرفين ‏"‏كأنما‏"‏ أو حرف واسم نحو‏:‏ ‏"‏يا زيد‏"‏ أو حرف وفعل نحو‏:‏ ‏"‏قد قام‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ عن ذلك جوابان‏:‏ أحدهما أنه إنما تعرض لذكر ما ورد عن العرب من المركب وأما تركيب الحرفين وما ذكر معه فلم يرد عن العرب بالتسمية به‏.‏

والثاني‏:‏ أن تركيب الحرفين وما ذكر معه شبيه بتركيب الإسناد لأن حكمه أن يحكى ولا يعرب كتركيب الإسناد، فاكتفي بذكر تركيب الإسناد؛ لأن هذا ملحق به‏.‏

ثم قال‏:‏

ووضعوا لبعض الأجناس علم‏.‏‏.‏‏.‏ كعلم الأشخاص لفظا وهو عم

هذا هو الضرب الثاني من ضربي العلم الجنسي، وإنما قال‏:‏ ‏"‏لبعض الأجناس‏"‏؛ لأنهم لم يضعوا لجميعها، وإنما وضعوا العلم الجنسي لبعض الأجناس التي لا تؤلف غالبا كالسباع والوحوش، وربما جاء في بعض المألوفات ‏"‏كأبي المضاء‏"‏ لجنس الفرس‏.‏

وقوله‏:‏ كعلم الأشخاص لفظا‏.‏ يعني أن العلم الجنسي يساوي الشخصي في أحكامه اللفظية فإنه لا يضاف ولا يدخل عليه حرف التعريف، ولا ينعت بالنكرة، ولا يقبح مجيئه مبتدأ‏,‏ ولا انتصاب للنكرة بعده على الحال، ولا يصرف منه ما فيه سبب زائد على العلمية ‏"‏كأسامة‏"‏ فساوى في ذلك كله العلم الشخصي‏.‏

وقوله‏:‏ وهو عم‏.‏ يعني أنه فارق العلم الشخصي من جهة المعنى بعمومه إذ ليس بعض الأشخاص أولى به من بعض‏.‏

ألا ترى أن ‏"‏أسامة‏"‏ صالح لكل أسد بخلاف العلم الشخصي‏.‏

فإن قلت‏:‏ فما الفرق بينه وبين اسم الجنس النكرة من جهة المعنى‏؟‏

قلت‏:‏ ذهب قوم إلى أن أسامة لا يخالف في معناه دلالة أسد، وإنما يخالفه في أحكام لفظية وإنما أطلق عليه أنه معرفة مجازا‏.‏

وهذا معنى ما ذكره ابن مالك في باب المعرفة والنكرة من شرح التسهيل، فإنه ذكر فيه أن أسامة ونحوه نكرة معنى معرفة لفظا وأنه في الشياع كأسد‏.‏

وأقول‏:‏ تفرقة الواضع بين ‏"‏أسامة‏"‏ و‏"‏أسد‏"‏ في الأحكام اللفظية ‏"‏تؤذن‏"‏ بفرق من جهة المعنى‏.‏

ومما قيل في ذلك‏:‏ أن ‏"‏أسدا‏"‏ وضع ليدل على شخص معين، وذلك الشخص لا يمتنع أنه يوجد منه أمثال فوضع ‏"‏أسدا‏"‏ على الشياع في جملتها، ووضع أسامة لا بالنظر إلى شخص بل على معنى الأسدية المعقولة التي لا يمكن أن توجد خارج الذهن ولا يمكن أن يوجد منها اثنان أصلا في الذهن، ثم صار ‏"‏أسامة‏"‏ يقع على الأشخاص لوجود ما هو ذلك المعنى المفرد الكلي في الأشخاص‏.‏

والتحقيق في ذلك‏:‏ أن تقول‏:‏ اسم الجنس هو الموضوع للحقيقة الذهنية من حيث هي هي ‏"‏فأسد‏"‏ موضوع للحقيقة من غير اعتبار قيد معها أصلا، وعلم الجنس ‏"‏كأسامة‏"‏ موضوع للحقيقة باعتبار حضورها الذهني الذي هو نوع شخصي لها مع قطع النظر عن إفرادها، ونظيره المعرف باللام التي للحقيقة والماهية‏.‏

وبيان ذلك‏:‏ أن الحقيقة الحاضرة في الذهن، وإن كان عامة بالنسبة إلى أفرادها، فهي باعتبار حضورها فيه أخص من مطلق الحقيقة، فإذا استحضر الواضع صورة ‏"‏الأسد‏"‏ ليضع لها فتلك الصورة الكائنة في ذهنه جزئية بالنسبة إلى ‏"‏مطلق صورة الأسد‏"‏‏.‏

فإن هذه الصورة واقعة لهذا الشخص في زمان ومثلها يقع في زمان آخر ‏"‏أو في ذهو آخر‏"‏‏.‏ والجميع يشترك في مطلق صورة الأسد، فإن وضع لها من حيث خصوصها فهو علم الجنس أو من حيث عمومها فهو اسم الجنس‏.‏

وفي كلام سيبويه إيماء إلى هذا الفرق، فإنه قال في باب ترجمته‏:‏ هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاص شائعا في ‏"‏الأمة‏"‏ ليس واحد منه بأولى من الآخر، ما نصه‏:‏ إذا قلت هذا أبو الحارث ‏"‏إنما‏"‏ تريد هذا الأسد أي‏:‏ هذا الذي سمعت باسمه أو عرفت ‏"‏أشباهه‏"‏ ولا تريد أن تشير إلى شيء ‏"‏قد عرفته بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدا‏"‏ ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

فجعله بمنزلة المعرف ‏"‏باللام‏"‏ التي للحقيقة‏.‏

وقال ابن مالك بعد ذكره كلام سيبويه‏:‏ هذا جعله خاصا شائعا في حالة واحدة‏.‏

فخصوصه باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج‏.‏

ثم شرع في تمثيله فقال‏:‏

من ذاك أم عريط للعقرب‏.‏‏.‏‏.‏ وهكذا ثعالة للثعلب

علم الجنس ضربان‏:‏ عيني ومعنوي‏.‏

فالعيني يكون اسما نحو‏:‏ ‏"‏شبوة‏"‏ للعقرب، و‏"‏ثعالة‏"‏ للثعلب، ويكون كنية نحو‏:‏ ‏"‏أم عريط‏"‏ للعقرب، ‏"‏وأبي الحصين‏"‏ للثعلب‏.‏

والمعنوي مثل‏:‏ ‏"‏برة وفجار‏"‏ فبرة علم للمبرة، وفجار علم للفجرة‏.‏

قال النابغة‏:‏

أنا اقتسمنا خطتينا بيننا‏.‏‏.‏‏.‏ فحملت برة واحتملت فجار

وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

ومثله برة للمبره‏.‏‏.‏‏.‏ كذا فجار علم للفجره

وفجار‏,‏ علم مؤنث مبني على الكسر مثل حذام‏.‏

تنبيه‏:‏

لما كان للعلم الجنس خصوص من وجه وشياع من وجه جاء في بعضه عن العرب وجهان‏:‏

إعطاؤه حكم المعارف، وإعطاؤه حكم النكرات، وطريق ذلك السماع‏.‏

ومن المسموع فيه الوجهان ‏"‏فينة‏"‏‏,‏ وغدوة وبكرة وعشية‏.‏

اسم الإشارة‏:‏

لم يحد اسم الإشارة؛ لأنه كما قيل محصور بالعد فلا يحتاج إلى الحد‏.‏

وحده في التسهيل بقوله‏:‏ ما وضع لمسمى وإشارة إليه‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ وقال بعضهم هو الموضوع لمعين في حال الإشارة‏.‏ وقال ابن الحاجب‏:‏ وهو ما وضع لمشار إليه‏.‏

والمشار إليه إما مذكر أو مؤنث، وكل منهما إما مفرد أو مثنى أو مجموع‏.‏

فهذه ستة أقسام‏:‏

فبدأ بما يشار به إلى الواحد المذكر فقال‏:‏ بذا لمفرد مذكر أشر‏.‏

للمفرد المذكر لفظ واحد وهو ‏"‏ذا‏"‏‏.‏

وقد يقال‏:‏ ‏"‏ذاء‏"‏ بهمزة مكسورة بعد الألف، و‏"‏ذائه‏"‏ بهاء مكسورة بعد الهمزة‏.‏

تنبيه‏:‏

مذهب البصريين‏:‏ أن ‏"‏ذا‏"‏ ثنائي لفظا ثلاثي وضعا، لقولهم في التصغير ‏"‏ذيا‏"‏ وسيأتي تقريره في باب التصغير‏,‏ فهل المحذوفة عينه أو لامه‏؟‏ قولان أظهرهما الثاني، وهل هو من باب طويت أو من باب حييت‏؟‏ قولان أشهرهما الثاني، ‏"‏وهل‏"‏ وزنه فعل -بالإسكان- أو فعل -بالتحريك- قولان‏:‏ أصحهما الثاني‏.‏

وذهب الكوفيون والسهيلي‏:‏ إلى أنه على حرف واحد وضعا، وأن ألفه زائدة استدلوا بسقوطها في قولهم ‏"‏ذان‏"‏‏.‏

وأجيب بأنها حذفت لالتقاء الساكنين، وبأنها صيغة مرتجلة لا تثنية حقيقية‏.‏

واستدلوا بقولهم ‏"‏ذه أمة الله‏"‏‏.‏

وأجيب‏:‏ باحتمال أن تكون الهاء بدلا من الباء‏.‏

قلت‏:‏ والظاهر أن يقال‏:‏ ‏"‏ذه‏"‏ صيغة مرتجلة للمؤنث‏.‏

وذهب قوم منهم السيرافي‏:‏ إلى ‏"‏أن ذا ثنائية‏"‏ الوضع، فالألف على هذا أصل كألف ‏"‏ما‏"‏ ‏"‏و‏"‏ ليست منقلبة عن شيء‏.‏

ثم انتقل إلى الواحدة المؤنثة فقال‏:‏

بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر

أي‏:‏ اقتصر بهذه الألفاظ الأربعة على المؤنث فلا تشر بها إلى ‏"‏غيره‏"‏‏,‏ وليس مراده حصر ما يشار به إلى المؤنث في هذه الألفاظ‏.‏

وقد حكى في التسهيل‏:‏ للمؤنثة عشرة ألفاظ‏:‏ ‏"‏ذي وتي وذه وته -بإسكان الهاء- وذه وته -بكسر الهاء- وذهي وتهي -بالإشباع- وتا وذات -مبنية على الضم‏"‏‏.‏

وحكى ابن أبي الربيع في شرح الإيضاح أن من العرب من يقول ‏"‏ذهي‏"‏ في الوصل ‏"‏وذه‏"‏ في الوقف -بسكون الهاء- تشبيها بالمضمر، وأن منهم من يقول‏:‏ ‏"‏ذى‏"‏ في الوصل فإذا وقف أبدل من الياء هاء فقال ‏"‏ذه‏"‏‏.‏

ثم انتقل إلى المثنى فقال‏:‏

وذان تان للمثنى المرتفع‏.‏‏.‏‏.‏ وفي سواه ذين تين اذكر تطع

أي نقول‏:‏ في تثنية المذكر ‏"‏ذان‏"‏ في الرفع و‏"‏ذين‏"‏ في الجر والنصب‏,‏ وفي تثنية المؤنث ‏"‏تان‏"‏ في الرفع و‏"‏تين‏"‏ في الجر والنصب تعربهما إعراب المثنى‏.‏ ‏"‏وإن كانا مشابهين للمبني‏"‏؛ لأن التثنية عارضت شبه الحرف، لكونها من خواص الأسماء فلم يؤثر شبه الحرف ولم يثن ‏"‏من‏"‏ أسماء الإشارة غير ‏"‏ذا وتا‏"‏‏.‏

ومذهب المحققين كالفارسي‏:‏ أن ‏"‏ذين وتين‏"‏ ليسا تثنية حقيقية بل ألفاظ وضعت لمثنى‏.‏ واستدل الفارسي على ذلك في التذكرة بأن التثنية تستلزم تقدير التنكير‏.‏

ألا ترى أن العلم إذا ثني قدر تنكيره، واسم الإشارة، لازم التعريف لا يقبل التنكير‏.‏

ثم انتقل إلى الجمع فقال‏:‏

وبأولى أشر الجمع مطلقا

أي مذكرا كان أو مؤنثا‏:‏ فتقول‏:‏ ‏"‏أولى خرجوا وأولى خرجن‏"‏ ويشار به إلى العاقل وغيره‏.‏

قال الشارح‏:‏ وأكثر ما يستعمل فيمن يعقل، وقد يجيء لغيره، وفيه لغتان‏:‏ القصر‏:‏ وهي لغة بني تميم، والمد‏:‏ وهو لغة أهل الحجاز، وهي الفصحى، وبها جاء القرآن ولهذا قال‏:‏ ‏"‏والمد أولى‏"‏ وقد حكي فيه لغات أخر، وهي ‏"‏هلاء‏"‏ -بإبدال الهمزة هاء- و‏"‏أولاء‏"‏ -بضم الهمزتين- ‏"‏وإلًى‏"‏ -بالتنوين- حكاه قطرب‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ وتسمية هذا تنوينا مجاز، والجيد أن يقال‏:‏ إن صاحب هذه ‏"‏اللغة‏"‏ زاد بعد همزة ‏"‏أولي‏"‏ نونا وأولي بإشباع الضمة قبل اللام هو ما حكاه الشلوبين عن بعض العرب ‏"‏وإلا‏"‏ بالقصر والتشديد‏,‏ حكاها بعض أهل اللغة‏.‏

تنبيه‏:‏

في همزة ‏"‏أولاء‏"‏ ثلاثة مذاهب‏:‏ أحدها أنها عن ياء وهو مذهب المبرد، والثاني‏:‏ أن أصلها ألف وهو مذهب الزجاج، والثالث‏:‏ أنها أصلية غير مبدلة من شيء بل مما فاؤه همزة نحو‏:‏ ‏"‏أجاء ‏"‏وأدآء‏"‏ وهو مذهب الفارسي‏.‏

ثم قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ولدى البعد انطقا

بالكاف حرفا دون لام أو معه‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فأشار بذلك إلى أن لأسماء الإشارة مرتبتين قريبة وبعيدة، فما تجرد عن كاف الخطاب فهو القريب، وقد مثلنا به، وما لحقته الكاف وحدها أو مع اللام فهو للبعيد‏.‏

فتقول للمذكر ‏"‏ذاك وذلك‏"‏‏,‏ وقالوا ‏"‏آلك‏"‏ في معنى ذلك‏.‏

وفي المؤنثة ‏"‏تيك وتلك وتالك‏"‏، وفي المثنى ‏"‏ذايك وتايك‏"‏ ‏"‏ولا تلحقه‏"‏ اللام، وفي الجمع ‏"‏أولئك وأولاكَ ‏"‏وأولالِكَ‏"‏‏"‏‏,‏ ولا تلحق اللام ‏"‏أولئك‏"‏ على لغة المدة‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ لا تلحق الكاف من أسماء الإشارة إلى المؤنث إلا ‏"‏تي ‏"‏تا‏"‏ ذي‏"‏، قالوا‏:‏ تيك وتلك وتيلك -بكسر التاء- في الثلاثة، وتيك وتلك، بفتح التاء فيهما‏,‏ ‏"‏وتالك وذيك‏"‏ ‏"‏بإسكان الياء‏"‏‏.‏

وقال ثعلب لا يقال ‏"‏ذيك‏"‏ وقد حكاه غيره‏,‏ فهذه سبعة ألفاظ للمؤنثة ‏"‏في البعد‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ للنحويين في أسماء الإشارة مذهبان‏:‏ أحدهما أن لها مرتبتين قريبة وبعيدة، والآخر أن لها ثلاث مراتب‏:‏ قريبة وبعيدة ومتوسطة، وهذا هو المشهور‏.‏

وزعموا أن المقرون بالكاف وحدها للمتوسط، والمقرون بالكاف مع اللام للبعيد، وجعلوا التشديد للنون في المثنى قائما مقام اللام في الدلالة على البعد‏.‏

واختلفوا في ‏"‏أولئك ‏"‏بالمد‏"‏ فقيل‏:‏ هو للمتوسط، لعدم اللام، وقيل‏:‏ هو للبعيد‏.‏

قال المصنف‏:‏ والمذهب الأول هو الصحيح، وهو الظاهر من كلام المتقدمين‏.‏ يعني‏:‏ القول بأن لها مرتبتين فقط‏.‏

قلت‏:‏ ونسبه الصفار إلى سيبويه، وقد استدل له في شرح التسهيل بأوجه‏:‏

أولها‏:‏ وهو أقواها‏:‏ أن الفراء روى أن الحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام وأن التميميين ليس من لغتهم استعمال الكاف مع اللام، وأن بني تميم يقولون‏:‏ ‏"‏ذاك وتيك‏"‏ حيث يقول الحجازيون ‏"‏ذلك وتلك‏"‏‏.‏

فلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان‏.‏

وثانيها‏:‏ أن القرآن العزيز ليس فيه إشارة إلا بمجرد عن اللام والكاف معا، أو مصاحب لهما معا‏,‏ أعني غير المثنى والمجموع‏.‏

فلو كانت الإشارة إلى المتوسط بكاف لا لام معها، لكان القرآن غير جامع لوجوه الإشارة‏.‏

وهذا مردود بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ‏}‏‏.‏

وثالثها‏:‏ أن التعبير ‏"‏بذلك‏"‏ عن مضمون كلام على أثر انقضائه شائع في القرآن وغيره، ولا واسطة بين النطقين‏.‏

ورابعها‏:‏ ‏"‏أنها‏"‏ لو كانت مراتب الإشارة ثلاثا لم يكتف في التثنية والجمع بلفظين لأن في ذلك رجوعا عن سبيل الإفراد، ولا التفات إلى قول من قال‏:‏ إن تشديد النون دليل على البعد؛ لأن التشديد عوض ‏"‏عما‏"‏ حذف من الواحد؛ لأنه يستعمل مع المجرد من الكاف‏.‏ انتهى‏,‏ وفيه اختصار‏,‏ ولا خفاء فيما في الوجه الثاني من الضعف‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏حرفا‏"‏ يعني‏:‏ أن الكاف في ذلك حرف خطاب تبين أحوال المخاطب يقال‏:‏ ‏"‏ذلك وذلك وذلكما وذلكم وذلكن‏"‏ كما تفعل بالكاف الاسمية‏,‏ هذه أفصح اللغات‏.‏

والثانية‏:‏ أن تكون مفتوحة في التذكير ومكسورة في التأنيث، ولا يلحقها دليل تثنية ولا جمع‏.‏

والثالثة‏:‏ أن تكون مفتوحة مجردة من الزوائد في الأحوال كلها، ولا خلاف في حرفية الكاف هنا‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ دون لام أو معه

تقدم أن اللام لغة الحجازيين، وتركها لغة بني تميم‏,‏ وذكر بعضهم في هذه اللام ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنها دليل البعد‏.‏

والثاني‏:‏ أنها عماد‏.‏

والثالث‏:‏ أنها عوض من هاء التنبيه؛ لأنها لا تجامعها‏.‏

تنبيه‏:‏

قوله‏:‏ ‏"‏أو معه‏"‏ لا يصح في جميع أسماء الإشارة، وإنما ذلك في المفرد ‏"‏وأولى‏"‏ المقصور، وقد تقدم أن المثنى ‏"‏وأولاء‏"‏ الممدود لا تلحقه اللام وقوله‏:‏

واللام إن قدمت ها ممتنعه

يعني‏:‏ أنك إن قدمت قبل اسم الإشارة لفظ ‏"‏ها‏"‏ التي للتنبيه امتنع الإتيان باللام فلا يقال ‏"‏هَذَا لِكَ‏"‏‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ كراهية لكثرة الزوائد، وقد فهم من كلامه أن ‏"‏ها‏"‏ تدخل على المجرد فيقال‏:‏ ‏"‏هذا‏"‏ وعلى المصاحب للكاف ‏"‏وحدها فيقال‏:‏ هذاك‏"‏‏,‏ ‏"‏إلا أن دخولها على المجرد كثير وعلى المصاحب للكاف‏"‏ قليل ومنه قوله‏:‏

رأيت بنى غبراء لا ينكرونني‏.‏‏.‏‏.‏ ولا أهل هذاك الطراف الممدد

تنبيه‏:‏

مقتضى ما ذكر جواز ‏"‏هاذانك ‏"‏وهاتانك‏"‏ وهؤلائك‏"‏‏.‏

وقال في شرح التسهيل‏:‏ إن المقرون بالكاف في التثنية والجمع لا يصحبه ‏"‏ها‏"‏ فلا يقال ‏"‏هذانك‏"‏ ولا ‏"‏هؤلائك؛ لأن واحدهما ‏"‏ذاك‏"‏ أو ‏"‏ذلك‏"‏‏,‏ فحمل

على ذلك مثناه وجمعه؛ لأنهما فرعاه، وحمل عليهما مثنى ‏"‏ذاك‏"‏ وجمعه لتساويهما لفظا ومعنى‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

والسماع في ‏"‏الجمع‏"‏ يرد عليه‏.‏ فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ من هؤليائكن الضال والسمر

وقد أنشد هذا البيت في الشرح‏:‏

وبهنا أو ههنا أشر إلى‏.‏‏.‏‏.‏ داني المكان‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني أن ‏"‏هنا‏"‏ من أسماء الإشارة المخصوصة بالمكان، وقد تلحقه ‏"‏ها‏"‏ التنبيه فيقال‏:‏ ‏"‏ههنا‏"‏ وكلاهما للقريب أعني‏:‏ المجرد والمقرون ‏"‏بها‏"‏ التنبيه وهو معنى قوله‏:‏ ‏"‏دان‏"‏ المكان‏.‏ والداني هو القريب‏.‏

فإذا أريد بها البعيد جيء بالكاف فيقال هناك ‏"‏وها هناك‏"‏‏.‏

ولهذا قال‏:‏

وبه الكاف صلا في البعد

يعني‏:‏ مجردا أو مع ‏"‏ها‏"‏ التنبيه، ويقال أيضا في البعد‏:‏ ‏"‏هنالك‏"‏ باللام مع الكاف، كما يقال‏:‏ ‏"‏ذلك‏"‏‏,‏ ولا تدخل ‏"‏هنا‏"‏ على ‏"‏هنالك‏"‏ ولا يقال‏:‏ ‏"‏ههنالك‏"‏، كما لا يقال ‏"‏هذا لك‏"‏‏.‏

وقد نبه على ‏"‏هنالك‏"‏ بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ أو بهنا لك انطقن

تنبيه‏:‏

ظاهر كلامه هنا اختصاص ‏"‏هنا‏"‏‏:‏ بالمكان، وقد صرح به في الكافية فقال‏:‏ وبالمكان اخصص هنا‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وقال في شرح التسهيل‏:‏ وقد يراد ‏"‏بهناك وهنالك‏"‏ الزمان، وقد مثل ‏"‏هناك‏"‏ في شرحه بقول الشاعر‏:‏

وإذا الأمور تشابهت وتعاظمت‏.‏‏.‏‏.‏ فهناك تعترفون أين المفزع

ومثل ‏"‏هنالك‏"‏ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ولا حجة فيهما، ‏"‏لاحتمال‏"‏ أن يكون الإشارة إلى المكان‏.‏

وقوله‏:‏ أو بثم فه‏.‏‏.‏‏.‏ إلى آخره‏.‏

يعني‏:‏ أنه يشار أيضا للمكان ‏"‏البعيد‏"‏ ‏"‏بثم وهنا وهنا‏"‏ بفتح الهاء وكسرها وقد يقال‏:‏ ‏"‏هنت‏"‏ موضع ‏"‏هنا‏"‏ وقد يقال‏:‏‏"‏هناك وهناك‏"‏ بكاف الخطاب‏.‏

وقد يراد ‏"‏بهنا‏"‏ الزمان كما ذكر في التسهيل ومنه قول الشاعر‏:‏

حنت نوار ولات هنا حنت‏.‏‏.‏‏.‏ وبدا الذي كانت نوار أجنت