فصل: الجزء الثاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


‏[‏المجلد 2‏]‏

الجزء الثاني‏:‏

الفاعل‏:‏

هو الاسم المسند إليه فعل تام مقدم غير مصوغ للمفعول‏,‏ أو جارٍ مجراه‏.‏

‏"‏فالاسم‏"‏‏:‏ جنس يشمل الصريح والمؤول، و‏"‏المسند إليه‏"‏ فعل مخرج لما لم يسند إليه كالمفعول، والمسند إليه غير الفعل نحو‏:‏ ‏"‏زيد أخوك‏"‏‏.‏

‏"‏وتام‏"‏‏:‏ مخرج للفعل الناقص نحو‏:‏ ‏"‏كان‏"‏ وأخواتها‏,‏ فلا يسمى مرفوعها فاعلا حقيقة‏.‏

وقد سماه سيبويه فاعلا والخبر مفعولا على سبيل التوسع، ‏"‏مقدم‏"‏ يخرج نحو‏:‏ ‏"‏زيد قام‏"‏‏.‏

قيل‏:‏ ‏"‏وهذا‏"‏ حكم مختلف فيه‏,‏ فلا ينبغي أن يذكر في الحد‏,‏ ‏"‏وغير مصوغ للمفعول‏"‏ يخرج نحو‏:‏ ‏"‏ضُرب زيدٌ ويُضرَب‏"‏ مما هو طريقة فُعِل ويُفعَل، فإن مرفوعهما نائب عن الفاعل وليس بفاعل‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد اضطر الزمخشري إلى تسميته مفعولا بعد أن جعله فاعلا‏.‏

‏"‏والجاري مجرى الفعل‏"‏ هو ‏"‏اسم الفعل‏"‏ والصفات والمصادر والظروف والمجرورات ‏"‏بشرطها‏"‏‏.‏ وقد أشار إلى تعريف الفاعل بمثالين تضمنهما قوله‏:‏

الفاعل الذي كمرفوعَيْ أتى‏.‏‏.‏‏.‏ زيد‏"‏ منيرا وجهُهُ نعم الفتى

فكأنه قال‏:‏ الفاعل ما كان كزيد من قولك‏:‏ ‏"‏أتى زيد‏"‏ في كونه اسما أسند إليه فعل تام مقدم غير مصوغ للمفعول، أو كان كوجهه من قولك ‏"‏منيرا وجهه‏"‏ في كونه اسما أسند إليه اسم مقدم جارٍ مجرى الفعل المذكور‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏نعم الفتى‏"‏ فهو مثال ‏"‏ثانٍ‏"‏ كمل به البيت‏,‏ والأول يغني عنه‏.‏ ثم قال‏:‏

وبعد فعلٍ فاعلٌ فإن ظهر‏.‏‏.‏‏.‏ فهو وإلا فضمير استتر

مرتبة الفاعل أن يكون بعد فعله لكونه كالجزء منه، فإن ظهر المسند إليه بعد الفعل فهو الفاعل نحو‏:‏ ‏"‏قام زيد‏"‏ و‏"‏قمتُ‏"‏‏,‏ وإن لم يظهر بعده بل قبله نحو‏:‏ ‏"‏زيد قام‏"‏ أو لم يظهر قبله ولا بعده نحو‏:‏ ‏"‏قم‏"‏ فهو ضمير مستتر؛ لأن الفعل لا يخلو ‏"‏من‏"‏ ‏"‏الفاعل‏"‏‏,‏ ولا يتأخر عنه‏.‏

فإن قلت‏:‏ ليس قوله‏:‏ ‏"‏وبعد فعل فاعل‏"‏ على إطلاقه‏,‏ فإن بعض الأفعال لا يرفع فاعلا فليس بعده فاعل، وذلك الفعل الزائد نحو‏:‏ ‏"‏كان‏"‏ الزائدة‏,‏ خلافا لمن قال فيها ضمير المصدر‏.‏

والمستعمل استعمال الحرف نحو‏:‏ ‏"‏قلما‏"‏ المراد بها النفي في الأشهر، والمؤكد في نحو‏:‏ ‏"‏قام قام زيد‏"‏ في أحد الأوجه، وللمبني للمفعول نحو‏:‏ ‏"‏ضرب زيد‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ المراد بقوله‏:‏ ‏"‏وبعد فعل فاعل‏"‏ أن الفاعل يكون بعد الفعل لا قبله، وليس المراد أن كل فعل يكون بعده فاعل ‏"‏فيلزمه‏"‏ ما ذكرت‏.‏

فإن قلت‏:‏ لا بد في الشرط والجزاء من مغايرة ولم يفد الجزاء في البيت إلا ما أفاد الشرط؛ لأن التقدير‏:‏ فإن ظهر الفاعل فهو الفاعل‏.‏

قلت‏:‏ الضمير في قوله‏:‏ ‏"‏ظهر‏"‏ للفاعل في المعنى، وخبر ‏"‏هو‏"‏ الفاعل في الاصطلاح ‏"‏فتغايرا‏"‏‏.‏

والمعنى‏:‏ فإن ظهر بعد الفعل ما هو له في المعنى‏,‏ فهو الفاعل في الاصطلاح‏.‏ فإن قلت‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏وإلا فضمير استتر‏"‏ ليس بجيد؛ لأن الفاعل قد يكون ضميرا ‏"‏بارزا‏"‏‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏فعلت‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ الضمير البارز شمله قوله‏:‏ ‏"‏فإن ظهر‏"‏‏,‏ فإن المراد بالظاهر ‏"‏هنا‏"‏ الملفوظ به‏,‏ لا مقابل الضمير‏.‏

فإن قلت‏:‏ مقتضى قوله‏:‏ ‏"‏وإلا فضمير استتر‏"‏ أن الفاعل إما ظاهر وإما ‏"‏مضمر‏"‏ مستتر، وبقيت حالة أخرى‏,‏ وهو أن يكون ‏"‏ضميرا‏"‏ محذوفا في باب النيابة وباب المصدر وباب التعجب‏.‏

قلت‏:‏ قد ذكر ذلك في باب النيابة، وباب التعجب، وأما المصدر فلا يرد هنا؛ لأنه إنما تكلم على فاعل الفعل على أن في التعجب والمصدر خلافا، وقد ذهب الكسائي إلى جواز حذف الفاعل مطلقا‏.‏

ثم قال‏:‏

وجَرِّدِ الفعل إذا ما أُسندا‏.‏‏.‏‏.‏ لاثنين أو جَمْع ‏"‏كفاز الشهدا

أي‏:‏ إذا أسند الفعل إلى فاعل ظاهر مثنى أو مجموع، جرد في اللغة المشهورة من علامة التثنية والجمع فتقول‏:‏ ‏"‏فاز الشهيدان‏,‏ وفاز الشهداء‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ أطلق في قوله‏:‏ ‏"‏لاثنين أو جَمْع‏"‏‏,‏ وإنما يعني منه الظاهر‏.‏

قلت‏:‏ قيد ذلك بمثاله، وأيضا بقوله في البيت الذي يليه ‏"‏والفعل للظاهر بعد مسند‏"‏؛ لأن المسألة واحدة‏.‏

فإن قلت‏:‏ لا فائدة في تخصيصه ذلك بالاثنين والجمع؛ لأن المسند إلى المفرد مجرد أيضا‏.‏

قلت‏:‏ لم تختلف العرب في فعل المفرد، وإنما اختلفوا في فعل الاثنين والجمع، فنبه على مواضع الخلاف‏.‏

ثم أشار إلى اللغة الأخرى‏:‏

وقد يُقال‏:‏ سَعِدا وسَعِدوا‏.‏‏.‏‏.‏ والفعل للظاهر -بعدُ- مُسنَد

هذه اللغة ينسبها النحويون إلى‏:‏ ‏"‏أكلوني البراغيث‏"‏، وحمل المصنف عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يتعاقبونَ فيكم ملائكةٌ بالليل‏,‏ وملائكةٌ بالنهار‏"‏ وقد نُوزع في ذلك‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ ألفيتُ في كتب الحديث المروية الصحاح ما يدل على كثرة هذه اللغة‏.‏ وجردها، وذكر آثارا‏,‏ منها قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل‏,‏ وملائكةٌ بالنهار‏"‏ أخرجه مالك في الموطأ‏.‏

ثم قال‏:‏ لكني أقول في حديث مالك‏:‏ ‏"‏إن‏"‏ الواو فيه علامة إضمار؛ لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولا مجردا‏.‏ فقال فيه‏:‏ ‏"‏إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم‏"‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وحكى بعض النحويين أنها لغة طيئ، وحكى بعضهم أزد شَنوءَةَ ولا يقبل قول من أنكرها‏.‏

ثم قال‏:‏

ويرفع الفاعلَ فعلٌ أُضمرا‏.‏‏.‏‏.‏ كمثل ‏"‏زيدٌ‏"‏ في جواب ‏"‏من قرا

يعني‏:‏ أن الفاعل قد يحذف رافعه‏.‏

وحذفه، على قسمين‏:‏ جائز نحو‏:‏ ‏"‏زيد‏"‏ في جواب ‏"‏من قال‏"‏‏:‏ من قرأ‏؟‏ أي‏:‏ قرأ زيد‏.‏ وهذا المثال يحتمل أن يكون ‏"‏زيد‏"‏ فيه مبتدأ محذوف الخبر‏,‏ أي‏:‏ زيد القارئ، وهو الأظهر؛ لأن الأولى مطابقة الجواب للسؤال‏.‏ والأحسن أن يقال‏:‏ كمثل زيدٌ في جواب‏:‏ هل قرأ أحد‏؟‏

وواجب نحو‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ‏}‏ أي‏:‏ وإن استجارك أحد‏.‏ وتجوَّز المصنف فعبر عن الحذف بالإضمار‏.‏

وفهم من كلامه أن الرافع للفاعل هو ‏"‏المسند‏"‏‏,‏ أعني الفعل وما جرى مجراه، وهذا أصح الأقوال‏.‏

ثم قال‏:‏

وتاء تأنيث تلي الماضي إذا‏.‏‏.‏‏.‏ كان لأنثى كأبت هندُ الأذى

إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث‏,‏ ولو بتأويل لحقته ‏"‏تاء‏"‏ ساكنة تدل على تأنيث فاعله‏.‏

ولحاقها على ضربين‏:‏ جائز وواجب، وقد بين ذلك بقوله‏:‏

وإنما تلزم فعل مضمر‏.‏‏.‏‏.‏ متصل أو مفهم ذات حِرِ

يعني‏:‏ أن هذه التاء لا تلزم الفعل إلا في حالين‏:‏

الأول‏:‏ أن يسند إلى ‏"‏ضمير‏"‏ متصل سواء كان حقيقي التأنيث نحو‏:‏ ‏"‏هند قامت‏"‏‏,‏ أو مجازيه نحو‏:‏ ‏"‏الشمس طلعت‏"‏‏.‏

فإن كان منفصلا نحو‏:‏ ما ‏"‏قام‏"‏ إلا أنتِ‏,‏ ضعف إثبات التاء‏.‏

الثاني‏:‏ أن يسند إلى ظاهر حقيقي التأنيث متصل‏,‏ غير جمع ولا جنس‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏قامت هند‏"‏‏,‏ و‏"‏قامت الهندانِ‏"‏‏.‏

فإن كان مجازي التأنيث نحو‏:‏ ‏"‏طلعت الشمس‏"‏‏,‏ أو منفصلا نحو‏:‏ ‏"‏‏"‏قامت‏"‏ اليوم هند‏"‏‏,‏ أو جنسا نحو‏:‏ ‏"‏نعمت المرأة‏"‏‏,‏ أو جمعا نحو‏:‏ ‏"‏قامت الهنود‏"‏ لم تلزم التاء على ‏"‏سببين‏"‏‏.‏

وقد فهم القيد الأول وهو‏:‏ أن يكون حقيقي التأنيث‏,‏ من قوله‏:‏ ‏"‏أو مفهم ذات حر‏"‏‏:‏ والحر‏:‏ فرج المرأة‏.‏

ونبه على القيد الثاني؛ أعني الاتصال بقوله‏:‏

وقد يبيح الفصل ترك التاء في‏.‏‏.‏‏.‏ نحو‏:‏ ‏"‏أتى القاضيَ بنت الواقف

ولكن يختار إثبات التاء في ‏"‏غير الحقيقي المتصل، وفي الحقيقي‏"‏ المفصول بغير ‏"‏إلا‏"‏‏.‏

فقولك‏:‏ ‏"‏أتت القاضيَ بنتُ الواقف‏"‏ أحسن من ‏"‏أتى‏"‏‏.‏

فإن كان الفصل ‏"‏بإلا‏"‏ فبالعكس، وقد نبه عليه بقوله‏:‏

والحذف مع فصل بإلا فُضِّلا‏.‏‏.‏‏.‏ كما زكا إلا فتاةُ ابن العلا

فما زكا إلا فتاة‏,‏ أجود مما زكت‏.‏

وبعضهم لا يجيز ثبوتها مع الفصل ‏"‏بإلا‏"‏ إلا في الضرورة، والصحيح جوازه في النثر على قلة‏,‏ ومنه قراءة مالك بن دينار وأبي رجاء الجحدري‏:‏ ‏{‏فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ‏}‏ ذكرها أبو الفتح‏.‏

ثم نبه على أنه قد ورد الحذف مع الحقيقي المتصل‏,‏ ومع ضمير المجازي بقوله‏:‏

والحذف قد يأتي بلا فصل، ومَعْ‏.‏‏.‏‏.‏ ضمير ذي المجاز في شعر وقعْ

أما الحذف مع الحقيقي المتصل فذكره سيبويه‏,‏ وحكى‏:‏ قال فلانة‏.‏

وذكر المصنف أنه لغة بعضهم، وقال بعضهم‏:‏ هو شاذّ، لا يجوز إلا حيث سمع‏.‏

وأما الحذف مع ضمير المجازي‏,‏ فقد ورد في الشعر كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ولا أرضَ أبقلَ إبقالها

وقوله‏:‏

إن السماحة والمروءة ضمنا‏.‏‏.‏‏.‏ قبرا بمرو على الطريق الواضح

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فإن الحوادث أودى بها

وهو من ضرائر الشعر‏,‏ خلافا لابن كيسان في القياس عليه‏.‏

ثم أشار إلى القيد الثالث -أعني‏:‏ كونه غير جمع- بقوله‏:‏

والتاء مع جمع سوى السالم من‏.‏‏.‏‏.‏ مذكر‏,‏ كالتاء مع إحدى اللَّبِن

يعني‏:‏ أن حكم التاء مع المسند إلى غير المذكر السالم حكمها مع المجازي التأنيث ‏"‏كإحدى اللبن‏"‏ وهي لبنة‏,‏ فيجوز إثباتها وحذفها‏.‏

فعلى هذا تقول‏:‏ قام الرجال وقامت الرجال وقام الهندات وقامت الهندات؛ لأن قوله‏:‏ ‏"‏سوى السالم من مذكر‏"‏ يشمل الجمع المكسر والسالم من المؤنث‏.‏

فالتذكير على تأولهم بجمع والتأنيث على تأولهم بجماعة، وما ذكره في جمع التكسير متفق عليه‏.‏

وأما المؤنث السالم؛ فإما أن يكون واحده مذكرا ‏"‏كالطلحات‏"‏‏,‏ أو مغيرا وهو ‏"‏بنات‏"‏ فحكمه أيضا في جواز الأمرين حكم التكسير‏.‏

وإما أن يكون غير ذلك ‏"‏كالهندات‏"‏ فحكمه حكم واحده‏.‏ فلا يقول‏:‏ ‏"‏قام الهندات‏"‏ إلا من يقول‏:‏ ‏"‏قام فلانة‏"‏‏,‏ هذا هو الصحيح وإليه ذهب في التسهيل‏.‏

وأجاز الكوفيون‏:‏ ‏"‏قام الهندات‏"‏ كجمع التكسير، واختاره أبو علي، واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ‏}‏‏.‏

وأجيب بأن حذفها في الآية للفصل، وكلامه هنا موافق مذاهب الكوفيين، ومن وافقهم من البصريين‏.‏

وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز إلحاق التاء معه، إذا لم يسمع؛ ولذلك استثناه خلافا للكوفيين‏,‏ فأجازوا الوجهين في الجموع الثلاثة‏.‏

ويستثنى من ذلك البنون‏,‏ فحكمه حكم التكسير لتغير واحده‏.‏

واعلم أن اسم الجمع كالجمع المكسر‏.‏

ثم نبه على القيد الرابع، أعني‏:‏ كونه غير مقصود به الجنس‏,‏ بقوله‏:‏

والحذف في نعم الفتاةُ استحسنوا‏.‏‏.‏‏.‏ لأن قصد الجنس فيه بين

يعني‏:‏ أنهم استحسنوا الحذف في ‏"‏نعم وبئس‏"‏‏,‏ فيقول‏:‏ ‏"‏نعم الفتاة‏"‏ من لا يقول‏:‏ ‏"‏قال فلانة‏"‏؛ لأن المقصود به جنس الفتاة، و‏"‏أل‏"‏ فيه جنسية، خلافا لمن زعم أنها عهدية‏.‏

ولا يعني أن الحذف أحسن ‏"‏من‏"‏ الإثبات بل هو حسن، والإثبات أحسن منه‏.‏

والأصل في الفاعل أن يتصلا‏.‏‏.‏‏.‏ والأصل في المفعول أن ينفصلا

يعني‏:‏ أن الأصل في الفاعل أن يتصل بفعله؛ لأنه كالجزء منه‏,‏ والأصل في المفعول أن ينفصل عنه بالفاعل نحو‏:‏ ‏"‏ضرب زيدٌ عمرًا‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

وقد يُجاء بخلاف الأصل‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ يقدم المفعول على الفاعل نحو‏:‏ ضرب عمرًا زيدٌ‏.‏

وتقديمه على الفاعل‏,‏ على ثلاثة أقسام‏:‏ جائز كما مثل، وواجب، وممتنع‏,‏ وقد نبه عليها، فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وقد يجي المفعول قبل الفعل

وهو على ثلاثة أقسام‏:‏ جائز نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَرِيقًا هَدَى‏}‏ ‏,‏ وواجب

نحو‏:‏ ‏"‏من أكرمت‏؟‏‏"‏؛ لأن اسم الاستفهام له الصدر، وممتنع ويمنعه ما أوجب تأخره أو توسطه‏.‏

ثم قال‏:‏

وأخِّر المفعول إن لبس حُذر‏.‏‏.‏‏.‏ أو أُضمر الفاعل غير منحصر

يجب تأخير المفعول في ثلاث مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ إذا خِيف التباسه بالفاعل؛ لخفاء الإعراب فيهما ولا قرينة‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏ضرب موسى عيسى‏"‏ فيتعين كون الأول فاعلا ‏"‏كذا‏"‏ قال ابن السراج‏.‏ وتظافرت على ذلك نصوص المتأخرين، ونازعهم في ذلك ابن الحاج في نقده على ابن عصفور‏,‏ وقال‏:‏ لا يوجد في كتاب سيبويه شيء من هذه الأغراض الواهية، ولا يبعد أن يقصد قاصد ‏"‏ضرب أحدهما‏"‏ من غير تعيين‏,‏ فيأتي باللفظ المحتمل، ولا يمنع أن يتكلم به لغة ويتأخر البيان إلى وقت الحاجة‏.‏

نعم، يمكن أن يقال‏:‏ إذا أجملا‏.‏

فينبغي أن يبقى مع الظاهر من تقديم الفاعل، لكن ليس هذا قطعا على منعه‏.‏

قال الزجاج في معانيه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ‏}‏‏:‏

يجوز أن تكون ‏"‏تلك‏"‏ في موضع رفع على ‏"‏أنها‏"‏ اسم ‏"‏زالت‏"‏ وفي موضع نصب على خبر ‏"‏زالت‏"‏‏,‏ ولا خلاف بين النحويين في جواز الوجهين ا‏.‏ هـ‏.‏ مختصرا وبعضه بالمعنى‏.‏

ولا يلزم من إجازة الزجاج الوجهين في الآية الكريمة، جواز مثل ذلك في‏:‏ ‏"‏ضرب موسى عيسى‏"‏؛ لأن التباس الفاعل بالمفعول ليس كالتباس اسم ‏"‏زال‏"‏ بخبرها، وذلك واضح فلو زال ‏"‏الالتباس‏"‏ بقرينة معنوية نحو‏:‏ ‏"‏ولدت هذه هذه‏"‏ تشير بالأولى إلى الصغرى، أو بقرينة لفظية نحو‏:‏ ‏"‏ضربتْ‏"‏ موسى سعدى‏,‏ جاز التقديم‏.‏

الثانية‏:‏ أن يكون ‏"‏الفاعل‏"‏ ضميرا ‏"‏متصلا‏"‏ غير محصور، نحو‏:‏ ‏"‏أكرمت زيدا‏"‏‏,‏ فلو كان محصورا وجب تأخيره ‏"‏نحو‏"‏‏:‏ ‏"‏وما ضرب زيدا إلا أنا‏"‏‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يحصر ‏"‏المفعول‏"‏ بإلا أو بإنما نحو‏:‏ ‏"‏ما ضرب زيد إلا عمرا‏"‏، و‏"‏إنما ضرب زيد عمرا‏"‏‏.‏

ويجب تقديم المفعول على الفاعل لثلاثة أسباب‏:‏

الأول‏:‏ أن يحصر ‏"‏الفاعل‏"‏ بإلا أو بإنما نحو‏:‏ ‏"‏ما ضرب زيدا إلا عمرو‏"‏ و‏"‏إنما ضرب زيدا عمرو‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون ‏"‏المفعول‏"‏ ضميرا متصلا وفاعله ظاهر نحو‏:‏ ‏"‏أكرمك زيد‏"‏‏.‏

الثالث‏:‏ أن يعود عليه ضمير متصل بالفاعل نحو‏:‏ ‏"‏ضرب زيدا غلامه‏"‏ عند الأكثرين‏.‏

وقد نبه المصنف على وجوب تأخير ما حصر‏,‏ فاعلا كان أو مفعولا‏,‏ بقوله‏:‏

وما بإلا أو بإنما انحصر‏.‏‏.‏‏.‏ أُخر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فأما المحصور ‏"‏بإنما‏"‏ فلا خلاف في وجوب تأخيره‏.‏

وأما المحصور ‏"‏بإلا‏"‏ فنقل المصنف أنه يجب تأخيره خلافا للكسائي، فإنه أجاز تقديمه‏,‏ فاعلا كان أو مفعولا، ووافقه ابن الأنباري على جواز تقديم المفعول ‏"‏بخلاف‏"‏ الفاعل‏.‏

والحاصل ثلاثة مذاهب‏:‏ الجواز مطلقا وهو مذهب الكسائي، والمنع مطلقا وهو مذهب الجمهور، والتفصيل وهو مذهب ابن الأنباري‏.‏ ونقل غيره أن مذهب البصريين والفراء والكسائي إجازة تقديم المفعول إذا حصر ‏"‏بإلا‏"‏ ‏"‏‏"‏‏.‏

وكلام المصنف هنا يقتضي موافقة الكسائي‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وقد يسبق إن قصد ظهر

واحترز بقوله‏:‏ ‏"‏إن قصد ظهر‏"‏ من المحصور ‏"‏بإنما‏"‏‏,‏ فإنه لا يظهر قصد الحصر معها إلا بالتأخير‏.‏

ولم ينبه على باقي أسباب تقديم المفعول، وهو مستفاد من قوله‏:‏ ‏"‏أو أُضمر الفاعل غير منحصر‏"‏؛ لأن العلة واحدة، وهي أن الاتصال لا يجوز مع إمكان الانفصال في غير المواضع المستثناة‏.‏

ثم قال‏:‏

وشاع نحو‏:‏ ‏"‏خاف ربَّه عمر

أي‏:‏ كثر تقديم المفعول الملتبس بضمير الفاعل عليه؛ لأن الفاعل في نية التقديم نحو‏:‏ ‏"‏خاف ربَّه عمرُ‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وشذ نحو‏:‏ زانَ نورُه الشجر

أي‏:‏ شذ تقديم الفاعل الملتبس بضمير المفعول عليه؛ لما يلزم من عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة‏.‏

قال المصنف‏:‏ والنحويون -إلا أبا الفتح- يحكمون بمنع ‏"‏مثل‏"‏، هذا والصحيح جوازه‏.‏

واستدل على ذلك بالسماع، وأنشد ستة أبيات‏,‏ وأنشد غيره أبياتا أخر‏.‏

وذكر لجوازه وجها من القياس‏,‏ وقد أجازه قبله وقبل أبي الفتح، الأخفش من البصريين، والطوال من الكوفيين‏.‏

وتأول المانعون بعض الأبيات بما هو خلاف الظاهر، وقد أجازه بعضهم في الشعر دون النثر، وهو الإنصاف؛ لأن ذلك إنما ورد في الشعر، والله أعلم‏.‏

النائب عن الفاعل‏:‏

قال‏:‏

ينوب مفعول به عن فاعل‏.‏‏.‏‏.‏ فيما له كنِيلَ خيرُ نائل

قد يحذف الفاعل لغرض لفظي كالإيجاز ‏"‏والتصحيح‏"‏ والتوافق والتقارب، أو معنوي‏:‏ كالعلم به والجهل والإبهام والتعظيم والتحقير والخوف منه أو عليه، وينوب عنه بعد حذفه ‏"‏أحد‏"‏ خمسة أشياء‏:‏ مفعول به، ومصدر، وظرف زمان أو مكان، ومجرور، خلافا لمن منع إقامة المجرور‏.‏

ولا ينوب عن الفاعل خبر كان‏,‏ ‏"‏ولا حال‏"‏‏,‏ ولا تمييز، ولا مشبه بالمفعول خلافا لمن أجاز ذلك‏.‏

وما أقيم مقام الفاعل نائب عنه في جميع أحكامه، كالرفع ووجوب التأخير وامتناع الحذف ‏"‏وتنزيله‏"‏ منزلة الجزء والإغناء عن الخبر في نحو‏:‏ ‏"‏أمضروب العبدان‏؟‏‏"‏‏.‏

واتصال تاء التأنيث بفعله‏,‏ إذا كان مؤنثا‏.‏

إلا أن نيابة ما ذكر عن الفاعل مشروطة ‏"‏بتغير‏"‏ الفعل عن صيغته الأصلية إلى صيغة تنبيه على ذلك‏.‏

وقد أشار إلى كيفية التغيير فقال‏:‏

فأول الفعل اضْمُمَنْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ ماضيا كان أو مضارعا‏.‏

فإن قلت‏:‏ منه ما يكسر أوله نحو‏:‏ ‏"‏قيل‏"‏ في الفصحى‏,‏ و‏"‏رِد‏"‏ في لغة‏.‏

قلت‏:‏ لم يكسر إلا بعد تقدير ضمة كما سيأتي، والأصل‏:‏ ‏"‏قُول‏"‏ و‏"‏رُدِدَ‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ والمتصل‏.‏‏.‏‏.‏ بالآخر اكسِر في مُضِيّ كوُصل

المتصل بالآخر هو الحرف الذي قبله‏,‏ كالصاد من ‏"‏وصل‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ فنحو‏:‏ ‏"‏قيل‏"‏ و‏"‏رد‏"‏ لا يكسر ما قبل آخره‏.‏

قلت‏:‏ بل كسر تقديرا‏,‏ كما سبق في ضم أوله‏.‏

ثم قال‏:‏

واجعله من مضارع منفتحا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ واجعل المتصل بالآخر منفتحا لفظا أو تقديرا كما سبق، ثم مثّله فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كينتحي المقولِ فيه يُنتحَى

المقول بالجر صفة للفظ ‏"‏ينتحي‏"‏ الذي يقال فيه إذا بني للمفعول‏:‏ ‏"‏يُنتحَى‏"‏ فيضم ‏"‏أوله‏"‏ ويفتح ما قبل آخره‏.‏

فهذان العملان -أعني‏:‏ ضم أول الفعل وكسر ما قبل آخره في الماضي أو فتحه في المضارع- مطردان في كل فعل ‏"‏مبني‏"‏ لما لم يسم فاعله‏.‏

وقد يضاف إليهما في بعض الأفعال عمل آخر، وقد نبه على ذلك فقال‏:‏

والثاني التالي تا المطاوعَهْ‏.‏‏.‏‏.‏ كالأول اجعله بلا منازعَهْ

أي‏:‏ اجعل الحرف الثاني الذي يتلو ‏"‏تاء‏"‏ المطاوعة كالأول فتضمه كما تضم الأول نحو‏:‏ ‏"‏تَعَلّم‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏تُعُلِّم‏"‏ بضم أوله وثانيه، وكذلك كل فعل أوله ‏"‏تاء‏"‏ مزيدة معتادة، وإن كانت لغير المطاوعة نحو‏:‏ ‏"‏‏"‏تبختر‏"‏ وتكبر وتوانى وتحكم‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ فتقييد المصنف‏:‏ التاء بالمطاوعة، ليس بجيد‏.‏

قلت‏:‏ هو كذلك، والعذر له، أن التاء فيما ذكرناه من الأفعال شبيهة بتاء المطاوعة، فاكتفى بذكرها‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله في التسهيل‏:‏ ومع ثانيه إن كان ماضيا مزيدا أوله ‏"‏تاء‏"‏ عبارة صحيحة لشمولها‏.‏

قلت‏:‏ لكنها شملت غير المقصود أيضا ‏"‏كالتاء‏"‏ في قولهم‏:‏ ‏"‏تُرمِّس الشيء‏"‏ بمعنى رمَّسه‏,‏ فإنها مزيدة وهو لا يضم ثانيه لكونها ‏"‏تاء‏"‏ زيادتها غير معتادة‏.‏

‏"‏فالأولى أن يقال‏:‏ مزيدا أوله ‏"‏تاء‏"‏ معتادة‏"‏‏,‏ ثم قال‏:‏

وثالث الذي بهمز الوصل‏.‏‏.‏‏.‏ كالأول اجعلنّه كاستُحلي

إذا كان أول الماضي همزة وصل‏,‏ ضم أوله وثالثه فتقول‏:‏ في ‏"‏استحلى‏"‏، ‏"‏استُحلي‏"‏ وذلك واضح‏.‏

فإن قلت‏:‏ ليس ذلك على إطلاقه؛ لأن الأفصح في ‏"‏اختار وانقاد‏"‏ أن يقال‏:‏ ‏"‏اختِير وانقِيد‏"‏ وسيذكره‏.‏

قلت‏:‏ الجواب عنه كالجواب عن كسر ‏"‏قيل‏"‏‏,‏ وقد تقدم‏.‏

ثم قال‏:‏

واكسر أو اشمِمْ فا ثلاثي أُعِلْ‏.‏‏.‏‏.‏ عينا وضم جا كبُوع فاحتُمِلْ

إذا كان الماضي ثلاثيا معتل العين معلها نحو‏:‏ ‏"‏قال وباع‏"‏ وقُصد بناؤه للمفعول فُعل فيه تقديرا ما يقتضيه القياس‏,‏ فيضم أوله ويكسر ما قبل آخره‏,‏ فيقال‏:‏ ‏"‏قُوِل وبُيِع‏"‏‏.‏

إلا أن العرب قصدوا تخفيفه؛ لثقل الكسرة على حرف العلة، فمنهم من حذف ضمة الفاء ونقل كسرة العين إلى مكانها‏,‏ فسلمت الياء من ‏"‏بيع‏"‏ وقُلبت الواو من ‏"‏قول‏"‏، ‏"‏ياء‏"‏ لسكونها‏"‏ بعد كسرة فصار اللفظ‏:‏ ‏"‏قيل وبيع‏"‏‏.‏

ففي ذوات الياء عملان، وفي ذوات الواو ثلاثة، وهذه أفصح اللغات‏.‏

ومنهم من فعل ما تقدم من حذف الضمة ونقل الكسرة‏,‏ إلا أنه يشم الفاء ‏"‏للضم‏"‏ ومعنى الإشمام هنا‏:‏ شوب الكسرة شيئا من صوت الضمة؛ ولهذا قيل‏:‏ ينبغي أن يسمى رَوْمًا‏.‏

قلت‏:‏ وقد عبر عنه بعض القراء بالروم‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما كيفية اللفظ بهذا الإشمام‏؟‏

قلت‏:‏ ظاهر كلام كثير من النحويين والقراء أنه يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامة ممتزجة من حركتين‏:‏ ضمة وكسرة على سبيل الشيوع‏.‏

والأقرب ما حرره بعض المتأخرين‏.‏ فقال‏:‏ كيفية اللفظ أن يلفظ على فاء الكلمة بحركة تامة مركبة من حركتين‏,‏ إفرازا لا شيوعا‏.‏

جزء الضمة مقدم‏,‏ وهو الأقل يليه جزء الكسرة‏,‏ وهو الأكثر‏.‏

ومن ثم تمحضت الياء‏.‏ وهذه اللغة -أعني لغة الإشمام- فصيحة تلي لغة الكسر في الفصلة‏.‏

ومنهم من يحذف كسرة العين، إذ منها ينشأ الثقل وتبقى الفاء على ضمها‏,‏ فتسلم ‏"‏الواو‏"‏ في ‏"‏قول‏"‏ وتقلب الياء واوا في ‏"‏بيع‏"‏ لانضمام ما قبلها‏.‏

وهذه اللغة أضعف اللغات‏,‏ وعليها قول الراجز‏:‏

ليت شباب بوعَ فاشتريت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

تنبيه‏:‏ وإنما قال‏:‏ ‏"‏أُعل‏"‏ دون ‏"‏اعتل‏"‏؛ ليخرج ما عينه حرف علة ولم يعل، نحو‏:‏ ‏"‏عور في المكان‏"‏ وصِيد فيه، فإن حكمها حكم الصحيح‏.‏

ثم قال‏:‏

وإن بشكل خِيفَ لَبْس يجتنب‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

إذا خِيف التباس فعل المفعول بفعل الفاعل بسبب شكل، وهو ضم الفاء ‏"‏أ‏"‏ وكسرها وجب حينئذ ذلك الشكل الذي بسببه وقع اللبس، فتقول في ‏"‏بيع‏"‏‏:‏ ‏"‏بعت يا عبد‏"‏ بإخلاص الضم أو بالإشمام، وفي ‏"‏عوق‏"‏‏:‏ ‏"‏عقت يا زيد‏"‏ بإخلاص الكسر أو بالإشمام، إذ لو أخلصت الكسر في ‏"‏بعت‏"‏ والضم في ‏"‏عقت‏"‏ لالتبس فعل المفعول بفعل الفاعل‏.‏

وما ذكره من اجتناب الشكل الملتبس لم يتعرض له سيبويه، بل ظاهر كلامه جواز الأوجه الثلاثة مطلقا‏.‏

ويؤيده ما حكاه ذو الرمة عن أمة بني فلان‏:‏ غُثنا ما شئنا ‏"‏وهو فُعلنا‏"‏؛ لأنه يقال‏:‏ غيث القوم‏.‏

ثم قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وما لباع قد يُرَى لنحو حب

يعني‏:‏ أن الثلاثي المضاعف المدغم يجوز في فائه ما جاز في فاء ‏"‏باع‏"‏ من إخلاص الكسر والضم والإشمام نحو‏:‏ ‏"‏حِبّ ورُدَّ‏"‏ وقرئ‏:‏ ‏"‏هذه بضاعتنا رِدَّتْ إلينا‏"‏ ولكن الأفصح في المضاعف الضم‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ لا يجوز غيره، والصحيح الجواز‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل يعرض في المدغم ‏"‏من الإلباس‏"‏ ما عرض في نحو‏:‏ ‏"‏قيل وبيع‏"‏‏؟‏

قلت‏:‏ لا؛ لأن المضاعف إذا بني للفاعل فتحت فاؤه إلا فيما كان على ‏"‏فعل‏"‏ إذا نقلت ضمة عينه إلى الفاء نحو‏:‏ ‏"‏حب‏"‏ فيعرض اللبس بإخلاص الضم‏.‏ فقياس من راعى إزالة اللبس أن يقول‏:‏ ‏"‏حِبّ‏"‏ بالكسر أو بالإشمام‏.‏

ثم قال‏:‏

وما لفا باع وما العين تلي‏.‏‏.‏‏.‏ في اختار وانقاد وشبه ينجلي

يعني أن ‏"‏ما اعتلت‏"‏ عينه من الفعل الماضي الموزون بافتعل نحو‏:‏ ‏"‏اختار‏"‏ أو بالفعل نحو‏:‏ ‏"‏انقاد‏"‏ يُفعل بثالثه‏.‏ وهو الذي تليه العين ما فعل بفاء باع من الكسر والضم والإشمام‏,‏ فيقال‏:‏ ‏"‏اختِير واختُور‏"‏ وبالإشمام، ومن كسر الثالث كسر الهمزة‏,‏ ومن ضم الثالث ضم الهمزة، ومن أشمه أشمها‏.‏

واعلم أن ما لم تعل عينه من هذا النوع‏,‏ فحكمه حكم الصحيح كما سبق في الثلاثي، نحو‏:‏ ‏"‏اعتور‏"‏‏.‏

ولما فرغ من ‏"‏بيان‏"‏ الكيفية‏,‏ شرع في ذكر بقية الأشياء التي تنوب عن الفاعل‏,‏ فقال‏:‏

وقابل من ظرف أو من مصدر‏.‏‏.‏‏.‏ أو حرف جر بنيابة حري

أشار بقوله‏:‏ ‏"‏وقابل‏"‏ إلى أن من الظرف والمصدر ‏"‏وحرف الجر‏"‏ ما لا يقبل النيابة‏.‏

أما الظرف‏,‏ فلا يقبلها إلا بشروط‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون مختصا‏,‏ فلا يجوز‏:‏ ‏"‏سِيرَ وقت، ولا جُلِس مكان‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون متصرفا‏,‏ فلا يجوز‏:‏ ‏"‏جلس عندك‏"‏ خلافا للأخفش‏.‏

والثالث‏:‏ أن يكون ملفوظا به‏,‏ خلافا لابن السراج في إجازته نيابة الظرف المنوي‏.‏

وأما المصدر فلا يقبلها ‏"‏أيضا‏"‏‏,‏ إلا بشروط‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون متصرفا، فلا يجوز نيابة ‏"‏سبحان‏"‏ ونحوه‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون لغير مجرد التوكيد‏,‏ فلا يجوز‏:‏ ‏"‏ضُرب ضُرب‏"‏ لعدم الفائدة‏.‏

والثالث‏:‏ أن يكون ملفوظا به‏,‏ أو مدلولا عليه بغير العامل نحو‏:‏ ‏"‏بلى سِير‏"‏ لمن قال‏:‏ ما سير سير شديد، فلو دل عليه ‏"‏العامل‏"‏ لم ينب‏,‏ خلافا لبعضهم‏.‏

وأما المجرور‏,‏ فلا يقبلها إلا بشرطين‏:‏

الأول‏:‏ ‏"‏ألا يلزم‏"‏ الحرف الجار له وجها واحدا في الاستعمال‏,‏ كمذ ‏"‏ومنذ‏"‏ ورب والكاف وما خص بقسم واستثناء‏,‏ فلا ينوب شيء من ذلك كما لا ينوب الظرف غير المتصرف‏.‏

والثاني‏:‏ ألا يكون للتعليل ‏"‏كاللام والباء ومن‏"‏ إذا دلت على التعليل‏.‏

ذكر ذلك بعض النحويين، وقد أجاز ‏"‏بعضهم‏"‏ ذلك في قوله‏:‏

يُغضِي حياء ويُغضَى من مهابته‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وذكر ابن إياز أن الباء الحالية في نحو‏:‏ ‏"‏خرج زيد بثيابه‏"‏ لا تقوم مقام الفاعل‏,‏ كما أن الأصل الذي ينوب عنه كذلك‏.‏ وكذلك المميز إذا كان معه ‏"‏مِن‏"‏ كقولك‏:‏ ‏"‏طبت من نفس‏"‏، فإنه لا يقوم مقام الفاعل أيضا‏.‏

قلت‏:‏ دخول ‏"‏من‏"‏ في هذا المثال غير جائز‏,‏ وسيأتي في بابه‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏أو حرف جر‏"‏ يقتضي أن النائب إنما هو حرف جر، فيكون في محل رفع كما نقل عن الفراء‏.‏

قلت‏:‏ مذهب البصريين، أن النائب إنما هو المجرور لا الحرف ولا المجموع، ولما كان الحرف ‏"‏ملازما‏"‏ للمجرور اكتفى بذكره‏.‏

وظاهر كلامه في الكافية والتسهيل أن النائب هو الجار والمجرور معا‏.‏

ثم قال‏:‏

ولا ينوب بعض هذي إن وجد‏.‏‏.‏‏.‏ في اللفظ مفعول به وقد يرد

الإشارة ‏"‏بهذي‏"‏ إلى الظرف والمصدر ‏"‏وحرف الجر‏"‏‏.‏

مذهب جمهور البصريين‏:‏ أنه لا يجوز نيابة شيء منها مع وجود المفعول به‏.‏

ومذهب الكوفيين‏:‏ جواز ذلك مطلقا، ونقله المصنف عن الأخفش، ونقل بعضهم عنه أنه ‏"‏إنما‏"‏ يجيز نيابة غير المفعول به إذا تقدم على المفعول به‏.‏ فالمذاهب على ثلاثة‏.‏

قال المصنف‏:‏ وبقول الكوفيين أقول؛ إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب، ومنه قراءة أبي جعفر‏:‏ ‏"‏ليُجْزَى قوما بما كانوا يكسبون‏"‏‏,‏ وفي هذا ونحوه أشار بقوله‏:‏ ‏"‏وقد يرد‏"‏‏.‏

وإذا فقد المفعول به جازت نيابة كل واحد من هذه الأشياء، قيل‏:‏ ولا أولوية لشيء منها، وقيل‏:‏ المصدر أولى وقيل‏:‏ المجرور، وقال الشيخ أبو حيان‏:‏ ظرف المكان أولى‏"‏‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

وباتفاق قد ينوب الثانِ من‏.‏‏.‏‏.‏ باب كسا فيما التباسه أُمِن

المتعدي إلى مفعولين‏,‏ ثلاثة أنواع‏:‏ باب كسا، وباب ظن، وباب اختار‏.‏

فباب كسا‏:‏ كل ‏"‏فعل‏"‏ متعدٍّ بنفسه إلى مفعولين‏,‏ ليس أصلهما المبتدأ والخبر‏.‏

وباب ظن‏:‏ كل ‏"‏فعل‏"‏ متعد بنفسه إلى مفعولين‏,‏ أصلهما المبتدأ والخبر‏.‏

وباب اختار‏:‏ كل ‏"‏فعل‏"‏ متعد إلى واحد بنفسه وآخر بإسقاط حرف الجر‏.‏

ولا خلاف في ‏"‏جواز‏"‏ نيابة المفعول الأول في الأبواب الثلاثة‏.‏

وأما الثاني فنقل المصنف الاتفاق على جواز نيابته في باب كسا بشرط أمن اللبس؛ فتقول‏:‏ ‏"‏أُعطِي زيدا درهم‏"‏ ولا يجوز نحو‏:‏ ‏"‏أعطي زيد عمرا‏"‏ إلا بنيابة الأول لأنه يلبس‏.‏

وحكي ‏"‏عن‏"‏ الفارسي‏:‏ منع إقامة الثاني إذا كان نكرة والأول معرفة‏,‏ وهو نقل غريب وسيأتي الخلاف في باب ظن‏.‏

وأما باب اختار، فلم يتعرض له هنا‏.‏

وقال في التسهيل‏:‏ ولا يمنع نيابة المنصوب بسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏‏,‏ وهذا مذهب الفراء، ومذهب الجمهور تعيين رفع المنصوب بنفس الفعل‏.‏

ثم قال‏:‏

في باب ظن وأرى المنع اشتهر‏.‏‏.‏‏.‏ ولا أرى منعا إذا القصد ظهر

تقدم بيان باب ظن، وأما باب ‏"‏أعلم‏"‏ فكل متعدٍّ إلى ثلاثة‏.‏

قال المصنف‏:‏ منع الأكثرون نيابة ثاني المفعولين من باب ‏"‏ظن وأعلم‏"‏‏,‏ والصحيح عندي جواز ذلك إن أمن اللبس، ولم يكن ثاني المفعولين جملة ولا ظرفا ولا ‏"‏مجرورا‏"‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وأما الثالث من باب ‏"‏أعلم‏"‏ فلم يتعرض له، إلا أن قوله في التسهيل‏:‏ ولا يمنع نيابة غير الأول من المفعولات مطلقا ا‏.‏ هـ يقتضي جوازه‏.‏

وقد نقل جوازه عن بعضهم‏,‏ فأجاز‏:‏ ‏"‏أعلم زيدا فرسك مسرج‏"‏‏.‏

ونقل ابن هشام الخضراوي وابن أبي الربيع وابن المصنف، منع نيابته باتفاق‏"‏‏"‏‏.‏

ثم قال‏:‏

وما سوى النائب مما عُلَّقا‏.‏‏.‏‏.‏ بالرافع النصب له محقَّقَا

يعني‏:‏ أن ما تعلق بالفعل ولم يكن نائبا عن الفاعل فهو منصوب لفظا، كالمصدر والظرف والمفعول به أو فيه أو له أو معه والحال والتمييز والمستثنى بشرطه، أو محلا كالمجرور بحرف نحو‏:‏ ‏"‏مررت بزيد‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ ينبغي أن يقول‏:‏ وما سوى الفاعل والمشبه به والنائب عنه كما ذكر في التسهيل‏,‏ فإن هذه الثلاثة مرفوعة‏.‏

قلت‏:‏ عنى بالرافع رافع النائب لا الفعل مطلقا‏,‏ فلم يحتج إلى ذكر الفاعل ولا ‏"‏المشبه‏"‏ به‏,‏ والله أعلم‏.‏