فصل: عطف النسق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


عطف النسق‏:‏

تالٍ بحرف مُتبع عطف النسق‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

‏"‏تال‏"‏ -أي تابع- جنس يشمل الخمسة، وقوله‏:‏ ‏"‏بحرف متبع‏"‏ يخرج الأربعة‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏بحرف‏"‏ يخرج غير المحدود، فما فائدة قوله‏:‏ ‏"‏متبع‏"‏‏؟‏

قلت‏:‏ لو اقتصر على قوله‏:‏ ‏"‏بحرف‏"‏ لورد نحو‏:‏ ‏"‏مررت بغضنفر أي‏:‏ أسد‏"‏‏.‏

فإنه تابع بحرف‏,‏ فلما قال‏:‏ ‏"‏متبع‏"‏ خرج؛ لأن ‏"‏أي‏"‏ ليس بمتبع‏.‏

خلافا لمن عده من حروف العطف‏.‏

فإن قلت‏:‏ فما أي‏؟‏ وما إعراب تاليها‏؟‏

قلت‏:‏ أما أي فحرف تفسير على الصحيح، وأما تاليها فعطف بيان بالأجلى على الأخفى، وتوافق ما قبلها في التعريف والتنكير‏.‏

ثم مثّل فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كاخصُص بود وثناء من صدق

ثم شرع في ذكر حروف العطف فقال‏:‏

فالعطف مطلقا بواو ثم فا‏.‏‏.‏‏.‏ حتى أم أو كفيك صدق ووفا

فهذه ستة أحرف تُشرك لفظا ومعنى‏,‏ وهذا معنى قوله‏:‏ ‏"‏مطلقا‏"‏‏.‏

وقد مثل بقوله‏:‏ ‏"‏فيك صدق ووفا‏"‏ وهو ظاهر‏.‏

فإن قلت‏:‏ كيف جعل أم وأو مشركين في اللفظ والمعنى، والذي يظهر خلاف ذلك‏؟‏

قلت‏:‏ قال المصنف‏:‏ أكثر النحويين يجعل أم وأو ‏"‏مشركين‏"‏ في اللفظ لا في المعنى، والصحيح أنهما يشركان لفظا ومعنى ما لم يقتضيا إضرابا؛ لأن القائل‏:‏ ‏"‏أزيد في الدار أم عمرو‏؟‏‏"‏ عالم بأن الذي في الدار هو أحد المذكورين، وغير عالم بتعيينه، فالذي بعد ‏"‏أم‏"‏ مساوٍ للذي قبلها في الصلاحية؛ لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه، وحصول المساواة إنما هو بأم‏.‏

وكذلك ‏"‏أو‏"‏ مشركة لما قبلها وما بعدها فيما يُجَاء بها لأجله، من شك أو غيره‏.‏

فإن قلت‏:‏ أطلق في ‏"‏أم‏"‏ و‏"‏أو‏"‏ وينبغي أن يقيدهما بألا يقتضيا إضرابا، فإن اقتضيا إضرابا كانا مشركين في اللفظ‏,‏ لا في المعنى كما ذكر في التسهيل‏.‏

قلت‏:‏ دلالتهما على الإضراب قليلة؛ فلذلك لم يتعرض لها، وسيأتي بيان ذلك‏.‏

ثم قال‏:‏

وأَتبعتْ لفظا فحسبُ بل ولا‏.‏‏.‏‏.‏ لكن كَلَمْ يبدُ امرؤ لكن طلا

فهذه ثلاثة أحرف تشرك لفظا لا معنى، وقد مثل بقوله‏:‏ ‏"‏كلم يبد امرؤ لكن طلا‏"‏ وهو واضح‏.‏

والحاصل‏:‏ أن حروف العطف على ما ذكر تسعة، والمتفق عليه منها ستة‏:‏ الواو‏,‏ والفاء، وثم، وأو، وبل، ولا‏.‏

واختُلف في ثلاثة‏:‏ حتى‏,‏ وأم، ولكن‏.‏

أما ‏"‏حتى‏"‏ فذهب الكوفيون إلى أنها ليست بحرف عطف، وإنما يعربون ما بعدها بإضمار‏.‏

وأما ‏"‏أم‏"‏ فذكر النحاس فيها خلافا، وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة‏.‏

فإذا قال‏:‏ ‏"‏أقائم زيد أم عمرو‏؟‏‏"‏ فالمعنى‏:‏ أعمرو قائم‏؟‏ فتصير على مذهبه استفهاما‏.‏

وقال الغزني في البديع‏:‏ أما ‏"‏أم‏"‏ فعديل همزة الاستفهام، وليست بحرف عطف، وأما ‏"‏لكن‏"‏ فذهب أكثر النحويين إلى أنها من حروف العطف‏.‏

ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال‏:‏

أحدها‏:‏ أنها لا تكون عاطفة إلا إذا لم تدخل عليها الواو، وهو مذهب الفارسي، قيل‏:‏ وأكثر النحويين‏.‏

الثاني‏:‏ أنها عاطفة ولا تستعمل إلا بالواو، والواو مع ذلك زائدة، وصحّحه ابن عصفور، قال‏:‏ وعليه ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه والأخفش؛ لأنهما قالا‏:‏ إنها عاطفة، ولما مثّلا للعطف بها مثّلاه مع الواو‏.‏

الثالث‏:‏ أن العطف بها، وأنت مخير في الإتيان بالواو، وهو مذهب ابن كيسان، وذهب يونس إلى أنها حرف استدراك، وليست بعاطفة، والواو قبلها عاطفة لما بعدها عطف مفرد على مفرد‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ وافق المصنف هنا الأكثرين، ووافق في التسهيل يونس‏,‏ قال فيه‏:‏ وليس منها ‏"‏لكن‏"‏ وفاقا ليونس‏.‏

وظهر من كلامه في الشرح أنه غير موافق له من كل وجه؛ لأنه جعل الواو قبلها عاطفة جملة على جملة‏,‏ ويضمر لما بعدها عاملا‏.‏

فإن قلت‏:‏ ‏"‏ما قام سعد ولكن سعيد‏"‏‏,‏ فالتقدير‏:‏ ولكن قام سعيد‏.‏

وإنما جعله من عطف الجمل؛ لما يلزم على مذهب يونس من مخالفة المعطوف بالواو لما قبلها، وحقه أن يوافقه‏.‏

واستدل من قال بأنها ليست بعاطفة بلزوم اقترانها بالواو قبل المفرد‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ وما يوجد من كلام النحويين من نحو‏:‏ ‏"‏ما قام سعد لكن سعيد‏"‏ فمن كلامهم‏,‏ ‏"‏لا من‏"‏ كلام العرب‏.‏

ولذلك لم يمثل سيبويه في أمثلة العطف إلا بـ ‏"‏ولكن‏"‏‏,‏ وهذا من شواهد أمانته وكمال عدالته؛ لأنه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو، وترك التمثيل به لئلا يعتقد أنه مما استعملته العرب‏.‏

قلت‏:‏ وفي قوله‏:‏ إن سيبويه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو‏,‏ نظر‏.‏

فقد تقدم ما ذكره ابن عصفور‏.‏

الثاني‏:‏ اختلف في تسعة ألفاظ أخر‏,‏ وهي‏:‏ إما، وإلا، وليس، ولولا، وهلا، وكيف، ومتى، وأين‏,‏ وأي‏.‏

والصحيح أنها ليست من حروف العطف، وسيأتي الكلام على ‏"‏أما‏"‏‏.‏

ثم شرع في ذكر معاني حروف العطف، وبدأ بالواو‏.‏

فقال‏:‏

فاعطف بواو سابقا أو لاحقا‏.‏‏.‏‏.‏ في الحكم أو مصاحبا موافقا

يعني‏:‏ أن الواو للجمع المطلق كما ذهب إليه الجمهور، فيصح أن يعطف

بها لاحق في الحكم نحو‏:‏ ‏"‏جاء زيد وعمرو بعده‏"‏، أو سابق نحو‏:‏ ‏"‏جاء زيد وعمرو قبله‏"‏‏,‏ أو مصاحب نحو‏:‏ ‏"‏جاء زيد وعمرو معه‏"‏‏.‏

وذهب بعض أهل الكوفة إلى أن الواو تُرَتِّب‏.‏

وحُكي عن قطرب وثعلب والربعي‏.‏

وبذلك يُعلم أن ما ذكره السيرافي والسهيلي من إجماع النحاة بصريهم وكوفيهم على أن الواو لا ترتب‏,‏ غير صحيح‏.‏

تنبيه‏:‏

قال في التسهيل‏:‏ وتنفرد الواو بكون مُتبعها في الحكم محتملا للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة‏.‏

قيل‏:‏ وليس هذا مذهب البصريين ولا الكوفيين، فهو قول ثالث‏.‏

وقوله‏:‏

واخصص بها عطف الذي لا يغني‏.‏‏.‏‏.‏ متبوعه كاصطَفَّ هذا وابني

يعني‏:‏ أن الواو تنفرد بعطف ما لا يستغنى عنه بمتبوعه كفاعل الافتعال والتفاعل، نحو‏:‏ ‏"‏اصطف هذا وابني‏"‏‏,‏ و‏"‏تخاصم زيد وعمرو‏"‏‏,‏ وكذا نحو‏:‏ ‏"‏جلستُ بين زيد وعمرو‏"‏ و‏"‏سواء زيد وعمرو‏"‏‏.‏

وأجاز الكسائي‏:‏ ‏"‏ظننت عبد الله وزيدا مختصمينِ‏"‏ بالفاء، وثم‏,‏ ومنع ذلك البصريون والفراء‏.‏

ثم انتقل إلى ‏"‏الفاء‏"‏ فقال‏:‏

الفاء للترتيب باتصال

أي‏:‏ بلا مهلة‏,‏ فهي للتعقيب‏,‏ وهذا مذهب الجمهور‏,‏ وما أوهم خلافه يُؤَوَّل‏.‏

وذكر في التسهيل أن الفاء تقع موقع ثم كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً‏}‏‏.‏

ثم انتقل إلى ‏"‏ثم‏"‏ فقال‏:‏

وثم للترتيب بانفصال

أي‏:‏ بمهلة، وهو مذهب الجمهور، وما أوهم خلافه يؤول‏.‏

وذكر في التسهيل أنها قد تقع موقع الفاء كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ جرى في الأنابيب ثم اضطرب

وذكر فيه أيضا أنها قد تقع في عطف المقدم بالزمان؛ اكتفاء بترتيب اللفظ‏.‏

وقد أشار الفراء إلى ذلك‏.‏

قال ابن عصفور‏:‏ وما ذكره الفراء من أن المقصود بثم ترتيب الإخبار، يعني في نحو‏:‏

إن من ساد ثم أبوه‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ليس بشيء؛ لأن ‏"‏ثم‏"‏ تقتضي تأخُّر الثاني بمهلة، ولا مهلة بين الإخبار‏.‏

وذكر الشارح أن الفاء وثم قد يكونان لترتيب الذكر، وهو الذي عناه في التسهيل بترتيب اللفظ‏.‏

تنبيه‏:‏

في ‏"‏ثم‏"‏ أربع لغات‏:‏ ثُمَّ، فُمَّ، ثُمَّتَ، ثُمَّتْ‏.‏

بقوله‏:‏

واخصص بفاء عطف ما ليس صله‏.‏‏.‏‏.‏ على الذي استقر أنه الصله

يعني‏:‏ أن ‏"‏الفاء‏"‏ تختص بعطف ما لا يصلح كونه صلة؛ لعدم الضمير على ما هو صلة كقوله‏:‏ ‏"‏الذي يطير فيغضبُ زيدٌ الذبابُ‏"‏‏,‏ ولو عطفت بغير الفاء لم يجز، وذلك لما فيها من معنى السببية‏.‏

قلت‏:‏ وما ذكره في التسهيل من أنها تنفرد بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صفة أو صلة أو خبر‏,‏ أعم لشموله ست مسائل تنفرد بها الفاء‏,‏ هذه إحداها‏.‏

ثم انتقل إلى ‏"‏حتى‏"‏ فقال‏:‏

بعضا بحتى اعطِفْ على كل ولا‏.‏‏.‏‏.‏ يكون إلا غاية الذي تلا

لا يكون المعطوف بحتى إلا بعض متبوعه نحو‏:‏ ‏"‏قدم الحجاج حتى المشاة‏"‏‏.‏

وقال في التسهيل‏:‏ أو كبعضه‏,‏ وفي الكافية‏:‏ بعضا وشبهه ‏"‏ومثله‏"‏ في شرحها بقوله‏:‏ ‏"‏أعجبتني الجاريةُ حتى حديثُها‏"‏‏,‏ فإن حديثها ليس بعضا منها ولكنه كالبعض؛ لأنه معنى من معانيها‏.‏

قال‏:‏ وقد يكون المعطوف بحتى مباينا‏,‏ فنقدر بعضيَّته كقوله‏:‏

ألقى الصحيفةَ كي يخفف رحله‏.‏‏.‏‏.‏ والزادَ حتى نعلَهُ ألقاها

فعطف ‏"‏النعل‏"‏ وليست بعضية لما قبلها صريحة، لكنها بالتأويل؛ لأن المعنى‏:‏ ألقى ما يثقله حتى نعله‏.‏

ولا يكون المعطوف بها أيضا إلا غاية لما قبلها في زيادة أو نقص نحو‏:‏ ‏"‏مات الناسُ حتى الأنبياءُ‏"‏ و‏"‏قدم الحجاجُ حتى المشاةُ‏"‏‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ‏"‏حتى‏"‏ بالنسبة إلى الترتيب كالواو، خلافا لمن زعم أنها للترتيب كالزمخشري‏.‏

الثاني‏:‏ إذا عطف بحتى على المجرور، قال ابن عصفور‏:‏ الأحسن إعادة الخافض؛ ليقع الفرق بين العاطفة والجارة، وقال ابن الخباز‏:‏ لزم إعادة الجار للفرق‏.‏

وقال في التسهيل‏:‏ لزم إعادة الجار ما لم يتعين العطف‏.‏

الثالث‏:‏ حيث جاز الجر والعطف فالجر أحسن، إلا في باب ‏"‏ضربتُ القومَ حتى زيدًا ضربتُهُ‏"‏ فالنصب أحسن على تقدير كونها عاطفة و‏"‏ضربته‏"‏ توكيد‏,‏ أو على تقدير جعلها ابتدائية و‏"‏ضربته‏"‏ تفسير‏.‏

الرابع‏:‏ قد فهم من اشتراط كون المعطوف بحتى بعضا، أنها لا تعطف جملة على جملة وإنما تعطف مفردا على مفرد‏.‏

ثم انتقل إلى ‏"‏أم‏"‏ فقال‏:‏

وأَمْ بها اعطفْ بإثر همز التسويه‏.‏‏.‏‏.‏ أو همزة عن لفظ أي مغنيه

‏"‏أم‏"‏ على ضربين‏:‏ متصلة ومنقطعة‏.‏

فالمتصلة‏:‏ هي المعادلة لهمزة التسوية‏,‏ أو همزة يطلب بها وبأم ما يطلب بأي‏.‏

وعلامة الهمزة الأولى‏:‏ أن تكون مع جملة يصح تقدير المصدر في موضعها‏.‏

وعلامة الثانية‏:‏ أن يصح الاستغناء بأي عنها‏.‏

مثال الأولى‏:‏ ‏{‏سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ‏}‏‏.‏

ومثال الثانية‏:‏ ‏"‏أزيدٌ في الدار أم عمرو‏؟‏‏"‏‏.‏

وقد تحذف الهمزة قبل المتصلة للعلم بها‏,‏ وأمن اللبس كقراءة ابن محيصن‏:‏ ‏"‏سَوَاءٌ عليهم أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لم تنذرهم‏"‏‏,‏ وهو في الشعر كثير‏.‏

وإلى ذلك أشار بقوله‏:‏

وربما أُسقطت الهمزة إن‏.‏‏.‏‏.‏ كان خفا المعنى بحذفها أمن

فإن قلت‏:‏ فهل يطرد ذلك‏؟‏

قلت‏:‏ ظاهر قوله في شرح الكافية‏.‏

فهذا وأمثاله من مواضع حذف الهمزة المعطوف على مصحوبها بأم جائز اطراده‏,‏ وقد أجاز الأخفش حذف الهمزة في الاختيار، وإن لم يكن بعدها أم، وجعل من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ‏}‏‏.‏

والمنقطعة ما سوى المتصلة، وإليها أشار بقوله‏:‏

وبانقطاع وبمعنى بل وَفَتْ‏.‏‏.‏‏.‏ إن تَكُ مما قُيِّدت به خَلَت

الذي قيدت به هو أن يكون بعد إحدى الهمزتين لفظا أو تقديرا‏.‏

فإن خلت من ذلك فهي منقطعة‏.‏

واختُلف في معنى المنقطعة، فذهب البصريون إلى أنها تقدر ‏"‏بمعنى‏"‏ بل والهمزة مطلقا‏.‏

وذهب الكسائي وهشام إلى أنها بمنزلة بل‏,‏ وما بعدها مثل ما قبلها‏.‏

فإذا قلت‏:‏ ‏"‏قام زيد أم عمرو‏"‏ فالمعنى‏:‏ بل قام عمرو‏.‏

وقال في التسهيل‏:‏ وتقتضي إضرابا مع استفهام ودونه‏.‏

وذكر في غيره أن الأكثر اقتضاؤها مع الإضراب استفهاما‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏وبمعنى بل‏"‏ يقتضي موافقة الكسائي وهشام إذا لم يذكر الاستفهام‏.‏

قلت‏:‏ إنما اقتصر على ذكر ‏"‏بل‏"‏؛ لأن اقتضاء المنقطعة إضرابا لازم‏,‏ وليس اقتضاؤها الاستفهام بلازم‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ حصر ‏"‏أم‏"‏ في المتصلة والمنقطعة هو مذهب الجمهور، وذهب أبو زيد إلى أن ‏"‏أم‏"‏ تكون زائدة، فهو قسم ثالث‏.‏

الثاني‏:‏ سُميت المتصلة متصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر‏,‏ ولذلك لم تقع إلا بين مفردين أو ‏"‏بين‏"‏ جملتين في تقدير مفردين، أو مفرد وجملة في تقدير مفرد‏.‏

وسُميت المنقطعة منقطعة؛ لوقوعها بين جملتين مستقلتين‏.‏

الثالث‏:‏ إذا عادلت المتصلة بين جملتين، فقد تكونان فعليتين أو اسميتين أو مختلفتين‏,‏ قيل‏:‏ إلا في التسوية، فإنه لا يُذكَر بعدها إلا الفعلية، ولا يجوز‏:‏ ‏"‏سواءٌ علي أزيدٌ قائمٌ أم عمرٌو منطلقٌ‏"‏ فهذا لا تقوله العرب، وأجازه الأخفش قياسا على الفعلية‏.‏

وقد عادت بين مفرد وجملة في قوله‏:‏

سواءٌ عليك النَّفْرُ أم بِتَّ ليلة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ويجري مجرى التسوية‏:‏ ما أدري، وليت شعري -ويقع بعده الجملتان- وما أبالي -ويقع بعده الجملتان أيضا- خلافا لمن زعم أنه لا يكون بعده إلا الفعلية‏.‏

الرابع‏:‏ فصل ‏"‏أم‏"‏ مما عُطفت عليه نحو‏:‏ ‏"‏أزيد في الدار أم عمرو‏"‏ أولى من وصلها ‏"‏به‏"‏‏,‏ هذا مذهب سيبويه، وهو الصحيح‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ ومن ادعى امتناع وصلها أو ضعفه فمخطئ؛ لأن دعواه مخالفة للاستعمال المقطوع بصحته، ولقول سيبويه والمحققين من أصحابه‏.‏

الخامس‏:‏ قد يكتفى ‏"‏بلا‏"‏ عن ذكر المعادل نحو‏:‏ ‏"‏أتفعل أم لا‏؟‏‏"‏‏.‏

السادس‏:‏ ذهب ابن كيسان إلى أن ميم ‏"‏أم‏"‏ بدل عن واو، وأصلها أو، وهي دعوى مجردة عن الدليل‏.‏

السابع‏:‏ ذكر في التسهيل أن عطف المنقطعة المفرد قليل‏,‏ ومثل في الشرح بقولهم‏:‏ ‏"‏إنها لإبل أم شاء‏"‏‏.‏ ‏"‏قال‏:‏ فأم هنا لمجرد الإضراب عاطفة ما بعدها على ما قبلها، كما يكون بعد ‏"‏بل‏"‏ فإنها بمعناها، ومذهب الفارسي وابن جني في ذلك أنها بمنزلة بل والهمزة، وأن التقدير‏:‏ بل أهي شاء‏؟‏‏"‏‏.‏

وبه جزم في شرح الكافية‏.‏

وقال في شرح التسهيل‏,‏ بعد حكاية هذا القول‏:‏ وهذه دعوى لا دليل عليها‏,‏ ولا انقياد إليها‏.‏

وقد قال بعض العرب‏:‏ ‏"‏إن هناك لإبلا أم شاء‏"‏‏,‏ فنصب ما بعد ‏"‏أم‏"‏ حين نصب ما قبلها، وهذا عطف صريح مقوٍّ لعدم الإضمار قبل المرفوع‏.‏

قيل‏:‏ ولا حجة في قول بعضهم‏:‏ ‏"‏إن هناك لإبلا أم شاء‏"‏؛ لاحتمال كونها متصلة، والهمزة قبلها محذوفة‏.‏

ويحتمل أن ينصب ‏"‏شاء‏"‏ على إضمار فعل‏,‏ تقديره‏:‏ أم ترى شاء‏.‏

الثامن‏:‏ قد ظهر من كلام المصنف أن ‏"‏أم‏"‏ المنقطعة تكون عاطفة، وقال في شرح الكافية‏:‏ وأما ‏"‏أم‏"‏ المنقطعة فليست للعطف‏,‏ لا في مفرد ولا جملة‏.‏

التاسع‏:‏ تدخل ‏"‏أم‏"‏ المنقطعة على ‏"‏هل‏"‏ وأسماء الاستفهام نحو‏:‏ ‏{‏أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ‏}‏ ‏,‏ ‏{‏أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ وهو فصيح كثير، ولا التفات لمن زعم أنه من الجمع بين أداتي معنى، وأنه قليل جدا‏.‏

وبذلك رد على من قال‏:‏ ‏"‏إنها بمعنى‏"‏ بل والهمزة في كل موضع‏.‏

ثم انتقل إلى ‏"‏أو‏"‏ فقال‏:‏

خيِّر أَبِحْ قسِّم بأو وأبهِمْ‏.‏‏.‏‏.‏ واشكُكْ وإضراب بها أيضا نُمي

فذكر لها سبعة معانٍ‏:‏

الأول‏:‏ التخيير، نحو‏:‏ ‏"‏خذ دينارًا أو ثوبًا‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ الإباحة، نحو‏:‏ ‏"‏جالس الحسن أو ابن سيرين‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ فما الفرق بينهما‏؟‏

قلت‏:‏ الفرق بينهما جواز الجمع بين الأمرين في الإباحة‏,‏ ومنعه في التخيير‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهل استفيد جواز الجمع في الإباحة من لفظ ‏"‏أو‏"‏‏؟‏

قلت‏:‏ قد ذكر بعضهم أن ذلك ليس لأمر راجع إلى اللفظ‏,‏ بل لأمر خارج، وهو قرينة انضمّت إلى اللفظ‏.‏

وذلك أن التخيير يرد فيما أصله الحظر، والإباحة ترد فيما ليس أصله الحظر‏.‏

تنبيه‏:‏

قال المصنف‏:‏ من علامات الإباحة استحسان الواو موقعها، فلو جيء بالواو مكان ‏"‏أو‏"‏ لم يختلف المعنى‏.‏

وفرق غيره بين الواو وأو في ذلك؛ ‏"‏فقال‏"‏‏:‏ إذا قلت‏:‏ ‏"‏جالس الحسن أو ابن سيرين‏"‏‏,‏ جاز له مجالستهما ومجالسة أحدهما‏.‏

وإذا عطفت بالواو‏,‏ لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر‏.‏

الثالث‏:‏ التقسيم‏,‏ نحو‏:‏ ‏"‏الكلمة‏:‏ اسم أو فعل أو حرف‏"‏ قال في التسهيل‏:‏

بدل التقسيم‏:‏ أو تفريق مجرد‏,‏ يعني‏:‏ من الشك والإبهام والتخيير، ومثّله بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى‏}‏‏.‏

قال‏:‏ والتعبير عن هذا بالتفريق أولى من التعبير عنه بالتقسيم؛ لأن استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال ‏"‏أو‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏الكلمة‏:‏ اسم وفعل وحرف‏"‏‏.‏

وعبّر بعضهم عن هذا المعنى بالتفصيل‏.‏

الرابع‏:‏ الإبهام، نحو‏:‏ ‏{‏وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى‏}‏ ‏,‏ ومعنى الإبهام أن يكون المتكلم عالما ويبهم على المخاطب‏.‏

الخامس‏:‏ الشك نحو‏:‏ ‏"‏قام زيد أو عمرو‏"‏‏.‏

والفرق بينهما أن الشك للمتكلم‏,‏ والإبهام على السامع‏.‏

السادس‏:‏ الإضراب، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏‏.‏

قال الفراء‏:‏ ‏"‏أو‏"‏ هنا بمعنى ‏"‏بل‏"‏‏.‏

وأشار بقوله‏:‏ ‏"‏بها أيضا نمي‏"‏ أي‏:‏ نُقل، إلا أن ورودها للإضراب غير متفق عليه‏.‏

وقال في شرح الكافية‏:‏ أجاز الكوفيون موافقتهما ‏"‏بل‏"‏ في الإضراب، ووافقهم أبو علي وابن برهان‏.‏ قلت‏:‏ وابن جني‏.‏

قال في قراءة أبي السمال ‏"‏أَوْ كُلَّمَا عاهدوا عهدا‏"‏‏:‏ معنى ‏"‏أو‏"‏ هنا معنى ‏"‏بل‏"‏‏.‏

وقال ابن عصفور‏:‏ والإضراب ذكره سيبويه في النفي والنهي إذا أعدْت العامل، كقولك‏:‏ ‏"‏لست بشرا، أو لست عمرا، ولا تضرب زيدا، أو لا تضرب عمرا‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وزعم بعض النحويين أنها تكون للإضراب على الإطلاق، واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ‏}‏ ‏,‏ وبقوله‏:‏ ‏{‏فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً‏}‏‏.‏

قال‏:‏ وما ذهبوا إليه فاسد‏.‏

السابع‏:‏ معنى ‏"‏الواو‏"‏ كقوله‏:‏

جاء الخلافةَ أو كانت له قَدَرَا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ وكانت، فأوقع ‏"‏أو‏"‏ مكان الواو؛ لأمن اللبس‏.‏

وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

وربما عاقبتِ الواوَ إذا‏.‏‏.‏‏.‏ لم يُلفِ ذو النطق للبس مَنْفَذا

وإلى أن ‏"‏أو‏"‏ تأتي بمعنى ‏"‏الواو‏"‏ ذهب الأخفش والجرمي، واستدلا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوْ يَزِيدُونَ‏}‏ وهو مذهب جماعة من الكوفيين‏.‏

وذكر في التسهيل أن ‏"‏أو‏"‏ تُعاقب ‏"‏الواو‏"‏ في الإباحة كثيرا، وفي عطف المصاحب والمؤكد قليلا‏.‏

مثل الإباحة‏:‏ ‏"‏جالس الحسن أو ابن سيرين‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

ومثال المصاحب قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏اسكن أحد‏,‏ فإنما عليك نبي أو صدِّيق أو شهيد‏"‏‏.‏

ومثال المؤكِّد‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا‏}‏‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول مذهب الجمهور‏:‏ أن ‏"‏أو‏"‏ لأحد الشيئين أو الأشياء، فإذا عطف بها في الطلب فهي للتخيير أو الإباحة، وإن عطف بها في الخبر فهي للشكّ أو الإبهام أو التقسيم‏.‏

الثاني‏:‏ إذا دخل النهي في الإباحة، استوعب ما كان مباحا باتفاق النحويين، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا‏}‏‏.‏

فهذه هي التي تقع في الإباحة؛ لأن النهي وقع على الجمع والتفريق، وإذا دخل النهي في التخيير ففيه خلاف‏.‏

ذهب السيرافي إلى أنه يستوعب ‏"‏الجميع‏"‏ كالنهي عن المباح‏.‏

وذهب ابن كيسان إلى جواز أن يكون النهي عن كل واحد، وأن يكون عن الجميع‏.‏

وقوله‏:‏

ومثل أو في القصد إما الثانيه‏.‏‏.‏‏.‏ في نحو إما ذي وإما النائيه

يعني‏:‏ أن ‏"‏إما‏"‏ مثل ‏"‏أو‏"‏ فيما يقصد بها، فتكون للتخيير والإباحة والتقسيم والشك والإبهام، ولم يذكر الإباحة في التسهيل‏.‏

فإن قلت‏:‏ ظاهر قوله‏:‏ ‏"‏مثل أو‏"‏ أنها توافقها في المعاني السبعة‏.‏

قلت‏:‏ لا يصح حمله على ظاهره؛ لأن ‏"‏إما‏"‏ لا ترد بمعنى ‏"‏الواو‏"‏ ولا بمعنى ‏"‏بل‏"‏‏,‏ والعذر له أن ورود ‏"‏أو‏"‏ لهذين المعنيين قليل ومختلف فيه، فالإحالة إنما هي على المعاني المتفق عليها‏.‏

وقد فهم من البيت فوائد‏:‏

الأولى‏:‏ أن ‏"‏إما‏"‏ ليست بعاطفة، إذ لم يجعلها مثل ‏"‏أو‏"‏ مطلقا‏,‏ بل في القصد فقط؛ ولذلك لم يذكرها مع حروف العطف أولا‏.‏

ونقل المصنف عن أكثر النحويين أنها عاطفة، ونقل عن يونس وابن كيسان وأبي علي أنها ليست بعاطفة، ووافقهم المصنف وهو الصحيح؛ لدخول الواو عليها‏.‏

واستدل الرماني على أنها عاطفة بأن الواو للجمع، وليست هنا كذلك؛ لأننا نجد الكلام لأحد الشيئين فعلم أن العطف لإما‏.‏

ونقل ابن عصفور اتفاق النحويين على أن ‏"‏إما‏"‏ ليست بعاطفة، وإنما أوردوها في حروف العطف ‏"‏لمصاحبتها لها‏"‏‏.‏

‏"‏وقد عدّ سيبويه‏"‏ ‏"‏إما‏"‏ من حروف العطف، فجعل بعضهم كلامه على ظاهره‏.‏

وقال‏:‏ إن ‏"‏الواو‏"‏ عطفت ‏"‏إما‏"‏ الثانية على ‏"‏إما‏"‏ الأولى، و‏"‏إما‏"‏ الثانية عطفت الاسم الذي بعدها على الاسم بعد الأولى‏.‏

وتأوله بعضهم بأن ‏"‏إما‏"‏ لما كانت ‏"‏صاحبة‏"‏ المعنى، ومخرجة الواو عن الجمع، والتابع يليها، سماها عاطفة مجازا‏.‏

الثانية‏:‏ أن المشبهة بأو إنما هي الثانية، وهي المختلف فيها، وأما الأولى فليست بعاطفة‏!‏

الثالثة‏:‏ فهم من قوله‏:‏ ‏"‏الثانية‏"‏ أن ‏"‏إما‏"‏ لا بد من تكرارها بخلاف ‏"‏أو‏"‏‏.‏

‏"‏وهذا أحد الفرقين بينهما، والثاني‏:‏ أن الكلام مع ‏"‏إما‏"‏ مبني من أوله على ما جيء بها لأجله‏,‏ بخلاف ‏"‏أو‏"‏‏"‏‏.‏

الرابعة‏:‏ فهم من تمثيله أنه لا بد من اقترانها بالواو‏.‏

فإن قلت‏:‏ التزام الواو ظاهر عند من لم يجعل ‏"‏إما‏"‏ عاطفة، فما يقول من جعلها عاطفة‏؟‏

قلت‏:‏ من رأى أنها عاطفة لم ير إخلاءها من الواو إلا نادرا، كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏أيما إلى جنة أيما إلى نار

فإن قلت‏:‏ فهل يحسن الاحتجاج بمثل هذا البيت، لمن قال‏:‏ إنها عاطفة‏؟‏

قلت‏:‏ لا؛ لندوره، فيجعل من حذف العاطف ضرورة‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ما ذكر من أن ‏"‏إما‏"‏ لا بد من تكرارها هو الكثير، وقد يستغنى عن الثانية بأو، كقراءة أُبَيّ‏:‏ ‏"‏وإنا وإِيَّاكُمْ لإما على هدى أو في ضلال مبين‏"‏ ونحوه في الشعر كثير‏.‏

وبإن الشرطية مع ‏"‏لا‏"‏ النافية كقوله‏:‏

فإما أن تكون أخي بصدق‏.‏‏.‏‏.‏ فأعرف منك غثِّي من سَمِيني

وإلا فاطَّرِحْني واتخذني‏.‏‏.‏‏.‏ عدوا أتقيك وتَتَّقيني

وقد يستغنى عن الأولى، كقول الفرزدق‏:‏

__________

تُهَاض بدار قد تقادم عهدها‏.‏‏.‏‏.‏ وإما بأموات ألمّ خيالها

الثاني‏:‏ اختُلف في ‏"‏إما‏"‏ المذكورة؛ فقيل‏:‏ بسيطة‏,‏ وقيل‏:‏ مركبة من‏:‏ إن وما وهذا مذهب سيبويه، والدليل عليه اقتصارهم على ‏"‏إن‏"‏ في الضرورة، كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فإنْ جَزَعا وإن إجمالَ صبر

وقوله‏:‏

سقتْه الرواعد من صيف‏.‏‏.‏‏.‏ وإن من خريف فلن يَعْدَما

وأجيب بأنه يحتمل أن تكون ‏"‏إن‏"‏ في البيتين شرطية حذف جوابها، والتقدير‏:‏ فإن كنت ذا جزع فلا جزع، وإن كنت مجمل صبر فأجمل، وإن سقته من خريف فلن يعدم الري‏.‏

فرع‏:‏ لو سميت ‏"‏بإما‏"‏ على القول بالتركيب‏,‏ حكيت‏.‏

الثالث‏:‏ في ‏"‏إما‏"‏ المذكورة لغتان‏:‏ كسر همزتها، وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورهم وهي الفصحى، وفتح همزتها، وهي لغة قيس وأسد وتميم‏.‏

وحكي إبدال ميمها الأولى ‏"‏ياء‏"‏ مع كسر الهمزة وفتحها‏.‏

الرابع‏:‏ تشارك ‏"‏إما‏"‏ المذكورة في اللفظ ‏"‏إما‏"‏ الشرطية وهي مركبة من‏:‏ إن وما بغير إشكال، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً‏}‏‏.‏

وزعم الكسائي أن لها قسما ثالثا تكون فيه جحدا، تقول‏:‏ ‏"‏إما زيد قائم‏"‏ تريد‏:‏ إن زيد قائم، وما صلة‏.‏

ثم انتقل إلى ‏"‏لكن‏"‏ فقال‏:‏

وأول لكن نفيا او نهيا ولا‏.‏‏.‏‏.‏ نداء او أمرا أو إثباتا تلا

فالنفي ‏"‏نحو‏"‏‏:‏ ‏"‏ما قام زيدٌ لكن عمرٌو‏"‏ والنهي‏:‏ ‏"‏لا تضرب زيدًا لكن عمرًا‏"‏ فالمعطوف بلكن محكوم له بالثبوت بعدهما‏.‏

وفهم من ذلك أنها لا تقع في الإيجاب ‏"‏وهو مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون أن يعطف بها في الإيجاب‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏أتاني زيدٌ لكن عمرٌو‏"‏‏.‏

تنبيه‏:‏

إنما يشترط النهي والنفي في الواقعة قبل المفرد‏,‏ وتقدم الخلاف في كونها عاطفة‏.‏

وإذا وَلِيَها جملة فتكون حينئذ بعد إيجاب أو نفي أو نهي ‏"‏أو أمر‏"‏ لا استفهام‏,‏ فلا يجوز‏:‏ ‏"‏هل زيد قائم لكن عمرو لم يقم‏؟‏‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ إذا وقعت قبل الجملة، فهل هي عاطفة أو غير عاطفة‏؟‏

قلت‏:‏ الذي ذهب إليه أكثر المغاربة أنها حينئذ حرف ابتداء، لا حرف عطف‏.‏

وقيل‏:‏ إنها تكون عاطفة جملة على جملة‏,‏ إذا وردت بغير واو‏.‏

قال ابن أبي الربيع‏:‏ وهو ظاهر كلام سيبويه‏.‏

فإن قلت‏:‏ فما المفهوم من كلام الناظم‏؟‏

قلت‏:‏ المفهوم من اشتراطه قبل العاطفة النفي والنهي، أن الواقعة قبل الجملة غير عاطفة، إذ لا يشترط فيها ذلك‏.‏

ثم انتقل إلى ‏"‏لا‏"‏‏,‏ فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ولا نداء او أمرا أو إثباتا تلا

أي‏:‏ وأَوْلِ ‏"‏لا‏"‏ نداء نحو‏:‏ ‏"‏يا يزيد لا عمرو‏"‏ أو أمرا نحو‏:‏ ‏"‏اضرب زيدا لا عمرا‏"‏ أو إثباتا نحو‏:‏ ‏"‏زيد كاتب لا شاعر‏"‏‏.‏

وزعم ابن سعدان أن العطف ‏"‏بلا‏"‏ على منادى ليس من كلام العرب‏,‏ ونص على جوازه سيبويه‏.‏

ومنع أبو القاسم الزجاجي في كتاب معنى الحروف أن يُعطَف بها بعد الفعل الماضي‏,‏ وليس منع ذلك بصحيح؛ لثبوته في كلام العرب‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ في معنى الأمر الدعاء نحو‏:‏ ‏"‏غفر الله لزيد لا بكر‏"‏‏,‏ والتحضيض نحو‏:‏ ‏"‏هلا تضرب زيدا لا عمرا‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ أجاز الفراء العطف بها على اسم ‏"‏لعلّ‏"‏ كما يعطف بها على اسم ‏"‏إنّ‏"‏‏.‏

نحو‏:‏ ‏"‏لعل زيدًا لا عمرًا منطلق‏"‏‏.‏

الثالث‏:‏ فائدة العطف ‏"‏بلا‏"‏ قَصْر الحكم على ما قبلها؛ إما قصر أفراد كقولك‏:‏ ‏"‏زيد كاتب لا شاعر‏"‏، ردا على من يعتقد أنه كاتب وشاعر‏.‏

وإما قصر قلب، كقولك‏:‏ ‏"‏زيد عالم لا جاهل‏"‏، ردا على من يعتقد أنه جاهل‏.‏

الرابع‏:‏ شرط عطف الاسم ‏"‏بلا‏"‏ أن يكون ما بعدها غير صالح لإطلاق ما قبلها عليه؛ فلذلك لا يجوز‏:‏ ‏"‏قام رجل لا زيد‏"‏‏.‏

الخامس‏:‏ قد يحذف المعطوف عليه ‏"‏بلا‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏أعطيتُك لا لتظلم‏"‏ أي‏:‏ لتعدل لا لتظلم‏.‏

السادس‏:‏ لا يعطف ‏"‏بلا‏"‏ إلا مفرد أو جملة لها موضع من الإعراب نحو‏:‏ ‏"‏زيد يقوم لا يقعد‏"‏‏.‏

فإن لم يكن للجملة موضع لم تكن عاطفة؛ ولذلك يجوز الابتداء بها‏.‏

وفي النهاية‏:‏ وتعطف لا الجملة ‏"‏على الجملة‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏زيد قائم لا عمرو جالس‏"‏‏.‏

ثم انتقل إلى ‏"‏بل‏"‏ فقال‏:‏

وبل كلكن بعد مصحوبيها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

مصحوبا ‏"‏لكن‏"‏ هما النفي والنهي‏.‏

فإذا عطفت ‏"‏بل‏"‏ بعدهما، فهي كلكن‏,‏ يعني‏:‏ لتقرير حكم ما قبلها وجعل ضده لما بعدها نحو‏:‏ ‏"‏ما قام زيد بل عمرو‏"‏‏,‏ ‏"‏فتقرر‏"‏ نفي القيام عن زيد، وتثبته لعمرو‏.‏

ومثله‏:‏

كلم أكن في مربع بل تَيْها

والمربع‏:‏ منزل الربيع، والتيهاء‏:‏ الأرض التي لا يُهتدَى بها‏.‏

وتقول‏:‏ ‏"‏لا تضرب زيدا بل عمرا‏"‏ فتقرر النهي عن زيد‏,‏ وثبت الأمر بضرب عمرو‏.‏

ووافق المبرد على هذا الحكم، وأجاز مع ذلك كون ‏"‏بل‏"‏ ناقلة حكم النفي والنهي لما بعدها‏.‏

ووافقه على ذلك أبو الحسين عبد الوارث‏.‏

قال المصنف‏:‏ وما أجازه مخالف الاستعمال‏.‏

ثم قال‏:‏

وانقُل بها للثان حكم الأول‏.‏‏.‏‏.‏ في الخبر المثبت والأمر الجلي

مثال الخبر المثبت‏:‏ ‏"‏جاء زيد بل عمرو‏"‏‏,‏ والأمر‏:‏ ‏"‏اضرب زيدا بل عمرا‏"‏‏.‏

فهي في ذلك لإزالة الحكم عما قبلها حتى كأنه سكوت عنه، وجعله لما بعدها‏.‏

وذهب الكوفيون إلى أن ‏"‏بل‏"‏ لا تكون نسقا إلا بعد النفي أو ما جرى مجراه، ولا تكون نسقا بعد الإيجاب‏.‏

وجملة القول في ‏"‏بل‏"‏ أنها إن وقع بعدها جملة كانت إضرابا عما قبلها، إما على جهة الإبطال نحو‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ‏}‏‏.‏

وإما على جهة الترك من غير إبطال نحو‏:‏ ‏{‏وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا‏}‏‏.‏

فظهر ‏"‏من هذا‏"‏ أن قوله في شرح الكافية‏:‏ فإن كان الواقع بعدها جملة فهي للتنبيه على انتهاء غرض واستئناف غيره، ولا يكون في القرآن إلا على هذا الوجه، فيه نظر‏.‏

وإن وقع بعدها مفرد وليس قبله نفي أو نهي، فهي لإزالة حكم ما قبلها وجعله لما بعدها‏.‏

وإن كان قبل المفرد نفي أو نهي، فهي لتقرير حكمه وجعل ضده لما بعدها‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ لا يعطف ببل بعد الاستفهام، لا يقال‏:‏ ‏"‏أضربتَ زيدًا بل عمرا‏؟‏‏"‏ ولا نحوه‏.‏

الثاني‏:‏ ظاهر إطلاق المصنف أن ‏"‏بل‏"‏ تعطف الجملة كما تعطف المفرد‏.‏

وقد صرح به الشارح في قوله‏:‏ فإن كان المعطوف بها جملة‏.‏

وذكر غيره أنها لا تكون قبل الجملة عاطفة‏.‏

الثالث‏:‏ قال في التسهيل‏:‏ وتزاد ‏"‏لا‏"‏ قبل ‏"‏بل‏"‏؛ لتأكيد التقرير وغيره‏.‏ انتهى‏.‏

فإذا زيد بعد إيجاب أو أمر نحو‏:‏ ‏"‏قام زيد لا بل عمرو‏"‏ و‏"‏اضرب زيدا لا بل عمرا‏"‏ فهي لتأكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول‏.‏

وإذا زيدت بعد نفي أو نهي نحو‏:‏ ‏"‏ما قام زيد لا بل عمرو‏"‏ و‏"‏لا تضرب خالدا لا بل بشرا‏"‏‏.‏

فهي لتأكيد بقاء النفي والنهي‏.‏

وذهب الجزولي إلى أنها بعد الإيجاب والأمر نفي، وبعد النفي والنهي تأكيد‏.‏

ومنع ابن درستويه زيادتها معها بعد النفي‏.‏

وقال ابن عصفور‏:‏ لا ينبغي أن يقال بزيادتها مع ‏"‏بل‏"‏ في النفي والنهي إلا أن يشهد له سماع، قيل‏:‏ وهو مسموع من كلام العرب‏.‏

الرابع‏:‏ قد تكرر ‏"‏بل‏"‏ في الجمل رجوعا عما ولي المتقدمة ‏"‏نحو‏"‏‏:‏

‏{‏بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ‏}‏‏.‏

وتنبيها على رجحان ما ولي المتأخرة، نحو‏:‏ ‏{‏بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ‏}‏‏.‏

ولما ذكر معاني حروف العطف‏,‏ شرع في ذكر أحكام تتعلق بالباب فقال‏:‏

وإن على ضمير رفع متصل‏.‏‏.‏‏.‏ عطفت فافصِلْ بالضمير المنفصل

أو فاصل ما‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ أنه إذا قصد العطف على ضمير الرفع المتصل، لم يحسن إلا بعد توكيده بضمير رفع منفصل، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ‏}‏‏.‏

أو فصل يقوم مقام التوكيد، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ‏}‏‏.‏

ونبه بقوله‏:‏ ‏"‏أو فاصل ما‏"‏ على أنه يكتفى بما يصدق عليه فاصل ولو قل‏.‏

أجاز صاحب الكشاف في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ‏}‏ أن يكون ‏"‏آباؤنا‏"‏ معطوفا على الضمير في لمبعوثون للفصل بالهمزة‏.‏

ومن صور الفصل‏:‏ الفصل ‏"‏بلا‏"‏ بين العاطف والمعطوف نحو‏:‏ ‏{‏مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا‏}‏‏.‏

وفهم من قوله‏:‏ ‏"‏متصل‏"‏ أن المنفصل يعطف عليه بلا شرط‏.‏

فحكم المنفصلين في العطف والعطف عليهما حكم الظاهر‏.‏

ووهم الأُبَّدي في منعه‏:‏ ‏"‏رأيت زيدا وإياك‏"‏‏.‏

ثم نبه على ورود العطف على الضمير المذكور بغير توكيد ولا فصل، فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وبلا فصل يرد‏.‏‏.‏‏.‏ في النظم فاشيا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

كقول عمر بن أبي ربيعة‏:‏

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وهو كثير في الشعر، ومع كثرته فهو ضعيف؛ ولهذا قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وضعفه اعتقد

فإن قلت‏:‏ فهل يطرد مع ضعفه أو يختص بالضرورة‏؟‏

قلت‏:‏ نص المصنف على أنه يجوز في الاختيار مع ضعفه؛ لقول بعض العرب‏:‏ ‏"‏مررتُ برجلٍ سواءٍ والعدمُ‏"‏ حكاه سيبويه‏.‏

ولأن العطف في البيت السابق ونحوه ليس بفصل مضطر؛ لإمكان النصب‏.‏

ومذهب الكوفيين وابن الأنباري جوازه في الاختيار، ونقل الجواز عن أبي علي‏.‏

قيل‏:‏ ومذهب البصريين أنه لا يجوز بغير فصل بتوكيد‏,‏ أو غيره إلا في الضرورة‏.‏

ونص سيبويه والخليل على قبحه‏.‏

وفي كتاب سيبويه حين ذكر انفصال بعض الضمائر، وكذلك‏:‏ ‏"‏كنا وأنتم ذاهبين‏"‏ إلا أن الشراح تأولوه‏.‏

تنبيه‏:‏

شرط في التسهيل في صحة العطف صلاحية المعطوف‏,‏ أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل‏.‏

الأول‏:‏ نحو ‏"‏قام زيد وعمرو‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ نحو ‏"‏قام زيد وأنا‏"‏‏,‏ فإنه لا يصح ‏"‏قام أنا‏"‏، ولكن يصح ‏"‏قمت‏"‏‏,‏ والتاء بمعنى أنا‏.‏

فإن لم يصح هو أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل، أضمر له عامل مدلول عليه بما قبله، وجعل من عطف الجمل‏.‏

قال‏:‏ وذلك كالمعطوف على الضمير المرفوع بالمضارع ذي الهمزة أو النون أو تاء المخاطب أو بفعل الأمر نحو‏:‏ ‏"‏أقوم أنا وزيد‏"‏‏,‏ و‏"‏نقوم نحن وزيد‏"‏‏,‏ و‏"‏تقوم أنت وزيد‏"‏‏,‏ و ‏{‏اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ‏}‏ أي‏:‏ وليسكن زوجك‏.‏

وكذا في باقيها‏.‏

قال‏:‏ وكذلك المضارع المفتتح بتاء التأنيث نحو‏:‏ ‏{‏لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ‏}‏‏.‏

قال الشيخ أبو حيان‏:‏ وما ذهب إليه مخالف لما تضافرت عليه نصوص النحويين والمعربين، من أن ‏"‏زوجك‏"‏ معطوف على الضمير المستكن في ‏"‏اسكن‏"‏ المؤكد ‏"‏بأنت‏"‏‏.‏

ولا نعلم خلافا في جواز تقدم هند وزيد، وأنه من عطف المفردات‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏

وعَوْد خافض لدى عطف على‏.‏‏.‏‏.‏ ضمير خَفْض لازما قد جُعلا

هذا مذهب جمهور البصريين‏,‏ أن إعادته لازمة إلا في الضرورة‏.‏

وذهب الكوفيون ويونس والأخفش إلى جواز العطف عليه بدون إعادة الخافض‏,‏ واختاره الشلوبين والمصنف‏.‏

ولهذا قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏وليس عندي لازما

ثم استدل بوروده في النثر كقراءة حمزة‏:‏ ‏"‏تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ‏"‏‏.‏

والنظم كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فاذهب فما بِكَ والأيامِ من عَجَب

أنشده سيبويه، وهو كثير في الشعر‏.‏

وفي المسألة مذهب ثالث‏,‏ وهو أنه إذا أُكِّد الضمير جاز نحو‏:‏ ‏"‏مررتُ بك أنت وزيدٍ‏"‏ وهو مذهب الجرمي والزيادي‏.‏

قلت‏:‏ وهو حاصل كلام الفراء، فإنه أجاز‏:‏ ‏"‏مررت به نفسِهِ وزيدٍ، ومررت بهم كلِّهم وزيدٍ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وكذا القول في أجمعين وقضهم وقضيضهم وخمستهم‏,‏ إذا خفضت‏.‏

فإن نصبت ‏"‏خمستهم‏"‏ لم يجز -يعني العطف- بغير إعادة الجار‏.‏

قال الشارح‏:‏ ولا يبعد أن يقال في هذه المسألة‏:‏ إن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار غير جائز في القياس، وما ورد من السماع محمول على شذوذ إضمار الجار‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ قيل‏:‏ ينبغي أن يقيد العطف على الضمير المجرور، بأن يكون الحرف غير مختص بالضمير، احترازا من المجرور بلولا على مذهب سيبويه‏,‏ فإنه لا يجوز عطف الظاهر عليه، فلو رفع على توهم أنك نطقت بالضمير مرفوعا‏,‏ ففي جوازه نظر‏.‏

الثاني‏:‏ قد فهم من سكوته عن الضمير المنصوب المتصل أنه يجوز العطف عليه بلا شرط‏.‏

وقوله‏:‏

والفاء قد تُحذف مع ما عطفتْ

يعني‏:‏ إذا أمن اللبس‏.‏

ومنه‏:‏ ‏{‏اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ‏}‏ أي‏:‏ فضرب فانفجرت‏.‏

وزعم ابن عصفور أنه إنما حذف المعطوف عليه وحده وحذفت الفاء من المعطوف‏,‏ فاتصلت الفاء الأولى بالمعطوف، فأبقي من كل منهما ما يدل على المحذوف‏.‏ ورُدّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ‏}‏ أي‏:‏ فأفطر فعدة؛ لأن فاء العطف لا تنوب مناب فاء الجزاء‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏والواو‏"‏‏.‏

يعني‏:‏ أن الواو أيضا قد تحذف مع ما عطفت، ومنه‏:‏ ‏{‏سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ‏}‏‏.‏

أي‏:‏ والبرد‏.‏

وإنما يجوز إذا دل عليه دليل‏.‏

فإن قلت‏:‏ ظاهر كلامه أن هذا مختص بالفاء والواو، وقد ذكر في التسهيل أن ‏"‏أم‏"‏ تشاركهما في ذلك، كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فما أدري أرشد طلابها

التقدير‏:‏ أم غي‏.‏

قلت‏:‏ هو في الفاء والواو، وأكثر منه في ‏"‏أم‏"‏‏,‏ فلقلته لم يذكر هنا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏وَهْيَ‏"‏ يعني الواو‏.‏

انفردت بعطف عامل مزال قد بقي‏.‏‏.‏‏.‏ معموله‏.‏‏.‏‏.‏

مثال ذلك قول الشاعر‏:‏

علفتُها تبنا وماء باردا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ وسقيتها ماء‏.‏

فحذف العامل المعطوف، واستغنى بمعموله، وأمثلته كثيرة نظما ونثرا‏.‏

وهذا مذهب جماعة من الكوفيين والبصريين‏,‏ منهم الفراء والفارسي‏.‏

وذهب قوم‏,‏ منهم أبو عبيدة والجرمي والمازني والمبرد إلى أن تالي الواو في ذلك معطوف على الأول عطف مفرد على مفرد، لا عطف جملة على جملة‏,‏ وأن العامل ضمن معنى ينظم المعطوف والمعطوف عليه، واختاره بعض المتأخرين‏.‏

واحتج الأولون بأنه لو كان على التضمين‏,‏ لساغ‏:‏ ‏"‏علفتها ماء وتبنا‏"‏‏.‏

ورد بأنه مسموع من كلام العرب كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ لها سبب ترعى به الماءَ والشجرَ

واختُلف أيضا في هذا التضمين، والأكثرون على أنه ينقاس‏.‏

وضابطه عندهم‏:‏ أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام‏.‏

قال الشيخ أبو حيان‏:‏ والذي أختاره التفصيل، فإن كان العامل الأول تصح نسبته إلى الاسم الذي يليه حقيقة‏,‏ كان الثاني محمولا على الإضمار؛ لأن الإضمار أكثر من التضمين، نحو‏:‏ ‏"‏جدع الله أنفه وعينه‏"‏ أي‏:‏ ‏"‏ويفقأ عينه‏"‏‏,‏ فنسبة الجدع إلى الأنف حقيقة‏.‏

وإن كان لا يصح كان العامل مضمنا معنى ما يصح نسبته إليه؛ لأنه لا يمكن الإضمار، نحو قول العرب‏:‏ ‏"‏علفت الدابة ماء وتبنا‏"‏ أي‏:‏ أطعمتها أو غذيتها‏.‏

وقوله‏:‏ دفعا لوهم اتُّقي‏.‏

يعني‏:‏ أن إضمار العامل في ‏"‏نحوه‏"‏ يدفع توهم أنه معطوف أو مفعول معه‏.‏

فإن قلت‏:‏ ولِمَ كان حمله على العطف أو المعية وَهْمًا‏؟‏

قلت‏:‏ أما العطف؛ فلأن العامل لا يصلح للعمل فيه، وأما المعية؛ فلأنها غير مرادة هنا، وذلك واضح‏.‏

وقوله‏:‏

وحذف متبوع بدا هنا استبِحْ

يعني‏:‏ أنه يجوز حذف المعطوف عليه؛ لظهوره، ويستغنى بالعاطف والمعطوف نحو‏:‏ ‏"‏بلى وزيدا‏"‏ لمن قال‏:‏ ‏"‏ألم تضرب عمرا‏؟‏‏"‏‏.‏

ومنه قول العرب‏:‏ ‏"‏وبك وأهلا وسهلا‏"‏ لمن قال‏:‏ مرحبا‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ حذف المتبوع كثُر مع الواو كما مثّل، وقلّ مع الفاء‏.‏ ومنه‏:‏

‏{‏أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ‏}‏ أي‏:‏ فضرب فانفلق‏.‏

ونذر مع ‏"‏أو‏"‏ كقول أبي أمية الهذلي‏:‏

فهل لكَ أو من والد لكَ قبلَنَا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ فهل لك من أخ أو من والد‏؟‏

والثاني‏:‏ جعل الزمخشري من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَسِيرُوا‏}‏ و ‏{‏أَفَلَمْ يَسِيرُوا‏}‏‏.‏

فقدّر بين الهمزة والعاطف محذوفا هو المعطوف عليه، وإلى ذلك ذهب محمد بن مسعود الغزني‏.‏

ومذهب الجمهور أن حرف العطف عطف ما بعده على الجملة قبله ولا حذف‏,‏ ولكنه اعتنى بالهمزة فصدرت‏.‏

وقوله‏:‏

وعطفك الفعل على الفعل يصح

يعني‏:‏ أن الأفعال في جواز عطف بعضها على بعض كالأسماء، نحو‏:‏ ‏"‏زيد قام وقعد، ويقوم ويقعد‏"‏‏.‏

تنبيه‏:‏

أهمل المصنف شرطا في عطف الفعل، وهو اتحاد زمانهما‏.‏

فلا يعطف الماضي على المستقبل‏,‏ ولا المستقبل على الماضي‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهل يشترط اتحاد اللفظ‏,‏ أعنى‏:‏ أن يكونا بصيغة الماضي أو بصيغة المضارع‏.‏‏.‏‏.‏‏؟‏

قلت‏:‏ لا‏,‏ بل يجوز عطف الماضي على المضارع نحو‏:‏ ‏{‏يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ‏}‏ وعكسه نحو‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا‏}‏‏.‏

وإنما ساغ ذلك لاتحاد الزمان‏.‏

فإن قلت‏:‏ ليس هذه المثل من عطف الفعل على الفعل، وإنما هي من عطف جملة على جملة‏.‏

قلت‏:‏ لما كان الغرض منها إنما هو عطف الفعل؛ لأن فاعل الفعل الثاني هو فاعل الفعل الأول‏,‏ صح أن يقال‏:‏ إنها من عطف الفعل على الفعل‏.‏

وقوله‏:‏

واعطف على اسم شبه فِعْل فِعْلا

مثاله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا‏}‏ ‏,‏ ‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ‏}‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ كيف جاز ذلك ‏"‏وحرف‏"‏ العطف لا يربط بين مختلف الجنس‏؟‏

قلت‏:‏ إنما جاز؛ لأن أحدهما مؤول بالآخر، فاتحد الجنس بالتأويل‏.‏

فإن قلت‏:‏ فأيهما المؤول‏؟‏

قلت‏:‏ الذي يؤول هو الحال محل الآخر ‏"‏فيكون‏"‏ الأول كمثال الأول؛ لأن المصدقين صلة ‏"‏أل‏"‏ وحق الصلة أن تكون جملة، فأل مؤولة بالذي والمصدقين بتصدقوا‏.‏

وتارة يكون الثاني كالمثال الثاني؛ لأن صافات فيه حال، وأصل الحال أن يكون اسما‏,‏ فيقبضن مؤول بقابضات‏.‏

وقوله‏:‏

وعكسا استعملْ تجدْهُ سهلا

يعني‏:‏ بالعكس أن تعطف الاسم المشابه للفعل على الفعل، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ‏}‏‏.‏

وقول الراجز‏:‏

أم صبي قد حَبَا أو دارج

عطف ‏"‏دارجا‏"‏ على ‏"‏قد حبا‏"‏‏.‏

قال في شرح الكافية‏:‏ لأن دارجا بمعنى درج‏.‏

قلت‏:‏ ظاهر هذا أن الاسم في البيت ونحوه مؤول بالفعل، وليس بجيد، بل الظاهر أن ‏"‏حبا‏"‏ مؤول بحاب؛ لأنه في موضع النعت، وأصل النعت أن يكون اسما‏.‏