فصل: الاختصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


الاختصاص‏:‏

الاختصاص كنداء دون يا‏.‏‏.‏‏.‏ كأيها الفتى بإثر ارجونيا

الاختصاص‏:‏ ما جيء به على صورة هي لغيره توسعا، كما يرد الأمر بصيغة الخبر والخبر بصيغة الأمر‏.‏

والباعث على الاختصاص فخر أو تواضع أو زيادة بيان‏.‏

والمخصوص اسم ظاهر بعد ضمير متكلم يخصه أو يشارك فيه، وذلك الاسم ثلاثة أنواع‏:‏

الأول‏:‏ أيها وأيتها نحو‏:‏ ‏"‏أنا أفعل كذا أيها الرجل‏"‏ و‏"‏اللهم اغفر لنا أيتها العصابة‏"‏ وأي هنا مبنية على الضم، ويلزم وصفها باسم جنس معرف بأل واجب الرفع على ما تقدم في النداء‏.‏

الثاني‏:‏ المعرف بالإضافة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏نحن معاشر الأنبياء لا نُورَثُ‏"‏‏.‏

قال سيبويه‏:‏ أكثر الأسماء دخولا في هذا الباب بنو فلان ومعشر مضافة وأهل البيت وآل فلان‏.‏

الثالث‏:‏ المعرف بأل كقولهم‏:‏ ‏"‏نحن العربَ أقرى من الناس للضيف‏"‏، وقد يكون علما كقول رؤبة‏:‏

بنَا تميما يُكْشَفُ الضَّبَابُ

ولا يدخل في هذا الباب نكرة ولا اسم إشارة‏.‏

قال سيبويه‏:‏ ولا يجوز أن يذكر إلا اسما معروفا، ولم يقع المختص مبنيا إلا بلفظ أيها وأيتها، وأما غيرهما فالمنصوب والناصب واجب الإضمار تقديره أخص‏.‏

وأما أيها وأيتها فمذهب الجمهور أنهما في موضع نصب بأخص مضمرا أيضا‏.‏

وذهب الأخفش إلى أنه منادى‏.‏ قال‏:‏ ولا ينكر أن ينادي الإنسانُ نفسَه، ألا ترى إلى قول عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏كل الناس أفقه منك يا عمر‏"‏‏.‏

وذهب السيرافي إلى أن ‏"‏أيا‏"‏ في الاختصاص معربة، وزعم أنها تحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير‏:‏ أنا أفعل كذا، هو أيها الرجل، أي‏:‏ المخصوص به‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير‏:‏ أيها الرجل المخصوص أنا المذكور‏.‏

والأكثر في هذا الاختصاص أن يلي ضمير متكلم كما سبق، وقد يلي ضمير مخاطب كقولهم‏:‏ ‏"‏بك اللهَ نرجو الفضلَ‏"‏ و‏"‏سبحانك الله العظيمَ‏"‏، ولا يكون بعد ضمير غائب‏.‏

وأما ما وقع في الكتاب ‏"‏على المضارب الوضيعة أيها البائع‏"‏ فقال الفارسي‏:‏ لا علم لي بوجه ذلك، وفي كتاب الصفَّار‏:‏ أن هذا فساد وقع في الكتاب وقد أول بأنه وضع الظاهر موضع المضمر، ويكون المعنى‏:‏ عليَّ الوضيعة أيها البائع، وقد روي كذلك‏.‏

ولما ذكر أن الاختصاص كالنداء في الصورة نبه على أنه قد خالف النداء من ثلاثة أوجه‏:‏

الأول‏:‏ أنه لا يستعمل معه ‏"‏يا‏"‏ ولا غيرها من حروف النداء، وإلى هذا أشار بقوله‏:‏ ‏"‏دون يا‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ أنه لا يستعمل مبدوءا به، فهم ذلك من قوله‏:‏ ‏"‏بإثر ارجونيا‏"‏‏.‏

الثالث‏:‏ أنه استعمل معرفا بأل، وإلى هذا اشار بقوله‏:‏

وقد يُرى ذا دون أي تِلْوَ أل‏.‏‏.‏‏.‏ كمثل نحنُ العرب أسخى مَن بَذَلْ

إنما قال ‏"‏دون أي‏"‏ لأن استعمال المعرف بأل صفة لأي مشترك بين النداء والاختصاص نحو‏:‏ ‏"‏يأيها الرجل‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وجه رابع، وهو أن ‏"‏أيا‏"‏ توصف في النداء باسم الإشارة، وهنا لا توصف باسم الإشارة‏.‏

ووجه خامس‏:‏ وهو أن المازني أجاز نصب صفة أي في النداء، ولم يحكوا هنا خلافا في وجوب رفع صفتها، وفي الارتشاف‏:‏ لا خلاف في متبوعها أنه مرفوع‏.‏

التحذير والإغراء‏:‏

إياك والشرَّ ونحوَه نَصَبْ‏.‏‏.‏‏.‏ مُحذِّرٌ بما استتارُه وَجَبْ

إنما ذكر التحذير والإغراء بعد باب النداء؛ لأن الاسم في التحذير والإغراء مفعول به بفعل لا يجوز إظهاره كالمنادى، على تفصيل سيأتي‏.‏

والتحذير‏:‏ هو تنبيه المخاطب على مكروه يجب الاحتراز منه، ويكون بثلاثة أشياء‏:‏ بإياك وأخواته، وبما ناب عنها من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب، وبذكر المحذر منه‏.‏

فإن كان بإياك وأخواته وجب إضمار ناصبه مطلقا، أعني في إفراده وتكراره والعطف عليه، وقد مثل العطف ‏"‏عليه‏"‏ بقوله‏:‏ ‏"‏إياك والشر‏"‏ فإياك مفعول بفعل واجب الإضمار تقديره‏:‏ اتق، ونحوه‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل يقدر قبل إياك أو بعده‏؟‏

قلت‏:‏ قيل‏:‏ يجب تقديره بعده؛ لأنه لو قدر قبله لاتصل به فيلزم تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، وذلك خاص بأفعال القلوب وما ألحق بها‏.‏

وقيل‏:‏ كان الأصل‏:‏ اتقِ نفسك، فلما حذف الفعل استغني عن النفس وانفصل الضمير‏.‏

واختلف في إعراب ما بعد الواو‏.‏ فقيل‏:‏ هو معطوف على إياك، والتقدير‏:‏ اتقِ نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك‏.‏ ‏"‏وهذا‏"‏ مذهب كثير منهم السيرافي واختاره ابن عصفور‏.‏

فإن قلت‏:‏ كيف جاز عطفه على إياك وهما مختلفان في الحكم؛ لأن الأول محذر والثاني محذر منه‏؟‏

قلت‏:‏ الجواب أنه لا يلزم اشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في المعنى الذي كان إعرابه بسببه، والتقدير السابق يوضح ذلك‏.‏

وذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أن الثاني منصوب بفعل آخر مضمر، فهو عندهما من قبيل عطف الجمل، واختار في شرح التسهيل مذهبا ثالثا وهو أن الثاني معطوف عطف مفرد لا على التقدير الأول، بل على تقدير‏:‏ اتقِ تلاقي نفسك والشر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، قال‏:‏ ولا شك في أن هذا أقل تكلفا فكان أولى‏.‏

ومثال التكرار‏:‏ ‏"‏إياك إياك من الشر‏"‏، ومثال الإفراد‏:‏ ‏"‏إياك من الشر‏"‏‏.‏

وقد نبه على وجوب إضمار ناصب ‏"‏إيا‏"‏ في الإفراد بقوله‏:‏

ودون عطف ذا لإيا انْسُبْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وإن كان التحذير بغير ‏"‏إيا‏"‏ لم يلزم الإضمار إلا مع العطف نحو‏:‏ ‏"‏مازِ رأسك والسيف، والشيطان وكيده‏"‏‏.‏

أو التكرار نحو‏:‏ ‏"‏رأسك رأسك‏"‏ و‏"‏الأسد الأسد‏"‏‏.‏

فإن عدم العطف والتكرار جاز الإظهار والإضمار نحو‏:‏ ‏"‏رأسك‏"‏ وإن شئت‏:‏ قِ رأسك والأسد، وإن شئت‏:‏ احذر الأسد، وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وما‏.‏‏.‏‏.‏ سواه سَتْرُ فعله لن يلزما

إلا مع العطف أو التكرار

ومثل التكرار بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كالضيغمَ الضيغمَ يا ذا الساري

والضيغم‏:‏ الأسد‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما علة التزام الإضمار مع ‏"‏إيا‏"‏ مطلقا، ومع غيرها في العطف والتكرار‏؟‏

قلت‏:‏ علة التزامه مع ‏"‏إيا‏"‏ كثرة الاستعمال فشابهت بذلك الأمثال، وغيرها ليس كذلك، إلا أن العطف والتكرار جعلا كالبدل من اللفظ بالفعل؛ فذلك وجب إضماره معهما‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ أجاز بعضهم إظهار العامل مع المكرر، وقال الجزولي‏:‏ يقبح ولا متنع‏.‏

الثاني‏:‏ شمل قوله‏:‏ ‏"‏وما سواه‏"‏ يعني‏:‏ النوعين المتقدم ذكرهما، أعني‏:‏ ما ناب عن إيا من الأسماء المضافة إلى ضمير المخاطب منه‏.‏

وكلامه في الكافية وشرحها يقتضي عدم لزوم الإضمار مع التكرار في الأول من هذين النوعين، فإنه قال‏:‏

ونحوُ رأسَك كإياك جُعل‏.‏‏.‏‏.‏ إذا الذي يُحْذَرُ معطوفا وُصِلْ

وقال في الشرح‏:‏ فلو لم يذكر المعطوف جاز الإظهار والإضمار، وقد صرح الشارح بوجوب الإضمار في نحو ‏"‏رأسك‏"‏ رأسك؛ لأجل التكرار‏.‏

الثالث‏:‏ لا يعطف في هذا الباب إلا بالواو‏.‏

الرابع‏:‏ لا يحذف العاطف بعد إياك إلا والمحذور مجرور بمن نحو‏:‏ ‏"‏إياك من الشر‏"‏ ‏"‏وتقديرها مع أن تفعل‏"‏ كاف نحو‏:‏ ‏"‏إياك أن تفعل‏"‏ أي‏:‏ من أن تفعل‏.‏

فأما بيت الكتاب وهو‏:‏

فإياكَ إياكَ المراءَ فإنه‏.‏‏.‏‏.‏ إلى الشر دَعَّاءٌ وللشر جَالِبُ

فقيل‏:‏ هو على حذف الجار للضرورة، وقيل‏:‏ على حذف العاطف للضرورة أيضا، وقيل‏:‏ إنه بدل من إياك، وقيل‏:‏ أضمر له ناصب آخر بعد إياك، فقوله‏:‏ إياك إياك مستقل بنفسه، ثم أضمر بعد إياك فعلا تقديره‏:‏ اتقِ المراء، على هذا حمله سيبويه‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ وعلى كل حال فلا يجوز مثل هذا إلا في الشعر‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ في باب التحذير من التسهيل‏:‏ ولا يحذف العاطف بعد إيا إلا والمحذر منصوب بإضمار فعل أو مجرور بمن‏.‏ يقتضي جواز إياك المراء ونحوه على إضمار فعل؛ لتسويته بينه وبين الجر بمن‏.‏

قال أبو البقاء العكبري‏:‏ في نحو‏:‏ ‏"‏إياك الشر‏"‏ المختار عندي أن يضمر له فعل يتعدى إلى مفعولين نحو‏:‏ ‏"‏جنب نفسك الشر‏"‏ ‏"‏فإياك في موضع نفسك‏"‏، ومثل الشارح إفراد إيا بقوله‏:‏ ‏"‏إياك الشر‏"‏ وقال‏:‏ تقديره أحذرك الشر، وهو نظير ‏"‏إياك المراء‏"‏ وظاهر تقديره أن الناصب لهما فعل واحد متعد إلى اثنين فهو نحو مما قاله أبو البقاء‏.‏

فإن قلت‏:‏ إذا جعل ناصب المراء فعلا مضمرا بعد إياك فهل يكون إضماره واجبا أم جائزا‏؟‏

قلت‏:‏ قال ابن عصفور‏:‏ إن حذفت الواو لم يلزم إضمار الفعل نحو‏:‏ ‏"‏فإياك إياك المراء‏"‏‏.‏

تقديره‏:‏ دَعِ المراء، ولو كان في الكلام لجاز إظهار هذا الفعل‏.‏ انتهى‏.‏

وشذ إياي، وإياه أشذ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

الشائع في التحذير أن يراد به المخاطب‏.‏

وقد ورد للمتكلم كقول من قال‏:‏ ‏"‏إيايَ وأن يحذِفَ أحدُكم الأرنبَ‏"‏ أي‏:‏ إياى نح عن حذف الأرنب ونح حذف الأرنب عن حضرتي، فعلى هذا هو جملة واحدة‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ إن ذلك جملتان، والتقدير‏:‏ إياي وحذف الأرنب وإياكم وحذف أحدكم الأرنب، فحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ‏"‏وحذف‏"‏ من الثاني ما أثبت نظيره في الأول، وقال بعضهم‏:‏ إياي ليس على ‏"‏معنى فعل أمر بل على معنى‏"‏ إياي باعد، فجعله خبرا‏.‏ وقد ورد للغائب في قولهم‏:‏ ‏"‏إذا بلغ أحدكم الستين فإياه وإيا الشواب‏"‏، وإليه أشار بقوله‏:‏ ‏"‏وإياه أشذ‏"‏ أي‏:‏ أشذ من إياي، وفي هذا المثل شذوذ من وجه آخر، وهو إضافة ‏"‏إيا‏"‏ إلى الظاهر‏.‏

وعن سبيل القَصْد مَنْ قاس انتبَذْ

يقتضي منع القياس ‏"‏على إياي وعلى إياه فلا يستعمل إلا حيث سمع‏"‏‏.‏

‏"‏قلت‏:‏ ظاهر كلامه في التسهيل جواز القياس‏"‏ على المتكلم؛ لأنه قال بنصب تحذير إياي وإيانا معطوفا عليه المحذور،فلم يصرح بشذوذه، وذكر إيانا معه‏.‏

وكمُحذِّرٍ بلا إيا اجْعَلا‏.‏‏.‏‏.‏ مُغْرًى به في كل ما قصد فُصِّلا

الإغراء‏:‏ إلزام المخاطب العكوف على ما يُحمد عليه، والمغرى به‏:‏ منصوب بفعل مضمر، وحكم ناصبه في وجوب الإضمار وجوازه كحكم ناصب المحذر به، فيجب إضماره مع العطف نحو‏:‏ ‏"‏الأهل والولد‏"‏ والتكرار نحو‏:‏

أخاكَ أخاكَ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ولا يجب مع الإفراد بل يجوز إظهاره نحو‏:‏ الزم أخاك‏.‏ إلا أن الإغراء لا يكون بلفظ إياك وأخواته، فلهذا قال‏:‏ بلا إيا‏.‏

تنبيه‏:‏

قد يرفع المكرر في الإغراء والتحذير كقوله‏:‏

لجديرون بالوفاء إذا قا‏.‏‏.‏‏.‏ ل أخو النجدة السلاحُ السلاحُ

وأجاز الفراء الرفع في قوله‏:‏ ‏{‏نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا‏}‏ على إضمار هذه‏.‏

أسماء الأفعال والأصوات‏:‏

الكلام على أسماء الأفعال يحتاج إلى مقدمة تشمل ثلاث مسائل‏:‏

الأولى‏:‏ مذهب جمهور البصريين أنها أسماء، وقال بعض البصريين‏:‏ أفعال استعملت استعمال الأسماء، وذهب الكوفيون إلى أنها أفعال حقيقية، والصحيح أنها أسماء لقبولها بعض علامات الأسماء كالتنوين والتصريف، ولعدم قبولها علامات الأفعال، ولورودها على أوزان تخالف أوزان الأفعال‏.‏

الثانية‏:‏ اختلف القائلون باسميتها في مدلولها، فقيل‏:‏ مدلولها لفظ الفعل لا الحدث والزمان، بل تدل على ما يدل على الحدث والزمان، وقيل‏:‏ مدلولها المصادر إلا أنها دخلها معنى الأمر ومعنى الوقوع بالمشاهدة‏.‏ ودلالة الحال في غير الأمر فتبعه الزمان، وقيل‏:‏ إنها دالة على ما يدل عليه الأفعال من الحدث والزمان، إلا أن دلالتها على الزمان بالوضع لا بالصيغة‏.‏ قيل‏:‏ وهو ظاهر مذهب سيبويه وأبي علي وجماعة‏.‏ فهذه ثلاثة مذاهب، فصَهْ مثلا على الأول اسم للفظ اسكت، وعلى الثاني اسم لقولك سكوتا، وعلى الثالث اسم لمعنى الفعل، إلا أن دلالة الفعل على الزمان بالصيغة، ودلالتها على الزمان بالوضع‏.‏

الثالثة‏:‏ ذهب كثير منهم الأخفش إلى أن أسماء الأفعال لا موضع لا من الإعراب، وهو مذهب المصنف ونسبه بعضهم إلى الجمهور، وذهب المازني ومن وافقه إلى أنها في موضع نصب، ونقل عن سيبويه وعن الفارسي القولان، وذهب بعض النحويين إلى أنها في موضع رفع بالابتداء، وأغنى مرفوعها عن الخبر كما أغنى في ‏"‏أقائم الزيدان‏"‏ وقد عرفهما بقوله‏:‏

ما ناب عن فعل كشَتَّان وصَهْ‏.‏‏.‏‏.‏ هو اسم فعل وكذا أوَّهْ ومَهْ

قوله‏:‏ ‏"‏ما ناب عن فعل‏"‏ جنس يشمل اسم الفعل وغيره مما ينوب عن الفعل، وقوله‏:‏ ‏"‏كشتان وصه‏"‏ يعني كونه غير معمول ولا فضلة، وهو تمثيل تمم به الحد، فخرج به ما ناب عن الفعل وهو معمول كالمصدر العامل، أو فضلة كالحرف العامل عمل الفعل، فإنهما ليسا كشتان وصه، وهذا قوله في الكافية‏:‏ نائب فعل غير معمول ولا فضلة اسم الفعل‏.‏

تنبيه‏:‏

اسم الفعل نوعان‏:‏ أحدهما‏:‏ ما كان في الأصل ظرفا ‏"‏ومجروره‏"‏ أو حرف جر ومجروره، وسيأتي‏.‏ والآخر‏:‏ ما ليس كذلك، وهو ضربان‏:‏ ضرب مختلف في القياس عليه، وضرب مقصور على السماع‏.‏

فالمختلف في قياسه ثلاثة أنواع‏:‏

الأول‏:‏ بناء فعال من الثلاثي المجرد‏.‏ مذهب سيبويه والأخفش أنه مقيس، ومذهب المبرد أنه لا يقاس عليه‏.‏

الثاني‏:‏ بناء فعال من أفعل أجاز ابن طلحة القياس عليه، كما أجاز البناء منه في التعجب، وقد سمع منه دراك من أدرك‏.‏

الثالث‏:‏ بناء فعلال من الرباعي أجازه الأخفش قياسا على ما سمع من قولهم‏:‏ ‏"‏قَرْقار‏"‏ و‏"‏عَرْعَار‏"‏‏.‏ ومذهب سيبويه أن ذلك لا يقاس عليه، وهو الصحيح لقلته، وأنكر المبرد سماع اسم الفعل من الرباعي، وذهب إلى أن ‏"‏قرقار‏"‏ و‏"‏عرعار‏"‏ حكايتا صوت‏.‏

وأما المتفق على قصره على السماع‏.‏ فما عدا هذه الأنواع، وهو ألفاظ كثيرة، وأنا أشرح منها ما اشتمل عليه النظم إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد اشتمل هذا البيت على أربعة ألفاظ ‏"‏منها‏"‏ وهي‏:‏ شتان، وصه، وأوه، ومه‏.‏

فأما ‏"‏شتان‏"‏ فهي اسم فعل بمعنى تباعد أو افتراق، وذهب أبو حاتم والزجاج إلى أن ‏"‏شتان‏"‏ مصدر جاء على فعلان، وهو واقع موقع الفعل، فيقال‏:‏ ‏"‏شتان زيد وعمرو‏"‏ و‏"‏شتان ما زيد وعمرو‏"‏ بزيادة ‏"‏ما‏"‏ و‏"‏شتان ما بين زيد وعمرو‏"‏‏.‏ ونقل ابن عصفور وغيره أن الأصمعي منع ‏"‏شتان ما بين زيد وعمرو‏"‏، ورد عليه بأنه مسموع، ونقل صاحب البسيط أن الأصمعي جوَّز أن يكون بمعنى بَعُد، فتقول‏:‏ ‏"‏شتان ما بين زيد وعمرو‏"‏، وإن غيره منع ذلك‏.‏

وأما ‏"‏صه‏"‏ فاسم فعل بمعنى اسكت، ويقال‏:‏ صِهْ بكسر الهاء غير منونة، وصهٍ بالتنوين‏.‏

وسيأتي أن ما نون فهو نكرة وما لم ينون فهو معرفة، وقد يقال‏:‏ صاه بالألف قبل الهاء الساكنة‏.‏

وأما ‏"‏أوه‏"‏ فاسم فعل بمعنى أتوجع، وفيه لغات أخر‏:‏

أوَّهْ، أوِّهِ، آوْهْ، أوَّهِ، أوَّتَاهْ، آوَّتَاهُ، آهْ، آهِ، أَوِّ، آوِّ، أووه، أَوَأَهْ‏.‏

وإذا صرف الفعل منه قيل‏:‏ أوَّه وتأوه‏.‏

وأما ‏"‏مه‏"‏ فاسم فعل بمعنى انكفف لا بمعنى اكفف؛ لأنه متعد ومه لا يتعدى، ويقال‏:‏ مِهِ بالكسر، ومِهٍ بالتنوين، كما تقدم في صه‏.‏

وما بمعنى افْعَلْ كآمينَ كَثُرْ‏.‏‏.‏‏.‏ وغيرُهُ كَويْ وهيهات نَزُرْ

اسم الفعل ثلاثة أضرب‏:‏ ضرب بمعنى الأمر وهو كثير، وضرب بمعنى المضارع، وضرب بمعنى الماضي، وكلا هذين الضربين قليل، ومن الذي بمعنى الأمر مقيس كما تقدم، وليس في الذي بمعنى المضارع والماضي شيء يقاس عليه، ومثل الأمر بآمين والمضارع بوي والماضي بهيهات‏.‏

أما ‏"‏آمين‏"‏ فاسم فعل بمعنى استجب، وفيه لغتان المد والقصر خلافا لابن درستويه في تخصيصه القصر بالضرورة، وإذا مد فقيل وزنه فايل وهو أعجمي‏.‏ وقيل‏:‏ أصله القصر ووزنه فعيل والمد إشباع؛ لأنه ليس في كلام العرب أفعيل ولا فاعيل ولا فيعيل‏.‏ حكي ذلك عن أبي علي، وحكى القاضي عياض عن الداودي آمين -بالمد والتشديد- وقال‏:‏ إنها لغة شاذة، وذكر ثعلب وغيره أن تشديد الميم خطأ‏.‏

وأما ‏"‏وَيْ‏"‏ فهو اسم فعل بمعنى أعجب و‏"‏أن‏"‏ مثلها وا، وواهَا‏.‏

قال في شرح الكافية‏:‏ ووي ووا وواها بمعنى أعجب، وقال غيره‏:‏ وي بمعنى أعجب وفيها تندم‏.‏ ووا بمعنى التعجب والاستحسان‏.‏

قال‏:‏

وَا بأبي أنْت وفُوكِ الأشْنَبُ

وتلحق وي كاف الخطاب كقول عنترة‏:‏

قيل الفوارس وَيْكَ عنتر أقدم

وزعم الكسائي أن ويك محذوفة من ويلك، فالكاف على قوله ضمير مجرور، وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏‏.‏

قال الخليل وسيبويه‏:‏ هي وي، ثم قال‏:‏ كأن الله يبسط، وقال أبو الحسن‏:‏ هي ويك بمعنى أعجب كأن الله ‏"‏يبسط‏"‏‏.‏

وأما ‏"‏هيهات‏"‏ فاسم فعل بمعنى بَعُدَ خلافا لأبي إسحاق؛ إذ جعلها بمعنى البعد، وزعم أنها في موضع رفع نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ‏}‏ وخلافا للمبرد إذ زعم أنها ظرف غير متمكن وبنى لإبهامه، وتأويله عنده في البعد‏.‏ ويفتح الحجازيون ‏"‏تا‏"‏ هيهات فيقفون بالهاء، ويكسرها تميم وأسد ويقفون بالتاء وبعضهم يضمها، وإذا ضمت فمذهب أبي علي أنها تكتب بالتاء، ومذهب ابن جني أنها تكتب بالهاء، وحكى الصغاني فيها ستا وثلاثين لغة‏:‏ هيهات، وأيهات، وهيان، وأيهان، وهيهاه، وأيهاه، وكل واحدة من هذه الستة مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته، وكل واحدة منها منونة وغير منونة، فتلك ستة وثلاثون وجها‏.‏

وحكى غيره ‏"‏فيها‏"‏ هيهاتا وإيهاك، والكاف للخطاب، وأيهاه وأيها وهيهاه، وقرأ عيسى بن عمر الهمداني

‏"‏هيهات هيهات‏"‏ على نية الوقف‏.‏

والفعل من أسمائه عليكا‏.‏‏.‏‏.‏ وهكذا دونك مع إليكا

يعني‏:‏ أن من اسم الفعل نوعا هو في الأصل جار ومجرور أو ظرف ومجروره، فالأول عليك وكذاك وكما أنت‏.‏

والثاني‏:‏ عندك ولديك ودونك ووراءك وأمامك ومكانك وبعدك، هذا هو المسموع‏.‏

فعليك بمعنى الزم ويتعدى بنفسه، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ وبالباء تقول‏:‏ ‏"‏عليك بزيد‏"‏‏.‏

وإليك بمعنى تَنَحَّ، وهو لازم عند البصرين، وزعم ابن السكيت والكوفيون أنها تتعدى فتقول‏:‏ ‏"‏إليك زيدا‏"‏ أي‏:‏ أمسك زيدا، وكذاك بمعنى أمسك‏.‏

كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كذاك القول إن عليك عينا

وكما أنت بمعنى انتظر، حكى الكسائي ‏"‏كما أنت زيدا‏"‏ أي‏:‏ انتظر زيدا، وكما أنتني أي‏:‏ انتظرني، وعندك بمعنى خذ، وهي متعدية وترد بمعنى توقف، فتكون لازمة، ولديك بمعنى خذ، وهي متعدية تقول‏:‏ ‏"‏لديك زيدا‏"‏‏.‏

ودونك بمعنى خذ فتتعدى، وبمعنى تأخر أيضا، ولا يتعدى، ووراءك بمعنى تأخر، وأمامك بمعنى تقدم، ومكانك بمعنى اثبت‏.‏ وسمع الفراء مكانني أي‏:‏ انتظرني، فتكون ذات تعد ولزوم، وبعدك بمعنى تأخر، وحكى الكسائي الإغراء ببين، وسمع من كلامهم‏:‏ ‏"‏بينكما البعير فخذاه‏"‏ ولا حجة فيه لجواز أن يكون من باب الاشتغال‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ لا يُستعمل هذا النوع في الغالب إلا متصلا بضمير المخاطب، وشذ عليَّ بمعنى أولني، وإلي معنى أتنحى، وعليه بمعنى ليلزم‏.‏

الثاني‏:‏ أجاز الكسائي قياس بقية الظروف على المسموع بشرط الخطاب نحو‏:‏ خلفك وقدامك، ونقله بعضهم عن الكوفيين، ومذهب البصريين قصر ذلك على السماع‏.‏

الثالث‏:‏ اختلف في كاف عليك وأخواته فذهب الكسائي أنها في موضع نصب، ومذهب الفراء أنها في موضع رفع، ومذهب البصريين أنها في موضع جر، وهو الصحيح لأن الأخفش روى عن عرب فصحاء ‏"‏عَليَّ عبدِ الله زيدًا‏"‏ بجر عبد الله، فتبين أن الضمير مجرور الموضع، وذهب ابن بابشاذ إلى أنها حرف خطاب، فلا موضع لها من الإعراب‏.‏

الرابع‏:‏ في كل واحد من هذه الأسماء مع الضمير ‏"‏المجرور‏"‏ ضمير رفع مستتر هو الفاعل، فلك في التوكيد أن تؤكد الكاف بالمجرور فتقول‏:‏ ‏"‏عليك نفسك‏"‏ وأن تؤكد المستتر بالمرفوع فتقول‏:‏ ‏"‏عليك أنت نفسك‏"‏ ولا بد من تأكيده بالمرفوع المنفصل‏.‏

كذا رُوَيْدَ بَلْهَ نَاصِبَيْنِ‏.‏‏.‏‏.‏ ويَعَمْلانِ الخفضَ مصدَرَيْنِ

‏"‏رويد‏"‏ يستعمل أمرا وغير أمر، فإذا استعمل أمرا فله حالان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكو مبنيا على الفتح، وإن وليه مفعول نصب نحو ‏"‏رُويدَ زيدا‏"‏ فهو هاهنا اسم فعل بمعنى أمهل؛ لأنه لو كان مصدرا لكان معربا، وذكر بعضهم أنه يرد بمعنى دع، ومنه‏:‏ لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد الشعر -أي‏:‏ فدع الشعر- وما زائدة، ويجوز ألا تزاد كما قال‏:‏

رويدَ بني شيبان بعض وعيدكم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

والآخر‏:‏ أن يكون معربا منصوبا إما مضافا نحو‏:‏ ‏"‏رُويدَ زيد‏"‏، وإما منونا منصوبا نحو‏:‏ ‏"‏رويدًا زيدًا‏"‏ فهو هاهنا مصدر؛ لأنه لو كان اسم فعل لكان مبنيا‏.‏

وإذا أضيف فتارة يضاف إلى فاعله نحو‏:‏ ‏"‏رويد زيد عمرًا‏"‏ وتارة إلى مفعوله نحو‏:‏ ‏"‏رويد زيدٍ‏"‏‏.‏

قيل‏:‏ ومن الإضافة إلى فاعله قولهم‏:‏ ‏"‏رويدك زيدًا‏"‏ ويحتمل أن يكون اسم فعل، والكاف للخطاب‏.‏

وإذا نون نصب المفعول، ومنع المبرد النصب ‏"‏به‏"‏؛ لكونه مصغرا ورويد تصغير إرواد مصدر رود أي‏:‏ أمهله تصغير ترخيم، وذهب الفراء إلى أن تصغير رَوْدِ بمعنى المهل، ورد بأن رويدًا يتعدى‏.‏

وإذا استعمل غير أمر فله حالان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكون حالا كقولهم‏:‏ ‏"‏ساروا رويدا‏"‏ فقيل‏:‏ هو حال من الفاعل أي‏:‏ مُرْوِدِين‏.‏

وقيل‏:‏ من ضمير المصدر المحذوف أي‏:‏ ساروه رويدا‏.‏

والآخر‏:‏ أن يكون نعتا إما لمصدر مذكور نحو‏:‏ ‏"‏ساروا سيرا رويدا‏"‏ وإما لمصدر محذوف نحو‏:‏ ‏"‏ساروا رويدا‏"‏ وضعف كونه نعتا لمصدر محذوف؛ لأنه صفة غير خاصة بالموصوف‏.‏

واختلفوا في ‏"‏رويد‏"‏ الواقع نعتا، فقيل‏:‏ هو الذي يستعمل مصدرا وصف به كما وصف برضى‏.‏

وقيل‏:‏ تصغير رَوْد تصغير الترخيم وليس بمصدر‏.‏

وأما ‏"‏بله‏"‏ فيكون اسم فعل بمعنى دع وهو مبني نحو‏:‏ ‏"‏بله زيدا‏"‏ وتكون مصدرا بمعنى ترك النائب عن اترك، فتستعمل مضافة نحو‏:‏ ‏"‏بله زيد‏"‏ وهو مضاف إلى المفعول، وقال أبو علي‏:‏ إلى الفاعل، وروى أبو زيد فيه القلب إذا كان مصدرا تقول‏:‏ ‏"‏بَهْلَ زيد‏"‏ وحكى أبو الحسن الهيثم فتح الهاء واللام فتقول‏:‏ ‏"‏بَهْلَ زيدٍ‏"‏ وأجاز قطرب وأبو الحسن أن يكون بمعنى كيف فتقول‏:‏ ‏"‏بله زيد‏"‏ ويروى‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ بَلْهَ الأكفَّ كأنها لم تُخْلَق

بالنصب على أنها اسم فعل، وبالجر على أنها مصدر، وبالرفع، فقيل‏:‏ هي اسم فعل بمعنى اترك‏.‏

وقيل‏:‏ بمعنى كيف، وأنكر أبو علي الرفع بعدها، وذهب بعض الكوفيين إلى أن ‏"‏بله‏"‏ بمعنى غير، فمعنى‏:‏ بله الأكف غير الأكف، وذهب الأخفش إلى أنها حرف جر، وعدها الكوفيون والبغداديون من أدوات الاستثناء، فأجازوا النصب بعدها على الاستثناء‏.‏

وما لِمَا تنوبُ عنه مِن عَمَلْ‏.‏‏.‏‏.‏ لها وأخِّرْ ما لذِي فيه العَمَلْ

يعني‏:‏ أن أسماء الأفعال تعمل عمل الأفعال التي تنوب عنها فترفع الفاعل ظاهرا نحو‏:‏ ‏"‏هيهات زيد‏"‏ ومضمرا نحو‏:‏ ‏"‏نزال‏"‏، وتنصب المفعول إن نابت عن متعد، وتتعدى إليه بحرف الجر إن نابت عما يتعدى به، وينبغي أن يقول‏:‏ غالبا، كما قال في التسهيل احترازا من ‏"‏آمين‏"‏ فإنها لم يحفظ لها مفعول، وفعلها يتعدى‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏وأخر ما لذى فيه العمل‏"‏ يعني‏:‏ أنه يجب تأخير معمول أسماء الأفعال، ولا يسوى بينها وبين أفعالها في جواز التقديم، فلا يقال‏:‏ ‏"‏زيدا دراكِ‏"‏ قال الشارح‏:‏ هذا مذهب جميع النحويين إلا الكسائي فإنه أجاز فيه ما يجوز في الفعل من التقديم والتأخير‏.‏ انتهى‏.‏

ونقله بعضهم عن الكوفيين‏.‏

تنبيه‏:‏

مذهب المصنف جواز إعمال اسم الفعل مضمرا، وقال في شرح الكافية‏:‏ إن إضمار اسم الفعل مقدما لدلالة متأخر عليه جائز عند سيبويه‏.‏ انتهى‏.‏

ومنع كثير من النحويين حذفه وإبقاء معموله، وتأول كلام سيبويه‏.‏

واحْكُم بتنكير الذي يُنون‏.‏‏.‏‏.‏ منها وتعريف سواه بَيِّنُ

ما نون من أسماء الأفعال فهو نكرة وما لم ينون فهو معرفة وهي ثلاثة أقسام‏:‏ لازم التعريف كنزال وآمين، ولازم التنكير كواها بمعنى أعجب وويها بمعنى أغْرِ وذو وجهين نحو صه ومه، وذهب قوم إلى أن أسماء الأفعال كلها معارف ما نون منها وما لم ينون تعريف علم جنس، والأول هو المشهور‏.‏

ولما فرغ من أسماء الأفعال انتقل إلى أسماء الأصوات، وهي ألفاظ أشبهت أسماء الأفعال في الاكتفاء بها، وهي نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما خوطب به ما لا يعقل إما لزجر كهلا للخيل، وعدَسْ للبغل، وإما لدعاء كأو للفرس ودَوْه للربع، وإلى هذا النوع أشار بقوله‏:‏

وما به خوطب ما لا يعقل

من مُشبه اسم الفعل صوتا يُجعل

والثاني‏:‏ ما وضع لحكاية صوت يحوان نحو ‏"‏غاقِ‏"‏ للغراب، و‏"‏ماء‏"‏ للظبية، أو غير حيوان نحو ‏"‏قبْ‏"‏ لوقع ‏"‏السيف‏"‏، و‏"‏طَق‏"‏ لوقوع الحجر‏.‏ وغلى هذا النوع أشار بقوله‏:‏

كذا الذي أجدى حكاية كقَبْ

أي‏:‏ أفهم حكاية‏.‏

ثم قال‏:‏

والزَمْ بنا النوعين فهو قد وَجَبْ

يحتمل أن يريد بالنوعين أسماء الأفعال والأصوات، ويحتمل أن يريد نوعي الأصوات، وعلة بناء أسماء الأفعال شبهها بالحروف؛ لأنها عاملة غير معمولة كما تقدم أول الكتاب، وعلة بناء أسماء الأصوات أنها ليست عاملة ولا معمولة فأشبهت الحروف المهملة فهي أحق بالبناء من أسماء الأفعال‏.‏

تنبيه‏:‏

هذه الأصوات لا ضمير فيها، بخلاف أسماء الأفعال؛ فهي من قبيل المفردات، وأسماء الأفعال من قبيل المركبات‏.‏