فصل: فصل لو:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


فصل لو‏:‏

على ثلاثة أضرب‏:‏ شرطية، ومصدرية، وللتمني‏.‏

فالشرطية‏:‏ هي المذكورة في هذا الفصل، وهي قسمان‏:‏ امتناعية وهي للتعليق في الماضي، وبمعنى إن، وهي للتعليق في المستقبل، وسيأتي الكلام على القسمين‏.‏

وأما المصدرية‏:‏ فلم يذكرها الجمهور، وممن ذكرها أبو علي والفراء، ومن المتأخرين التبريزي وأبو البقاء وتبعهم المصنف، وعلامتها‏:‏ أن يصلح في موضعها أن كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ‏}‏ ومن أنكر كونها مصدرية تأول الآية ونحوها على حذف مفعول يود وجواب لو؛ أي‏:‏ يود أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة لسر بذلك‏.‏

وأما التي للتمني‏:‏ فذكرها كثير من النحويين، وجعل الزمخشري لو في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ يُعَمَّرُ‏}‏ للتمني، وهو حكاية لودادتهم ولا إشكال، فإن لو قد ترد في مقام التمني؛ ولذلك ينصب الفعل بعد الفاء في جوابها كما ينصب في جواب ليت كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ‏}‏، ولكن هل هي قسم برأسه أو راجعة إلى أحد القسمين السابقين، في ذلك خلاف، نص ابن الصائغ وابن هشام الخضراوي على أنها قسم برأسه، فلا تجاب بجواب الامتناعية، وذكر غيرهما أنها الامتناعية أشربت معنى التمني‏.‏ قيل‏:‏ وهو الصحيح، وقد جاء جوابها باللام بعد جوابها بالفاء في قوله‏:‏

فلو نُبِشَ المقابرُ عن كلَيْب‏.‏‏.‏‏.‏ فيُخْبَرَ بالذنائب أيُّ زِيرِ

بيوم الشَّعْثَمَيْنِ لقَرَّ عينا‏.‏‏.‏‏.‏ وكيف لقاءُ مَنْ تحت القبورِ‏؟‏

وذهب المصنف إلى أنها مصدرية أغنت عن التمني، بكونها لا تقع غالبا إلا بعد مفهم تمن، قال في التسهيل بعد ذكر المصدرية‏:‏ وتغني عن التمني، فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء‏.‏

وقال في شرحه‏:‏ أشرت إلى نحو قول الشاعر‏:‏

سَرَينا إليهم في جموع كأنها‏.‏‏.‏‏.‏ جبالُ شَرَوْرَى لو تُعانُ فتَنْهدا

قال‏:‏ فلك في ‏"‏تنهدا‏"‏ أن تقول‏:‏ نصب لأنه جواب تمن إنشائي كجواب ليت؛ لأن الأصل وددنا لو تعان، فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه، فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمني دون لفظه، فكان لها جواب كجواب ليت، وهذا عندي هو المختار، ولك أن تقول‏:‏ ليس هذا من باب الجواب بالفاء، بل من باب العطف على المصدر؛ لأن لو والفعل في تأويل مصدر‏.‏ انتهى‏.‏

ونص على أن لو في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً‏}‏ مصدرية‏.‏ واعتذر عن الجمع بينها وبين أن المصدرية بوجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن التقدير‏:‏ لو ثبت أن‏.‏ والآخر‏:‏ أن يكون من باب التوكيد‏.‏

وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الكتاب، والغرض هنا شرح النظم، فقوله‏:‏

لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ في مُضِيٍّ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

هذا هو القسم الأول من قسمي الشرطية، وهي الامتناعية‏.‏ يعني‏:‏ أن لو الامتناعية حرف يدل على تعليق فعل بفعل فيما مضى، فيلزم من تقدير حصول شرطها حصول جوابها، ويلزم كون شرطها محكوما بامتناعه؛ إذ لو قُدر حصوله لكان الجواب كذلك، ولم تكن للتعليق في المعنى، بل للإيجاب، فتخرج عن معناها‏.‏

وأما جوابها فلا يلزم كونه ممتنعا على كل تقدير؛ لأنه قد يكون ثابتا مع امتناع الشرط، كقوله‏:‏ ‏"‏نعم المرءُ صهيبٌ لو لم يخفِ الله لم يَعْصِهِ‏"‏‏.‏ ولكن الأكثر أن يكون ممتنعا، فلذلك كان قولهم‏:‏ لو حرف امتناع لامتناع عبارة ظاهرها الفساد؛ لأنها تقتضي كون الجواب ممتنعا في كل موضع، وليس كذلك‏.‏

والحاصل‏:‏ أن لو تدل على امتناع شرطها، وعلى كونه مستلزما لجوابها، ولا يتعرض لامتناع الجواب في نفس الأمر ولا لثبوته، قال في شرح الكافية‏:‏ العبارة الجيدة في لو أن يقال‏:‏ حرف يدل على امتناع تالٍ يلزم لثبوته ثبوت تاليه، فقيام زيد من قولك‏:‏ ‏"‏لو قام زيد لقام عمرو‏"‏ محكوم بانتفائه فيما مضى، وكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو، وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له‏؟‏ لا يتعرض لذلك، بل الأكثر كون الأول والثاني غير واقعين‏.‏

وقال في التسهيل‏:‏ لو حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه‏.‏ وفي بعض النسخ‏:‏ لو حرف يقتضي نفي ما يلزم لثبوته ثبوت غيره، وعباراته الثلاث بمعنى واحد، قال ابن المصنف‏:‏ ولا شك أن ما قاله -يعني ما قاله أبوه- في تفسير لو أحسن وأدل على معنى لو، غير أن ما قالوه عندي تفسير صحيح وافٍ بشرح معنى لو، وهو الذي قصده سيبويه من قوله‏:‏ لما كان سيقع لوقوع غيره‏.‏

يعني‏:‏ أنها تقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره والمتوقع غير واقع، فكأنه قال‏:‏ لو تقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته، وهو نحو مما قاله غيره، فلنرجع إلى بيان صحته، فنقول‏:‏ قولهم لم تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول يستقيم على وجهين‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون المراد أن جواب لو ممتنع لامتناع الشرط غير ثابت لثبوت غيره بناء منهم على مفهوم الشرط في حكم اللغة لا في حكم العقل‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون المراد أن جواب لو ممتنع لامتناع شرطه، وقد يكون ثابتا لثبوت غيره؛ لأنها إذا كانت تقتضي نفي تاليها أو استلزامه لتاليه فقد دلت على امتناع الثاني لامتناع الأول؛ لأنه متى انتفى شيء انتفى مساويه في اللزوم مع احتمال أن يكون ثابتا لثبوت آخر‏.‏ انتهى مختصرا‏.‏

وهذا الوجه الثاني هو الذي قرره في شرح الألفية‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ويقل‏.‏‏.‏‏.‏ إيلاؤُه مُستقبَلا لَكِنْ قُبِلْ

أي‏:‏ يقل إيلاء لو فعلا مستقبل المعنى، وما كان من حقها أن يليها، لكن قيل‏:‏ لورود السماع به كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ‏}‏‏.‏

وقد ذكر ابن عصفور وغيره من النحويين أن لو ‏"‏قد‏"‏ ترد بمعنى أن، وتعقب ذلك ابن الحاجب على ابن عصفور وقال وقال‏:‏ هذا خطأ‏.‏ قال الشارح‏:‏ وعندي أن لو لا تكون لغير الشرط في الماضي، وما تمسكوا به من نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ‏}‏ وقول الشاعر‏:‏

ولو أن ليلى الأخيلية سلَّمتْ

لا حجة فيه لصحة حمله على المعنى‏.‏

ثم نبه بقوله‏:‏

وَهْيَ في الاختصاصِ بالفعلِ كإِنْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

على أن لو لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر يفسره فعل ظاهر بعد الاسم، كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة‏"‏، وقال ابن عصفور‏:‏ لا يليها فعل مضمر، إلا في الضرورة، كقوله‏:‏

أخلايَ لو غيرُ الحِمَامِ أصابكُم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أو نادر، كقول حاتم‏:‏ ‏"‏لو ذاتُ سِوارِ لطَمتْني‏"‏‏.‏

والظاهر أن ذلك لا يختص بالضرورة والنادر، بل يكون في فصيح الكلام، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي‏}‏ حذف الفعل فانفصل الضمير‏.‏

ثم نبه على ما تنفرد به لو من مباشرة أن، فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ لكِنَّ لو أنَّ بها قد تَقْتَرِنْ

وهو كثير، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا‏}‏ واختلف في موضع أن بعد لو، فذهب سيبويه إلى أنها في موضع رفع بالابتداء، وشبه شذوذ ذلك بانتصاب غدوة بعد لدن‏.‏

وذهب الكوفيون والمبرد والزجاج وجماعة إلى أنها فاعل يثبت مقدرا، وهو أقيس؛ إبقاء للاختصاص، وقوله في شرح الكافية‏:‏ وزعم الزمخشري أن بين لو وأن ثبت مقدرا، قد يوهم انفراده بذلك‏.‏

فإن قلت‏:‏ إذا جعلت مبتدأ فما الخبر‏؟‏

قلت‏:‏ قال ابن هشام الخضراوي‏:‏ مذهب سيبويه والبصريين أن الخبر محذوف، وقال غيره‏:‏ مذهب سيبويه أنها لا تحتاج إلى خبر؛ لانتظام المخبر عنه والخبر بعد أن‏.‏

فإن قلت‏:‏ هل يفهم من قوله‏:‏ ‏"‏لكن لو‏"‏ موافقة سيبويه‏؟‏

قلت‏:‏ ظاهره موافقته في جعلها مبتدأ؛ إذ لو كان الفعل مقدرا لكان الاختصاص باقيا، ولم يكن حاجة إلى الاستدراك‏.‏ ويحتمل أن يكون استدراك للتنبيه على أنها تنفرد بمباشرة أن لا غير، فيحتمل المذهبين‏.‏

فإن قلت‏:‏ ظاهر كلامه أن لولا يليها غير ما ذكر، وقد ذكر في غير هذا الموضع أنها قد وليها مبتدأ وخبر في قول الشاعر‏:‏

لو بغير الماء حَلْقي شَرِقٌ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

قلت‏:‏ إنما ساغ ذلك في الضرورة، ولقلته لم يذكره هنا، وقد تأول ابن خروف البيت على إضمار ‏"‏كان‏"‏ الشانية، وتأوله الفارسي على أن حلقى فاعل فعل مقدر يفسره شرق، وشرق خبر مبتدأ محذوف؛ أي‏:‏ هو شرق، وفيه تكلف‏.‏

تنبيه‏:‏

قال في شرح الكافية‏:‏ وقد حمل الزمخشري ادعاءه إضمار ثبت بين لو وأن على التزام كون الخبر فعلا، ومنعه أن يكون اسما، ولو كان بمعنى فعل نحو‏:‏ ‏"‏لو أن زيد حاضر‏"‏ وما منعه شائع ذائع في كلام العرب، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ‏}‏ وكقول الراجز‏:‏

لو أن حيا مُدركُ الفلاح‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

قلت‏:‏ وقد نُقل ذلك عن السيرافي، وأقول‏:‏ الذي ينبغي أن يحمل عليه كلام الزمخشري أن يمنع كون خبرها اسما مشتقا، ويلتزم الفعل حينئذ؛ لإمكان صوغه قضاء لحق طلبها بالفعل، وأما إذا كان الاسم جامدا فيجوز لتعذر صوغ الفعل منه كما فعل الشيخ أبو عمرو‏.‏

ألا ترى قوله في المفصل، لو قلت‏:‏ ‏"‏لو أن زيدا حاضر لأكرمته‏"‏ لم يجز‏؟‏

ولم يتعرض لغير المشتق، وإذا حمل على هذا لم يرد عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ‏}‏‏.‏

ولا نحو‏:‏

ولو أنها عصفورة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وإنما يرد عليه نحو‏:‏ لو أن حيا مدركُ الفَلاحِ‏.‏

وله أن يجيب بأنه نادر‏.‏

وإِنْ مضارعٌ تلاها صُرِفَا‏.‏‏.‏‏.‏ إلى المضيِّ نَحْوُ لو يَفِي كَفَى

‏"‏يعني أن المضارع إذا وقع بعد لو صرف معناه إلى المضي‏.‏ فمعنى لو يفي كفى‏:‏ لو وفا كفى‏"‏، ومثله‏:‏

لو يسمعونَ كما سمعتُ حديثَها‏.‏‏.‏‏.‏ خَرُّوا لعزة رُكعا وسُجُودا

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ ‏"‏لو‏"‏ الصارفة إلى المضي هي الامتناعية‏.‏

وأما التي بمعنى إن فتصرف الماضي إلى المستقبل، فإذا وقع بعدها مضارع فهو مستقبل المعنى، كقوله‏:‏

لا يُلْفِكَ الرَّاجُوك إلا مُظهِرا‏.‏‏.‏‏.‏ خُلُقَ الكرام ولو تكونُ عَدِيمَا

الثاني‏:‏ لا يكون جواب لو إلا فعلا ماضيا مثبتا أو منفيا بما أو مضارعا مجزوما بلم‏.‏

والأكثر في الماضي المثبت اقترانه باللام، وقد تحذف كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا‏}‏ وقد تصحب المنفي بما، كقول الشاعر‏:‏

كذبتُ وبيت الله لو كنتَ صادقا‏.‏‏.‏‏.‏ لما سَبَقتْنِي بالبكاءِ حمائمُ

وإن ورد ما ظاهره خلاف ذلك جعل الجواب محذوفا‏.‏

فصل أمَّا ولَوْلا ولَوْمَا‏:‏

أمَّا كمهما يكُ من شيء وَفَا‏.‏‏.‏‏.‏ لتِلْوِ تلوها وُجُوبا ألِفَا

أما حرف بسيط فيه معنى الشرط يؤول بمعنى‏:‏ مهما يك من شيء؛ لأنه قائم مقام أداة الشرط وفعل الشرط، ولا بد بعده من جملة هي جواب له، فالأصل في قولك‏:‏ ‏"‏أما زيد فمنطلق‏"‏ مهما يكن من شيء فزيد منطلق، فحذف فعل الشرط وأداته، وأقيمت أما مقامهما، وكان الأصل أن يقال‏:‏ أما زيد منطلق، فتجعل الفاء في صدر الجواب، وإنما أخرت لضرب من إصلاح اللفظ‏.‏ وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وفا‏.‏‏.‏‏.‏ لتلو تلوها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ يؤخذ من قوله‏:‏ ‏"‏لتلو تلوها‏"‏ أنه لا يجوز أن يتقدم الفاء أكثر من اسم واحد، فلو قلت‏:‏ ‏"‏أما زيد طعامه فلا تأكل‏"‏ لم يجز، كما نص عليه غيره‏.‏

الثاني‏:‏ لا يفصل بين ‏"‏أما‏"‏ والفاء بجملة تامة، إلا إن كان دعاء، بشرط أن يتقدم الجملة فاصل نحو‏:‏ ‏"‏أما اليوم رحمك الله فالأمر كذا‏"‏‏.‏

الثالث‏:‏ قول الشارح‏:‏ يفصلون بين أما والفاء بجزء من الجواب، فإن كان الجواب شرطيا فصل بجملة الشرط، وإن كان غير شرطي فصل بمبتدأ أو خبر أو معمول فعل أو شبهه أو معمول مفسر به يقتضي ظاهره أنه لا يفصل بغير ذلك، وليس كذلك، بل قد يفصل بالظرف والمجرور والحال والمفعول له معمولا لأما أو لفعل الشرط المحذوف‏.‏

الرابع‏:‏ ما ذكر من قوله‏:‏ ‏"‏أما كمهما يك‏"‏ لا يعني به أن معنى أما كمعنى مهما وشرطها؛ لأن أما حرف فكيف يصح أن تكون بمعنى اسم وفعل‏؟‏ وإنما المراد أن موضعها صالح لهما، وهي قائمة ‏"‏مقامهما‏"‏؛ لتضمنها ‏"‏معنى الشرط‏"‏‏.‏

الخامس‏:‏ تقديرها بمهما كما ذكر قول الجمهور‏.‏ وقال بعض النحويين‏:‏ إذا قلت‏:‏ ‏"‏أما زيد فمنطلق‏"‏ فالأصل إن أردت معرفة حال زيد فزيد منطلق، حذفت أداء الشرط وأنيبت أما مناب ذلك‏.‏

السادس‏:‏ قال في التسهيل‏:‏ أما حرف تفصيل، وكذا قال كثير من النحويين، ولم يذكروا لها غير هذا المعنى، وقال بعضهم‏:‏ ‏"‏وقد ترد حيث لا تفصل نحو‏:‏ ‏"‏أما زيد فمنطلق‏"‏ وقال بعضهم‏"‏‏:‏ وهي حرف إخبار مضمن معنى الشرط‏.‏ وقوله ‏"‏وجوبا‏"‏ يعني‏:‏ في غير ما سيذكر في قوله‏:‏

وحَذْفُ ذي الفا قّلَّ في نَثْرٍ إذَا‏.‏‏.‏‏.‏ لم يكُ قَوْلٌ معها قد نُبِذَا

يعني‏:‏ أن حذف هذه الفاء في النثر قليل وكثير‏.‏

فالكثير‏:‏ أن تحذف مع قول استغنى عنه بمحكيه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ فيقال لهم‏:‏ أكفرتم‏.‏

والقليل‏:‏ أن تحذف لا مع قول نحو ما خرجه البخاري من نحو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أما بعد، ما بالُ جالٍ‏"‏‏.‏

قد فهم من قوله‏:‏ في نثر، أنها تحذف للضرورة كقوله‏:‏

فأما القتالُ لا قتالَ لديكُمُ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

والحاصل أن حذفها على ثلاثة أضرب كثير، ونادر، وضرورة‏.‏

تنبيه‏:‏

لم ينبه في الكافية والتسهيل على ندور حذفها في النثر دون قول، فهو من زيادات الألفية‏:‏

لولا ولوما يلزمان الابتدا‏.‏‏.‏‏.‏ إذا امتناعا بوجود عَقَدَا

للولا ولوما حالان‏:‏

أحدهما‏:‏ يختصان فيه بالأسماء، وذلك إذا دلا على امتناع شيء لوجود غيره‏.‏ ‏"‏وقد‏"‏ يقال أيضا‏:‏ لوجوب غيره، وهذا معنى قوله‏:‏ ‏"‏إذا امتناعا بوجود عقدا‏"‏ أي‏:‏ إذا ربطا امتناع شيء بوجود غيره، وفهم من قوله‏:‏ ‏"‏يلزمان الابتدا‏"‏ فائدتان‏:‏

الأولى‏:‏ أنهما لا يليهما الفعل‏.‏

والثانية‏:‏ أن الاسم بعدهما مرفوع بالابتداء، وتقدم الكلام على خبره في باب الابتداء‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد ولي لولا الفعل في قوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فقلت بلى لولا يُنازعني شُغْلي

قلت‏:‏ يُؤول على وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن لولا مؤولة بلو وليست مركبة، بل لو على حالها ولا نافية للماضي‏.‏

والآخر‏:‏ أن تكون المختصة بالابتداء وإن مقدرة بعدها وموضعها رفع بالابتداء‏.‏

وثاني الحالين‏:‏ يختصان فيه بالأفعال، وذلك إذا دلا على التحضيض ‏"‏ويشاركهما في ذلك الأحرف المذكورة في قوله‏"‏‏:‏

وبهما التحضيضَ مِزْ وَهَلا‏.‏‏.‏‏.‏ ألَّا، ألا وأولِيَنْها الفِعْلا

المشهور أن حروف التحضيض أربعة وهي‏:‏ لولا، ولوما، وهلا وألا -بالتشديد- وأما ألَا -بالتخفيف- فهي حرف عرض، وذكره لها مع حروف التحضيض يحتمل وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يريد ‏"‏به‏"‏ أنها تكون للتحضيض بمعنى هلَّا في بعض المواضع لا مطلقا؛ لأنه ذكر في غير هذا الموضع أنها تكون للعرض‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون ذكرها مع أدوات التحضيض لمشاركتها لهن في الاختصاص بالفعل ‏"‏وقرب معناها من معناهن، وإن لم تكن موضوعة لمعناهن‏"‏‏.‏ ويؤيده قوله في شرح الكافية وألحق بحروف التحضيض في الاختصاص بالفعل‏:‏ ‏"‏ألا تزورنا‏"‏ ثم قال‏:‏

وقَدْ يليها اسْمٌ بفِعْلٍ مُضْمَرِ‏.‏‏.‏‏.‏ عُلِّقَ أو بظاهرٍ مُؤخَّرِ

مثال الأول‏:‏ ‏"‏هلَّا زيدًا تضربه‏"‏ فزيدًا علق بفعل مضمر، بمعنى أنه معمول للفعل المضمر‏.‏

ومثال الثاني‏:‏ ‏"‏هلَّا زيدًا تضربُ‏"‏ فزيدًا علق بفعل ظاهر مؤخر، بمعنى أنه معمول للفعل الذي بعده؛ لأنه مفرغ له‏.‏

فإن قلت‏:‏ ظاهر كلامه أن حروف التحضيض لا يليها إلا فعل أو معمول فعل مضمر أو فعل مؤخر‏.‏

تنبيه‏:‏

قال في شرح الكافية‏:‏ وربما ولي حرف التحضيض مبتدأ وخبر كقول الشاعر‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ فهلَّا نفسُ ليلى شفيعُهَا

قال‏:‏ والأجود أن ينوي بعدها ‏"‏كان‏"‏ الشأنية‏.‏

قلت‏:‏ وعلى هذا ‏"‏الوجه‏"‏ خرجه ابن طاهر، وخرجه بعضه على جعل ما بعدها فاعلا بفعل مقدر تقديره‏:‏ فهلا شفعت نفس ليلى، وشفيعها خبر مبتدأ محذوف، أي‏:‏ هي شفيعها، وفيه تكلف‏.‏

الإخبار بالذي والألف واللام‏:‏

الباء في قوله‏:‏ ‏"‏الإخبار بالذي‏"‏ باء السببية لا باء التعدية؛ لأن ‏"‏الذي‏"‏ يجعل في هذا الباب مبتدأ، لا خبرا، كما ستقف عليه، فهو في الحقيقة مخبر عنه، وباب الإخبار وضع للاختبار كمسائل التمرين في التصريف‏.‏ قال الشارح‏:‏ وكثيرا ما يصار إلى هذا الإخبار لقصد الاختصاص، أو تقوي الحكم، أو تشويق السامع، أو إجابة الممتحن‏.‏

ولما شرع في هذا الباب بدأ بكيفية الإخبار فقال‏:‏

ما قِيلَ أخبر عنه بالذي خَبَرْ‏.‏‏.‏‏.‏ عن الذي مبتدأ قَبْلُ استقَرْ

وما سواهما فوسِّطهُ صِلَهْ‏.‏‏.‏‏.‏ عائدُها خلفُ مُعْطِي التَّكْمِلَهْ

أي‏:‏ إذا عين لك اسم من جملة، وقيل ‏"‏لك‏"‏ أخبر عنه بالذي فصدر الجملة بالموصول مبتدأ وأخر ذلك الاسم، واجعله خبرا عن الموصول المتقدم، وما سوى الموصول وخبره فوسطه بينهما فيكون صلة للموصول، واجعل في موضع الاسم الذي أخرته وجعلته خبرا ضميرا عائدا على الموصول‏.‏

فقد علم بما ذكر أن المخبر عنه في هذا الباب هو المجعول خبرا، قال ابن السراج‏:‏ وإنما قال النحويون‏:‏ أخبر عنه وهو في اللفظ خبر؛ لأنه في المعنى مخبر عنه و‏"‏ما‏"‏ في قوله‏:‏ ‏"‏ما قيل‏"‏ موصولة وهي مبتدأ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏خبر‏"‏ هو ‏"‏خبرها‏"‏، وقوله‏:‏ ‏"‏مبتدأ‏"‏ حال من الذي، وقوله‏:‏ ‏"‏عائدها خلف معطي التكملة‏"‏ معناه عائد الصلة، هو الضمير الذي خلف الاسم المجعول خبرا وهو ‏"‏معطي التكملة‏"‏ ثم فقال‏:‏

نحوُ الذي ضربتُه زيدٌ فَذَا

ضربتُ زيدا كان فادْرِ المأخَذَا

إذا أخبر عن ‏"‏زيد‏"‏ من قولك‏:‏ ‏"‏ضربت زيدا‏"‏ قلت‏:‏ ‏"‏الذي ضربته زيد‏"‏ فصدرت الجملة بالذي مبتدأ وأخرت ‏"‏زيدا‏"‏ وهو المخبر عنه فجعلته خبرا عن الذي، وجعلت ما بينهما صلة الذي وجعلت ‏"‏في‏"‏ موضع زيد الذي أخرته ضميرا عائدا على الموصول‏.‏

وإذا أخبرت عن التاء من قولك‏:‏ ‏"‏ضربت زيدا‏"‏ قلت‏:‏ ‏"‏الذي ضرب زيدا أنا‏"‏ ففعلت فيه ما ذكر، إلا أن التاء ضمير متصل لا يمكن تأخيرها مع بقاء الاتصال ففصلت الضمير وأخرته، فلذلك قلت‏:‏ أنا‏.‏

فإن قلت‏:‏ كان ينبغي أن يقول‏:‏ ما قيل أخبر عنه بالذي خبر هو أو خلفه‏.‏ كما قال في التسهيل‏:‏ وتأخير الاسم أو خلفه خبرا؛ ليشمل الضمير المتصل‏.‏

قلت‏:‏ لا يخفى أن الضمير المتصل لا يمكن تأخيره إلا بعد انفصاله، فلم يحتج هنا إلى التنبيه عليه لوضوحه، واستكن الضمير الغائب الذي جعلته موضع التاء في ضرب، ومنع بعضهم الإخبار عن الفاعل إذا كان ضمير متكلم أو مخاطب، والصحيح الجواز‏.‏

وباللذَيْنِ والذِينَ والتي‏.‏‏.‏‏.‏ أخبِرْ مراعيا وِفَاقَ الْمُثْبَتِ

يعني‏:‏ أن المخبر عنه في هذا الباب إذا كان مثنى أو مجموعا أو مؤنثا جيء بالموصول مطابقا له؛ لكونه خبره، فإذا أخبرت عن الزيدين من نحو‏:‏ ‏"‏بلَّغَ الزيدانِ العمرَيْنِ رسالةً‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ‏"‏اللذان بلغ العمرين رسالة الزيدان‏"‏‏.‏

أو عن العمرين قلت‏:‏ ‏"‏الذين بلغهم الزيدان رسالة العمرون‏"‏‏.‏

أو عن الرسالة قلت‏:‏ ‏"‏التي بلغها الزيدان العمرِين رسالة‏"‏‏.‏

وقد فهم من النظم فوائد‏:‏

الأولى‏:‏ أن حكم باب الإخبار تقديم المبتدأ على الخبر لقوله‏:‏ ‏"‏قبل استقر‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهل ذلك على سبيل الوجوب‏؟‏

قلت‏:‏ الذي يدل عليه كلام النحويين أن ذلك على سبيل الوجوب؛ لاشتراطهم في المخبر عنه قبول التأخير، ونص بعضهم على جواز تقديم المبتدأ في هذا الباب‏.‏ وممن نص عليه الشارح، وفي البسيط أن ذلك على جهة الأولى والأحسن، وأنه يصح أن يقال‏:‏ ‏"‏زيد الذي ضرب عمرًا‏"‏ فنجعل زيدا خبرا عن الذي إما مقدما وإما مؤخرا، وجوزه المبرد‏.‏

والثانية‏:‏ أن الضمير الذي يخلف الاسم المتأخر لا بد من مطابقته الموصول لكونه عائدا، ويلزم كونه غائبا‏.‏ ولو خالف ضمير متكلم أو مخاطب، وأجاز أبو ذر الخشني جعله مطابقا للخبر في الخطاب والتكلم، فتقول في الإخبار عن التاء في ‏"‏ضربت الذي ضربت أنت‏"‏ وعن التاء في ‏"‏ضربت الذي ضربت أنا‏"‏ ومذهب الجمهور منع ذلك‏.‏

الثالثة‏:‏ أن هذا الضمير ينوب عن الاسم المتأخر في إعرابه الذي كان له؛ لكونه خلفه في موضعه فاستحق إعرابه‏.‏

ولما بين كيفية الإخبار شرع في شروط المخبر عنه فقال‏:‏

قبولُ تأخيرٍ وتعريفٍ لِمَا‏.‏‏.‏‏.‏ أُخْبِرَ عنه هاهنا قد حُتِمَا

كذا الغِنَى عنه بأجنبي اوْ‏.‏‏.‏‏.‏ بمضمرٍ شَرْطٌ فَرَاعِ ما رَعَوْا

هذه أربعة شروط‏:‏

الأول‏:‏ قبول التأخير، فلا يخبر عن اسم يلزم صدر الكلام كضمير الشأن واسم الشرط واسم الاستفهام وكم الخبرية‏.‏

الثاني‏:‏ قبلو التعريف، فلا يخبر عن الحال والتمييز؛ لأنهما ملازمان للتنكير‏.‏

الثالث‏:‏ قبول الاستغناء بأجنبي، فلا يخبر عن اسم لا يجوز الاستغناء عنه بأجنبي، ضميرا كان أو ظاهرا، فالضمير كالهاء من قولك‏:‏ ‏"‏زيد ضربته‏"‏ فإنها عائدة قبل ذكر الموصول على بعض الجملة، فلو أخبرت عنها لخلفها مثلها في العود إلى ما كانت تعود عليه، فيلزم إما بقاء الموصول بلا عائد، وإما عود ضمير واحد على شيئين، وكلاهما محال‏.‏

والظاهر كاسم إشارة نحو‏:‏ ‏{‏وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ‏}‏ وغيره مما حصل به الربط، فإنه لو أخبر عنه لزم المحذوف السابق‏.‏

تنبيه‏:‏

فهم من قوله‏:‏ ‏"‏كذا الغنى عنه بأجنبي‏"‏ ‏"‏أنه يجوز الإخبار عن ضمير الغائب الذي يجوز الاستغناء عنه بأجنبي‏"‏ وله صورتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أن يكون عائدا إلى اسم جملة أخرى نحو أن يذكر إنسان فتقول‏:‏ لقيته، فيجوز الإخبار عن الهاء فيقال‏:‏ الذي لقيته هو‏.‏ صرح المصنف بجواز الإخبار في هذه الصورة وفاقا للشلوبين وابن عصفور، وذهب الشلوبين الصغير إلى منع ذلك، وهو ظاهر كلام الجزولي‏.‏

قال الشيخ أبو حيان‏:‏ ونكتة هذا الخلاف‏:‏ هل شرط هذا الضمير ألا يكون عائدا على شيء قبله أو شرطه ألا يكون رابطا‏؟‏

والأخرى‏:‏ أن يكون عائدا على بعض الجملة إلا أنه غير محتاج إليه للربط نحو‏:‏ ‏"‏ضرب زيد غلامه‏"‏‏.‏

فلا يمتنع على مقتضى كلام الناظم الإخبار عن الهاء في المثال فتقول‏:‏ ‏"‏الذي ضرب زيد غلامه هو‏"‏ لأن الهاء في المثال يجوز أن يخلفها الأجنبي، فتقول‏:‏ ‏"‏ضرب زيد غلام عمرو‏"‏ فلا يلزم من الإخبار عنها المحذوف المتقدم ذكره، وقد مثل الشارح بهذا لما يمتنع الإخبار عنه لكونه لا يستغنى عنه بالأجنبي، وليس كذلك‏.‏

فإن قلت‏:‏ ظاهر كلامه في شرح الكافية منعها، فإنه قال‏:‏ وباشتراط جواز الاستغناء عنه بأجنبي على امتناع الإخبار عن ضمير عائد على بعض الجملة؛ يعني‏:‏ ونبهت باشتراط‏.‏

قلت‏:‏ لا حجة في ذلك، بل الظاهر أن مراده ما كان متعينا للربط؛ لأن تعليله يرشد إليه وتمثيله يساعد عليه‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهل يجري فيها خلاف من تقدم‏؟‏

قلت‏:‏ لا إشكال أن من منع الأولى فامتناع هذه عنده أولى‏.‏

الرابع‏:‏ جواز الاستغناء ‏"‏عنه بضمير، فلا يخبر عن مصدر عامل دون معموله، ولا موصوف دون صفته، ولا صفة دون موصوفها، ولا مضاف دون المضاف إليه؛ إذ لا يجوز الاستغناء‏"‏ عن هذه الأشياء بضمير‏.‏

فإن قلت‏:‏ هذا الشرط الرابع مُغْنٍ عن اشتراط الثاني؛ لأن ما لا يقبل التعريف لا يقبل الإضمار‏.‏

قلت‏:‏ هو كذلك، وقد نبه في شرح الكافية على أن ذكره زيادة في البيان‏.‏

فإن قلت‏:‏ كلام الناظم يقتضي أن الشروط المذكورة ثلاثة‏:‏ قبول التأخير، وقبول التعريف، والغناء عنه بأحد أمرين‏:‏ بأجنبي إن كان ضميرا، أو بضمير إن كان ظاهرا؛ إذ لا فائدة لاشتراط الاستغناء بالأجنبي في الظاهر ولا لاشتراط الاستغناء بالضمير في المضمر، ويدل على ذلك عطفه بأو‏.‏

قلت‏:‏ بل هي أربعة‏:‏ ولا يستقيم حمل كلامه على ما ذكرت؛ لأن اشتراط الاستغناء بالأجنبي مقيد في الضمير والظاهر كما تقدم، فلو كان الشرط لأحدهما لجاز الإخبار عن الظاهر إذا جاز الاستغناء عنه بالضمير، وإن لم يجز الاستغناء عنه بأجنبي، وليس كذلك كما سبق‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ علة اشتراط هذه الشروط على سبيل الإجمال، أن كيفية الإخبار المذكورة لا تتأتى بدونها‏.‏

الثاني‏:‏ بقي من شروط المخبر عنه في هذا الباب أربعة شروط أُخر لم يذكرها هنا وقد ذكرتها في غير هذا الكتاب‏:‏

أولها‏:‏ جواز استعمال مرفوعا، فلا يخبر عن لازم الرفع نحو‏:‏ ‏"‏ايمن الله‏"‏، ولا عن لازم النصب نحو‏:‏ ‏"‏سبحان الله‏"‏ وسحر معينا‏.‏

وثانيها‏:‏ جواز استعماله مثبتا، فلا يخبر عن ‏"‏أحد وديار‏"‏ ونحوهما من الأسماء الملازمة للنفي‏.‏

وثالثها‏:‏ أن يكون بعض ما يوصف به ‏"‏من‏"‏ جملة أو جملتين في حكم جملة واحدة كالشرط والجزاء؛ فلا يخبر عن اسم في جملة طلبية؛ لأن الجملة بعد الإخبار تجعل صلة، فيشترط أن تكون صالحة لأن يوصل بها‏.‏

ورابعها‏:‏ إمكان الاستفادة، فلا يخبر عن اسم ليس تحته معنى، كثواني الأعلام نحو بكر من أبي بكر؛ إذ لا يمكن أن يكون خبرا عن شيء، وذكر هذا الشرط في الفصل في التسهيل، وفيه خلاف، أجاز المازني الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى مستدلا بقوله الشاعر‏:‏

فكأنما نظروا إلى قمر‏.‏‏.‏‏.‏ أو حيث عَلَّق قَوْسَه قُزَح

ورد بأن قزح اسم الشيطان‏.‏

وأخْبَرُوا هنا بأل عن بعضِ مَا‏.‏‏.‏‏.‏ يكونُ فيه الفِعْلُ قد تَقَدَّمَا

يجوز الإخبار بالذي وفروعه في الجملتين‏:‏ الاسمية والفعلية‏.‏ ويجوز بالألف واللام في الفعلية خاصة لا مطلقا بل بشرطين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكون الفعل متصرفا يمكن صوغ صلة منه للألف واللام، فلا يجوز الإخبار بأل في جملة مصدرة بليس ونحوها‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون الفعل موجبا، فإن كان منفيا لم يجز الإخبار؛ لتعذر صوغ صلتها من المنفي‏.‏

وقد أشار إلى الأول بقوله‏:‏

إن صح صوغُ صلةٍ منه لألْ

ثم مثل فقال‏:‏

كصوغ واقٍ من وَقَى الله البَطَلْ

فإن أخبرت عن الفاعل قلت‏:‏ ‏"‏الواقي البطلَ اللهُ‏"‏ أو عن المفعول قلت‏:‏ ‏"‏الواقيه اللهُ البطلُ‏"‏‏.‏ ونبه عن الثاني في التسهيل‏.‏

وإن يَكُنْ ما رَفَعَتْ صلة أل‏.‏‏.‏‏.‏ ضميرَ غيرِها أُبِينَ وانْفَصَلْ

إذا رفعت صلة أل ظاهرا كالمثال ‏"‏السابق‏"‏ فلا إشكال فيه، وإن رفعت ضميرا، فإن كان لأل وجب استتاره، وإن كان لغيرها وجب إبرازه‏.‏

فإذا أخبرت عن التاء من قولك‏:‏ ‏"‏ضربت زيدا‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ الضارب زيد أنا، فيستكن مرفوع الصلة؛ لكونه لأل‏.‏

وإذا أخبرت عن زيد من المثال قلت‏:‏ الضاربه أنا زيد، فتبرزه لكونه لغيرها؛ لأن الصفة متى جرت على غير من هي له يستكن مرفوعها‏.‏

تنبيه‏:‏

ذكر الأخفش مسألتن يخبر فيهما بأل ولا يصح الإخبار فيهما بالذي‏.‏

الأولى‏:‏ ‏"‏قامت جاريتا زيد لا قعدتا‏"‏ فإذا أخبر عن زيد قلت‏:‏ القائم جاريتاه لا القاعدتان زيد‏.‏

ولو أخبرت بالذي فقلت‏:‏ ‏"‏الذي قامت جاريتاه لا الذي قعدتا زيد‏"‏ لم يجز؛ لأنه لا ضمير يعود على الجملة المعطوفة، وقد أجاز بعض النحويين‏:‏ ‏"‏مررت بالذي قام أبواه لا الذي قعدا‏"‏‏.‏

فعلى هذا يجوز في الإخبار في المسألة بالذي أيضا‏.‏

الثانية‏:‏ ‏"‏المضروب الوجه زيد‏"‏ ولا يجوز ‏"‏الذي ضرب الوجه زيد‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وينبغي أن يجيزه من أجاز تشبيه الفعل اللازم بالمتعدي‏.‏

واعلم أن باب الإخبار طويل، فلنكتف بما تقدم‏.‏