فصل: الفصل الثاني: المرادي المعروف بابن أم قاسم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


الفصل الثاني‏:‏ المرادي المعروف بابن أم قاسم‏:‏

نسبه‏:‏

هو الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ أبو محمد بدر الدين المعروف بابن أم قاسم المرادي المصري المولد المغربي المحتد الفقيه المالكي النحوي اللغوي‏.‏

مولده‏:‏

لم أر مؤرخا تعرض لتاريخ ميلاده، وهذا شأن بعض العلماء حيث لم يعثروا له على تاريخ يحدد مولده‏.‏

ولكن ذكر السيوطي أنه ‏"‏ولد بمصر‏"‏، وغيره‏:‏ المصري المولد‏.‏

تسميته بابن أم قاسم‏:‏

نسبة إلى جدته من أبيه كانت تعيش في بلاد المغرب في مدينة أسفى الساحلية الواقعة على المحيط الأطلنطي في المغرب، ولكن شاءت الأقدار أن ينتقل ولدها إلى مصر فصحبته، وكانت هذه المرأة على جانب كبير من الخلق والتدين والصلاح، فالتف الناس حولها وأجلوها وأكرموها واحترموها، ووضعوها في مكان يليق بها فخارا وإكبارا‏.‏

وكان اسمها زهراء، ولاعتقادهم فيها حينما وفدت من المغرب سموها بالشيخة‏.‏

فلما ولد الحسن المرادي في مصر وشب، وكان أكثر الناس التفافا بجدته، وكان أكثر حبا وتقربا وملازمة لها، لقبوه بها وقرنوا اسمها باسمه، فصار اسمها عنوانا عليه وشهرته تابعة لها يعرف ويتميز به عن غيره‏.‏

‏"‏المعروف بابن أم قاسم وهي جدته أم أبيه واسمها زهراء، وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة فكانت شهرته تابعة لها‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وقيل‏:‏ إن هذه المرأة ليست جدته، إنما هي امرأة من بيت العز والسلطان والملك أحبت الحسن لخلقه وتقواه وحسن معاملته منذ صغره، وتبنته وادعت أنه ابنها واشتهر بذلك اسمه باسمها‏.‏

‏"‏الشهير بابن أم قاسم لامرأة تبنته تدعى أم قاسم من بيت السلطان‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

تسميته بالمرادي‏:‏

باطلاعي على كتب المؤرخين لم أعثر على سبب تسميته بالمرادي، ولعل المؤرخين لم يهتموا بهذه التسمية فأهملوا سببها‏.‏

وأقول‏:‏ ربما يكون نسبة إلى قبيلة مراد باليمن أو نسبة إلى جد له يسمى المرادي‏.‏

علمه‏:‏

ابن أم قاسم النحوي‏:‏ هو اللغوي التصريفي البارع، كان ابن أم قاسم في النحو نابغة من نوابغه، أغرم به منذ صغره، وشغف بالتدوين والتصنيف‏.‏

فهو الإمام الذي خدم هذا الفن أكثر عمره واشتهر اسمه وطار صيته، حيث كان الحاجة في هذا العصر أدعى إلى نشاط حركتي التدوين والتصنيف، فبرزت شخصيته النحوية بروزا لا نظير له، وانكب وسهر الليالي على كتب السابقين فتأثر بهم، وأخذ ما حلي له من اليواقيت النحوية وأزهاره الباسمة، فكانت نتيجة اطلاعه على آراء السابقين ومصنفاتهم، أنه أصبح علما من الأعلام القادرين على

تخطي الصعاب، والبروز إلى الوجود في ثوب قشيب يحقق للنحو كل آماله وأمانيه‏.‏

فنراه في كتبه نقل عن السابقين واهتم برأيهم واعتمد عليهم وناقش رأيهم في بعض المسائل، وليس هذا فحسب‏,‏ بل إنه تتلمذ على رجال عظام من أئمة النحو وكبرائهم أمثال أبي عبد الله الطنجي، والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري، والشيخ أبي حيان‏.‏

‏"‏وأخذ العربية عن أبي عبد الله الطنجي والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري وأبي حيان‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

فهؤلاء كانت لهم اليد الطولى على ابن أم قاسم حيث نبغ وتقدم واشتهر في فن النحو فتأثر واقتدى بهم وسار على طريقهم‏.‏

ولكن بالبحث رأيت أنه لم ينقل في كتبه عن شيوخه إلا عن شيخه أبي حيان‏.‏ وأعلل ذلك بأنه كان من أفاضل الشيوخ وكان آخرهم، وأكثر ملازمة له ‏"‏عن جماعة آخرهم أبو حيان‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ2‏.‏

وهكذا كان شأن ابن أم قاسم يتقلب هنا وهناك لينال الحظ الوفير من اللسان العربي القديم، وأغلب الظن أنه كان في منطقة شمال القاهرة حيث دفن هناك‏.‏

وفعلا أصبح نحويا بارعا نال إعجاب الجميع، وكان من أكابر عصره، نهل الكثير من مؤلفاته التي لا ينضب معينها سواء كانوا في عصره أم بعده، وجميع مؤلفاته مصادر وثيقة لدى النحاة، ولقوة حرصه على تعلم النحو خرجت كتبه إلى الوجود مزهوة بنفسها بما فيه من معان فياضة وآراء سديدة، فلذلك كثر الناقلون عنه‏.‏

‏"‏ورأيت بخط العلامة شهاب الدين الأبذي ما صورته‏:‏ قال محمد بن أحمد

ابن حيدر الأنصاري معرفا للشيخ المرادي أنه شرح الجزولية والكافية الشافية والتسهيل، والفصول لابن معط، والحاجبية النحوية والعروضية‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

ابن أم قاسم الفقيه‏:‏

لم يكن المرادي حبيس فن واحد فقد كان مع ذلك فقيها في المذهب المالكي‏.‏ درس الفقه وأتقنه، ونبغ فيه حتى صار إليه ناس للفتيا يعتدون برأيه، ويأتمرون بقوله، حتى إنه كان يجلس في بعض الأمكنة لمنح الناس درسه، والانتفاع به في أحكام الشريعة، وذلك لأنه تلقى عن علم من أعلام المذهب المالكي وهو الشرف المغيلي المالكي، فبث فيه روحه ولقنه أحكام الفقه وشرائعه‏.‏

‏"‏والفقه عن الشيخ شرف الدين المغيلي الملاكي‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

فلم يلبث ابن أم قاسم أن بث روح الشريعة بين جلسائه ومستمعيه في أماكن خاصة فاستفاد منه الجميع وانتفعوا به‏.‏

ولكن لم يثبت أن ألف كتبا في الفقه المالكي‏.‏

ابن أم قاسم الأصولي‏:‏

لم يكتف ابن أم قاسم بالنحو والفقه المالكي بل نبغ أيضا في علم الأصول، فكان أصوليا ماهرا متينا فيه مجيدا، فكان لا يضن بعلمه ولا يبخل به على أحد‏.‏

هذا أدبه وعادته؛ لأنه كان تقيا ورعا محبا للخير للناس عامة‏,‏ وذلك أنه تلقى على شيخ من شيوخ الأصول‏,‏ وهو الشيخ شمس الدين بن اللبان‏.‏

‏"‏والأصول عن الشيخ شمس الدين بن اللبان‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

ومع تفوقه لم يرد أنه صنف في علم الأصول، فهو كغيره من العلماء يتناولون جميع الفنون وينبغون في فن ويشتهرون به‏.‏

ابن أم قاسم المقرئ‏:‏

وأيضا نبغ ابن أم قاسم في القراءات، وتفنن فيها وتبحر وأجاد، وكان له مجلس يفد إليه الكثير لتعلم القراءات والاقتداء به، كما اقتدى هو بعلم من أعلام القراء الذي اتبع طريقه واهتدى بهديه، وهو الشيخ مجد الدين إسماعيل‏.‏

‏"‏قرأ القراءات على العلامة مجد الدين إسماعيل ابن الشيخ تاج الدين محمد البناكتي‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وثبت أنه ألف كتابا صغير الحجم، في وقف حمزة على الهمز في مصنف وذكر فيه احتمالات أكثرها لا يصح‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

وأخيرا‏:‏

كان مجيدا في تصنيفه متفننا فيه ‏"‏وصنف وتفنن وأجاد‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

ورأيت أن الأيدي لم تمتد إلى تحقيق مخطوطاته القيمة إلا في هذه الآونة، مع قوتها واتساع مداركها وتزويدها بالمعلومات الهامة‏.‏

فمد البعض يده إلى تحقيق الجنى الداني في حروف المعاني، والآخر إلى شرح التسهيل‏.‏

وبعون الله سأعمل على تحقيق شرحه لألفية ابن مالك‏.‏

خلقه‏:‏ كان ابن أم قاسم على خلق كبير صالحا متدينا تقيا ورعا يخاف الله

ويخشاه، كثير المروءة والتواضع غير مزاحم على المناصب، فقد وصل إلى ما وصل إليه من العلم والإجادة فيه دون أن يرتقي منصبا من المناصب‏.‏

وكان متعبدا حسن الشمائل كثير المحاسن، عظيم الوقار والسكينة محمود السيرة جليل القدر ظاهر الخشوع كثير القناعة معظما عند الخاصة والعامة، حسن العشرة رحب الصدر، متقربا إلى الله عز وجل وليا من أوليائه يكثر من قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ وكان تقيا صالحا‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏

وكان دائما يجالس الناس ويحاضرهم في مسجد مصر القديمة وكانت له كرامات ظهرت على وجه البسيطة، فلقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يحثه ويحضه على عمل الخير لرغبة الناس فيه وقربهم منه‏.‏

‏"‏وله كرامات كثيرة منها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال له‏:‏ يا حسن اجلس‏.‏ نفع الناس بمكان المحراب بجامع مصر العتيق بجوار المصحف‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

أسرة المرادي المعروف بابن أم قاسم‏:‏

ما وصل إلين من كتب المؤرخين من أخبار هذه الأسرة لا يعدو مجرد إشارات عابرة‏,‏ ولم يثبت أن المرادي حدثنا في هذا الشأن بما يضيء جوانبه ويظهر معالمه‏,‏ ومن ثم لا نعرف ما إذا كان المرادي تزوج وأنجب أم لا‏.‏

وكان ما انتهى إليه من حديث آبائه وأجداده، ما قيل عن جدته كما سبق ‏"‏المعروف بابن أم قاسم وهي جدته من أبيه، واسمها زهراء، وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

شخصية المرادي‏:‏

أعني بالشخصية هنا ما يمتاز به ابن أم قاسم من صفاته الخلقية والجسمية؛ أما الخلقية فقد ذكرتها‏.‏

وأما الجسمية‏:‏ فلم يرد في كتب المؤرخين ما يصور لنا هذه الصفة‏.‏

وكنت أود وأتمنى أن أقدم صورة واضحة لأسرة المرادي وبيئته التي عاش فيها وأن أظفر بالنصوص التي تعطينا ملامح وشخصية المرادي، ولكن لم يرد من ذلك شيء حتى يفسح الطريق لرسم صورته‏.‏

ويبدو أن هذا الأمر لم يكن يشغل بال الأقدمين من المؤرخين، وربما كان الحديث عن خاصة أسرته وبيئته يعد عندهم من لغو القول‏.‏

ففات بذلك علينا أشياء ثمينة لها أثرها الفعال في تحقيق شخصيته‏.‏

أما شخصيته العلمية‏:‏ فتنصب في مؤلفاته وشروحه التي ركن إليها المتأخرون ونهلوا من معينها واستندوا على أقواله واعتدوا بآرائه ونقلوها عنه‏.‏

فهذا يدل على سعة مداركه وشخصيته العلمية الهامة التي تمثلت في هذه المؤلفات‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ شيوخ ابن أم قاسم وتلامذته ومؤلفاته‏:‏

شيوخ ابن قاسم

نبغ الشيخ المرادي المعروف بابن أم قاسم، وذاع صيته واشتهر بين الخلق وبرع في النحو والفقه والأصول والقراءات، وله في كل فن خبرة، وأخذ عنه الكثير ونقلوا من كتبه، وذلك لدقة قوله وحصافة رأيه، ووضعه الأمور في نصابها، ووزن رأيه بميزان العدل فرجحت كفته، وفاق الكثير من أقرانه‏.‏ وذلك بفضل شيوخه الذين تلقى عنهم وتعلم على أيديهم وجلس في حلقات دروسهم، واستمد شعاع النور منهم على نهجهم، معضدا ذلك بأفكاره وآرائه ومقترحاته، وبالبحث لم ينقل إلا عن شيخه أبي حيان‏.‏

وسأذكر بعض شيوخ ابن أم قاسم الذين تتلمذ عليهم‏,‏ حسب الترتيب الزمني في وفياتهم‏.‏

1- أبو زكريا الغماري‏:‏

نسبه‏:‏ هو يحيى بن أبي بكر عبد الله الغماري التونسي أبو زكريا الصوفي‏.‏

مولده‏:‏ قال السيوطي‏:‏ ولد سنة 643 ثلاث وأربعين وستمائة من الهجرة‏.‏

من حياته‏:‏ تعلم العربية ومهر فيها، وانتفع من الكثير وأفاد الجمع من علمه بعربيته، وتقلب على أيدي العلماء وجلس في حلقاتهم طلبا للعلم والتحصيل، وكان بارزا في العربية لامعا بين أقرانه‏.‏

قال السيوطي‏:‏ قرأ العربية بتونس على أبي الحسن بن العصفور وبدمشق على ابن مالك صاحب الألفية‏,‏ وبالقاهرة على الشيخ البهاء بن النحاس، ومع ذلك كانت بضاعته في النحو مزجاة‏,‏ وقال ابن حجر في الدرر الكامنة‏:‏ أخذ عن عبد الحق بن سبعين، كتب عنه ابن سيد الناس وابن رافع‏,‏ وكان عالما بالقراءة متقنا لها متفننا فيها، ذاع أمره واشتهر بين الناس وعلا قدره وازدهر نجمه، حتى عين مقرئا، فالتف حوله خلق كثير، وكان متوقد الذكاء صافي الذهن حريصا على القراءة حرصا لا يضاهيه أي حرص‏.‏

قال ابن الجزري في طبقات القراء‏:‏ قرأ على بعض أصحاب الصايغ ورجع إلى بلاده، وأخبرني غير واحد من أصحابه الواردين علينا من تلك البلاد أن ذهنه جيد واعتناءه بالقراءات تام وحرصه زائد‏.‏

وكان متعمقا في الأدب مطلعا عليه يميل إليه برغبة جذابة قوية، جعلته هذه الرغبة مضطرا لأن يقول الشعر ويترنم به، متغنيا بمصر وعظمتها ومجدها الخالد التليد‏.‏

قال في الدرر الكامنة‏:‏ ومن شعره‏:‏

بعينيك هل أبصرت أحسن منظرا‏.‏‏.‏‏.‏ على طول ما أبصرت من هرمي مصر

أناخا بأعنان السماء وأشرفا‏.‏‏.‏‏.‏ على الأرض إشراف السماك أو النسر

وقد وافيا نشزا من الأرض عاليا‏.‏‏.‏‏.‏ كأنهما نهدان قاما على صدر

وهكذا كان الغماري مفيدا قويا نافعا في عربيته أمينا وحريصا بكل ما يملك من قوة على فن القراءات ولا يفوته أن يفخر ويتحدث عن مصر وقديمها‏,‏ وبالبحث لم أعثر على اسم مؤلف من مؤلفاته‏.‏

وفاته‏:‏ قال السيوطي، وابن حجر‏:‏ مات أبو زكريا الغماري في ثالث عشر من ذي الحجة سنة 724هـ أربع وعشرين وسبعمائة‏.‏

2- أبو حيان الأندلسي‏:‏

نسبه‏:‏ هو محمد بن يوسف بن عليّ بن يوسف بن حيان الإمام أثير الدين أبو حيان الأندلسي الغرناطي النفزي نسبة إلى نفزة -بفتح النون وسكون الفاء- قبيلة من البربر، فهو الغرناطي المولد والمنشأ والمصري الدار‏.‏

مولده‏:‏ ولد بمطخشارش -مدينة في حضرة غرناطة- في أواخر شوال سنة 654هـ أربع وخمسين وستمائة‏.‏

من حياته‏:‏ أبو حيان نحوي عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومؤرخه وأديبه‏.‏

أخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع، والعربية عن أبي الحسن الآبذي وأبي جعفر بن الزبير وابن أبي الأحوص وابن الصائغ وأبي جعفر اللبلي، وبمصر عن البهاء بن النحاس وجماعة، وتقدم في النحو، وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب، وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا، منهم أبو الحسين بن ربيع وابن أبي الأحوص والرضي والشاطبي والقطب القسطلاني والعز الحراني‏.‏

وأجاز له خلق من المشرق والمغرب، منهم الشرف الدمياطي والتقي ابن دقيق العيد والتقي رزين وأبو اليمين بن عساكر‏.‏

وأكب على طلب الحديث وأتقنه وبرع فيه، وفي التفسير والعربية والقراءات والأدب والتاريخ، اشتهر اسمه وطار صيته‏.‏

وأخذ عنه أكابر عصره وتقدموا في حياته كالشيخ تقي الدين السبكي وولديه والجمال الأسنوي وابن أم قاسم وابن عقيل والسمين وناظر الجيش والسفاقسي وابن مكتوم وخلائق‏.‏

قال الصفدي‏:‏ لم أره قط إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب أو ينظر في كتاب، وكان ثبتا قيما عارفا باللغة، وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما، خدم هذا الفن أكثر عمره حتى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما غيره‏,‏ وله اليد الطولى في التفسير والحديث وتراجم الناس، ومعرفة طبقاتهم وخصوصا المغاربة، وأقرأ الناس قديما وحديثا وألحق الصغار والكبار وصار تلامذته أئمة وشيوخا في حياته، والتزم ألا يقرئ أحدا إلا في كتاب سيبويه أو التسهيل أو مصنفاته‏.‏

وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة الشبيبة على التعرض للأستاذ أبي جعفر بن الطباع وقد وقعت بينه ويبن أستاذه أبي جعفر بن الزبير واقعة فنال منه وتصدى للتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى ثم ركب البحر ولحق المشرق‏.‏

قال السيوطي‏:‏ ورأيت في كتابه ‏"‏النضار‏"‏ الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته‏:‏ أن مما قوى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء رموه بالمنطق والفلسفة والرياضة والطبيعة‏.‏ قال للسلطان‏:‏ إني كبرت وأخاف أن أموت فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم، لينفعوا السلطان من بعدي، قال أبو حيان‏:‏ فأشير إليّ أن أكون من أولئك، ويرتب لي راتب وكسوة وإحسان فتمنعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك‏.‏

قال الصفدي‏:‏ وقرأ على العلَم العراقي وحضر مجلس الأصبهاني، وتمذهب للشافعي، وكان أبو البقاء يقول‏:‏ إنه لم يزل ظاهريا‏.‏

وقال ابن حجر‏:‏ كان أبو حيان يقول‏:‏ محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه‏,‏ وكان ابن تيمية ثم وقع بينه وبينه في مسألة نقل فيها أبو حيان شيئا عن سيبويه، فقال ابن تيمية‏:‏ وسيبويه كان نبي النحو‏!‏‏!‏ لقد أخطأ سيبويه في ثلاثين موضعا من كتابه فأعرض عنه ورماه في تفسيره النهر بكل سوء‏.‏

وقال الصفدي‏:‏ وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لججها‏.‏

وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب‏:‏ هذه نحو الفقهاء‏,‏ وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم‏.‏

تولى تدريس التفسير بالمنصورية والإقراء بجامع الأقمر‏.‏

صفاته‏:‏ قال الأدفوي‏:‏ كان يفخر بالبخل كما يفخر الناس بالكرم، وكان ثبتا صدوقا حجة، سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم، ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبة عليّ بن أبي طالب، كثير الخشوع والبكاء عند قراءة القرآن، وكان شيخا طوالا حسن النغمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر‏.‏

وكانت عبارته فصيحة لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف‏.‏

مصنفاته‏:‏ منها‏:‏

1- البحر المحيط في التفسير‏.‏

2- النهر مختصره في مجلدين‏.‏

3- إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب‏.‏

4- التذييل والتكميل في شرح التسهيل مطول‏.‏

5- ارتشاف الضرب من لسان العرب‏.‏

قال السيوطي‏:‏ لم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين ولا أجمع، ولا أحصى للخلاف والأحوال وعليهما اعتمدت في كتابي جمع الجوامع‏.‏

6- التنخيل الملخص في شرح التسهيل للمصنف وابنه بدر الدين‏.‏

7- الأسفار الملخص في شرح سيبويه للصغار‏.‏

8- التجريد لأحكام سيبويه‏.‏

9- التذكرة في العربية‏.‏ أربعة مجلدات كبار‏.‏

10- التقريب في مختصر المقرب‏.‏

11- التدريب وشرحه‏.‏

12- المبدع في التصريف‏.‏

13- غاية الإحسان في النحو‏.‏

14- شرح الشذا في مسألة كذا في النحو‏.‏

15- اللمحة الشذرة في النحو‏.‏

16- الارتضاء في الضاد والظاء‏.‏

17- عقد اللآلي في القراءات على وزن الشاطبية وقافيتها‏.‏

18- الحلل الحالية في أسانيد القرآن العالية‏.‏

19- نحاة الأندلس‏.‏

20- الأبيات الوافية في علم القافية‏.‏

21- منطق الخرس في لسان الفرس‏.‏

22- الإدراك للسان الأتراك‏.‏

23- زهو الملك في نحو الترك‏.‏

24- الوهاج في اختصار المنهاج، للنووي‏,‏ وغير ذلك‏.‏

ومما لم يكمل‏:‏

1- شرح نصف ألفية ابن مالك في مجلدين‏.‏

2- نهاية الإعراب في التصريف والإعراب‏.‏

3- أرجوزة خلاصة التبيان في المعاني والبيان‏.‏

4- أرجوزة نور الغبش في لسان الحبش‏.‏

5- مجاني الهصر في تواريخ أهل العصر‏.‏

وفاته‏:‏ مات في ثامن عشرين صفر سنة 745 خمس وأربعين وسبعمائة ودفن في مقبرة الصوفية1‏.‏

3- الشرف المغيلي‏:‏

نسبه‏:‏ هو عيسى بن مخلوف بن عيسى المغيلي الشيخ شرف الدين‏.‏

من حياته‏:‏ كان عالما من علماء المالكية، درس مذهب الإمام مالك ونبغ فيه، والتف الجميع حوله ينتفعون به ويتلقون عنه، وولي مناصب دينية هامة، وكان حكما عدلا يعطي الحقوق لذويها، حتى أحبه الناس وأكبروه وأجلوه لنزاهته وحصافته‏.‏

قال ابن فرحون‏:‏ كان من فضلاء المالكية وأعيانهم بالديار المصرية، وولي قضاء المالكية بها فحمدت سيرته‏.‏

وكان من أعلام الأصول والفروع جليل القدر عظيم الشأن، انتقل إلى العراق، ففاق الأقران وصحح كثيرا من المتون، وجلس الكثير في مجلسه وأذن

لهم بالتدريس ومنحهم إجازات، وكان همه وضع الأمور في نصابها، فكثر الملتفون حوله واقتدوا به ونهلوا من معينه‏.‏

قال خالد البلوي في رحلته‏:‏ ‏"‏شيخنا العالم الأوحد أبو الأصبغ أحد الأعلام الجلة وعلماء الملة إمام الأئمة، وعلم الأعلام في الفروع والأصول والكلام، مصيبا في اختياراته من استقصاء واقتصار واستيفاء واختصار، فات قدره الأقدار في ضبط الفوائد، ولقط الفرائد، فهو على الإطلاق العالم الصدر العالي القدر، رحل للعراق، فأحرز خصال السباق، واكتسب بخطه الأصول العتاق، صحح متونه، وحدق للصواب عيونه، وتبدو لها بشر ونشر كأنما تبلج وجه الصبح، أو نفح العطر، سمعت فوائد من لفظه، وقيدت شوارد من حفظه، قرأت عليه بعض مختصر الحلاب للعز النيلي المختصر الأكبر، وأذن لي في تدريسه‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

صفاته‏:‏ كان رجلا عالي الهمة عظيم القدر، يمتاز بالكرم، والمروءة، وحسن الأخلاق بصيرا بالأمور، ومحبة الناس له أثمن شيء عنده، كثير الاعتناء بنفسه في بعد عن العجب والخيلاء، وكان ذا عقل راجع مفكر حصيف الرأي، كثير الفضل على الناس‏.‏

قال خالد البلوي‏:‏ عالي القدر جمع إلى معارفه بين كرم ومروءة وظرف وفتوة وروايات، وعقل وحصاة، وفضائل غير مستقصاة‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ وبالبحث لم أعثر على مؤلف له‏.‏

وفاته‏:‏ توفي رحمه الله سنة 746هـ ست وأربعين وسبعمائة من الهجرة‏.‏

4- المجد إسماعيل الششتري‏:‏

نسبه‏:‏ هو إسماعيل بن محمد بن عبد الله الششتري مجد الدين النحوي المقرئ الأستاذ والششتري‏,‏ نسبة إلى قريته ششتر‏.‏

من حياته‏:‏ لم يتعرض مرجع من المراجع إلى تاريخ ميلاده، وكان إماما عالما حافظا عارفا باللغة العربية مقرئا ضابطا متقنا للقراءات حتى صار شيخا للقراء، درس الأصول وبرع فيه وتفنن وأجاد‏.‏

وتقلب في مناصب علمية ومختلفة وترأس مدارس علمية وظهرت حصافته، وهذا مما زاد من علو قدره وازدهار علمه بالقراءات وسمو اسمه، حتى سمع به خلق كثير، ووفدوا إلى مدرسته وتعلموا فيها وجلسوا في مجلسه ثم نقلوا ما حملوه إلى ذويهم، ومن يلتف حولهم من طالبي الفن‏.‏

وكان كعادة غيره، تقلب على أيدي علماء عصره، فنهل من معينهم وتزود من علمهم وشرب منهم ما يشفي غليله ويروي ظمأه، وهذه طبيعة العالم الناجح الذي يريد أن ينتفع به الناس ويتزودوا به‏.‏

أخذ العربية عن جماعة وصحب العلاء القونوي، وأخذ عنه العربية والأصول وغير ذلك‏.‏

وأخذ القراءات وأتقنها وأجادها على الشطنوفي والتقي الصائغ، وبرع في كل باب طرقه وفي كل فن اندمج فيه حتى أصبح العلامة الأوحد وأستاذ القراءة والنحو والأصول‏.‏

قال ابن الجزري في طبقات القراء‏:‏ إمام صفة صلاح الدين بالصلاحية ثم خانقاه سرياقوس، شيخ القراء العلامة الأوحد الأستاذ المقرئ النحوي الأصولي الشافعي، برع في القراءات والأصول والعربية، وكان شيخ القراءات بالمدرسة الفاضلية، مشهورا بحسن القراءة وجودة الأداء‏,‏ انتفع به جماعة‏,‏ وبالبحث لم أعثر على اسم مؤلف له‏.‏

وأخذ عنه البدر ابن أم قاسم‏.‏

صفاته‏:‏ كان رجلا عالما فاضلا تقيا ورعا محبا للخير والعلم والانتفاع به، كثير الإنفاق من أجله، وليس هذا بغريب عليه، بل هو قدوة لوالده الذي كان من كبار أولياء الله تعالى‏,‏ والناس يفدون إلى قبره ويزورونه تبركا به‏.‏

قال ابن الجزري‏:‏ كان والده من كبار الأولياء مدفون بقريته‏,‏ ينعت بالشيخ تاج الدين البناكتي يزار ويتبرك به‏.‏

وفاته‏:‏ قال السيوطي وابن الجزري‏:‏ مات سنة 748 ثمان وأربعين وسبعمائة من الهجرة‏.‏

5- شمس الدين بن اللبان‏:‏

نسبه‏:‏ هو محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الشيخ شمس الدين بن اللبان الدمشقي ثم المصري الشافعي الإمام العلامة المعروف بابن اللبان‏.‏

مولده‏:‏ قال في شذرات الذهب‏:‏ ولد سنة 685 خمس وثمانين وستمائة من الهجرة‏.‏

من حياته‏:‏ كان عارفا بالفقه والأصول والعربية، أديبا شاعرا، سمع بدمشق من أبي حفص عمر بن المنعم بن القواس‏.‏

وقدم إلى الديار المصرية فأنزله ابن الرفعة بمصر وأكرمه إكراما كثيرا، وسمع بها من شرف الدين الدمياطي ومن عبد الرحمن بن عبد القوي بن عبد الكريم الختعمي، وحدث بالديار المصرية، وسمع الحديث، وتفقه على كثيرين، وبرع في جملة الفنون، وزاول التدريس بزاوية في جامع عمرو بن العاص ثم بزاوية الإمام الشافعي، وسار على طريق الشاذلية، وصحب ياقوت العرش المتصوف، فاشتهر غير أنه تكلم كلاما صوفيا يشعر بالاتحاد‏,‏ فهاج عليه الفقهاء وحاكموه أمام قاضي القضاة ثم استنقذه ابن فضل الله‏.‏

قال السبكي في طبقات الشافعية‏:‏ تفقه على نجم الدين بن الرفعة وصحب في التصوف الشيخ ياقوت بالإسكندرية، وكان الشيخ ياقوت المقيم بالإسكندرية من أصحاب سيدي الشيخ أبي العباس المرسي صاحب سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي، وبرع ابن اللبان فقها وأصولا ونحوا وتصوفا، ووعظ الناس وعقد مجلس التذكير بمصر، وبدرت منه ألفاظ يوهم ظاهرها ما لا شك في براءته منه، فاتفقت له كائنة شديدة ثم نجاه الله تعالى، ودرس بالآخرة بالمدرسة المجاورة لضريح الشيخ الشافعي رضي الله عنه‏.‏

وفي شذرات الذهب، قال الحافظ زين الدين العراقي‏:‏ أحد العلماء الجامعين بين العلم والعمل، امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه، وأحضر إلى مجلس الجلال القزويني وادعي عليه بذلك فاستتيب ومنع من الكلام على الناس وتعصب عليه بعض الحنابلة وتخرج به جماعة من الفضلاء‏.‏

وسمع منه الطلبة وخرج له شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطي جزءا من حديثه، وكان أديبا شاعرا عالما بالعربية ذكيا فصيحا متجمعا عن الناس هماما مهيبا‏.‏

صفاته‏:‏ كان ابن اللبان لسنا فطنا ذا همة وقوة وصرامة وحزم، يميل إلى الجد ولا يحاول الاندماج في الناس وقد يرغب في الابتعاد والانقباض عنهم، ومع هذا كان محترما مقدرا بين الخلق يخافونه ويهابونه‏.‏

مؤلفاته‏:‏ منها‏:‏

1- ترتيب الأم للإمام الشافعي ولم يبيضه‏.‏

2- واختصر الروضة ولم يشتهر لغلاقة لفظه‏.‏

3- ومختصر في علوم الحديث‏.‏

4- وجمع كتابا في النحو‏.‏

5- وكتاب في التصوف‏.‏

6- وله تفسير لم يكمله‏.‏

7- وله كتاب متشابه القرآن والحديث تكلم فيه على طريقة الصوفية‏,‏ وهو مختصر حسن تكلم فيه عن بعض الآيات والأحاديث المتشابهات‏.‏

وفاته‏:‏ في شذرات الذهب وأخبار مصر والقاهرة وطبقات الشافعية والوافي بالوفيات‏:‏ مات ابن اللبان بالطاعون في شوال سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة‏.‏

6- سراج الدين الدمنهوري‏:‏

نسبه‏:‏ هو عمر بن محمد بن عليّ بن فتوح سراج الدين أبو حفص الغزي الدمنهوري المصري الشافعي‏.‏

مولده‏:‏ قال ابن الجزري في طبقات القراء‏:‏ مولده بعد الثمانين وستمائة من الهجرة‏.‏

من حياته‏:‏ كان عالما مفضالا متقنا جامعا للعلوم، تنقل بين يدي العلماء في كثير من الفنون وجلس في حلقاتهم، واستمع إلى دروسهم، وناقش وعارض في مجلس شيوخه في سبيل الوصول إلى ما تصبو إليه نفسه من الحصول على أكبر قدر من العلوم والفنون، فجلس في حلقات النحو والقراءات والحديث والفقه متلقيا عن شيوخ وثق فيهم، وبرع على أيديهم‏.‏

أخذ العربية عن الشيخ شرف الدين محمد بن عليّ الحسني الشاذلي‏,‏ وعن التقي ابن الصائغ أيضا وغيره، وأخذ القراءات عن الشيخ شرف الدين بن الشواء الضرير بالإسكندرية وعن التقي الصائغ، والمعاني عن الجلال القزويني، والأصول عن العلاء القونوي، والفقه عن جماعة منهم العلامة نور الدين عليّ بن يعقوب القرشي البكري، وسمع من الحجار والشريف والمرسوي، وأذن له بالإفتاء جماعة آخرهم الشيخ شمس الدين الأصبهاني، وبرع في الأصول ونبغ فيه حتى صار أستاذا يعتد به ويؤخذ عنه‏.‏

ودرس في أماكن مختلفة ومتعددة، وصحب القونوي وقرأ عليه مختصر ابن الحاجب وتلخيص المعاني والبيان، ولم يجد بدا من أن يعمل على منفعة الناس وطلابه ورواده، فكان ينتقل إلى المكان الأكثر نفعا لهم، ويلقى المتاعب والصعاب في سبيل إفادة جمع غفير من الخلق، فأحبه الجميع وأحاطوا به حتى سمي بالعلامة الأوحد، وصار شيخا للقراءة والكل يسمع لحديثه ويعمل بإفتائه‏.‏

قال ابن الجزري‏:‏ ‏"‏العلامة الأوحد المقرئ الفقيه المفتي شيخ القراء‏"‏ ولحرصه على إفادة الجمع، أقرأ بمكة والمدينة وأفاد الكثير من الناس‏.‏

وحدث عنه أبو اليمن البصري، ومع كل هذا كان يبخل بعلمه، وقد خلف حمل بعير من كتبه دون الانتفاع بها، وهلكت دون أن تملكها اليد التي تعمل على ضمها وجمعها‏.‏

قال ابن الجزري في طبقات القراء‏:‏ ‏"‏وأقرأ القراءات بالحرمين الشريفين وأفاد، وكان ضنينا بعلمه وخلف جملة من الكتب والدنيا وهلكت بعده فلم ينتفع بها‏"‏‏.‏

وإنني أنظر إلى هذا العالم الأصولي الذي أصبح شيخا للقراء، الفقيه صاحب الفتوى، الذي ذاع صيته وطار اسمه بين الخلق وفي الأرض المكرمة، ومع كل هذه المنح الربانية العظيمة‏.‏ كيف يضن بما أعطاه الله وأسبغه عليه من نعمة العلم‏؟‏

يخيل إليّ أنه كان يحب المحافظة والحرص كل الحرص على ما وهبه الله وعلى كل ما يقتنيه وتضمه مكتبة منزله‏,‏ وبالبحث لم أعثر على اسم مؤلف له‏.‏

وفاته‏:‏ قال ابن حجر في الدرر الكامنة‏:‏ مات سراج الدين الدمنهوري سنة 751 إحدى وخمسين وسبعمائة من الهجرة‏.‏

وقال الفاسي‏:‏ هذا وهم بل مات في يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة 752هـ اثنتين وخمسين وسبعمائة‏.‏

وقال ابن الجزري في غاية النهاية‏:‏ توفي بمكة شهر ربيع الأول سنة 752هـ اثنتين وخمسين وسبعمائة‏.‏

7- أبو عبد الله الطنجي‏:‏

تصفحت المراجع فلم أعثر له على ترجمة، وقال السيوطي في كتاب بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ص294‏:‏ أبو عبد الله الطنجي شيخ من أهل النحو نقل عنه أبو حيان في الارتشاف وذكره هكذا‏.‏

تلاميذ المرادي المعروف بابن أم قاسم‏:‏

لقد تأثر ابن أم قاسم بعلماء عصره وتتلمذ على أيديهم وتلقى عنهم وجلس في حلقات دروسهم، فما دام قد تأثر بالغير ونبغ عن طريقهم، فلا بد أن يكون قد خرج أجيالا برزوا إلى المجتمع تأثروا به وتتلمذوا عليه وجلسوا في حلقات درسه، وأفادوا غيرهم بما وهبهم الله من نعم العطاء‏.‏

وأقول‏:‏ بعد البحث والاستقصاء لم أجد نصا في كتب التاريخ يذكر فيه من تتلمذ على ابن أم قاسم سوى جلال بن أحمد المعروف بالتباني، ولم أتمكن من الحصول على أي مؤلف للشيخ جلال التباني حتى أحكم بأنه نقل عن شيخه أم لا‏.‏

فعلى ذلك اتخذته تلميذا له -وأيضا ابن هشام- وإن كان لم يثبت أنه تتلمذ عليه‏,‏ فإنه نقل عنه وهو في عصره‏.‏