فصل: الإمالة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


الإمالة‏:‏

إما الألف أن تنحو بها نحو الياء، ومن لازم ذلك أن ينحى بالفتحة قبلها نحو الكسرة، والنظر في فائدتها، وحكمها، ومحلها، وأصحابها، وأسبابها‏.‏

أما فائدتها‏:‏ فاعلم أن الغرض الأصلي من الإمالة هو التناسب، وقد ترد الإمالة للتنبيه على أصل أو غيره، مما سيأتي ذكره‏.‏

وأما حكمها‏:‏ فإنها وجه جائز، ولغة لبعض العرب‏.‏

وسببها مجوز لها لا موجب، فلذلك يجوز فتح كل ممال‏.‏

وأما محلها‏:‏ فالأسماء المتمكنة والأفعال، هذا هو الغالب، وسيأتي التنبيه على ما أميل من غير ذلك‏.‏

وأما أصحابها‏:‏ فتميم وقيس وأسد وعامة أهل نجد، وأما الحجازيون فلغتهم الفتح إلا في مواضع قليلة‏.‏

وأما أسبابها فقسمان‏:‏ لفظي ومعنوي، فاللفظى‏:‏ الياء والكسرة، والمعنوي‏:‏ الدلالة على ياء أو كسرة‏.‏

وجملة أسباب إمالة الألف -على ما ذكره المصنف- ستة‏:‏

الأول‏:‏ انقلابها عن الياء، الثاني‏:‏ مآلها إلى الياء، الثالث‏:‏ كونها بدل عين ما يقال فيه فلت، الرابع‏:‏ ياء قبلها أو بعدها، الخامس‏:‏ كسرة قبلها أو بعدها، السادس‏:‏ التناسب‏.‏

تنبيه‏:‏

هذه الأسباب كلها راجعة إلى الياء والكسرة، واختلف في أيهما أقوى، فذهب الأكثرون إلى أن الكسرة أقوى من الياء، وأدعى إلى الإمالة، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال في الياء‏:‏ لأنها بمنزلة الكسرة، فجعل الكسرة أصلا، وذهب ابن السراج إلى أن الياء أقوى من الكسرة، والأول أظهر لوجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن اللسان يتسفل بها أكثر من تسفله بالياء‏.‏

والثاني‏:‏ أن سيبويه ذكر أن أهل الحجاز يميلون الألف للكسرة، وذكر في الياء أن أهل الحجاز وكثيرا من العرب لا يميلون للياء، فدل هذا من جهة النقل أن الكسرة أقوى‏.‏

واعلم أن عبارات المصنفين اختلفت في ذكر أسباب الإمالة، وليس بينهم في ذلك كبير اختلاف، والغرض هنا شرح كلام الناظم‏.‏

الألف المبدل من يا في طرف‏.‏‏.‏‏.‏ أَمِلْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

هذا هو السبب الأول، وهو أن يكون الألف بدلا من ياء، وهي على طرف كلمة، وسواء في ذلك الاسم مرمى والفعل نحو رمى وشمل قوله‏:‏ ‏"‏من ياء‏"‏ المبدل من ياء أصلية كالمثالين والمبدل من ياء منقبلة عن واو نحو ملهى وأعطى، واحترز بقوله‏:‏ ‏"‏في طرف‏"‏ من الكائنة عينا، وسيأتي حكمها‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ كذا الواقع منه اليا خَلَفْ

دون مزيد أو شذوذ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

هذا هو السبب الثاني، وهو أن تكون الألف صائرة إلى الياء دون زيادة ولا شذوذ، وذلك نحو حبلى ومعزى، وكل ما آخره ألف تأنيث مقصورة، فإنها تمال لأنها تئول إلى الياء في التثنية والجمع، فأشبهت الألف المنقبلة عن الياء‏.‏

واحترز بقوله‏:‏ ‏"‏أو شذوذ‏"‏ من قلب الألف ياء في الإضافة إلى ياء المتكلم في لغة هذيل، فإنهم يقولون في عصا وقفا‏:‏ عُصيّ وقُفيّ، ومن قلب الألف ياء في الوقف عند بعض طيئ نحو‏:‏ عَصَيْ وقَفَيْ، فلا تسوغ الإمالة لأجل ذلك‏.‏

واحترز بقوله‏:‏ ‏"‏دون مزيد‏"‏ من رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادة كقولهم في تصغير قفا‏:‏ قُفَى، وفي تكسيره‏:‏ قُفِيّ، فلا يمال قفا لذلك‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ هذا السبب الثاني هو أيضا في الألف الواقع طرفا كالأول‏.‏

الثاني‏:‏ قد علم مما تقدم أن نحو قفا وعصا من الاسم الثلاثي لا يمال؛ لأن ألفه عن واو لا يئول إلى الياء إلا في شذوذ أو بزيادة، وقد سمعت إمالة العشا مصدر الأعشى -وهو الذي لا يبصر ليلا ويبصر نهارا- والمكا -بالفتح- وهو جحر الثعلب والأرنب، والكبا -بالكسر- الكناسة، وهذه من ذوات الواو، لقولهم‏:‏ ‏"‏ناقة عشواء‏"‏ وقولهم‏:‏ ‏"‏المكو والمكوة‏"‏ بمعنى المكا، وقولهم‏:‏ ‏"‏كبوت البيت‏"‏ إذا كنسته‏.‏ وهذه الألفاظ الثلاثة مقصورة‏.‏

فإن قلت‏:‏ ‏"‏فلعل إمالة ‏"‏الكبا‏"‏ لأجل الكسرة، فلا تكون شاذة‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ الكسرة لا تؤثر في المنقبلة عن الواو‏.‏

والثالث‏:‏ يجوز إمالة الألف في نحو‏:‏ ‏"‏دعا وغزا‏"‏ من الفعل الثلاثي وإن كانت عن واو؛ لأنها تئول إلى الياء في نحو‏:‏ ‏"‏دعى وغزى‏"‏ من المبني للمفعول‏.‏ وبهذا ظهرالفرق بين الاسم الثلاثي والفعل الثلاثي إذا كانت ألفهما عن واو، وما ذكره نص عليه الفارسي وغيره من النحويين، وظاهر كلام سيبويه التسوية في الثلاثي بين بنات الواو وبنات الياء، فيجيز الإمالة في ذوات الواو في الأسماء والأفعال، والمشهور ما تقدم‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ولما‏.‏‏.‏‏.‏ تليه ها التأنيث ما الها عدما

يعني‏:‏ أن للألف التي قبل هاء التأنيث في نحو ‏"‏مرماة وفتاة‏"‏ -من الإمالة، لكونها منقبلة عن الياء- ما للألف المتطرفة؛ لأن هاء التأنيث غير معتد بها، فالألف قبلها متطرفة تقديرا‏.‏

وهكذا بدل عين الفعل إن‏.‏‏.‏‏.‏ يؤل إلى فلت كماضي خف ودن

هذا هو السبب الثالث، وهو أن تكون الألف بدلا من عين فعل تكسر فاؤه حين يسند إلى تاء الضمير واويا كان كخاف أو يائيا كدان، فإنك تقول فيهما‏:‏ خفت ودنت -بحذف عين الكلمة- فيصيران في اللفظ على وزن فِلت، والأصل فعلت، فحذفت العين وحركت الفاء بحركتها‏.‏

فإن قلت‏:‏ أما خاف فعينه مكسورة؛ لأن أصله خوف، وأما دان وطاب ونحوهما، فأصل عينهما الفتح، فكيف يقال‏:‏ حركت الفاء بحركتها‏؟‏

قلت‏:‏ يقدر تحويلهما إلى فعل -بكسر العين- ثم تنتقل الحركة، هذا مذهب كثير من النحويين، وبعضهم يقول لما حذفت العين حركت الفاء بكسرة مجتلبة للدلالة على أن العين ياء، ولبيان ذلك موضع غير هذا‏.‏

واحترز بقوله‏:‏ ‏"‏إن بؤل إلى فلت‏"‏ من نحو‏:‏ طال وقال، فإنه لا يئول إلى فلت -بالكسر- وإنما يئول إلى فلت -بالضم- في قولك‏:‏ طلت وقلت‏.‏ والحاصل أن الألف التي هي عين الفعل تمال إن كانت عن ياء نحو دان أو عن واو مكسورة نحو خاف، فإن كانت عن واو مضمومة نحو طال أو مفتوحة نحو قام لم تمل‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ اختلف في سبب إمالة نحو طاب وخاف، قال السيرافي وغيره‏:‏ إنها للكسرة العارضة في فاء الكلمة؛ ولذلك جعل السيرافي من أسباب الإمالة كسرة تعرض في بعض الأحوال، وهو ظاهر كلام الفارسي، قال‏:‏ وأمالوا ‏"‏خاف وطاب‏"‏ مع المستعلى طلبا للكسر في خفت، وقال ابن هشام الخضراوي‏:‏ الأولى إن الإمالة في ‏"‏طاب‏"‏ لأن الألف فيه منقلبة عن ياء، وفي ‏"‏خاف‏"‏ لأن العين مكسورة، أرادوا الدلالة على الياء والكسرة‏.‏

الثاني‏:‏ نقل عن بعض الحجازيين إمالة نحو ‏"‏خاف وطاب‏"‏ وفقا لبني تميم، وعامتهم يفرقون بين ذوات الواو نحو ‏"‏خاف‏"‏ فلا يميلون، وبين ذوات الياء نحو ‏"‏طاب‏"‏ فيميلون‏.‏

الثالث‏:‏ مفهوم قوله‏:‏ ‏"‏وهكذا بدل عين الفعل‏"‏ أن بدل عين الاسم لا تمال؛ لكونها منقبلة عن الياء، وصرح بعضهم بشذوذ إمالة الألف المنقلبة عن ياء عينا في اسم ثلاثي، كقولهم‏:‏ هذا عاب وناب -بالإمالة- وهو ظاهر كلام سيبويه، وقال صاحب المفصل‏:‏ والمتوسطة إن كانت في فعل يقال فيه فعلت كطاب وخاف أميلت ولم ينظر إلى ما انقلبت عنه، وإن كانت في اسم نظر إلى ذلك فقيل ناب ولم يقل باب، وهذا يقتضي أن إمالة نحو ناب فيما عينه ياء جائزة إلا أنه ذكر بعد ذلك فيما شذ عن القياس إمالة عاب وألفه عن ياء، قال ابن يعيش‏:‏ عاب بمعنى العيب، ويقع في بعض النسخ غاب -بالمعجمة- وألفه أيضا عن ياء‏.‏

كذاك تالي الياء والفصل اغتُفر‏.‏‏.‏‏.‏ بحرف أو مع ها كجيبها أدر

هذا هو السبب الرابع، وهو وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، فإن كان قبل الألف فشرطها أن تكون متصلة بها كقولك‏:‏ ‏"‏سيال‏"‏ وهو شجر له شوك، أو منفصلة بحرف نحو‏:‏ ‏"‏شيبان‏"‏ أو بحرفين ثانيهما هاء كقولك‏:‏ ‏"‏جيبها أدر‏"‏ فلو كانت مفصولة بحرفين ليس أحدهما هاء أو بأكثر من حرفين امتنعت الإمالة‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ إنما اغتفر الفصل بالهاء لخفائها‏.‏

الثاني‏:‏ قال في التسهيل‏:‏ ‏"‏أو حرفين ثانيهما هاء‏"‏ وقال هنا‏:‏ ‏"‏أو مع ها‏"‏ فلم يقيد بكون الهاء ثانية، وكذلك فعل في الكافية‏.‏

الثالثة‏:‏ أطلق قوله‏:‏ ‏"‏أو مع ها‏"‏ وقيده غيره بألا يكون قبل الهاء ضمة نحو‏:‏ ‏"‏هذا جيبها‏"‏ فإنه لا يجوز فيه الإمالة‏.‏

الرابع‏:‏ الإمالة للياء المشددة في نحو ‏"‏بيَّاع‏"‏ أقوى منها في نحو ‏"‏سيال‏"‏ والإمالة للياء الساكنة في نحو ‏"‏شيبان‏"‏ أقوى منها في نحو ‏"‏حيوان‏"‏‏.‏

الخامس‏:‏ قد سبق أن من أسباب الإمالة وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، ولم يذكر هنا إمالة الألف لياء بعدها، وذكرها في الكافية والتسهيل وشرطها إذا وقعت بعد الألف أن تكون متصلة نحو ‏"‏بايع‏"‏ ولم يذكر سيبويه إمالة الألف للياء بعدها، وذكرها ابن الدهان وغيره‏.‏

كذاك ما يليه كسر أو يلي‏.‏‏.‏‏.‏ تالي كسر أو سكون قد وَلِي

كسرا وفصل الها كلا فصل يُعد‏.‏‏.‏‏.‏ فدر هماك من يمله لم يُصد

هذا هو السبب الخامس، وهو وقوع كسرة بعد ألف أو قبلها، فإن كانت بعدها فشرطها أن يليها نحو مساجد، وإن كانت قبلها فشرطها أن تكون منفصلة بحرف نحو عماد، أو بحرفين أولهما ساكن نحو ‏"‏شملال‏"‏، أو بحرفين متحركين أحدهما هاء نحو ‏"‏يريد أن يضربها‏"‏ أو بحرف ساكن بعده متحركان أحدهما هاء نحو ‏"‏درهماك‏"‏‏.‏

فكل هذا تجوز إمالته، فلو فصل غير ذلك لم تجز الإمالة‏.‏

فإن قلت‏:‏ من أين تؤخذ إمالة نحو ‏"‏أن يضربها‏"‏‏؟‏

قلت‏:‏ من قوله‏:‏ ‏"‏وفصل الها كلا فصل‏"‏ بل إمالته أولى من إمالة درهماك‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏أو سكون‏"‏ معطوف على قوله‏:‏ ‏"‏كسر‏"‏ والمعنى‏:‏ أو يلي تالي سكون قد ولي كسرا نحو ‏"‏شملال‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ فلم يذكر في الكافية إمالة نحو ‏"‏درهماك‏"‏ وذكر إمالة نحو ‏"‏أن يضربها‏"‏ ‏"‏وذكر سيبويه إمالة نحو أن يضربها‏"‏ عن أناس كثير من العرب، وقال صاحب المفصل‏:‏ وأما قولهم يريد أن ينزعها ويضربها، فشاذ، والذي سوغه أن الهاء خفية فلم يعتد بها‏.‏

الثالث‏:‏ أطلق في قوله‏:‏ ‏"‏وفصل الها كلا فصل‏"‏ وقيده غيره بألا ينضم ما قبلها احترازا من نحو ‏"‏هو يضربها‏"‏ فإنه لا يمال، وتقدم مثل هذا في الياء‏.‏

ولما فرغ من ذكر الغالب من أسباب الإمالة شرع في ذكر موانعها فقال‏:‏

وحرف الاستعلا يكف مظهرا‏.‏‏.‏‏.‏ من كسر أو يا وكذا تكف را

مواقع الإمالة ثمانية أحرف منها سبعة تسمى أحرف الاستعلاء، ويجمعها‏:‏ قظ خص ضغط‏.‏

والثامن‏:‏ الراء غير المكسورة، فهذه الثمانية تمنع إمالة الألف وتكف سببها إذا كان كسرة ظاهرة على تفصيل يأتي‏.‏

وعلة ذلك أن السبعة الأولى تستعلى إلى الحنك فلم تمل الألف معها طلبا للمجانسة‏.‏

وأما الراء فشبهت بالمستعلية؛ لأنها مكررة‏.‏

فإن قلت‏:‏ أطلق في قوله‏:‏ ‏"‏وكذا تكف را‏"‏ ولم يقيده بغير المكسورة‏.‏

قلت‏:‏ قد علم التقييد بذلك من قوله بعد‏:‏

وكف مستعل ورا ينكف‏.‏‏.‏‏.‏ بكسر را‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما إعراب قوله ‏"‏مظهرا‏"‏‏؟‏

قلت‏:‏ هو مفعول يكف، أي‏:‏ وحرف الاستعلاء يكف السبب المظهر من الكسرة والياء لا المنوي، فلا يمنع حرف الاستعلاء إمالة الألف في نحو ‏"‏هذا قاض‏"‏ في الوقف ولا ‏"‏هذا ماض‏"‏؛ لأن أصله ماضض، ولا إمالة باب خاف وطاب وطغى؛ لأن ما أميل للدلالة على شيء لا يمنعه حرف الاستعلاء‏.‏

تنبيه‏:‏

وقوله‏:‏ ‏"‏أو يا‏"‏ تصريح بأن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة تمنع الإمالة إن كان سببها ياء ظاهرة، وقد صرح بذلك في الكافية والتسهيل ولم يمثله‏.‏ وقول الزمخشري‏:‏ إن حرف الاستعلاء في غير باب خاف وطاب وطغى مانع من الإمالة، ظاهر في موافقته، وقال ابن حيان‏:‏ لم نجد ذلك في الياء؛ وإنما يمنع مع الكسرة فقط‏.‏

إن كان ما يكف بعد متصل‏.‏‏.‏‏.‏ أو بعد حرف أو بحرفين فصل

اعلم أن المانع المشار إليه، أعني حرف الاستعلاء والراء تمنع متأخرا عن الألف ومتقدما عليها، فإن تأخر فشرطه أن يكون متصلا نحو ‏"‏فاقد وباخل وناصح‏"‏ أو منفصلا بحرف نحو ‏"‏منافق ونافخ وناشط‏"‏ أو بحرفين نحو ‏"‏مواثيق ومنافيخ ومواعيظ‏"‏ فهذه ثلاثة أنواع تمنع إمالتها‏.‏

وأما المتصل أو المنفصل بحرف فقال سيبويه‏:‏ لا يمليها أحد إلا من لا يؤخذ بلغته‏.‏

وأما المنفصل بحرفين فنقل سيبويه إمالته عن قوم من العرب لتراخي المانع‏.‏ قال سيبويه‏:‏ وهي لغة قليلة، وجزم المبرد بالمنع في ذلك، وهو محجوج بنقل سيبويه‏.‏

وقد فهم مما سبق أن حرف الاستعلاء أو الراء، لو فصل بأكثر من حرفين لم يمنع الإمالة‏.‏

وفي بعض نسخ التسهيل الموثوق بها‏:‏ ‏"‏وربما غلب المتأخر رابعا‏"‏ ومثال ذلك‏:‏ ‏"‏يريد أن يضربها بسوط‏"‏ فبعض العرب يغلب في ذلك حرف الاستعلاء وإن بعد، وإن تقدم المانع على الألف فقد أشار إليه بقوله‏:‏

كذا إذا قُدم ما لم ينكسر‏.‏‏.‏‏.‏ أو يسكن إثر الكسر كالمطواع مر

يعني‏:‏ أن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة إذا تقدما على الألف منعا الإمالة ‏"‏بشرط أن يكون المانع غير مكسور أو ساكنا بعد كسر، فلا يجوز الإمالة‏"‏ في نحو ‏"‏طالب وصالح وغالب‏"‏ بخلاف نحو ‏"‏طلاب وغلاب‏"‏ ونحو ‏"‏إصلاح ومطواع‏"‏ فإن ذلك تجوز إمالته؛ لأن حرف الاستعلاء إذا كان مكسورا أو ساكنا بعد كسر لا يمنع الإمالة‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ من أصحاب الإمالة من يمنع الإمالة في نحو مطواع لأجل حرف الاستعلاء، ذكره سيبويه،ولم يذكر في المكسور خلافا‏.‏

الثاني‏:‏ ظاهر قوله‏:‏ ‏"‏كذا إذا قدم‏"‏ أنه يمنع، ولو فصل عن الألف، والذي ذكره سيبويه وغيره أن ذلك إذا كانت الألف تليه نحو قاعد وصالح‏.‏

وكف مستعل وار ينكف‏.‏‏.‏‏.‏ بكسر را كغراما لا أجفو

إذا وقعت الراء المكسورة بعد الألف كفت مانع الإمالة، سواء كان حرف استعلاء نحو‏:‏ ‏{‏عَلَى أَبْصَارِهِمْ‏}‏ أو راء غير مكسورة نحو‏:‏ ‏{‏دَارُ الْقَرَارِ‏}‏‏.‏

هذا ونحوه تجوز إمالته ولا أثر فيه لحرف الاستعلاء ولا للراء غير المكسورة؛ لأن الراء المكسورة غلبت المانع، فلم يبقَ لها أثر‏.‏

تنبيه‏:‏

من هنا علم أن شرط كون الراء مانعة من الإمالة أن تكون غير مكسورة، فيؤخذ منه إمالة نحو ‏{‏إِلَى حِمَارِكَ‏}‏ بطريق الأولى؛ لأنه إذا أميل نحو‏:‏ أبصارهم، وغارم، ودار القرار؛ مع وجود المقتضي لمنع الإمالة، فإمالة نحو حمارك مما لا مقتضى فيه للمنع أولى‏.‏

‏"‏ولا تمل لسبب لم يتصل‏"‏ يعني‏:‏ أن سبب الإمالة لا يؤثر إذا لم يتصل، يعني‏:‏ إذا كان من كلمة أخرى فلا يمال ألف ‏"‏سابور‏"‏ للياء قبلها في قولك‏:‏ ‏"‏رأيت يدي سابور‏"‏ لأنها منفصلة، وكذلك لو قلت‏:‏

ها إن تا عذرة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

لم تمل ألف ‏"‏ها‏"‏ لكسرة إن؛ لأنها من كلمة أخرى‏.‏

والحاصل أن شرط تأثير سبب الإمالة أن يكون من الكلمة التي فيها الألف‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ يستثنى من ذلك ألف ‏"‏ها‏"‏ التي هي ضمير المؤنثة في نحو ‏"‏لم يضربها، وأدر جيبها‏"‏، فإنها قد أميلت، وسببا منفصل‏.‏ أعني‏:‏ من كلمة أخرى‏.‏

الثاني‏:‏ ذكر غير المصنف أن الكسرة إذا كانت منفصلة عن الألف فإنها قد تمال الألف لها، وإن كانت أضعف من الكسرة التي معها في الكلمة، قال سيبويه‏:‏ وسمعناهم يقولون‏:‏ ‏"‏لزيد مال‏"‏ فأمالوا للكسرة، فشبهوه بالكلمة الواحدة، وليس كلام المصنف على عمومه‏.‏

والكف قد يوجبه ما ينفصل

يعني‏:‏ أن سبب المنع قد يؤثر وهو منفصل، أي‏:‏ ولو كان من كلمة أخرى نحو‏:‏ ‏"‏يريد أن يضربها قبل‏"‏ فلا تمال الألف لأن القاف بعدها، وهي مانعة من الإمالة، ولو انفصلت‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم أثر المانع منفصلا، ولم يؤثر سبب الإمالة منفصلا‏؟‏

قلت‏:‏ لأن الفتح -أعني ترك الإمالة- أصل، فيصار إليه لأدنى سبب، ولا يخرج عنه إلا لسبب محقق‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ فهم من قوله‏:‏ ‏"‏قد يوجبه‏"‏ أن ذلك ليس عند كل العرب، فإن من العرب من لا يعتد بحرف الاستعلاء إذا ولي الألف من كلمة أخرى فيميل، إلا أن الإمالة في المنفصل نحو‏:‏ ‏"‏مررت بمال ملق‏"‏ أقوى منها في المتصل نحو ‏"‏بمال قاسم‏"‏‏.‏

الثاني‏:‏ قال في شرح الكافية‏:‏ إن سبب الإمالة لا يؤثر إلا متصلا، وإن سبب المنع قد يؤثر منفصلا، فيقال‏:‏ ‏"‏أتى أحمد‏"‏ بالإمالة‏,‏ ‏"‏أتى قاسم‏"‏ بترك الإمالة، وتبعه الشارح في هذه العبارة، وفي التمثيل بأتى في قاسم نظر؛ فإن متقضاه أن حرف الاستعلاء يمنع إمالة الألف المنقلبة عن ياء، وليس كذلك‏.‏

وقد أمالوا لتناسب بلا‏.‏‏.‏‏.‏ داع سواه كعمادا وتلا

هذا هو السبب السادس من أسباب الإمالة، وهو التناسب، وعبر بعضهم عنه بقوله‏:‏ الإمالة للإمالة، وعبر عنه آخرون بقولهم‏:‏ الإمالة لمجاورة الممال؛ وإنما آخره لضعفه بالنسبة إلى الأسباب المتقدمة‏.‏

ثم إن إمالة الألف للتناسب لها صورتان، إحداهما‏:‏ أن تمال لمجاورة ألف ممالة كإمالة ثاني الألفين في نحو‏:‏ رأيت عمادا‏.‏

والأخرى‏:‏ أن تمال لكونها آخر مجاور ما أميل آخره، كإمالة ألف ‏"‏تلا‏"‏ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا‏}‏ فأميلت ألف تلاها ليشاكل اللفظ بها اللفظ بما بعدها‏.‏

وإلى هذا أشار بقوله ‏"‏تلا‏"‏ ومثل هذا شرح الكافية بإمالة ألفي ‏{‏وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى‏}‏ ليشاكل التلفظ بهما بما بعدها‏.‏

فإن قلت‏:‏ في تمثيله بتلا وضحى نظر، فإن ألفهما تجوز إمالتها لسبب غير التناسب؛ لأنها تئول إلى الياء إذا بني الفعل للمفعول، وقد تقدم بيانه، وإنما ينبغي تمثيل هذا النوع بما لا سبب لإمالته غير التناسب‏.‏

قلت‏:‏ السبب المقتضي لإمالة نحو دعا مما ألفه عن واو لم تعتبره القراء؛ ولذلك لم يميلوا هذا النوع حيث وقع، وإنما أمالوا منه ما جاور الممال، فلما أمالوا ‏"‏تلاها‏"‏ ونحوه وليس عادتهم إمالة ذلك، علم أن الداعي إلى إمالته عندهم إنما هو التناسب‏.‏

تنبيه‏:‏

استفيد من تمثيله فائدتان‏:‏

إحداهما‏:‏ التنبيه على صورتي الإمالة للتناسب كما سبق‏.‏

والآخرى‏:‏ أن الألف قد تمال لمناسبة الألف قبلها نحو ‏"‏عمادا‏"‏ فإن الألف الثانية أميلت لمناسبة الأولى ‏"‏وقد تمال لمناسبة ألف بعدها‏"‏ كإمالة ألف ‏"‏تلالها‏"‏ لمناسبة ما بعده مما ألفه عن ياء أعني ‏"‏جلاها ويغشاها‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ فلا جعلت إمالة ‏"‏ألف‏"‏ تلاها لمناسبة ما قبله أعني‏:‏ ضحاها‏؟‏

قلت‏:‏ ألف ضحاها عن واو، وإنما أميل لمناسبة ما بعده أيضا‏.‏

فإن قلت‏:‏ هي يقاس على إمالة الألف الثانية في ‏"‏عمادا‏"‏ لمناسبة الأولى‏؟‏

قلت‏:‏ ظاهر كلام سيبويه أنه يقاس عليه، فإنه قال‏:‏ وقالوا مغزانا في قول من قال‏:‏ ‏"‏عمادا‏"‏ فأمالهما جميعا، وذا قياس‏.‏ انتهى‏.‏

ولا تُمل ما لم ينل تمكنا‏.‏‏.‏‏.‏ دون سماع غير ها وغير نا

الإمالة من خواص الأفعال والأسماء المتمكنة؛ فلذلك لا تطرد إمالة غير المتمكن، نحو إذا وما، إلا ها ونا، نحو‏:‏ ‏"‏مر بها ونظر إليها، ومر بنا ونظر إلينا‏"‏ فهذان تطرد إمالتهما؛ لكثرة استعمالهما‏.‏

وأشار بقوله‏:‏ ‏"‏دون سماع‏"‏ إلى ما سمعت إمالته من الاسم غير المتمكن، وهو ‏"‏ذا‏"‏ الإشارية، و‏"‏متى‏"‏ و‏"‏أنى‏"‏ وقد أميل من الحروف‏:‏ بلى، ويا في النداء، ولا في قولهم‏:‏ ‏"‏إما لا‏"‏ لأن هذه الأحرف نابت عن الجمل، فصار لها بذلك مزية على غيرها، وحكى قطرب إمالة ‏"‏لا‏"‏ في الجواب؛ لكونها مستقلة، ومنع سيبويه ومن وافقه إمالة ‏"‏حتى، وحكى ابن مقسم الإمالة فيها عن بعض أهل نجد وأكثر أهل اليمن، وحكيت إمالتها عن حمزة والكسائي‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ لا تمنع الإمالة فيما عرض بناؤه نحو ‏"‏يا فتى‏"‏ و‏"‏يا حبلى‏"‏ لأن الأصل في ذلك الإعراب‏.‏

الثاني‏:‏ لا إشكال في جواز إمالة الفعل الماضي وإن كان مبنيا، قال المبرد‏:‏ وإمالة عسى جيدة‏.‏

فإن قلت‏:‏ قد يورد على كلام الناظم الفعل الماضي فإنه يطلق عليه غير متمكن كما قيل‏.‏

قلت‏:‏ إن سلم أنه يطلق عليه غير متمكن، فلوضوحه لم يذكره، وأيضا فقد تقدم أول الباب ذكر الإمالة فيه‏.‏

فإن قلت‏:‏ قول صاحب المفصل‏:‏ والأسماء غير المتمكنة يمال منها المستقل بنفسه نحو‏:‏ ذا ومتى وأنى، ولا يمال ما ليس بمستقل نحو‏:‏ ما الاستفهامية أو الشرطية أو الموصولة‏.‏‏.‏‏.‏ ونحو إذا، يقتضي أن إمالة ذات ومتى وأنى غير شاذ‏.‏

قلت‏:‏ لا إشكال في أن الإمالة في ذلك شاذة؛ لأن الألف في غير المتمكن أصل غير منقلبة ولا سبب لإمالتها، وكأنه أراد الإشارة إلى المعنى الذي لحظه من أمالها من العرب وهو الاستقلال، وإن كان ذلك مما لا يجعل سببا يقاس عليه‏.‏

والفتح قبل كسر راء في طرف‏.‏‏.‏‏.‏ أمل كللأيسر مِلْ تُكْفَ الكُلَفْ

اعلم أن الفتحة قد تمال كما تمال الألف؛ لأن الغرض من الإمالة مشاكلة الأصوات وتقريب بعضها من بعض، وذلك موجود في الحركة كما أنه موجود في الحرف، ولإمالة الفتحة سببان‏:‏

الأول‏:‏ أن تكون قبل راء مكسورة نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تَرْمِي بِشَرَرٍ‏}‏ و ‏{‏غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ‏}‏ ومل للأيسر، فإمالة ذلك ونحوه مطرد‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ فهم من قوله ‏"‏والفتح‏"‏ أن المال في ذلك الفتح، لا المفتوح‏.‏ وقول سيبويه‏:‏ ‏"‏أمالوا المفتوح‏"‏ فيه تجوز‏.‏

الثاني‏:‏ لا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف استعلاء نحو من البقر، أو في راء نحو بشرر، أو في غيرهما نحو من الكبر‏.‏

الثالث‏:‏ فهم من قوله‏:‏ ‏"‏قبل كسر راء‏"‏ أن الفتحة لا تمال لكسرة راء قبلها نحو رمم، وقد نص غيره على ذلك‏.‏

الرابع‏:‏ شرط أن شرط أن تكون الفتحة قبل راء، وظاهره أن مراده أن تكون متصلة كما مثل، فعلى هذا لو فصل بينهما لم تمل، وليس ذلك على إطلاقه، بل فيه تفصيل، وهو أن الفاصل بين الفتحة والراء إن كان مكسورا أو ساكنا غير ياء فهو مغتفر، وإن كان غير ذلك يمنع الإمالة؛ فتمال الفتحة في نحو ‏"‏أشر‏"‏ وفي نحو ‏"‏عمرو‏"‏ لا في نحو بجير، نص على ذلك سيبويه، ونبه عليه المصنف في بعض نسخ التسهيل‏.‏

الخامس‏:‏ شرط أن تكون الراء في طرف، وفي بعض نسخ التسهيل‏:‏ أن تكون لاما، وليس اشتراط ذلك بصحيح؛ لأن سيبويه قد ذكر إمالة فتحة الطاء في قولهم‏:‏ ‏"‏رأيت خبط رياح‏"‏ وذكر غيره أنه يجوز إمالة فتحة العين في نحو ‏"‏العرد‏"‏ والراء في ذلك ليست بلام، ولعله إنما خص الطرف لكثرة ذلك فيه‏.‏

السادس‏:‏ أطلق في قوله‏:‏ ‏"‏أمل‏"‏ فعلم أن الإمالة في ذلك جائزة وصلا ووقفا، بخلاف إمالة الفتحة للسبب الآتي، فإنها خاصة بالوقف‏.‏

السابع‏:‏ أهمل من شروط إمالة الفتحة لكسرة الراء شرطين غير ما ذكر‏:‏

أحدهما‏:‏ ألا تكون على ياء، فلا تمال فتحة الياء في نحو ‏"‏من الغير‏"‏ نص على ذلك سيبويه‏.‏

وذكره في بعض نسخ التسهيل‏.‏

والآخر‏:‏ ألا يكون بعد الراء حرف استعلاء نحو ‏"‏من الشرق‏"‏ فإنه مانع من الإمالة، نص على ذلك سيبويه أيضا‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهل يشترط ألا يتقدم على الفتحة حرف استعلاء‏؟‏

قلت‏:‏ لا؛ لأن الراء المكسورة تغلب المستعلى إذا وقع قبلها، فيمال نحو ‏"‏من الضرر‏"‏‏.‏

الثامن‏:‏ قد ظهر بما ذكرناه أن كلام الناظم في إمالة الفتحة لكسرة الراء غير محرر، وتحريره أن يقال‏:‏ تمال كل فتحة في غير ياء قبل راء مكسورة متصلة بها أو مفصولة بمكسور أو ساكن غير ياء، وليس بعد الراء حرف استعلاء‏.‏

التاسع‏:‏ منع سيبويه إمالة الألف في نحو ‏"‏من المحاذر‏"‏ إذا أميلت فتحة الذال، قال‏:‏ ولا تقوى على إمالة الألف، أي‏:‏ ولا تقوى إمالة الفتحة على إمالة الألف قبلها‏.‏ أمال هنا ألف ‏"‏المحاذر‏"‏ لأجل إمالة فتحة الذال، وضعف ما ذهب إليه ابن خروف بأن الإمالة للإمالة من الأسباب الضعيفة، فينبغي ألا ينقاس شيء منها إلا في المسموع، وهو إمالة الألف، لأجل إمالة الألف قبلها أو بعدها‏.‏

كذا الذي تليه ها التأنيث في‏.‏‏.‏‏.‏ وقف إذا ما كان غير ألف

هذا هو السبب الثاني من سببي إمالة الفتحة، فتمال كل فتحة تليها هاء التأنيث، إلا أن إمالتها مخصوصة بالوقف، وبذلك قرأ الكسائي في إحدى الروايتين عنه، والرواية الأخرى أنه أمال إذا كان قبل الهاء أحد خمسة عشر حرفا، يجمعها قولك‏:‏ فجئت زينب لذود شمس‏.‏ وفصل في أربعة يجمعها قولك‏:‏ أكهر‏.‏ فأمال فتحتها إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة على ما هو معروف في كتب القرءات‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏كذا الذي تليه ها التأنيث‏"‏ يعني به أن فتحة الذي تليه هاء التأنيث تمال، لا الحرف الذي تليه هاء التأنيث، وقد تجوز من عبر عن ذلك بإمالة هاء التأنيث‏.‏

الثاني‏:‏ إنما قال‏:‏ ‏"‏ها التأنيث‏"‏ ولم يقل‏:‏ تا التأنيث؛ لتخرج التاء التي لم تقلب ها، فإن الفتحة لا تمال قبلها‏.‏

الثالث‏:‏ لا فرق في هاء التأنيث بين أن تكون لمعنى التأنيث أو لغير ذلك، كالمبالغة نحو ‏"‏علامة‏"‏ فإن الإمالة جائزة في جميع ذلك؛ لأن هاء المبالغة هي هاء التأنيث‏.‏

الرابع‏:‏ خرج بقوله‏:‏ ‏"‏ها التأنيث‏"‏ ها السكت نحو ‏{‏كِتَابِيَهْ‏}‏ فلا تمال الفتحة قبلها، هذا هو الصحيح، وذهب ثعلب وابن الأنباري إلى جواز الإمالة فيما قبلها، وقرأ به أبو مزاحم الخاقاني في قراءة الكسائي‏.‏

الخامس‏:‏ استثنى المصنف مما ‏"‏كان‏"‏ قبل هاء التأنيث الألف، فإنها لا تصح إمالتها نحو‏:‏ الصلاة والحياة‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم يكن لاسثنائه الألف حاجة؛ لأن كلامه في إمالة الفتحة لا في إمالة الحرف، فلم تندرج الألف في قوله‏:‏ ‏"‏كذا الذي تليه ها التأنيث‏"‏ لأن مراده الفتحة فلم يشمل كلامه إلا كل مفتوح‏.‏

قلت‏:‏ هو كذلك، ولكن نبه على منع إمالة الألف لئلا يتوهم أن بهاء التأنيث تسوغ إمالة الألف كما سوغت إمالة الفتحة‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما وجه إمالة الفتحة قبل هاء التأنيث‏؟‏

قلت‏:‏ ذكر سيبويه أن سبب ذلك شبه الهاء بالألف، فأميل ما قبلها كما يمال ما قبل الألف، ولم يبين سيبويه بأي ألف شبهت، والظاهر أنها شبهت بألف التأنيث‏.‏

خاتمة لباب الإمالة‏:‏

ذكر بعضهم لإمالة الألف سببين غير ما سبق‏:‏

أحدهما‏:‏ الفرق بين الاسم والحرف، وذلك في ‏"‏را‏"‏ وما أشبهها من فواتح السور‏.‏ قال سبيويه‏:‏

وقالوا‏:‏ را ويا وتا، يعني بالإمالة؛ لأنها أسماء ما يلفظ به، فليست كإلى وما ولا وغيرها من الحروف المبنية على السكون، وحروف التهجي التي في أوائل السور إن كان في آخرها ألف فمنهم من يفتح ومنهم من يميل، وإن كان في وسطها ألف نحو كاف وصاد، فلا خلاف في الفتح‏.‏

والآخر‏:‏ كثرة الاستعمال، وذلك إمالتهم ‏"‏الحجاج‏"‏ علما في الرفع والنصب، وكذلك ‏"‏العجاج‏"‏ في الرفع والنصب، وذكره بعض النحويين، وإمالة ‏"‏الناس‏"‏ في الرفع والنصب‏.‏

قال ابن برهان في آخر شرح اللمع‏:‏ روى عبد الله بن داود عن أبي عمرو بن العلاء إمالة ‏"‏الناس‏"‏ في جميع القرآن مرفوعا ومنصوبا ومجرورا‏.‏

واعلم أن الإمالة لهذين السببين شاذة لا يقاس عليها، بل يقتصر في ذلك على ما سمع‏.‏ والله أعلم‏.‏