فصل: تفسير الآيات (45- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (45- 49):

{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}
{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق وَأَنتَ أَحْكَمُ الحاكمين}.
وبعد أن هدأت العاصفة، وسَكَن الهَول، ثارت الشفقةُ في قلب نوحٍ على ابنه، فنادى ربَّه ضارعاً مشفقا: يا ربّ، إن ابني منّي وهو من أهلي، وقد وعدتَ أن تنجّي أهْلي، ووعدْك هو الحقّ، وأنت أعدلُ الحاكمين.
{قَالَ يانوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين}.
قال الله تعالى: يا نوح، إن ابنك هذا ليسَ من أهلِك، بكفْره قد انقطعت الصِلةُ بينك وبينه، فهو عملٌ غير صالح. واحذر ان تطلبَ ما ليس لك به علم، فأنا أرشِدك إلى الحقّ لكيلا تكونَ من الجاهلين الّذين تُنسِيهم الشفقةُ الحقائقَ الثابتة.

.قراءات:

قرأ الكسائي ويعقوب: {انه عَملَ غيرَ صالح} والباقون {عملٌ غيرُ صالحٍ} وقرأ ابن كثير: {لا تسألن} بتشديد النون وفتحها. وقرأ نافع وابن عامر: فلا تسألَنِيّ.
{قَالَ رَبِّ إني أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وترحمني أَكُن مِّنَ الخاسرين}.
قال نوح: يا ربّ، إني ألجأ إليك فلا أسألُك بعدَ هذا ما لاعِلمَ لي بحقيقته، وإن لم تنفضَّلْ عليَّ بمغفرتِك، وترحمني أكْنْ في عِداد الخاسرين.
وفي هذه الآية دليل على أن الله تعالى يجازي الناس في الدنيا والآخرة بإيمانهم وأعمالهم، نلا بأنسابهم. انه لا يحابي أحدا لأجل الآباء والاجداد ولو كانوا من الأنبياء.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا فاطمة بنت محمد، واللهِ لا أُغني عنك من الله شيئا». فأساس الدين عندنا انه لا علاقة للصلاح بالوارثة والأنساب. وانما بالايمان والعمل الصالح.
{قِيلَ يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
قال تعالى: يا نوح، انزِل من السّفينة بسلامٍ منا، وأمْنٍ وبركاتٍ عليك.
ويسأل أناس كثيرون: هل كان الطوفان عاماً في الأرض جميعا، ام حدث في المنطقة التي كان يسكنها نوح وقومه، وأين كانت هذه الأرض؟
لم يرد نص صريح بذلك، وقد ودت رواياتٌ واسرائيليات كثيرة واخبرا غير مقطوع بصحتها، ولذلك نضرب عنها صفحا.
ثم ذكر الله تعالى لنبيّه الكريم أن هذا قصصٌ من عالَم الغيب لا يعرفه هو ولا قومه من قبل، قال: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الغيب نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا فاصبر إِنَّ العاقبة لِلْمُتَّقِينَ}.
ان هذه القصة عن نوح وقومه من أخبارِ الغيب التي لا يَعلمها الا الله، ما كنتَ تعلمُها يا محمد ولا قومُك من قبل هذا. فاصبِر على إيذاء قومك كما صَبَرَ الأنبياءُ قبلك، فان عاقبة الفوز للّذين يتّقون اللهَ بالإيمان والعمل الصالح.

.تفسير الآيات (50- 52):

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)}
فطرني: خلقني. مدرارا: كثيرا.
جاء ذكر عاد قومي النبي هود سبع مرات بدون ذكره هو صراحة، وذلك سورة المؤمنون، وفصلت، والاحقاف، والذارايات، والقمر، والحاقة، والفجر.
والقارئ لقصة هود مع قومه يراه إنسانا وقوراً رزيناً يزنُ الكلامَ قبل إلقائه، ويتجلى الإخلاص وحُسن النية على قسمات وجهه. فهو لا يقابل الشرَّ بمثله، بل لا يفارقه اللّينُ مع قومه أبداً، ويتلطف معهم بذكِر نعم الله عليهم ويرغَّبهم في الايمان، ويذكّرهم بما أنعمَ اللهُ عليهم به من اموال وبنين وجنات وعيون، وأنه زادَهم في الخلْق بَسْطَةً، وجعلهم خلفاء الأرض من بد قوم نوح، فإذا آمنوا حازوا رضي الله، فيرسل السماءَ عليهم مِدراراً لسقي زروعهم وإبناتِ الكلأ لماشيتهم، كما يزيدُهم عزّاً على عزّهم، وكان في كل محاوراته معهم واسعَ الصدر، مثالَ الحكمة والرزانة والأَناة.
وقد ذكرت قصة هود في سورة الاعراف بأُسلوب ونَظْمٍ يخالف ما هنا، وفي كل من الموضعَين من العظمة والعبرة ما ليس في الآخرة.
{وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يا قوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ}.
وأرسلْنا إلى قوم عادٍ أخاهم في النسَب والوطَن هودا، فقال لهم: يا قوم، اعبُدوا الله وحده، ليس هناك إلهٌ غيره، أما عبادتكم للأصنام والأوثان فهي محض افتراءٍ منكم على الله.
كانت مساكنُ عادٍ في أرض الأحقاف، في شمال حَضْرَمَوْت، وفي شمالها يوجد الرَّبْع الخالي، وفي شرِقها عُمان. وموضع بلادهم اليومَ رمالٌ خالية ليس بها أنيس. ولم يردْ ذِكرٌ لقوم عاد في الكتب القديمة سوى القرآن الكريم.
{ياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الذي فطرني أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.
يا قوم إنني لا أطلبُ منكم أجراً على تبيلغ رسالة ربي إليكم، فأَجري على من خلقني وبعني اليكم. أفلا تعقِلون ما ينفعُكم وما يضركم؟.
{وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ}.
يا قومُ اطلبوا المفغرةَ من ربِّكم على سلَفَ من ذنوبكم، ثم توبوا إليه توبةً صادقة، فإنه يَغِيثُكم بالمطر الغزير المتتابع، ويزيدُكم قوةً إلى قوتكم التي تغترّون بها، ولا تُعرِضوا عما أدعوكم اليه، وأنتم مصرّون على إجرامكم وآثامكم.

.تفسير الآيات (53- 56):

{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)}
الناصية: شعر مقدم الرأس، ومقدم الرأس.
{قَالُواْ ياهود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بتاركي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}.
قالوا: يا هود ما جئتَنا بحُجّةٍ واضحةٍ تؤيّد دعواك في أنك مرسَل من عندِ الله، ولن تركَ عبادةَ آلهتِنا قولك.
{إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك بَعْضُ آلِهَتِنَا بسواء قَالَ إني أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي برياء مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ}.
وبالَغوا في الردّ وقالوا: ما نقول فيك الا أن بعضَ آلهتنا قد أصابك بمسٍّ من جُنونٍ. فقال: مصرَّا على ايمانه متحدّيا: إني أُشهِد الله، وأشهِدكم على قولي إن أبرأ إلى اللهِ مما تُشركون به. واتحدّى أن دبِّرا كلَّ حيلةٍ لإهلاكي إذا استطعتم.
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
حتى إذا عجَزتم جيمعا، ولم يبقَ شُبهةٌ في أن آلهتكم لا تضرّ ولا تنفع، أجبتُكم أَني توكَلْ على الله واعتمدتُ عليه. هو ربّي وربكم. وليس في ها الكون من دابّةٍ الا هو مالكُ أمرِها يصرّفها كما يريد، فلا يُعجِزه حِفظُها من أذاكم. وهو عادل تجري كل أفعاله على طريق الحق والعدل، ولا يضيع عنده مظلوم.

.تفسير الآيات (57- 60):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}
{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي على كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}.
فان تُعرِضوا عن دعوتي لم يضرَّني إعراضُكم أبداً... لقد أبلغْتُكن رسالةَ ربي اليكم، وقد يُهلككمُ اللهُ ويستخلفُ قوماً غيركم في دياركم وأموالكم. وكذلك لا تضرون الله بإعراضكم عن الايمان، وهو رقيب على كل شيء من أعمالكم.
{وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}.
ولما نزلَ عذابُنا نجَّينا هودا والذين آمنوا معه من العذاب الشديد الذي نزل بقومه ثم ذلك سبب ما نزل بهم من البلاء فقال: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ واتبعوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}.
وتلك قبيلة عادٍ. لقد أنزلنا لهم نقمتنا لأنهم أنكروا الحججَ الواضحة، وعصَوا رسُل الله جميعا بعصيانهم رسولَهم، وطاعتِهم لأمر كل طاغية من رؤسائهم وكبرائهم.
{وَأُتْبِعُواْ فِي هذه الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة}.
ولقد لحقتْ بهم اللعنةُ في هذه الدنيا، وسوف تلحقهم يوم القيامة.
ثم اكد الله كفرهم بشهادته عليهم فقال: {ألا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ}.
فلْيعلم كلُّ الناس ان عاداً جحدوا خالقِهم عليهم ولم يشكروها بالإيمان، فبُعداً لهم. وهذا دعاء عليهم بالطرد عن رحمة الله.

.تفسير الآيات (61- 63):

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)}
أنشأكم من الأرض: اوجدكم منها. استعمركم فيها. جعلكم تعمرونها. مرجوا: نرجوا منك الخير. مريب: موجب للتهمة والشك. تخسير: خسران.
صالح هو الرسول الثاني من العرب، ورد ذِكره في القرآن تسع مرات، في سورة الأعراف ثلاث مرات، وفي سورة هود اربع مرات، وفي كل من الشعراء والنمل مرة واحدة. وجاء ذِكر ثمودَ في سورة الحِجْر، وفُصّلت، والذاريات، والنجم، والقمر، والحاقة، والشمس.
كانت مساكن ثمود بالحِجْر التي تُعرف اليوم بمدائن صالح، في شمال الحجاز، وآثارُها باقية إلى اليوم، وكانوا وثنيين يعبُدون الاصنام.
{وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يا قوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}.
وأرسلْنا إلى قوم ثمود رسولَهم صالحاً، فقال لهم: يا قومي، اعبدوا لله وحدَه، لي لكم آله غيره يستحق العبادة. لقد خلقَكُم من الأرض، ومكّنكم من عِمارتها، واستثمارها خَيراتِها، فاستغفِروه من ذنوبكم، ثم ارِجعوا إليه بالتوبة الصادقة، فهو قريبُ الرحمة مجيبٌ لمن دعاه.
{قَالُواْ ياصالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هذا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ}.
قالوا: يا صالح، لقد كنّا نرجو الخير فيك قبل هذه الدعوة، كنا نرى فيك حكمةً وأصالة رأي، فما بالك الآن؟ أتنهانا عن عبادة ما كان يعبُد آباؤنا؟ نحن في شكّ من دعوتك هذه إلى عبادة الله وحده، شكٍ يجعلُنا نرتابُ فيك وفيما تقول.
{قَالَ يا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ الله إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}.
قال صالح: أخبرني ان كنتُ على بَصيرةٍ من ربي، واعطني رحمةً منه لي ولكن، وهي النبوة والرسالة، ماذا اصنع؟ وكيف أخالف أمره وأعصيه؟ ومن يُعينني إن عصيتُه؟، إنكم لن تزيدوني غيرَ الضياعِ والوقوع في الخسران.

.تفسير الآيات (64- 68):

{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)}
الآية: المعجزة. ذروها: اتركوها فعقروها: قطعوا قوائهما ثم بعد ذلك ينحرونها. في داركم: في بلدكم. الصيحة: صوت الصاعقة. جاثمين: ساقطين على وجوههم. كأن لم يغنوا فيها: كأنهم لم يقيموا في تلك الديار.
يا قوم، هذه ناقةُ الله معجزةً لكم تشهدُ على صدقي، فاتركوها تأكل في الأرض ولا تَمَسُّوها بأذى فينزلَ بكم عذابٌ قريب. فعقروها... فقال لهم صالح: استمتعوا بحياتكم في بلدِكم ثلاثة ايام، ثم بعدَ ذلك يأتيكم عذابُ الله. هذا وعد من الله الذي لايًخلف وعده.
فلما نزل العذاب نجّى الله صالحا والذين آمنوا معه من الهلاك ومن فضيحة ذلك اليوم على السوء والله هو القوي العزيز.
واخذت الصَّيحةُ ثمود، فاصبحوا في ديارِهم هامدين ساقطين على وجوههم. يؤمئذٍ انتهى أمرُهم وباتت ديارُهم خاليةً مهجورة كأنهم لم يسكنوها. لقد كفر قوم ثمود بآيات ربهم، فبُعداً لهم. وهكذا كانت الخاتمة، تجيل الذنب وإتباعهم اللعنة، وهلاكهم إلى الأبد.

.قراءات:

قرأ نافع: {ومِن خزي يومَئذ} بفتح ميم يومَئذٍ. وقرأ الباقون بكسرها. وقرأ الكسائي {لثمودٍ} بكسر الدال وتنوينها. وقرأ حمزة وحفص عن عاصم ويعقوب: {ألا إن ثمودَ} بفتح الدال بدون تنوين. والباقون: {ثمودا} بالتنوين.