فصل: تفسير الآيات (16- 20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (16- 20):

{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)}
بعد أن بيّن الله تعالى أن كلّ من في السموات والأرض خاضعٌ لقدرته عاد إلى المشركين يسألُهم عدة أسئلةٍ ليُلزمهم الحجّةَ ويقنعهم بالدليل.
قُل لهم ايها النبي: من خَلَقَ السماواتِ والأرضَ؟ فإن لم يجيبوا فقُل لهم: إن الذي خلق هذا الكونَ وما فيه هو الله، ثم اسألهم وقل لهم: كيف اتّخذتم مِن دونِ الله أرباباً مع انهم لا يملكون لأنفسهم ولا لكم نفعا ولا ضرا!؟
ثم ضرب مثلاً للمشركين الذي يعبُدون الأصنامَ وغيرها من دون الله، والمؤمنين المصدِّقين بالله، فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير؟}.
هل يستوي الأعمى الذي لا يُبصر شيئاً ولا يهتدي، مع البصير الذي يُبصر الحقّ فيتّبعه.
ثم ضربَ مثلاً للكفر والايمان فقال: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور؟}.
لا يستوي الكُفر والإيمان، فالظلماتُ التي تحجُب الرؤيةَ هي التي تلفُّهم وتكفُّهم عن إدراك الحق الظاهر المبين.
ام جعلوا لله شركاءَ خلقوا كخلقه فاشتبه الأمرُ عليهم فلم يعرِفوا من خَلَقَ هذا ومن خلق ذاك، قل لم أيّها النبي: اللهُ وحده هو الخالقُ لكلّ ما في الوجود، وهو الواحد القهار الغالب على كل شيء.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: {هل يستوي الظلمات والنور} بالياء، والباقون {تستوي} بالتاء كما هي في المصحف.

.تفسير الآيات (21- 22):

{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)}
اكرمي مثواه: أحسني معاملته. المثوى: مكان الاقامة مكنا ليوسف: جعلنا له مكانه رفيعة. والله غالبٌ على امره: قادر عليه من غير مانع حتى يقع ما أراد، أو غالب على امر يوسف يدبره ويحوطه. بلغ اشده: استكمل قوته وبلغ رشده. آتيناه حكماًوعلما: وهبناه حكما صحيحا صائبا، وعلما بحقائق الاشياء.
انتهت محنة يوسف الاولى، وبدأ عهداً جديداً في بلدٍ جديد عليه، ومجتمع غريب مختلف عن بيئته واهله. هناك بيع يوسف لرئيس الشرطة في المدينة وقال رئيس الشرطة لزوجته: خذي هذا الغلام، اشتريتُه من أصحابه أكرمي مقامه عندنا لعلّه ينفعُنا أو نتهذه ولدا لنا. وأحبه سيَدُه كثيراً، فجعله رئيس خَدَمه، حتى لم يكن لأحد في الدار كلمة اعلى من كلمة يوسف سوى سيده وسيدته، كما قال تعالى: {وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض} الآية.
{وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث}.
ألهمناه قدراً من تعبير الرؤيا، ومعرفة حقائق الامور، والله غالبٌ على كل أمرٍ يريده، ولكنّ اكثرَ الناسِ لا يعلمون خفايا حِكمته ولطف تدبيره. ذلك أنا ما حدث ليوسف من اخوته، وما فعله الذي أخذوه حراً وباعوه عبدا، ثم ما وقع له من امرأة العزيز ودخوله السجن- كل ذلك كان من الاسباب التي أراد الله تعالى بها المكين ليوسف في الأرض.
ولما بلغ يوسف أشُدّه واستلكم قوته، اعطيناه حُكماً صائبا وعلماً نافعا، ومثلُ ذلك الجزاء العظيم نجازي بها المحسنين على احسانهم.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)}
وراودته: طلبت منه برفق ولين ومخادعة. هيت لك: هلم اقبل وأسرع. قال معاذ الله: قال اعوذ بالله. انه ربي: انه سيدي. احسن مثواي: احسن معاملتي فلا اخونه.
وراودته امرأة سيِّده عن نفسه، (وانه لتعبير لطيف محتشَم) وغلّقت أبواب قصرها وقالت: هلمّ، عليّ يا يوسف، فقد هيأت لك نفسي فقال يوسف: معاذ الله اخون ربّي وسيّدي ومالك نفسي... لقد أحسنَ إليّ غاية الاحسان، فكيف أخونه بعد كل هذا الاكرام!!
{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون}.
الذين يخونون من أحسن اليهم بالتعدي على اعراض الناس.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: {هَيْتَ لك} كما هي في المصحف. وقرأ ابن كثير: {هيت} بفتح الهاء وضم التاء مثل حَيْتُ. وقرأ نافع وابن عامر: {هيت} بكسر الهاء وفتح التاء. وروى هشام ابن عامر: {هِيئْتُ} يعني تهيأت لك.

.تفسير الآيات (24- 29):

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
وهذه محنة يوسف الثانية: لقد افتتنت امرأة العزيز بجماله، فأَشعل ذلك في نفسها جذوة الحب، فراودته عن نفسه، فأبى، وحاولت اغراءه بشتّى الطرق، حتى همت عن المعصية والخيانة، وثبت على طُهره وعفافه. بذلك صرف الله عنه سوء الخيانة والمعصية وظل هو من عباد الله الذين أخلصوا دينهم له.
وهرب منها.. فلحقت به عند الباب، وتعلقت بقميصه فشقته من خَلف. وفي تلك الأثناء جاء سيّدها. وصادف الحادث وهو يهمُّ بالدخول ومعه ابن عمها. فملا رأت زوجها ارادت ان تشفيَ غُلَّ صدرها وحنقها على يوسف لما فاتها من التمتع به، فقالت لزوجها: {مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سواءا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
لقد أرادت ان توهم زوجَها أن يوسف قد اعتدى علهيا، وطلبت منه ان يسجنه أو يعذّبه عذابا اليما. وهنا وقف يوسف وجهر بالحقيقة في وجه الاتهام الباطل، فقال: {هِيَ روادتْني عن نفسِي} لا أنا الذي فعلت. لقد حاولتْ ان تخدعني وتوقعني في المعصية. فقال ابن عمها: إن كان قميصه شُقّ من أمام، فقد صدقت وهو من الكاذبين، وان كان فميصه شُقّ من الخلف، فقد كذبت في قولها، وهو من الصادقين.
فلما رأى الزوج قميص يوسف تمزّقَ من خلْفٍ، قال لزوجته: إن اتهامك له باطل، وما الأمر الا من كيدكن معشر النساء، إن كيدَكن عظيم.
ثم التفت إلى يوسف، وقال له: يا يوسف، أعرِض عن هذا الأمر، اكتمه ولا تذكره أبداً. وقال لزوجته: اما انتِ فاستغفري لذنبك من هذا العمل الخطأ.
وانتهى الامر إلى هنا، ولم يوقع العزيزُ أية عقوبة على يوسف، لتأكده من براءته.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: {المخلصين} بكسر اللام والباقون: {المخلَصين} بفتح اللام كما هو في المصحف.

.تفسير الآيات (30- 35):

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
فتاها: عبدها قد شغفها حبا: شغاف قلبها، والشغاف: حجاب القلب الذي يغشّيه. وأعتدت لهن متكأ: وهيأت لهن مجلسا مريحا فاخرا. وأكبرنه: أعظمنه ودُهِشْنَ من جماله. وقطّعن ايديهنّ: جرحن أيديهن من فرط الدهش. حاش لله: تنزيها له استعصم: عفّ وامتنع عن المعصية. أصبُ اليهن: أمِلْ اليهن.
شاع نبأ حادثة امرأة العزيز وفتاها في ارجاء المدينة، ولاكته افواه النساء، وشرعن يَلُمْنها على فعلتها. وبلغ ذلك امرأة العزيز فأخذت تكيد لهن حتى يَعْذُرنها. وهكذا ارسلت الدعوة إلى طائفة من نساء عليه الوقم، وأعدّت لهن مجلساً من الوسائد والنمارق وقدّمت اليهن طعاماً، وأعطت كلاً منهن سكّينا تقشر بها الفاكهة. وحين اتخذْن مجالسهم قالت ليوسف: اخرج عليهن. فلما رأينه بهرنّ جماله، وألهاهن عن تقطيع الطعام والفاكهة، وجرحن أيديهن من فرط الدهشة والذهول، واعلنَّ لذلك الجمال، حتى قلن {حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا مَلَك كريم}.
حنيئذ باحت لهن امرأة العزيز بحبها ليوسف، وقالت: إن هذا التفى الذي بهركنّ حُسنه، هو الذي لمنَّني في شأنه، {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} وحاولت إغراءه، لكنه امتنع وعف، {وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن الصاغرين} وان لم يقبل فانه سيُسجن ويكون من الاذلة المقهورين. ولما سمع يوسف هذا التهديد والوعيد قال: يا رب، السجنُ احبُّ إلى نفسي مما يطلبنه مني، وان لم تُبعِدْ عنّي شرَّهن، أمِلْ إلى موافقتِهن، وأقعْ في شباك مكرهنّ، {وأكنْ من الجاهلين} الذين تستخفُّهم الاهواء والشهوات.
فاستجاب له ربه، فصرف عنه شرّ مكرهن، انه هو السميع لدعاء من تضرّع اليه، العليم بصدق إيمانه.
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينٍ}.
ولما فشت الفضحية في الناس، رأى العزيز ان يصدّع أمر زوجته ويسجنه، وبذلك كيفّ ألسنة الناس عنه وعن زوجته ويخلصُ من العار. كانت الدلائل كلها تشير إلى براءة يوسف وعفته وطهارته، ولكن امرأة العزيز المتغطرسة أمرت بالسجن، وزوجها نفّذ ذلك.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو ونافع: {حاشا} بالالف. والباقون: {حاش} بدون الف.

.تفسير الآيات (36- 38):

{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}
وهكذا، دخل يوسف السجنَ ظلماً، وهذه هي المحنة الثالثة والأخيرة من محن الشدة في حياة يوسف، فكل ما بعدها رخاء.
ودخل معه السجنَ فَتَيان، كان أحدهما رئيس الخبازين عند الملك، والثاني رئيسَ السقاة. وقد سُجنا لخيانة نُسبت اليهما كانت ستودي بحياة الملك.
وبعد أن استقر يوسف في السجن ظهر أمره للناس، وانه يختلف عن السجناء الآخرين. وفي ذات يوم جاءه صاحب شراب الملك واخبرنه انه رأى في منامه انه يعصر خمراً للملك، وجاءه الخباز وقال له: إني رأيتُ فوق رأسي طبقاً من الخبز تأكل منه الطيور، وطلبا اليه ان يفسر لكل واحد منهما ما رأى في منامه.
فانتهز يوسف هذه الفرصةَ ليُعلنَ لهم دِينَه ويدعوهم اليه، وقال لأهل السجن ينبئهم بمقدرته على تأويل الرؤيا: لن يأتيكما طعام الا نبأتكما بشأنه.
كل ذلك مما علّمني ربّي. ثم أضاف: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ}.
إني برئت من ملّة مَن لا يصدّق بالله ولا يقر بوحدانيته، ويعبد عدداً من الآلهة لا تضرّ ولا تنفع، لأن هؤلاء الناس يكفرون بالآخرة والحساب والجزاء. وبدلاً من ذلك، أجدُني اتبعتُ ملّة آبائي الذين دعوا إلى التوحيد الخالص وهم: إبراهيم وإسحق ويعقوب.
ثم بيّن أساس الملّة التي ورثها عن آبائه الكرام بقوله: {مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ}؟
وذلك كلّه من فضل الله علينا أهل بيت النبوة، {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ}.

.تفسير الآيات (39- 40):

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}
واسترسل يوسف يبيّن دينَه القويم... وبعد أن بين بُطلانَ الشِرك اتّجه إلى السائلَين وقال لهما: يا رفيقيَّ في السجن، هل عبادة أرابٍ كثيرين متفرّقين لا ينفعون ولا يضرون خيرٌ لكما ولغيرٍ كما، ام عبادةُ الله الواحدِ القهّار الذي له ملك السماوات والارض وبيده كل شيء؟.
ثم بيّن لهما ان ما يعبدونه ويسمّونه آلهةً انما هي من اختراعهم، وتسميةٌ من تلقاء انفسِهم توارثَها خَلَفٌ من سلف، ليس لها مستنَدٌ من عقلٍ ولا وحي سماوي. فقال: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ}.
وان هذه الأربابَ، سواءً كانت من البشرَ أم من غيرهم، ليستْ من الربوبية في شيء... انظروا، ليس لها قوّة ولا إرادة. اما الربوبية الحقّة فلا تكون إلا لله الواحِد القهار، لقد أمر ان لا تعبدوا سواه.
{ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ}. لا يدركون ماهم عليه من جهل وضلالة.