فصل: تفسير الآيات (41- 42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (41- 42):

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)}
بعد ذلك شرع يوسف يفسّر لهما الرؤيا فقال: يا صاحبي السجن، ما أحدُكما فسيعود إلى ما كان عليه، ساقيَ الملك وصاحبَ شرابه، واما الثاني فيُصْلَب ويُترك مصلوباً، فتقع عليه الطير وتأكل من رأسه، إن الأمر الذي يهُّمكما ويُشكل عليكما وتستفتيانني فيه قد اتّضح وانتهى حكمه.
ثم التفت يوسف إلى الذي اعتقدَ انه ناجٍ منهما، وهو ساقي الملك، فقال له: اذكر حالي عند سيدك يا هذا، عساه يُنصفني وينقذني مما أنا فيه.
فشغل الشيطان ذلك الرجلَ بعد أن خرج من السجن وأنساه ان يذكر للملك قصة يوسف. وهكذا مكث يوسف في السجن بضع سنين والبِضعُ من ثلاثٍ إلى تسع، ولا ندري كم المدة التي امضاها على التحديد.

.تفسير الآيات (43- 49):

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
سمان: جمع سمينة. عجاف: هزيلة مفردها اعجف وعجفاء. تعبرون: تفسرون. اضعاف احلام: احلام مضطربة يصعب تأويلها، والضغثُ وجمعه اضغاث: الحزمة من النبات أو من كل شيء. واذّكر: تذكّر بعد امة: بعد حين. تزرعون سبع سنين دأبا: دواما. سبع شداد: سبع سنين صاعب، تشتد على الناس تحصنون: تدخرون. يغاث الناس: من الغيث، وهو المطر والرحمة يعصرون: يستخرجون العصير مما يعصر كالزيت والعنب والتمر والقصب.
بعد أن أمضى يوسف عداً من السنين في السجن أراد الله ان يبعثَ بالفَرَج فهيَّأ الاسباب لذلك. اذ رأى الملك رؤيا أفزعته. لقد رأى سبع بقرات سمان ترعى في روضة، ثم جاءت سبع بقرات اخرى هزيلات قبيحات المنظر خرجت من النهر وأكلت البقرات الاولى السمان. كذلك رأيى سبع سنابل خُضْر حَسَنة طالعةً في ساق واحدة، واذا سبع سنابل يابسات خلفها قد فلحتْهن الريح تهجم على السنابل الخضر فتأكلها.
اسيتقظ الملك منزعجا لهذين المنامين، وفي الصباح دعا اليه بالسحرة وكبراء دولته، وقص عليهم الرؤيا وسألهم عن تأويلها فلم يجد عند احد جوابا. قالوا: {قالوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحلام بِعَالِمِينَ}.
هذه أحلام مضطربة ايها الملك.
وفي ذلك الوقت انتبه رئيس سقاة الملك، رفيق يوسف في السجن الذي فسر الرؤيا، وتذكّره، فقال للملك: إن في السجن شاباً ذكياً له علم في تعبير الرؤيا، فأرسِلوني اليه لأسأله عن تفسير هذهين المنامين. وأرسله الملك اليه فلما التقى بيوسف قال له: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}.
قال يوسف: سيأتي على مصر سبعُ سنين مخصبات تجود الأرض فيها بالغلاّت الوافرة، ثم يأتي ذلك سبع مُجْدِبة تأتي على المخزون من السِّنين السبع التي تقدمتها.
نصحهم أن يقتصدوا في السنين ويخزِنوا ما فضلَ عن القوت في سنبله، حتى إذا حلّ الجدبُ وجدوا ما يسدّ الرمق إلى أن يأتي الخصب من جديد.

.تفسير الآيات (50- 53):

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}
ما بال النسوة: ما شأنهن. ما خطبكن: ما شأنكن: حَصْحَص الحق: ثبت واستقر.
ولما عاد رئيس السقاة إلى الملك وأخبره بتأويل رؤياه سُرَّ الملك بذلك، وعَلِمَ أنه تأويلٌ مناسب مع الرؤيا فقال: ائتوني بيوسف، فلما جاؤوا ليوسف وطلبوا منه ان يخرج من السجن أبى حتى يعرف أمره على حقيقته. كذلك طلب إلى الرسول ان يعود ويسأل عن النسوة اللاتي قطعّن أيديَهن، فلما سألوهن قلن: حاشَ الله ما علمنا عليه من سوء، وأنكرن ان يكنّ سمعن شيئا عن شأنه امرأة العزيز.
ولما سمعت امرأةُ العزيز بشهادة النسوة، وان الأمر قد استبان على حقيته ببراءة يوسف، ورأت انه اصبح من هَمِّ ان يأتي بيوسف من السجن ليستخلصه لنفسه- أقّرت بجرميتها وباحت بما كتمته عن زوجها عدة سنين. فقالت: {الآن حَصْحَصَ الحق أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب}.
الحق أنني لم أنلْ من امانته أو أطعن في شرفه وعقته، بل صرّحتُ للنسوة بأني قد راودته عن نفسه لكنه تعفّف، وها أنذار أقرّ بهذا أمامَ الملِك ورجال دولته.
{وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين وَمَآ أُبَرِّئ نفسي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وبهذا الاقرار من امرأة العزيز انتهت تلك المحنة التي وقع فيها يوسف، وجاءت خاتمتُها خيرا.

.تفسير الآيات (54- 57):

{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}
أستخلصه لنفسي: أجعله خالصا لي. مكين أمين: ذو مكانة عالية وامانة. يتبوأ منها حيث يشاء: ينزل في أي مكان يشاء.
ولما ظهرت براءة يوسف للملك طلب إحضاره من السجن بعد أن وفّى له بما اشترط لمجيئه. فجاء يوسف، وكلّمه الملك فأُعجب بكلامه لما رأى من حسن تعبير يوسف ووفرة عقله وحكمته وقال له: «إنّك اليومَ لدينا مَكِين أمين» وسأله أي عمل يرضاه لنفسه ويكون فيه سروره؟ فقال يوسف: «اجعلّني على خزائنِ الأرض» وما يخرُجُ منها من الغلاّت والخيرات (غني حَفيظٌ عليم).
وقبل الملك عرضَه، فاستوزره، وبذلك انعم الله على يوسف نعمة جليلة، فجعل له سلطانا وقدرة في أرض مصر، يتبوأ منها حيث يشاء.
وهذا شأن الله في عباده، يهب نعمته لمن يختاره منهم، ولا يُضيع أجر المحسنين. وان ثوابه في الآخرة لأفضلِ واوفى لمن صدقوا به وبرسهل، وكانوا يتقون الشرك، ويخافون يوم الحساب.

.قراءات:

قرأ ابن كثير: {يتبوأ منها حيث نشاء} بالنون والباقون {حيث يشاء}.

.تفسير الآيات (58- 62):

{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)}
منكرون: لم يعرفوه. جهزهم بجهازهم: امر ان يعطوا من الطعام ما يريدون. خير المنزلين: خير من يضيف. سنراود عنه أباه: نخادع ونستميل برفق. لفتيانه: لغلمانه من الخدم. اجعلوا بضاعتهم في رحالهم: اجعوا ما جاؤا من البضاعة أو اوعيتهم.
مرت السنينُ السبع المخصِبة وأعدّ يوسف عُدَّته فيها، واتخذّ المخازنَ وملأها وخزو الغلاّتِ في غُلُفِها. ثم جاءت السني السبع المجدبة، واشتدَّ المحلُ والجفاف في جيمع أمحاء الأرض. وجاء المصريون إلى فرعون يطلبون القوتَ، فأحالهم الجدبُ بلاد الشام وأحسَّ أهلُ فلسطين الجوع وعِلِموا أن الطعام بصر موفور. فأرسل يعقوب أولاده ومعهم الجمال والبهائم إلى مصر لشراء القوت لأهلهم من هناك، ولما دخلوا على يوسف عرفهم ولم يعرفوه.. وذلك طبيعي، فقد فارقهم وهو غلام أضمرد، وها هو الآن قاربَ الأربعين، وقد كسته أبهة الملك مهابة، اما هم فانهم على حالتهم في مَلْبَسهم ولغُتِهم ومنظرهم لم يتغير منهم شي.
وأمرَ يوسف ان يكرَّموا في ضيافته، واعطاهم من المؤونة ما طلبوا، واخذ يحدّثهم ويسأل عن احوالهم سؤالَ الجاهلِ بها وهو بها عليم. فأخبروه ان لهم اباً شيخاً كبيرا ولهم أخر صغير يحبه أبوهم حبا جما ولا يريد ان يفارقه. وهو بنيامين شقيق يوسف. فقال لهم بعد أن جهزهم الجهاز الكامل: احضِروا اخاكم الصغير في المرة القادمة ولا تخافوا شيئا، وإلاّ فلا كيل لكم عندي ولا تأتوا الي، فقال له اخوته: سنراود عنه أباه.
وقد اكرمهم يوسف غاية الإكرم، وقال لفتيانه: ردوا اليهم بضاعتَهم التي دفعوها ثمناً للطعام، واجعلوها في أوعيتهم، فإنهم يعودون الينا.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي وحفص: {لفتيانه} كما هو في المصحف والباقون: {لفتيته}.

.تفسير الآيات (63- 66):

{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)}
متاعهم: اوعيتهم. يضاعتهم درت اليهم: هي ثمن ما كانوا أعطوه من الطعام. ما نبغي: ماذا نطلب وراء ما وصفنا لك من احسان الملك الينا؟ ونمِير أهلنا: نجلب لهم الطعام والمؤونة. عهدا. الا ان يحاط بكم: الا ان تغلبوا على امركم.
عاد إخوةٌ يوسف إلى أبيهم وأخبروه ان الوزير المسئول اكرمهم غاية الاكرام وأخبرهم انه سيمنعهم من شراء الطعام في المرة الآتية حتى يأتوه بأخيهم بنيامين، فتذكّر يعقوب امر يوسفَ، وكيف فرطوا به فقال لهم: {هل آمنكم عليه الا كما أمِنْتُكم على أخيه من قبلُ}(بنيامين)؟! وفتح إخوة يوسف متاعهم لاستخراج الطعام الذي أتوا به من مصر، فوجدوا نقودهم بحالِها، وعرفوا ان ما جاؤا به من الطعام كان مجّاناً. فكان ذلك مما شدّد عزائمهم في الكلام مع أبيهم، حين قالوا له: يا أبانا، ماذا نطلب اكثر من ذلك! هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا، فاذا سمحتَ بأخينا يذهبُ معنا فاننا نشتري الميرةَ (الطعام) لأهلنا، ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير، وهو شيء يسير عند الملك الكريم.
والظاهر ان القحط كان شديدا جعل يعقوب يسمح بسفر ابنه تحت شروط اشتراطها على اولاده، فقال لهم: لن ارسله حتى تؤتوني عهداً بالله لتعودون به إليّ الا إن عجزتم عن ذلك. فأعطوه عهدهم، وحينئذ قال: اللهُ على ما نقول وكيل.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي: {يكتل} بالياء، والباقون: {نكتل} بالنون.

.تفسير الآيات (67- 68):

{وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)}
اطمأنّ يعقوبُ إلى عهد أبنائه، ثم دفعتءه الشفقة والحرص عليهم إلى ان يوصيهم بدخول مصر من ابواب متفرقة، لكي يلفتوا الأنظار عنهم عند دخولهم، ولا تترقّبهم أعين الطامعين. ثم قال: {وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ} وليس في قدرتي ان ادفع عنكم أذى، فالحكم في تدبير العالم ونَظْم الاسباب لله وحده، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون}.
ولقد استجابوا لوصية ابيهم، فدخلوا من أبوابٍ متفرقة، وما كان ذلك ليدفع عنهم أذًى كتبه الله لهم، ولكنها حاجةٌ في نفس يعقوب، وكان من باب شفقة الأب على أبنائه.

.تفسير الآيات (69- 76):

{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)}
آوى اليه اخاه: ضمه اليه. لا تبتئس: لا تحزن السقاية: وعاء يسقى به ويُكال به الطعام، وهو المراد الملك. العير: القافلة من الابل والبغال والحمير. زعيم: كفيل.
ولما دخل اخوة يوسف عليه انزلهم منزلا كريما، واختص أخاه بنيامين بأن ضمّه إليه وأسرّ له قائلا: إني اخوك يوسف، فلا تحزنْ بما كانوا يصنعون معك، وما صنعوه معي.
ثم إنه أكرم وفادتهم، وكال لهم الطعام، وزادهم حِمْلَ بعير لأخيه وجهّزهم للسفر، لكنّه أمر أعوانه ان يدسّوا كأس شراب الملك في أمتعة أخيه بنيامين. وغادر القومُ، فنادى مناد: أيها الركْب القافلون بأحمالهم، قِفوا إنكم لسارقون.
ارتاع إخوة يوسف للنداء، واتجهوا إلى المنادين يسألونهم: ما الذي ضاع منكم، أي شيء تفقدون؟ فأجابهم هؤلاء: لقد سرقتم سقاية الملك يوسف، ونحن نعطي لمن جاء به حِمل بعير من المؤونة.
فقال اخوة يوسف وقد فوجئوا بهذا الاتهام: إن اتهامكم ايّنا بالسرقة أمر عجيب. {مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرض وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ}.
فقال فتيان يوسف وقد فوجئوا بهذا الاتهام: إن اتهامكم ايّانا بالسرقة أمر عجيب.
فقال فتيان يوسف وأعوانه لإخوته: فما جزاء من سرق صواع الملك ان ظهر انه عند احدكم؟ قالوا: من وجدتم ذلك في رحله فجزاؤه ان يؤخذ عبدا للملك، {كذلك نَجْزِي الظالمين}.
فتش كبير الأعوان وأحمالهم، مبتدئاً بالكبير منتهيا بالصغير، فوجد السقايةَ في عِدْل بنيامين. {كذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ} وبذلك نجحت حيلته، وحق له ان يحتجز أخاه. ورجع بقية الإخوة إلى مصر ودخلوا على يوسف مستعطِفين مسترحِمين. عند ذاك لامهم يوسف على ما صنعوا بعد أن اكرمهم وأحسن اليهم.
ثم علّل الله ما صنعه من التدبير ليوسف بقوله: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الملك إِلاَّ أَن يَشَآءَ} ولولا هذا التدبير على يوسف ان يضم أخاه اليه. فنحن {الله نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ} بالعلم والنبوة، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.