فصل: سورة الرعد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.سورة الرعد:

.تفسير الآية رقم (1):

{المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)}
ألفْ ميم راء صوتيّة، وقد سبق الكلامُ عليها في سورة البقرة تبدأ بها بعض سورة القرآن، وهي تشير إلى أنه معجز مع انه مكوذن من الحروف.
إن تلك الآياتِ العظيمةَ هي هذا القرآن، الكتاب العظيم الذي نزل عليك أيها النبي، بالحق والصدق من الله الذي خلقك، ولكنّ اكثرَ الناس لا يصدّقون بما جاء بهم من الحق.
هكذا تبدأ السورة بقضية من قضايا العقيدة: قضيةَ الوحي بهذا الكتاب، والحق الذي اشتمل عليه، وتكل هي قاعدةٌ بقية القضايا من توحيد الله، والايمان بالبعث والجزاء، والعمل الصالح في هذه الحياة- فكلُّها متفرعة عن الإيمان بالله، وان هذا القرآن وحي من عنده.

.تفسير الآيات (2- 4):

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)}
بغير عمد: العمد جمع عمود وهي السواري. مد الأرض: بسطها. رواسي: جبال ثابتة يغشى الليل النهار: يغطيه ويستره. جنات: بساتين. صنوان وغير صنوان: الصنو، النظير والمثل، وجمعنا صنوان. والمراد هنا النخلات الكثيرة يجمعها اصل واحد. وغير صنوان: متفرقات ومن اصول شتى. الأُكُل: ما يؤكل.
بعد أن ذَكّر اللهُ تعالى أن أكثر الناس لايؤمنون، بدأ هنا باستعراض آياتِ القدرة، وعجائب الكون الدّالة على قدرة الخالق وحمته وتدبيره، وما في هذا الكون من امور تدل على وجوده ووحدانيته، بعضها سماويّ، وبعضها أرضي.
{الله الذي رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ استوى عَلَى العرش وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأمر يُفَصِّلُ الآيات لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}.
ان الله الذي أنزلَ هذا الكتابَ هو الذي رفع ما ترون من سمواتٍ تجري فيها النجوم بغير أعمدٍ تثرى ولا يعلمها إلى الله، ثم مَلَكَ هذا الكونَ باستيلائه على العرش، وسخّر الشمس والقمر وجعلهما طائعين، فكلُّ يسيرُ في مدارٍ له لوقتٍ معين بنظام عجيب. وهو سبحانه يدبرّ كل شيء، ويبيّن لكم آياتِه الكونيةَ الدالة على القدرة الكاملة والحكمة الشاملة.
{لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}.
حين ترون هذه الآيات مفصّلة منسقة.
وبعد أن ذكر سبحانه الدلائل السماوية على وحادنيته أردفها بالأدلة الأرضية فقال: {وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثمرات جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثنين يُغْشِي الليل النهار إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وهو سبحانه الذي بسط لكم الأرض، وجعلا متَّسةً تسيرون فيها شرقا وغربا، وهي لِعظَمِها تظهر مبسوطة مع أنها مكوّرة (وهذا أيضاً من عجائب الكون) وجعل فيها جبالاً ثابتة راسيات وانهاراً تجري لمنافع الإنسان والحيوان. وقد جعل في هذه الأرض زوجين اثنين، ذكراً ونثى، من كل أصناف الثمرات. ويتم التلقيح بينهما تلقائيا إذا كان في شجرة واحدنة أو بواسطة الهواء، إذا كانا في شجرتين.
وانه تعالى يُلبِس النهارَ ظلمةً الليل فيستره فيصير الجو مظلماً، وكذلك يلبس الليل ضياءَ النهار فيصير الجوُّ مضيئا، ان في هذا الكون وعجائبه لَعلاماتٍ بينّةً تثبت قدرة الله ووحدانيته للذين يتفَكّرون.
{وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
وفي الأرض ذاتها عجائب، فهنالك قطع من الأرض يجاور بعضُها بعضا، ولكنها تختلف في التفاضُل، فبعضها قاحل لا يُنبت، وبعضها خِصب جيد التربة ينبت أفضل الثمرات ومنها صالحةٌ للزرع دون الشجر، وأخرى مجاروة لها تصلُح للشجرة دون الزرع، وفيها زرع من كل نوع وصنف، وخيل صنوان يجمعها أصلٌ واحد وتتشعب فروعها، وغير صنوانٍ متفرقة مخلتفة الاصول.. وذلك كلُّه يُسقى بماءٍ واحد لكنه يعطي طعوماً مختلفة.
{إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
ويقدّرون قدرةَ الخالق وحكمته وله يشكرون.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وحفص: {وزرعٌ ونخيل صنوان وغير صنوان} بالرفع والباقون بالجر. وقرأ ابن عامر ويعقوب وعاصم {يُسقى} بالتذكير كما هو في المصحف، وقرأ حمزة والكسائي {يفضّل} بالياء والباقون: {نفضّل} بالنون.

.تفسير الآيات (5- 7):

{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)}
الاغلال: واحدها غُل وهو طوق من حديد. السيئة: النقمة. الحسنة: النعمة. المثلات: مفردها مثلة بفتح الميم وضم الثاء. العقوبة والتنكيل بحيث تترك اثرا من تشويه ونحوه.
{وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ؟}.
ان أمْرَ المشركين مع كل هذه الدلائل لَعَجَب، فإن كنت تعجب يا محمد، فالعجب هو قولُهم: أبعدَ الموت وبعد أن نصير ترابا سوف نخلق من جديد؟ ان الذي خلق هذا الدون ودبره قادر على إعادة الناس في بعث جديد.
{أولئك الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدونَ}.
كل هذه أوصافٌ للمنْكِرين للبعث، فمثل هذه الاقوال لا تصدر الا عن الذين كفروا بربِّهم، لقد أغلقوا عقولهم وقيدّوها بالضلال وجزاؤهم يوم القيامة أغلالٌ في أعناقِهم يقادون فيها إلى النار.

.قراءات:

قرأ ابن عامر: {إذا كنا} بهمزة واحدة والباقون {أإذا} بهمزتين على الاستفهام. وقرأ نافع وابن كثير ورويس {أاذا} بتخفيف الهمزة الأولى وتليين الثانية.
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ المثلات وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ العقاب}.
ثم العجبُ منهم أنهم يستعْجِلونك يا محمد أن تأتيَهم بعذابِ الله، بدلاً من أن يطلبوا هدايتَه ورحمته.
لقد مضت العقوباتُ الفاضحة النازلةُ على أمثالهم ممّن أهلكهم الله، وان ربَّك لذُوا عفوٍ وصفحٍ عن ذنوب التّوابين من عباده وان ظَلموا أنفسضهم فترة، لكنه شديد العقاب لِمَن يستمر على ضلاله.
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}.
وهم يطلبون منك آيةً خارقة، والخوارق ليست من عَمَلِ الرسل ولا اختصاصهم. انما يبعث الله بها مع الرسولِ ولا اختصاصهم. انا يبعث الله بها مع الرسول حين يرى بحكمتِه أنها لازمة. ولستَ ايها النبي الا منذراً لهم ومحذراً ولكل قومٍ هاد يهديهم إلى الحق ويدعوم إلى سبيل الخير.
الاغلال: واحدها غُل وهو طوق من حديد.

.تفسير الآيات (8- 11):

{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}
وما تغيض الارحام: ما تنقص غاض: نقص وغاب. عالم الغيب والشهادة: الغيب كل ما هو غائب عنا، والشهادة: الحاضر المشاهد. المتعالي: المستعلي على كل شيء. سارب: ذاهب على وجهه، ويقال سرب في حاجته. معقبات: ملائكة يحفظونه. من وال: من ناصر.
الله يعمل ما تحمله كل انثى في غيابات الأرحام من ذَكرٍ أو أنثى، واحداً أو اكثر، وما تنقصه تلك الارحام من خلوِّها من الولد، وما تزداد بولادتها وقتاً بعد آخر.. كلُّ شيء عنده بقَدْرٍ معلوم وله زمان معلوم.
{عَالِمُ الغيب والشهادة الكبير المتعال}.
هو الذي يعمل ما احتجَبَ وغاب عن حِسِّنا، كما يعمل ما نشاهده في حاضِرنا عِلماً أعظمَ مما نشاهد ونرى، وهو سبحانه الكبيرُ العظيمُ المستعلي على كل شيء.

.قراءات:

قرأ ابن كثير: {المتعالي} باثبات الياء.
ثم بين الله تعالى ان عِلْنه شاملٌ لجميع الأشياء فقال: {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بالليل وَسَارِبٌ بالنهار}.
ان عِلْمَه شاملٌ لكلّ شيء في هذا الوجود، يعلَم كلَّ أحوالِكم وأقوالكم في حياتكم، ومن أسرَّ القولَ أو جَهَر به عندَه، سواءٌ، لأنه يعلم استخلفاءَكم باللَّيل، وظهروكم بالنهار.
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ....}.
كل واحدٍ من الناس له ملائكة تحفَظه بأمرِ الله، وتتناوبُ عل حفظه في كل حال.
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
ان الله تعالى لا يغير النعمة علة قوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهِم، وكذلك لا يغير ذلة أو مهانة الا ان يغير الناس من اعمالهم وواقع حياتم، وأكبر دليلٍ على ذلك واقُعنا اليوم من تفكّك وتمزق... فنحن العربَ والمسلمين نملك اكبر ثروة في العالم، ونعيش على أعظم بقاع الأرض، ومع ذلك نعاني من الذل والفقر والمرض والجهل وكل ذلك بسبب تردي أحوالِنا وبُعدِنا عن ربّنا، وفي ذلك عبرة كبيرة لنا.
{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}.
اذا أراد اللهُ ان يُنزلَ بقومٍ ما يسوءهم فليس لهم ناصرٌ يحمِيهم من أمْرِه، ولا من يتولّى امورَهم فيدفع عنهم ما ينزل بهم.

.تفسير الآيات (12- 16):

{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)}
شديد المحال: شديد القوة والكيد. الضلال: جمع ظل وهو خيال الشيء. الغذو: اول النهار. الآصال: جمع اصيل، وهو ما بين العصر والمغرب.
{هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئ السحاب الثقال}.
ان آثاره قدرةِ الله في الكون ظاهرة، والبرقُ من هذه الظواهر الكونية العجيبة، فهو الذي يسخّر البرقَ فيخافه بعضُ الناس خشية الضرر على محصوله من نزولِ المطر أو ما يترتّب عليه من الصواعق، ويطمع فيه بعضُهم رجاءَ نزول الغيث لسقي الزرع.. فبعضهم يخاف وبعضُهم يطمع في الخير من ورائه، والله تعالى هو الذي ينشء السحابَ المملوءة بالأمطار فيغيث بها الزرعَ والضرع.
{وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال}.
ويسبِّح الرعدُ بدَلالتِه على وحدانية الله بحمدِه وتقديسه، فهذا الصوتُ المدوِّي في السماوات إنما هو حمدٌ وتسبيحٌ بالقدرةٍ التي صاغت هذا النظام، ويسبِّح الملائكةُ الكرامُ من هيبته وجلاِله. ثم تتم الصورةُ الرهيبة المشمولة بالرهبة والابتهار والبقرِ والرعدِ والسحابِ الثقال، بإرسال الصواعق، فيُصيب الله بها من يشاء.
ومع كل هذه الآيات والظواهر الكونية العجيبة يجادلُ الكفّار في شأن الله ووحدانِته وتفرُّدِه بالمُلْك، وهو سبحانه لا يغالب، فهو شديدٌ في عقوبة من طغى عليه وتمادى في كفره.
روى الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنَّسائي عن ابن عمر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعَ صوتَ الرعد والصواعق يقول: اللهمَّ لا تقتلْنا بغضَبك، ولا تُهلكنا بعذابك وعافِنا قبلَ ذلك».
{لَهُ دَعْوَةُ الحق والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المآء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ}.
المشرِكون المعاندون يجادلون في الله وينسبُون إليه شركاءَ يدْعونهم معه، ودعوةُ الله هي وحدَها الحق، وما عداها باطلٌ ذاهب. وفي هذا وعيدق للكفار على مجادَلَتهم الرسولَ الكريمَ في الله. هذا ما ان الّذين يدعونهم من الآلهة المزيَّفة من دونِ الله لا يَستجيبون دعاءَهم ولا يُنجِدونهم بشيء، ومثلُهم في ذلك كَمَن يبسُط كفّيه ليأخذَ بهما ماءً إلى فمه، وهياتً ان يحصَل على شيء.
{مَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ}. في ضياعٍ وخسارة بدون فائدة.
ثم بيَّن الله تعالى عظيم قدرته فقال: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بالغدو والآصال}.
في الوقت الذي يتّخذ الجاحدون آلهة من دون الله، ويتوجَّهون إليهم بالرّجاءِ والدعاء، نرى كلَّ من في هذا الكون يخضعُ لإرادته ويعنُون لعَظَمته من أناس وجِنّ وملائكةٍ طائعين أو كارهين، حتى ظِلالُهم خاضعةٌ لأمرِ الله ونَهْيِهِ في جميع أوقات النهار، وفي هذا تعميم لكل شيء.
عند قراءة هذه الآية يُسَنّ للقارئ والمستمع ان يسجد.