فصل: تفسير الآيات (35- 38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (35- 38):

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
الأكل: ما يؤكل. الاحزاب: الكفرة الذين تحزبوا على رسول الله. المآب: المرجع. الواقي: الحافظ.
{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عقبى الذين اتقوا وَّعُقْبَى الكافرين النار}.
بعد أن ذَكَر اللهُ تَعالى ما أعَدّه للكافرين من العذاب في الدُّنيا والآخرة، أتْبعَهُ بذِكر ثوابِ المتقين، فإذا كان لِلجاحدينَ العذابُ الدائم، فإن للؤمنين الجنةَ ونعيمَها، وتجري تحت أشجارها هذه الجنة، أنهار عذبة الماء، وثمراتُها دائمة لا تنقطع، وظِلُّها ظليلٌ دائم. هذه عاقبةُ المؤمنين الذي وَقَوا أنفُسَهم بالإيمان والصلاح، أما الذي كفروا فلهم النارُ وبئس القرار.
{والذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ}.
إن فريقاً من الذين أُوتوا الكتابَ من اليهود والنصارى الذين آمنوا وصدّقوا يفرحون بما أُنزل من القرآن، لأنّهم يَجِدون فيه مصداقاً للقواعد الأساسية في عقيدة التوحيد وامتداداً للرسالة الالهية، ومن هؤلاء مَن آمن مثل عبد الله بن سلام واصحابه، وبعض النصارى من الحبشة ونجران واليمن.
{وَمِنَ الأحزاب مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ}.
ومن الّذين تحزَّبوا ضدَّ الإسلام من كفارِ قريش وغيرهم من أهل الاديانِ السابقة مَنْ ينكِر بعضَ ما أُنزلَ إليك عناداً وكفرا.
{قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله ولا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}.
قلْ أيّها النبي: إنّي أُمرت بأن أعبدَ الله حدَه، ولا أُشرِكَ في عبادتِه أحداً، إلى عبادته وحدَه أدعو الناس وإليه مرجعي ومصيري.
{وكذلك أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً}.
وكما أرسلْنا قبلك المرسَلين ونزلْنا عليهم الكتبَ، أنزلنا عليك القرآن حكماً عربياً بِلسانك ولسن قومك، فهو حاكمٌ لأن فيه بيانَ الحلال والحرام وجميعَ ما يَحتاجُ اليه المكلَّفون مما يوصِلُهم إلى السعادة في الدُّنيا والآخرة.
{وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ}.
لئن اتّبعت أهواءَ الاحزابِ ابتغاءَ رِضاهم بعد ما منحك اللهُ من العلم اليقين، فليس لك من دون اللهِ وليُّ ولا ناصرٌ ينصرك. ان ما يقولُه الأحزابُ اهواءٌ لا تستندُ إلى عِلم أو يقين.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}.
اذا كان هناك اعتراضٌ على بشريّةِ الرسول الكريم، وانه تَزوَّج النساءَ، وله أولادٌ وذرية، فقد كان الرسُل الذين أرسلناهم من قبلِه بشراً وكانوا يتزوَّجون ولهم نساءٌ وذرية.
{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}.
اذا كان يعترضُ بعضُهم من المتعنِّين ويطلب من الرسول ان يأتيَ بخارقةٍ ماديّة، فذلك ليسَ من شأنِه، إنّما هو من شأنِ الله، وهو الذي يقدّر ذلك يدبّره بحكمتِه ومشيئتنه، ولكل أمرٍ كبته اللهُ اجلٌ معين ووقت معلوم.

.تفسير الآيات (39- 43):

{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
الاطراف: الجوانب. لا معقب لحكمه: لا راد له. ام الكتاب: أصله.
{يَمْحُواْ الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب}.
ينسَخُ الله ما يشاء من الشرائع، ويُحِلُّ محلَّها ما يشاء ويثبته، وعنده أصلُ الشرائع الذي لا يتغيّر، فما انقضَتْ حكمتُه يمحوه، وما هو نافعٌ يثبته حسبما تقتضيه حكمتُه، ولا رادَّ لقضائه.
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب}.
ولئن أَرَيْناك ايها الرسول بعض الذي نَعِدُ هؤلاء المشركين من العقاب، أو توفَّيناك قبل ان نُريَك ذلك، فليس عليك الا تبليغُ رسالةِ ربك، لا طَلَبَ صلاحِهم، وعلينا محاسبتُهم ومجازاتهم باعمالهم.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الحساب}.
ألم يروا ان قوةَ الله فوق كل شيء، فهي تأتي الأممَ القوية الغنية حين تَبْطَر وتكفر وتفسِد فَتُنقِص من قوتها ومن ثرائها وقدرتها، وتحصرها في رقعة من الأرض ضيقة بعد أن كانت ذات سطان وحكم وامتداد! وإذا حكَمَ الله عليها بالنقص والتدهور فلا رادَّ لحكمه، وهو سريع الحساب.
وللمفسرين القدماء آراء كثيرة ومتعددة، وكذلك لبعض المفسّرين المعاصرين تأويل عن سرعة دوران الأرض وما ينتج عنها من تفلطح ونقص في طرفيها، وكل ذلك حَدْس وخبط.
وبعدَ ذلك بَيّن اللهُ ان قومَ النبيّ عليه الصلاة والسلام ليسوا ببِدْعٍ في الأمم، فقد مكر كثيرٌ ممن قبلَهم بأنبيائهم فأخذَهم اللهُ فقال: {وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ المكر جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الكفار لِمَنْ عُقْبَى الدار}.
وقد مكر كثير من كفار الأمم الماضية بانبيائهم، ثم دارت الدائرة على الظالمين، وأهلك الله المفسدين، ولله سبحانه تدبير الامر كله في حاضر الكافرين ومستقبلهم، وهو يعمل ما تعمله كل نفس، وسيعلمون يوم القيامة لمن تكون العاقبة الحسنة.
وفي هذا تسلية للرسول الكريم وتعبير بان العاقبة له لا محالة، وقد حقق الله له وعده.
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب}.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقف من اليمن فقال له الرسول الكريم، هل تجِدني في الإنجيل رسولا؟ قال: لا فنزلت هذه الآية، وتكون ختام سورة الرعد بإنكار الكفار للرسالة، وقد بدأها الله تعالى بإثبات الرسالة، فيلتقي البدءُ والختام بقوله تعالى: {قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي حسْبي الله شاهدا بتأييد رسالتي {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} وهو من اسلم من اليهود والنصارى وغيرهم.
اخرج انب جرير وابن المنذر عن قتادة قال: كان من أهلِ الكتاب قوم يشهدون بالحق ويعرفونه منهم عبدُ الله بن سلام والجارودُ وتميم الداري وسلمان الفارسّي رضي الله عنهم.

.سورة إبراهيم:

.تفسير الآيات (1- 4):

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)}
{الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِرَاطِ العزيز الحميد}.
الف. لام. را. لقد أنزلنا اليك يا محمد هذا الكتاب المؤلف من جنس هذه الأحرف لتخرجَ به البشريةَ من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم، وذلك بإذن الله وتوفيقه ولطفه بهم، وتقودهم إلى الطريق إلى الله.
{الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}.
إن العزيزَ الحميد هو الله، مالكُ ما في السموات وما في الأرض، الغنيُّ عن الناس، والمسيطر على الكون وما فيه، والويل والعذاب للكافرين يوم القيامة لأنهم لم يستجيبوا لدعوة الرسول الكريم.
ثم وصف الله أولئك الكافرين بصفات ثلاث.
الأولى: {الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا عَلَى الآخرة}.
يختارون الحياة الدنيا ومتعها ولذّاتِها دون ان يعملوا لآخرتهم شيئا.
والثانية: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يمنعونِ الناس عن شريعة الله.
والثالث: {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} ويردون ان تكون الشريعة معوجّة لا استقامة فيها لينفّروا الناس منها.
{أولئك فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} اولئك الموصوفون بهذه الصفات قد ضلّوا عن الحق، وبعُدوا عن الطريق المستقيم.

.قراءات:

قرأ نافع وابن عامر: {الله} بالرفع، والباقون {الله} بالجر كما هو في المصحف.
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ العزيز الحكيم}.
وفي ذلك نعمةٌ من الله واحسانٌ إلى عباده، فهو يرسل كل رسول إلى قومه بلسانهم الذي يفهمونه، وليس على الرسول هدايتُهم، فالله تعالى يضلّ من يشاء لعدم استعداه، ويهيد من يشاء لحسن استداده، وهو العزيز الحكيم، فلا يهدي ولا يُضل الا لحكمة.

.تفسير الآيات (5- 8):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)}
أيام الله: وقائعه في الأمم السابقة. يسومونكم: يذيقونكم أشد العذاب. ويستحيون: يبقون نساءكم أحياء والاسترقاق. تأذَّن: أعلم.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
يذكُر الله تعالى هنا بعضَ قَصصَ الأنبياء، وما لا قوه من أقوامهم من الأذى والتمرَد والناد تسليةً للرسول الكريم والمؤمنين، وأنّ المقصودَ من إرسالِ الرسُل هو هدايةُ الناس وإخراجهم من الظُلمات والضلال إلى النور والإيمان.
ولقد أرسلْنا موسى مؤيَّداً بمعجزاتنا، وقلنا له: يا موسى، أخرج قومك من ظلمات الكفر والجهل إلى نور العلم والايمان، وذكّرهم بوقائع الله في الأمم السابقة، ان في لك التنبيه والتذكير دلائل عظيمةً على وحدانية الله، تدعو كلَّ من تحلَّى بالصبر والشكر إلى الايمان.
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ}.
واذكر أيها النبي لقومك لعلّهم يعتبرون: اذكر ما قاله موسى لقومه يذكّرهم بنعمة الله عليهم يوم أنجاهم من سوء العذاب الذي كانوا يلقونه من آل فرعون. فقد كان هؤلاء يذبحون الذكور من أولادهم حتى لايتكاثروا، ويُبقون الإناث أحياء للخدمة والاسترقاق... وفي ذلك كله ابتلاء واختبار شديد.
ويمضي موسى يبين لقومه ما رتّبه الله جزاءً على الشكر والكفران: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.
واذكروا يا بني إسرائيلَ حين أَعلمَكم ربُّكم أن الشكر على ما أنعمَ يجلبُ زيادةَ الخير، وأن جحود النعمة يوجبُ العذابَ الشديد.
{وَقَالَ موسى إِن تكفروا أَنتُمْ وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
ان الله تعالى غنيُّ بذاتِه محمودٌ بذاته لا بحمدِ الناس وشكرهم، واذا كفر جميعُ أهل الأرض فلن يضروا الله شيئا، انه غني حميد.

.تفسير الآيات (9- 12):

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)}
ردوا أيديهم في أفواهم: جعلوا أيديهم على أفواههم من التعجب أو الغيظ. وهذا تفعله العرب. مريب: مقلق. سلطان: حجة.
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ وقالوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ}.
ويستمر موسى في بيانه وتذكيره لقومه فيقول: ألم يصِلْكم خبرُ الأقوام الماضين من قبلِكم مثل قوم نوح وعاد وثمود، والأمم الذين جاؤا من بعدِهم، امم كثيرة لا يعلمها الا الله، وقد جاءتهم رسُلهم بالحجج الظاهرة والمعجزات فوضعوا أيديَهم على أفواهِهم استغراباً واستنكارا وقالوا للرسل: إنّا كفرنا بما جئتم به من أديان جديدة، وانا لَنَشُكُّ في كل ما تدعوننا اليه من الإيمان والتوحيد.
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ فَاطِرِ السماوات والأرض}.
قالت لهم رسُلهم: أفي وجودِ الله شك! إنه خالقُ السماوات والأرض على غير مثال، وهو {يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} يدعوكم إلى الإيمان ليغفر لكم بعضَ ذنوبكم، {وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ويؤخركم إلى وقت محدَّد معلوم لديه.
فردّ اولئك المنكِرون الجاحدون على الرسل بتعنّت: {قالوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}.
كيف نصدِّقكم وأنتم بشر مثلنا لا فضلَ لكنم علينا، وتريدون ان تمنعونا من عبادِة الآلهة التي كان آباؤُنا يعبدونها!؟ إن كنتم صادقين في دعواكم فأْتونا بدليلٍ ظاهر واضح.
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله}.
فكان جوابُ رسُلهم: نعم إننا بشر مثلكم، ولكن الله يصطفي من يشاءُ من عباجِه فيخصّهم بالنبوةَ والرسالة، ولي في قُدْرَتِنا أن نأتيَكم بآيةٍ معجزة أو حُجّةٍ إلا بتَيسيرِ الله ومشيئته.
{وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ على مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون}.
لقد أجابهم الانبياءُ على أقوالهم وما فيها من عناد بأن قولوا: إنا قد أبلَغْناكم رسالتَنا، ونحن لا نخاف في سبيلها أحدا، بل نتوكّل على الله، وأيُّ عذرٍ لنا في تركِ التوكل عليه! لقد هدانا إلى الحق، وأنارَ لنا سبلَ الخير، وسنصبرُ على أذاكم.
ثم ختموا كلامهم بمدح التوكل وبيان ان ايذاءهم لا يثنيهم عن تبليغ رسالة ربهم فقالوا: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون}.