فصل: تفسير الآيات (83- 91):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (83- 91):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}
ذكراً: خبرا. مكنّا له في الأرض: جعلنا له قوة وسلطة. آتيناه من كل شيء سببا: هيأنا له السبب الذي يوصله إلى ما يريد. وأتبع سببا: سار في طريقه. حمئة: ذات طين اسود. نكرا: فظيعا. الحسنى: المثوبة الحسنة. يسرا: سهلا ميسرا. خبرا: علما.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً}
يسألك بعض زعماء قريش ايها الرسول عن نبأ ذي القرنين فقل لهم سأقص عليكم بعض اخباره.
روي في سبب نزول سورة الكهف ان زعماء قريش ارسلوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى احبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد وَصِفا لهم صفته، واخبراهم بقوله فانهم أهل الكتاب الاول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الانبياء.. فقال لهم اليود: سلوه عن ثلاث، فان اخبركم بهن فهو نبي مرسل والا فهو رجل متقوِّل فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الاول، ما كان من امرهم، فانهم كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فان اخبركم بذلك فهو نبيّ فاتبعوه... فأقبل النضر وعقبة حتى قدما على قريش فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، فأخبروهم بما قال اليهود. فجاؤا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه عن هذه الأمور الثلاثة. فقال: اخبركم غدا عما سألتم ولم يَقُلْ إن شاء الله، ومكث خمس عشرة ليلة لم يأته الوحي. فأرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمش عشرة قد اصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه! وشق ذلك على النبي الكريم، ثم جاءه جبريل بسورة الكهف. وهناك روايات اخرى في سبب النزول ولا يهمنا ذلك كله، والمهم العبرة من القصص القرآني ويكفينا ذلك.
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرض وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً}
انا مكنا لأمره في الأرض، فاعطيناه سلطانا قويا، ويسرنا له اسباب الحكم والفتح، واسباب البناء والعمران، وآتيناه الكثير من العلم بالاسباب كي يستطيع توجيه الأمور، ورحل ثلاث رحلات: واحدة إلى المغرب، وواحدة إلى المشرق، وواجدة إلى ما بين السدّين.

.قراءات:

قرأ ابن عامر واهل الكوفة: {فأتْبع سببا}، بفتح الهمزة وسكون التاء، ولباقون: {فاتَّبع سببا} بجعل الهمزة الف وصل، وتشديد التاء المفتوحة.
{فَأَتْبَعَ سَبَباً} ومضى بهذه الاسباب يبسط سلطانه على الأرض، حتى إذا وصل إلى مكان بعيد جهة مغرب الشمس، ووقف على حافة البحر، وجد الشمس تغرب عند عين ذات حمأة وطين اسود، ووجد بالقرب من هذه العين قوما كفارا. فألهمه الله ان يتخذ فيهم احد امرين: اما ان يدعوهم إلى الايمان، وهذا امر حسن في ذاته؛ واما ان يقاتلهم إن لم يجيبوا داعي الايمان.

.قراءات:

قرأ ابن عامر واهل الكوفة الا حفصا: {في عين حامئة}. والباقون: {في عين حمئة} بفتح الحاء وكسر الميم وفتح الهمزة، كما هو في المصحف.
قرأ أهل الكوفة الا ابا بكر: {فله جزاءً الحسنى} بنصب {جزاء} مع التنوين. والباقون {فله جزاءُ الحسنى} برفع {جزاء} واضافته إلى {الحسنى}.
فقال ذو القرنين: إن من ظلم نفسه بالبقاء على الشرك، استحق العذاب في هذه الدنيا على يديه، ثم يرجع إلى ربه فيعذبه عذابا شديدا.
واما من استجاب وآمن بِرِبِه وعمل صالحا، فله المثوبة الحسنى في الآخرة، وسنعامله في الدنيا برفق ولين ويسر.
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} وقفل راجعا من مغرب الشمس حتى بلغ مشرق الشمس حيث بلغ غاية المعمور من الأرض في ذلك الزمن، فوجدها تطلع على قوم ليس لهم بناء يكنّهم، ولا لباس لهم، فهم عراة في العراء أو في سراديب في الأرض.
{كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً}
ان امر ذي القرنين كما وصنا من قبل بلوغه طرفي المشرق والمغرب، ونحن مطلعون على جميع احواله لا يخفى علينا شيء منها.

.تفسير الآيات (92- 99):

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)}
السدين: الجبلين. خَرْجا: اجرة من اموالنا. ردما: حاجزا. زبر الحديد: قطع الحديد، المفرد زبرة، الصدفين: واحدها صدف: جانب الجبل. قطرا: نحاسا مذابا، أو رصاصا. ان يظهروه: إن يرقوا عليه ويجتازوه. دكَّاء: مهدوما مستويا مع الأرض. نفخ في الصور: الصور: قرنٌ ينفخ فيه فيحدث صوتا عاليا.
{حتى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً}.
وهذه رحلة ذي الرقنين الثالثة فلما وصل إلى مكان بعيد بين جبلين وجد هناك قوما لا يفهمون ما يقال لهم لغرابة لغتهم وجهلهم. ويقال ان الجبلين المذكورين عند مدينة دربند، بالقرب من مدينة ترمذ حيث يرعف بباب الحديد.
{قَالُواْ ياذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً}.
قال المجاورون لهذين الجبلين لذي الرقنين انه يوجد اناس مفسدون في الأرض وهم يأجوج ومأجوج، ويقال انهم التتر والمغول، وكانوا يغيرون على الأمم المجاورة لهم فيفسدون ويدمرون، ولذلك توسل المجاورون إلى ذي القرنين ان يجعل بينهم وبينهم سدا.
ولذلك أجاب طلبهم بانه بحول الله وقوته سيبني هذا السد، وشرع فيه وقال لهم: أعينوني بما تقدرون عليه من رجال وادوات احققْ لكمهذا الطلب و{أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً}. وطلب منهم ان يمدوه بقطع الحديد، فاقام سدا عاليا ساوى به بين حافتي الجبلين، ثم امر ان يوقدوا نارا حتى انصهر الحديد فصب عليه النحاسَ المذاب، فاصبح سدا منيعا. ويقول الخبراء الذين زاروا تلك المنطقة: إن هذا السد موجود الآن ويُعرف بسد دريند، وطوله 50 ميلا وراتفاعه 29 قدما، وسمكه عشرة اقدام، وتتخلله بعض الأبواب الحديدية، فوي اعلاه برج للمراقبة.
{فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْباً}.
فما استطاع يأجوج ومأجوج ان يجتازوه، ولا ان ينقبوه لصلابته.
وبعد أن أتم ذو القرنين بناء السد، قال شاكرا لله: {قَالَ هذا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً}.
ان هذا السد من رحمة الله بكم، وسيظل قائما حتى يسويه بالارض، وان امر الله نافذ لا محالة.
وهذا النص لا يحدد معينا لخروج يأجوج ومأجوج، ففي سورة الانبياء {حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} فمن الجائز ان تكون هي غارات المغول والتتر التي دمرت ملك العرب بتدمير الخلافة العباسية على يد هولاكو، ويكون هذا تصديقا للحديث الصحيح الذي رواه الامام احمد عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول: «ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا».
وحلّق باصبعيه السبابة والابهام. قلت: يا رسول الله انهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث».
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً}
وتركنا يأجوج ومأجوج خلق السد يموج بعضهم في بعض لكثرتهم إلى ان نأمر بفتحِهِ ويخرجون إلى ما وراءه يفسدون ويدمرون كعادتهم.
فاذا كان موعد يوم القيامة ونفخ في الصور، يجمع الله الخلائق جميعا للحساب والجزاء.

.قراءات:

قرأ نافع وحمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر ويعقوب: {بين السدّين} بضم السين. والباقون {بين السدين} بفتح السين، وهما لغتان.
وقرأ حمزة والكسائي:{لا يكادون يفقهون قولا} بضم الياء وكسر القاف. والباقون: {يفقهون} بفتح الياء والقاف. وقرأ عاصم وحده: {يأجوج ومأجوج} بالهمز. والباقون: {ياجوج وماجوج} بدون همز.
وقرأ أهل الكوفة: {خراجا}، الا عاصما: {خرجا}. وقرأ ابن كثير: {ما مكنني}. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصُدفين} بضم الصاد والدال، وقرأ أبو بكر: {الصدفين} بضم الصاد وإسكان الدال. والباقون: {الصدفين} بفتح الصاد والدال. وقرأ حمزة وأبو بكر: {ائتوني}. والباقون: {آتوني} بمد الهمزة. وقرأ أهل الكوفة: {دكاء} بالهمزة مع المد. والباقون: {دكا}، بدون همزة.

.تفسير الآيات (100- 106):

{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)}
غطاء: غشاوة. اعتدنا هيأنا. نزلا: اصل النزل ما يُهيّأ للضيف النزيل، وهنا جعل جهنم مكانا لهؤلاء الجاحدين ينزلون به. الهزؤ: السخرية.
{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ...}
بعد أن ذكر الله تعالى انه إذا نفخ في الصور وجاء يوم القيامة جمع الناس من جميع اطراف الأرض- بين هنا انه عند ذلك يُبرز جهنم ويعرضها للذين كفروا بالله، الذين كانت اعينهم في الدنيا مقفلة، وقلوبهم في غفلة عن ذكره، وكانوا لا يستطيعون ان يسمعوا ذكر الله.
ثم بين ان ما اعتمدوا عليه من المعبودات الاخرى لا تنفعهم ولا تنصرهم في ذلك اليوم.
{أَفَحَسِبَ الذين كفروا أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دوني أَوْلِيَآءَ...}
اظنوا ان اتخاذهم المعبودات الضعيفة التي لا تملك لهم ضرا ولا نفعا ينفعهم أو ينجيهم من العذاب. إنا أعتدنا لهم جهنم مقرا ينالون فيه ما يستحقون من جزاء.
وفي ذلك تهكم بهم، وتهطئة في حسبانهم ذلك، واشارة إلى ان لهم وراء جهنم الوانا اخرى من العذاب.
ثم بين سبحانه ما فيه تنبيه إلى جهلهم وخسرانهم فقال: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}
قل ايها الرسول لهؤلاء الجاحدين هل نخبركم بأشد الناس خسرانا لأعمالهم، الذي بطل عملهم في الحياة الدنيا، وهم يعتقدون انهم يحسنون بعملهم صنعا! انهم عملوا بغير ما امرهم الله به، وظنوا انهم بفعلهم هذا مطيعون له، وقد ذهب سعيهم هباء فلم يجدِهم شيئا.
ثم بين الله السبب في بطلان سعيهم فقال: {أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً}.
هؤلاء الذين كفروا بما جاء به الرسول من دلائل وآيات، وانكروا البعث والجزاء ولقاء الله فحبطت اعمالهم، أي فسدت وبطلت. وأصل الحبوط انتفاخ بطن الدواب عندما تأكل شيئا يضرها من الكلأ ثم تلقى حتفها، وهذا انسب شيء لوصف اعمال هؤلاء الكفار الذين هم اشبه شيء بالدواب. ولذلك سوف يمهَلون يوم القيامة ويتركون في جهنم، ولا قيمة لهم.
ثم بين مآلهم بسبب كفرهم وسائر معاصيهم بعد أن بين حبوط اعمالهم وخسرانهم فقال: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ واتخذوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً} ذلك الذي بيناه وفصلناه شأن هؤلاء، وجزاؤهم جهنم بسبب كفرهم وسخريتهم بما أنزل الله.