فصل: تفسير الآيات (65- 76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (65- 76):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}
فأَوجسَ في نفسه خيفةً: أحسن بالخوف. انت الاعلى: المنتصر. ما في يمينك: هي العصا. تلقف ما صنعوا: تبتلع كل حبالهم وعصيّهم. حيث اتى: اينما كان. انه لكبيركم الذي علّمكم السحر: إن موسى لَزعيمكم الذي علّمكم السحر. من خلاف: وذلك ان تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى مثلا. لن نُؤْرك على ما جاءنا: لن نفضلك على الايمان الذي حصلنا عليه. فَطرنا: خلقنا. فاقض ما انت قاض: اعمل ما تريد. تزكى: تطهر.
بعد أن اتفقوا على الموعد وهو يومُ الزينة، جاؤا مصطفين مستعدّين أتم استعداد وسألوا موسى وخيّروه بين أن يبدأ فيُلقي عصاه، أو يكونوا هم البادئين.
قال موسى: بل ابتدئوا، ألقوا ما عندكم. فالقوا حِبالهم وعصَّيهم فاذا هي افاعٍ تسعى.
وخُيّل لموسى أنها حقيقة من شدة سحرهم، واحس بالخوف لِما رآه من أثر السحر. فأدركه الله بلطفه فأوحى اليه قائلا: {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} لا تخشَ شيئا، إنك انت الغالب المنتصر على باطلهم. ألقِ العصا التي بيمينك فإنها تبتلع ما زوّروا من السحر، فليس الذي فعلوه إلا كيد ساحر. وكانت صنعة السحر هي الغالبة في ذلك الزمان، وكانوا يضعون الزئبق بطريقة خفية في الحبال والعصي، فعندما تتأثر بحرارة الشمس (وجوُّ مصرَ حارٌّ) تضطرب الحبال وتتحرك فيظنُّ من يراها أنها تسعى.
فلا تخفْ يا موسى، فالساحر لا يفلح امتثل موسى أمر ربه، والقى عصاه فاذا هي حيذَة تسعى. بل إنها اخذت تلقف ما زوّروه من حبال وعصي وتبتلعها. فلما رأى السحرة تلك المعجزة آمنوا بموسى وربه وسجدوا لله قائلين: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} وعلموا أن ما جاء به موسى ليس سحرا.
وقال رئيس السحرة: كنا نغلِب الناسَ بالسحر، فلو كان هذا سحرا فأين الذي ألقيناه من حبال وعصي، أي ذهبت؟ ما هذه العصا الصغيرة التي تأكل كل ما عندنا؟ ان هذا ليس سحرا، انما هو شيء آلهي خارق للعادة؟ ولذلك آمنوا وخرّوا ساجدين.
قال صاحب الكشّاف: سبحان الله، ما أعجبَ أمرهم، قد القوا حبالهم وعصيَّهم للكفر الجحود، ثم ألقوا رؤوسَهم ساعةٍ للشكر والسجود!! وقال ابن عباس رضي الله عنه: كانوا اول النهار سحَرة، وفي آخره شهداء بررة، لأن فرعون قتلهم.
ولما خاف فرعون أن يصير ايمانهم سبباً لاقتداء الناس بهم في الإيمان.
{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر}.
قال فرعون: كيف تؤمنون بهدون إذنٍ مني؟ إنكم تلاميذُ موسى في السحر وهو كبيركم الذي علمكم إياه، وليس عمله معجزةً كما توهمتم.
ثم هددهم بالقتل والتعذيب تحذيراً لغيرهم من الاقتداء بموسى وهارون: فقال: {فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ}.
وأقسم إني لأقطعنّ من كل واحدٍ منكم يدَه ورجلَه المتختلفتين، يده اليمنى، ورجله اليسرى.
ولم يكتفِ بذلك بل قال: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل}. زيادة في التعذيب والإيلام، وتشهيرا بهم. ولاجعلنكم مُثْلَةً يتعجّب منها الناس.
ثم يزيد استعلاء بقوته وجبروته فيقول: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى}.
وسوف ترون من هو الذي يكون أشدَّ عذاباً، انا، أم آله موسى وهارون؟
لم يكن يعلم أنه فاتَ الاوان، وان الإيمان قد بلغ ذِروتَه في قلوبهم، وهانت عليهم نفوسُهم في الله، فلن يأبهوا لوعيده وتهديده، فأجابوه مطمئين: {قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَآءَنَا مِنَ البينات والذي فَطَرَنَا}.
اراد فرعون من السحرة ان يرجعوا عن إيمانهم، فثبتوا عليه، ودفعوا تهديده بقولهم: لن نختارك على ما جاءنا من الهدى، وعلى خالِقنا الذي فطرنا وانشأَنا من العدم.
{فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ...}
افعل ما تريد، إن سلطانك وحكمك لا يتجاوز هذه الحياة الدنيا.
آمنّ بربنا الحق، ليغفرَ لنا ما سلف من الخطايا، وعن ممارسة السحر الذي أكرهَتنا على تعلُّمه والعملش به.
{والله خَيْرٌ وأبقى}
خيرٌ منك يا فرعون ومن ثوابك، وأبقى منك سلطانا وقدرة.
ثم ختم السحرة كلامهم بهذه الآيات التي تبيّن حال المجرمين، وحال المؤمنين يوم القيامة وم ينتظر كلاً منهم.
{إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى}.
إن من يلقى الله وهو مجرم بكفره يكون مصيره إلى جهنم لا يموت فيها فينتهي عذابه، ولا يحيى حياة طيبة ينتفع فيها بالنعيم.
{وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصالحات فأولئك لَهُمُ الدرجات العلى}.
أما من يلاقي ربه على الإيمان وصالح الاعمال، فله المنازل الرفيعة، والدرجاتُ العالية.
ثم فسر تلك المنازل والدرجات بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك جَزَآءُ مَن تزكى}.
تلك المنازل هي جنات الاقامة الدائمة، في نعيمٍ خالد، تجري بين اشجارها الأنهار، وذلك الفوز الذي أوتوه جزاءٌ لمن طهّر نفسه من الكفر بالايمان الطاعة والاعمال الصالحة.

.قراءات:

قرأ حفص: {تلقفْ} بفتح القاف وسكون الفاء. وقرأ ابن عامر: {تلقّفُ} بتشديد القاف ورفع الفاء. والباقون: {تلقف} بتشديد القاف وسكون الفاء. وقرأ حمزة: {كيد سحر}. والباقون {كيد ساحر}. قرأ حفص وابن كثير وورش: {أمنتم}، فعل ماض على انه خبر. وقرأ الباقون: {أآمنتم} بهمزتين.

.تفسير الآيات (77- 82):

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)}
أسرِ بعبادي: سر بهم ليلا. اضرب لهم طريقا في البحر يَبَسا: افتح لهم طريقا يابسا لا ماء فيه. لا تخاف دَرْكا: لا تخاف ان يلحقك احد. دركا: لَحقا. فغضيهم من اليم ما غشيهم: فغمرهم من البحر ما علاهم. واضلّ فرعونُ قومه: صرفهم عن طريق الرشد والهداية. ولا تطغوا فيه: لا تأخذوه من غير حاجة اليه. هوى: سقط.
{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي...} الآية.
لم يذكر في هذه السورة ما الذي حصل بعد مواجهة موسى لفرعون وقومه حيث آمن السحرة وبنو اسرائيل (ولقد فصّل ذلك في سورة اخرى) وانما انتقل الكلام هنا إلى الهجرة والنصر الكبير الذي حصل عند عبور البحر وغرقِ فرعون وجنوده. ثم أتبع ذلك بتعدادِ نعمه على بني اسرائيل، وذكّره بأن يكونوا معتدلين فلا يأتوا أعمالاً توجب غضبه، وانه غفار لمن تاب وآمن.
وأوحى الله إلى موسى ان يخرج ببني إسرائيل ليلا، وان يشقّ لهم طريقا في البحر، وطمأَنه ان لا يخاف من فرعون فإنه لن يدركهم.
وضرب موسى بعصاه البحر، فانشق شقَّين، كل جانب كأنه طودٌ عظيم كما جاء في سورة الشعراء {فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم}، واجتازه موسى ومن معه.
وتبعهم فرعونُ وجنوده، ودخلوا الطريق نفسها فانطبق عليهم الماء، وغشيَهم من اليمّ ما غشيَهم، وغرقوا جميعا. هكذا اضل فرعون قومه عن الحق، وغرّر بهم فهلكوا.
ثم عدد الله نعمه عليهم فقال: {يابني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ...}.
لقد أنجيناكم من عدوّكم فرعونَ وجنودِهِ حين كانوا يسومونكم سوءَ العذاب، وقد أقرّ الله أعينكم بغرقِهم وأنتم تنظرون، كما قال تعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة: 50].
{وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن}.
وواعدناكم جانب الطور الأيمن بمناجاةِ موسى لربه وإنزال التوراة عليهم، ونَزَّل عليكم المنَّ والسلوى رزقاً طيباً من الحلو ولحم الطير الشهي. وقلْنا لكم: كلوا من تلك اللذائذ التي أنعمنا بها عليكم، ولا تطغوا فيه: لا تظلموا وتبطَروا فتركبوا المعاصي ولا تُسرفوا بل عيشوا في هذه النعم، حتى لا ينزل عليكم غضبي، ومن ينزل عليه فقد هلك.
وإني لذو مغفرة عظيمة لمن يتوب عن شِركه، ويقلع عن ذنبه، ويخلص في العمل، ويؤدي فرائضي. فهذه أربعة شروط كاملة تتحقق بها التوبة الحقيقية.

.قراءات:

قرأ الجمهور: {قد انجيناكم}، {وواعدناكم} بنون الجمع. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: {قد أنجيتك من} {وواعدتكم}، وقرأ الجمهور: {ما رزقناكم} بنون الجمع، وقرأ حمزة والكسائي وخلف: {ما رزقتكم} بتاء المفرد.
قرأ حمزة: {لا تخف دركا}. والباقون: {لا تخاف دركا}. وقرأ الكسائي: {فيحلّ عليكم غضبي} بضم الحاء، {ومن يحلل عليه غضبي} بضم اللام. والباقون بالكسر {فيحِل}، {ومن يحلِل عليه}.

.تفسير الآيات (83- 89):

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89)}
ما أعجلك عن قومك: لماذا تركت قومك، فلقد غيروا وبدلوا بعدك. على اثري: لاحقون بي. فتنّا قومك: اختبرناهم. وأضلّهم: اوقعهم في الضلال. السامريّ: دجال من شعب اسرائيل. أسِفا: حزينا. فاخلفتم موعدي: ما وعدتموني من الثبات على الايمان. بملكنا: بقدرتنا واختيارنا. اوزارا: اثقالا. من زينة القوم: من حليهم ومصاغهم. فقذفناها: طرحناها في النار. جسدا: جثة لا روح فيها. له خوار: لو صوت.
{وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى}.
سأله ربه عن سبب تعجُّله بالمجيء إليه وتركِ قومه خلفه، والله اعلم بما سأل. فقال موسى مجيبا: {قَالَ هُمْ أولاء على أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى}. انهم لاحقون بي، وإنما عجِلتُ إليك وتقدمتُهم يا ربي رغبةً في رضاك.
يقول بعض المفسرين: إن موسى ذهب إلى الميعاد قبل الوقت المحدد وترك قومه وراءه ليلحقوا به، وهذا سببُ لومِ ربه له على الاستعجال بالمجيء.
والقصة هنا مختصرة، وقد مرت مفصلة في سورة البقرة وسورة الأعراف، وذلك ان موسى لما نجا هو وقومه من فرعون، واستقر في سيناء، واعَدَه ربه، وضرب له ميقاتا كما جاء في سور الاعراف 142 {وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ....} الآية فذهب إلى ربه عند الطور، وكلّمه وتلقّى عنه. وكان استخلف أخاه هارون على بني اسرائيل. فجاءهم السامريّ وأضلهم بجعلِه لهم عِجلاً من الذهب له صوتٌ، فعكفوا عليه يعبدونه، ولم يستطع هارون ان يردّهم عن غيّهم وكفرهم. وقد اخبره ربه بأن قومه من بعده قد ضلّوا فقال: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السامري}.
لقد أوصلهم إلى اتخاذ العجلِ إلهاً والدعاء إلى عبادته، وظهر عندهم الاستعداد لذلك، لأنهم حديثو عهد بالوثنية في مصر. وفي سورة الاعراف سألوا موسى ان يجعل لهم إلها كما للقوم الذين مرّوا عليهم آلهة: {فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ ياموسى اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}.
{فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً}.
عاد موسى إلى قومه بعد أن قضى الميعاد وهو في غضبٍ شديد وحزنٍ لِما أحدثوه بعده، وخاطب قومه منكِرا عليهم عملهم: {قَالَ يا قوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً}.
لقد وعدكم ربكم بالنجاة والهداية بإنزال التوراة، والنصر، فهل تناسيتُم وعدَ ربكم؟.
{أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد}.
لم يطل عليكم العهدُ حتى تنسوا وعد الله لكم، أم أردتم بسوء صنيعكم ان ينزل بكم غضبُ الله جزاء عبادتكم العجلَ، فأخلفتم عهدَكم لي!!
فاعتذروا بعذرٍ عجيب إذ قالوا: {قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا}.
نحن لم نخلفْ موعدك باختيارنا، {ولكنا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ القوم فَقَذَفْنَاهَا} وإنّما غَلَبَنا السامريّ وحملنا أثقالاً من حَلي المصريين الذي خرجنا به، فقذفناها في النار بإشارة السامريّن فصاغ لنا عجْلاً جسدا له صوت.
{فَقَالُواْ هاذآ إلهكم وإله موسى فَنَسِيَ}.
قال السامري ومن تبعه: هذا معبودُكم ومعبود موسى، ونسيَ السامري ربَّه فعمل هذا العمل السّيء وأضلَّ به القوم.
وقال عدد من المفسرين: نسي موسى الطريق إلى ربه وضلّ عنه، وهذا غير واضح. وتكلم المفسرون في السامري كلاماً طويلا، عن أصله، واسمه وهل هو من بني اسرائيل أو هو قبطي. وهذا كله كلام طويل لا طائل تحته. والسامري يهودي من بني اسرائيل دحّال.
ثم ردّ عليهم الله سبحانه مقبّحاً افعالهم، مسفِّهاً أحلامهم بقوله: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً}.
افلا يعتبرون ويتفكرون في ان هذا العِجل لا يتكلم ولا يردّ على اقوالهم، وانه لا يستطيع ان يدفع عنهم ضرراً، ولا ان يجلب لهم نفعا، فكيف يتخذونه إلهاً! وتقدير الكلام: أفلا يرون انه لا يرجعُ اليهم قولاً.
وليس اتخاذ العجل من الذهب إلهاً بغريب على اليهود، فإنهم عبيد الذهب والمادة منذ خُلقوا. ومن يقرأ التلمود يجد العجائب في استحلال كل شيء في سبيل المال والحصولِ عليه، فهم يحلّلون كل وسيلة في أخذ المال من غير اليهود لأن كل ما في الأرض لهم وحدهم.

.قراءات:

قرأ الجمهور {على أثري} بفتح الهمزة. وقرأ رويس عن يعقوب: {على إثري} بكسر الهمزة وسكون الثاء. قرأ نافع وعاصم: {بملكنا} بفتح الميم. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب: {بملكنا} بكسر الميم. وقرأ حمزة والكسائي وخلق: {بملكنا} بضم الميم وهي ثلاث لغاة. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم، ورويس عن يعقوب: {حملنا} بضم الحاء وتشديد الميم المكسورة. وقرأ أبو بكر وحمزة وأبو عمرو والكسائي: {حملنا} بفتح الحاء والميم مخففة بدون تشديد.