فصل: تفسير الآيات (15- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (15- 18):

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}
بسبب: بحبل. إلى السماء: إلى مكان مرتفع. ثم ليقطع: ليختنق. فلينظر: فليقدّر في نفسه النظر. الذين هادوا: اليهود. والصابئين: وهم فرقتان: جماعة يوحنا المعمدان واسمُهم المندائيون، وصابئة حَران، الذين عاشوا زمنا في كنف الاسلام.. وسيأتي في الشرح التعريف بهم. المجوس: كلمة إيرانية، أهلُها أتباع زرادشت. وهم يقدّسون النار، والشمس والقمر، وقد انقرضت المجوسية أو كادت بعد استيلاء المسلمين على فارس. الذين اشركوا: عبدةُ الأوثان. ألم تر: ألم تعلَم.
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السمآء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}.
من كان من الناس يحسَب أن الله لن ينصر نبيّه محمداً في الدنيا والآخرة فليتقلْ نفسه وينظر هل يُذهِب ذلك ما يجِدُ في صدره من الغيظ!
وهناك من المفسّرين من يقول من يفقد ثقته بنصر الله في الدنيا والآخرة، ويقنط من عون الله حين تشتد به المِحَن، فدُونَه فليفعل بنفسه ما يشاء؛ فليمدد بحبل إلى السماء ويشنق نفسه به، ثم ينظر هل ينقذه تدبيره ذلك مما يغيظه.

.قراءات:

قرأ ابن عامر وأبو عمرو ورويس: {ثم لِيقطع فَلِينظر} بكسر اللام. والباقون: بسكون اللام.
{وكذلك أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ الله يَهْدِي مَن يُرِيدُ}.
ومثلَ ما بينّا حجتنا الواضحات فيما سبق، أنزلنا القرآنَ كله على محمدٍ آياتٍ واضحة، واللهُ يهدي من أراد هدايته وارشاده إلى سبيل السلام.
{إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
ان الذين آمنوا بالله وبرسلِه جميعا، واليهودَ، والصابئين (وهم فرقتان: جماعة المندائيين أتباع يوحنا المعمدان، وصابئة حَرّان. وقد ورد ذِكرهم في القرآن ثلاث مرات بجانب اليهود والنصارى، مما يؤذن بأنهم أهلُ كتاب. وقد فصّل تاريخهم وطقوسهم كل من الشهرستاني في (المِلل والنِحَل) والدمشقي في (نخبة الدهر في عجائب البحر). وهم قوم لهم طقوس، ويعدُّون بين الروحانيين الذي يقولون بوسائط بينَ الله والعالم، وهم يتطهرون بالماء إذا لمسوا جسداً، ويحرّموا الخِتان، كما يحرمون الطلاق إلا بأمر القاضي، ويمنعون تعدُّد الزوجات، ويؤدون ثلاث صلوات كل يوم. ولقد عاشوا متفرقين في العراق، وكان مركزهم الرئيسي حَرّان، ولغتهم السريانية، وكان منهم المترجمون والرياضيون والنباتيون في صدر الإسلام كما نبغ منهم شخصيات عديدة. ومنهم بقية في العراق في الوقت الحاضر.
والنصارى أتباع سيدنا عيسى. والمجوس: الذين يقدّسون النار، ويقولون ان الخير من النور، والشر من الظلام، وهؤلاء تقريبا انقضروا ولا يزال منهم بقية في الهند. والذين اشركوا هم عبدة الاوثان وهم كثيرون، ولا يزال منهم عدد هائل في عصرنا الحاضر، وهم منتشرون في افريقيا، وآسيا وكثير من البلدان.
.. إن الله سيفصل بين هؤلاء جميعا يوم القيامة بإظهار المحقّ من المبطِل منهم، فهو مطّلع على كل شيء، عالمٌ بأعمال خلقه وما تكنّه ضمائرهم.
تقدم في سورة البقرة 66 {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والنصارى والصابئين مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} فلم يذكر المجوس ولا الذين اشركوا.
وفي سورة المائدة 69 {إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئون والنصارى....} فلم يذكر المجوسَ ولا الذين أشركوا.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ}.
الخطاب لجميع الناس، وجعله الطبري لسيدنا محمد. وتفسيره: ألم تعلم أن هذه الخلائقَ جميعَها مسخَّرة لقدرة الله، منقادةٌ لإرادته، فتسجد له سجودا لا تطّلع أنتَ عليه، وكثيرُ من الناس يؤمن بالله ويخضع لأوامره.. وبذلك استحقوا الجنة، فيما أعرض كثير منهم ولم يؤمن فاستحقوا العذاب، ومن يهنْه الله لسوءِ سلوكه فليس له من مكرِم، ان الله يفعل في خلقه ما يشاء، فهو لا يُسأل عما يفعل، فمن سلك طريق السلام سلم، ومن سلك طريق الهلاك هلك.
هذه السجدة من عزائم السجود في القرآن فَيُسَنُّ للقارئ والمستمع ان يسجد عند تلاوتها أو سماع تلاوتها.

.تفسير الآيات (19- 25):

{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}
خصمان: واحدُهما خصم وهو المنازع. قطعت لهم: قدرت، فصلت لهم وهي الأوْلى. الحميم: ا لماء المغلي. يصهر به: يذاب به. مقامع: واحدتها مِقمعة بكسر الميم الأولى، خسبة أو حديدة يُضرب بها الإنسان على رأسه ليذّل ويهان. الحريق: المحرِق: أساور: الاسوار والسوار هو الحلية التي تلبس في المعصم، جمعها أسورة، وجمع الجمع أساور وأساورة. هدوما: ارشدوا. الطيب من القول: الكلام اللطيف الرقيق. الصراط الحميد: الطريق المحمود. العاكف: المقيم. البادي: الطارئ القادم عليها. الالحاد: الانحراف، والعدول عن القصد. بظلم: بغير حق.
{هذان خَصْمَانِ اختصموا فِي رَبِّهِمْ.....}.
إن أهلَ الأديان الستة الذين سبق ذِكرهم فريقان: فريق المؤمنين وفريق الكافرين، جادلوا في دين الله، وتنازعوا في أمر ربهم، وكل فريقٍ يعتقد أن الّذي عليه هو الحقّ. فالذين كفروا أُعدّت لهم نيرانٌ تحيط بهم كأنها ثياب قُدِّرت على أجسامهم، ولزيادة تعذيبهم تصبُّ الملائكة على رؤوسهم الماء المغلي، فينفذ إلى بطونهم فيذيبُ أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم.
ولتعذيبهم سياطٌ من حديد، تضرب بها رؤوسهم، يُقمعون بها كلّما حاولوا الهروب من جهنم والخروج منها من شدة الغم. وتردّهم الملائكةُ إلى جهنم، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب النار المحرِقة جزاءَ كفركم.
ويرى جماعة من المفسرين ان هذه الآياتِ نزلت يوم بَدْرٍ، وان المراد بالخَصْمَين: حمزة ابن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه وهم المؤمنون، وعتبة بن ربيعة، وشَيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة وهم الكافرون، وهؤلاء اول من تبارزوا يوم بدر.
فقد روى ابن جرير الطبريّ في تفسيره أن أبا ذَرٍّ رضي الله عنه كان يُقسم ان هذه الآيات نزلت في المتبارزين يوم بدر. وفي الصحيحَين عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه انه قال: فينا نزلتْ هذه الآيات، وأنا أولُ من يجثو في الخصومة على رُكبتيه بين يد الله يوم القيامة.. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وبعد أن بين الله سوء حال الكافرين أردفَ ذلك ببيانِ ما يناله المؤمنون من الكرامة من المسكن والحِلية والمَلْبس وحسن القول والعمل {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} [القمر: 55].
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.
أما الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الأعمالَ الصالحة، فإن الله تعالى أعدَّ لهم نعيماً مقيماً في جنات الخُلد، ترجي من تحت قوصرِها وأشجرها الأنهار، ويتمتعون فيها بالحليّ من الذهب واللؤلؤ، ويلبسون افخر أنواع الحرير.

.قراءات:

قرأ نافع وعاصم: {ولؤلؤا} بالنصب. والباقون: {ولؤلؤ} بالجر.
{وهدوا إِلَى الطيب مِنَ القول وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد}.
وزيادةً في ما اسبغ الله عليهم من النعيم، يتعاملون فيمابينهم بالكلام اللِّين الطيب، والعشرةِ المحمودة بمحبة وسلام.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله والمسجد الحرام الذي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
ان الّذين كفروا بالله ورسوله، ويمنعون الناسَ أن يدخلوا في دين الله وأن يصِلوا إلى المسجد الحرام الذي جعله الله لجميع الناس، سواء الميمُ فيه والطارئ الذي جاء قاصداً له من مكان بعيد- يجازيهم اللهُ على ذلك بالعضاب الشديد.... وكذلك يجازي من ينحرف عن الحق، ويميل إلى الظلم في الحَرَمِ ويعذّبه عذاباً أليما.
روى ابن عباس رضي الله عنهما: إن الآية نزلت في أبي سفيانَ وأصحابه من قريش حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه عامَ الحُدَيبية عن المسجد الحرام، ثم صالحوه على أن يعود في العام المقبل.

.تفسير الآيات (26- 29):

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)}
بوّأْنا لابراهيم مكان البيت: انزلناه فيه، يعني في الحرم. وطهِّر بيتي: اجعله مطَّهرا بالعبادة الصحيحة. للطائين: الذين يدورون حوله. وأذّن في الناس بالحج: ناد الناس للحج وادعهم اليه. رجالا: مشاة. وعلى كل ضامر: جملٌ ضامر وناقة ضامر، قليلة اللحم تتحمل مشاق السفر. فج عميق: طريق بعيد. ليذكروا اسم الله: ليحمدوه ويشكروه. في أيام معلومات: ايام النحر الثلاثة وهي يوم العيد ويومان بعده. بهيمة الانعام: الإبل والبقر والضان. البائس: الذي افتقر واشتدت حاجته. ثم ليقضوا تفثهم: ليزلوا ما علق بهم من اوساخ. وليوفوا نذورهم: يؤدوا ما نذروه. بالبيت العتيق: المسجد الحرام، لأنه أولُ بيتٍ وضع للناس.
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البيت أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ والقآئمين والركع السجود}.
واذكر أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذي يصدّون عن سبيلِ الله ودخول المسجد الحرام ويدَّعون انهم أتباع ابراهيم.... اذكُر لهم قصة إبراهيم والبيت الحرام حين أنزلناه فيه وأمرناه باعادة بنائه، وقلنا له: لا تُشرك بي شيئا، وطهّر بيتي من عبادة الاثان لمن يطوف به ويقيم بجواره ويتعبد عنده.
{وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ}
وقلنا له (ابراهيم): نادِ الناسَ داعياً اياهم إلى الحجّ وزيارة هذا البيت الذي أُمرتَ ببنائه يأتويك مشاةً على ارجلهم، وركباناً على كل جمل ضامر وناقة ضامر من كل طريق بعيد.
ثم بيّن السب في هذه الزيارة فقال: {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير}.
نادِهم يا إبراهيم ليحصلوا على منافعَ دينية لهم بأداء فريضة الحج، ومنافعَ دنيوية بالتعارف مع إخوانهم المسلمين والتشاور معهم فيما ينفعُهم في دينهم ودنياهم. (والحجُّ اكبر مؤتمرٍ في العالم، وهو من أعظمِ التجماعت لو عرف المسلمون كيف يستفيدون منه.) وليذكروا اسم الله في أيام النَّحْر ويشكروه ويحمدوه على ما رزقهم ويسّر لهم من الإبل والبقر والغنم، فكلوا منها ما شئتم وأطعِموا الفقراءَ وكلَّ محتاجٍ من البائسين والمحتاجين.
{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق}.
ثم عليهم بعدَ ذلك أن ينظّفوا أجاسمهم مما عَلِقَ بها أثناء الإحرامِ من آثار العرق وطول السفر، لأن الحاجّ لا يستطيع ان يقصّ شَعره أو يقلّم ظافره أو يزلَ ما علق به من أدران حتى يتحلّلَ من الإحرام، ثم بعد ذلك يقومون بما عليهم من نُذورِ فيؤدونها، ويطُوفون.