فصل: تفسير الآيات (33- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (33- 40):

{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)}
منيبين اليه: راجعين اليه بالتوبة. سلطانا: حجة وبرهانا. يَقدر: يضيق. ابن السبيل: المسافر الذي انقطع عن ماله وأهله. الربا: الزيادة. المضعِفون: الذين يضاعف الله لهم الأجر.
في هذه الآيات الكريمة صورةٌ للنفس البشرية وتقلُّب الأهواء في السّراء والضراء وعند قبْضِ الرزق وبسطِه. فبعد أن أرشد الله سبحانه إلى التوحيد، وأقام الادلة عليه، وضرب المثل له- أعقبه هنا بذِكر حال للمشركين يُعرفون بها، وهي أنهم حين الشدة يتضرعون إلى ربهم وينيبون اليه، فإذا خَلَصوا منها رجعوا إلى كفرهم واوثانهم. لذلك خاطبهم الله بصورة الأمر مع التهديد بقوله: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
فليضِلّوا ما شاؤا، فان لهم يوماً يرجعون فيه إلى ربهم.... تمتّعوا كما تشاؤن، فسوف تعلمون عاقبتكم.
ثم انكر على المشركين ما اختلقوه من عبادةِ غيره بلا دليل فقال: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ}
هل أنزلنا على هؤلاء الذين يشركون في عبادتنا الأوثانَ والأصنامَ كتاباً فيه تصديقٌ لما يقولون، حتى يكون لهم شبه العذر فيما يفعلون!!
ثم ذكر حالَ طائفة من الناس دون سابقيهم، وهم من تكون عبادتُهم الله رهنَ إصابتهم من الدنيا... فإن آتاهم ربهم منها رَضُوا وفرحوا، واذا مُنعِوا سَخِطوا وقنِطوا فقال: {وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}
فلو انهم آمنوا ايمانا صادقاً لسلَّموا أمرهم إلى الله واستراحوا. وفي الحديث الصحيح:
عجبا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاءً الا كان خيراً له، فان أصابته سراء شكرَ فكان خيرا له، وان اصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
وهذا انكارٌ من الله على هؤلاء الناس لما يلحقهم من اليأس والقنوط.... ألم يشاهِدوا ويعلموا ان كل شيء بيدِ الله؛ يوسف الرزق على من يشاء، ويضيقه على من يشاء بحسب ما تقتضيه حكمته!!
{فَآتِ ذَا القربى حَقَّهُ والمسكين وابن السبيل ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وأولئك هُمُ المفلحون}
بعد أن بيّن الله تعالى انه هو الذي يرزق ويمنع- بيّن هنا الطريقَ الذي به تزداد أموالهم فيه وتربح، فاذا كان المال مالَ الله أعطاكم إياه، فأعطوا الأقرباءَ من الفقراء، والمساكين الذين لا يعملون، والغريبَ المسافرَ الذي نفد مالُه ولا يستطيع ان يرجع إلى بلده... أعطوهم مما آتاكم الله، ذلك هو الخيرُ للذين يريدون رضا الله ويطلبون ثوابه، والفاعلون له هم الفائزون بالنعيم المقيم.
وقد جاء في الحديث الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» رواه البخاري ومسلم.
{وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ الناس فَلاَ يَرْبُو عِندَ الله وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فأولئك هُمُ المضعفون}.
وما أعطيتم من مال ليزيد وينمو في أموال الناس على طريق التسليف بفائدةٍ فانه رِبا حرّمه الله ولا يمكن ان يزيدَ لكم عند الله. أما ما أعطيتم من صدقاتٍ تبتغون بها وجه الله فهو الذي يضاعِف الله به حسناتكم أضعافا مضاعفة.
ولما بين الله انه لا زيادة الا فيما يزيده، ولا خير الا في الطريق المستقيم والبذل في سبيله- أكد ذلك بقوله: {الله الذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ}؟
إنه الله، هوالذي خلقكم ثم أعطاكم الرزق الذي تعيشون به، ثم يقبض أرواحكم في هذه الدنيا، ثم يحييكم يوم القيامة، فهو الذي يستحق العبادة.... هل يستطيع احدٌ من الذين تبعدونهم ان يعمل لكم شيئاً مما ذكر؟ الجواب: لا. {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}؟

.قراءات:

قرأ الكسائي وأبو عمرو: {يقنِطون} بكسر النون، والباقون: بضمها. وقرأ ابن كثير: {وما أتيتم} بالهمزة دون مد، والباقون: {وما آتيتم} بالمد. وقرأ نافع ويعقوب: {لتربوا} بالتاء. والباقون: {ليربوا} بالياء. وقرأ حمزة والكسائي: {تُشركون} بالتاء. والباقون: {يُشركون}.

.تفسير الآيات (41- 45):

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45)}
الفساد: الخلل والاضطراب وإلحاق الضرر بالغير، والجدب والقحط والظلم والبغي. لعلّهم يرجعون: لعلهم يتوبون. لا مردّ له: لا يقدر احد ان يرده. يصّدّعون: يتصدعون، يتفرقون. يمهَدون: مهد الفراش: وطأهُ، ومهد لنفسه خيرا: هيأه.
يبّين الله تعالى هنا ان الفسادَ يظهر في الأرض متمثِّلاً بالظلم والبغي والبؤس والفقر والقلق والحيرة، وذلك بسبب ما كسَبت أيدي الناس من الذنوب، وتركِهم لأوامر الله، والبعدِ عن دينهم.
إذن فإن الفساد في العباد إنما كان نتيجةَ أفعالهم. من ثَم أرشدهم الله إلى ان من كان قبلَهم ممّن كانت أفعالُهم كأفعالهم- قد أصابهم الله بعذاب من عنده، وصاروا مثلا لمن بعدهم وعبرة لمن خلفهم فقال: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ}
قل يا ايها النبي للمشركين: سيروا في نواحي الأرض، فانظُروا كيف كانت نهايةُ الذين مضَوا قبلكم؟ لقد أهلكهم الله وخرّب ديارهم لأن اكثرهم كانوا مشركين مثلكم.
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ القيم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}
اسلك ايها الرسول الطريقَ المستقيم الذي رسمه لك ربكن وهو الدين الكامل، منقبلِ ان يأتي يوم لا يستطيع احد ان يرده، هو يوم الحساب. يومئذ يتفرق الناس بحسب اعمالهم {فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير} [الشورى: 7].
ثم بين أن ما ناله كل منهم من الجزاء كان نتيجةً حتمية لعمله فقال: {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}
إنهم يهيّئون لأنفسهم الخيرَ وهم في الجنة خالدون.
{لِيَجْزِيَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الكافرين}
وهذا سيكون يوم القيامة، حيث يياقي كل إنسان ما عمله حاضراً.

.قراءات:

قرأ ابن كثير ويعقوب: {لنذيقهم} بالنون. والباقون: {ليذيقهم} بالياء.

.تفسير الآيات (46- 51):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51)}
فتثير: تحرك. فيبسطه: فينشره. كسفا: قطعا. الودق: المطر. من خلاله: من بينه من بين السحاب. لَمبلسين: لآيسين، مفردُها: مبلس، وهو المتحسر الآيس.
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ....} الآية.
من الدلائل على قدرة الله ورحمته انه يبعث الرياحَ مبشّراتٍ بالمطر الذي يسقيكم ويروي زروعكم، ولتجري فيه السفن في البحار. كذلك تلطلبوا الرزق من فضل الله بالتجارة وغيرها، واستغلال ما في البر والبحر، ولتشكروه على نعمه التي لا تحصى. {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} سورة ابراهيم 34.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بالبينات فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السمآء كَيْفَ يَشَآءُ...} الآيات.
ان الله تعالى يجمع في هذه الآيات بين ارسال الرياح مبشرات بالغيث والخير، وارسال الرسل الكرام بالحجج والبينات مبشرين ومنذرين، ونصرِ المؤمنين بالرسل، وانزال المطر الذي يحيي الأرض، واحياء الموتى بعثهم، (وهذا كله من رحمة الله بالعباد. وكلها تتبع سُنة الله). وبين نظام هذا الكون البديع، ورسالات الرسل بالهدى، ونصر المؤمنين- صلةٌ وثيقة، وكلها من آيات الله، ومن نعمته ورحمته، وبها تتعلق حياتهم، وهي مرتبطة كلها بنظام الكون البديع.
فالله سبحانه يحمي عباده المؤمنين، وينتقم من المجرمين، ويتعهد بنصر المؤمنين، ولكن اين المؤمنون؟
لو أن المؤمنين حضروا فكرة وجهادا، وتعاونوا تعاونا وثيقا كالجسد الواحد على هدف واحد لنصرهم الله كما وعد هنا، ووعدُه الحق.
{الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً....}
ان الله تعالى يرسل الريح فتحرك السحاب فينشره الله في السماء، حتى إذا تكاثف وبرد الجو انزل الله المطر في المكان الذي يريده من الأرض، فيبشر الناس بالخصب بعد أن يكونوا يائسين قبل نزول المطر. وبالمطر يحيي الله الأرض بعد موتها، وكذلك سيحيي الموتى يوم القيامة {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ}.
ولئن ارسلنا ريحا عاصفة مضرة بالنبات فرأوا زرعهم مصفرا جافا، لظلوا من بعده يكفرون بالله وبرحمته، وكان الأجدر بهم ان يصبروا ويسألاو الله من فضله فانه رحيم بعباده.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: {ومن آياته يرسل الريحَ} بالافراد، والباقون: {الرياح} بالجمع. وقرأ ابن عامر: {ويجعله كِسْفا} بسكون السين. الباقون: {كِسَفا} بفتحها. وقرأ حمزة والكسائي وحفص: {فانظر إلى آثار}، بالجمع. والباقون: {الى أثرِ}، بالافراد.

.تفسير الآيات (52- 60):

{فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)}
{فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى...} مر في سورة النمل في الآية 80 و81 بالنص.
فالله تعالى هنا بعد تصوير تقلبات البشر وفق أهوائهم، وعدم انتفاعهم بآيات الله وحججه، يتوجه بالخطاب إلى رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام يسلّيه عن إعراض المشركين من قومه وانهم كالموتى والصم لا يسمعون، ولا يهتدون، ولا يرجعون عن ضلالهم، وانما الذي يسمع ويستجيب من يؤمن بآيات الله. اولئك هم المسلمون الصادقون، المطيعون لأوامر الله ورسوله.
{الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ العليم القدير}
والله تعالى خلق الأنفس في اطوارها المختلفة من ضعف إلى قوة ثم يتغير حالها من قوة في حال الشباب إلى ضعف، ثم إلى الشيخوخة وهرم وشيبه، انه يخلق ما يشاء وهو العلم بتدبير خلقه، القدير على ايجاد ما يشاء، وفي هذا اكبر الأدلة على قدرته تعالى.
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يُقْسِمُ المجرمون مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ}
ويوم تقوم القيامة ويبعث الله من في القبور، يحلف المجرمون انهم ما لبثوا في قبورهم أو في الدنيا غير ساعة من الزمن، والواقع انهم لبثوا عمراً مديدا. كذلك كانوا يُصرفَفون عن الحقّ في الدنيا فلا يرون الشيء على حقيقته.
ثم بين ما يقوله المؤمنون لهم ويتهكمون عليه فقال: {وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إلى يَوْمِ البعث فهذا يَوْمُ البعث ولكنكم كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
وقال الذين أتاهم الله العلم والايمان. لقد لبثتم في حُكم الله وقضائه في قبوركم من يومِ مماتكم إلى يوم القيامة، فإن كنتم تنكرونه فهذا هو يومُ البعث الذي انكرتموه، ولكنكم كنتم في الدنيا لا تعلمون انه حق.
{فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ الذين ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}
ان يوم القيامة لا ينفع فيه عذر ولا تُقبل شكوى، ولا يُسترضون ولا يعاتَبون بل يذهبون إلى جهنم وبئس المصير. {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ المعتبين} [فصلت: 24]، فلا عذر ولا إقالة.
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَّيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الذين لاَ يَعْلَمُونَ}.
ولقد بينا لهداية الناس في هذا القرآن كل مثل يرشدهم إلى طريق الهدى، ولكنهم أعرضوا وكذبوا. ولئن جئتهم يا محمد بالآيات المعجزة الواضحة- ليقولنّ الذين كفروا ما أنت واتباعك الا مبطلون في دعواكم. كذلك يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم من العبر والعظات، والآيات البينات.
ثم ختم السورة بأمر الرسول الكريم بالصبر على أذاهم، وعدم الالتفاتِ إلى عنادهم حتى يأتي وعدُ الله فقال: {فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الذين لاَ يُوقِنُونَ}
اصبر ايها النبي على أذاهم، انّ وعد الله بنصرك واظهار الإسلام على كل دين وعدٌ حق لا يتخلق ابدا. (والصبر وسيلة المؤمنين في جهادهم ودعوتهم إلى الله)، ولا يحملنّك الذين لا يؤمنون على القلق والخفة وعدم الصبر. وفي هذا ارشاد للنبيّ عليه الصلاة والسلام ولنا وتعليمٌ بان نتلقى المكاره بصدر رحب وسعة حلم.. والله ولي الصابرين والحمد الله رب العالمين.