فصل: تفسير الآيات (71- 76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (71- 76):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)}
ركوبهم: بفتح الراء، هو ما يركب. ذلّلناها لهم: سخّرناها لهم.
الم يشاهد هؤلاء المشركونبالله أنّا خلقنا لهم بقُدْرتنا أنعاماً من الإبل والغنم والبقر فهم لها مالكون يتصرفون فيها كمايشاؤون! وسخّرناها لهم فمنها ما يركبون، ومنها ما يأكلون، ولهم فيها ما ينتفعون به من أصوافِها وأوبارِها وأشعارها وجلودها وغير ذلك، ولهم شماربُ من ألبانها ايضاً! أيجحدون هذه النعم الكثيرة فلا يشكرون الله عليها!!. ومع كل هذه النعم اتخذ المشركون آلهة يعبدونها من دون الله، رجاء ان تنصرهم! غن هذه الالهة لا تستيطع نصر احد، ولا تقدر ان ترد عن أحدٍ أذى إن أراد الله بهم سوءا.
{وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ}
وهم لسخفهم جنودٌ لهذه الآلهة يحمونها ويذبُّون عنها المهتدين.
ثم بعد ذلك يسلّي الله رسوله الكريم بقوله: {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}
لا يحزنك قولهم فيك بالتكذيب والافتراء عليك، انا نعلم ما يخفون وما يعلنون، وسيلقون جزاءهم.

.تفسير الآيات (77- 83):

{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}
أولم ير: أولم يعلم. الخصم: الشديد الخصومة والجدل. رميم: البالي من كل شيء. ملكوت: الملك التام، كالجبروت والرحموت.
في آخر هذه السورة الكريمة يَرِدُ ختامها بالأدلة على قدرة الله تعالى على إعادة الخلق، فانه تعالى خَلَق للإنسان النعمَ التي لا تحصَى ليشكر، فكفر وجحد.... ألا يَستدل من أنكرَ البعثَ بسهولة المبدأ! وأنا خلقناه من العدَم من شيء لا يُرى بالعين المجردة لصغرها فاذا هو يخاصم ويجادل!
ثم ضرب مثلا ينكر به قدرتنا على إحياء العظام بعد أن تبلى، ونسيَ أنا خلقناه من العدم!...
{قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ}
قال مجاهد وعكرمة وعمرو بن الزبير وقتادة: «جاء أُبَيّ بن خلق (وهو من كبار مشركي مكة) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يده عظم يفتُّه بيده ويذروه في الهواء ويقول: أتزعم يا محمد ان الله يبعث هذا؟ فقال الرسول الكريم: نعم، يُميتك الله ثم يبعثك ثم يحشُرك إلى النار ونزلت هذه الآية».
ثم أمر الله تعالى رسوله الكريم ان يقول لهم: {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}
فالذي خلق هذا الخلق من البدء قادرٌ على إحيائه بعد موته.
ثم ذكر دليلاً ثانيا يبطل إنكارهم فقال: {الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ}
ان من جعل لنا النار من الشجر الأخضر قادرٌ على ما يريد، لا يمنعه شيء.
ثم جاء بدليل ثالث على قدرته أعجبَ من سابقَيه فقال: {أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى وَهُوَ الخلاق العليم}
فإن خلْقَ هذا الكون الكبير العجيب لهو أعظمُ واكبر من خلق الإنسان واعادته، كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} [غافر: 57].
ثم بين ما هو كالنتيجة لما سلف من تقرير واسع قدرته، واثبات عظيم سلطانه فقال: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.
فالله سبحانه وتعالى يخلق كل ما يريد بلا كلفة ولا جهد، وليس هناك صعوبة، وليس هناك قريب ولا بعيد، فعندما يأمر بالشيء يكون بلا توقف ولا تردد.
وعندما اثبت لنفسه القدرة التامة والسلطة العامة نزّه نفسه عما وصفوه به، فقال: {فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
فتنزيهاً للذي بيدِه مقاليدُ كل شيء، وبقدرته مُلْكُ كل شيءٍ، واليه المرجع والمصير.

.سورة الصافات:

.تفسير الآيات (1- 10):

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)}
الصافات: جماعة الملائكة. فالزاجرات: من صِفات أعمال الملائكة. فالتاليات: من صفات أعمالهم أيضا المشارق: مشارق الشمس وجميع الكواكب والنجوم، لن الشمس تشرق كل يوم من جهة، وكذلك المغارب لم يذكرها اكتفاء بتعدُّد المشارق. السماء الدنيا: اقرب سماءٍ لنا. مارد: متمرد. الملأ: الجماعة يجتمعون على رأي، والمراد هنا الملائكة: يقذفون: يرجمون. دحورا: طرداً وابعادا. واصِب: دائم. خطف الخطفة: أخذ بسرعة على غِرة. الشهاب: الشعلة من النار، والنجم المضيئ المنقضّ من السماء. ثاقب: مضئ.
أقسَم الله سبحانه وتعالى بالملائكة المصطفّين في مقام العبودية، الذين يردعون الناسَ عن الشر، ويتلون آياتِه على الأنبياء أن الله المعبود واحدٌ، لا شريك له، هو رب السموات والأرض وما بينهما، وربّ المشارق والمغارب.
وانه زيّن السماءَ الدنيا التي نراها بالكواكب وجعل هذه الكواكب حفاظاً للسماء من كل شيطان متمرد، فلا يمكن للشياطين المتمرّدين التسمُّعُ إلى ما يجري في عالم الملائكة، واذا أرادوا ذلك رُجموا من كل جانب، وطُردوا طرداً عنيفاً، ولهم عذاب شديدٌ دائم، الا من اختلس الكلمةَ من أخبار السماء فإننا نُتبعه بشهابٍ ثاقب يلحقه فيصيبه ويحرقه حرقا.
اما كيف يتم هذا كله فإننا لا نعرفه.. فهو من الغيبيات التي تعجز طبيعتنا البشرية عن تصوّر كيفياتها، ونصدّق بها وبما جاء من عند الله.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: {بزينةِ الكواكب} بجر {زينة} و{الكواكب} مضاف اليه. وقرأ أبو بكر: {بزينةٍ الكواكبَ} بنصب {الكواكب} وجر {زينة} منونا. والباقون: {بزينةٍ الكواكبِ} بتنوين {زينة} مجردا وخفض {الكواكب} على البدل. وقرأ الكسائي وحمزة وخلف وحفص: {لا يَسَّمّعون} بفتح السين والميم وتشديدهما. وقرأ الباقون: {لا يسمعون} باسكان السين وفتح الميم بدون تشديد.

.تفسير الآيات (11- 26):

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)}
فاستفْهم: اسألهم. أشد خلْقا: أصعب خلقا. لازِب: لازم ثابت، لاصق. إذا ذُكّروا لا يذكرون: إذا وُعظوا لا يتعظون. آية: معجزة. يستسخرون: يسخرون، يستهزئون. داخرون: صاغرون. زجرة واحدة: صيحة واحدة. يا ويلنا: يا هلاكنا. يوم الفصل: يوم الحساب بين الناس. فاهدوهم: دُلّوهم. إلى صراط الجحيم: إلى طريق الجحيم. قِفوهم: احبسوهم في الموقف. لا تَناصرون: لا تتناصرون، لا ينصر بعضكم بعضا.
اسأل أيها الرسول هؤلاء المنكرين للبعث: أهُمْ اعصبُ خلقاً أم السمواتُ والأرض وما في هذا الكون الكبير! لقد خلقنا كل ذلك من لا شيء، وخلقناهم من طين لاصقٍ بعضُه ببعض، فأين هم من خلق هذا الكون العجيب!
{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ}
بل عجبتَ أيها النبيّ من إنكارهم للبعث وهم يسخَرون من تعجّبك ويستهزئون. واذا وُعظوا ودعوا إلى عبادة الله لا يتّعظون. واذا رأوا برهاناً على قدرة الله بالغوا في السخيرة والاستهزاء وقالوا: ما هذا الذينراه إلا سحر ظاهر، وخدجعة من الخدع. أئذات مِتنا وصرنا تراباً وعظاماً سنُبعث مرة أُخرى من قبورنا، وكذلك يُبعث آباؤنا الأولون الذين ماتوا من قرون قديمة!؟
{قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ}
قل لهم ايها النبي: نعم ستبعثون جميعا وأنتم أذلاء صاغرون. فانما البعثة صيحة واحدة فاذا هم أحياء ينظرون إلى ما كانوا يوعدون، وعند ذلك يقولون: يا ويلنا هذا هو يوم القيامة الذي يفصَل فيه بين الناس، والذي كنتم به تكذِّبون. ويقول الله للملائكة: اجمعوا الذين ظلموا انفسهم بالكفر، وأزواجَهم وجميع من على شاكلتهم وما كانوا يعبدون من الاصنام وغيرها من دون الله- فقودوهم إلى طريق جهنم، مقرهم الأخير.
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} عما كاناو يعملون في الدنيا من كفر والحاد وفساد. ويقال لهم {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ؟} لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا تفعلون! ولكنهم لا يستطيعون عمل شيء وينقادون مستسلمين أمر الله.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي: {بل عجبتُ} بضم التاء. والباقون: {بل عجبتَ} بفتح التاء. وقرأ ابن عامر: {إذا متنا} بهمزة واحدة، والباقون: {أإذا متنا} بهمزتين على الاستفهام. وقرأ نافع والكسائي ويعقوب: إنا لمبعوثون بهمزة واحدة والباقون: أإنا لمبعوثون. وقرأ ابن عامر أوْ آباؤنا الأولون: بسكون الواو.

.تفسير الآيات (27- 37):

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)}
عن اليمين: عن جهة الخير، واليمينُ لها عدة معانٍ منها: اليد والجهة المقابلة لليسار، والخير وغير ذلك. من سلطان: من قهر وتسلط. طاغين: متجاوزين الحدَّ في العصيان. فحق علينا: فوجب علينا. فأغويناكم: اضللناكم.
وبعد أن بيّن الله تعالى أنهم يوم القيامة يندمون عندما يرون العذابَ- ذكر هنا أنهم يُقبلون على بعضهم البعض، ويتلاومون ويتخاصمون، ويسأل بعضهم بعضاً عن مصيرهم السيّئ ويقول التابعون للمتبوعين.
{قالوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين}
قالوا لهم: إنكم كنتم تغشوننا وتأتوننا من الناحية التي نظنُّ فيها الخير واليمن، لتصرفونا عن الحق إلى الضلال.
فيرد عليهم الرؤساء بقولهم: {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ}
إنا ما أضللناكم بل كنتم أنتم بطبيعتكم مستعدّين للكفر.
{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ}
وجبض علينا ما قاله الله في أننا لذائقون العذاب في هذا اليوم، وكل ما فعلناه بكم أننا دعوناكم لتكونوا مثلنا فاستجبتم لدعوتنا، فلا لومَ علينا. ويومئذ يكون التابعون والمتبوعون في العذاب مشتركين.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين}
هذه سنةُ الله في خلقه، يعطي كل عامل جزاء ما قدّمت يداه.
ان هؤلاء المجرمين كانوا إذا قيل لهم لا إله الا الله يستكبرون ويقولون: أنترك عبادةَ آلهتنا لقول شاعر مجنون!
ومن ثم يكذّبهم الله تعالى ويّرد عليهم بقوله: {بَلْ جَآءَ بالحق وَصَدَّقَ المرسلين}
بل جاءهم رسولهم بالحق الذي هو التوحيد الذي دعا اليه جميع الرسل، وصدّق بذلك دعوة المرسَلين الذين جاؤوا قبله.

.تفسير الآيات (38- 49):

{إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)}
بكأس: فيه شرابٌ صاف: من مَعين: من ماءٍ غزير. لذة: فيها لذة. غَوْل: ما ينشأ عن الخمر من صداع، وهو الكحول. يُنزفون: لا تذهب عقولهم بالسُّكر. قاصرات الطرف: عفيفات. عِين: عيناء، واسعات العيون جميلات. مكنون: مصون لا تمسّه الأيدي، والمراد: اللؤلؤ.
يبن الله تعالى هنا أنه لا فائدةَ من هذا الخصام والجدال فالعذابُ واقع بكم جميعا.
{وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
وهذا هو العدل... كل غنسان يلاقي عمله ويجزى به.
بعد ذلك بيّن الله حال عباده المؤمنين العاملين، وهم في جنات يتمتعون فيها بكل ما لذَّ وطاب من انوع الفواكه، وفوق ذلك اكرامُ الله لهم في ضيافته. ويأتيهم ذلك الرزق الكريم وهم جالسون على سُرر متقابلين، يتمتعون بطيّب الحديث، يطوف عليهم الولدان بكأس من أجودِ الشراب في الجنة بألوان مشرقة، لا تورث صُداعاً ولا تُذهب وعيَ شاربيها، ويظلّون في هذا النعيم المقيم. ثم بيّن محاسنَ زوجاتهم، لبيان تمام السرور فقال: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ}
ولديهم زوجاتٌ عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن، وهن في غاية الجمال، بيضٌ كأنهن البيض النقيّ المصون. والعرب يشبّهون النساء البيض الخُود باللؤلؤ. قال الشاعر:
وبيضةِ خودٍ لا يرام خباؤها

وقال الشاعر:
وهي بيضاء مثل لؤلؤة الغوّا ** ص ميزت من جوهرٍ مكنون

ويقول تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون} [الواقعة: 22- 23].

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي وخلف: {ينزِفون} بكسر الزاي، والباقون: {يُنْزَفون} بفتح الزاي على البناء للمجهول.