فصل: تفسير الآيات (50- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (50- 68):

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)}
قرين: صاحب. لمدينون: لمحاسَبون، لمجزيّون. مطلعون: مشرفون. سواء الجحيم: وسط النار. لتُردِين: لتهلكني. لمحضَرين: لمسوقين للعذاب. نزلا: كل ما يهيأ للضيف. شجرة الزقوم: شجرة كريهة في جهنم. فتنة: محنة. أصل الجحيم: قعر جهنم. طلعُها: ثمرها. رؤوس الشياطين: في قبح الشياطين، والعربُ تشبه كل قبيح بالشيطان. الشوْب: الخلط. الحميم: الحار. مرجعهم: مصيرهم.
لا يزال الحديث عن أهل الجنة، فإنهم وهم في متعتهم وسرورهم، يساءلون عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا. قال قائلم منهم: كان لي صاحب من المشركين يجادلني في ادين ويقول: أإنك لمن الذين يصدّقون بالبعث بعد الموت وبالحساب والجزاء!! وهل بعد أن نموت ونصير تراباً وعظاماً بالية نحيا مرةً لنحاسَب على ما قدّمنا من عمل!!. فيتطلّع ذلك المؤمن ويدعو اخوانه ان يتطلعوا معه.
{فاطلع فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم}
حينما رآه قال: تاللهِ لقد كدتَ تهلكني لو أطعتك على الكفر معك، ولولا نعمةُ ربي بأن هداني للايمان بالله والبعث لكنتُ مثلك من المحضَرين في العذاب.
ثم يقول لجلسائه تحدثاً بنعمة ربه عليه وعلى مسمعٍ من قرينه: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}
لقد اجتزنا الامتحان بنجاح والحمد لله، فلا موتَ بعد الموتة الأولى ولا تعبَ بعد اليوم.
{إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون}
وفي معنى هذه الآية يتوضح اكثر قوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} [الدخان: 56].
اما كيفية رؤية أهل الجنة لأهل النار وبينهم مسافاتٌ شاسعة فإنها من الغيبيات اليت تخالف وضعنا وحياتنا، ونحن لا نعرف كيف تجري احوال الدار الآخرة جميعهان ولا نستطيع فهمها.
ثم بيّن أحوال أهل جهنم وما يلاقون فيها من العذاب الدائم ليظهر الفرقُ بين أهل النعيم واهل الجحيم، فقال: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم؟....}
اهذا الرزقُ الذي ناله أهل الجنة خيرٌ أم حالُ أهلِ النار الذين يأكلون من شجرة الزقوم التي جعلناها فتنةً وبلاء للكافرين!؟ والزقّوم شجرةٌ تنبت ف وسط الجحيم، ثمرها قبيح المنظر كريه الصورة كأنه رؤوس الشياطين. ومن ثمرها يأكل الكفار. وهم يملأون بطونهم منه، فاذا عطشوا وأرادوا شرب الماء، يغاثون بماء حار مشوب باخلاط من جهنم يشوي وجوههم، وتتقطع منه أمعاؤهم، كما قال في سورة الكهف 29 {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً}

.تفسير الآيات (69- 82):

{إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74) وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82)}
يُهرعون: يسرعون. وتركنا عليه: ابقينا لنوحٍ ذكراً جميلا.
ان هؤلاء الجاحدين وجدوا آباءهم ضاليّن، فاقتفوا آثارهم من غير ان يستعملوا عقولهم، بل مقلّدين غير مستبصرين. فهم وآباؤهم صورة من صور الضلال التي يمثلها اكثر الأولين. ولقد أرسلنا في هذه الامم الخالية رسُلا ينذرونهم، فكذّبوهم، فانظر كيف كان مآل الذين أنذرَتْهم رسلُنا.. لقد هلكوا فصاروا عِبرةً للأولين والآخرين.
ولكنْ هناك مؤمنون استخلصهم الله، ففازوا بثوابه. ثم يذكر بعد ذلك بعض قصص الأنبياء باختصار للعبرة والذكرى.
ولقد نادانا نوح حين يئس من قومه، فكنّا له نعم المجيبين، ونجيناه ومن آمن معه من الغرق والطوفان، وجعلنا ذرّيته هم الباقين في الأرض، وتركنا له ذِكراً جميلا في العالم إلى يوم القيامة.

.تفسير الآيات (83- 99):

{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)}
من شيعته: من جماعته الذين ساروا على منهاجه. سليم: سالم من جميع العلل والآفات النفسية. أئفكاً: اكذبا. سقيم: مريض. راغ الى: مال اليهم سرا. وراغ عليهم: مال عيهم ضربا، وراغ لها معان اخرى. باليمين: بقوة وشدة. يزِفّون: يسرعون.
وان من شيعة نوحٍ الذي ساروا على نهجه ابراهيمَ عليه السلام، اذ أقبل على ربه بقلبٍ طاهر خالٍ من كل سوء، وانكر على قومه وأبيه ما يعبدون من الاصنام، وقال لهم: اتعبدون آلهةً غير الله كذباً وزورا!.
{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين} حى تعبدوا غيره من هذه الاصنام.
{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم} ليستدل بها على خالق الكون، فوجدها متغيرة متحولة.
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} من هذ الاحوال ومن عبادة غير الله.
فأعرض عنه قومه وتركوه. فذهب مستخفيا إلى اصنامهم وسألهم مستهزئا فقال لهم: {أَلا تَأْكُلُونَ؟ مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ}؟ لماذا لا تتكلمون؟. فمال عليهم بضربٍ شديد فكسّرهم حتى حطمهم جميعا. فأقبل قومه اليه مسرعين يعاتبونه على ما ارتكب في شأن آلهتهم. فقال لهم ابراهيم، موبخا لهم: أتعبدون ما تنحتونه بأيديكم من حجارة، واللهُ خلقكم وخلقَ ما تصنعون بأيديكم، أين عقولكم!!
فلما أعجزتْهم الحيلةُ ولزمتْهُم الحجة قالوا: ابنوا له بنيانا، واملأؤه ناراً وألقوه فيها. لقد أرادوا ان يحرقوه وينتقموا منه، فأنجاه الله من النار بعد أن ألقوه فيها، {فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين}. وقال ابراهيم لمّا يئس من ايمانهم: إني مهاجرٌ إلى ربي، وهو سيهديني إلى الخير والمقر الأمين.

.قراءات:

قرأ حمزة: {يزِفون} بضم الياء. والباقون: {يَزفون}. وهما لغتان.

.تفسير الآيات (100- 113):

{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)}
فلما بلغ معه السعي: فلما أدرك وكبر. أسلما: استسلما لأمر الله. تلّه: كبّه على وجهه. صدّقت الرؤيا: حققت ما طلب منك. البلاء المبين: الاختبار الواضح. بِذبح: حيوان يُذبح. باركنا عليه: أفضنا عليه البركات.
لا يزال الكلام عن سيّدنا إبراهيم بعد أن نجّاه الله وهاجر إلى ربه، وكان وحيداً لم يُرزق ذرية، فاتجه إلى ربه يسأله الذريةَ الصالحة، فاستجاب الله دعاءه بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} هو اسماعيل. وكان كما قال تعالى: من الصالحين. وشبّ وكبر، ولما بلغ مبلغ الرجال قال له أبوه إبراهيم: يا بنيّ، إني رأيت في المنام وحياً يطلب مني أن أذبحك تقرباً إلى الله، فانظر ماذا ترى؟. فقال اسماعيل: يا أبت، افعلْ ما تؤمر به، {ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين}. فلما استسلما وانقادا لأوامر الله وقضائه، ووضع ابراهيمُ ابنَه على الأرض ليذبحه (وبذلك نجح ابراهيم وابنه في الامتحان)، ناداه الله تعالى: {أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ} وحقّقتها فعلا. وعلم الله بذلك صِدْق ابراهيم واطاعة ابنه له ولربه.
{كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين}
نجزيهم أحسنَ الجزاء لقاءَ إطاعة اوامرنا، ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء.
ثم بين الله عظيم صبر إبراهيم على امتثال امر ربه مع ما فيه من عظم المشقة فقال: {إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
ما دمت يا ابراهيم قد جُدْتَ بأعزّ شيء عندك، وهو ابنك الوحيد، (وما أعظم هذا الابتلاء الذي ابتليناك به أنت وولدك) فقد امرنا افتداءه بكبش عظيم. واصحبت تلك سُنّةٌ له ولمن جاء بعده، وهي سنة النحر في عيد الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين}
وابقينا له الثناءَ والذِكر الحسن على الألسنة إلى يوم القيامة، فهو مذكور على توالي الاجيال والقرون. {سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين}.
سلام عليه من ربه يسجَّل في كتابه الباقي إلى يوم الدين.
وكرر الله قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} على الوفاء والطاعة والاستقامة بالذكر الحسن والسلام والتكريم. فانه من عباد الله المؤمنين حقا.
ثم يتجلى عيله ربه بفضله مرة أخرى فيهبُ له (إسحاق) في شيخوخته، ويباركه ويبارك ذريته: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ}.
وفي ذلك تنبيه إلى ان النسب لا أثر له في الهدى والضلال، وان الظلم في الأعقاب لا يعود إلى الأصول بنقيصة، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [الأنعام: 164] [الإسراء: 15] [وفاطر: 18].

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي: {ماذا تُرِي} بضم التاء وكسر الراء. والباقون: {ماذا ترى} بفتح التاء والراء.

.تفسير الآيات (114- 132):

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآَتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآَخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)}
الكرب: الشدة. المستبين: الواضح. بعلاً: اسم الصنم الذي كانوا يعبدونه.
في هذه الآيات الكريمة يتحدّث القرآن الكريم عن سيدنا موسى وهارون وإلياس. وقد تقدّم الكلام عن موسى اكثر من مرة، وهنا ذُكر باختصار. اما الياس فقد ذكر مرة في سورة الانعام بقوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين} وهنا في عشر آيات.
والمعنى: ولقد تفضلنا على موسى وهارون، ونجّيناهما وقومهما من فرعون وقومه بعد أن كانوا في كرب عظيم من الظلم والاضطهاد، ثم نصرناهم على الكافرين. وآتينا موسى وهارون التوراة ذات البيات العظيم {وَهَدَيْنَاهُمَا الصراط المستقيم} وأبيقنا لهما لاذكر الحسن والثناء الجميل.
{سَلاَمٌ على موسى وَهَارُونَ}
اننا على هذا النحو نكافئ المحسنين، انهما من عبادنا المؤمنين.
قال ابن جرير: إن الياس من انبياء بني اسرائيل، ويقول بعضهم: إنه إدريس الذي جاء ذكره في سورة مريم والأنبياء، فنصح قومه ان يتركوا عبادة صنمهم بعل، ويعبدوا الله، فكذّبوه، فجزاؤهم جهنم يوم القيامة الا قوما منهم أخلصوا العمل لله وأنابوا اليه.
إل ياسين: لغة في الياس.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص: {الله ربكم ورب} بالنصب، والباقون بالرفع. وقرأ نافع ويعقوب وابن عامر: {سلام على آل ياسين} بمد همزة آل والاضافة. والباقون: {إلْ ياسين}. فمن قرأ {آل ياسين} يكون معناه آل محمد، وقال بعضهم آل القرآن.

.تفسير الآيات (133- 148):

{وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)}
في الغابرين: الباقين مع الكافرين. مصبحين: في وقت الصباح. إذ أبقَ: هرب من سيده. المشحون: المملوء. فساهَمَ: ضرب أهل السفينة القرعة. المدحَضين: المغلوبين. مُليم: فَعَلَ ما يستحق عليه اللوم. العَراء: المكان الخالي. يقطين: اليقطين: كل ما لا ساق له من النبات، وغلب على القرع.
وقد نجينا لوطاً وأهله إلا امرأته العجوز التي بقيت مع الهالكين، ثم دمّرنا قومه. وإنكم يا مشركي قريش لتمرون على أطلال بيوتهم بسَدوم في البحر الميت في طريقكم إلى الشام. وقد تقدم ذكرُ لوط في سور الاعراف وهود والعنكبوت.
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين}
إذ يئس من هداية قومه فهرب منهم قبل ان يأذن له الله، وركب في سفينة مملوءة بالمسافرين والامتعة، فوقفت السفينة ولم تتحرك، فقال ركابها: إن هنا رجلاً هارباً من سيده. فعملوا قرعة بينهم، فخرجت القرعة على يونس، ورمى بنفسه في البحر فالتقمه الحوت.
{فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين}
لولا ذلك لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة. فَلَفَظَه بأرض خالية من النبات، وهو سقيم من شدة ما لقي في بطن الحوت.
{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}.
وبعد أن شفي أرسلناه إلى أهل نينوى، وهم اكثر من مائة الف، فآمنوا به فمتعناهم إلى وقت معلوم.