فصل: تفسير الآيات (246- 247):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (246- 247):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)}
الملأ: القوم. كتب: فرض. اصفطاه: اختاره. السعة: الغنى. البسطة في الجسم: العِظم والضخامة.
يبين لنا الله تعالى هنا في هذه القصة، كما في معظمم الآيات المتعلقة باليهود، نفسية بني إسرائيل وتعنتهم. فبعد موسى اجتمع أهل الرأي فيهم إلى نبي لهم لم يسمّه القرآن وطلبوا اليه ان ينصّب علهيم ملكاً ليقاتلوا تحت رايته. فقال لهم نبيهم وقد أراد ان يستوثق من صدق عزيمتهم: الا يُنتظر منكم ان تجبُنوا عن القتال إذا فرض عليكم؟ فأنكروا ان يقع ذلك منهم قائلين: وكيف لا نقاتل لاسترداد حقوقنا وقد أخرجَنا العدوّ من أوطاننا، وتركْنا أهلنا وأولادنا! فلما أجاب الله رغبتهم وفرض عليهم القتال أعرضوا عنه وتخلّفوا، الا جماعة قليلة منهم.
وكان إعراضهم وتخلفهم هذا ظلماً منهم لأنفسهم ونبيِّهم ودينهم، والله عليم بالظالمين.
وقال لهم نبيّهم: إن الله استجاب لكم فاختار طالوت ملكاً عليكم. فاعترض كبراؤهم على اختيار الله قائلين: كيف يكون طالوت ملكاً علينا ونحن أولى منه! انه ليس بذي نسب، فليس هو من سلالة الملوك ولا النبوة، وليس له مال. وهذا هو مقياس الأولوية عندهم.
فردّ عليهم نبيهم قائلا: إن الله اصطفاه من بينكم لأن فيه صفات ومزايا أهمَّ من المال والنسب. وهي السعة في العلم، للتدبير وحسن القيادة، والخبرة بشؤون الحرب وسياسة الحكم، مع قوة الجسم. السلطانُ بيد الله يعطيه من يشاء من عباده ولا يعتمد على وراثة أو مال، والله واسع عليم.

.تفسير الآيات (248- 252):

{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)}
التابوت: صندوق فيه التوراة. السَّكينة: ما تسكن اليه النفس ويطمئن به القلب. يطعمه: يذوقه. الطاقة: أدنى درجات القوة. الفئة: الجماعة.
في هذه الآيات الكريمة بقية قصة النبي الاسرائيل الذي لم يُسّمَّ مع قومه، فقد قال لهم: إن دليل صدقي على أن الله اختار طالوت ملكاً عليكم هو ان يأتيكم بالتابوت الذي سُلب منكم تحمله الملائكة، وفي هذا التابوت بعض آثار آل موسى وآل هارون كالتوراة والعصا والألواح وأشياء أخرى توارثها علماؤكم. وفي ذلك علامة على عناية الله بكم، ان كنتم مؤمنين.
فلما خرج طالوت من البلد يصحبُه جنوده الكثيرون عطشوا، فقال لهم طالوت: إن ا لله مختبركم بنهرٍ في طريقكم، فلا تشربوا منه بل اغرفوا بأيديكم قليلا منه فقط، فمن شرب منه أكثر من غَرفة فانه ليس من جيشنا، لخروجه عن طاعة الله فلم يصبروا على هذا الاختبار وشربوا إلا جماعهة قليلة صبرت وأطاعت. فاصطحب طالوت هذه القلة الصابرة واجتاز بها النهر. فلما ظهرت لهم كثرة عدوّهم قالوا: لن نستطيع اليوم ان نقاتل جالوت وجنوده، لكثرتهم وقلّتنا. فقال نفر منهم ثبَّتَ الله قلوبهم: لا تخافوا، كم من جماعة قليلة مؤمنة غلبت جماعةً كثيرة كافرة بإذن الله، والله مع الصابرين.
وقد دعوا الله عندما برزوا اللحرب أن يثّبت أقدامهم، وينصرهم على أعدائهم الكافرين. فهزوا عدوّهم بإذن الله تعالى. وكان في الجيش داود النبي فقتل جالوتَ قائ الكفار، وأعطاه الله الملك والحكمة وعلّمه مما يشاء.
تلك آيات الله نقصّها عليك أيها الرسول الكريم بالحق والصدق لتكون لك أسوة ودليلاً على صدق رسالتك، ولتعلم أننا سننصرك كما نصرنا مَن قبلك من المرسلين، كيما علم بأن الكثرة لا قيمة لها إذا لم تكن منظمة مؤمنة، وان الايمان بالله والعمل الصادق هما القوة الحقيقية.

.القراءات:

قرأ ابن عامر والكوفيون: {غرفة} بالضم، الباقون: {غرفة} بالفتح.

.تفسير الآية رقم (253):

{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)}
هؤلا ء الرسل المشار اليهم بقوله: {وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} فضّلنا بعضهم معلى بعض في مراتب الكمال، ومع انهم كلَّهم رصل الله، وهم جديرون ان يقتدى بهم، ويهتدى بهديهم فقد امتاز بعضهم عن بعض بخصائص: في أنفسهم، وفي شرائعهم وأممهم. فمنهم من كلّمه الله مثل موسى، ومنهم من رفعه الله إلى درجات الكمال والشرف مثل محمد، الذي اختص بعموم الرسالة، وكمال الشريعة وختم الرسالات. وآتينا عيسى بن مريم البيّنات، وأمددناه بالمعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأيدناه بروح القُدس.
وقد جاء هؤلاء الرسل بالهدى ودين الحق. وكان مقتضى هذا ان يؤمن الناس جميعا، ولا يختلفوا ولا يقتتلوا. ولو شاء الله ما فعلوا، ولكن الله لم يشأ ذلك. لهذا اختلفوا، فمنهم من آمن ومنهم من كفر. والله يفعل ما يريد لحكمة قدّرها.

.تفسير الآية رقم (254):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)}
خلة: صداقة ومودة.
يا أيها المؤمنون بالله واليوم الآخر، أنفقوا من بعض ما رزقكم الله في وجوه الخير، فهو الذي ينجيكم يوم القيامة، يوم لا تستطيعون ادراك ما فاتكم في الدنيا، ولا بيع ولا شراء، يوم لا تنفع صداقة ولا شفاعة دون اذن الله، ولا يستطيع احد ان يفدي احدام. إن الكافرين هم الذين ظهر ظلمهم يومذاك، ولسوف يندمون على ما علموا حيث لا تنفع الندامة.

.تفسير الآية رقم (255):

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
القيوم: الدائم القيام بتدبير خلقه. لا تأخذه: لا تستولي عليه. سنة: فتور يتقدم النوم، نعاس. الكرسي: إما العرش، أو العِلم الالَهي. يئوده: يثقله.
في هذه الآية الكريمة التي اشتهرت باسم آية الكرسي تقرير أصول الدين في توحيد الله وتنزيهه حتى يستشعر العبد عظيم سلطانه، ووجوب طاعته، والوقوف عند حدوده. وقد جمعت هذه الآية أصول الصفات الالَهية ايضاً، فهو واحد حيّ، قيُّوم لا يصيبه نعاس ولا نوم، له ما خفي من العالم وما بطن، مطلق التصرف لا يَرُدُّ حُكمه شفيع، عالم بخفيّات الأمور لا يستطيع أحد ان يدرك شيئاً من علمه الا ما أراد ان يُعلم به من يرتضيه، وسع علمُه كل شيء في السموات والأرض، ولا يشقّ عليه حفظهما وتدبيرهما، وهو العلي العظيم.
وانها لآيةٌ تملأ القلب مهابة من الله وجلاله وكماله، حتى لا تدع موضعاً للغرور بالشفعاء. هي آية جليلة الشأن، عميقة الدلالة. وقد ورد في حديث أخرجه الإمام احمد عن أسماء بن يزيد «إنها أعظم آية في كتاب الله وانها مشتملة على اسم الله الأعظم».

.تفسير الآية رقم (256):

{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)}
تبين: ظهر ووضح. الرشد: بالضم والرشد، والرشاد: الهدى وكل خير. الغي: الجهل. الطاغوت: الشيطان، وكل ما يُعبد من دون الله. العروة، من الدلو أو الكوز، مقبضه. الوثقى: الوثيقة المتينة.. والمراد بها هنا الايمان بالل. الانفصام: الانقطاع، والانكسار.
لا يُكره احد على الدخول في الاسلام، فقد وضح طريق الحق والهدى من طريق الغي والضلال. فمن هداه الله لأن يدخل في الدين ويكفر بالأوثان وكل ما سِوى الله، فقد استمسك بأمتن وسائل الحق، التي لا تنقطع، كما اعتصم بطاعة الله فلا يخشى خذلانه إياه عند حاجته اليه في الآخرة.
وهذه الآية من أكبر الحجج التي تبيّن عظمة الإسلام، فهي نص صريح على أن مبدأه هو حرية الاعتقاد. وفي هذا المبدأ يتجلى تكريم الله للإنسان واحترام ارادته ومشاعره. لقد ترك أمره لنفسه فيما يختص في الاعتقاد. وحرية الاعتقاد هي أو حقوق الانسان. ومع حرية الاعتقاد هذه تتمشى الدعوةى للعقيدة. ان الإسلام هو الدين والوحيد الذي ينادي بأن لا إكراه في الدين، والذي يبين لأصحابه قبل سواهم أنهم ممنوعون من إكراه غيرهم على اعتناقه.
روى الطبري عن ابن عباس ان رجلاً من الأنصار يقال له الحصيني كان له ابنان نصرنيان، وكان هو مسلما، فقال للنبي: ألا أُكرهمما على الاسلام؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
اما الذين يقولون ان الإسلام قد انتشر بالسيف، فإنهم من المغرضين المفترين على الله. ذل أن الجهاد في الإسلام انما فُرض لرد الاعتداء ولحماية العقيدة، لا ليكرِه أحداً على الإسلام.

.تفسير الآية رقم (257):

{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}
الله متولي شئون المؤمنين، يخرجهم من ظلمات الشك والجهل والحيرة المؤدية إلى الكفر، إلى نور الحق والاطمئنان وهو الإيمان. والكافرون أولياؤهم الشياطين ودعاة الشر والضلال، يخرجهم من امكانية تقبّل نور الإيمان إلى واقع ظلمات الكفر والضلال. انهم أهلُ النار هم فيها خالدون.

.تفسير الآية رقم (258):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
حاج: جادل. بهت: انقطع وسكت متحيرا.
ألم ينته إلى علمك يا محمد قصة ذلك الملك الجبار الذي ادعى الربوبيّةَ وجادل ابراهيم خليل الله، في الوهية ربه ووحدانيته. لقد أبطره الملك فحمله على الاسراف والاعجاب بقدرته، حتى جادل ابراهيم، فعندما قال له ابراهيم: إن الله يحيي ويميت، وذلك ينفخ الروح في الجسم واخراجها منه قال الملك: أنا أيضاً أحيي وأميت، أعفو عمن حُكم عليه بالاعدام فأحييه، وأميت من شئت إماتته فآمرُ بقتله.
فقال ابراهيم ليقطع مجادلته: إن الله يُطلع الشمس من المشرق، فان كنت تستطيع ان تغير شيئاً من نظام هذا الكون فأطعل لنا الشمس من المغرب. عند ذاك بُهت الملك وانقطع، وسكت متحيرا. ومع هذا بقي على غيه وضلاله وقال: إن هذا إنسان مجنون فأخرِجوه، ألا ترونه قد اجترأ على آلهتكم؟ والله لا يهدي القوم الظالمين إلى اتباع الحق.

.القراءات:

قرأ حمزة {رب} بحذف الياء. وقرأ نافع {أنا} من غير ان يمد الألف.

.تفسير الآية رقم (259):

{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
القرية: معروضة، وقد تطلق على البلد الكبير. وهنا لم يحدد مكانها، ولم يرد خبر صحيح عن مواضعها. خاوية على عروشها: خالية وساقطة على سقوفها. ويقال العروش هي الأبنية أيضا. لم يتسنّه: لم يتغير ولم يفسد ننشزها: نجعلها ترتفع، ثم نكسوهنا اللحم.
في هذه الآية الكريمة والتي بعدها يعرض علينا الله سبحانه وتعالى أسرار الحياة والموت. فالموتُ نتيجة حتيمة لهذه الحياة، بل هو ظاهرة طبيعية مكلمة لصفات الكائن الحي. فكما تتصف الأحياء بالنمو والتكاثر والحركة تتصف أيضاً بالضعف والفناء.
وبين الآية السابقة {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ} وهذه الآيةِ عطف. فيقول: ألم تعلم بهذه القصة العجيبة، قصة ذلك الرجل الذي مر على قرية متهدمة سقطت سقوفها وهلك أهلها، فقال متعجبا: كيف يحيي الله أهل هذه القرية بعد موتهم! وكيف تعمرُ هذه القرية بعد خرابها! فأماته الله مائة عام، ثم بعثه حتى يبيّن له سهولة البعث على الله. وبعد ذلك سُئل: كم المدة التي لبثْتَها ميتا؟ قال، وهو لا يعلم: قد مكثت يوما أو بعض يوم. فقال له الله: بل مكثتَ مائة عام. ثم وجّه نظره إلى أمر آخر من دلائل قدرته فقال لهك انظر إلى طعامك لم يفسد ولم يتغير، وكذلك شرابك. وانظر إلى حمارك أيضاً كيف نخرتْ عظامه وتقطعت أوصاله حتى تستيقن طول المدة الي مكثتها وتؤمن بالإحياء بعد الموت. ولنجعلَكَ آيةً ناطقة للناس بالبعث. انظر إلى العظم نركّبه ونجعله ينمو ثم نكسوه اللحمن ثم ننفخ فيه الروح فتتحرك.
لقد أطلعناك على بعض آياتنا الدالة على قدرتنا على البعث، لتعلم ان الله تعالى قادر على أن يعيد العمران للقرية ويعرها بالناس والحيوان. وأن ذلك القادر على الإحياء بعد مائة عام وهو قادر عليه بعد آلاف السنين. و{كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ}. فلما ظهر له إحياء الميت عياناً قال: إن الله على كل شيء قدير.

.القراءات:

قرأ حمزة والكسائي {لم يتسن} بغير الهاء. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب {ننشرها} بالراء المهملة من أنشر، وقرأ حمزة والكسائي: {اعلم} بصيغة الأمر.