فصل: تفسير الآيات (42- 62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (42- 62):

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}
المنتهى: المعاد يوم القيامة. تُمْنَى: تصبّ في الرحم وتدفع فيه. النشأة الاخرى: البعث يوم القيامة. أغنى: كفى عبده وأغناه عن سؤال الناس. أقنى: أعطاه فوق الغنى من لمال ما يُقتنى ويُدّخر. الشّعرى: نجم مضيء وهي معروفة بالشّعرى اليمانية، أشدّ نجمٍ لمعاناً في السماء، يبلغ قطرها ضِعف قطر الشمس، وأكثر لمعاناً من الشمس بِ 27 مرة. وكان بعض العرب يعبدونها في الجاهلية. عاداً الأولى: قوم هود. المؤتفكة: قرى قوم لوط، ائتفكت الأرض: انقلبت بمن عليها. أهوى: أسقطها في الأرض، خسف بها الأرض. غشّاها: غطاها العذاب. آلاء رَبِّكَ: نِعمه. مفردها إلي بفتح الهمزة وكسرها. تتمارى: تشك. أزفت: دنت واقتربت. الآزفة: الساعة يوم القيامة. كاشفة: من الكشف والإظهار. أفمن هذا الحديث: يعني القرآن. سامدون: لاهون.
في ختام هذه السورة الكريمة يعجَب اللهُ تعالى من أمر الانسان، وانه كيف يتشكّك في أمر الله وقدرته، ويجادل ويماري في أمر الرسالات!! فمهما طالَ وجودُ الإنسان في هذه الحياة فان مصيره الموتُ والرجوعُ إليه. ان الله تعالى وحده خلَقَ ما يسرُّ وما يُحزِن، فأضحك وأبكى، وذلك بأن أنشأ للإنسان دواعي الضحك ودواعي البكاء. وقد يضحك غداً مما أبكاه اليوم، ويبكي اليوم مما أضحكه بالأمس في غير جنون ولا ذهول، إنما هي الحالاتُ النفسية المتقلبة بيدِ مقلِّب القلوب. وأنه هو يهب الحياة ويأخذُها، وانه خلَقَ الزوجين: الذكر والانثى، من نطفةٍ فيها آلاف الحيوانات الصغيرة التي لا تُرى بالعين المجردة. وهو الذي يحيينا مرةً أخرى يومَ البعث، وانه سبحانه {هُوَ أغنى وأقنى} فأعطى ما يكفي، وزادنا رضىً بما يُقْتَنَى ويُدّخر. {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} وقد نصّ بشكل خاص بانه ربّ الشعرى اليمانية (ألمع نجمٍ في كوكبة الكلب الأكبر، وأَلْمع ما يُرى من نجوم السماء)- لان بعض العرب كانوا يعبدونها. وكان قدماء المصريين يعبدونها ايضا، لأن ظهورها في جهة الشرق نحو منتصف شهر تموز قبل شروق الشمس- يتفق مع زمن الفيضان في مصر الوسطى، وهو اهم حادث في العام، وابتداء عام جديد.
لقد أهلك الله عاداً الأولى قومَ هود، وأهلم ثمودَ قوم صالح، فما أبقى عليهم. كذلك أهلك قوم نوح من قبلهم، وقد كانوا اكثر ظُلماً وأشدَّ طغياناً من عاد وثمود. أما المؤتفكة قم لوط، فقد قلَب بهم الأرض وخسفها لطغيانهم وكفرهم.
{فَغَشَّاهَا مَا غشى} فأحاط بها من العذاب الشديد المرعب ما لا يوصف.
{فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تتمارى} فبأيّ نِعمِ ربك عليك أيها الإنسان تشكّ وترتاب!! وكما قال تعالى: {يا أيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم؟....} [الإنفطار: 6]. إن هذه كلَّها أدلةٌ على وحدانية ربك وربوبيته.
{هذا نَذِيرٌ مِّنَ النذر الأولى}
هذا هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم جاءكم نذيراً بالقرآن الكريم، وهو من النذُر الأولى التي أُنذرت بها الأمم السابقة.
{أَزِفَتِ الآزفة}
قربتْ القيامة، ولا ينشِف عن وقتها الا الله، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ} [الأعراف: 187].
فما لكم ساهون لاهون!! وهل بعدَ هذا كلّه ينبغي أن تعجَبوا من هذا القرآن، وهو حديثٌ عظيم فيه كل ما يقودكم إلى الهدى والصلاح والسعادة!! وتضحكون استهزاء وسخريةً ولا تبكون، كما يفعل الموقنون!.
{فاسجدوا لِلَّهِ واعبدوا}
بهذا يختم الله تعالى هذه السورةَ الكريمة، فاسجدوا لله الذي انزلَ القرآنَ هدىً للناس، واعبدوه وحدَه لا اله الا هو. وهنا موضعُ سجدةٍ واجبة.

.قراءات:

قرأ نافع وابن كثير: {عادا الأولى} بإدغام التنوين باللام. والباقون: {عادا الأولى}. وقرأ حفص: {وثمودَ} بغير تنوين. والباقون: {وثمودا} بالتنوين. وقرأ الجمهور: {تتمارى} بتاءين. وقرأ يعقوب: {تمارى} بتاء واحدة.

.سورة القمر:

.تفسير الآيات (1- 8):

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)}
وإن يروا آية: وان يروا دليلاً على نبوة محمد. مستمر: دائم. أهواءهم: ما زينه لهم الشيطانُ من الوساوس والأوهام. مستقر: منتهٍ إلى غاية ينتهي اليها. مزدجَر: ما فيه الكفاية لزجرهم. حكمة بالغة: واصلةٌ غايةَ الإحكام والابداع. فما تُغني النذر: فما يفيد المنذِرون لمن انصرف عنهم. نُكُر: بضم النون والكاف، كل ما تنكره النفوس وتعافه. خشّعا: جمع خاشع وهو الذليل. الأجداث: القبور. مهطِعين إلى الداع: مسرعين منقادين لمن يدعوهم إلى الحشر. عُسُر: صعب شديد الهول.
يخبرنا الله تعالى باقترابِ يوم القيامة، ونهايةِ الدنيا وانقضائها، وأنّ الكونَ يختلُّ كثيرٌ من نظامه عند ذاك، كما جاء في قوله تعالى: {إِذَا الشمس كُوِّرَتْ وَإِذَا النجوم انكدرت} [التكوير: 1-2]، والتكدُّر هو الانتثار، فعبّر بالماضي، وهنا التعبير جاء بالماضي، وكما قال في آخر سورة النجم {أَزِفَتِ الآزفة} [النجم: 57].
وقد روى الامام أحمد عن سهلِ بن سعد، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بُعثتُ أنا والساعةُ هكذا، وأشار باصبعَيه السبّابةِ والوسطَى».
وهنا يقول: اقتربت القيامة، وسينشقُّ القمرُ لا محالة. وتشير الابحاثُ الفلكية إلى ان القمر يدنو من الأرض ويستمرُّ بالدنوّ منها حتى يبلغَ درجةً يتمزقُ عندها ويصير قِطعاً كلّ واحدةٍ تدور في فلكها الخاص. وهذا طبعاً سيحدُث عند انتهاء هذه الحياةِ الدنيا، ولا يعلم وقتَ ذلك الا الله.
ويقول المفسّرون الأقدمون: إن انشقاق القمر قد حدَث فعلا، ويرون عدة أحاديث أسندوها إلى أنس بن مالك وعبد الله بن عباس، وجبير بن مطعم، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم. ويقول ابن كثير: قد كان هذا في زمان رسول الله كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة.
والروايةُ عن خمسة من الصحابة فقط فكيف تكون متواترة؟ واللهُ اعلم.
لقد كذّب هؤلاء الكفار النبيَّ الكريم، وأعرضوا عن الإيمان به، وقالوا: إنه كاهن وساحر يُرهِب الناسَ بسحره. بذلك كذّبوا بالحق إذ جاءهم {واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} فهو منتهٍ إلى غاية يستقر عليها. ان هذا الكون يا محمد يسير وفق قوانينَ منتظِمة محدّدة مستقرة. وان امرك ايها الرسول سينتهي إلى الاستقرار بالنصر في الدنيا والفوزِ بالجنّة في الآخرة.
ولقد جاء لهؤلاء المكذِّبين من الأخبار عن الماضِين الذين كذّبوا الرسلَ، فهلكوا، ما يردعُهم ويزجُرهم عما هم فيه من الغيِّ والشرك والفساد. وهو {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِي النذر}. إنه حكمةٌ عظيمة بالغةٌ غايتها في الهداية والارشاد إلى طريق الحقّ لو انهم فكّروا واستعملوا عقولهم، ولكن أيّ نفعٍ تفيد النذُر لمن اتَّبع هواه وانصرف عنها!؟. أعرِضْ أيها الرسول عن هؤلاء الكفار، وانتظِر يومَ يدعو الداعي إلى أمرٍ شديدٍ تنكره النفوس، ولم يروا مثلَه لما فيه من هول وعذاب.
انه يوم الفزَع الاكبر، يوم تراهم: {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ}.
يخرجون من قبورهم في حالةِ هلع عظيم، خاشعة أبصارهم من شدة الهول، كأنهم من كثرتهم وسرعة انتشارهم جرادٌ منتشر. كما قال تعالى ايضا: {يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث} [القارعة: 4]، فهم في أول أمرِهم يكونون كالفَراش حين يموجون فزِعين لا يهتدون أين يتوجهون، ثم يكونون كالجراد المنتشِر عندما يتوجهون للحشْر. في ذلك اليوم يخرجون مسرعين إلى الداعي، ينظرون إليه في ذلٍّ وخضوع، لما يرون من الهول حتى {يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} هذا يوم صعب شديد.

.قراءات:

قرأ ابن كثير: {نُكْر} بضم النون وإسكان الكاف، والباقون: {نُكُر} بضم النون والكاف. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم: {خُشّعاً} بضم الخاء وتشديد الشين جمع خاشع. والباقون: {خاشعاً ابصارهم} على الافراد.

.تفسير الآيات (9- 17):

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}
ازدُجر: زجروه عن التبليغ. فانتصِر: فانتقم لي منهم. منهمر: منسكب بقوة. فالتقى الماء على أمرٍ قد قُدِر: فالتقى ماء السماء بماءِ الأرض، على حال قدّره الله. ذات ألواحٍ ودُسُر: الواحٍ من الخشب ومسامير، ودسر جمعُ دسار. بأعيننا: بحِفظنا وحراستنا. تركناها آية: تركنا السفينة آية وحجّة. مدّكر: معتبر، متذكر، متعظ. ونذُر: جمع نذير بمعنى إنذار.
يبيّن الله تعالى هنا ان شأنَ الرسول الكريم مع قومه كشأنِ نوحٍ مع قومه. فبعد أن أخبرَ أنه جاءهم من الأخبار ما فيه زاجرٌ لو تذكّروا- ذَكَر هنا قصة قوم نوح الذين كذّبوا نبيَّهم قديماً قبل قريش، ورمَوه بالجنون ومنعوه من تبليغ رسالته بأنواع الأذى والتخويف.
فدعا نوح ربه: لقد غلبتُ على أمري، فانتقِم منهم بعذابك. فاخبره الله تعالى أنه أجاب دعاءه فقال: {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} أي بماء متدفق من السماء، وفجَّر من الأرض عيوناً فالتقى ماءُ السماء بماءِ الأرض وأهلك الكذّابين من قوم نوحٍ بالطوفان {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} وفق أمرٍ قدَّره الله تعالى.
{وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ}
وحملنا نوحاً ومن معه على سفينة مصنوعة من الخشب والمسامير، تجري على الماء بحِفظ اللهِ ورعايته، وذلك جزاءً منا لنوحٍ الذي كذّبه قومه ولم يؤمنوا به.
ثم بين الله تعالى انه أبقى أخبارَ السفينة وإغراقَهم عبرةً لمن بعدهم فقال: {وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} فهل يوجَدُ مِن بينِهم من يتّعظ ويعتبر!!
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}
انظروا كيف كان العذابُ الذي حلّ بهم ما أشدَّه، وما أفظع إنذاري لهم بما أحللته بهم. وقد تقدمت قصة نوح في أكثرَ من سورة وذكر في القرآن في ثلاثةٍ وأربعين موضعا.
ثم بين ان هذا القصص وامثاله إنما يُروى في القرآن للعبرة، وانه يسَّر معناه، وسهله للتذكّر والاتعاظ، فهل من متعظ؟

.قراءات:

قرأ ابن عامر ويعقوب: {ففتّحنا} بتشديد التاء، والباقون: {ففتحنا} بغير تشديد.

.تفسير الآيات (18- 32):

{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)}
الريح الصرصر: الباردة اشد البرد. نحس: شؤم. مستمر: دائم. تنزع الناس: تنقلهم. أعجاز نخل: أصول النخل. منقعِر: منقلع، يقال قعرت النخلة، قلعتُها من أصلها فانقعرت. بالنذُر: بالرسل. وسُعر: جنون. يقال: سَعِرَ فلان فهو مسعور: جنّ فهو مجنون. كذّاب أشِر: شديد البطر، متعاظم. فارتقبْهم واصطبر: فانتظرهم واصبر على أذاهم. كل شِرب محتضَر: الشِرب بكسر الشين: النصيب، ومحتضر: بفتح الضاد: يحضره صاحبه في نوبته. صاحبهم: هو الذي قتل الناقة. فتعاطى: فاجترأ على هذه الجريمة. فعقر: فضرب قوائم الناقة بالسيف. كهشيم المحتظِر: الهشيم: كل زرع ونبات وشجر يابس، والمحتظر: الذي يعمل حظيرة لغنمه ويتساقط منه بعض اجزائه وتتفتت حال العمل.
في هذه الآيات الكريمة يذكر الكتاب قصةَ عاد، قوم هود، وقصة ثمود قوم صالح، وقد ذُكر هود سبع مرات في القرآن وصالحٌ تسعاً.
ولقد كذّبت عادٌ نبيَّهم هودا ولم يؤمنوا به، فانظُروا يا معشر قريش كيف أنزلتُ بهم عذاباً شديداً، ريحاً باردة مدوَّية في يومِ شؤمٍ دائم، تقتلع الناسَ من أماكنهم وترميهم كأنهم أعجازُ نخلٍ قد انقلَع من الأرض {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}. وقد كرر هذه الآية لبيان هولِ ما نزلَ بهم من عذاب.
ثم اردف ذلك بقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}
لقد أنزلناه سهلاً ميسَّراً ليبيّن للناس العبر والعظات فهل يتعظون؟.
ثم اردف بقصة ثمود، وكيف كذّبت نبيّهم صالحاً، وكيف تعجّبوا من أن يأتيه الوحي والنبوة من بينهم، وفيهم من هو أحقُّ منه، ثم شتموه بأنه كذاب أشِر. وقالوا: {إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ}
لو اتبعنا صالحاً هذا فيما يدعونا إليه لكُنّا ضللنا، وصرنا مجانين.
ثم بين الله تعالى بأنهم: {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكذاب الأشر}
سيعلمون قريباً يوم ينزل بهم العذابُ من هو الكذّاب المنكِر للنعمة، هم أم رسولنا إليهم صالح.
ثم بين الله لصالح انه مرسلٌ لهم الناقة آيةً، وامتحاناً، فانظِرْهم يا صالح واصبر على أذاهم وخبِّرهم أن ورود الماءِ مقسومٌ بينَهم وبين الناقة، {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} كل نصيب يحضره صاحبه في يومه.
فلم تعجبْهم القِسمة، فدعوا صاحبَهم (وهو الذي عبَّر الله عنه في سورة الشّمس بقوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ إِذِ انبعث أَشْقَاهَا} [الشمس: 11-12] ليفعل فِعْلته.
{فتعاطى فَعَقَرَ}
فتهيأ لعقر الناقة وضرَب قوائمها بالسيف فعقَرها، {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}؟
ثم أخذتهم صيحةُ العذاب فكانوا مثلَ الهشيم اليابس الذي يجمعه صاحبُ الحظيرة لماشيته.
ثم يكرر قوله تعالى: {وَلَقَد يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ليوجّههم إلى القرآن ليتذكروا ويتدبروا.

.قراءات:

قرأ ابن عامر وحمزة ورويس: {ستعلمون} بالتاء. والباقون: {سيعلمون} بالياء.