فصل: تفسير الآيات (108- 109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (108- 109):

{تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}
تلك الآيات الواردة بجزاء المحسن ومجازاة المسيء انما هي من عند الله نتلوها عليك يا محّمد مقررة للحق والعدل. والله لايريد ظلماً لأحد من الناس أجمعين، فهو مالك العباد والمتصرف في شئونهم بحسب سنّته الحكيمة التي لا تتغير ولا تتبدل، وإليه مصيرهم أجمعين. والظلم الوارد هنا والذي ينفيه تعالى عن نفسه هو ما ينافي مصلحة العباد من جاجتهم إلى العدالة.

.تفسير الآية رقم (110):

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}
إنكم يا أمة محمد، أي مطبقي شريعته حقاً، أفضلُ أمة خلقها الله تعالى لنفع الناس، وستظلون كذلك ما دمتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله ايمانا صادقا.. يصدق هذا الوصف على الذين خوطبوا به أولاً، وهم النبي الكريم وأصحابه الذين آمنوا بالله حقا، واعتصموا بحبل الله المتين، ونهوا عن المنكر وأمروا بالمعروف. وقد دام الحال كذلك على كل من جاء بعدهم وطبق تعاليم الإسلام. كما ظلت هذه الأمة خير الأمم حتى تركت الإسلام وبعد عنه، فتفرقت وتمزقت وآلت أحوالها إلى ما نراه اليوم.
ولو صدَق اليهود والنصارى في إيمانهم مثلكم لكان خيراً لهم مما هم عليه الآن، ومع هذا فمنهم المؤمنون المخلصون في عقائدهم وأعمالهم، كعبدالله بن سلام، ورهطه، وأكثرُهم فاسقون خارجون عن دينهم وعن حدود الايمان وواجباته.

.تفسير الآيات (111- 112):

{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}
لن يضروكم الا أذى: أيْ ضرراً يسيراً. يولّوكم الأدبار: يهربوا منكم. ثُقفوا: أينما وجودوا. وباؤوا: رجعوا.
لن يضركم هؤلاء الفاسقون بضرر كبير يلحقكم منهم، وانما هو أذى يسير لا يبقى له أثر، وإن يقاتلوكم ينهزموا فأرّين من لقائكم دون ان يظفروا بشيء، ثم إنهم لا يُنصرون عليكم أبداً ما داموا على فسقهم متمسكين بدينكم.
ولقد أخبر سبحانه وتعالى بأنه كَتب عليم الذلة في أي مكان وُجدوا فيه، إلا بعهد من الله وعهد من المسلمين. والعهدُ ما قررته الشريعة إذا دخلوا في حكمها من المساواة في الحقوق والقضاء وتحريم الإيذاء. وهكذا كان حالهم مع المسلمين، فقد كان الرسول الكريم يحسن معاملتهم، وكذلك الخلفاء الراشدون. وكانوا يعيشون مع المسلمين في أحسن حال، ولا زالوا إلى اليوم يعيشون متمتعين بكل الحقوق كما نشاهد ذلك في المغرب العربي وما بقي منهم في البلاد الشامية، والعراق وغيرها من بلاد الاسلام. لكنهم غدروا وكادوا. وهذه طبيعتهم. لذلك فإنهم قد استوجبوا غضب الله، وأحاطب بهم المسكنة والصغار، فلقد كفروا بآيات الله الدالة على بنوة محمد، وكانوا يقتلون أنبياءهم بغير حق. وهذا إخبار عن أسلافهم، لكنهم هم راضون عن ذلك الكفر والقتل بسبب عصيانهم وتمردهم واعتدائهم على حدود الله.

.تفسير الآيات (113- 115):

{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}
سواء: متساوٍ، يُستعمل للواحد والمثنى والجمع. قائمة: مستقيمة عادلة. آناء الليل: ساعات الليل.
قال ابن عباس وقتادة وابن جريْج: نزلت هذه الآيات لما أسلم عبدالله بن لاسلام وجماعة معه. فقالت احبار اليهود: ما آمن بمحمد الا شِرارنا.
ليس جميع أهل الكتاب متساوين في الأعمال القبيحة والكفر، بل ان فيهم جماعة قويمة السيرة عادلة، آمنوا بمحمد، وهم يقرأون القرآن ساعات من الليل وهم ساجدون، كما يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويبادرون إلى فعل الخيرات. لقد صلحتْ أحوالهم وحسنت أعمالهم، فرضيهم ربهم، ولن يحرمهم ثواب ما يفعلونه من خير، إنه عليم بالمتقين محيط بأحوالهم.
وفي هذه الآيات ردٌّ على اليهود المتعنتين الذين قالوا لمن أسلم منهم: لقد خسرتم بدخولكم في الاسلام، وفيها اشارة إلى المؤمنين وتطمئنٌ لهم أنهم فازوا بالسعادة العظمة والدرجات العليا، كي يزول من صدورهم أثر كلام أولئك الطغاة المتمردين.

.تفسير الآيات (116- 117):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}
الصر: (بالكسر) البرد الشديد.
ان الذين كفروا من أهل الكتاب، ومشركي مكة، وغيرهم من مِثلهم في كل مكان وزمان لن تنفعهم أموالهم ولا أولادهم شيئاً. ولن تنجيهم من عذاب النار يوم القيامة، فهم خالدون فيها. أما ما ينفقه هؤلاء الكافرون رياءً فهو مثل ريح جليدية قارصة أصابت زرع قومٍ ظلموا أنفسهم بالانهماك في المعاصي، فأهلكته. لقد كانوا يظلمون أنفسهم بالكفر والتمرد والعناد، فجزاهم الله مغبّة ظلمهم هذا، ولم يظلمهم.

.تفسير الآية رقم (118):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)}
بطانة الرجل: خاصته الذين يعلَمونه باطن أمره، ويكشف لهم اسراره. لا يألونك خبالاً: لا يقصّرون في دفْعكم إلى الفساد. ودّوا ما عنتّم: تمنّوا عَنَتَكم، شدة ضرركم.
في هذه الآية وما بعدها تحذير للمؤمنين من مخالطة الكافرين حتى لايطَّلِعوا على أسرارهم.
اسمعوا يا أيها الذين آمنوا: لا تتخذوا أصفياء لكم من غير أهل دينكم، تستعينون بهم، وتُطلعونهم على أسراركم. إنهم لا يقصّرون في مضرتكم وإفساد أموركم، بل يتمنون ان يصيبكم أشد الضرر في دينكم وديناكم. ولقد ظهرتْ أمارات بغضهم لكم في فلتات ألسنتهم وتكذيب نبيكم وكتابكم، أما ما تضمره قلوبهم من الحقد عليكم فهو أعظمُ من ذلك بكثير. ها نحن قد أظهرنا لكم العلامات الواضحة التي يتميز بها العدو من الصديق، فانتبهوا واحذورا.

.تفسير الآيات (119- 120):

{هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}
الكتاب: المراد به هنا جميع الكمتب المنزلة. عضّوا عليكم الأنامل: كنايةً عن شدة الغيظ، والأنامل: أطراف الأصابع. ذات الصدور: الخواطر التي في نفس الانسان.
وهذا تحذير من أولئك الأشرار، واتخاذهم أصفياء للمؤمنين.
ها أنتم أيّها المؤمنون تحبون أولئك الكفار المنافقين لما لبعضكم معهم من قرابة أو صداقة أو مصلحة، وقد نهاكم الله عن اتخاذهم كذلك. انهم لا يبحونكم لتعصّبهم لدينهم. (والسبب في ذلك ان كثيراً من الأنصار كان لهم قرابة أو نسب أو صداقة مع مواطنيهم في المدينة، فلما أسلموا بقي أولئك على كفرهم وعنادهم وكيدهم للإسلام، وبقي المسلمون بطيبة قلوبهم وصفاء نيَّتهم على حالهم السابقة معهم حتى نهاهم الله عن ذلك).
وإذا لقوكم أظهروا لكم الإيمان وقالوا آمنّا وصدّقنا بماجاء به محمد، اما حين يفارقونكم فإنهم يكشفون لبعض عن حقيقة أنفسهم ويبرزون شدة العداوة لكم، وقد يعضّون أطراف أصابعهم غيظاً منكم. قل يا محمد: موتوا بغيكم. وهذا دعاء عليهم بازدياد الغيظ حتى يهلكوا.
ان الله عليم بما تخفيه صدورهم من الحقد والحسد، فهم يحزنون إذا أصابكم خير من نصرٍ أو غنيمة، لكنه يفرحون إذا نزلت بكم مصيبة أو لحقكم أذى. ومع ما سبق فإنكم ان تصبروا على أذاهم، وتطبّقوا ما نهيتكم عنه من موالاتهم لن يضركم كيدهم شيئاً. ان الله هنا يدلّكم على ما يُنجيكم من شرور اعدائكم، فعليكم ان تمتثلوا وتطمئنوا إلى انه عالم بما يكيدونه لكم، فلا يعجزه ردُّهم عنكم. فثقوا به أيها المسلمون وأطيعوه فيما أمركم وتوكلوا عليه.

.قراءات:

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: {لاَ يضِرْكم} وفعلُه ضار يضير، وقرأ الباقون بتشديد الراء.

.تفسير الآيات (121- 122):

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}
غدوت: خرجت مبكرا. تبوِّئ: تُهيّئ وتعيّن مراكز القتاتل للمسلمين. الفشل: الضعف والجبن.
وقعة أُحُد:
من هذه الآيات إلى ستين آية بعدها يعالج التنزيل وقعة أُحُد. ويتخلل ذلك تذكيرُ المؤمنين كيف نصرهم الله يوم بدر، لأنهم اطاعوا الله ورسوله وكانوا يداً واحدة. اما معركة أحد فقد بدأت بالنصر للمؤمنين، وانتهت بالدائرة عليهم، لأنهم عصوا أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام. وكانت المعركة كارثة كادت تمحو المسلمين لولا فضل من الله.
اذكر يا محمد اذ خرجت مبكراً (صباح السبت، سابع شوال، سنة ثلاث للهجرة) تهيّئ امكنة القتال للمؤنين. يومذاك رتب الرسول الناس فجعل الرماة في موضع مرتفع (وهم خمسون رجلا)، وأمّر عليهم عبدالله بن جبير وأفهمه وأصحابه ان يلزموا مراكزهم، وان لا يفارقوه أبدا مهما كانت نتيجة المعركة. كذلك رتب الفرسان في أماكنهم وعيّن لبقية المقاتلين مراكزهم. ودارت المعركة، وانهزم المشركون، فقال الرماة المسلمون: لقد انهزم المشركون. لذلك تركموا مراكزهم رغم أمر الرسول ألا يرحوها، وقالوا: الغنيمةَ الغنيمة. ولقد نبههم أميرهم إلى خطأهم فلم يسمعوا وذهبوا في طلب الغنيمة. بذلك كشفوا ظهر المسلمين. وعندئذٍ جاء خالد بن الوليد، آمر فرسان المشركين، وكرّ وعلى المسلمين من ورائهم وأَعمل فيهم السيف. ورجع المشركون حين رأوا خالداً والفرسان قد احاطوا بالمسلمين، وانقلبت المعركة، وكثر القتل، واستشهد عدد من المسلمين وجُرح النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ذلك بسبب مخالفة المسلمين لأوامر رسول الله.
اذ همّت طائفتان من جيشك يا محمد ان تجبُنا وترجعا (وهما بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس) فقد تزعزعت نفوسهم عند ما رأوا عبدالله بن أُبيّ، رئيس المنافقين، ينسحب بثلاثمائة رجل.. لكن الله تولاّهما وثبتهما، وصرف الفشل عنهما. فعلى المؤمنين ان يأخذوا من هذا عبرة ويتوكلوا على الله، فبقدرته تعالى ينصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة إذا اطاعوا وثبتوا.

.تفسير الآيات (123- 128):

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}
أذلة: جمع ذليل، وهو الضعيف المقهور. ان يمدكم: يرسل لكم مددا. منزلين: من السماء. بلى: حرف جواب يأتي بعد النفي والاستفهام المقترن بالنفي. من فورهم هذا: من ساعتهم هذه. مسوّمين: مرسَلين، أو معلَّمين. ليقطع طرفا من الذين كفروا: يُضْعِفهم بقتل رؤسائهم وصناديدهم. يكبتهم: يخزيهم.
يوم بدر (ثانية).
جاء التنزيل بهذه الآيات ليذكّر المؤمنين أن الله نصرهم يوم بدرٍ رغم كونهم قلة ضعفاء، لأنهم ثبتوا وصبروا، فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا انكم إن تصبروا ينصركم الله دائماً كما نصركم في ذلك اليوم العصيب.
ويقع ماء بدر على مسيرة مائة وعشرين ميلاً إلى الجنوب الغربي من المدينة، وكان اللفاء فيها بين المسلمين وكفار قريش يوم الثلاثاء في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة. وكان عدد المسلمين 313 رجلاً معهم ثمانية سيوف فقط ويحمل الباقون منهم قوساً أو عصا عزّلاً. اما المشركون فكانوا نحو ألف مقاتل بكامل أسلحتهم وعُددهم.
وقد أنجز الله وعده في هذه المعركة غير المتكافئة، فكان النصر للمؤمنين رغم قلّتهم وندرة سلاحهم. وبفضل ذلك الانتصار صارت كلمة الايمان هي العليا. كانت بدر مقدمةً لانتصارات متلاحقة عَقَبتها حتى امتد ظل الاسلا م على الجزيرة كلها.
ولقد نصركم الله ببدرٍ حينما كنت يا محمد تقول للمؤمنين: ألن يكفيكم لتطمئن نفوسكم ان يُعينكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة يرسلهم من عنده مدداً لكم! بلى، ان تصبروا على لقاء العدو، وتتقوا الله، ويأتِكم اعداؤكم على الفور يرفع ربكم عدد الملائكة إلى خمسة آلاف. بذلك يعجّل لكم النصر عليهم ويسهّل عليكم أمركهم. كل هذا بشارة لكم بالغلبة عليهم، ولتسكنَ به قلوبكم، اذ ما النصر الا من عند الله، فهو الذي يدبِّر الأمور على خير السنن وأقوم الوسائل.
وقد نصركم الله يا محمد في ذلك اليوم ليُهلك طائفة من الذين كفروا، (وقد تم فعلاً قتل عدد كبير من صناديد قريش وكبرائهم يوم بدر) أو بذلّهم بالأسر والهزيمة والعار فيرجعوا خائبين. ليس لك أيها الرسول من التصرف في أمر العباد شيء، بل الأمر لله، يقضي فيهم ويحكم بما يشاء، فإما ان يتوب عليهم بالإيمان، أو يعذبهم بالقتل والخزي جزاء ظلمهم لأنفسهم وابتعادهم عن الهدى.
وقد دل قوله الله هذا دلالة لا تقبل التأويل أنه جلّت قدرته قد أمد المسلمين بالملائكة في بعض حروبهم. وقد دلت الروايات الكثيرة، واتفق المسلمون على أن الله أنزل الملائكة يوم بدر لنصرة المؤمنين، واختلفوا في انزالهم يوم أحد، وليس من شك ان الله سبحانه أنزل الملائكة يوم بدر لنُصرة المؤمنين ولكن لا نعلم نوع هذا النصر: هل كان نصراً مادياً كالقتل، أو نصراً معنوياً كتخويف المشركين، وحصول الطمأنينة للمؤمنين؟ الله أعلم ولا يجب علينا البحث والتنقيب عن ذلك، على أنه إذا بحثنا فلن نصل إلى يقين.

.قراءات:

قرأ ابن عامر {منزلين} بتشديد الزاي، والباقون {مُنزَلين}. وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب: {مسوِّمين} بكسر الواو، والباقون بفتحها.