فصل: تفسير الآية رقم (129):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (129):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}
لله جميع ما في الكون الواسع يحكم فميهم بما يشاء ويقضي بما أحب، فيتوب على منت شاء من خلقه العاصين فيغفر له، ويعاقب من شاء على جرمه فينتقم منه، لكن الغفران والرحمة من صفاته الحسنى.

.تفسير الآيات (130- 133):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}
الربا: الزيادة، ومعناه هنا الفائدة التي تؤخذ على المال. اضعافا مضاعفة: زيادات متكررة. والسّراء: الرخاء. الضّراء: الشدة والضيق. الكاظمين الغيظ: الذين يضبطون أعصابهم فكيفّون عن الانتقام. الفاحشة: الفعل القبيح الذي يتعدى أثره إلى الغير، وظلم النفس هو الشر الذي يقتصر على الإنسان وحده.
في هذه الآيات الكريمة ينهانا الله عن التعامل بالربا، كما كانت تفعل اليهود وأثرياء المشركين، فيقول: أيها المؤمنون، لا تأكلوا الربا في إسلامكم بعد أن هداكم الله، كما كنتم تفعلون في جاهليتكم. وكانت طريقة التعامل بالربا في الجاهلية، ان يكون للرجل مال على آخر إلى أجل، فاذا حلّ الأجل طلبه من صاحبه، فيقول المدين: أجّلْ دَينك وأزيدك عليه. فيفعلان ذلك. هذا هو الربا اضعافا مضاعفة، وهو الذي يسمى الآن الربا الفاحش أو الربا المركّب، ويسمى أيضاً ربا النسيئة.
وهناك نوع آخر من الربا هو ربا الفضل، وهو الذيب ورد النهي عنه بالحديث الشريف: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تبيعوا الورق بالورق الا مثل بمثل سواء بسواء، ولا تشفوا بعضه إلى بعض، اني اخشى عليكم الرماء، يعني الرباء» ومعنى لا تشفوا: لا تزيدوا.
وهذه أول آية نزلت في تحريم الربا. وهو بلاء كبير وشر عظيم، وطالما هدم بيوتاً ودمر مجتمعات. وقد بلغ درجة من الفظاعة في الجاهلية حتى ألجأ بعض الناس ان يرهنوا زوجاتهم لدائنيهم. لهذا حرّمه الإسلام وشدّد في منعه، ولذلك رافق الآية تهديد ظاهر وأمر صريح. فقال تعالى: {واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي أطيعوا فيم نُهيتم عنه من التعامل بالربا كيما يكون ذلك سبب فلاحكم في دنياكم وسعادتكم في الآخرة.
ثم عزّز ذلك بقوله: {واتقوا النار التي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أي ابتعِوا عنها بامتناعكم عن التعامل بالربا، فإنما هي قد هيئت للكافرين. وقد قال الامام أبو حنيفة رحمه الله: هذه أخوفُ آية في القرآن، حيث أوعد الله المتعاملين بالربا بالنار المعدَّة للكفارين.
ثم أردف قائلا ومؤكدا، أن أطيعوا الله ورسوله فيما نهيا عنه من التعامل بالربا حتى تُرحموا في الدنيا بصلاح حال المجتمع، وفي الآخرة بحسن الجزاء على أعمالكم.
{وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ...} بادِروا إلى العمل الصالح الذي يوصلكم إلى مغفرة ذنوبكم، ويُدخلكم جنة واسعة المدى، عرضُها السماوات والأرض سبقَ أن أعدّها الله لمن اتقاه وامتثل أوامره.

.تفسير الآيات (134- 136):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)}
بعد أن نهى سبحانه عن الربا من خلال هذه الآيات، وفيها تلوح صورة الغني القاسي القلب الذي يحصر همَّه كله في جمع المال من آية جهة كانت بيّن لنا في هذه الآيات صورة الأغنياء المتقِين الذين ينفقون أموالهم في السرّاء والضراء، ويأخذون بيد الفقراء فيبذلون لهم الأموال ابتغاء مرضاة الله فقال: انهم الذين ينفقون أموالهم إرضاءً لله في حالة الضيق والعسر، وفي حالة الرخاء واليسر. ونحن نعلم ان بذل المال للفقراء والمحتاجين وفي سبيل الله من أهمِّ علامات التقوى. كما ان الشحَّ والبخلَ من علامة عدم التقوى. والتقوى هي السبيل الموصل إلى الجنة. وهم أيضا {والكاظمين الغيظ} أي الذين يمسكون أنفسهم عن الانتقام مع القدرة عليه.
ثم أردف تعالى بمزية عظيمة أخرى وهي قوله: {والعافين عَنِ الناس} أي الذين يتجاوزون عن ذنوب الناس ويتركون مؤاخذتهم مع القدرة على ذلك. وتلك منزلةٌ من ضبط النفس وملْكِ زمامها قلّ من يصل إليها. وهي أرقى من كظم الغيظ، اذ ربما كظم المرء غيظه على الحقد والضغينة، فالله سبحانه وتعالى يريدنا ان نكظم غيظنا ونعفو عن نالناس وننسى إساءتهم. وقد روى الطبراني عن أُبيّ بن كعب ان رسول الله قال: «من سرَّه أن يُشرف له البنيان، وتُرفع له الدرجات فليعفُ عمَّن ظلمه، ويعطِ من حرمه، ويصل من قطعه».
{والله يُحِبُّ المحسنين} أي اولئك الذين يتفضلون على عبادة البائسين يواسونهم ببعض ما أُنعم عليهم.
وإليكم صفةً اخرى من صفات المتقين وهي انهم: إذا فعلوا ذنباً يؤذي غيرهم أو يتعلق بأنفسهم ذركوا عند ذلك وعد الله ووعيده فرجعوا اليه راجعين رحمته تائبين ومستغفرين. وهكذا نجدهم لا يصرّون على ما فعلوا من الذنوب في الحالين. ولهذا قال الرسول الكريم «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الاصرار».
ان للمتصّفين بماأوردته الآيات الكريمة من الصفات أماناً ونجوة من العقاب، بل لهم ثواب عظيم عند ربهم في جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها لا يبرحونها، ونعمَ أجر العاملين.

.قراءات:

قرأ نافع وابن عامر: {سارعوا} بدون واو.

.تفسير الآيات (137- 138):

{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}
خلت: مضت. سنن: مفردها سنّة، وهني الطريقة، وتأتي بمعنى الأمم أيضا.
فيكون المعنى: لقد مضى من قبلكم أيها المؤمنون كثير من الأمم السالفة، كذّبوا رسله وجحدوا نبوّته، كعاد وثمود وقوم صالح وقوم لوط الذين أهلكهم الله بأنواع العذاب، فبقيت لهم آثار في الديار فيها أعظم الاعتبار والاتعاظ، فسيروا في الأرض وانظروا إلى آثارهم وديارهم الخاوية وتأملوا ما حلّ بهم. فان أنتم سلكتم سبيل الصالحين فعاقِبتُكم الصلاح، وان سلكتم سبيل المكذِّبين مثلهم كان حالكم كحالهم.
والمراد ان مشيئة الله في خلقه تسير على سنن حكيمة، ومن سار عليها ظفر، ومن خرج عنها خسر. وعلى هذا فلا عجب ان ينهزم المسلمون يوم أُحُد، بعد أن ركبهم الغرور وخالفوا النظام الذي عيّنه لهم رسول الله.
وفي الذي تقدم بيان للناس كافة، وهدى وموعظة للمتقين خاصة. فهو يرشد إلى أنَّ سنن الله حاكمة على الانبياء والرسل كما هي حاكمة على سائر خلقه. أما كونه هدى وموعظة للمتقين خاصة فلأنهم هم الذين يهتدون بمثل هذه الحقائق، ويتعظون بما تنطبق عليها من الوقائع، فيسيرون على النهج السوي، ويتجنّبون نتائج الاهمال التي تظهر لهم مضرّةُ عاقبتها.
وفي الآية اللاحقة جاء مايسلّي المؤمنين عما أصابهم من الهزيمة في وقعة أُحد ويقول لهم: إن انتصار المشركين في هذه المعركة ليس هو السنَّة الثابتة بل مجرد حادث عابر.

.تفسير الآيات (139- 141):

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}
لا تهنوا: لاتضعفوا. لا تحزنوا: لا تتألموا. الحزن ألم يعرض للنفس إذا فقدت ما تحب. القرح: الجرح، وألم الجرح. نداولها: نصرفها، ونعاقبها فنجعل الغلبة لهؤلاء تارة ولأولئك أخرى. وليمحص: ليطهر. وأصل التمحيص تخليص الشيء مما فيه من عيب. يمحق الكافرين: يُنقصهم.
ولا تضعفوا عن الجهاد في سبيل الله بسبب ما نالكم من القتل والجروح والفشل يوم أُحد، ولا تحزنوا على ما فقدتم من الشهداء في ذلك اليوم. كيف يلحقكم الوهن والحزن، وانتم الغالبون بتأييد الله، جزاء ايمانكم، وحفاظاً للحق الذي تدافعون عن!؟ لقد مضت سُنة الله أن يجعل العاقبة للمتقين.
واني كن قد لحقكم يوم أُحدٍ قتل أو جرح، فقد أصاب خصومكم مثلُه. لقد أوقعتم بهم يوم بدر، والأيام دُولة بين الناس. هذه سنة الله في خلقه، يكون النصر لهؤلاء أحياناً ولأولئك أخرى، ولكن الغلبة النهايئة دائما لمن اتبع الحق. ما هو الا اختبار للمؤمنين ليعلم الله الثابتين على الإيمان، وليكرم أناساً بالاستشهاد. كذلك ليخلّص الله أحباءه المؤمنين من الذنوب، ويطهرهم من مرضى القلوب وضعفاء الإيمان، فيغدون صلاباً على أيديهم يُستأصلوا الكفر كله.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي وابن عياش عن عاصم {قرح} بضم القاف، والباقون بفتح القاف. وهما لغتان.

.تفسير الآيات (142- 143):

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)}
الجهاد: احتمال المشقة ومكافحة الشدائد. ويكون بالقتال وبذلِ المال في سبيل الله، كما يكون بمجاهدة النفس لشهواتها أو لدفع الباطل ونصرة الحق.
لا يزال الحديث موجّهاً إلى من شهد معركة أُحد من المؤمنين. والقرآن يخاطبهم في الآية بصورة السؤال: لا تظنوا أيها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة دون ان يتبين منكم المجاهدون الصابرون الذين تُطهّرهم المحن والشدائد. واعلموا ان طريق الجنة محفوف بالمكاره، زادُه الصبر على مشاق الطريق، فتحمّلوها.
هنا يبين لنا سبحانه وتعالى ان طريق السعادة في الآخرة هو الصبر والجهاد في سبيل الله. كما أن طريقها في الدنيا هو اتباع الحق والتزام الإنصاف والتزام الإنصاف والعدل بين الناس. فسُنة الله واحدة لا تتبدل.
{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الموت...}.
وهذا أيضاً خطاب لمن شهد وقعة أُحد من المسلمين، فقد كان كثيرٌ من الصحابة الذين لم يشهدوا معركة بدر يلحّون في الخروج إلى أحد حيث عسكر مشركو قريش، ليكون لهم يومٌ كيوم بدر. قال ابن عباس: لما أخبرهم الله تعالى على لسان نبيه بما فعل لشهداء بدر من الكرامة، رغبوا في الشهادة، فتمَّنوا قتالاً يستشهدون فيه.. فنزلتْ آية: لقد كنتم... تتمنون الموت قبل ان تلاقوا القوم، فها أنتم أولاء ترون ما كنتم تتمنّونه وتنظرون اليه، فما بالكم دهشتم عندما وقع الموت فيكم، وما بالكم تحزنون وتضعفون!
وفي ذلك اليوم ثبت جماعة من الصحابة مع الرسول (وكانوا نحو ثلاثين رجلا) وذبّوا عنه إلى ان انتهت المعركة، فيما تزعزع كثير منهم وضفعوا. وحين ارتفعت الصيحة ان محمداً قد قُتل كان لها وقعها الشديد على المسلمين، حتى إن الكثيرين منهم فروا مصعِّدين في الجبل، والرسول عليه السلام يناديهم وهم مولّون، حتى رجعوا اليه وثبّت الله قلوبهم. وها ينبّهنا القرآ الكريم إلى ان الرسول بشرٌ يمكن ان يموت، لكن رسالته تظل باقية إلى الأبد.

.تفسير الآيات (144- 145):

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}
في غمرة المعركة وساعة المحنة، وحيث انقلبت الكفة ودارت الدائرة على المسلمين قُتل مصعب بن عمير. وكان مصعب يشبه النّبي شبهاً تاما، فنادى قاتلُه: قتلتُ محمداً. في تلك الساعة الحرجة قال أنس بن النضر (وهو عم أنس من مالك): يا قوم، ان كان محمد قد قُتل فان رب محمد حيّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد رسول! قاتِلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه. ثم شد سيفه وقاتل حتى قُتل.
فالله سبحانه وتعالى هنا يخاطب هؤلاء بقوله: ليس محمد إلا رسول قد مضت قبله الرسل، فماتوا وقُتل بعضهم ولم يُكتب لأحد منهم الخلود. وسيموت محمد كما ماتوا، أفإن مات أو قُتل رجعتم على اعقابكم إلى الكفر! ان من يرجع إلى الكفر في تلك الحال لن يضر الله شيئاً، وانما يضر نفسه، بتعريضها للعاذب.
ويرشدنا الله في هذه الآية إلى ان نتّبع الرسول ونسترشد برسالته وهدية ودينه، اما ما يصيب جسمه من جرح أو ألم. وما يعرض له من حياة وموت فلا مدخل له في صحة دعوته، ولا لخضوعنا نحن. ذلك ان محمداً بشر مثلنا خاضع لسنن الله.
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله...}
فالموت والحياة بيد الله، ولا يمكن ان تموت نفس إلا بإذن الله، وفي أجل معين يعلمه الله، لا يتقدم ولا يتأخر. لذلك، قد يموت الصغير ويبقى الكبير، ويفتك المرض بالشابّ القوى فيما يعيش المريض العليل. وقد يسلم المقدام في الحرب ويُقتل الجبان. ومن ثم لا عذر للمرء هنا في الوهن والضعف.
وفي الآية تحريض على الجهاد، والذي تركناه اليوم لليهود، فيهم يجاهدون عن وطنهم المزعوم ونحن قاعدون مستسلمون لنكبة وطننا الحق، نريد من الأمم أن تحل قضيّتنا. ألا بئس ما نحن فيه! ما دام الأجل محتوماً، ومؤقتا بميقات، فلماذا هذا الجُبن والخور!
{وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا...}
وم قصَد بعمله حظَّ الدنيا أعطاه الله ثوابها، ومن قصد الآخرة اعطاه الله حظاً من ثوابها وأجزله له، وسيجزي الله الشاكرين لنعمائه، وهم الذين أطاعوه فيما أمرهم به وجاهدوا وصبروا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كرر تعالى: قوله: {وَسَيَجْزِي الله الشاكرين} حتى يعلم كل إنسان ان الله كريم لا يُضيع أجر من أحسن عملا.