فصل: تفسير الآيات (146- 148):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (146- 148):

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}
ربيون: مفرده ربّيّ. الجماعات الكثيرة، وله معنى آخر هو الربانيون، أي العلماء الأتقياء. هنوا: وضعفوا. استكانوا: خضعوا للعدو. الاسراف: مجاوزة الحد في كل شيء.
ما أكثر الأنبياء الذين قاتل معهم جماعات ممن آمنوا بهم فما خافوا ولا ضعفوا ولا خضعوا، ولا ولّوا الأدبار منهزمين، بل ثبتوا وصبروا على ما أصابهم في سبيل الله، والله يحب الصابرين.
فعليكم يا أصحاب محمد ان تعتبروا بحال أولئك الرَّبِّيين وتصبروا كما صبروا. ولذلك طُلب الكيم ان تعرفوا عاقبة من سبقكم من الامم، وتقتدوا بعمل الصادقين منهم، وتقولوا مثل قولهم عند اشتداد الحرب ونزول الكوارث. ذلك انهم مع ثباتهم وصبرهم ضرعوا إلى الله بالدعاء قائلين: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وتجاوْز عما يكون منّا من إسراف في أعمالنا، وثبِّتنا في مواطن الحرب، ربّنا وانصرنا على أعداء دينك الذين جحدوا ألوهيتك.
وفي هذا اشارة إلى ان الذنوب والإسراف في الأمور من عوامل الخذلان، فيما الطاعة والثبات والاستقامة من أسباب النصر والفلاح.
اذ ذاك لبّى الله طلبهم بقوله: فآتاهم الله ثواب الدنيا، بالنصر على الأعداء، والسيادة في الأرض، والكرامة في الحياة، والذِّكر الحسن بين الناس؛ وثوابَ الآخرة اذ فازوا برضوان الله ورحمته.
والله تعالى يتلو على نبيّه هذه الآيات ليعلّمنا الاقتداء بالصالحين من الأمم السابقة، ويؤدبنا بأدب المؤمنين مع ربهم، ويُفهمنا أننا إذا أخلصنا حقاً وثبتنا على مبادئنا ثم طلبنا منه النصر فإنه يجيبنا وينصرنا بكرمه وفضله.
قارءات:
قرأ ابن كثير: {كأين} بدون تشديد، والباقون {كأين} بتشديد الياء. والمعنى واحد.

.تفسير الآيات (149- 151):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}
يردوكم على اعقابكم: يرجعوكم إلى الكفر. المولى: الناصر والمعين. السلطان: الحجة. المثوى: المأوى، ومقر الانساان.
لا يزال الحديث في معركة أحد، وما حدث يومذاك من بلبلة في الأفكار وإرجاف من المشركين والمنافقين واليهود. فقد انتهزوا جميعاً ما أصاب المسلمين من الهزيمة وأخذوا يثبطون عزائهم، ويخّوِفونهم عاقبة السير مع محمد، ويصورون لهم مخاوف الحرب ضد مشركي قريش وحلفائهم. ونحن نعرف ان نجو الهزيمة لهو أ صلح الأجواء لبلبلة النفوس، واشاعة عدم الثقة في القيادة، وتزيين الانسحاب من المعركة. لذلك نجده تعالى بعد أن رغّب المؤمنين في الاقتداء بأنصار الأنبياء الصادقين المخلصين، ينهاهم في الآية نفسها عن متابعة الكفار والمنافقين.
{يا أيها الذين آمَنُواْ...} إن تطيعوا أعداء الله الذين أرجفوا يوم أُحد أن محمداً قد قتل، وانه لو كان رسولاً حقا لما هُزم، فإنهم سيطلبون اليكم ان ترجعوا إلى دينكم الذي كنتم عليه، وبذلك تخسرون الدينا والآخرة. وأيّ خسارةأشد من الارتداد عن الايمان إلى الكفرِ! اما إذا حدثتم أنفسكم بأنه قد يترتب على الميل اليهم من طرفكم قدرٌ من الحماية والنصر فاعلَموا ان ذلك وهمٌ خادع (وهذا ما يفعله بعض حكام المسلمين مع اميركا في الوقت الحاضر). ان الله مولاكم، وهو ناصركم ومعين لكم وحاميكم.. فلا تخشوهم، إن الله أعظم الناصرين.
ولا يضعْفكم ما أصابكم من خذلان يوم أحد، فنحن سنلقي الرعب في قلوب أعدائكم، جزاءً لهم على إشركاهم بالله في العبادة. وسيكون مقرهم النار، وبئس مقام الظالمين.

.تفسير الآية رقم (152):

{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}
تحُسونهم: تستأصلونهم بالقتل. فشلتم: ضعفتم. ليبتليكم: ليختبركم.
في هذه الآية الكريمة والتي بعدها تصوير للمعركة، وعرض كامل لمشهدها، ولتداول النصر والهزيمة فيها، ثم ماتبعها من فرار. ومع ذلك التصوير توجهات قرآنية، وتربية وتعليم بأسلوب قرآني حكيم.
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}. ما زال الكلام والخطاب مع الأصحاب الذين كانوا في أُحد.. وكان (صلى الله عليه وسلم) قد وعدهم النصر يومئذ ان امتثلوا أمره. وقد وفى الله لهم بما قاله على لسان نبيه، ذلك ان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أقام الرماة عند الجبل صيانة لمؤخرة المسلمين، وأوصاهم ان لا يبرحوا مكانهم، حتى ولو رأوا العدو تتخطفه الطير، ووعدهم النصر بهذا الشرط. كان الرماة خمسين رجلاً.
ولما ابتدأت المعركة شرع الرماة يرشقون المشركين، وقية الأصحاب يضربونهم بالسيوف، وقتلوهم قتلاً ذريعاً، حتى انهزوا، وهذا معنى {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}، أي تقتلونهم بأمر الله. وفي تفسير ابن جرير الطبري والمراغي وغيرهما ان طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين المعروف بكبش الكتيبة قام فقال: يا معشر أصحاب محمد، إنكم تزعمون ان الله يعجّلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة، أو يعجلني بسيفه إلى النار؟. فقام اليه علي بن أبي طالب (ع) وضربه فقطع رِجله. وسقط، فانكشفت عورته، فقال طلحة لعلي: انشدك الله والرحم يا ابن عم.. فتركه على (ع) وكبّر رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وقال لعلي أصحابُه: ما منعك أن تجهز عليه؟. قال: ناشدني الله والرحم.. هذا هو عليٌّ في خلقه، يفيض قلبه بالحنان والرحمة، حتى على أعدى اعدائه الذي برز له شاهراً السيف في وجهه مصمماً على قتاله وقتله.
{حتى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ}. بعد أن ولى المشركون الدبر وكانوا ثلاثة آلاف مشرك امتلأ الوادي بما خلفوه من الغنائم. وحين رآها الرماة، وإخوانهم المسلمون ينتهبونها دونهم عصَف بهم ريح الطمع، واختلفوا فيما بينهم، وقال بعضهم: ما بقاؤنا هنا؟ وتجاهلوا وصية النبي وتشديده عليهم بالبقاء. فقال لهم أميرهم عبدالله بن جبير: امكثوا ولا تخالفوا أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم).. ولكن أكثرهم غادروا مواقعهم هابطين إلى انتهاب الأسلاب والأموال، وتركوا أميرهم عبدالله في نفر دون لعشرة، والى هذا التنازعه والعصيان يشير قوله تعالى: {حتى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمر وَعَصَيْتُمْ}. أما قوله: {مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ} فيشير إلى انهزام المشركين وغنائمهم.
وكان خالد بن الوليد يحارب النبي (صلى الله عليه وسلم) مع أبي سفيان، وحين رأى مؤخرة المسلمين مكشوفة بعد أن أخلاها الرماة اغتنم الفرصة، وانقضّ مع جماعة من المشركين على البقية الباقية من الرماة، وقاتل هؤلاء بشجاعة وحرارة، حتى استشهدوا جميعاً، وخلا ظهر المسلمين، ورجع المشركون إلى الميدان، وأحاطوا بالمسلمين من الخلف والأمام، وأكثروا فيهم القتل والجراح، ودارت الدائرة عليهم بعد أن كانت لهم..
وهذه النتيجة الحتيمة للتنازع والتخاصم.
{مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا}. وهم الرماة الذين تركوا مقاعدهم طمعاً بالغنيمة. {وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخرة}. وهم الذين ثبتوا مكانهم مع أميرهم عبدالله بن جبير حتى نالوا الشهادة. {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ}. أي ردكم عن الكفار بعد أن نصركم عليم بسبب تنازعكم وعصيانكم. {لِيَبْتَلِيَكُمْ}. أي عاملكم معلامة من يمتحنكم ليظهر ثباتكم على الايمان، وصبركم على الشدائد، ويميز بين المخلصين والمنافقين. {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ والله ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين}. وكثيراً ما يخطئ الإنسان عن طيش، ثم يؤوب إلى رشده، فيعفوا الله عما سلف منه، أما من عاد فينتقم الله منه.

.تفسير الآية رقم (153):

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)}
اذكروا ايها المؤمنون حالكم في تلك اللحظات الرهيبة حين ذهبتم منهزمين لا تلتفتون لأحد من شدة الهرب، والرسول يناديكم ويقول: هلم اليّ عباد الله، أنا رسول الله، من يَكُرَّ فله الجنة.. وأنتم لا تسمعون لا تنظرون. ولقد جازاكم الله غمّاً متصلاً بغمٍّ من الإرجاف بقتل رسول الله بعد الجرح، والقتلِ الذيب حصل فيكم اذ قُتل منكم سبعون رجلا، وظَفَرِ المشركين حتى صرتم من الدهش يضرب بعضكم بعضا. ولقد فاتتكم الغنيمة التي طمعتم بها، لكي لا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ما اصابكم من الهزيمة، الله خبير بما تعلمون يعلم مقاصدكم وقادر على مجازاتكم.

.تفسير الآية رقم (154):

{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}
يغشى: يغطي. برز: خرج. إلى مضاجعهم: إلى مصارعهم وقبورهم. ذات الصدور: السرائر.
بعد انت انتهت المعركة ورجع بعض من انهزم من المسلمين ويتجمّعوا حول الرسول الكريم وقف أبو سفيان وصاح: أُعلُ هُبَل، يوم أُحد بيوم بدر، لنا العزّى ولا عُزّى لكم. فقال رسول الله لعُمر: قل: الله أعلى وأجل، الله مولانا ولا مولى لكم. فقال أبو سفيان: فيكم محمد؟ قالوا: نعم، قال لقد حدثتْ مُثْلَةٌ لم آمر بها ولم تسؤني، (يعني بذلك ما حدث من التمثيل بجثّة حمزة وغيرها من قتلى المسلمين) ثم قال: الموعد بيننا بدرٌ في العام القابل. فخاف المسلمون ان يذهب المشركون إلى المدينة. وفي تلك اللحظة بعث الله النعاس على طائفة المؤمينن الصادقين في إيمانهم تطميناً لقلوبهم، وفي النوم راحة كبرى للأعصاب المرهقة وقت الشدائد.
قال أبو طلحة: غشينا النعاسُ يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه.
ورفعتُ رأسي فجعلت أَنظر ما منهم يومئذ الا يميد تحت حَجَفته من النعاس. وذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الغم أَمَنَةً نُّعَاساً}.
والحجفة: الترس من الجلد.
هذه احدى طائفتي المسلمين الذين قاتلوا يوم أُحد. أما طائفة الايمان المزعزع فقد أذلهم الخوفُ، نولم يكن لهم همٌّ الا انفسهم. وذلك لأنهم كانوا مكذِّبيه بالرسول في قلوبهم، فظنوا بالله الظنون الباطلة وأخذوا يوقولن مستنكرين: هل لنا من النصر والفتح نصيب؟. لهؤلاء قل يا محمد: الأمر كله لله في النصر والهزيمة. وحتى حين يسألونك فإنهم في الواقع يخفون في أنفسهم ما لا يستطيعون اعلانه لك، فهم يُظهرون أنهم يسألون مسترشدين طالبين النصر، لكنهم يبطِنون الإنكار والتكذيب. فلسان حالهم يقول: لو كان أمر النصر بيد اله محمد كما ادعى محمد لما غُلبنا، ولما قُتل من قُتل من أصحابه في هذه المعركة!.
قل لهم يا محمد: لو كنتم في منازلكم وفيكم من كُتِبض عليه القتل الخرجوا إلى مصارعهم فقُتلوا. اما الهزيمة فقد جازانا بها للهن ليمتحن ما في صدورنا من الصدق والإخلاص أو عدمه، ويمحصّ ما في قلوبنا من وساوس الشيطان، والله عليم بذات الصدور.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي {تغشى} بالتاء، والباقون {يغشى} بالياء. وقرأ أبو عمرو ويعقوب {قل ان الأمر كلُّه} برفع اللام. والباقون بنصبها.

.تفسير الآية رقم (155):

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}
الجمعان: جمع المؤمنين وجمع المشركين. استزلهم الشيطان: جرهم إلى الخطأ.
ان الذين انهزموا منكم يا معشر المسلمين يوم أحد انما جرّهم الشيطان إلى الزلل والخطأ، فعصَوا أمر الرسول وبارحوا المكان الذي أوقفهم فيه على الجبل. لقد رأوا النصر للمسلمين في أول المعركة فهبطوا إلى السهل طمعاً في الغنيمة. عند ذلك هاجمهم خالد بن الوليد بخيل المشركين وقتل من بقي من الرماة وأحدث الخلل في صفوف المسلمين. ولقد فر أكثر المقاتلين، ولم يبق مع النبي الا ثلاثة عشر رجلاً منه خمسة من المهاجرين هم: أبو بكر وعلى وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وثمانية من الأنصار. وقد انهزم بعضهم ولم يعند الا بعد ثلاثة أيام.
من هذا يتبين ان عملاً بسيطا لا يقدّره الإنسان قد يجر إلى نبكة كبرى، ويكون بعلمه هذا قد قدّم أعظم مساعدة لعدوه. وهذا ما نحن فيه اليوم، فاننا بتفرقنا ومعادتنا لبعضنا البعض، اما نقدم اعظم خدمة لليهود وحلفائهم، منّا ومن غيرنا.
وفي الآية تصوير لحالة النفس البشرية حين ترتكب الخطيئةَ فتفقد ثقتها في قوتها، ويختلّ توازنها، فَتَبِيتُ عرضةً للوساوس والهواجس. وعندئذ يجد الشيطان طريقه إلى هذه النفس فيقودها إلى الزلل والخطأ، وتحل بها النكبة والهزيمة....
ولكن الله ادرك أصحاب أُحد برحمته، فلم يدع الشيطان يتسلط عليهم، بل عفا عنهم، ثم أخبرهم بأنه غفور حليم. ونحن نسأل الله تعالى ان يردّنا إلى طريقه المستقيم، ويدركنا برحمته فيوحّد كلمتنا ويعيد الينا ثقتنا بأنفنسان، لننظم صفوفنا ونسترد ما اغتُصب من بلادنا.

.تفسير الآيات (156- 158):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}
المراد بالذين كفروا هنا: المنافقون، عبدالله بن أُبي وأصحابه. ضربوا في الأرض: سافروا فيها للتجارة وغيرها. غزى: جمع غاز، محابرون، مجاهدون.
يا أيها المؤمنون لا تكونوا كأولئك المنافقين الذين قالوا في شأن اخوانهم حين سافروا للتجارة والكسب فماتوا، أو كانوا غزاة في وطنهم أو في بلاد اخرى فقُتلوا: لو كانوا مقيمين عندنا ما ماتوا ما قتلوا، فقد جعل الله ذلك القول والظن حسرة في قلوبهم. ان الله هو الذي يحي ويميت، وليس للإقامة والسفر مدخل في ذلك. والله مطّلع على ما تعملون، بصير بما تكفرون فيه، لا يخفى عليه شيء مما تكتمون في أنفسكم من وساوس الشيطان.
ثم بشّر من قُتل أو مات في سبيل الله بحسن المآل {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ.. وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} أي إن مغفرة الله ورحمته لمن يموت أو يُقتل في سبيل الله خيرٌ لكم من جميع ما يتمتع به الكفار من المال والمتاع في هذه الدار الفانية. والحقَّ أقول: لو أننا آمنا إيماناً صادقاً لما خفنا من الموت، ولحاربنا اليهود بعزم وصدق وخلّصنا بلادنا من براثنهم.
ثم حثّنا سبحانه على العمل في سبيله، لأن المرجع اليه فقال: {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ}. فبأي سبب كان موتكم فإنكم راجعون إلى الله لا إلى غيره، فيجزي كلاً منكم بما يستحق. فآثِروا ما يقرّبكم إليه من العمل الطيب والجهاد في سبيله، ولا تركنوا إلى الدنيا ولذاتها الزائلة، أيها المؤمنون.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {والله يعلمون} بالياء. وقرأ نافع وحمزة والكسائي {متم} بكسر الميم. وقرأ غير حفص {خير مما تجعمون} بالتاء.