فصل: تفسير الآيات (26- 27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (26- 27):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)}

.المفردات:

ضربُ المثل أيرادهُ ليُتمثل به ويُتصوّر ما اراد المتكلم بيانه. يقال: ضرب الشيءَ مثلاُ، وضرب به مثلاً، وتمثّله به. وقد وردت عبارة ضرب المثل في القرآن في عدة آيات: {واضرب لهُمْ مَّثَلاً} [الكهف: 32] {يا أيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ} [الحج: 73].. {واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية} [يس: 13].
وهذه الآية جاءت رداً على الكفرة المعاندين حيث قالوا أما يستحي ربُّ محمد ان يضرب مثَلاً بالذباب والعنكبوت! فبّين الله تعالى انه لا يعتبريه ما يتعري الناسَ من استحياء، فلا مانع من أن يصوّر لعباده ما يشاء من أمورٍ بأي مثل مهما كان صغيرا، بعوضة فما فوقها. فالذين آمنوا يعلمون أن هذا حق من الله، أما الذين كفروا فيتلقّونه بالاستنكار. وفي ذلك يكون المثل سبباً في ضلال الذين يجانبون الحق وسبباً في هداية المؤمنين به.
وقد وصفهم تعالى بقوله: {الذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} أي الّذين تركوا العملَ بعهد الله، وهو صيّتُه لهم وأمرُه إياهم بلزوم طاعته وتحاشي معصيته. وعهدُ الله هو العهد الذي أنشأه في نفوسهم بمقتضى الفطرة، تدركه العقول السليمة، وتؤيده الرسل والأنبياء.
أما نقضُهم له فهو انهم يقطعون ما أمر الله به ان يكون موصولا، كوصل الأقارب وذوي الأرحام، والتوادّ والتراحم بين بني الإنسان، وسائر ما فيه عمل خير. وعلاوة على ذلك تجدُهم يفسدون في الأرض بسوء المعاملة، وإثارة الفتن وأيقاد الحروب وافساد العمران.
وجزاء هؤلاء أنهم هم الخاسرون، لكل توادٍّ وتعاطف وتراحم بينهم وبين الناس في الدنيا ولهم الخزي والعذاب في الآخرة.

.تفسير الآيات (28- 29):

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}
يقوم الإسلام على أصول ثلاثة هي: توحيد الله بالعبادة، والإقرار برسالة سيدنا محمد، والايمان بالبعث والنشور. هذه هي أصول الدين عند الله، بعث بها كلَّ نبي، وطلبها في كل كتاب، وأرسل محمداً عليه الصلاة والسلام يجدّدها في القلوب ويحييها في النفوس. والعبادة الكاملة هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
على هذا درج القرآن يوقظ العقول، وينبّه الناس إلى هذه الأصول، فهو يُوجّه الأنظار على الدوام إلى الأدلة الكونية الدالة على حقيقة الدعوة، واستبعاد ان يكفر إنسان ذو عقل بها بعد ثبوتها في الأنفس والآفاق: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله..} إن حالكم تثير العجب! كيف تكفرون أيها المشركون والجاحدون ولا توجد شبهة تعتمدون عليها في كفركم؟ إنكم لو نظرتم في أنفسكم، وعرفتم كيف كنتم والى إين سترجعون، لأفقتم من غفلتكم هذه. لقد كنتم أمواتا في حالة العدم، فخلقكم الله ووهبكم هذه الحياة جاعلاً إياكم في أحسن تقويم. ثم انه تعالى يعيدكم أمواتا، ثم يعيدكم أحياء للحساب والجزاء يوم القيامة، إنّكم إليه لا إلى غيره تعودون.
ثم بيّن الله في الآية للناس نعمة أخرى مترتبةً على خلْقهم وايجادهم، وهي أنه هو الذي تفضل على الخَلق فخلَق لمنفعتهم كل هذه النعم الموجودة في الأرض، توجهت ارادته إلى السماء فجعل منها سبع سماوات منتظمات، فيها ما ترون أيها الناس وما لا ترون، والله محيط بكل شيء.
ولكلمة {استوى} عدة معانٍ، فيقال: استوى أي اعتدل، وسوّيت الشيءَ فاستوى عدلته فاعتدل، واستوى الطعام نضح، والعود استقام، والرجل انتهى شبابه وبلغ أشُدَّه واستقام أمره. واستوى على دابّته استقر، وعلى سرير الملك جلس واستولى عليه، واستوى إلى الشيء قصد.
يصح أن يراد بِ {سَبْع سماواتٍ} الطبقات المختلفة لما يحيط بالارضِ. وذلك ان الله تعالى بعد أن أكمل تكوين الأرض ودبّت الحياة على سطحها كيَّف سبحانه جَوَّ الأرض المحيط بها بما يلائم هذه الحياة ويحفظها من أهوال الفضاء. وهكذا كانت طبقات الجو المختلفة، ودوائر التأمين في الفراغ الكوني الذي يحدثنا العلم عن بعضها. والحق ان هذه الطبقات لم تُعرف الا من جديد، ولا يزال علم الفلك حتى الآن في طفولته، فأنى لمحمد ان يعلم هذه الأمور إلا من الله العليّ الحكيم! لقد بعثه بالحق وأنزل عليه الوحي وعلّمه بالقرآن ما لم يكن يعلم.

.تفسير الآيات (30- 34):

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}
ان أمر الخليقة، وكيفية تكوين هذا الكون على هذه الصورة. وخلق الحياة فيه. لهي من الشئون الإلَهية التي حيّرت العقول. والتي يعزّ الوقوف عليها كما هي. وقد قص الله علينا في هذه الآيات خبر النشأة الانسانية بطريقة لطيفة. ومثّل لنا المعاني في صور محسوسة وأبرز لنا الحِكم والأسرار بأسلوب المناظرة والحوار.
ويعتبر بعض العلماء هذا النوع من القصص في القرآن من المتشابه الذي لا يمكن حمله على ظاهره. ذلك أن هذه الآيات بحسب قانون التخاطب إما أن تكون استشارة. وذلك محال على الله تعالى. وإما أن يكون إخباراً منه سبحانه وتعالى للملائكة واعتراضاً منهم ومحاجّة وجدالا، وذلك لا يليق بجلال الله ولا بملائكته الذين {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وللعملاء في هذا النوع من المتشابه طريقتان:
الاولى: طريقة السلَف وهي التنزيه كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] وتفويض الأمر إلى الله تعالى في فهم حقيقة ذلك، مع العلم بأن الله يعلّمنا بمضمون كلامه ما نستفيد به من أعمالنا، ويأتينا في ذلك بما يقرّب المعاني من عقولنا ويصروها لمخيّلاتنا.
والثانية: طريقة الخلَف وهي التأويل، يقولون: إن قواعد الدين الاسلامي وُضعت على أساس العقل. فمن ثمَ لا يخرج شيء منها عن العقول، فإذا ورد في القرآن أو الحديث شيء يخالف العقل حسُن تأويله حتى يقرب إلى الأذهان.
وعلى هذا قالوا: إن قصة الخلق انماوردت مورد التمثيل لتقريبها من أذهان الناس، ولفْهم حالة خَلق الإنسان وحال النشأة الاولى. لذا بيّن الله سبحانه انه هو الذي أحيا الإنسان ومكّن له في الأرض، ثم بين بعد ذلك أصل تكوين الإنسان وما أودع فيه من عِلم الأشياء وذكّره به.. فاذكر يا محمد نعمةً أخرى من ربك على الانسان، وهي أنه قال للملائكة: إني جاعل في الأرض من أمكّنه فيها وأجعله صاحب سلطان، وهو آدم وذريته. وإنها لمنزلة عظيمة وتكريم كبير لهذا الانسان!
فاستفهم الملائكة عن سر ذلك قائلين: أتجعل في الأرض من يُفسد فيها بالمعاصي وسفك الدماء بالعدوان، لما في طبيعته من شهوات، بينما نحن ننزهك عما لا يليق بعظمتكم ونطهّر ذكرك ونمجّدك؟ فأجابهم الله بقوله: إني أعلم ما لا تعلمون، من المصلحة في ذلك. لقد أودعتُ فيه من السر ما لم أودعه فيكم.
وفي هذا ارشاد للملائكة وللناس ان يعلموا أنّ أفعاله تعالى كلّها بالغةٌ غايةَ الحكمة والكمال، وإن لم يفهموا ذلك من أول وهلة.
وقال فريق من المفسرين: إن قول الملائكة: {أتجعل فيها من يُفسد في الأرض ويسفك الدماء} يُشعر بأنه كان في الأرض صنفٌ أو أكثر من نوع الحيوان الناطق، وانه كان قد انقرض يوم خلْق الاسنان، وقدّر الملائكةُ ان الصنف المستخلَف الجديد، أي آدم وذريته، لن يسلك الا مثل ما سلك سابقوه، وقاسوا فعله اللاحق على فعل السلف السابق، من إفساد وسفك دماء..
من ثم استنبطوا سؤالهم وكأنهن اعتراض، مع انه تقرير مبني على قياس. واذا صحّ هذا فليس آدم أول الصنف العاقل من الحيوان على هذه الأرض، وانما كان أول طائفة جديدة من الحيوان الناطق تماثل الطائفة البائدة منه في الذات والمادة، كيما يصح القياس.
وهذه الآية تجلّي حجة الرسول ودعوته من حيث أنه: إذا كان الملائكة محتاجين إلى العلم ويستفيدونه بالتعلم من الله تعالى بالطريقة التي تناسب حالهم، فإن البشر أولى منهم في إنكار مال لم يعرفوه حتى يعلموا؛ وأن الافساد في الأرض وجحود الحق ومناصبه الداعي اليه العداءَ ليس بدعاً من قريش، وانما هو طبيعة البشر.
والملائكة والملائك جمع مَلك نؤمن بوجودهم ولا نعرف عنهم الا ما ورد في الكتاب. إنهم أرواح علوية مطهّرة، يعبدون الله، لا يعصون الله ما أمَرَهُم ويفعلون ما يُؤمرون. ولفظة ملَك في اللغة مَعناها الرسالة. ويقول الطبري: سُميت الملائكة ملائكةً بالرسالة لأنه رُسل الله إلى أنبيائه.
نسبّح بحمدك: نصلّي لك، وننزهك ونبرّئك مما يضيفه اليكم أهل الشرك. ونقدس لك: نعظّمك ونمجّدك. وكل ذلك اقراراً بالفضل وشكرانا لله على خلقهم.
{وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا..} الآية آدم أبو البشر، وجمعُه أوادم، يجوز أن يكون لفظه عربيا. واشتقاقه من الأُدمة، وهي السُّمرة الشديدة، أو من أديم الأرض أي قشرتها لأنه خُلق من تراب: إن الله خلق آدم من قبضة قَبَضَها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منه الأحمر والأبيض وبين ذلك، والسهلُ والحزن، والخبيث والطيب.
قال السهيلي في الروض الأُنُف: قيل؛ ان آدم عربي، أوعبراني، أو سرياني (وهذا ظنّ مردود، والحقيقة لا يعلمها غلا الله). وعلّمه اسماء جميع الأشياء وخواصها، وأودع في نفسه علم جميع الأشياء من غير تحديد ولا تعيين (ونحن نصرف ذلك إلى انه أودع فيه القدرة على الإدراك والتمييز، لا علّمه لفظاتٍ معينة في لغة بعينها). وبعد أن علّمه أسماء الأشياء وخواصها ليتمكن في الأرض عرض هذه الأشياء على الملائكة وقال لهم: أخبروني بأسماء هذه الأشياء وخواصها ان كنتم صادقين في ظنّكم أنكم أحقُّ بخلافة الأرض من هذا المخلوق الجديد، انطلاقا من واقع طاعتكم لي وعبادتكم إياي. فقالوا: سبحانك ربنا، إننا ننزهك التنزيه اللائق بك، ونقر ونعترف بعجزنا، فلا علم عندنا الا ما وهبتنا إياه، انك أنت العالم بكل شيء، والحكيم في كل أمر تفعله.
فلما اعترفوا بعجزهم قال الله تعالى لآدم: أخبرهم يا آدم بهذه الأشياء.
فأجاب آدم وأظهر فضله عليهم. فقال الله تعالى مذكّراً لهم بإحاطة علمه: ألم أقل لكم إني أعلم كل ما غاب في السماوات والارض، وأعلم ما تُظهرون في قولكم، ما تخفون في نفوسكم!!
وفي هذه الآية دليل على شرف الإنسان على غيره من سائر المخلوقات حتى الملائكة، وانه أفضلهم. وفيها دليل على فضل العلم على العبادة، وان العلم أساسٌ مهم في الخلافة في هذه الأرض، فالأعلم هو الأفضل، يؤيد ذلك قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. ولقد قام الدين الإسلامي على العلم، فلمّا تأخر المسلمون عنه تقدّمهم غيرُهم.
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ...} الآية اذكرُ يا محمد حين قلنا للملائكة اسجُدوا سجود خضوع وتحيّة لآجم (لا سجود عبادة، فالمعبود هو الله وحده) فصدعوا للأمر الرباني وسجدوا. وقد جاء السجودُ في القرآن بمعنى غير العبادة كما هو هنا، وفي سورة يوسف: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} [يوسف: 100] أي تحيةً، كما هي العادة التي كان الناس يتبعونها في تحية الملوك والعظماء.
ولقد سجد الملائكة كلهم أجمعون الا أبليس أبى وامتنع. لقد استكبر، فلم يطع أمر الحق، ترفعاً عنه، وزعماً بأنه خيرٌ من آدم، كما ورد في سورة الأعراف {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الاعراف: 12]. وكان من الكافرين بِنِعم الله وحكمته وعلمه.
وقد التبسَ على بعض الغربيّين أمرُ السجود، وذلك ديدنُهُم في النقد كلّما وجدوا له فرصة في قصص القرآن. قال: بابيني الايطالي صاحب كتاب الشيطان: انه يستغرب ان يؤْمر إبليس بالسجود لآدم مع غلوّ القرآن في تحريم الشِرك وتنزيه الوحداينة الإلَهية. فهو إما أنه لا يعرف ان السجود قد يكون للتحية والتكريم. أو انه من اولئك المتعصّبين الذين لا يريدون أن يفهموا. وهؤلاء لا حيلة لنا معهم، وهم في الغرب كثيرون.
وإبليس: أشهر اسم للشيطان الأكبر، ومن أشهر أسمائه في اللغات: لوسيفر وبعلزبول ومغستوفليس وعزازيل. وقد تقدم أن الشيطانَ كل عاتٍ ومتمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء، وهذا الأسماء تمثل قوةَ الشر الكبرى في العالم في موقفها أمام عوامل الخير والكمال.
والشيطان كلمةٌ عربية أصيلة، لأن اللغة اشتملت على كل أصل يمكن اني تفرع منه لفظ الشيطان، ففيها مادة شط وشاط وشطَنَ وشَوَط، وكل هذه الألفاظ تدل على البُعد والضلال والتلهُّب الاحتراق. وهي تستوعب أصول المعاني التي تُفهم من كلمة شيطان. وقد كان العرب يسمّون الثعبان الكبير شيطاناً، وبذلك فسّر بعض المفسّرين قوله تعالى: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين} [الصافات: 65] أي الأفاعي، وورد كثيرا في الشعر العربي.
ويرى بعضهم ان إبليس مأخوذ من الإبليس، ومعناه النَّدم والحُزن واليأس من الخير، فيما يقول بعضهم إنه أعجمي..
لكنه على كل حال يدل على الفتنة والفساد.
وإبليس من الجن، لما ورد بصراحة في القرآن {وَإِذَا قُلْنَا للملاائكة اسجدوا لآدَمَ فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].
قال الزمخشري: جنّيُّ الملائكةِ والجن واحد، لكن من خَبُثَ من الجن وتمرد شيطان، ومن تطهّر ملَك. وقال الراغب: الجن يقال على وجهين احدُهما للروحانيين والمستترين عن الجواس كلها بإزاء الإنس، فعلى هذا تدخل فيه الملائكة كلها.
ويقول في تفسير المنار: وليس عندنا دليل على أن بين الملائكة والجن فصلاً جوهرياً يميمز أحدهما عن الآخر وانما هو اختلاف أصنافٍ عندما تختلف أوصاف، كما ترشد اليه الآيات. وعلى كل حال فانّ جميع هذه المسمّيات بهذه الأسماء من عالم الغيب لا نعلم حقائقها ولا نبحث عنها فعلينا ان نؤمن بها كما وردت.
ولا يهمنا ان كان ابليس من الملائكة أو من الجن، فهذا جدلٌ لا طائل تحته، والمهم انه عصى ربه وأصبح عنواناً على الشر والطغيان.