فصل: تفسير الآيات (29- 30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (29- 30):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
اعتنى القرآن الكريم بالمال، والمحافظة عليه، والحث على تحصيله بطرق مشروعة، في كثير من الآيات. وفي هذه السورة جاءت العناية بالأموال من أولها عندما طلبت العناية باليتامى وحفظ أموالهم، ثم حذّرت من اعطاء السفهاء أموالهم. وهنا جاء النص واضحاً على العناية بالأموال والمحافظة عليها، وذلك لأن الأموا عنصر لابد منه في الحياة، وهناك كثير من الأمور تتوقف عليها الحياة وسعادتها، من علمٍ، وصحة، واتساع عمران، لا سبيل للحصول عليها الا بالمال.
ولا ريب ان الأموال هنا تشمل أموال الافراد وأموال الأمة لأنه تعالى قال: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ} بمعنى انه يحرم على الافراد ان يأكل مال بعض بالباطل. ومن ثم فإن أكل أموال الأمة أو ضعها في غير مصلحتها لهو أشد حرمة عند الله، وأكبر جرماً في نظر الإنسانية. لذلك يجب ان نحافظ على أموال الأمة والدولة كما نحافظ على أموال الافراد.
يا أيها الذين آمنوا لا يأخذ بعضكم مال بعض بغير حق، وقال (أموالكم) فأضافها إلى جميع الأمة تنبيهاً إلى تكافل الأمة في الحقوق والمصالح كأن مال كل فرد هو مال الأمة جميعا. فاذا استباح أحدهم ان يأكل مال الآخر بالباطل: كالربا والقمار، والرشوة والسرقة، والغش والتسول، وغير ذلك فقد اباح لغيره ان يأكل ماله.
لقد اباح لكم التجارة بينكم عن طريق التراضي، والعملَ الحِرفي في نواح عديدة من الكسب الحلال. ثم لما كان المال شقيق الروح، فقد نُهينا عن اتلافه بالباطل كَنهْيِنا عن قتل النفس. {وَلاَ تقتلوا أَنْفُسَكُمْ}. وهذه اشارة بليغة جداً تُبيّن انه: لمّا كان من شأن أكل أموال الناس بالباطل ان يغرس الحقد في القلوب، وكثيرا ما يؤدي ذلك إلى القتل والشر فقد قرنهما الشارع وجاء بهذا التعبير العظيم. ولا ريب في ان من سلب مال انساب إنما سلبه عنصراً هاماً من عناصر الحياة وصيّره في حكم المقتول. {إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} بنهيكم عن أكل الأموال بالباطل، وعن قتل أنفسكم فتهلكون. اما من يُقدم على مفعل ما حرم الله ونها عنه، اعتداءً وتجاوزاً لحقه، فسوف يكون جزاؤه يوم القيامة ناراً حامية وعذابا أليما. وعقابه هذا أمرٌ يسير على الله.

.تفسير الآية رقم (31):

{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}
الكبائر: جمع كبيرة وهي الذنب العظيم كالشرك بالله وقتل النفس وغير ذلك. السيئات: الذنوب الصغيرة. نكفّر: نمحو، ونغفر، ونعفو.
إن تتركوا عمل الذنوب العظيمة وتبتعدوا عنها نمحُ عنكم ما دونها من السيئات وصغائرها الذنوب، فلا نؤاخذكم بها.
وقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: ما هي يار سول الله؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرّم الله الا بالحق، والسِّحر، وأكل ما اليتيم، وأكل الربا، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنَات المؤمنات الغافلات».
وقد وردت أحاديث كثيرة بتعداد الكبائر، وهي في بعضها سبع، وبعضها تسع، والحقيقة انه لا حصر لها.
وقال بعض العلماء: كل ذنب رتّب عليه الشارع حداً أو صرّح فيه بوعيد فهو كبيرة.
وفي هذا الآية الكريمة فرَجٌ كبير على المسلمين، والعلماء يقولون: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.

.قراءات:

قرأ نافع: {مدخلاً} بفتح الميم.

.تفسير الآية رقم (32):

{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}
التمني: تشهِّي حصول الأمر المرغوب فيه. من فضله: من احسانه ونعمه المتكاثرة.
في هذه الآية الكريمة ينهى الله تعالى عن التحاسد وتمنّي ما فضّل الله به بعض الناس من المال والجاه ونحوه، مما يجري فيه التنافس. وذلك ليطهُر المجتمع الاسلامي ظاهراً وباطناً.
ان الله كلفّ كلاً من الرجال والنساء أعمالاً، وليس لأحد أن يتمنى ما هو مختص بالآخر، فعلى المسلم الحقيقي ان يعتمد على مواقبه وقواه في كلم مطالبة، مع رجاء فضل الله فيما لا يصل اليه كسبه. واسألوا إحسانه وإنعامه فان خزائنه مملوءة لا تنفد، ولاتتمنوا نصيب غيركم ولا تحسدوا من فُضل عليكم.
وقو روى الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله «سلوا الله من فضله، فان الله عز وجل يحبّ ان يُسأل، وأفضلُ العبادة انتظارُ الفَرج».

.قراءات:

قرأ ابن كثير والكسائي {وسلوا}.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
موالي: جمع مولى وهو بمعنى الوالي الذي يتولى غيره. ومعناه: لكل إنسان جعلنا ورثة يرثونه. الذين عقد ايمانكم: الازواج، فان كلاً من الزوجين له حق الإرث بالعقد.
ولكل من الرجال والنساء جعلنا مستحقين لتركتهم يرثونهم، وهم الوالدان والأقربون من الأصول والفروع والحواشي والازواج، والذين عَقَدَ المتوفى لهم عقداً مقتضاه ان يرثوه إذا مات من غير قرابة، وينصروه إذا احتاج إلى نصرتهم في مقابل ذلك. وكان هؤلاء أربعة أنواع:
الأول: عقد ولاء العتق، وهو النظام الذي يصبح بمقتضاه الرقيق بعد عتقه بمنزلة العضو في أسرة معتقِه، إذا مات ولم يترك أحدا من عصبته.
الثاني: عقد الموالاة، وهو ان يأتي غير العربي فيرتبط بعقد مع عربي فيصبح بمنزلة عضو في أُسرة مولاه. وهذا يرثه اذامات بدون وارث.
الثالث: العقد الذي عقده الرسول بين المهاجرين والانصار وكانوا بذلك العقد يتوارثون.
الرابع: كأن يعاقد الرجلُ الرجلَ ويقول: (ترثني وأرثك). ثم أبطل الإسلام معظم هذه العقود وجعل الميراث سببه القرابة.

.قراءات:

قرأ غير الكوفيّين: {عاقدت أيمانكم}.

.تفسير الآية رقم (34):

{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)}
قواموا: يقومون عليهن ويهتمون بأمرهن وجميع شئونهن. قانتات: عابدات بخضوع وسكون. نشوزهن: عصيانهن، وتورفّعهن على أزواجهن. البغي: الظلم.
في هذا الآية الكريمة تنظيم لشئون الأُسرة، وتحديد اختصاص أعضائها. فللرجال حق الصيانة والرعاية للنساء والقيام بشئونهن، كي يمكن المرأة ان تقوم بوظيفتها الفطرية وهي الحمل وتربية الاطفال وهي آمنة مكفيّة ما يهمّها من أمور أرزاقها وحاجاتها.
ثم فصّل حال النساء في الحياة المنزلة وبين أنهن قسمان: فالنساء الصالحات مطيعات للأوزاج حافظات لما يجري بينهن وبينهم في الشؤون الخاصة بالزوجية، وكذلك بحفظ بيوتهن وأموال أزواجهن، خضوعاً لأم الله في ذلك. والذي يُرزق واحدة منهن يعيش في نعيم مقيم.
والقسم الثاني: الزوجات اللاتي تظهر منهن بوادر العصيان والترفع، وتخافون ألاّ يقمن بحقوق الزوجية، فانصحوهن بالقول الليّن المؤثر واعتزِلوهن في الفراش. واذا لم ينفع ذلك كله عاقبوهن بضرب خفيف غير مبرّح، فان رجعن إلى طاعكم فلا تبغوا عليهِنَّ ولا تتجاوزوةا ذلك إلى غيره.
{إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} ان سلطان الله علكيم فوق سلطانكم على نسائكم، فاذا بغيتم عليهن عاقبكم.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
الشقاق: الخلاف.
كان الحديث في الآية السابقة عما إذا كان الخلاف من الزوجة فقط، لكنه هنا فيما إذا كان من احد الزوجين. ومنطوق الآية الكريمة يحرص على التوفيق ولذلك قال: {إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَآ}. فان حدث خلاف بين الزوجين فقد يكون بسبب نشوز المرأة وقد يكون بسبب ظلم الرجل، فإن تأزَّم الموقف وجب على اقاربهما فمن عقلاء المسلمين. وعلى الحكَمين ان يجتهدا في تقريب وجهة النظر بين الزوجين ويذكّراهما ان الحياة الزوجية مبنية على الرفق والمودة. ومتى صدقت الارادة وصحّت العزيمة فان الله كفيل بالتوفيق. ان الله شرع لكم هذه الاحكام وهو عليم بأحوال العباد واخلاقهم، خبير بما يقع بينهم، لا يخفى عليه شيء.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)}
بذي القربى: أقرباء الإنسان من أخ وعم وخال ونحوهم. الجار ذي القربى: الذي قُرب جواره. الجار الجنب: الجار الذي لا قرابة له، أو البعيد. الصاحب بالجنب: الرفيق في السفر، أو المنقطع اليك.
ابن السبيل: المسافر أو الضعيف. ما ملكت أيمانكم: الأرقاء العبيد.
بعد أن عالجت السورة أمر الأيتام والنساء والميراث وحفظ الأموال وتنظيم الأسرة، جاء التذكير هنا بحسن معاملة الخالق، ثم التذكير بحسن معاملة الناس. فالسوةُ تأمر بأساس الفضائل التي تهذّب النفس وهي عبادة الله والاخلاص له، كما تأمر بالإحسان في معاملة الناس، وتخص بالذكر طوائف من الناس، الإحسانُ اليها احسان إلى النفس والأسرة والى الانسانية كلها. بذلك تضع للمسلمين اساس الضمان الجماعي، والتكافل الحقيقي بينهم.
اعبدوا الله وحده ولا تشركوا معه أحدا، وأحسِنوا إلى الوالدين إحساناً لا تقصير فيه، لأنهما السبب الظاهر في وجودكم، وأحسنوا معاملة اقرب الناس اليكم بعد الواليد، والى اليتامى، والى المساكين الذين افتقروا بسبب عجزهم أو بذهاب الكوارث بأموالهم، والى الجيران سواء منهم القريب أو البعيد. وقد وردت أحاديث كثيرة تحض على الاحسان إلى الجار مهما كان دينه أو جنسه، فقد عاد النبي بن جاره اليهودي، وذبح ابن عمر شاةً فجعل يقول لغلامه: أهديت لجارنا اليهودي؟....
وإكرام الجار من شيم العرب قبل الاسلام، وزاده الإسلام توكيداً بما جاء ف يالكتاب والسنة. من إكرامه ارسال الهدايا اليه، ودعوته إلى الطعام، وتعاهده بالزيارة والعيادة ونحو ذلك. وهناك حديث الصحيحين المشهور: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيروّثه».
والصاحب بالجنب هو الرفيق في السَّفَر، وابن السبيل هو المسافر المحتاج، وما مالكتم من الأرقاء كل هؤلاء تجب معاملتهم بالحسنى.. فاللهُ لا يحب من كان متكبراً متعالياً على الناس لا تأخذه بهم رحمة. وفي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي عن ابن مسعود قال رسول الله: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْرٍ» فقال رجل: إن الرجل يحب ان يكون ثبوه حسنا وفعله حسنا، فقال الرسول الكريم: «ان الله جميل يحب الجمال».

.تفسير الآيات (37- 39):

{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)}
أعتدنا: هيّأنا: رئاء الناس: للمراءاة والفخر. القرين: الصاحب.
هذه الآيات الكريمة تبين هنا ان التقصير في الحق الاجتماعي شأنُ المختالين المتكبرين. وهم الذين يظهر أثر كِبرهم في عملهم، وفي أقوالهم. ومثلُ هؤلاء لا يعترفون بحق للغير على أنفسهم. وقد جعلهم الله صنفين من طبيعة كل منهما ألا يعترف لله بشكر على نعمةٍ، ولا للخلق بحق عليه، فهم يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، ويخفون نعمة الله عليهم فلا ينفعون أنفسهم ولا الناس. هذا ما كان يفعله جماعة من اليهود، يأتون رجالاً من الانصار فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم، فنحن نخشى عليكم الفقر في ذهابها، ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون.
{وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً} وهيأنا لهؤلاء عذابا يهينُهم ويذهلهم.
والنصف الثاني: {والذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَآءَ الناس} فهؤلاء يبذلون المال لا شكراً لله على نعمه، ولا اعترافاً لعباده بالحق بل الرياء أمام الناس. وهم بذلك يقصدون ان يراهم الناس فيعظموا قدرهم ويحمدوا فعلهم ويمدحوهم، وهم غير مؤمنين بالله ولا باليوم الآخر، يوم الجزاء الأكبر، لأنهم تبعوا الشيطان فأضلّهم.
وحسْب هذين الصنفين من البشر تسجيل القرآن الكريم عليهم ان قرينهم الشيطان منبع الشر والمغزي بالفساد، {وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً} وبئس الصاحب.
{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ...} وما الذي كان يضرهم لو آمنوا ايماناً صحيحاً لا رياء فيه ولا كذب، بالله وباليوم الآخر، واعطوا من المال والرزق الّذي آتاهم الله استجابة لهذا الايمان وما يقتضيه من اخلاص النبية ورجاء الثواب، والله عالم كل العلم ببواطن الأمور وظواهرها لا ينسى عمل العاملين، ولا يظلمهم من أجرهم شيئاً.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي: {ويأمرون الناس بالبخل} بفتح الباء والخاء. وهي لغة.