فصل: تفسير الآية رقم (40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (40):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}
الذرة: أصغر ما يُدرك من الاجسام. من لدنه: من عنده.
ان الله تعالى لا ينقُص أحداً من أجر عمله والجزاءِ عليه شيئاً ما، حتى وإن صغُر كدرّة الهباء. يضاعف للمحسن ثَواب حسناته، ويعطي من فضله عطاء كبيرا، اضعافا مضاعفة، بدون حساب. ان الظلم لا يقع من الله تعالى، لأنه من النقص الذي يتنزه عنه، وهو ذو الكمال المطلق والفضل العظيم.

.قراءات:

قرأ ابن كثير ونافع {حسنة} بالرفع. وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب {يضعفها} بالتشديد. والمعنى واحد.

.تفسير الآيات (41- 42):

{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}
يود: يتمنى: لو تسوَّى بهم الأرض: إن يدفنوا وتسوى عليهم الأرض.
ثم يختم سبحانه وتعالى الأوامر والنواهي المتقدمة بمشهد من مشاهد القيامة، ويحسم موقفهم فيه، ويرسم حركة النفوس والمشاعر كأنها شاخصة مترحكة فيقول:
فكيف يكون حال هؤلاء البخلاء المتكبّرين والمعرِضين عما أمر الله به، إذا جئنا يوم القيامة بكل نبيّ شهيداً على قومه، وجئنا بك يا محمد شهيدا على قومك أيضاً؟.
{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ...}
في ذلك اليوم يتمنّى الّذين كفرو وعصَوا الرسول فلم يتّبعوا ما جاء به، لو يُدفنون في الأرض كما تدفن الأموات، وتسوّى بهم الأرض. وكما جاء في سورة النبأ {وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً}.
{وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً}
فإنهم يتمنّون ان يكون ترابا، ولا يكونوا قد كتموا الله وكذبوا أمامه على أنفسهم بإنكارهم شِركهم وضلالهم، كما وضَح ذلك في قوله تعالى في سورة الأنعام..
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي {تَسْتَوى} بفتح التاء والسين المخففة. وقرأ نافع وابن عامر {تسوى} بفتح التاء وتشديد السين والواو المفتوحتين. والباقون {تسوى} كما هو هنا بضم التاء.

.تفسير الآية رقم (43):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
الغائط: الموضع المنخفِض من الأرض. كان العرب إذا أراد أحدهم قضاء الحاجة عمَد في ذلك إلى مكان منخفض. فصاروا يكنّون عن قضاء الحاجة، بالخروج إلى الغائط. لامستم النساء: جامعتم. تَيمّموا: اقصدوا. الصعيد: وجه الأرض.
هذه هذ الآية الثانية التي تنزل في الخمر فقد كانت الخمر متفشّية في المجتمع الجاهلي، فنزل تحريمها تدريجيا. وهناك روايات عديدة في سبب نزول هذه الآية، فمنها ما رواه أبو داود والترميذي عن علي بن أبي طالب قال: «صنع لنا عبدُ الرحمن بن عوف طعاماً، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذتْ منّا. وحضرت الصلاةُ فقدَّموني فقرأتُ {قل يا أيها الكافرون لا أعدب ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون} فنزلت الآية».
ومعناها: يا أيها الذين آمنوا لا تصلّوا وأنتم في حال السُّكر الذي لا يَدري معه المصلّي ما يقول. فالصلاة وقوفٌ بين يدي الله، فيجب ان يكون المصلّي صاحياً ليتدبر القرآن والذِكر فيما يقول. ثم قال: {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}، أي لا تصلُّوا وأنتم جُنب، ولا تدخلوا المساجدَ وأنتم جُنُبٌ إلا عباري الطريق، حتى تطَّهَّروا. ولما كانت الصلاة فريضةً موقوتة يجب تأديتها في وقتها، وكان الاغتسال من الجنابة يتيسَّر في بعض الحالات ويتعذر في بعضها الآخر فقد رخَّص الله ترك استعمال الماء والاستعاضةَ عن الماء بالتيمم، فقال ما معناه:
وان كنتم مرضى لا تستطيعون استعمال الماء، خشيةَ زيادة المرض أو تأخير البُرء، أو مسافرين يشقّ عليكم وجودُ الماء فاقصدوا الصعيدَ الطيب، وهو كلُّ ما على الأرض، فلو لمس حجراً كفاه عند بعض الأئمة. وكذلك إذا قضى أحدُكم حاجتَه، أو باشرتم النساء ولم تجدوا ماءً، فعليكم بالتراب: اضربوا به أيديَكم وامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ثم صلّوا ان الله يحب التيسير على عباده.
ومذهبُ الإمام محمد عبده في تفسير: {وان كنتم مرضى أو على سفر} أن السفر عذرٌ يبيح التيمُّم، وُجد الماء أو غاب، وذلك لان الآية صريحة بذلك. ومثله قال حسن صدّيق خان في تفسير هذه الآية وهذا نص كلامه: المعنى ان حُكم المريض والمسافر إذا أراد الصلاة كحكْم المحدِث حدثاً أصغر أو ملامسِ النساء ولم يجد الماء، فعلى كل هؤلاء التيمم.

.قراءات: قرأ حمزة والكسائي: {لمستم النساء}.

.تفسير الآيات (44- 45):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)}
ألم تعجب يا محمد من هؤلاء الذين أُعطوا حظاً من معرفة الكتب السابقة كيف حُرموا الهداية وتبعوا الضلالة، يختارونها لأنفسهم، ويريدون لكم ان تضِلّوا طريق الحق القويم أيها المؤمنون. إنهم دائبون على الكيد لكم، ليردوكم عن دينكم ان استطاعوا. والله أعلم منكم بمن هم أعداؤكم الحقيقيون، وأخبرُ بما تنطوي نفوسهم، لكنه يحميكم ويكفيكم اعداءكم. فلا تطلبوا الولاية من غيره ولا النصر من سواه، بل اتّبعوا دينكم ولا تستعينوا الا بربكم.

.تفسير الآية رقم (46):

{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)}
الذين هادوا: اليهود. اسمع غير مسمع: اسمع غير مجاب إلى ما تدعوا اليه. راعنا: انظُرنا، وهي توافق كلمة سبٍّ في لغتهم. أقوم: أعدل.
من اليهود فريق يحرّفون الكلام عن معناه بالتأويل أو الحذف أو التبديل، وهو أمر أجمعَ عليه أهل النظر من الغربيين. يقول مارتن لوثر في كتابه: اليهود وأكاذيبهم هؤلاء الكذّابون الحقيقيون مصاصو الدماء، الذين لم يكتفوا بتحريف الكتاب المقدّس من الدفة إلى الدفة، بل ما فتئوا يفسّرون محتوياته حسب أهوائهم وشهواتهم.
فتحريف التوراة حاصل باعتراف النصارى أنفسهم، ولذلك عندما يقول القرآن شيئاً فإنه يكون حقاً لا شُبهة فيه.
ويقول اليهود في أنفسهم للنبيّ الكريم: سمعنا بالقول وعصَينا الأمر. اسمعْ كلامنا لا سمعتَ دعاء يدعون بذلك على النبي. ويقولون {اسمع غير مسمَع} فيسوقون اللفظ ومرادُهم الدعاءُ عليه، ويوهمون أن مرادهم الدعاء له ويقولون، راعِنا، يلوون بهنا ألسنتَهم يوهمون أنهم يريدون {انظُرنا} فيُظهرون أنهم يطلبون رعايته ويُبْطنون وصفه بالرعونة لمجرد السبّ والشتم.
ولو أنهم استقاموا وقالوا {سمعنا وأطعنا} بدل قولهم {سمعنا وعصينا}، وقالوا {اسمَع} دون ان يقولوا {غير مسمَع}، وقالوا {انظُرنا} بدل {راعِنا} لكان ذلك خيراً لهم وأصوبَ، لما فيه من الأدب والفائدة وحسن العاقبة، ولكن الله طردهم من رحمته بأعراضهم عنه، فللا تجدُ منهم من يستجيبون لداعي الإيمان إلا عدداً قليلا.
وصدق الله. فلم يدخل في الإسلام على مر القرون الا قليل من اليهود، ممن قَسَم الله لم الخير، وأراد الهدى. أما أغلبهم فقد ظلّوا حرباً على الإسلام والمسلمين، منذ كانوا في المدينة إلى يوما الحاضر. هذا مع أنهم لم يجدوا أمةً تحفظهم وتصون حقوقهم كالمسلمين. ولم يعيشوا في أمانٍ إلا في ظِل الإسلام ولا يزالون كذلك حتى الآن في كثير من البلاد الاسلامية.

.تفسير الآية رقم (47):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (47)}
الكتاب: التوراة. الطمس: إزالة الأثر بمحوهِ أو إخفائه. ومنه الطمس على الأموال في قوله تعالى: {رَبَّنَا اطمس على أَمْوَالِهِمْ} أي أهلكها وأزِلها، والطمس على الأعينِ محوُ نورها. {وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66].
يا أيها الذين أوتوا الكتاب، والمقصودُ اليهودُ الذين كانوا حوالي المدينة، والخِطابُ عام لجميع أهل الكتاب، آمِنوا بما أنزلنا من القرآن على محمد. فقد جاء مصدّقاً ومحققاً لما معكم، فآمِنوا به قبل أن يحلّ بكم العقاب الذي تُمْحَى به معالم وجوهكم، ونسلُبها وجاهتها، كما نعمّي عليكم السبل كما نبصّر المؤمنين بشؤونكم ونغريهم بكم. بذلك يكون سعيكم إلى غير الخير، أو نطردكم من رحمتنا كما لعنّا الذي خالفوا أمرنا بمزاولتهم الصيدَ يوم السبت، وكان قضاء الله نافذاً لا مردَ له.

.تفسير الآية رقم (48):

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}
افترى الكذب: اخلتقه، وأصله من الفَرْي وهو القطع.
في هذه الآية الكريمة تهديد كبير، وأمل عظيم ورجاء مفتوح.. تهديدٌ لمن يقترف جريمة الشِرك، فالله لا يغفر ذلك أبداً، لأن الشرك انقطاعُ ما بين الله العباد، فلا يبقى لهم معه أمل في المغفرة.. وفيها أمل عظيم يفتح أبواب رحمته تعالى كلّها لما دونَ الشِرك من الذنوب، فكل ذلك يغفره الله، ما دام العبد يرجوا مغفرفته، ويؤمن انه قادر على أن يغفر له. وهذا منتهى الأمر في تصوير الرحمة لا التي لا تنفَد ولا تحدّ.
{وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً}
ومن يجعل لغير الله شِركة مع الله فقد اخترع ذنباً الضرر، تُستصغَر في جنب عظَمته جميع الذنوب والآثام، ومن ثم لا يستحق صاحبه الغفران.

.تفسير الآيات (49- 50):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50)}
تزكية النفس: مدحها. الفتيل: ما يكون على نواة التمر مثل الخيط.
ألا تعجب يا محمد من هؤلاء الذين يُثنون على أنفسهم ويقولون: نحن أبناء الله وأحبّاؤه ولا يدخل الجنة إلا من كان يهودياً! هذا ويضيف اليهود: إن ذنوبنا التي نعملها بالنهار تكفَّر عنَّا بالليل، وما أَشبه ذلك من الافتراء على الله. والحق ان الله وحده هو الذي يعلم الخبيث من الطيّب، فيزكْي من يشاء من عباده، لا اليهود ولا النصارى.
ثم يؤكد سبحانه التعجيب من حالهم وأقوالهم فيقول: {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ} انظر إلى زعمهم أن الله تعالى يعاملهم معالمةً خاصة بهم، لا كما يعامل سائر عباده.. ان الكذب على الله إنما يكشف عن خُبث طويتهم لا أكثر.

.تفسير الآيات (51- 53):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)}
الجبت: السِحر، والساحر، والشر، وكل ما عُبد من دون الله. الطاغوت: كل باطل من معبود وغيره، والشيطان، والكاهن. النقير: النكتة التي في ظهر النواة.
روي في سبب نزول هذه الآيات عدة روايات تدور كلها على كعب بن الأشرف وحيُيّ بن أخطب، وهما من زعماء وأحبار اليهود المناوئين للنبيّ والاسلام. وخلاصة روايات الطبري ان كعباً وحييَّ بن اخطب ذهبا في جماعة من الأحبار إلى مكة ليحالفوا قريشاً على حرب النبي، فأجابتهم قريش: انتم أهل الكتاب وأنتم أقربُ إلى محمد. ونحن لا نأمن مكركم حتى تسجدوا لآلهتنا. ففعلوا، ثم سألتهم: أدينُ محمد خير أم ديننا؟ فقال اليهود: بل دينكم، وأنتم أهدى منه وممن تبعه. فأنزل الله تعالى هذه الآيات. ومعناها:
ألم تر يا محمد إلى اليهود الذين أوتوا حظاً من عِلم الكتاب يعظّمون غير الله بالعبادة فيسجدون للجبت والطاغوت، ثم يقولون للكفار إنهم أرشدُ طريقةً في الدين منت الذين اتبعوا محمداً. كل ذلك يُرضوا المشركين ويحالفوهم ليحاربوا الاسلام. {أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله} وطردهم من رحمته، ومن يخذله الله فلن ينصره أحدٌ ولا يحيمه أحد من غضَبه.
ثم ينتقل سبحانه من توبيخهم على فِعلتهم المنكرة تلك إلى توبيخهم على حسَدهم وبُخلهم وأثَرتهم، فيقول: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الملك.....} فيما عجباً، إنهم لا يطيقون ان ينعم الله على عبد من عباده بشيء من عنده إذا لم يكن يهودياً! فهل هم شركاؤه سبحانه، حتى يكون لهم نصيب في ملكه! لو كان لهم ذلك لضنّوا وبخلوا ان يعطوا الناس نقيرا، وهو أتفهُ الأشياء وأقلها.

.تفسير الآيات (54- 55):

{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)}
صد عن الشيء: أعرض عنه.
إنهم من جرّاء حسدهم للغير واغترارهم بأنفسهم يريدون أن يَضيقَ فضل الله بعبادهخ، لذلك يستكثرون على العرب ان يبعث الله منه رسولا، مع انه آتى ابراهيم وآله الكتابَ والنبوَة والملُلك، وهو أبوكم وأبو العرب. فمِنَ الذين بُعث فيهم إبراهيم وآله مَن آمن بالكتاب ودين ابراهيم، ومنهم من اعرض عنه، وحَبْبُ هؤلاء المعرضين جهنم في الدار الآخرة وبئس القرار.