فصل: تفسير الآية رقم (86):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (86):

{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86)}
اصل التحية: الدعاء بالحياة، ثم صارت للسلام.
بعد أن علّمنا الله تعالى طريق الشفاعة الحسنة، وانها الخالصة لله جاءت هذه الآية للتأديب في المعاملة: كيف نسلّم على الناس، وكيف نرد التحية بأحسن منها. ذلك أن التحية في المجتمع علاقة من العلاقات الطيبة التي تدور بها عجلة الحياة بيسر.
وفي جعل الإسلام تحيته (السلامُ عليكم) لأنه دين السلام، فهو حتى حين يدعو إلى القتال فإنما يدعو لإقرار السلام في الأرض.
وأذا حيّاكم أَحدٌ بتحية فردوا بأحسن منها أو بمثلها، فملن قال لكم: السلام عليكم، أجيبوا: وعليكم السلام ورحمة الله.
هذا وإلقاء سُنة: وردُّوه واجب.
روى ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «من سلّم عليك من خلْق الله فاردد عليه وان كان مجوسياً، فإن الله تعالى يقول: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ}».
{إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} انه تعالى رقيب عليكم في مراعاة هذه الصلة بينكم بالتحلية ويحاسبكم على ذلك. وفي هذا اشارة إلى تأكيد امر هذه الصلة بين الناس.

.تفسير الآية رقم (87):

{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)}
جمعت هذه الآية الكريمة التوحيد، والايمان بالعبث والجزاء في الدار الآخرة، وهما الركنان الأساسيان للدّين. وبعد أن مهّد الشارعُ بذكر هذه القواعد الثابتة بنى على ذلك احكاماً شتى في تعامل المسلمين مع غيرهم كما سيأتي.
الله لا إله الا هو، ولا سلطان لغيره، فلا تقصّروا في عبادته. انه سبعثكم بعد موتكم ويحشركم إلى موقف الحساب والجزاء يوم القيامة، وهو يوم آتٍ لا ريب فيه، ولهذا لا تشكّوا في حديثه فإن لا قول أصدق من قوله.

.تفسير الآيات (88- 90):

{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89) إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)}
الفئة: الجماعة. أركسهم: ردهم إلى حكم الفكرة، واصل الرَّكس رد الشيء مقلوباً. تولّوا: أعرضوا. أولياء: نصراء، جمع وليّ. ميثاق: عهد. حضرت صدروهم: ضاقت. السلم: الاستسلام.
هذه أحكام في معاملة المسلمين لغيرهم، وهي بعض القواعد التي أنشأها الإسلام لأول مرة في تاريخ البشرية وفي مجال المعاملات الدولية. وبفضْلها يُقيم المجتمع المسم علاقاته مع غيره من المجتمعات الاخرى على اساس العدالة. وقد وردت هذه القواعد متفرقة في سورة القرآن الكريم، فحرص عليها المسلمون وطبقوها.
أما غير المسلمين فإنهم بدأوا في سَنِّ القانون الدولي في القرن السابع عشر الميلادي، أي بعد نزول القرآن بعشرة قرون. ومن المؤسف أن كانت جميع القوانين التي سُنّت والمنظمات التي أوجبت مجردَ أدواتٍ تختفي وراءها الأطماع الدولية، لا أجهزة لأحقاق الحق. وأكبرُ شاهد على ذلك الآن هي المنظمة الدولية الكبرى (هيئة الأمم)، فإنها لم تحلّ اية قضية، ولم ترعَ حقاً من حقوق الأمم المهضومة، بل ظلّت لعبة في يد الدول الاستعمارية لحماية مصالحها.
والآية هنا تعالج قضايا المنافقين، والذين يرتبطون بقوم بينهم وبين المسلمين ميثاق، والمحايدين الذين تضيق صدورهم بحرب المسلمين أو بحرب قومهم وهم على دينهم، والمتلاعبين بالعقيدة الذين يُظهرون الإسلام إذا قدِموا المدينة الكفرَ إذا عادوا إلى مكة.
مالكم ايها المسلمون حِرتم في المنافقين وانقستم فئتين لاختلافكم حول كفكرهم! ان الأدلة تتظاهر على ذلك فما يسوغ لكم ان تختلفوا في شأنهم أهم مؤمنون أم كافرون؟ ولا بصدد وجوب قتلهم أم لا؟
وهؤلاء الذين اختلف المسلمون في أمرهم هم فريق من المشركين كانوا يظهرون المودة للمسلمين وهم كاذبون. وكان المؤمنون في أمرهم فرقتين: واحدة ترى انهم يُعَدّون من الموالين، فيجوز ان يستعان بهم على المشركين، وأخرى ترى ان يعامَلوا كما يعاملُ غيرهم من المشركين. وقد حسم الله الخلاف في ذلك وأمر المسلمين ان يبتّوا في أمر ككفرهم، فإنه هو قد أركسهم. ومن ثم: كيف تختلفون أيها المسلمون في شأنهم واللهُ قد صرفهم عن الحق الذي أنتم عليه بما كسبوا من أعمال الشر والشِرك! ليس في استطاعتكم هداية من قدّر الله ضلاله، ولن تجدوا له طريقا إلى الهداية على الإطلاق.
إنكم تودّون هداية هؤلاء المنافقين فيما هم لا يقنعون منكم إلا بأن تكفروا مثلهم، وحتى يُقضى على الإسلام الذي أنتم عليه.. فاحذروا غوائل نفاقهم.
{فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ...}
اذا كانت هذه حالهم فلا تتخذوا منهم مناصرين لكم، ولا تعبتروهم منكم حتى يؤمنوا ويهاجروا مجاهدين في سبيل الاسلام. بذلك تزول عنهم صفة النفاق. فإن أعرضوا عن ذلك، وانضمّوا إلى أعدائكم فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم. أياكم أن تتخذوا منهم ولياً يتولّى شيئاً من أموركم، ولا نصيرا ينصركم على اعدائكم.
ثم استثنى من هؤلاء أولئك الّذين يتصلون بقوم معاهدين للمسلمين فيدخلون في عهدهم. كما استثنى الذين هم في حيرة من أمرهم، قد وقفوا على الحياد، مسالمين لا يقاتلون قومهم معكم ولا يقاتلونكم انتم فهؤلاء جميعا لا يجوز قتالهم. هذا هو مبدأ الإسلام كما جاء صريحا في قوله تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله الذين يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تعتدوا}.
{وَلَوْ شَآءَ الله لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ}.
لو شاء تعالى لجعلهم يحاربونكم، ولكنه رحمَكم بأن صرفهم عن قتالكمم. فإذا اعتزلوكم ولم يقاتلوكم فليس لكم من حق في الاعتداء علَيهم، ولا يسوغ لكم قتالهم.

.تفسير الآية رقم (91):

{سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}
ثقفتموهم: وجتموهم. السلطان المبين: الحجة الواضحة.
ستجدون طائفة أخرى منافقة شريرة كالطائفة السابقة، لكنها ليست مرتبطة بميثاق ولا متصلة بقوم لهم معكم ميثاق. وهؤلاء فريق من المنافقين كانوات يُظهرون الإسلام للرسول وأصحابه ليأمنوا القتل والسباء. اما الحقيقة فإنهم كفار. يعلم ذلك منهم قومهم. وكان هؤلاء يأتون النبي فيُسْلِمنون رياءَ ثم يرجعون إلى قريشٍ فيرتكسون في الأوثان، يريدون أن يأمنوا هاهنا وههنا.
{كُلَّ مَا ردوا إِلَى الفتنة أُرْكِسُواْ فِيِهَا}
كلما دعاهم قومه إلى الشِرك بالله ارتدّوا، فصارو مشركين مثلهم. فأمر الله بقتالهم ان لم يصلُحوا.. أي إذا لم يعتزلوكم ويلتزما الحياد على الأقل: خُذوهنم واقتلوهم حيث وجدتموهم فلا علاج لهم غير ذلك.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)}
تحرير رقبة: عتق عبد رقيق مؤمن. الدية: مبلغ من المال يدفعه القاتل لأهل القتل.
في هذه الآية الكريمة أحكام لعلاقات المسلمين بعضهم ببعض، وفيها أحكام تتناول ثلاثة حالات من القتل الخطأ. وهو المفروض ان يكون بين المسلمين، لأن المسلم لا يجوز ان يقتل أخاه المسلم أبداً، ولا قَتْلَ إلا في حدٍّ أو قَصاص.
فالحالة الأولى: أن يقع القتل خطأً على مؤمن أهلُه مؤمنون في دار الاسلام. في هذه الحالة يجب عتق رقبة مؤمنة، وان تؤدى دِيَة، أي مبلغ من المال (حدّده النبي بمائة من الإبل أو ألف دينار) إلى أهل التقيل لتسكن ثائرة نفوسهم، وتعوّضهم عما فقدوه من نفع المقتول. هذا الا إذا عفا أهله وعفّوا عن الدية، وهو أقرب إلى جو التعاطف والتسامح في المجتمع الاسلامي.
وأما عِتق الرقبة فإنه تعويضٌ للمجتَمع المسلم عن القتيل المفقود، فمن أعدم نفساً مؤمنة تكون كفّارته أن يوجِد نفسا. والعتقُ كأنه إيجادٌ من جديد. فالإنسان حر، ولا يكمل وجوده إلا مع حريته. وفي هذه دليل كبير على أن الإسلام جاء ليحرّر لا ليسترقّ.
وهنا معنى قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ}.
والحالية الثانية: إن يقع القتل خطأ على مؤمن في دار الحرب وأهلُه محاربون للإسلام. وفي هذه الحالة يجب عتق رقبة مؤمنة لتعويض النفس المؤمنة التي قُتلت، لكنه لا يجوز أداء الدية لقومه المحاربين، خشية ان يستعينوا بها على قتال المسلمين. ولا مجال هنا لاسترضاء أهل القتيل لأنهم أعداء للمسلمين.
وهذا معنى قوله تعالى: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}.
والحالية الثالثة: إن يقع القتل على رجل قومُه معاهدون للاسلام. وهنا يجب تحرير رقبة مؤمنة، ودفع الدية كاملة إلى أهله. فالله سبحانه قد حرَّم قتل المعاهد كما حرم قتل المؤمن.
ويقول بعض المفسّرين في هذه الحالة الثالثة إذا كان المقتول خطأ هو المؤمن فقط، وجبت الدية وعتق الرقبة.
فمن لم يجد رقبة يفتديها أو عجز مالُه عن ذلك وجَبَ عليه صيام شهرين متتابعين، وذلك من باب {توبة من الله} شرعها لكم، ليتوب عليكم ويطهّر نفوسَكم من التهاون الذي يفضي إلى القتل الخطأ.
{وكان لله عليما حكيما} والله عليم بأحوال النفوس وما يطهّرها، حكيم فيما شرعه من الاحكام والآداب التي تضمن إرشادكم إلى سعادة الدارين.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)}
وردت الحالات الثالاث المتقدمة في قتل الخطأ. أما الآن فنحن أمام القتل العمد. وهو أكبر جريمة في الدنيا، وكبيرةٌ لا تكفّر عنها دية ولا عتق. وانما جزاء مرتكبها عذابُ جهنم الأليم، والطرد من رحمة الله. وفي ذلك تهديد ووعيد لمن أقدم على هذه الجريمة واقترف هذا الذنب العظيم الذي قرنه الله تعالى بالشِرك به في كثير من الآيات. منها قوله تعالى: {والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} [الفرقان: 68].
والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً، فمن ذلك ما ورد في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله «أولُ ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء».
وفي حديث الترمذي والنّسائي عن بان عمرو: «لَزوالُ الدنيا أهونُ عند الله من قتلِ رجل مسلم».
ان من قتل مؤمنا متعمّدا مستحلاًّ ذلك القتل، فجزاؤه على جريمته البشعة ان يدخل جهنم خالداً فيها، إنه يستحق عضب الله وأن يطرده الله من رحمته، وقد اعد له عذابا عظيماً.
قال ان القيّم: لما كان الظلم والعدوان منافَيين للعدل الذي قامت به السماوات والأرض، وأرسل الله سبحانه رسلهن، وأنزل كتبه فهو من أكبر الكبائر عند الله، ودرجتُه في العظمة بحسب مفسدته في نفسه. لذا صار قتل الإنسان المؤمن من أقبح الظلم وأشده.
وقد قال بعض العلماء ومنه ابن العباس: إن القاتل عامداً متعمداً لا تُقبل توبته، وسخلَّد في النار. وقال آخرون: إذا تاب ورجع إلى الله تُقبل توبته، لأنه تعالى يقول: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ}. وهذا هو الذي يتمشى مع قواعد الاسلام.

.تفسير الآية رقم (94):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
الضرب في الأرض: السير فيها بالسفر، للجهاد أو التجارة. في سبيل الله: الجهاد. تبيَّنوا: تثَّبتوا تأنّوا. ألقى اليكم السلم: استسلم وانقاد. عرض الحياة الدنيا: حطام الدنيا من مال وغيره. مغانم: جمع مَغْنَم: رزق وفضل كثير، وما يغننم في الحرب.
بعد أن بيّن الله في الآيات السابقة أحكام قتل الخطأ والقتل العمد ينبّه المؤمنين ويحذرهم في هذه الآية من نوع قتلِ خطأٍ كان يحصل أحياناً. فيأمر المسلمين إذا خرجوا غزاة ألا يبدأوا بقتال أحدٍ أو قتله حتى يثبتوا من واقعة، وعليهم ان يكتفوا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان، فمن نطَقَ بالشهادتين في تلك الحال قُبل منه.
وروى البخاري والترمذي عن ابن عباس قال: «مرّ رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي وهو يسوق غنماً له فسلّم عليهم، فقالوا ما سلّم علينا الا ليتعوّذ منا، فعمدوا اليه فقتلوه وأتَوا بغنمه النبيّ، فنزلت الآية» ومعناها:
يا أيها الذين آمنوا إذا ذهبتم للجهاد فاحترِسوا ان تقتلوا المؤمنين وأنتم لا تعلمونهم. ان عليكم أن تتثبَّتوا في قتل من اشتبه أمره عليكم لتعلموات أمسلم هو أم كافر.
ولا تقولوا لمن استسلم لكم ولم يقاتلكم وأظهرَ لكم الإسلام إنك لست بمؤمن، فتقتلوه طمعاً في ما معه من حطام الدنيا.. إن عند الله ارزاقاً كثير لكم ونعماً لا تحصى. لقد كنتم على الكفر قبل ان هداكم الله بمنّه وكرمه، فكونوا على بينة من الأمر الذي تُقدِمون عليه. لا تأخذوا بالظن، فالإسلام يكتفي بظاهر القول. وليس لكم ان تفتشوا عما في القلوب. إن الله تعالى خبير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء.
وفي هذا الآية وعيد لنا وتحذير شديد من الوقوع في ميثل هذا الخطأ. وهو أشدُّ في حال من نحكم بتكفير من يخالفنا من أهل القِبلة. أما الحرب من أجل الغنائم فقط فأمرٌ مرفوض.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي {فتثبتوا} بالتاء والثاء في الموضعين، والباقون فتبينوا كما هو هنا. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة {ألقى اليكم السلم} بدون ألف.