فصل: تفسير الآيات (44- 46):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (44- 46):

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)}
لا يزال الكلام موجَّهاً إلى بني إسرائيل، وأحبارهم على الخصوص. لقد وبخهم الله على اعوجاج سيرتهم وفساد أعمالهم، فقد كانوا يتلون التوراة ولا يعملون بما فيها. كانوا يأخذون ما يوافقهنم ويتركون ما يعارض شهواتهم وأهواءَهم. وقد جاء في عدة مواضع من التوراة نبأ البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فحرّفوا هذه الباشرة وأوّلوها بما يوافق هواهم. حتى إن بعض احبارهم كان ينصح سراً بالإيمان بمحمد لمن يحب ولا يعمل بذلك.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يعني: ألا يوجد فيكم عقل يردكم عن هذه السفة؟
ومع ان الخطاب ليهود، وهذا حالهم، فإنه عامٌ وعبرة لغيرهم.
وبعد أن بيّنت الآيات سوء حالهم وأن عقلهم لم ينفعهم، أرشدتْهم إلى الطريقة المثلى للانتفاع بالكتاب والعقل والعمل فقال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة}.. والصبر حبْسُ النفس على ما تكره. وقد حث الله على الصبر كثيراً في عدة آيات، وجعل أحسن الجزاء لمن صبر على الشدائد، وعن الشهوات المحرمة التي تميل اليها النفوس، وعلى أنواع الطاعات التي تشق على النفس. كذلك أمر بالاستعانة بالصلاة لما فيها من تصفية النفس ومراقبتها في السر والنجوى. وناهيك بعبادة يناجي فيها العبدُ ربه خمس مرات في اليوم! وليست الصلاة مجرد عبادة فحسب، بل هي انبعاث خفي لروح العبادة في الانسان، وأقوى صورة للطاقة التي يمكن أن يولّدها الانسان. واذا ما أصبحت الصلاة الصادقة عادةً فإن حياتنا ستمتلئ بفيض عميق من الغنى الملموس.
لذلك ورد الحث على الصلاة في كثير من الآيات. ان الصلاة قوة لا يقدّرها الا العارفون والملهمون. ولذلك قال تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين} أي أن الصلاة ثقيلة شاقّة إلا على المؤمنين ايماناً حقيقياً، الخاشعين لله حقا. {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} أي الّذين يتوقعون لقاءَ الله تعالى يوم الحساب والجزاء، فيجازيهم أحسن الجزاء على ماقدّموا من عمل صالح.

.تفسير الآيات (47- 48):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}
كرر الله تذكيرهم بالنعم التي أنعمها عليهم، ومن أكبرها انه فضهلم في ذلك على العالمين.. لأنهم أهل التوحيد فيما غيرهم أهل شِرك. كلنهم لم يشكروا هذه النعم، فوبخهم الله تعالى بقوله: {واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ}، فبيّن لهم سمات ذلك اليوم الشديد الهول حيث يقف الناس للحساب وتنقطع الأسباب. آنذاك تبطُل منفعة الانسان، وتتحول سنّة هذه الحياة من انطلاق الإنسان واختياره ليدفع عن نفسه بالعدل والفداء أو الشفاعة عند الحكام. ان ذلك اليوم يختلف عن أمر الدنيا، وتضمحل فيه جميع الوسائل الا ما كان من عمل صالح.
{وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} أي ليس لهم من يمنعهم من العذاب.
وقد كان اليهود يعتقدون ولا يزالون أنهم، بدعوى انتسابهم للأنبياء لا يدخلون النار أو لا تمسّهم النار الا أياماً معدودة لأن لهم الجاه والتأثير يوم القيامة، كما أن أحبارهم يشفعون لهم، بل يمكنهم ان يخلّصوا مجريهم بشتى الوسائل التي يستخدمونها في الدنيا.. فجاء الإسلام وسفّه هذه العقيدة وعلّمنا انه لا ينفع في ذلك اليوم الا مرضاة الله بالإيمان والعمل الصالح الذي يتجلى في أعمال الجوارح.
ونأتي إلى معنى شفاعة النبي عامٌ لا يخص بها أشخاصاً معينين، وهي كما قال ابن تيمية دعاء يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم فيستجيبه المولى جلّ وعلا، وهذا خلاف ما يعتقده اليهود كما مر آنفاً، انطلاقا من دعوى أنهم شعب الله المختار استناداً إلى ما جاء في كتبهم من هراء وكذب.

.القراءات:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو {ولا تقبل منها شفاعة} بالتاء.

.تفسير الآيات (49- 53):

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}
في هذه الآيات تعداد لنعم الله تعالى على بني اسرائيل ومننه الكثيرة، فيقول تعالى: واذكروا من نِعَمنا علكيم أن أنجيناكم من ظلم فرعون وأعوانه الذين كانوا يذيقونكم أشد العذاب، فإنهم كانوا يذبحون الذكور من أولادكم تحسّباً من أن ينازعهم في حكم البلاد، ويبقون الإناث ليتخذوهن جواري لهم. وفي هذا العذاب والتعرض للفناء بلاء شديد من ربكم لكم واختيار عظيم.
وفرعون لقبٌ لمن ملك مصر قبل البطالسة، مثل كسرى عند الفرس وقيصر عند الروم، وتُبَّع في اليمن، والنجاشي في الحبشة.
واذكروا كذلك من نعم الله عليكم أننا شققنا من أجلكم البحر وفصلنا بضعه عن بعض لتسيروا فيه، فتتخلصوا وتنجوا من ملاحقة فرعون وجنوده.. هكذا جوتم، كما انقمنا لكم من عدوكم فأغرقناه أمام أبصاركم.
وهذه القصة من خوارق العادات ومن معجزات الأنبياء التي يؤيدهم اللهن بها حين يرسلهم. وخوارق العادات جائزةٌ عقلا، وهي خاضعة لارادة الله وفق النواميس الطبيعية التي وضعها سبحانه وتعالى، لكن تفسيرها هو الذي يبدوا خارقاً. فالحق أن السنن والقوانين الكونية لا تحكُم على واضعها ومبررها بل هو الحاكم المتصرف فيها.
واذكروا حين واعد ربُّكم موسى أربعين ليلة لمناجاته، وتلقى التوراة. فلما ذهب موسى إلى معياده، بعد اجيتاز البحر سألتموه أن يأتيكم بكتاب من ربكم، فلمّا أبطأ علكيم اتخذتم عِجْلاً من ذهبٍ وعبدتموهن من دون الله. بذلك عدتم إلى كفركم والإشراك في الله. يومذاك كان الذهب هو ربكم، فبئس ما تفعلون.
أما العجل فقد اتسعاروهن من عبادة الكنعانيين.
والمراد بهذه الآيات هو تذكير أحفادهم بالنعمة وبيان كفرهم بها. وذلك ليظهر أن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ليس بغريب منهم، بل هو معهود فيهم. وهو دليل على أنهم عبيد المادة يجرون وراءها، هذا ديدنهم منذ أول أمرهم إلى الآن. ومن فعلَ من الأمم الأخرى فقد اكتسب بعض صفاتهم.. إنه تهوّد.
ثم عفَونا عنكم ومحونا عقوبتكم أملاً في ان تنصلح حالكم ولعلّكم تشكرون ربكم على عفوه عنكم، وفضله عليكم، وتشجيعاً لأن تداوموا على طاعة الله ورسله.
واذكروا حين أنعمنا عليكم فأنزلنا على نبيكم موسى كتاباً من عندنا جعلناه يفرّق بين الحق والباطل، ويبين لكم الحلال من الحرام. وذلك لكي تسترشدوا بنور هذا الكتاب وتهتدوا من الضلال باتباع ما جاء فيه.

.القراءات:

قرأ نافع، وابن كثير، وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {واعدنا} والباقون {وعدنا}.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)}
ما زال السياق في الكلام على بني إسرائيل. واذكر أيها الرسول الكريم قول موسى لقومه يوم عبدوا العِجل حين كان غائباً عنهم يناجي ربه: يا قومي ظلمتم أنفسكم باتخاذمكم عجل السامريّ معبوداً من دون الله، فتوبوا إلى خالقكم وارجعوا عن هذه الجريمة، فاقتلوا أنفسكم ندماً على فعلتكم وتكفيراً عن معصيتكم.
روي أن موسى لما رجع من ميقات ربه، رأى ما صنع قومه بعده من عبادة العجل، فغضب غضباً شديداً، ورمى بالألواح من يده، ثم أحرق العجل الذي صنعوه. ثم قال: من كان من حرب الرب فليُقبل إلي، فأجابه بنو لاوي، فأمرهم أن يأخذوا السيوف ويقتل بعضهم بعضا. وانها لكفارة عنيفة، وتكليف مرهق كان لابد منه لتطهُر تلك النفوس الشريرة المنغمسة في عبادة المادة المتجسدة بالعجل الذهبي. واذ فعل بعضهم ما أمر به موسى قُلبت توبتهم وتدراكتهم رحمة الله الت تسع كل شيء.

.تفسير الآية رقم (55):

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)}
واذكروا نعمتي عليكم يوم سألتم وقلتم له: اننا لن نصدّقك في قولك إن هذا كتاب الله، وأنك سمعت كلامه حتى نرى الله عياناً. حنيذاك انقضّت عليكم صاعقة من السماء زلزلتكم جزاء عنادكم واظلمكم وأنتم تنظرون. قال المفسرون: إن الذين طلبوا رؤية الله هم السبعون الذين اختارهم موسى لميقات الله كما جاء في سورة الأعراف. آية 154.
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين}
فالحادثة واحدة هنا مختصرة وفٌصلت وشرحت في الأعراف.

.تفسير الآية رقم (56):

{ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)}
الظاهر من لفظ الآية ان الله بعثهم بعد أن أماتهم. وهذا رأي بعض المفسرين. والبعض الآخرة يرى ان الصاعقة التي أصابتهم صعقتهم حتى صاروا كالأموات، ثم لمّا طلب موسى من ربه العفوَ.. أفاقوا من غَشيتِهنم ليشكروا الله على نجّاهم وعفا عنهم.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)}
ثم يذكّرهم تعالى بما أفاء عليهم من النعم: ومن فضلِنا عليكم أننا جعلنا السحاب لكم كالظُلَّة يصونكم من حر الصحراء التي انتم بها. وأنزلنا عليكم المنّ، وهو طعام لذيذ حلو كالعسل كان ينزل مع ندى الصباح فيلتقطونه بسهولة، وكان لهم بدل الخبز. اما السلوى فهو طائر لحمه لذيذ يعرف بالسُّمّان، كان يأتيهم أسراباً كثيرة.
فلم يشكروا هذه النعم بل كفروا بها. ولما كان كفرهم لا يضر الله وانما يضرهم هم. فقد جاء قوله تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

.تفسير الآيات (58- 59):

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}
القرية: قيل إنها بيت المقدس. الرغد: الهنيء والسعة من العيش. الجز: العذاب.
اذكروا يا بني اسرائيل حين قلنا لكم ادخلوا الأرض التي فيها تلك القرية التي عينها لكم موسى، فكلوا مما فيها وعيشوا راغدين. ادخلوا من بابها خاشعين، وقولوا حُطّ عنا يا ربنا ذنوبنا، فاذا فعلتم ذلك غفرنا لكم ذنوبكم، وللمحسنين منكم عندنا زيادة. فقالوا: {ياموسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22].
وهكذا خالف الضالمون أمر بهم وبدّلوا ما أُمروا به بالإحجام عن طاعة الأوامر، استهزاءً بالجزاء، فأنزل الله على الظالمين منهم عذابا من فوقهم.. جزاء لهم على فسقهم وخروجهم على أوامر ربهم.

.القراءات:

قرأ نافع {يغفر} بالياء. وقرأ ابن عامر {تغفر} بالتاء على البناء للمفعول. وقرئ {رُجزا} بضم الراء.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}
عثا يعثو عثوا عثيا: أفسد أشد الافساد. وكذلك عَثيَ يعثى....
واذكروا يوم طلب موسى من ربه السقيا لكم حين اشتكم بكم العطش في التيه. فقلنا له اضرب بعصاك حجراً من أحجار الأرض. ويرى المفسرون أن في ذلك اشارة إلى حفر الأرض لا مجرد الضرب بالعصا. فضربه، فنبع الماء منفجرا في اثني عشر مسرباً، على عدد أسباط بني اسرائيل، وتعين لكلم سبط منهم مشربٌ خاص حتى لا يقع بنيهم نزاع وخصام.
وقال لهم الله تعالى على لسان نبيه: الآن كلوا من المنّ والسلوى واشربوا من هذا الماء العذب وأنتم في هذه الصحراء المجدبة، ولا تنشروا الفساد في الأرض.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}
الصبر: حبس النفس عن الشيء. البقل من النبات: ما نبيت من البذور. القثاء: الفقوس. الفوم: الثوم. الأدنى: الدون الأخس. الهبوط إلى المكان: النزول اليه والحلول به. الصر: البلد العظيم. المسكنة: الفقر. باؤا بغضب: استحقوا الغضب.
واذكروا أيها اليهود أفعال أسلافكم يوم سيطر عليهم البطر حيث كانوا في صحراء مجدبة لا شيء فيها فأنعم الله عليهم بالماء والمن والسلوى والغمام يظللهم، وكان قد أخرجهم من ديار الذل والاضطهاد ومع كل هذا فإنهم يتضجّرون فيقولون لنبيهم: اننا لا نطيق قَصر طعامنا على صنف واحد هو المن والسلوى. فاسأل ربك أن يخرج لنا ممن تنبت الأرض من الخضر البقول الحبوب. اذ ذاك تعجّب مسى من ذلك وأنكروه عليهم فقال لهم أتفضّلون هذه الأصناف على ما هو أفضل وأحسن! اذن اتركوا سيناء وادخلوا مدينة من المدن فانكم ستجدون فيها ما تريدون. لكنهم جبنوا عن ذلك. ومن ثم دهمهم الفقر والخنوع والذلة، واستحقوا غضب الله عليهم جزاء الكفر والعناد والعصيان.

.القراءات:

قرئ: {اهبُطوا} بضم الباء وهو جائز لغة. ويقول ابن جرير الطبري: اهبطوا مصرا، بالألف والتنوين هي القراءة التي لا يجوز غيرها لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين، واتفاق قراءة القراء على ذلك.
وقد جاء في مصحف ابن مسعود {مصر} بدون تنوين. وهذا لا يعتمد لأن الصحابة أجمعوا على مصحف عثمان وتركوا ماعداه. والفرق في معنى القراءتين واضح.