فصل: تفسير الآية رقم (82):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (82):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}
بيَن سبحاه هنا ان الّذين أطاعوا وصدقوا وعملوا صالح الأعمال سيدخلون الجنة ينعمون بما أعطاهم الله. وقد جرت سنة الله في كتابه العزيز ان يتبع الوعيد بالوعد حتى يستبشر الذين آمنوا ولا يقنطوا من رحمة الله وتلك حكمة بارزة من لدنه. ويظهر من سياق الآية أن الإيمان وحده لا يكفي اذ يقول: {والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} فالإيمان يجب ان يقترن بالعمل به.

.تفسير الآية رقم (83):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}
الميثاق: العهد الشديد. اليتيم: من لا أب له. المسكين: من سكنت يده عن العمل، العاجز عن الكسب.
بعد ما بسطت الآيات السابقة ما انعم الله به على بني اسرائيل جاء الكتاب هنا يبين أهم ما أُمر به أسلافهم من عبادات وكيف كانوا يُصمّون أسماعهم عن سماع دعوى الحق.
فأول شيء وأهمه دعاؤهم إلى عبادة الله، وحده ثم الاحسان الوالدين. ويترتب على ذلك ترابط ا لاسرة وتماسكها. فالأمة مكونة من مجموع الأسر والبيوت، وصلاح الأمة بصلاح الأسرة. وقد أكد القرآن على ترابط الأسرة، والحفاظ عليها، وتقويتها من برِّ الوالدين أولاً. ثم ذوي القربى، ثم الاحسان إلى اليتامى بحسن تربيتهم وحفظ حقوقهم من الضياع.
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافلُ اليتيم في الجنة» رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي عنه سهل بن سعد. وفي رواية: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين» وأشار بالسّبابة والوسطى. فهل بعد ذلك منزلة أكبر!
ثم قالت تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} فبعد ما أمر بالإحسان إلى الوالدين والاقربين والمساكين واليتامى أمرنا، إذا لم نستطع أن نحسن إلى جميع الناس بالفعل، فلنُحسن العِشرة، إذ إن الكلمة الطيبة صدقة كما ورد في الحديث الصحيح.
ثم بعد ذلك قال: {وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة} وهنا لم يقل (صلّوا) بل قال أقيموا الصلاة، أي صلوها على أحسن وجوهها. وهاتان فريضتان من أهم الفرائض التي تنقّي النفوس من الأدران. فاذا صلحت النفوس صلَح المجتمع بأسره.
ثم ماذا حصل بعد أن أخذ الميثاق على أسلاف بني إسرائيل؟ الذي حصل أنهم تولوا وأعرضوا ونقضوا الميثاق الا قليلا منهم أذعن للحق.

.القراءات:

قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم ويعقوب: {لا تعبدون} بالتاء الفوقية، وقرأ الباقون: {لا يعبدون} بالياء. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: {حَسَنا} والباقون {حُسنا} وقرئ: {حُسُنا} بضمتين. و{حسنى} كبشرى.

.تفسير الآيات (84- 86):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}
السفك: اراقة الدماء. التظاهر: التعاون. الأثم، العدوان: تجاوز الحد في الظلم.
ذكّر الله بني اسرائيل في الآية السابقة بما أُمروا به من عبادة الله وحده والاحسان إلى الوالدين وذوي القربى، وان يعاشروا الناس جميعاً بالحسنى.. ثم بيّن أنهم لم يطيعوا ما أُمروا به وتولَّوا وهم معرضون. وهنا يمضي السياق فيقص علينا عن حال اليهود، مواقفهم التي تجلى فيها العصيان ويذكّرهم بأهم الأمور التي نُهوا عنها وقد أخذ الله عليهم العهد باجتنابها.
والخطاب هنا لليهود في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كانوا في المدينة ثلاثة أحياء: بنو قينقاع، وبنو النضير، حلفاء الخزرج، وبنو قريظة حلفاء الأوس. وكان العداء بين الأوس والخزرج مستحكما، فهم في أغلب الأحيان في حرب دائمة. اذ ذاك كان يقاتل كلُّ فريق مع حلفائه، فيقتل اليهودي أعداءه وبينهم اليهودي من الفريق الآخر.
وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله. وكانوا يخرجونهم من ديارهم إذا غُلب فريقهم وينهبون أموالهم ويأخذون سباياهم. وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم. ثم إذا انتهت الحرب يَفدون الأسارى ويفكّون أسر المأسورين من اليهود، عملاً بحكم التوراة.
هذا هو التناقض الذي يواجههم القرآن، وهو يسألهم باستنكار شديد {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}؟ ان الكتاب ينص على تحريم القتل والاخراج من الديار وأنتم تنقضون ذلك. لذا فان الله يتوعدهم بالخزي في الحياة الدنيا، وأشد العذاب في الآخرة. وذلك أنه آثروا أعراض الدنيا الزائلة على نعيم الآخرة الدائم. فلن يخفَّف عنهنم عذاب جنهم، ولن يجدوا من ينقذهم منه.

.القراءات:

قرأ عصام وحمزة والكسائي. {تظاهرون} بحذف احدى التاءين وقُرئ {تتظاهرون} بهما معاً. وقرأ حمزة {أسرى} جمع أسير كجريح وجرحى. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وابن عامر: {تفدوهم} وقرأ عاصم في رواية المفضل {تردون} بالتاء. وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية ابن بكر وخلف ويعقوب {يعلمون} بالياء.

.تفسير الآيات (87- 88):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}
قفّيناه: أتبعناه. البينات: الحجج الواضحة. أيدناه: قويناه. روح القدس: جبريل. غلف: ومفرده أغلف: المغطى المقفل الذي لا يفقه ما يقال.
ولقد أعطينا موسى الكتاب، أي التوراة، ثم أَتبعنا من بعده الرسل يعلّمونكم شرائع الله، وأعطينا عيسى بن مريم المعجزات الباهرة، وقويناه بروح القدس الذي يمدّه بالوحي من عندنا وهو جبريل، فلم يكن حظه بأحسن من حظ سابقيه.
ثم بين الله تعالى ما كانت حظ الرسل من بني اسرائيل فقال: أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفكسم استكبرتم عن اتّباعه وبغيتم في الأرض، ففريقاً كذبتموه، وفريقاً قتلتموه!! هكذا كان موقفهم من أنبيائهم. بعد ذلك كله قالوا: إن قلوبنا مغلقة لا تنفذ اليها دعوة جديدة، كدعوة محمد، فلا نكاد نفقه شيئاً مما يقول.
ولم تكن قلوبهم كما يزعمون، لكنهم استكبروا وآثروا الضلالة على الهدى.. فلعنهم الله أي طردهم عن الهدى بسبب ذلك {فقليلاً ما يؤمنون} أي سبب هذا الطرد.

.القراءات:

قرئ {آيدناه} بمد الألف وفتح الياء بدون تشديد وقرأ ابن كثير {القدس} باسكان الدال في جميع القرآن.

.تفسير الآيات (89- 91):

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}
يستفتحون: يستنصرون. اشتروا: باعوا. البغي: الفساد: بغضب: رجعوا محّملين بالغضب. مهين: مذل. بما وراءه: بما سواه.
كل هذا القصص الذي يقصه الله عن بني اسرائيل للمسلمين انما يُقصد به تحذيرهم من الوقوع في مثله، حتى لا تُسلب منهم الخلافة في الأرض. والامانة التي ناطها الله بهم.
{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله...} هذه الآية مرتبطة بالآية السابقة.. {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ}. ولما جاء رسولنا محمد بالقرآن، وهو كتاب من عند الله مصدّق لما أُنزل عليهم من التوراة، وعرفوا من التوراة نفسها صدق ما فيهن كفروا به عناداً وحسداً. وذلك لأن من جاء به رسول من غير بني اسرائيل.
روى كثير من الصحابة ان الأوس والخزرج تغلبوا على اليهود، وأذلّوهم زمن الجاهلية فكانوا يقولون للعرب: إن نبيّاً الآن مبعثُه قد أظلّ زمانه، يقتلكم قتل عادٍ وإرمَ. وكان اليهود يستفتحون به على الكفار، يعني يستنصرون به، ويقولون: اللهمّ ابعث هذا النبي الذي نجده في التوراة. فلما بعث الله محمداً كفروا به. وقد قال لهم مُعاذ بن جبَل وبشرْ بن البراء: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شِرك، وتخبروننا انه مبعوث، وتصِفونه بصفاته. فقال له سلام بن مشكم بن النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالّذي كنا نذكره لكم. فأنزل الله تعالى في ذلك: {ولما جاءهم...} الآية ومعنى {مصدق لما معهم}: موافق له في التوحيد وأصول الدين والايمان بالبعث واليوم الآخر.
{بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} ساء ما باعوا به أنفسهم، حين اختاروا الكفر على الايمان، حسداً أن يأتي نبي من غير اليهود، منكِرين على الله أن يكون له مطلق الخيرة في ان يوحي لمن يشاء من عباده.
واذا قيل لهم، أي اليهود المعاصرين للنبي في الحجاز، صدِّقوا بما أنزل الله من القرآن على محمد وابتعوه، قالوا: نحن نؤمن بما أُنزل علينا من التوراة فحسب.. مع ان القرآن مصدق لما معهم من التوراة. وعلى هذا يكون كفرهم بهذا الكتاب المصدق لما في كتابهم كفراً بكتابهم نفسه.
ثم يخاطب الله الرسول الكريم بقوله تعالى: قل يا محمد لليهود، لمَ كنتُم تقتلون أنبياء الله في الماضي مع أنهم دعوا إلى ما انزل عليكم؟ إنّ قتلكم للأنبياء دليل قاطع على عدم ايمانكم برسالتهم.

.القراءات:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب {ان ينزل} بالتخفيف، والباقون {ان ينزّل} بالتشديد.

.تفسير الآية رقم (92):

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}
ولقد جاءكم موسى يا معشر اليهود بالآيات الواضحة المعجزات الناطقة بصدقه، والعصا التي تحولت ثعبانا، يدهِ التي أخرجها بيضاء للناظرين. وبالمنّ والسلوى وغيرها.. فكفرتم كفراً صريحاً ورجعتم إلى الشِرك وموسى حيّ بينكم وبمجرد غيابه عنكم لمناجاة ربه.
لقد اتخذتم العجل إلهاً وعبدتموه رجوعاً منكم إلى وثنتيكم السابقة.

.تفسير الآية رقم (93):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}
واذكروا اذ أخذنا عهودكم بأن تأخذوا ما آتيانكم من التوراة بقوة، فتعلموا بما فيها من أمري، وتنتهوا عما نهيتكم عنه، لكنكم لما رأيتم ما فيها من تكاليف شاقة. استثلقتم اعباءها وارتبتم فيها. فأريناكم على صدق هذا الكتاب آيةً بالغة اذ رفعا جبل الطور فوقكم حتى صار كأنه ظُلَة، وظننتم انه واقع بكم. عند ذاك اعلنتم الطاعة والقبول، وقلتم آمنا وسمعنا، لكن أعمالكم ظلت تكشف عن عصيانكم وتمردكم وتشير إلى ان الايمان لم يخالط قلوبكم. وكيف يدخل الايمان قلوبكم. وقد شُغفت بحب المادة والذهب الممثلة في العجل الذي عبدتموه!
قال يا محمد ليهود بني اسرائيل الحاضرين الذي يتبعون أسلافهم: بئس ما يأمركم به ايمانكم ان كان يأمركم بقتل الأنبياء والتكذيب بكتبه، وجحود ما جاء من عنده.
ثم أمر الله نبيه الكريم ان يتحداهم في ادّعائهم صادق الإيمان، وكامل اليقين فقال: قل إن كانت.. الآيات 9496

.تفسير الآيات (94- 96):

{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
انْ صدَقَ قولكم فيما زعمتم من أن الله خصّكم وحدكم بالنعيم بعد الممات، وان الجنة نلكم لا يدخلها الا من كان يهودياً، وانكم شعب الله المختار فتمَّنوا الموت الذي يوصِلكم إلى ذلك النعيم. فامتَنعوا من اجابة النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يعلمون حقاً ان دعواهم مجرد كذب. ولعلمِهم بأنهم ان فعلوا ذلك فالوعيد نازل بهم، فهم في الواقع لا يرغبون في الموت أبدا.
بل إنك يا محمد لتجدَنّهم احرص الناس على الحياة، بل إنه أكثر امن حِرص المشركين الذين لا يؤمنون ببعث ولا جنة. ولذلك يود أحدهم ان يبقى على قيد الحياة ألف سنة أو أكثر. والحق ان طول حياته لن يبعده عن عذاب الله والله بصير بما يعملون. فالمرجع اليه، والأمر كله بيديه.

.تفسير الآيات (97- 98):

{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}
روي ابن جرير في تفسير «ان عصابة من اليهود حضرت عند الرسول الكريم فقالوا: يا أبا القاسم، حدِّثنا عن خلالٍ نأسلك عنهم لايعلمهن الا نبي. فقال: سلو عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه: لئن أنا حدثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعُنّي على الاسلام. فقالوا: ذلك لك. فلما سألوه وأجابهم وعرفوا انه صادق، قالوا: حدثْنا من وليّك من الملائكة، وعندها نتابعك أو نفارقك، لو كان وليك سواه ن الملائكة لتابعناك وصدّقناك. قال: فما يمنعكم ان تصدقوه؟ قالوا: انه عدوُّنا ينزل بالعذاب والنقمة ويأتي بالشدة وسفك الدماء. ولون ان ميكائيل كان ينزل عليك لتابعناك وصدّقناك، لأنه ينزل بالحرمة والغيث». فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ على قَلْبِكَ}، لأن جبريل ما يجيء بهذا الكتاب من عنده واينما ينزله بأمر الله. وكل هذه حجج ومعاذير واهية اعتذروا بها عن الايمان بمحمد عليه السلام، ولاتصلح ان تكون مانعة من الايمان بكتاب. انزله الله جامعٍ لكل صفات شريفة.

.القراءات:

قرأ حمزة وال الكسائي {جبريل}، وقرأ ابن كثير {جبريل} بفتح الجيم وكسر الراء، وقرأ عاصم برواية أبي بكر {جبريل}، وقرأ الباقون {جبريل} كقنديل.