فصل: تفسير الآيات (42- 43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (42- 43):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
وُسْعها: ما تقدر عليه نزعنا ما في صدروهم: أخرجنا من نفوسهم كل حقد الغل: الحقد من عداوة أو حسد. أورثتموها: صارت اليكم كما يصير الميراث إلى أهله.
يعرض الله تعالى هنا المشهدَ المقابل، وهو حال المؤمنين وما يلاقونه يوم القيامة من نعيم، وكيف يُذهِب من صدروهم كلَّ حقدٍ وغل، فيحمَدون الله على نِعمه وما أورثهم من جنات. وتلك طريقة القرآن الكريم، وهذا منهجه الحكيم.
والذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة التي لم نكّلفهم إى ما يُطيقونه منها، هم أهل الجنة يتنعّمون فيها، خالدين فيها ابدا.
لقد أخرجْنا ما كان من صدورهم من حقد، فهم اليوم في الجنة، إخوان متحابّون- وهذا بخلاف الكّفار الّذين يلعن بعضُهم بعضا- تجري من تحتهم الأنهار بمائها العذب، ويعبّرون عن رسورهم بما نالوا من النعيم قائلين: الحمدُ لله الّذي هدانا فدلَّنا على طريق هذا النعيم، ووفّقنا إلى سلوكه ولولا أن هدانا الله، بإرسال الرسل وتوفيه لنا، ما كان في استطاعتِنا ان نهتدي وحدنا. لقد جاءت رُسل ربّنا بالوحي الحق فآمنّا برسالاتهم.
وهنا يناديهم ربهم ويقول لهم: إن هذه الجنةَ هبةٌ من الله أُعطيتموهما فضلاً مني دون عوض منكم، كالميراث، كل هذا جزاء إيمانكم واعمالكم الصالحة في الدنيا.

.قراءات:

قرأ ابن عامر: {ما كنا لنهتدي} بدون واو والباقون {وما كنا لنهتدي}.
روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخّدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ، ينادي منادٍ، إن لكم ان تَصِحُّوا فلا تَسْقموا أبدا، وإن لكم ان تَحيوا فلا تموتوا أبدا، وان لكنم ان تَشُبّوا فلا تهرَموا أبدا، وإن لكم أن تَنْعَموا فلا تيأسوا ابدا».
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَدِّدوا وقاربوا وأبشِروا، فإنه لا يُدخِل أحداً الجنةَ عملُه» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمّدَني الله بمغفرٍة ورحمة».
سدِّوا وقاربوا: لا تغْلوا في دينكم، ولا تتكلفوا من العمل ما لا طاقة لكم به.
وهذا الحديث تنبيهٌ من النبي الكريم لنا حتى لا نغترَّ بأنفُسِنا وبأعمالنا فنتلّكلَ عليها كما يفعل كثير من المتدينين. فنارهم يشمخون بانوفهم، ويتعالون على غيرهم، وهذا ليس من الاسلام.
ومعنى الحديث: إن هذا الجزاءَ الذيَ يحصَل عليه الطائعُ ليس بَدَلاً مماثلاً لطاعتهن وليس جزاء مساوياً كالشأن بين البدَلَين، وان كانت الطاعة هي التي اوجبتْه. لذا فإنه لن يدخلَ أحدُكم الجنةَ بعملٍ يساوي ما فيها من النعيم ففضلُ الله عظيمٌ سابغ باعتبار جعلِه الجنةَ بَدَلاً من عمل محدود لا يقابلها في ذاته.

.تفسير الآيات (44- 45):

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}
الوعد: خاص بالخير وعده بخير، وأوعده بالشر فأذن مؤذن: المراد به هنا رفع الصوت بالاعلام بالشيء. اللعنة: الطرد والابعاد يصدون عن سبيل الله: يعرضون يبغونها عوجا: يريدون أن تكون الطريق معوجة، أي بالضلال والإضلال.
بعد أن ذكر الله وعيدَ الكفار وثواب أهلِ الإيمان بيّن ما يكون بين الفريقَين: فريق أهل الجنة، وفريق أهل النار، من المناظرة والحِوار بعد أن يستقرّ كلُّ منهما في داره. ولا يقتضي هذا الحوارُ والتخاطب قُرب المكانب على ما هو معهود في الجنيا، فعالَمُ الآخرة عالَمٌ مختلِف كل الاختلاف فيجوز أن يكونَ بين الجنة والنار آلافُ لأميال أو اكثر، ومع ذلك يمكن للفريقَين ان يروا بعضَهم، ويسمعوا كلام بعضٍ بحالٍ لا ينَعْلَمُه، وبطريقةٍ تختلف كل الاختلاف عن حالِنا وعالمنا.
{ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار...}.
ونادى أهل الجنة النار قائلين: قد وجدْنا ما وَعدَنا ربُّنا من الثواب حقّاً، فهل وجدتُم أنتم مثل ذلك في العذاب حقا؟ فأجابوهم: نعم، قد وجَدْنا ما أوعدَنا به ربُّنا حقّا كما بلَّغنا إياه على ألسنةِ الرسل فنادى منادٍ بين أهل الجنة وأهل النار قائلا: إن الطردَ من رحمة الله هو جزاءُ الظالمين لأنفهسم، الجانِين عليها بالكفر والضلال.

.قراءات:

قرأ ابن كثير، وابن عامر وحمزة والكسائي: {أنَّ لعنةَ الله}. بالتشديد وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم: {أنْ لعنةُ اللهِ} باسكان النون {ان}، ورفع {لعنة}.
{الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً...}.
إنهم همُ الّذين يُعرِضون عن سبيل الله ويمنعون الناسَ عن السَّير في الطريق السويّ، وهو الايمان والعمل الصالح، ويبغون الطريق المعوجّة الضالَة المضلة.
{وَهُمْ بالآخرة كَافِرُونَ}.
وهم منكرِون للبعث والجزاء. ولذلك تجدهم لا يبالون، فيأتون المنكَر من القول والعمل. هؤلاء هم شر الناس.

.تفسير الآيات (46- 47):

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
الحجاب: السور الحاجز. الاعراف: مفردع عُرف، وهو كل شيء مرتفع. والسيما والسيمياء: العلامة واذا صُرفت ابصارهم: حولت تلقاء: جهة وهي الجهة المقابلة.
فيه هاتين الآيتين والآيتين اللاحقتين يجيء ذكر لفرقة لم يتحدث عنها القرآن الكريم باسمِها ومكانها وندائها إى في هذه السورة. وهي الفرقة التي سميت (أصحابَ الأَعراف) وسُمّيَت السورة باسمها.
وذلك وصفٌ لمشهد آخر من مشاهد يوم القيامة يبين أنَّ بين أهل النار واهل الجنة حجاباً، وأن هناك جماعةً على الأعراف ينادون أهلَ الجنة بالتحيّة والتكريم.
{يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ}.
يعرفون كلا من السعداء والاشقياء بعلامات تدل عليهم من اثر الطاعة والعصيان.
{لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} لم يدخلوا الجنةَ بعد، وهم يرجون دخولها.
{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النار قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين}.
وإذا تحوّلت أبصارُهم إلى أصحاب النار، قالوا من هول ما رأوا: يا ربّنا، لا تُدخِلنا مع هؤلاء الظالمين.
ثم يأخذ اصحاب الاعراف في تبكيت أهل النار من جهةِ مان كانوا يجمعون من جموعٍ ليصدُّوا عن سبيل الله، وما كانوا يُبدون من استكبارٍ عن تقبُّل دعوة الحق. ولا ينسون توبيهم من جهة موققِهم من التسضعَفِين من المؤمنين في الدنيا مثل بلالٍ وصُهيب وآلِ ياسر وغيرهم، حيث كانوا يستهزئون بهم ويُقسمون الأيمان المغلّظة على انهم لا يمكن ان يكونوا صالحين، فقال تعالى: {ونادى أَصْحَابُ الأعراف}.

.تفسير الآيات (48- 49):

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
وهذا نداءٌ آخرُ من بعض أصحاب الأعراف لبعض المستبِرين الّين كانوا يعتزون في الدنيا بِغِناهم وقوتهم، ويحتقرون ضعفاءَ المؤمنين لفقرِهم وضعف عصبيتهم. لقد كانوا يزعمون ان من أغناه الله وجعلَه قويّاً في الدينا فهو الذي كيون له نعيمُ الآخرة. فيقولون لهم الآن: ما أفادَكُم حمعُكم الكثيرُ العدد، ولا استكبارُكم على أهل الحق بسبب عصبيتّكم وغناكم!! ها أنتم أذِلاّءُ ترون حالهم وحالكم.
ثم وجّه إليهم سؤال توبيخٍ وتأنيب: {أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ؟}.
أهولاء الذين حلفتم في الدنيا أن رحمة الله لن تنالهم! ها هم قد دخلوا الجنة، وكانوا من الفائزين.
{ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}.
قال الله تعالى لأصحاب الاعراف بعد أن طال وقوفُهم، وهم ينظرون إلى الفريقين: ادخُلوا الجنةَ لا خوف عليكم من أمر مستقبلكم، ولا أنتم تحزنون عن أمرٍ فاتكم.
وقد تكلم العلماء في هذا المقام كثيرا، وتعدّدت الآراء فبعضهم قال إن رجال الأعراف ملائكة، وبعضهم قال إنهم الانبياء، أو عدول الأُمم الشهداءُ على الناس، أو أهل الفترة، أو هم الّذين تساوت حسناتُهم وسيئاتهم إلى غير لك من الأقوال.
والذي يجب أن نقفَ عنده هو ان هناك حجاباً بين الجنة، والنار، اللهُ أعلمُ بحقيقته، لأنه في عالم الآخرة. والمقصودُ ان ذلك الحجاب يحجِز بين الفريقين، لكنّه لا يمنع من وصول الأصوات وان هناك مكاناً له صفةُ الامتياز والعلوّ، فيه رجال لهم من المكانة ما يجعلهم مشرِفين على هؤلاءِ وهم ينادون كلّ فريقٍ بما يناسبه.. يحيُّون أهل الجنة، ويبِكّتُون أهل النار. ثم إن أصحاب هذا الحجاب يدخلون الجنة برحمة من الله وفضله.

.تفسير الآيات (50- 51):

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}
إفاضة الماء: صبه، ثم استعمل في الشيء الكثير ويقال (اعطاه غيضاً من فيض) أي قليلاً من كثير.
في هاتين الآيتين مشهد من مشاهد الآخرة بين أصحاب الجنة. فبعد أن بين الله تعالى مقال أهل الجنة لأهل النار، ومقال أصحاب الاعراف لأهل الجنة- ذكر كيف يستجدي أهلُ النار، بعد أن لفحتهم حرارةُ النار واشتد بهم الظمأ، من أهل الجنة ان يمنحوهم شيئا مما يتمتعون به من شارب وطعام: فينادونهم قائلين: أفِيضوا علينا بعض الماء، أو أعطونا شيئاً من طيبات المأكل والملبس في الجنة فيجيبهم أهل الجنة: اننا لا نستطيع، لان الله تعالى حرّم ماء الجنة ورزقها على الكافرين، كما حرم عليهم دخولها.
وقد وصف أهلُ الجنة الكافرين بأنهم كانوا السببَ في ذلك الحرمان: {الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} أي شَغَلتْهم بزخارفها، وكان دينهم اتّباعَ الهوى والشهوات. لقد ظنّوا أن الحياة الدنيا لا حياةَ غيرها، فعكفوا على الجانب الماديّ المظلم، وحرموا انفسهم من الجانب الروحي المشرق. هكذا عاشوا في ظلام المادّة وهم يحسبَون أنهم يُحسِنُون صنعا.
وكثيراً ما يضيف القرآن الكريم هذا الوصفَ إلى الكفار ويعلن انه سبب نكبتم وسوء مصيرهم.
بعد هذا يسمع أهل لنار الحكم الالهي العادل: {فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.
فاليوم نعاملهم معاملةَ الشيء المنسِيّ الذي يبحث عنه أحد لقد جَحَدوا بآيات الكون فلم تفتّح لها يعونُهم، ولم تتجه إلهيا قلوبُهم، وأعرضوا عن حكم الله وإرشاده. بذلك نسُوا لقاءَ يومهم هذا، فوقعوا فيما وقعوا فيه.

.تفسير الآيات (52- 53):

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
الكتاب: القرآن الكريم. التفصيل: التبين بوضوح ينظرون: ينتظرون تأويله: عاقبته. الحق: الأمر الثابت خسروا انفسهم: غبنوها وهلكوها. ضل عنهم: غاب عنهم.
بعد أن بين الله احوال أهل الجنة وأهل النار وأهل الاعراف وما دار بينهم من حوار، عقَّب بذِكر حال القرآن الكرين، وأنه حجةُ الله على البشر كافة، أزاح عِلل الكفار وأبطل معاذيرهم. ثم أردف تعالى بذِكر حال المكذبين وما يكونم منهم يوم القيامة من الندم والحسرة وتمنّي العودة إلى الدنيا ليعملوا غير الذي كانوا يعلمون. لكن، هيات.. لقد فات الأوان وطُويت حياة العمل.
لقد جئناهم بكتابٍ كامل البيان هو القرآن فصّلنا آياتِه تفصيلاً على علم منّا، فيه أدلّةُ التوحيد وآياتُ الله في الكون، وما يحتاج اليه المكلَّفون من العلم والعمل وفيه بيان الطريق المستقيم.
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} هل ينتظرون إلا عاقبةَ ما وُعدوا به على أَلسنة الرسُل من الثواب والعقاب؟ ليس أمامهم شيء ينتظرونه إلا وقوعَ تأويله من امر الغيب لاذي يقع في المستقبل، في الدنيا ثم في الآخرة.
{يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق}.
ويوم يأتي هذا المَآل، وهو يوم القيامة، وينكشف كل شيء- يقول الذين تركوا اوامره وبياناته، معترفين بذنوبهم: قد جاءنا الرسُل من عند ربِّنا داعيِين إلى الحق الذي أُرسلوا به، فكفرنا بهم.
ثم ذكر الله حالهم في ذلك اليوم العصيب، وتلهُّفَهم على النجاة. فقال: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ}.
هنا يتمنَّوْن الخلاصَ بكل وسيلة ممكنة، إما بشفاعةِ الشافعين، وإما بالرجوع إلى الدنيا. ولك ذلك مستحيل.
{قَدْ خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.
قد غبنوا أنفسَهم بغرورهم في الدنيا وباعو نعيم الآخرة الدائمَ بالخسيس من عَرَضٍ الدينا الزائل، وغاب عنهم ما كانوا يكذِبونه من ادْعاءِ إلةٍ غير الله.