فصل: تفسير الآيات (94- 95):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (94- 95):

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)}
القرية: المدينة. البأساء: الشدة والمشقة كالحرب والجذب وشدة الفقر. الضراء: ما يضر الإنسان في بدنه أو نفسه. التضرع: اظهار الخضوع والضعف. عَفَواْ: كثروا ونموا. بغتة: فجأة.
اشار الله تعالى هنا إلى سُنته في الأمم التي تكذّب رسلَها، فهو يُنزل بها البؤسَ وشظَف العيش وسوء الحال في دنياهم ليتضرّعوا إلى ربهم ويُنيبوا إليه بالتوبة. ثم ذكرَ أنه بدّل الرخاء بالبؤس ليعتبروا ويشكرون، لكنهم لم يفعلوا، فاخذهم أخذَ عزيزٍ مقتدر.
وما بعثنا نبيّاً من الأنبياء في مدينةٍ من المدن، يدعو أهلَها إلى الدين القويم، ثم أعرضوا عن قبول تلك الدعوة- إلا أصبناهم بالفقر والمرض، كي يتذللوا ويخضعوا ويبتهلوا إلى الله راجين كشفَ ما نزل بهم.
ثم إنهم لمّا لمْ يفعلوا ذلك، بل تابعوا كفرهم وعنادهم، امتحنهم الله بالعافية مكان البلاء، فوهبهم رخاءً وسعة وصحةً وعافية، حتى كثُروا ونَموا في أموالهم وأنفسهم، وقالوا جهلاً منهم: إن ما أصاب آباءنا من المحَن وبالبلاء كان شأنَ الدهر، يداول الضرّاءَ والسّراءَ بين الناس. لم ينتبهوا أنَّ ذلك كان جزاءَ كفهرم فيرتدعوا، فكانت عاقبة ذلك أن أصابهم اللهُ بالعذاب المدمّر فجأة وهم غافلون عما سيحلُّ بهم.
فلنعتبر نحن المسلمين، فإننا قد تركنا ديننا والعمل به، وأهملنا قرآننا وتعاليمه فسلّط الله علينا شرّ خلقه وأخسَّ الناس، يسلبوننا مقدّساتِنا وأرضينا، ويُذلّوننا شرَّإذلال. كل هذا ونحن لا ينقصُنا المال ولا الرجال، ولكن ينقصُنا الإيمان بالله والحزم والثقة بأنفسنا، وهدايةُ الحكّام فينا كي يتبعدوا عمّا هم فيه من انصراف عن الله وتناحر بينهم وفرقة.

.تفسير الآيات (96- 100):

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)}
بركات السماء: تشمل الروحية والمادية، وبركات الأرض الخصب، وما فيها من معادن وخيرات. البأس: العذاب بياتا: ليلا. الضحى: اولها النهار يلعبون: يلهون من فرط غفلتهم المكر: التدبير الخفي، والخداع وان تَصْرِف غيرك عن مقصده بحيلة. ومكرُ الله مجازاتُهُ على المكر. هداه السبيل: دله عليه.
بعد أن بين الله أخْذّه لأهل القرى الذين كذّبوا رسُلهم- ذكر هنا لأهل مكةَ ما يكون من إغداقِ النعم لو آمنوا بالرسول واهتَدوا بهدْية، واعتبروا بسنّة الله في الأُمم من قبلهم.
لو أن أهل تلك القرى آمنوا بما جاء به انبياؤهم، وعملوا بوصاياهم، وابتعدوا عما حرمه الله- لفتحْنا عليهم أنواعاً من بركات السماء والارض نِعماً لا تحصى، كالمطر والنبات والثمار والمعادن والأرزاق، والسلامة من الآفات.. لكنهم جحدوا وكذبوا أولئك الرسل، فأنزلنا بهم عقوبتنا، لِما كانوا يقترفونه من الشرك والمعاصي. ثم عجب الله من حالهم وغفلتهم فقال: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ...}.
هل جهِلَ أهل هذه القرى فاطمأنّوا إلى أنه لن يأتيَهم عذابنا وقتَ بياتِهم! وفي هذا تحذير للناس أجمعين.
أو أن ينزل بهم العذاب في النهار وقتَ الضحى وهم منهمكون في أعمالهم العابثة حتى كأنها لَعِب!!

.قراءات:

قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: {أوْ أمن} بتسكين الواو. والباقون {اَوَ أمن} بفتح الواو.
{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القوم الخاسرون}.
هل جَهِلوا سُنّة الله في المكذّبين، فأمِنوا عذابه ليلا أو نهارا؟ إنه لا يحهل تدبير الله وقُدرتَه في عقوبة المكذّبين برسُله الا الذين خسروا أنفسَهم غباءً، فلم يفقهوا ما فيه سعادتهم.
فلا يجوز لأحد ان يأمن مكر الله ويظلّ مسترسلاً في المعاصي، اتّكالاً على عفوه ومغفرته ورحمته. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بقوله: «اللهم يا مقلّبَ القلوب والأبصار ثبِّتْ قلبي عل دينك» وقد بين لنا الله تعالى ان الراسخين في العلم يدعونه فيقولون: {ربّنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذا هديتَنا وهبْ لنا من لدُنْك رحمة}.
وكما ان الآمن من مر الله خُسران ومفسدة، فاليأس من رحمة الله كذلك لذا وجب ان يظل المؤمن بين الخوف والرجاء دائما.
{أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرض مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}.
هذا تحذير للسامعين، وخطابٌ لجميع الناس حتى يتّعضوا ويستقيموا. ومعناه: أغابَتْ عن الذين يخلْفونَ مَن قَبلهم من الأمم سُنّةُ الله فيمن قبلهم!! وإن شأننا فيهم كشأنِنا فيمن سبقوهم، لو نشاء ان نعذّبهم أصبنْاهم كما أصبنْا أمثالَهم.
ولا يرد الله سبحانُه وتعالى للناس بهذا التحذير الشديد ان يعيشوا خائفين قلقين، كلا، بل يلطب منهم اليقظة ومراقبة النفس والعظة من تجارب البشر.
هكذا ينبغي ان نفهم ذلك التخويف الدائم من بأس الله الذي لا يُفع، ومن مكر الله الذي لايُدرك. إنه لا يدعو إلى القلق وانما إلى اليقظة، ولا يؤدي إلى الفزع بل إلى الحساسية، وهو لايعطل الحياة وإنما يحرسها من الاستهتار والطغيان.

.تفسير الآيات (101- 102):

{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}
يطبع الله على قلوب الكافرين: يختمها ويقفلها. العهد: الوصية والميثاق. الفسوق: الخروج عن كل عهد، وعصيان اوامر الله.
هذا الخطاب موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسليةً له على الصبر في دعوته، وذلك عن طريق تذكيره بما في قصص أولئك الرسُل مع اقوامهم من العِبر والمواعظ، وبيان ان ما يلاقيه هو مِنْ قومه من ضرورة العناد والإيذاء ليس بِدعاً.
تلك القرى التي بعدُ عهدها وجَهِل قومُك حقيقة حالها، نقصّ عليك الآن بعض أخبارها. لقد جاء أهلَ تلك القرى رسلُهم بالبينات الدالة على صدق دعوتهم، فلم يؤمنوا بها...
{يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين}.
هكذا جعل الله حجابا على قلوب الكافرين وعقولهم فيخفَى عليهم طريق الحق وينأون عنه.
إننا لم نجد لأكثرِ أولئك الاقوام وَفَاءً بِمَا أوصيناهم بهمن الايمان، على لسان الرسل، بل وجدنا اكثرهم خارجين على كل عهد، فطريّ وشرعي، فهم ناكثون غادرون.
وفي التعبير ب {اكثرهم} إيماءٌ إلى ان بعضهم قد آمن. وهذا من دأب القرآن الكريم في تحقيق الحقائق على وجه الصدق، فهو لا يسلب احداً حقه، ولا يعطيه حق غيره.

.تفسير الآيات (103- 112):

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)}
موسى: نبي الله ورسوله إلى بني اسرائيل. فرعون: لقب لملوك مصر القدماء، والفرعون الذي تربى موسى في قصره هو رعمسيس الثاني، اما الذي حصل في زنمه الخروج فهو منفتاح بن رعمسيس، وجثته موجودة بالمتحف المصري، وقد كتب بجانب هيكله هذه الآية الكريمة {فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}.
الملأ: اشراف القوم ظلموا بها: جحدوا وكفروا حقيق: جدير وخليق به. نزع يده: اخراجها لهم. فماذا تأمرون: فماذا تشيرون في امره أرجِه: أرجئه أي أخِّره في المدائين: في مدائنك وبلادك. حاشرين: جامعين للحسرة. ساحر عليم: علام بفنون السحر ماهر فيها.
هذه قصة سيدنا موسى، وقد ذُكرت بتطويلٍ وتفصيل في اثنتين وخمسين آية. وقد جاء ذِكر موسى في نحو اثنتين وعشرين سورةً بين مختصَر ومطوّلة، وذكر اسمه اكثر من مائة وثلاثين مرة. وسرُّ هذا التكرار ان قصص موسى شبيه بقصص النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت شريعتُه دِينيةً ودينوية، ولقيب من أُمته عَنَتاً كبيرا.
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى}.
ثم بعثنا من بعد أولئك الرسلِ موسى بالمعجزات الّتي تدلّ على صِدقه فيما كلفناه تبليغه إلى فرعون وقومه فبلّغهم موسى الدعوة، وأراهم آية الله لكنهم ظلموا انفهسم وقومهم بالكفر، فاستحقّوا من الله عقوبة صارمة كانت فيها نهاية امرهم.

.قراءات:

قرأ أبو بكر وأبو عمرو ويعقوب: {أرجئْهُ} وقرأ حمزة والكسائي: {بكل سحَّار}.
وقال موسى: يا فِرعون، إن مرسَلٌ من الله ربّ العالمين، لأبلِّغَكم دعوتَه، وأدعوكم إلى شريعته وأنا حريص على قول الصدق، فاستمعوا اليّ.
ثم بيّن ان الله أيّده بآيات تدل على صدقه في دعواه فقال: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ}.
ها أنا قد جئتكم بآيةٍ عظيمة الشأن، ظاهرةِ الحجّة، في بيان الحق الذي جئت به، فاترك بني إسرائيل لأُخرجَهم من العبوديّة في ديارك إلى دارٍ غيرها يعبدون فيها ربهم بِحرّيَّةٍ.
قال فرعون لموسى: إن كنت جئتَ مؤيَّداً بآية من عند من أرسلكَ فأَظهِرها لديَّ إن كنتَ صادقا.
فوقف موسى وألقى عصاه التي كانت بيده اليمنى أمام فرعون وقومه، فاذا العصا حيّة تسعى من مكانٍ إلى مكان، لم تخفَ على أحد.
واخرج يدَه من جيبه فإذا هي بيضاء ناصعةُ البياض تتلألأ للناظرن مع ان موسى أسمرُ البشرة.
فلما أظهر موسى آية الله تعالى، ثارت نفوسُ بطانةِ فرعون وعظماءِ قومه وقالوا: {إن هذا لَساحرٌ عليم} ماهرٌ في فنون السِحر، وليس ذلك بآيةٍ من الله. انظروا، لقد وجّه إرادته لسلب مُلككم، وإخراجكم من أرضكم بسِحره. فكِّروا يا قوم فيما يكون سبيلاً للتخلص منه.
وحين استشارهم فرعون بقوله: فماذا تأمرون؟ أجابوه: أَخّرِ الفصل في موسى وأخيه هارون الذين يعاونه في دعوته، وأرسلْ في مدائن ملكك رجالاً من جُندك يجمعون لك عظماء السَّحَرة من كل البلاد.
والسِّحر أعمالٌ غريبة وحِيَلٌ تخفَى حيقتُها على جماهير الناس، لخفاءِ أسبابها ومهارةِ من يزاولها من السّحَرة. وقد كان السحر فناً منا لنفون العالية التي يتعلمها قدماء المصريين في معاهد خاصة لهم. وكان شائعا في لك العصر ولا يزال السحر، أو خفة الحركمة موجودا إلى الآن، وفي امريكا وأوروبا عدد كبير من السحرة والمشعوِذين. اما في البلاد الجاهلة المتأخرة، وبين القبائل الهمجيّة فله شأن عظيم.

.تفسير الآيات (113- 122):

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}
لقف الشيء: تناوله بحذق وسرعة. يأفكون: يصرفون الناس عن الحق وأُلقي السحَرة ساجدين: خرّوا ساجدين.
ولما جاء السحَرة من جميع المدائن، واجتمع الناس ليروا ذلك المشهد الكبير، قال السحَرةُ لفرعون: إننا نريد مكافأةً عيظمة إذا غلبنا موسى وأخاه، فقال فرعون مجيباً لهم: نعم، ان لكن أجراً عظيماً على ما تقومون به، وأنتم أولا وأخيراً من أهل الحظوة لدى العرش.
ثم توجه السحرة إلى موسى، بعد أن وعدهم فرعون ومنّاهم، واظهروا الثقة بأنفسهم واعتدادَهم بسحرهم، فقالوا: يا موسى: اما ان تلقي ما عند اولاً، وإما أن نبدأ نحن.
فاجابهم موسى اجابة الواثق بالغلبة والنصر، {أَلقوا} فلما ألقى كل واحد من السحرة ما كان معه من حبال وعصي، سحروا بها أعينَ الناس المشاهدين ومَوَّهوا عليهم ان مافعلوه هو حقيقة.
{واسترهبوهم وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}.
فهالَ الأمر الحاضرين وأوقع في قلوبهم الرهبة والرعب. وبخاصة حين جعلت حبالهم وعصُّيهم التي ألقوها تسير وتتحرك كأنها حقيقة.
عند ذلك أصدر الله امره إلى موسى بقوله: {أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} فالقاها موسى، فاذا تلك العصا تبتلع ما لفّقه السحرة من التمويه.
وهكذا، فان الباطل يكبُر ويتزايد، ويسترهب القلوب ويُخَيَّل إلى الكثيرين أنه غالب، وما إن يواجه الحق حتى يبطُل وينكشف زيفهُ.
{فَوَقَعَ الحق} وعندئدٍ ثبت الحق وذهب ما عداه، {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} ومن ثَم ذلّ السحرة وصغُروا بعد الزهو الذي استشعروه قبل قليل. كما هُزم فرعون وملؤه في ذلك المجمع العظيم.
{وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ}.
أما السحرة فقد بهرهم الحقُّ لما عاينوا قدرة الله فخرُّوا ساجدين لربهم مذعِنين للحق.
وقالوا: آمنا برب العالمين، ورب موسى وهارون، فانه الإله المعبود لا اله الا هو. لقد صدقنا بما جاءنا به موسى، وزالت من نفوسهم عظمة فرعون.