فصل: تفسير الآيات (99- 100):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (99- 100):

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}
نبذة: طرحه، نقضه. الفريق: الجماعة لا واحد له من لفظه.
ثم يتجه الخطاب إلى الرسول عليه السلام ليُثبّته على ما أنزل اليه من الآيات البينات مقررا انه لا يكفر بهذه الآيات الا الفاسقون من علماء بني اسرائيل وأحبارهم.
وكما تذبذبوا في العقيدة والايمان، تذبذبوا كذلك فيما يبرمونه من عهود، فكانوا كلما عادهوا النبي والمسلمين عهدا نقضه فريق منهم، لأن معظمهم لا يؤمنون بحرمة عهد ولا بقداسة ميثاق. وهذا ليس بغريب، فهو من صلب تعغاليم تلمودهم. وأساسُ ما وضعه أحبارهم ان كل من عاداهم ليس له حرمة، ولا ذمة، ولا يجوز أن يُبْرَم معه عهد. كذلك لا يرجى ايمان أكثرهم، لأن الضلال قد استحوذ عليهم، كما ان غرورهم بأنفسهم وتجبرّهم قد جعلاهم في طغيانهم يعمهون.

.تفسير الآيات (101- 103):

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}
السحر: ما لطف مأخذه وخفي سببه. وسحره: خدعه، ويقال أحيانا للشيء المعجب أو الحديث اللطيف. وقد جاء في الحديث: «ان من البيان لسحرا».
لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليهود، وهو رسول من الله اليهم والى الخلق كافة، مصدقاً لما معهم من التوراة التي فيها أوصافه ومتفقاً مع ما في التوراة من أصول التشريع، كالتوحيد بالله، والأخذ بجميع القيم نبذ فريق من اليهود القرآن وراء ظهورهم، أي جحدوه وأعرضوا عنه كأنهم لا يعلمونه. وما ذا عملوا بعد ذلك! لقد آثروا السِّحر واتبعوا ما يقصُّهع الشياطين عن عهد سليمان، ما يضللون به الناس من دعاوةى مكذوبة، كزعمهم ان سليمان كان ساحراً، وانه سخر الانس والجن عن طريق السحر الذي يستخدمه. ما كفَر سليمان وما كان ساحراً بل رسولاً من عند الله. ولكن الشياطين هم الذين كفروا وتقوّلوا على سليمان هذه الأقاويل وأخذوا يعلّمون الناس السحر من عندم.
{وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} في هذه الآية تفسيرات، فبعض المفسرين يقول ان معناها: ولم ينزل الله على هاروت وماروت في بابل أيَّ سحر. ويكون المعنى: واتَّبعة الذي تتلوا الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما كفر سليمان ولا أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا...
وقال بعضهم وهم أكثرون: يكون المعنى السحرَ الذي أُنزل على الملكين ببابل هاروت وما روت. مع ان هذين الملكين ما كانا يعلّمان احداً حتى يقولا له انما نعلّمك ما يؤدي إلى الفتنة والكفر فاعرفه ولا تعمل به.
ومن هنا أخذ بعض العلماء جواز تعلُّم السحر للعلم به وعدم العمل به.
ولكن الناس لم ينتصحوا بهذه النصيحة التي كان الملكان يقولانها لهم فاستخدموا ما يتعلّمون منهما وجعلوا يفرقون به بين المرء وزوجه. وما هم بضارّين به من احد الا باذن الله. وهذه قاعدة عظمى يقررها القرآن وهي: إن الضرر والنفع بإذن الله.
ولا يزال في وقتنا هذا مع ما تقدم العلم به من أبحاث كثيرٌ من السحر والشعوذة وغير ذلك من التنويم المغناطيسي، والتلبثة. ونحن نجد كثيراً من الناس يملكون خصائق لم يكشف العلم عن كنهها بعد. ولقد رأيت كثيراً من هؤلاء المنوِّمين يأتون بالعجب العجاب، وقرأت الكثير من القصص عن أناس عندهم خصائص عجيبة. وكل ما استطاع العلم ان يقوله تجاه هذه الأمور وهذه القوى انه اعترف بها وأعطاها أسماء، ولكنه عجز عن تفسيرها. وصدق الله العظيم: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً}.
أما من هما الملكان: هاروت وما روت؟ وهنل هما رجلان حقيقة؟ فلا يوجد خبر صحيح يثبت شخصيتهما أو حقيقة جنسهما. وانما كانت قصتهما معروفة مشهورة ووردت في القرآن اشارات مجملة عنها، ولنسا مكلفين بالاستقصاء عنهما والأفضل عدم البحث في ذلك.

.القراءات:

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {ولكن الشياطين كفروا} بتخفيف النون من لكن، ورفع الشياطين. وقرأ الباقون {ولكنّ} بالشديد ونصب الشياطين.

.تفسير الآيات (104- 105):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}
يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم من هؤلاء اليهود فلا تقولوا حينما يتلو الرسول عليكم الوحي (راعنا) رغبة في أن يجعلكم موضع رعايته، ويتمهل عليكم في تلاوته حتى تعوا القرآن وتحفظوه، لأن خبثاء اليهود يتظاهرون في ذلك ويستعملون كلمة (راعنوا)، ومعناها (شرّنا أو شرير)، فيلوون ألسنتهم بهذه الكلمة حتى تصير مطابقة للفظ شتيمةٍ ويوجهونها للرسول الكريم ليسخروا منه فيما بينهم. ولكن اسعمِلوا كلمة اخرى لا يجد اليهود فيها مجالاً لخبثهم وسخريتهم فقولوا: {أنظرنا}. واسمعوا جيداً لما يتلوه علكيم.
وللكافرين يوم القيامة عذاب أليم. واعلموا ان هؤلاء الكافرين والمشركين لا يحبون ان يأتكيم أي خير من ربكم. والله سبحانه وتعالى يختص برحمته من يشاء من عباده. وقد خصكم بهذا الكتاب العظيم الذي جمع به شملكم، وظهر عقولكم من زيغ الوثنية، والله ذو الفضل العظيم.

.تفسير الآيات (106- 108):

{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)}
النسخ في اللغة الازالة، يقال: نسخت الشمس الظل: أزالته. الإنساء: اذهاب الشيء من الذاكرة. الولي: الصديق. النصير: المعين. يتبدل: يُبدل. يستبدل. ضل: حاد عن الطريق المستقيم. السواء، من كل شيء: الوسط. السبيل: الطريق.
في هذه الآيات ردٌّ على اليهود الذين كانوا يطعنون في الإسلام والقرآن والنبي عليه الصلاة والسلام. وكانوا لا يتركون فرصة دون أن يعترضوا ويحاولوا تشويه الحقائق. فكانوا يقولون: ما بال هذا النبي يأمر قومه بام ثم يبدله بعد ذلك؟ فردَ الله تعالى عليهم بقوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} أي ما نغير حكم آية أو نؤخرها الا أتينا بما هوخير منها. وذلك لمصلحة الناس واظهار الدِّين. كل هذا من الله. القادر على كل شيء والذي له ملك السماوات والارض، يتصرف فيه كيف يشاء، وحسب مصلحة عباده. فلا تتعنتوا كما فعل اليهود من قبلكم حين سألوا رسولهم موسى ان يأتيهم بأشياء مستحيلة. وفي هذا نصيحة وتأديب للمسلمين ان يعملوا با يأمرهم به نبيهم الكريم، وينتهوا عما ينهاهم عنه. أما من لا يتأدب. بل يترك الثقة بالبينات المنزلة حسب المصلحة، ويطلب غيرها فقد اختار الكفر واستحبَ العمى على الهدى.

.القراءات: قرأ ابن عامر: ما نُنسخ من أنسخ الرباعي. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {ننسأها} أي نؤخرها. وقرئ {تنسها}. و{تنسها} بالبناء للمفعول. وقرأ أبو عمرو {ناتِ} بدون همزة.

.تفسير الآيات (109- 110):

{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}
العفو: ترك العقاب على الذنب.
الصفح: الإعراض عن المذنب. وهو يشمل العقاب وترك اللوم.
الخطاب للمؤمنين تحذيراً من بعض أحبار اليهود مثل كعب بن الاشرف، وحييّ بن أخطب. وأبي ياسر بن أخطب وأمثالهم الذين كانوا أشد الناس عداوة للإسلام ولنبيّه صلى الله عليه وسلم.
بعد أن عرض الله حالة المنافقين والكافرين وناقش اليهود مناقشة طويلة، ثم أدّب المؤمنين كيف يخاطبون النبي وعلمهم ان التعاليم والأوامر المنزلة من عند الله بعضُها عُرضة للغير والتبديل حسب المصلح جاء هنا يحذّر جماعة المسلمين من أن كثيرا من الهيود يودون ان يردوهم عن الإسلام حسدا لهم، بعد أن تبين لليهود من كتابهم نفسه ان المسلمين على الحق. وذلك لأنهم يخشون ان ينتقل السلطان منهم ويفلت من ايديهم. بعد هذا يعلم القرآن المسلمين الأخلاق العظيمة فيأمرهم سبحانه بضبط النفس وان يعاملهم بالرفق واللين. كما وعدهم بأنهم ان تحلّوا بهذه الأخلاق فانهم منصورون. وأكد ذلك بقوله {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فالله هو القادر على أن يهبكم من القوة ما تتضاءل دونه جميع القوى، فتتغلبوا على من يناوئكم.
ثم ذكر عز وجل بعض الوسائل التي تحقق النصر الذي وعدهم به فقال: {وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة} حافِظوا على شعائر دينكم، فأقيماو الصلاة على أحسن وجه من الخشوع وأداء اركانها، واعطوا الزكاة إلى أهلها. بهذه الأعمال الطيبة ينصركم الله إنه عالم بجميع أعمالكم، لا تخفى عليه من أمركم خافية وهو مجازيكم عليها.

.تفسير الآيات (111- 112):

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}
الأماني: جمع امنية: وهي كل ما يتمناه المرء ولا يدركه. البرهان: الججة والدليل. من اسلم وجهه: تعبير عن الايمان والاخلاص له والعلم بأوامهر. بلى: حرف يأتي ردا للنفي.
في هاتين الآيتين يبين الله تعالى دعوى كل من اليهود والنصارى في ان الجنة لهما ولأتباعهمنا فقط. تلك أمانيّهم، وهي لا تتعدى ان تكون كذباً يزعمونه دون دليل. فقولوا لهم: هاتوا دليلكم ان كنتم صادقين. والواقع انه يدخل الجنة من لم يكن يهوديا ولا نصراينا إذا آمن بالله وأخلص نفسه له وابتع أوامره. ذلك ان رحمة الله لا تختص بشعب ولا ملّة {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [النساء: 123].

.تفسير الآية رقم (113):

{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)}
ومن العجيب ان اليهود يكذّبون النصارى ويعادونهم. والنصارى يكذبون اليهود ويعادونهم.. والجميع من أهل الكتاب. وهم يتلون الكتاب: التوراة والانجيل. والكتابان من عند الله ولكن المطامع الشخصية. والتعصب الاعمى جعلاهم يكفّر بعضهم بعضاً. ومن يقرأ التلمود يجد فيه أمورا بشعة قذرة في وصف المسيح عليه السلام. من ذلك قوله: (يسوع المسيح ارتد عن الدين اليهودي وعبد الاوثان، وكل مسيحي لم يتهود فهو وثني عدو لله ولليهود..) وفيه أقوال تقشعر منها الأبدان. وكذلك النصارى يتهمون اليهود بالكفر والخروج عن دين الله. ولا أدري كيف يقولون ذلك مع ان المسيح عليه السلام يقول في الانجيل: جئت لأتم الناموس لا لأنقُصه. وكذلك قال الوثنيون من قبلهم بأنهم هم وحدهم الذين على الحق. وكل هذه الأقوال باطلة. وليس مثل الإسلام في صراحته وسعة أفقه، فهو يصدق بالأديان السماوية ويعتبرها، ويؤمن بكتبها الحقيقة قبل ان يطرأ عليها التحريف. ما أعظم قوله تعالى: {آمَنَ الرسول بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ بالله وملاائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ..} [البقرة: 285]. هذا هو الإسلام وهذه هي عظمته.

.تفسير الآية رقم (114):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}
في هذه الآية انذار كبير وتحذير مخيف لكل من يمنع احدا من عبادة الله أو يصد الناس عن دخول المساجد لأداء عباداتهم، أو من يسعى في خرابها. والمنى: أي امرئ أشد تعدياً وجرأة على الله ممن يفعل شيئاً من هذه المعاصي! ان لهؤلاء في الدنيا خزياً ولهم في الآخرة عذاب عظيم. وهذا انذار عام يصدُق على كفار قريش حين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من دخول مكة وتأدية العمرة عام الحديبية، كما يصدق على كل من عمل على تعطيل مسجد أو حالَ دون أداء شعائر الله فيه.

.تفسير الآية رقم (115):

{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}
قال بعض المفسرين: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالتوجه إلى استقبال الكعبة في الصلاة. وفيها إبطال لما كان يعتقده أرباب المِلل السابقة من أن العبادة لا تصح الا في المعابد، لأن الله موجود في كل مكان. انه رب المشارق والمغارب. ثم شُرعت بعد ذلك القبلة الموحدة، وجعلت الكعبة رمزاً لذلك. ولا يزال بعض مفهوم هذه الآية سارياً إلى الآن على من لم يعرف أين القبلة.
والذي يرجحه ابن جرير في تفسيره ان هذه الآية ليست منسوخة بل ان حكمها باق ومعمول به على أساس انه (اينما تولّوا وجوهكم في حال سيركم في أسفاركم، في صلاتكم التطوّع وفي حال مسايفتكم عدوَّكم، في تطوعكم ومكتوبكم، فثم وجه لله) وفي هذا توسيعك كبير.