فصل: تفسير الآيات (55- 63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (55- 63):

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}
الدواب: كل ما دبّ على وجه الأرض، وغلب على ذوات الأربع من الحيوان، وشبه الله تعالى الكواب. فاما تثقفنَّهم: تدركهم وتظفر بهم فشرِّد بهم. ابعدهم ونكل بهم. من خلفهم: كفار مكة واعوانهم من مشركي القبائل الموالية لهم. النبذ: الطرح. رباط الخيل: حبسها على الجهاد واقتناؤها. جنحوا: مالوا. السلم: بفتح السين وكسرها، ضد الحرب.
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة صار الكفار معه أقساماً ثلاثة: قسماً صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه ولا عليه عدوَّه، وهم على كفرهم آمنوا على دمائهم واموالهم وقسماً حاربوه ونصبوا له العداوة. وقسماً تركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول اليه أمره وأمر اعدائه.
ثم من هؤلاء من كان يحبّ انتصار الرسول في الباطن، ومنهم من كان يحب انصار المشركين، ومنهم من دخل معه في الظاهر، وهو مع عدوه في الباطن ليأمن الفريقين. هؤلاء هم المنافقون وقد عامل الرسول كا ظائفة من هذه الطوائف بما أمره به الله.
وكان من بين من صالحهم ووادعهم طوائف اليهود الثلاث المقيمين حول المدينة، وهم بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة. كما كان من بينهم قبائل من المشركين مجاورة للمدينة.
وقد ورت روايات متعددة في المقصودين بهذا النص، قيل: انهم بنو قريظة، وقيل: انهم بنو النضير، وقيل: انهم بنو قينقاع، وقيل: انهم الاعتراب الذين كانوا حول المدينة من المشركين. وقد نقض اليهود عهودهم مع رسول الله اكثر من مرة، كما تكرر نقض المشركين من العرب لعهودهم. والمهم ان نعلم ان هذه النصوص تتحدث عن حالةٍ واقعةٍ قبل بدرٍ وبعدها.
{إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} ان شر ما يدبّ على وجه الأرض عند الله في حُكمه وعدله هم الكفار المصرّون على كفرهم، الذي عقدتَ معهم العهود والمواثيق، ولا يزالون ينقضونها مرة بعد مرة. وقد تكرر ذلك من اليهود، فقد روي عن ابن عباس ان المقصودين بنو قريظة... نقضوا عهد رسول الله، وأعانوا عليه بالسلاح في يوم بدر، ثم قالوا نسينا وأخطأنا. فعاهدهم مرة ثانية فنقضوا العهد ومالأوا الكفار على رسول الله يوم الخندق. وقد ركب زعيمهم كعب بن الاشرف إلى مكة فحالفهم على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم {... وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} أي لا يتقون الله في نقض العهد، ولا يردعهم عن ذلك خوف من نقمته وعذابه.
وبعد أن بين تعالى انهم قد تكرر منهم نقض العهد، ذكر ما يجب ان يعاملوا به قال: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحرب فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} فإن تدركْ أيها الرسول، هؤلاء الناقضين لعهدهم في الحرب ظافر بهم، فنكِّلْ بهم تنكيلا يسوؤهم ويخيف مَنْ وراءهم من الاعداء، {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} لعل مَن خَلْفهم من الأعداء يذكرون ذلك النكال فيمنعهم من نقض العهد والقتال.
{إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين} ان الخيانة مبغوضة بجميع ضروبها، فأبعدوا عنها ايها المؤمنون.
روى البيهقي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثةٌ المسلمُ والكافر فيهن سواء، من عاهدتَه فَوَفِّ بعهده، مسلماً كان أو كافرا، فإنما العهد لله. ومن كانت بينك وبينه رحِم فصِلْها، مسلما كان أو كافرا. ومن ائتمنك على أمانة فأدّها اليه، مسلما كان أو كافرا».
وبعد هذا أنذر الله أولئك الخائنين مما سيحلّ بهم من عقاب فقال: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ سبقوا إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} ولا يظن الذين كفروا انهم قد نجوا من جزاء خيانتهم وغدرهم، فهم لا يعجزون الله ولن يعجزوه، ولا يفوقونه في مكرهم أبدا، بل هو القادر وحده، وسيجزيهم بقوته وعدله.

.قراءات:

قرأ ابن عامر وحمزة وحفص: {ولا يحسبَنَّ} بالياء والباقون: {ولا تحسبن} بالتاء، وقرأ ابن عامر {أنهم لا يعجزون} بفتح الهمزة، والباقون بكسرها.
بعد ذلك بيّن الله تعالى ان الاستعداء بما فيه القدرة والطاقة فريضة تصاحب فريضة الجهاد، والاستعداد انفى للاعتداء.
{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} أعدّوا يا معشر المسلمين لمواجهة أعدائكم ما ستطعتم من قوة حربيّة شاملة لجميع عتاد القتال، ومن المرابطين في الثغور وأطراف البلاد بِخَليهم، لتخيفوا بكل ذلك عدوَّ الله وعدوكمن من الكفار المتربصين.
{وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ} وليخيفوا أيضا آخرين غير هؤلاء الأعداء، أنتم لا تعلمونهم الآن لكن الله يعلمهم، لأنه لا يخفى عليه شيء.
{وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} ان الله يجزيكم جزاء وافيا، عن كل ما انفقتم من شيء في سبيل إعداد القوة قاصدين به وجه الله، دون ان ينقصكم مثقال ذرة مما تستحقون.
{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا...} وإن مالَ الأعدادُ المحاربون إلى السلم، فاجنح لها أيها الرسول، فليست الحرب غرضاً مقصوداً لذاته عندك، إنما تقع دفعاً لعدوانهم وتحدّيهم لدعوتك، فاقبل السلم وتوكل على الله، ولا تخفّ كيدهم ومكرهم انه سبحانه هو السميع لما يتشاورون به، العليم بما يدبرون ويأتمرون.

.قراءات:

قرأ أبو بكر: {للسّلِم} بكسر السين، والباقون بفتحها والمعنى واحد.
{وَإِن يريدوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين}.
وإن أراد من تظاهُرهم بالجنوح إلى السلم الخداعَ بك، فان الله يكفيك امرهم من كل وجه. وقد سبق له أن أيّدك بنصره، حين هيأ لك من الاسباب الظاهرة والخفية ما ثّبت به قلوب المؤمنين من المهاجرين والانصار، وجعلهم اُمةً واحدة متآلفة متعاونة على نصر الله ورسوله.
{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
ان الله تعالى جمعَ بينهم على المحّبة والإيمان بك، بعد التفرق والتعادي (دامت الحرب بين الأوْس والخَزْرج سنين عديدة، وكذلك بين مختلف قبائل العرب) فأصبحوا ملتفّين حولك، باذلين اموالهم وارواحهم في سبيل دعوتك. ولو انفقتَ جميع ما في الأرض من الاموال والمنافع، في سبيل هذا التأليف بين قلوبهم، لما أمكنك ان تصل اليه، لكنّ الله ألَّف بينهم، بقدرته، انه تعالى قوي غالب يدبر امر العباد على مقتضى ما ينفعهم.

.تفسير الآيات (64- 66):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)}
حسبك: كافيك، ما يهمك التحريض: الحث على الشيء. التخفيف: رفع المشقة الضعف: بالفتح والضم، ضد القوة.
يا أيها النبيّ إن الله كافٍ كلَّ ما يهمّك من أمر الاعداء، متكفل بك ومن اتبعك من المؤمنين.
فشجّشع المؤمنين على القتال لاعلاءِ كلمة الله، ورغِّبهم فيما وراء ذلك من خير الدنيا والآخرة. واعلم يا محمد أنه إن يوجد منكم عشرون معتصمون بالإيمان والصبر يغلبوا مئتين من الذين كفروان ذلك بأن الكافرين لا يدرِكون حقائق الأمور، فليس لهم ايمان ولا صبر ولا مطمع في ثواب.
{الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يغلبوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله والله مَعَ الصابرين}.
ان واجبكم أيها لمؤمنون ان تصبروا على ملاقاة أعدائكم ولو كانوا عشرة أمثالكم، لكن الله قد خفف عنكم الآن فجعل عليكم ان تصبروا امان مِثَلْيكم فقط، لعلمه ان فيكم ضعفاً يقتضيالتيسير عليكم والترخيص لكم، فان يكن منكم مئةُ مجاهدٍ صابر يغلبوا مئتين من الكفار، وان يكن منكم الف يغلبوا الفين بارادة الله ومعونته، والله مع الصابرين.

.قراءات:

قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: {ان تكن} بالتاء في الآيتين. وقرأ عاصم وحمزة: {ضعْفاً} بفتح الضاد والباقون: {ضُعفاً} بضمها.

.تفسير الآيات (67- 71):

{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71)}
أسرى: جمع أسر وهو كل من يؤخذ من المحاربين. الإثخان: الشدة حتى يثخن في الأرض: يُكثر القتال ويبالغ فيه. عرض الدنيا: حطام الدنيا وما فيها من زخارف مسّكم: اصابكم.
لا يسوغ لأحد من الانبياء ان يكون له أسرى يحتجزهم، أو يأخذ منهم الفِداء، أو يمنّ عليهم بالعفو، حتى يتغلّب على أعدائه، ويُكثر القتل والجراح فيهم، فلا يستطعيوا قتالا بعد ذلك، ولكنّكم أيها المؤمنون سارعتم في غزوة بدر الا اتخاذ الأسرى قبل التكّن في الأرض تريدون منافع الدنيا وحُطامَها، والله يريد لكم الآخرة.
{والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} عزيز يَهَبُ العزة للمؤمنين وإن لم يكن لهم اسرى، وهو حيكم في تدبيره وأمره ونهيه.

.قراءات:

قرأ أهل البصرة {ان تكون} بالتاء.
روى الإمام أحمد عن أنس قال: «استشار النبي صلى الله عليه وسلم في الاسارى يوم بدر فقال: إن الله مكّنكم منهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله اضربْ أعناقهم. فأعرض عنه النبي، ثم عاد رسول الله لمقالته، إنما هم إخوانكم بالأمس وعاد عمر لمقالته، فأعرض عنه فقام أبو بكر الصدّيق فقال: يا رسول الله نرى ان تعفو عنهم، وان نقبل منهم الفداء؟ قال: فذهب عن وجه رسول الله ما كان فيه من الغم، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء».
وفي رواية ابن عباس عن عمر زيادة هي: فلما كان الغد جئتُ، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان فقلت: يا رسولَ الله، أخبِرني من أي شيء تبكي انت وصاحبك... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبكي على أصحابك من أخذِهم الفداءَ، لقد عرض عليَّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة». فأنزل الله عز وجل: {وما كان لنبي....} الآية.
{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} لولا حكمٌ سابق من الله بالعفو عن المجتهد المخطئ لأصابكم فيما أخذتم من الفِداء عذابٌ كبير بسبب ما تعجّلتم به.
بعد أن عاتبَهم الله على اخذ الفداء أباح لهم أكْل ما أخذوه، وعدَّه من جملة الغنائم التي أباحها لهم في اول السورة فقال: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} كلوا مما غنمتم من الفداء حلالا لكم طيبا في نفسه لا خبث فيه، واتقوا الله ما كل أموركم، انه غفور لذنبكم السابق حين أخذتم الفداء.
ثم يخاطب الاسرى بكلام رقيق يُحْيي فيهم الرجاء، ويُشيع فيهم النور، ويؤملهم بحياة أكرم مما كانوا فيه، وكسبٍ أطيب مما فقوا من مال وديار، وبعد ذلك كلّه بالمغفرة والرحمة.
{يا أيها النبي قُل لِّمَن في أَيْدِيكُمْ مِّنَ الأسرى إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يا ايها النبي قل للأسرى الّذين اخذتم منهم الفداء: إن يكن في قلوبكم خير يعلمه الله فسيُخلِفُ لكم خيراً مما أخذه المؤمنون منكم ويغفر لكم ما كان من الشرك والسيئات.
ان الله غفور لمن تاب من كفره وذنوبه، رحيم بالمؤمنين يشملهم بعنايته وتوفيقه.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو: {من الأسارى} والباقون: {من الأَسرى}.
وفي الوقت الذي يفتح الله للأسارى باب الرجاء، يحذرهم خيانة الرسول- صلى الله عليه وسلم- كما خانوا الله من قبل فلاقوا هذا المصير.
{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
وان يردوا خيانتك بما يظهر بعضهم من الميل إلى الإسلام مع انطواء صدروهم على قصد مخادعتك بهذا الميل فلا تبتئس، فقد خانوا الله من قبل باتخاذ الأنداد والشركاء لله والكفر بنعمته، فامكن منهم اذ نصرك في بدر مع قلة عَددكم وعُددكم، وكثرتهم، والله قوي غالب متصرف بحكمته، يعلم ما ينونه وما يستحقونه من عقاب.