فصل: تفسير الآيات (9- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (9- 15):

{اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)}
يعود الله تعالى في هذه الآيات لاستنكار مبدأ التعاهد بأسبابه التاريخية والواقعية بعد أن استنكر باسبابه العقيدية والايمانية، ويجمع بين هذه وتلك في هذه الآيات. فيقول عنهم انهم استبدلو بآيات اللهِ عَرَضاً قليلا من حُطام الدنيا، وصدّوا بسبب هذا الشِراء الخسيس أنُفسَهم عن الإسلام ومنعوا الناس عن الدخول فيه {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ألا لقد قَبُح، علمهم هذا، من اشتراء الكفر بالايمان، والضلالة بالهدى، ونكران ما جاء رسول الله به من البينات.
ثم إنهم لا يُضرمون هذا الحقدّ لأشخاصكم فقط، بل يضمرونه لكل مؤمن، ويتّبعون هذا المنكر مع كل مسلم، ولا يراعون فيكم عهداً.
{لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وأولئك هُمُ المعتدون}.
من اجل هذا الكفر لايحترمون لمؤمن قرابةً ولا عهدا. ذلك ان سمة العدوان أصلية فيهم، فمن شانهم عدم التقيد بالعهود، بحكم عنادهم وكفرهم وكراهيتهم للايمان. ولا علاج لهؤلاء أبداً الا إجبار على الرجوع عن الكفر، والاعتصام بالإيمان.
ثم بين الله كيف يقابل المؤمنون هذه الحال الواقعة من المشركين: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين وَنُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
اذا رجع هؤلاء المشركون الذين أُمرتم بقتالهم عن شِركهم، والتزموا أحكام الإسلام باقامة الصلاة وايتاء الزكاء- فهم إخوانكم في الدين، لهم ما لكم، والله يفصّل هذه الأحكام ويبيّنها لمَن يدركُها ويدركُ حِكمتها من الذين يعلمون، وهم المؤمنون.
{وَإِن نكثوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}.
وان نكثَ هؤلاء ما أبرمتْه أيمانُهم بالوفاء بالعهد الذي عقدوه معكم، وعابوا دينكم وصدّوا الناس عنه، فقاتِلوهم، انهم أئمة الكفر، لأنهم لا عهدّ لم ولا ذمة، قاتِلوهم رجاءَ ان ينتهوا عن الكفر ونقضِ الأيمان والعهود.
ومع ان هذه النصوص كانت في المشركين، زمن الرسول الكريم، فيه مستمرة مع أئمة الكفر في كل زمان ومكان. خذ اليهود اليوم، إنهم هم المعتدون، تساندهم قوى الغرب المستبدّة الآثمة، وكلهم اعداء الانسانية والاسلام، فعلينا ان نصحو من سابتنا، ونستعدّ، واكبر سلاح لنا هو الايمان بالله وبقضيتنا العادلة واتحادنا.
ثم اعاد الله الكرَّة بإقامة الأدلة على وجوب قتال الناكثين للعهد المعتدين: {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نكثوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟}.
فاتِلوا هؤلاء المشركين لأسباب ثلاثة.
اولا: أنهم نكثوا الأيمان التي حلفوها لتأكيدِ عهدهم الذي عقدوه يوم صُلْح الحديبية.
ثانيا: أنهم همُّوا بإخراج الرسول الكريم من مكة، وأرادوا قتْلَه بأيدي عُصْبة من بطون قريش ليتفرق دمه في القبائل فتتعذر المطالبة به.
ثالثا: أنهم بدأوا بقتال المؤمنين في بدر حين قالوا بعد العلم بنجاة قافلتهم: لا ننصرف حتى نستأصل محمداً وأصحابه، وكذلك قاتَلوكم في أحُد والخندق وغيرهما.
{أَتَخْشَوْنَهُمْ فالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ}.
بعد هذا كله، أتتركون قتالهم خوفاً وجبناً منكم! ان الله أحقّ ان تخشوا مخالفة امره وأن تخافوه ان كنتم صادقين في إيمانكم.
ثم يحرض الله المؤمنين على القتال بقوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}.
قاتِلوهم ايها المؤمنون ولا تخافوا، ان الله سوف يعذّبهم على أيديكم، ويذلّهم بالأسر لكم، وسوف ينصركم عليهم حتى لا تقوم لهم قائمة بعد هذه، ويَشْفي صدرو أناس منكم نالوا من أذاهم قدرا كبيرا لم تكونا تستطيعون دفعه... انه سوف يشفي تلك النفوس من غيظها المكظوم، بانتصار الحق كاملا، وهزيمة الباطل.
{وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}.
بانتصاركم عليهم سيملأ الله قلوب المؤمنين فرحا، ويذهب عنهم الغيظ الذي كان قد وَقَر فيها من غدر المشركين وظلُمهم.
{وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
ويقبل الله توبة من يشاء منهم، وهو العليم بشؤون عباده، الحكيم فيما يشرّع لهم من الاحكام.

.تفسير الآيات (16- 18):

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)}
الوليجة: بطانة الرجل، وخاصته. المسجد: مكان السجود، ثم اصر اسماً للبيت الذي يخصص لعبادة الله. ان يعمروا: يتعبدون فيه، وتطلق على العمارة والبناء والخدمة.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ}.
أظننتم ان تُتركوا وشأنكم بغير فتنةٍ ولا امتحان، ولم يتبيّن الخلَّصُ المجاهدون منكم الذين لم يتخذوا لأنفُسِهم بطانةً من المشركين، من المنافقين الذين يُتقنون استخدام الأعذار، ويدورون من خلف الجماعة ليُطْلعوا الأعداءَ على الاسرار! لا تظنّوا أيها المؤمنون ان يترككم الله تعالى دون اختبار لكم بالجِهاد ونحوه، ليَظهَرَ المحسنُ منكم من المسيء، وتُعرَفَ المداخل، ويعرف الناسُ كلا الفريقين على حقيقته.
{والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لا يخفى عليه شيء من أمركم، فهو محيط بكل شيء علما.
{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ على أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}.
بعد أن فتح المسلمون مكة، وظهر الرسول المسجدَ الحرام مما كان فيه من الأصنام، بقي ان يطهره من العبادات الباطلة التي كان المشركون يقيمونها فيه. فأرسل عليّ بن أبي طالب وأمره ان يتلو على مسامع الحجيج أوائل سورة التوبة يومَ الحجّ الأكبر إلى مكة. وكان مما تضمنه هذا البلاغ العام ان يعلم أهل مكة المشركون ان عبادتهم الباطلة ستمنع من المسجد الحرام، بعد ذلك العام. وقد نادى عليُّ ومن معه في يوم النحر بِمِنى: لا يحجّ بعد هذا العام مشرِك ولا يطوف بالبيت عُريان.
لا يحق للمشركين ان يعمروا مساجدّ الله بالعبادة أو الخدمة والوَلاية، ولا ان يزوروها حجّاجا أو متعمرين، ما داموا مستمرّين على كفرهم. ولبس بعد الآن تردد في حرمانهم من زيارة البيت الحرام أو عمارته، انما تكون عمارته بالعبادة الصحيحة حقاً خالصاً للمؤمنين بالله، القائمين بفرائضه.
{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ على أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}.
اولئك المشركون لا اعتداد بأعمالهم، ولا ثوابَ لهم عليها، وهم مقيمون في دار العذاب إقامة خلودٍ وبقاء، لكفرهم، وصدهم عن سبيل الله.
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَأَقَامَ الصلاة وآتى الزكاة وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله}.
ان المستحقين لعمارة المساجد هم الجامعون بين الإيمان بالله وحده والايمان باليوم الآخر، الّذين أدّوا الصلاة على وجهها، وأخرجوا الزكاة، ولم يخشوا الا الله وحده.
{فعسى أولئك أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين}.
اولئك الذين آمنوا ايمانا خالصا، وجمعوا بين الاركان الهامة من راكان الإسلام هم الذين يرجون ان يكونوا من المهتدين إلى ما حيب الله ويرضيه. فالعبادة تعبير عن العقيدة، فاذا لم تصحّ العقيدة لم تصح العبادة. اما اداء الشعائر وعمارة المساجد فليست بشيء ما لم تَعمُر القلوب بالاعتقاد الصحيح، والعمل الواقع الصريح.

.تفسير الآيات (19- 22):

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)}
سقاية الحاج: ما كانت قريش تسقيه للحجّاج من الزبيب المنبوذ في الماء، وكان يقوم بها العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في الجاهلية وبقيت معه في الاسلام.
{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج وَعِمَارَةَ المسجد الحرام...}.
هذا توبيخ من الله تعالى لقومٍ افتخروا بالسقاية والسِّدانة، وهي حجابة البيت، فأعملهم الله أن الفخر الحقيقي إنما يكون في الإيمان بالله، واليوم الآخر، والجهاد في سبيله. وذلك بمعنى انه لا ينبغي ان تجعلوه أهل السقاية والعمارة في الفضيلة كمن آمن بالله واليوم الآخر، وجاهد في سبيل الله، ان الفئتين ليْسَتَا بمنزلة واحدة عند الله.
{والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين}.
المشركين الذين لا يخلِّصون عقيدتهم من الشرك، ولو كانوا يعمرون البيتَ ويسقون الحجيج.
ثم بيّن سبحانه مراتب فضْلِهم إثر بيان عدم استوائهم هم المشركين الظالمين فقال: {الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ}.
ان الذين صدّقوا بوحدانية الله، وهاجروا من دار الكفر إلى دار الإسلام، وتحمّلوا مشاقّ الجهاد في سبيل الله بأموالهم وانفسهم، هم اعظمُ منزلةً وأعلى مقاما في مراتب الفضل والكمال عند الله من أهل سِقاية الحاجّ وعَمارة المسجد بدون ايمان بالله.
{وأولئك هُمُ الفائزون} وأولئك المؤمنون المهاجرون المجاهدون هم الفائزون بمثوبة الله وكرامته.
ثم فصّل الله تعالى ذلك الفوز العظيم وبينه فقال: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً}. هؤلاء الذين جمعوا الصفاتِ الحميدةَ يبشّرهم الله تعالى برحمته الواسعة التي تشملهم، ورضوان كامل من لدنْه، وهو أكبر جزاءٍ. وسيُدخلهم يوم القيامة جناتٍ لهم فيها نعيمٌ ثابت دائم.
{إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
لهؤلاء المؤمنين الذين تحملوا مشاق الهجرة والجهاد ثوابٌ لا يقدِّر قدْره الا الله الذي تفضل به.

.تفسير الآيات (23- 24):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}
استحب: احب الظلم: وضع الشيء في غر موضعه. موضعه. العشيرة: ذو القرابة الادنون، وقبيلة الرجل. قال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214]. اقترفتموها: اكتسبتموها. فتربصوا: انتظروا. امره: عقوبته.
لمَّا اعلن الله براءته وبراءة رسوله من المشركين وآذنهم بنبذ عهودهم، عز ذلك على بعض المسلمين وتبرّم به ضعفاء الايمان، وكان اكثرهم من الطلقاء الذين أعتقهم النبيُّ يوم فتحِ مكة. وكان موطن الضعف نصرةَ القرابة وعصبية النسب. فجاء الكتاب هنا يجرد المشاعرَ والصلاتِ في قلوب المؤمنين، ويمحّصها فيدعو إلى تخليصها من وشائج القربى والمصلحة. ثم إنه يجمع لذائذ البشر، ووشائج الحياة فيضمها في كفّةٍ، ويضع حبّ الله ورسوله وحب الجهاد في الكفّة الاخرى ويدعو المسلمين للخيار.
{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تتخذوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إَنِ استحبوا الكفر عَلَى الإيمان}.
يا أيها المؤمنون لا تتخذوا من آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وعشيرتكم وأزواجِكم نصراءَ لكم ما داموا يحبّون الكفرَ ويفضّلونه على الايمان.
{وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فأولئك هُمُ الظالمون}.
ومن يتولّهم ويستنصر بالكافرين فإنه من الظالمين الّذين تجاوزوا الطريق المستقيم.
وبعد أن بيّن ما وصل اليه حالُهم من الإخلال بالإيمان انتقل إلى بيان سبب ذلك فقال: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ...} الآية.
قل أيا الرسول للمؤمنين: إن كنتم تفضّلون حظوظَ وشهواتِها من الآباء والأنباء والإخوان والأزواج والعشيرةِ والأموال، والتجارة التي تخافون كسادها، والمساكم التي ترضُونها، على حب الله ورسوله والجهاد في سبيله الذي وُعِدتُم عليه أنواعَ السعادة الابدية في الآخرة- فانتظِروا حتى يأتي الله بحكمه فيكم وعقوبته لكم.
والخلاصة: إن كانت رعايةُ هذه المصالح الدنيوية أَوْلى عندكم من طاعة الله والرسول والجهادِ في سبيل الله، فتربّصوا بما تحبون حتى يأتي الله بعقوبته من عنده.
{والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين} الخارجين على حدود الدين.

.قراءات:

قرأ أبو بكر: {وعشيراتكم}.