فصل: تفسير الآيات (18- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (18- 24):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}
الأشهاد: جمع شاهد. الذين يصدون عن سبيل الله: الذين يصرفون الناس عن الدين. يبغونها عوجا: يريدونها ملتوية معوجة. لا جرم: حقا. واخبتوا: خشعوا واطمأنوا.
بعد أن بين الله الناس فريقان: يريد الدنيا وزينتها، وفريق مؤمن بربه وبرسالة رسوله الكريم، ذكر هنا بيان حال كُلٍّ من الفريقين وما يكون عليه في الآخرة. وهو يضرب للفريقين مثلا: الأعمى والأصم، والبصير والسميع.
لا أحد أكثرُ ظلماً لنفسه وبُعدا عن الحق من الذين يكذِبون على الله. ان افتراء الكذب في ذاته جريمةٌ نكراء وظلمٌ لمن يُفترى عليه الكذب، فكيف إذا كان هذا الافتراءُ على الله!!
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً}.
لا أحد أكثرُ ظلماً لنفسه وبُعدا عن الحق من الذين يكذِبون على الله. ان افتراء الكذب في ذاته جريمةٌ نكراء وظلمٌ لمن يُفترى عليه الكذب، فكيف إذاكان هذا الافتراءُ على الله!!
{أولئك يُعْرَضُونَ على رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأشهاد هؤلاء الذين كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين}.
سَيُعْرَضُ هؤلاء المفترون يوم القيامة على ربهم ليحاسبَهم على أعمالهم السيئة، فيقول الاشهاد من الملائكة والانبياء والناس: هؤلاء هم الذين ارتكبوا جريمة الكذب على الله. بذلك يفضحونهم بهذه الشهادةِ المقرونة باللَّعنة، أي خروجِهم من رحمة الله.
وفي الصحيحَين عن عبد الله بن عمر قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يُدني المؤمنَ حتى يضعَ كنَفَه عليه ويسترَهُ من الناس، ويقرِّره بذنوبه ويقول له: اتعرف ذنْبَ كذا؟ اتعرف ذنب كذا؟ فيقول: يا ربِّ أعرف، حتى إذا قرّره بذُنوبه ورأى في نفسه انه قد هلَك قال: فإنّي سترتُها عليك في الدُّنيا وأنا أغفر لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته».
{الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ}.
الذين يَصرِفون الناسَ عن سبيلِ الله، وهو دينُه القيم وصراطُه المستقيم؛ ويريدون أن تكونَ هذه السبيلُ معوجَّة لتوافقَ شهواتِهم واهواءَهم، وهو كافرون بالآخرِة والبعث والجزاء.
{أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب}.
هؤلاءِ الّذين يصُدُّون عن سبيل الله لم تكنْ لهم قوةٌ تعجِز اللهَ عن أخذِهم بالعذاب في الدنيا، ولم يكن لهم أنصارٌ يمنعون عنهم العذابَ لو شاء ان يُعَجِّلَه لهم. انهم سيلقون ضعف العذاب في الآخرة.
ثم بين علة هذه المضاعفة للعذاب بقوله: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ}.
لقد أعماهم وأصمَّهم انهماكهم في الكفر والضلال حتى كرهوا ان يسمعوا القرآن أو يبصروا آيات الله في الكون.
{أولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}.
هكذا اضاع اولئك الكافرون أنفسهم، ولم يربحوا بعبادة غير الله شيئاً، وغابَ عنهم في الآخرة ما كانوا يفترونه من الكذِب على الله في دنياهم.
{لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون}.
حقا إنهم أشدُّ الناس خسارةً في الآخرة، وبذلك يكونون قد أضاعوا أنفسَهم في الدنيا والآخرة.
وبعد أن بين الله حال الكافرين واعمالهم ومآلهم، بين حال المؤمنين اصحاب العمل الصالح وعاقبة أمرهم فقال: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
ان الذين آمنوا بالله ورسُله، وعملوا الاعمالَ الصالحة، وخشعتْ قلوبُهم واطمأنّت إلى ربها، سيكونون أهل الجنةِ خالدين فيها ابدا.
{مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع}.
مثل الفريقين: الكافرين والمؤمنين: الكافرين كالأعمى الذي يسير على غيرِ هدى، والأصمِ الذي لا يسمع ام يُرشده إلى النجاة؛ والمؤمنين، كالمبصِر يرى طريقَ الخير، وقويِّ السمعِ الذي يسمع كل ما ينفعه.
{هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}.
هل يستوي هذانِ الفريقان في الحال والمآل؟ افلا تتفكرون ايها الناس فيما بين الباطل والحق من خلاف فتعتبروا به، وتسيروا على الصراط المستقيم!

.تفسير الآيات (25- 26):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)}
ورد ذِكر نوح في ثلاثة واربعين موضعا من القرآن الكريم في ثمانِ وعشرين سورة. وذُكرت قصة نوح مفصلة في القرآن الكريم في سورة الاعراف وهود وسورة المؤمنين والشعراء والقمر وسورة نوح، وهي مختلفة اللفظ حسْب ما تكون العنايةُ موجهة نحوه من البيان والمعنى:
كما أرسلناك يا محمد إلى قومه لتنذِرَهم وتبشّرهم، فقابلَكَ فريقٌ بالكفر والجحود، أرسلنا من قبلُ نوحاً إلى قومه فقال لَهم: إني رسولُ الله إليكم، أُنذرُتكم من عذابِ الله وأبيّن لكم طريق النجاة.
ثم فسر هذا الانذار بكلام مختصر.
{أَن لاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}.
وإني أطلبُ منكم ان لا تعبُدوا إلا الله، ولا تشرِكوا به شيئا، لأني أخاف عليكم إن عبدتم غيره أو اشركتم معه سواه أن ينالكم عذابُ يوم مؤلم.

.قراءات:

قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة: {إني لكم نذير مبين} بكسر همزة ان، والباقون بفتحها.

.تفسير الآيات (27- 31):

{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)}
الملأ: كبار القوم. اراذل: جمع ارذل، وهو الخسيس الدنيء. بادى الرأي: ظاهره قبل التامل في باطنه. ارأيتم: اخبروني. عميت: خَفِيتء انلزمكموها: انكرهكم عليها. تزدري: تستهزئ.
اختار الله تعالى نوحاً من بين أولئك القوم لينذرَهم عذابَ الله، لأنهم تمادَوا في غيِّهم وضلالهم. وقد اجتمع كبراؤهم وأهلُ فيهم على تكذيبه واحتقاره هو ومن ابتعه، واستتعدوا ان يكونَ واحدٌ منهم- لا يمتاز عليهم بالغِنى والجاه- هو المختار لهدايتهم، وأَنِفوا ان يكونوا مثل الّذين اتّبعوا نوحاً من الضعفاء. وزعموا ان هؤلاء قد اتبعوه من غير رويّة ولا تكفير، {بادى الرأي} وطلبوا اليه لن يجد ناصر يدفع عنه عقاب اله إذا ما طردهم عن الهدى.
كذلك أوضح لهم ان إنما جاءهم بالهداية، وليس رجلَ مال قد مكّنه الله من خزائنه وأطلعه على غَيْبه، وقال إنه المُلك فيهم، وانما هو شخص اختاره الله تعالى لدعوتهم وتبليغهم أمره. أما اتباععه من المؤمنين الذين تزدريهم أعين الكبراء فإن أمْرَهم إلى الله، وهو أعلمُ بسرائرهم، لان ادراك الهداية إلى الحقّ لا يكون بالمظهر الفاخر بل باطمئنان النفس وركونها إلى الهدى مع اليقين التام والرضى به، ثم إنه لا يطلبُ منهم أجرا على دعوته، فأجرُه على الله وحده.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو: {بادئ الرأي} بالهمزة والباقون بدون همزة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص: {فعيت} بضم العين وتشديد الميم. {فعميت} بفتح العين وكسر الميم بدون تشديد.

.تفسير الآيات (32- 34):

{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)}
جادلتنا: نافشتنا وخاصمتنا. يغويكم يضلكم.
قالوا: يا نوحُ، قد ناقشتَنا بجِدالك فأطلتَ حتى مَلِلْنا. ان كنت صادقاً فيما تدعيه، فعجِّلْ وهاتِ ما توعدنا به من العذاب.
{قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ}.
عند ذالك قال نوح: هذا أمرٌ بيدِ الله وحدَه، فهو الذي يأتيكم بما تَشاء حكمتُه، ولن تعجزوه ابداً، لأنه لايعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.
{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نصحي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
إنه لن ينفعكم نصيحي لمجردٍ إرادتي الخيرَ لكم، إذا كان الله قد شاء ان يضلَّكم... انه ربُّكم وخالقكم لا أنا، واليه ترجعون يوم القيامة، ويجازيكم على اعمالكم.
ونرى من هذا الحوار الذي دار بين نوح والملأ من قومه أنهم عجَزوا عن الجدال فطلبوا ان يأتيَهم بالعذاب تشكيكاً فيه، وهذا دَيْدَنُ الأمم في عدم الخضوع لحكم العقل إذا خالف الأمرُ ما ألِفُوه وورثوه عن آبائهم.

.تفسير الآية رقم (35):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)}
في هذه الآية الكريمة دَفْعُ شبهةٍ من شُبَهِ المشركين من قريشِ الّذين ادَّعوا أن محمَّداً يفتري هذا القَصص، فيردُّ الله عليهم بأن هذا القَصص صادقٌ، وقل لهم أيها الرسول: إن كنت افتريتُه على الله كما تزعمون، فهو جُرمٌ عظيمٌ عليَّ وحدي إثمهُ، وإذا كنت صادقاً، فانتم المجرمون، وانا بريء من جرمكم هذا.

.تفسير الآيات (36- 39):

{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)}
فلا تبئس: فلا تحزن الفلك: السفينة. مفرد وجمع. بأعيننا: تحت رعايتنا. وحينا: بارشاد وحينا.
في تلك الحال أوحى الله إلى نوح أنه لم يؤمن من قومك غير الذين سبق وآمنوا، فلا تحزَنْ على ما كانوا يعملون... ابنِ السفينةَ تحت رعايتنا وبإرشادش وحْينا، ولا تشفعْ في الّذين ظلموا... فهم محكومٌ عليهم بالغرق. وشرع نوح في صنع الفُلك، فكان كلّما مر عليه نفر من قادة الكفر من قومه استهزأوا به، لجَهْلِهم الغرضَ من بناء السفينة، فيقول لهمك ان تهزأوا منا فنحن أيضا نهزأ منكم، لكنكم سوف تعلمون من منا الّذي سيأتيه عذابٌ يذلّه في الدنيا، ثم يحلّ عليه في الآخرة عذاب دائم.

.تفسير الآيات (40- 44):

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}
فار التنور: نبع منه الماء بقوة. التنور: فرن له شكل خاص للخبر. مجراها ومرساها: اجراؤها وارساؤها. ومجراها بفتح الميم ومرساها بضم الميم. معزل: مكان بعيد عن ابيه. سآوي إلى جبل: سألتجئ إلى جل يعصمني: يحميني. اقلعي: أمسِكي. وغيض الماء: نضب الجوديّ: اسم جبل يقال انه في الموصل.
حتى إذا جاء وقتُ أمرِنا بإهلاكهم نبع الماء بشدة من التنُّور. وحينئذ قلنا لنوح: إحملْ معكم في السفينة من كل نوعٍ زوجَين ذكراً وأنثى، واحمِل اهلَكَ جيمعاً الا من سبق عليه حُكْمنا بإهلاكه. كذلك واحمِل معك من آمن بك من قومك، وهم نفر قليل.
وقال نوح: اركبوا في السفينة باسم الله جريانُها ورسوُّها، ان ربّي لواسع المغفرة لعباده. وركبوا في السفنية وهم يذكُرون الله، وجرتْ بهم في أمواجٍ هائجة عالية كالجبال، ثم ان نوحاً دعتْه الشفقة على انبه الذي تخلّف ولم يرافق أباه. فناداه قائلاً: تعال اركب معنا يا بنّي، ولا تكن من الجاحدين. فكان جواب ذلك الوالد العاصي: يا أبتِ، سألجأ إلى جبلٍ يحمين من طغيان الماء. فقال نوح: لا شيء يعصِم أحداً من عذاب الله في هذا اليوم العصيب، الا من رحمة الله. ثم إن الموج حال بينهما وغاب الولد في اللجة وكان من الهالكين.
ثم ذكر الله ما حدثَ بعد هلاكهم، فأُمرت الأرضُ أن تبتلغَ ماءضها، والسماءُ أن تكفَّ عن المطر. وغاضَ الماء، وانتهى حكمُ الله بالإهلاك، ورست السفينةُ عند الجبل المسمَّى بالجُودِيّ عند المَوْصِل بالعراق. {وقيِلَ بُعداً للقومِ الظالمين}.

.قراءات:

قرأ حفص: {من كل زوجين اثنين} بتنوين كل والزوج يطلق على الواحد وعلى الاثنين. والباقون: {من كلّ زوجين اثنين} وقرأ حمزة والكسائي: {مجراها} بفتح الميم والباقون بضم الميم.