فصل: باب سُجُود السَهْو:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام



.باب سُجُود السَهْو:

السهو: هو النسيان، وهو الترك من غير علم، وليس على صاحبه حرج. حيث قال صلى الله عليه وسلم: «عُفِي لأمتي عن الخطأ والنسيان».
وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم لِحِكَم كثيرة.
منها: بيان أنه بشر، يقع منه ما يقع من غيره، إلا أنه لا يُقَرُّ عليه، عصمةً لمقام النبوة.
ومنها: التشريع للأمة في مثل هذه الحوادث.
ومنها: التسلية والتعزي لمن يقع منه، فإنه حين يعلم أنه وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، فليس عليه حزن أن يخشى الخلل في دينه، أو النقص في إيمانه، إلى غير ذلك من أسرار الله تعالى.
وأسباب السجود له ثلاثة: 1- إما زيادة في الصلاة 2- أو نقص فيها. 3- أو شك.
وشرع سجود السهو إرضاء للرحمن، وإغضاباً للشيطان، وجبراً للنقصان.
الحديث الأول:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أبي هرَيرة قَالَ: صَلَّى بَنا رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِحدَى صَلاتي العَشيِّ.
قال ابن سرين: وَسَمَّاهَا أبو هُريرة وَلكِنْ نَسِيْتُ أنَا قَالَ فَصَلى بنَا رَكْعَتَيْن، ثَم سَلّمَ، فَقَامَ إِلى خَشبَةٍ مَعْرُوضَةٍ في المسجِدِ فَاتَّكََأ عَلَيْهَا كَأنَّهُ غَضبانُ وَوَضعَ يَدَهُ اليمْنَى عَلَى اليسْرَى، وَشَبَكَ بَيْن أصَابِعِهِ وَخَرَجَتِ السَّرعَان مِنْ أبوَابِ المسْجدِ، فقالوا: أقُصِرَتِ الصَّلاةُ؟ وَفي القَوم، أبو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أن يُكلِّمَاهُ.
وَفي الْقَوْمِ رَجلٌ- فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لهُ ذو الْيَدَيْن- فقال: يَا رَسولَ الله، أنَسِيتَ أمْ قُصِرَتِ الصلاة؟.
فقال: «لَم أنسَ وَلَم تُقْصَر» فقال: «أكَمَا يَقُولُ ذو اليَدَين؟» قالوا: نعم.
فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثم سَلَّمَ ثُمَّ كَبر وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أو أطْوَلَ ثُمَّ رَفعَ رَأسهُ فَكَبَّرَ، ثم كبَّرَ وسَجَدَ مِثْلَ سُجُودهِ أوْ أطْوَلَ ثم رَفَعَ رَأسَهُ وَكَبَّرَ. فرُبَّمَا سألوه: ثُمَّ سَلَّمَ؟ قَالَ فَنُبِّئْتُ أنَّ عِمْرانَ بنَ حُصَيْن قال: ثم سَلمَ.
العَشيّ: ما بين زوال الشمس إلى غروبها.
المعنى الإجمالي:
يروي أبو هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى بأصحابه إما صلاة الظهر أو العصر.
فلما صلى الركعتين الأوليين سلّم.
ولما كان صلى الله عليه وسلم كاملا، لا تطمئن نفسه إلا بالعمل التام، شعر بنقص وخلل، لا يدرى ماسببه.
فقام إلى خشبة في المسجد واتكأ عليها بنفس قَلِقَة، وَشبَّك بين أصابعه. لأن نفسه الكبيرة تحس بأن هناك شيئا لم تستكمله.
وخرج المسرعون من المصلين من أبواب المسجد، وهم يتناجون بينهم، بأن أمراً حدث، وهو قصر الصلاة، وكأنهم أكبروا مقام النبوة أن يطرأ عليه النسيان.
ولهيبته صلى الله عليه وسلم في صدورهم لم يَجْرُؤ واحد منهم أن يفاتحه في هذا الموضوع الهام، بما في ذلك أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما.
إلا أن رجلا من الصحابة يقال له. ذو اليدين قطع هذا الصمت بأن سأل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟.
فقال صلى الله عليه وسلم- بناء على ظنه-: لم أنس ولم تقصر.
حينئذ لما علم ذو اليدين أن الصلاة لم تقصر، وكان متيقنا أنه لم يصلها إلا ركعتين، علم أنه صلى الله عليه وسلم قد نَسِيَ، فقال: بل نسيت.
فأراد صلى الله عليه وسلم أن يتأكد من صحة خبر ذي اليدين، فقال لمن حوله من أصحابه: أكما يقول ذو اليدين من أني لم أصل إلا ركعتين؟ فقالوا: نعم. حينئذ تقدم صلى الله عليه وسلم، فصلى ما ترك من الصلاة.
وبعد التشهد، سلم، ثم كبر وهو جالس، وسجد مثل سجود صُلْب الصلاة أو أطول، ثم رفع رأسه من السجود فكَبَّرَ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم سلم ولم يتشهد.
خلاف العلماء:
الشك في الصلاة أحد أسباب سجود السهو:
روى مسلم عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى، ثلاثا أم أربعاً؟ فلينظر في الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم».
فقوله: «إذا شك» هو موضع الخلاف، فذهب مالك والشافعي، وهو المشهور عند أصحاب أحمد، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، ورييعة، ويروي عن ابن عمر، وابن عباس، ذهبوا إلى أن كل من لم يقطع فهو شاك، وإن كان أحد الجانبين راجحا عنده، فجعلوا من غلب على ظنه شاكا، وأمروه أن يقطع ما شك فيه، ويبني على ما استيقن، وقالوا: الأصل عدم ماشك فيه، فرجحوا استصحاب الحال مطلقاً، وإن قامت الشواهد والدلائل على خلافه، ولم يعتبروا التحري بحال.
وذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن المنفرد يبني على اليقين، لحديث أبي سعيد. وأما الإمام فيبنى على غالب ظنه، وقد اختار ذلك الخرقي من أصحاب أحمد، والموفق، وقال الموفق: إنما خصصنا الإمام بذلك، لأن له من ينبهه بخلاف المنفرد.
والقول الثالث ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول كثير من السلف والخلف، ومروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما. وهذا القول هو التحري والاجتهاد. وأن البناء على غالب الظن للإمام وللمنفرد مستند إلى أصح أحاديث الباب، وهو حديث ابن مسعود، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين» فجعل ما فعله بعد التحري تماما لصلاته، وجعله هنا متما لصلاته ليس شاكا فيها، وما دل على الإثبات من أنواع الأدلة فهو راجح على مجرد استصحاب النفي، وهذا هو الصواب الذي أمر المصلى أن يتحراه، فإن ما دل على أنه جمع أربعة من أنواع الأدلة راجح على استصحاب عدم الصلاة. وهذا حقيقة هذه المسألة. ومثل هذا يقال في عدد الطواف والسعي ورمي الجمار وغير ذلك.
الأحكام المستنبطة من الحديث:
1- جواز السهو من الأنبياء عليهم السلام في أفعالهم البلاغية، إلا أنهم لا يُقَرُّونَ عليه. أما الأقوال البلاغية فالسهو فيها ممتنع على الأنبياء، ونقل في ذلك الإجماع.
2- الحِكَمُ والأسرار التي تترب على هذا السهو، من بيان التشريع والتخفيف عن الأمة بالعفو عن النسيان منهم.
وبيان أن الأنبياء بشر، يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من السهو في أفعالهم لا أقوالهم البلاغية.
3- أن الخروج من الصلاة قبل إتمامها- مع ظن أنها تمت- لا يقطعها، بل يجوز البناء عليها، وإتمام الناقص منها.
4- أن الكلام في صلب الصلاة من الناسي لا يبطلها، خلافاً لمن أبطلها بذلك من العلماء. فقد تكلم فيها ذو اليدين والنبي صلى الله عليه وسلم وبعض المصلين.
5- صحة بناء ما ترك من الصلاة على أوَّلِهَا، ولو طال الفصل.
وكذلك لو نسي السجود، وفعل ما ينافي الصلاة من كلام وغيره، فقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد بعد السلام والكلام.
- أن الحركة التي من غير جنس الصلاة، لا تبطل الصلاة ولو كثرت، إذا وقعت من الجاهل والناسي.
7- وجوب سَجْدَتَي السهْوِ لمن سها في الصلاة، فزاد فيها، أو نقص منها ليجبر به الصلاة، ويرغم به الشيطان.
8- أن سجود السهو لا يتعدد، ولو تعددت أسبابه.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم ونقص الصلاة، ومع ذلك اكتفى بسجدتين.
9- أن سجود السهو يكون بعد السلام، إذا سلم المصلى عن نقص في الصلاة وماعداه يكون قبل السلام، وهو مذهب الحنابلة، وهو تفصيل يجمع الأدلة، خلافا لمن قال: السجود كله بعد السلام، وهو مذهب الحنفية، أوكله قبل السلام وهو مذهب الشافعية.
10- أن سهو الإمام لاحِقٌ للمأمومين لتمام المتابعة والاقتداء، ولأن ما طرأ على صلاة الإمام من النقص يلحق من خلفه من المصلين.
11- أما التشهد بعد سجدتي السهو فقد قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس في شيء من أقواله صلى الله عليه وسلم أمر بالتشهد بعد السجود، ولا في الأحاديث الصحيحة المتلقاة بالقبول أن يتشهد بعد السجود، فلو كان تشهد لذكر ذلك من ذكر أنه تشهد. وعمدة من أثبت التشهد حديث عمران، وهو غريب، ليس لمن رواه متابع، وهذا يوهي الحديث.
الحديث الثاني:
عَنْ عَبْدِ الله بْن بُحَيْنَةَ- وكانَ مِنْ أصْحَاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهمُ الظهْرَ، فَقَامَ فِي الركعَتَينِ الأوليين ولم يَجْلس فَقَامَ الناسُ مَعَهُ، حتى إِذَا قضَى الصَّلاةَ وانتظَرَ الناسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّر وهُوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْل أنْ يُسَلِّم ثمَّ سَلَّم.
المعنى الإجمالي:
صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر، فلما صلى الركعتين الأوليين، قام بعدهما، ولم يجلس للتشهد الأول، فتابعه المأمومون على ذلك.
حتى إذا صلى الركعتين الأخريين، وجلس للتشهد الأخير، وفرغ منه، وانتظر الناس تسليمه، كبَّر وهو في جلوسه، فسجد بهم سجدتين قبل أن يسلم مثل سجود صُلْبِ الصلاة، ثم سلم.
ما يؤخذ من الحديث:
1- وجوب سجود السَّهْو لمن سها في الصلاة وترك التشهد الأول.
2- أن التشهد الأول، ليس بركن، ولو كان ركناً، لما جبر النقص به سجودُ السَّهْوِ ويؤخذ وجوبه من أدلة أخرى.
3- أن تعدد السهو يكفي له في سجدتان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك-هنا- الجلوس والتشهد معاً.
4- أهمية متابعة الإمام، حيث أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على متابعته وتركهم الجلوس مع علمهم بذلك. فقد زاد النسائي وابن خزيمة والحاكم: فسبحوا به، فمضى حتى فرغ من صلاته.
5- أن سهو الإمام لاحق للمأمومين، لأنهم تركوا التشهد عمداً، والمتعمد ليس عليه سهو لترك الواجب، وإنما تبطل صلاته في غير مثل هذه الصورة.
6- أن السجود في مثل هذه الحال، يكون قبل السلام.
7- أن السلام يلي سَجْدَتي السهو، فلا يفصل بينهما بتشهد أو دعاء.

.باب المرُور بَيْن يَدَي المصَلّي:

الحديث الأول:
عَنْ أبي جُهَيْم بنِ الصِّمَّةِ الأنصَارِي رضيَ الله تَعَالَي عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِِ الْمُصلِّى مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ لَكَانَ أنْ يَقِفَ أربَعِينَ خَيْراً لَهُ من أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَي الْمُصلي».
قال أبو النضر: لا أدْرِي قَالَ أرْبَعِينَ يَوماً أوْ شَهْراً أوْ سَنَةً.
المعنى الإجمالي:
المصلي واقف بين يدي ربه يناجيه ويناديه.
فإذا مرَّ بين يديه في هذه الحال مارّ، قطع هذه المناجاة وشوّش عليه عبادته.
لذا عظم ذنب من تسبب في الإخلال بصلاة المصلى، بمروره.
فأخبر الشارع: أنه لو علم ما الذي ترتب على مروره، من الإثم والذنب، لفضل أن يقف مكانه الآماد الطويلة على أن يمر بين يدي المصلى، مما يوجب الحذر من ذلك، والابتعاد منه.
ما يؤخذ من الحديث:
1- تحريم المرور بين يدي المصلي، إذا لم يكن له سترة، أو المرور بينه وبينها إذا كان له سترة.
2- وجوب الابتعاد عن المرور بين يديه، لهذا الوعيد الشديد.
3- أن الأولى للمصلى أن لا يصلي في طرق الناس، وفي الأمكنة التي لابُدَّ لهم من المرور بها، لئلا يُعَرِّض صلاته للنقص، ويُعَرض المارَّة للإثم.
4- شك الراوي في الأربعين: هل يراد بها اليوم أو الشهر أو العام؟
ولكن ليس المراد بهذا العدد المذكور الحصر، وإنما المراد المبالغة في النَّهْى.
فقد كانت العرب تُجْرِى ذَلِك مُجْرَى المثل في كلامها، عند إرادة التكثير كقوله تعالى. {إنْ تَسْتَغْفِرْ لهم سبعين مَرَّة فَلَنْ يَغْفِرَ الله لهم}.
ولهذا ورد في صحيح ابن حبان، وسنن ابن ماجه، من حديث أبي هريرة: «لكان أن يقف مائة عام خيراً من الخطوة التي خطاها».
5- أما في مكة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لو صلى المصلى في المسجد والناس يطوفون أمامه لم يكره سواء من مر أمامه رجل أو امرأة.
الحديث الثاني:
عَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
«إِذا صَلَّى أحَدُكُمْ إلى شَيءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَاس فَأرَادَ أحَدٌ أنْ يَجْتازَ بَيْنَ يَدَيهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإنْ أبى فلْيُقَاتِلْهُ،- فَإنَّما هُوَ شَيْطَان».
المعنى الإجمالي:
إذا دخلَ المصلي في صلاته، وقد وضع أمامه سترة لتستره من الناس، حتى لا ينقصوا صلاته بمرورهم بين يديه، وأقبل يناجي ربه، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفع بالأسهل فالأسهل.
فإن لم يندفع بسهولة ويسر، فقد أسقط حرمته، وأصبح معتدياً.
والطريق لوقف عدوانه، المقاتلة بدفعه باليد، فإن عمله هذا من أعمال الشياطين، الذين يريدون إفساد عبادات الناس، والتلبيس عليهم في صلاتهم.
الأحكام التي في الحديث:
1- مشروعة السترة للمصلى لِيَقيَ صلاته من النقص أو القطع.
2- مشروعية قربها منها، ليتمكن من رَدّ من يمر بينه وبينها، ولئلا يضيق على المارَّة.
3- تحريم المرور بين المصلى وبين سترته، لأنه من عمل الشيطان.
4- منع من يريد المرور بين المصلى وبين سترته، ويكون بإشارة أو تسبيح أوَّلاً، فإن لم- يندفع، منع ولو بِدَفعه، لأنه معتدٍ. قال القاضي عياض: والاتفاق على أنه لا يجوز له المشي في مقامه إلى رده، لأن ذلك في صلاته أشد من مروره عليه.
5- أن المدفوع لو تسبب موته من الدفع، فليس على الدافع ذنب ولا قوَدّ.
لأن دفعه مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فيه، غير مضمون.
6- الحكمة في رَدَّة ألا يقع في الصلاة خلل، ولئلا يقع المار في الإثم.
7- ما تقدم من دفع المارة ومقاتلته، وعدم الضمان في ذلك لمن جعل أمامه سترة.
فأما من لم يجعل سترة، فليس له حرمة، لأنه المفرِّط في ذلك، كما هو مفهوم الحديث.
8- أن مدافعة كل صائل، تكون بالأسهل فالأسهل.
فلا يجوز مبادرته بالشدة، حتى تنفد وسائل اللِّين.
9- ذهب الجمهور إلي أنه لو مر ولم يدفعه فلا ينبغي له أن يرده، لأن فيه إعادة للمرور.
10- وذكر ابن دقيق العيد أن المصلى يختص بالإثم دون المار إذا لم يكن للمار مندوحة عن المرور، وقال: يشتركان في الإثم إذا كان للمار مندوحة وتعرض له المصلى.
11- إذا كان العمل في الصلاة لمصلحتها فإنه لا ينقصها ولا يبطلها: لأنه شيء جائز.
الحديث الثالث:
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاس ورَضيَ الله عَنْهُمَا قال: أقْبَلْتُ رَاكِبا عَلَى حِمَارٍ أتَانٍ، وَأنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلامَ، وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي بالْنَّاس بـ مِنىً إِلى غيْر جِدَارٍ، فَمَرَرتُ بيْنَ بَعْض الصَّف فَنَزَلْتُ وَأرْسَلْتُ الأتانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ في الصَّفَ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذلِكَ عَليَّ أحَدٌ.
غريب الحديث:
الأتَان: أنثى الحمير، وهو بفتح الهمزة وكسرها، والفتح أشهر، وبعدها تاء مثناة وهى نعت للحمار.
ناهزت الحلم: قاربت البلوغ، مراده في تلك المدة.
ترتعُ: بضم العين، يعنى ترعى.
قال في الصحاح: رتعت الماشية، أكلت ما شاءت.
المعنى الإجمالي:
أخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه لما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، أقبل راكباً على أتان، فمر على بعض الصف، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه، فنزل عن الأتان وتركها ترعي، ودخل هو في الصف.
وأخبر رضي الله عنه أنه في ذلك الوقت قد قارب البلوغ، يعنى في السن التي ينكر عليه فيها لو كان قد أتى منكراً يفسد على المصلين صلاتهم، ومع هذا فلم ينكر عليه أحد، لا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه.
ما يؤخذ من الحديث:
1- أن مرور الحمار بين يدي المصلى لا ينقص صلاته ولا يقطعها. ويأتي الخلاف في هذا، في الحديث الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
2- أن عبد الله بن عباس حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم، كان قد بلغ أو قارب البلوغ، لأن هذه القضية وقعت في حجة الوداع قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بنحو ثمانين يوماً.
3- أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، لأنه لا يقر أحدا كل باطل.
فعدم الإنكار على ابن عباس يدل على أمرين، صحة الصلاة، وعدم إتيانه بما ينكر عليه.
4- استدل بالحديث على أن سترة الإمام هي سترة للمأموم، وقد عنون له الإمام البخاري بقوله: باب سترة الإمام سترة من خلفه.
الحديث الرابع:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كُنْتُ أنامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم وَرِجْلاي في قِبْلَتِهِ، فإذا سَجَدَ غَمَزَني فَقَبَضْتُ رِجْليَّ وإذَا قَامَ بَسَطْتُهُما، وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ.
المعنى الإجمالي:
كانت عائشة رضي الله عنها إذا أورد عليها حديث قطع الصلاة بالحمار والكلب والمرأة، تنكر عليهم وتقول: كنت أنام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولضيق بيوتنا، تكون رِجْلاي في قبلته فما دام واقفاً يتهجد بسطتهما، فإذا سجد، غمزني فَقبضتهما ليسجد.
ولو كنت أراه إذا سجد لقبضتهما بلا غمز منه، ولكن ليس في بيوتنا مصابيح، فكيف تقرنوننا- معشر النساء- مع الحمير والكلاب، في قطع الصلاة، وهذه قصتي مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ما يؤخذ من الحديث:
1- جواز اعتراض النائم بين يدي المصلى إذا كان بحاجة كضيق المكان.
2- أن اعتراض المرأة أمام المصلى، لا يقطع الصلاة ولا ينقصها.
3- أن مس المرأة ولو بلا حائل لا ينقض الوضوء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يغمزها بظلام، فلا يعلم، أيمسها من وراء حائل، أم لا؟
ولا يعرض صلاته للإبطال لو كان مسها بلا حائل ينقض الوضوء، ولكن قيده العلماء بأن لا يكون لشهوة.
4- ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهله عليه من ضيق الحياة، رغبة فيما عند الله، وزهداً في هذه الحياة الفانية.
5- جواز مثل هذه الحركة في الصلاة، وأنهَا لا تخِلُّ بها.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء، في المرأة، والحمار، والكلب الأسود، أتقطع الصلاة أم لا؟.
فذهب الأئمة الثلاثة إلى عدم القطع، وتأوَّلوا حديث أبي ذر، الذي في صحيح مسلم: «يَقطَعُ صلاةَ الرَّجُلِ المسلم إذا لم يِكُنْ بَيْنَ يَدَيه مثلُ مؤخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود» تأولوا القطع هنا، بمعنى نقص الصلاة بما يشغل القلب بهذه الأشياء:
أما الإمام أحمد فعنده روايتان، والمشهور من مذهبه أنه لا يقطع، إلا الكلب الأسود البهيم.
وقال: في قلبي شيء من المرأة والحمار.
أما المرأة، فلحديث عائشة الذي تقدم.
وأما الحمار، فلحديث ابن عباس الذي قبله، فالحديثان عارضا حديث أبي ذر.
وأما الكلب، فلم يتوقف فيه، لأنه ليس له معارض.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد أن الثلاثة كلها تقطع الصلاة لحديث أبي ذر المذكور.
وإلى قطع الثلاثة: ذهب ابن حزم، واختاره الشيخ تقي الدين وقال: إنه مذهب الإمام أحمد.
فائدة:
إنما خص الكلب الأسود بذلك دون سائر الكلاب، لأنه شيطان، كما في الحديث.
قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، ما بال الكلب الأسود من الأحمر من الأصفر؟.
فقال: «الكلب الأسود شيطان».

.باب جَامع:

ذكر المؤلف في هذا الباب أنواعاً من أعمال الصلاة، فرأيت أن أجعل كل نوع تحت باب يبين مقصودها، ويشير إلى المعنى المراد منها.
ولذا فإني قدمت حديث أنس في السجود على الثوب من الحر، ليكون مع حديث أبي هريرة: «إذا اشتد الحر، فأبردوا بالصلاة...» إلخ، لتناسبهما مع أن المؤلف فصل بينهما بحديثين غير مناسبين لهما.

.باب تحيَّة المسْجِد:

عَنْ أبي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رَبعِيٍّ الأنصَاري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَل أحَدُكُم الْمَسْجدَ فَلاَ يَجْلِسْ حتَّى يُصلِّيَ رَكْعَتْينِ».
المعنى الإجمالي:
دخل سُلَيك الغطَفَانيُّ المسجد النبوي، يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس.
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم ويأتي بركعتين.
م أخبره صلى الله عليه وسلم أن للمساجد حرمة وتقديرا، فإن لها على داخلها تحية، وهي أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين.
ولذا فإنه لم يعذر، ولاهذا الذي جلس لسماع خطبة الجمعة من لسانه صلى الله عليه وسلم.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في جواز فعل الصلوات ذوات الأسباب كـ تحية المسجد أو صلاة الكسوف والجنازة وقضاء الفائتة في أوقات النَّهْى. فذهبت الحنفية والمالكية والحنابلة: إلى المنع من ذلك لأحاديث النَّهْى. كحديث: «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس».
وحديث: «ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلى فيهن».
وذهب الإمام الشافعي، وطائفة من العلماء إلى جواز ذلك بلا كراهية، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية مستدلين بهذا الحديث الذي معنا وأمثاله، كحديث: «مَنْ نَامَ عَنْ وتْرِهِ أوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلهِ إِذَا ذَكَرَه».
وحديث: «إِنَ الشمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله، فَإذَا رَأيتمُوهما فَصَلوا».
وكل من أدلة الطرفين عام من وجه، وخاص من وجه آخر، إلا أنَّ في إباحة الصلوات ذوات الأسباب في هذه الأوقات إعمالا للأدلة كلها، فيحمل كل منها على محمل، وإن في تلك الإباحة تكثيراً للعبادة التي لها سند قوي من الشرع.
وقد تقدم هذا الخلاف في حديث ابن عباس. ولكنا نزيده هنا وضوحا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فقد ذكر أنه كان متوقفا في الصلوات ذوات الأسباب لبعض الأدلة التي احتج بها المانعون، وبعد البحث وجد أنها إما ضعيفة أو غير دالة، كقوله: «إذا دخل أحد كم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين» فإنه عام لا خصوص فيه، وأحاديث النهى كلها مخصوصة، فوجب تقديم العام الذي لا خصوص فيه، لأنه حجة باتفاق السلف، وقد ثبت أن النبي صلى اله عليه وسلم أمر بصلاة تحية المسجد للداخل عند الخطبة، وأما حديث ابن عمر في الصحيحين: «لا تتحروا لصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها» وهذا إنما يكون في التطوع المطلق، وقد ثبت جواز بعض ذوات الأسباب بالنص كركعتي الطواف والصلاة المعادة مع إمام الحي، وبعضها بالنص والإجماع كالجنازة بعد العصر، وإذا نظر في مقتضى الجواز لم توجد له علة إلا كون الصلاة ذات سبب. وقد استقر الشرع على أن الصلاة تفعل حسب الإمكان عند خشية فوات الوقت، وإن أمكن فعلها بعد الوقت على وجه الكمال. وكذلك صلوات التطوع ذوات الأسباب.
ما يؤخذ من الحديث:
1- مشروعية تحية المسجد لداخله، وذهب إلى وجوبها الظاهرية، لظاهر هذا الحديث.
والجمهور ذهبوا إلى استحبابها.
2- أنها مشروعة لداخل المسجد في كل وقت، ولو كان وقت نَهْي لعموم الحديث. وقد تقدم الخلاف فيها وفي غيرها، من ذوات الأسباب.
3- استحباب الوضوء لداخل المسجد، لئلا تفوته هذه الصلاة المأمور بها.
4- قيد العلماء المسجد الحرام بأن تحيته الطواف. لكن من لم يُرِدِ الطواف أو يشق عليه، فلا ينبغي أن يدع الصلاة، بل يصلى ركعتين.

.باب النّهي عَن الكَلام في الصَّلاة:

عَنْ زَيد بْنِ أرقَمَ رَضيَ الله عَنْهُ قال: كُنَا نَتَكَلَّمُ في الصَّلاةِ يُكَلِّم الرَّجُلُ مِنَّا صَاحبَهُ وهُوَ إِلى جَنْبِهِ في الصلاةِ حَتى نَزَلَتْ {وقُومُوا لله قَانِتِينَ} فأُمِرْنَا بالسُّكوتِ ونُهيِنَا عَنِ الْكَلام.
غريب الحديث:
قانتين: للقنوت عدة معان، منها:- الطاعة، والخشوع، والدعاء وطول القيام والسكوت، وهو المراد هنا، فقد فهم منه الصحابة نهيهم عن الكَلام في الصلاة، وأمرهم بالسكوت. واللام في قوله عن الكلام للعهد إذ يقصد بها الكلام الذي كانوا يتحدثون به.
المعنى الإجمالي:
ذكر زيد بن أرقم رضي الله عنه أن المسلمين كانوا في بدء أمرهم يتكلمون في الصلاد بقدر حاجتهم إلى الكلام، فقد كان أحدهم يكلم صاحبه بجانبه في حاجته، وكان على مسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليهم.
ولما كان في الصلاة شغل بمناجاة الله عن الكلام مع المخلوقين، أمرهم الله تبارك وتعالى بالمحافظة على الصلاة وأمرهم بالسكوت ونهاهم عن الكلام، فأنزل الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصّلاةِ الوُسطى وَقُومُوا لله قَانِتِينَ}. فعرف الصحابة منها نهيهم عن الكلام في الصلاة فانتهوا، رضي الله عنهم.
اختلاف العلماء:
أجمع العلماء على بطلان صلاة من تكلم فيها عامداً لغير مصلحتها، عالما بالتحريم.
واختلفوا في الساهي، والجاهل والمكره، والنائم، والمحذر للضرير، والمتكلم لمصلحتها.
فذهب الحنابلة إلى بطلان الصلاة في كل هذا، عملا بهذا الحديث الذي معنا، وحديث كُنَّا نُسَلم عَلَيكَ في الصَّلاةِ فَتَرُدّ عَلَيْنَا، قَالَ: «إِن في الصَّلاةِ لَشُغْلا» متفق عليه- وغيرهما. من الأدلة.
وذهب الإمامان مالك والشافعي إلى صحة صلاة المتكلم جاهلاً، أو ناسياً أنه في الصلاة، أو ظانًّا أن صلاته تمت فسلم وتكلم، سواء كان الكلام في شأن الصلاة، أو لم يكن في شأنها، وسواء كان المتكلم إماماً أو مأموماً، فإن الصلاة صحيحة تامة، يبنى آخرها على أولها.
وما ذهب إليه الإمامان، مالك، والشافعي، من عدم قطع الصلاة بكلام الجاهل، والساهى، والمحذر، والمتكلم لمصلحتها بعد السلام قبل إتمامها، ذهب إليه- أيضاً- الإمام أحمد في روايات قوية صحيحة عنه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
وأدلة ذلك قوية واضحة.
منها: حديث ذي اليدين وكلام النبي صلى الله عليه وسلم وذي اليدين وأبى بكر وعمر، وسرعان الناس الذين خرجوا من المسجد، يرددون بينهم قصرت الصلاة.
وما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم: بَيْنَما أنَا أُصَلي مَعَ النَبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذ عَطسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْم، فَقُلْتُ: يَرحَمُك الله فَرَمَاني الْقَومُ بِأبصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلاهُ، مَا شَأنُكُمْ تَنْظُرُونَ؟ فَجَعَلُوا يَضْرُبون بِأيْدِيهِمْ عَلَى أفْخَاذِهِمْ فَمَا رَأيتهُم يُصْمِتُوني لكِنِّىِ سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم… قال: «إن هذِهِ الصلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلام الناسِ» فلم يأمره بالإعادة.
وحديث: «عُفِي لأمّتِي عنِ الخَطَأِ والنسْيَانِ ومَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» إلى غير ذلك من الأدلة، الصريحة الصحيحة.
وحديث الباب، ونحوه، محمول على العامد العالم بالتحريم. واختلف العلماء في النفخ والنحنحة، والتأوُّه،، والأنين، والانتحاب ونحو ذلك.
فذهب بعضهم- وهو المشهور من مذهب الحنابلة والشافعية- إلى أنه يبطل- الصلاة إذا انتظم منه حرفان.
فإن لم ينتظم منه حرفان، أو كان الانتحاب من خشية الله، أو التنحنح لحاجة، فمذهب الحنابلة أنه لا يبطل الصلاة واختار الشيخ تقي الدين عدم الإبطال بهذه الأشياء، ولو بان منه حرفان، لأنها ليست من جنس الكلام، فلا يمكن قياسها على الكلام.
وحكى عدم البطلان رواية عن الإمامين مالك وأحمد. مستدلين بحديث على رضي الله عنه كَانَ لي مِنْ رَسُولِ الله مَدخْلانِ باللَيل وَالنَّهَارِ. فَإذَا دَخَلْتُ عَلَيْةِ وَهُوَ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ رواه أحمد، وابن ماجه.
وقد نفخ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة.
وهذه الأشياء ليست كلاماً، ولا تنافي الصلاة. ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا المبحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام، فهناك الكلمات التي تدل على معنى فيها مثل يد وفم وغير ذلك. وهناك كلمات تدل على معنى في غيرها مثل عن ومن وفي وما هو بسبيلها.
وهذان النوعان من الكلام يدلان على معنى بالوضع وقد أجمع أهل العلم على إفساد هذا القسم للصلاة إن لم يكن له عذر شرعي. أما القسم الثاني في الكلام فهو ماله معنى بالطبع كالتأوه والبكاء والأنين والأظهر أنه لا يبطل الصلاة، لأنه ليس كلاما في اللغة التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما القسم الثالث وهو النحنحة فقد ورد من حديث علي قال: كنت إذا دخلت عليه وهو يصلى تنحنح لي ونقل عن الإمام أحمد روايتان فيه، إحداهما الإبطال، واختيار الشيخ تقي الدين عدم الإبطال بحال.
قال شيخ الإسلام في الاختيارات: والأظهر أن الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية تنافي الخشوع الواجب في الصلاة.
وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض المقصود من الصلاة. فأبطلت لذلك، لا لكونها كلاماً.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة.
ما يؤخذ من الحديث:
1- كان الكلام في الصلاة أول الإسلام مباحا بقدر الحاجة إليه.
2- تحريم الكلام في الصلاة بعد نزول قوله تعالى: {وَقُومُوا لله قَانِتِينَ}. من العامد، وهو الذي يعلم أنه في صلاة، وأن الكلام فيها محرم.
3- أن الكلام- مع حرمته- مفسد للصلاة، لأن النهي يقتضي الفساد.
4- أن القنوت المذكور في هذه الآية، مراد به السكوت، كما فهمه الصحابة، وعملوا بمقتضاه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
5- أن المعنى الذي حرم من أجله الكلام، هو طلب الإقبال على الله في هذه العبادة، والتلذذ بمناجاته فَليُحْرَصْ على هذا المعنى السامي.
6- صراحة النسخ في مثل هذا الحديث الذي جمع بين الناسخ والمنسوخ.