فصل: باب التمتّع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام



.باب التمتّع:

الأنساك ثلاثة: 1- تمتع. 2- وقران. 3- وإفراد.
أما التمتع فهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم يفرغ منها، ويحرم بالحج في عامه.
وأما القران: فهو أن يحرم بهما جميعاً، أو يدخل الحج على العمرة، فتتداخل أفعالهما.
وأما الإفراد فهو أن يحرم بالحج مُفْرِداً له عن العمرة.
واختلف العلماء في أفضلها، ويأتي- إن شاء الله- في الأحاديث القادمة.
الحديث الأول:
عَنْ أبي جَمْرة نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضَّبْعِيِّ، قال: سَألتُ ابْنَ عَبَّاس عَنِ الْمُتْعَةِ فَأمَرَنِي بِهَا.
وَسَألتُهُ عَنْ الْهَدْيِ، قال: فِيهِ جَزُورٌ أوْ بَقَرَةٌ، أوْ شَاةٌ، أوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ.
قَالَ: وَكَأنَّ أُنَاساً كَرِهُوهَا فَنِمْتُ، فَرَأيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إنْسَاناً يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ،
وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلةٌ.
فأتَيْتُ ابْنَ عَبَّاس، فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: الله أَكْبَرُ، سُنَّة أَبِي القَاسِمِ صلى الله عليه وسلم.
الغريب:
الجزور: هو الذكر أو الأنثى من الإبل.
الشاة: هي الذكر أو الأنثى من الضأن أو المعزى.
شِرْك: أي مشاركة في ذبيحة من البقر أو الإبل.
المعنى الإجمالي:
كان العرب في الجاهلية، يَعُدُّونَ العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ويقولون: إذا عفا الأثر، وبرئ الدبر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر، حتى جاء الإسلام فأبطل هذه العقيدة بقوله تعالى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.
وألغاها فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذ اعتمر في أشهر الحج بعمرة مفردة، وجمع بينها وبين حجته، لأنه أحرم قارناً.
ومع هذا فقد بقيت بقية من تلك العقيدة في نفوس بعض المسلمين، من أهل الصدر الأول.
ولهذا سأل أبو حمزة ابن عباس عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فأمره بها، ثم سأله عن الهدي المقرون معها في الآية، فاخبره أنه جزور، وهي أفضله، ثمَّ بقرة، ثم شاة، أو سُبع البدنة أو البقرة مع من اشتركوا فيها للهدي أو الأضحية.
فكأنَّ أحداً عارض أبا حمزة في تمتعه، فرأى هاتفاً يناديه في المنام حج مبرور، ومتعه متقبلة.
فأتى ابْنَ عباس ليبشره بهذه الرؤيا الجميلة.
ولما كانت الرؤيا الصالحة جزءاً من أجزاء النبوة، فرح ابن عاس بها، واستبشر أن وفقه الله تعالى للصواب، فقال: الله أكبر هي سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم.
ما يؤخذ من الحديث:
1- جواز التمتع والإتيان بالعمرة في أشهر الحج، كما انعقد عليه الإجماع فيما بعد.
2- أن المراد بالهدي المذكور في قوله تعالى: {فَمَا استَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ} البدنة أو البقرة، أو الشرك فيهما أو الشاة.
3- الاستئناس بالرؤيا فيما يقوم عليه الدليل الشرعي، تأييداً بها، لأنها عظيمة القدر في الشرع، وجزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. قال ابن دقيق العيد: هذا الاستئناس والترجيح لا ينافي الأصول.
4- الفرح بإصابة الحق، والاغتباط به، لأنه علامة التوفيق.
الحديث الثاني:
عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّها قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، مَا شَأْنُ النَّاس حَلُّوا مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحِلَّ أنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فقال: «إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وقَلَّدْتُ هَدْيي، فلا أُحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ».
المعنى الإجمالي:
أحرم النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة والحج، وساق الهدي وَلَبَّدَ رأسه بما يمسكه عن الانتشار، لأن إحرامه سيطول وأحرم بعض أصحابه كإحرامه، وبعضهم أحرم بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج، وأكثرهم لم يسق الهدي، وبعضهم ساقه.
فلما وصلوا إلى مكة، وطافوا، وسعوا، أمر من لم يسق الهدي من المفردين والقارنين، أن يفسخوا حجهم ويجعلوها عمرة، ويتحللوا.
أما هو صلى الله عليه وسلم، ومن ساق الهدي منهم، فبقوا على إحرامهم ولم يحلوا.
فسألته زوجه حفصة لم حل الناس ولم تحل؟ قال: لأني لَبَّدْتُ رأسي، وَقلَّدْتُ هَدْيي وسُقْتُهُ، وهذا مانع لي من التحلل حتى يبلغ الهدي محله، وهو يوم انقضاء الحج يوم النحر.
ما يؤخذ من الحديث:
1- كون النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً، كما تقدم تحقيقه.
2- مشروعية سَوْقِ الهدي من الأماكن البعيدة، وأنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
3- مشروعية تقليد الهدي، وذلك بأن يوضع في رقابها قلائد من الأشياء التي لم يجر عادة بتقليدها بها، والحكمة في ذلك إعلامها لتحترم فلا يتعرض لها.
4- مشروعية تلبيد الشعر المرسل في الإحرام، كما هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن يجعل في الشعر ما يمسكه من الانتفاش.
5- أن سوق الْهَدْي من الحل، يمنع المحرم من التحلل حتى ينحر هديه يوم النحر.
6- إذا لم يَسُق الْهَدْيَ، فَيُشرع له فسْخَ حجه إلى عمرة، ويحل منها، ثمَّ يحرم بالحج في وقته.
الحديث الثالث:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عَنْهُ، قال: أُنْزِلَتْ آيةُ الْمُتْعَةِ في كِتَابِ الله فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ بِحُرْمَتِهَا، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ، فَقالَ رَجُلٌ بِرأْيِهِ مَا شَاءَ.
قالَ البخاري: يُقَالُ: إنَّه عُمَرُ.
ولمسلم: نَزَلَتْ آيةُ الْمُتعَةِ- يعنِي متعةً الحج- وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الحَجِّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ. ولهما بمعناه.
المعنى الإجمالي:
ذكر عمران بن حصين رضي الله عنه المتعة بالعمرة إلى الحج.
فقال: إنها شرعت بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع أصحابه.
وهذه هي الأصول العظام في الدلالة على الأحكام الشرعية.
فأما الكتاب، فقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْي}.
وأما السنة، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم لها، وإقراره عليها.
وأما الإجماع، فقد فعلها بعضهم، مع علم من لم يفعلها وسكوته.
وبعد هذا لم ينزِل ما ينسخها، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، وهي باقية لم تنسخ بعد هذا، فكيف يقول رجل برأيه وينهى عنها؟.
يشير بذلك إلى نَهْي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنها في أشهر الحج، اجتهاداً منه ليكثر زوار البيت في جميع العام، لأنهم إذا جاءوا بها مع الحج، لم يعودوا إليه في غير موسم الحج.
وكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أولى بالاتباع من قول كل أحد، مهما كان.
ما يؤخذ من الحديث:
1- مشروعية التمتع وثبوته في الكتاب والسنة.
2- أنه قد توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وحكمها باقٍ لم ينسخ.
3- أنه لا يحل الأخذ برأي أحد يخالف ما ورد عن الله تعالى، أو عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
4- قوله: لم ينزل قرآن يحرمها دليل على ثبوت النسخ في الشريعة وأن القرآن ينسخ بالقرآن.
5- قوله: ولم ينه عنها دليل على جواز نسخ القرآن بالسنة.
ووجهته أنه لو لم يكن النسخ ممكناً، لما احتاج إلى الاحتراز في رفع حكم التمتع، الثابت بالقران، من نهي النبي صلى الله عليه وسلم.
6- قوله: قال رجل برأيه ما شاء فسره البخاري بعمر بن الخطاب. وروي أيضا عن عثمان ومعاوية رضي الله عنهم.
وقصدهم أن لا يقتصر الناس على زيارة البيت في أشهر الحج فقط، بل ليقصد في جميع العام.
ولكن كتاب الله تعالى وسنة رسوله مقدمان على كل اجتهاد. والله أعلم بأسرار شرعه.
والآن مع إجماع الناس على جواز التمتع وإتيانهم بالعمرة في أشهر الحج، لَم يَخْلُ البيت من الزوار في كل وقت.
نسأل الله تعالى أن يُعْلِيَ كلمته، وينشر دينه، ويقيم شعائره. آمين.
الحديث الرابع:
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِيْ الحُلَيْفَةَ، وَبَدَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أهَلَّ بِالْحَجِّ, فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَأَهَلُّ بالْعُمْرَةِ إلَى الْحجِّ, فَكَانَ مِنَ النَّاس مَنْ تَمَتَّعَ، فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ, فَلَمَّا قَدِمَ النَّبيُ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، قَالَ للنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكمْ قَدْ أهْدَى فإنَّهُ لا يُحِلُّ مِنْ شَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وبِالصَّفَا والْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيُحْلِلْ، ثُمَّ لْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيَاً، فَلْيَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وسَبَعْةَ إِذا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ».
فَطَافَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِيْنَ قَدِمَ إلى مَكَّة وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، أَوَّلَ شيءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلاثَة أشْوَاطٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَىَ أرْبَعة، وَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بالْبَيْت عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَأتَى الصَّفَا، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا والمرْوَةِ سَبْعَةَ أشْواطٍ ثُمَّ لَمْ يُحِلَّ مِن شَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى قَضَى حَجَّهُ.
وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كلِّ شَيء حَرُمَ عليه.
وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم،مَنْ أهْدَى فَسَاق الهَدْيَ مِنَ النَّاس.
المعنى الإجمالي:
لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة ميقات أهل المدينة ليحج حجته التي ودع فيها البيت ومناسك الحج، وودع فيها الناس، وبلَّغهم برسالته وأشهدهم على ذلك، أحرم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة والحج، فكان قارناً. والقِرَانُ تمتع.
فتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فبعضهم أحرم بالنسكين جميعاً.
وبعضهم أحرم بالعمرة، ناوياً الحج بعد فراغه منها.
وبعضهم أفرد الحج فقط. فقد خيًرهم بين الأنساك الثلاثة.
وساق صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه الْهَدْيَ معهم من ذي الحليفة، وبعضهم لم يسقه.
فلما دَنَوْا من مكة حضَّ من لم يَسُق الهدي من المفردين والقارنين إلى فسخ الحج وجَعْلهَا عمرة.
فلما طافوا وسعوا، أكد عليهم أن يقصروا من شعورهم، وليتحللوا من عمرتهم ثم يحرموا بالحج ويهدوا، لإتيانهم بنسكين بسفر واحد.
فمن لم يجد الهدي، فعليه صيام عشرة أيامٍ، ثلاثة في أيام الحج، يدخل وقتها بإحرامه بالعمرة، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة، استلم الركن، وطاف سبعة، خب ثلاثة، لكونه الطواف الذي بعد القدوم، ومشى أربعة، ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم، ثم أتى إلى الصفا، فطاف بينه وبين المروة سبعا، يسعى بين العلمين، ويمشي فيما عداهما، ثم لم يحل من إحرامه حتى قضى حجه، ونحر هَدْيَه يوم النحر.
فلما خلص من حجه ورمى جمرة العقبة، ونحر هديه وحلق رأسه يوم النحر، وهذا هو التحلل الأول، أفاض في ضحوته إلى البيت، فطاف به، ثم حلَّ من كل شيء حرم عليه حتى النساء، وفعل مثله من ساق الهدي من أصحابه.
ما يؤخذ من الحديث:
1- كون النبي صلى الله عليه وسلم أحرم متمتعاً، وهو القران، ويأتي تحقيق الخلاف إن شاء اللّه تعالى.
2- مشروعية سوق الهدي من الحل، فهو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
3- جواز الأنساك الثلاثة: 1- التمتع 2- والقران 3- والإفراد، إذ أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها كلها، ويأتي الخلاف في بيان أفضلها.
4- مشروعية فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يَسُقِ الهدي، وتحلله، وبقاء من ساقه على إحرامه حتى ينتهي من حجه يوم النحر، فيحل. وقال شيخ الإسلام: وهكذا يقولون في كل متمتع ضاق عليه الوقت، فلم يتمكن من الطواف قبل الوقوف بعرفة فإنهم يأمرونه بإدخال الحج على العمرة ويصير قارناً.
ويأتي تحقيق الفسخ: هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ إن شاء الله تعالى.
5- أن فسخ الحج لمن لم يسق الهدي، يكون ولو بعد طواف القدوم والسعي، وينقلبان للعمرة.
6- أن على من لم يجد الهدي، صيام عشرة أيام، ثلاثة في الحج، وسبعة بعد الرجوع إلى أهله.
فأما الثلاثة، فلا تصح قبل الإحرام بالعمرة بالإجماع، واتفقوا على مشروعيتها بعد الإحرام بالحج.
وهل يجزيء قبله أو لا؟ قولان.
ومذهبنا جوازه، لوجود سببه وهو الإحرام بالعمرة لأن موجب الفدية هنا هو الإتيان بالعمرة والحج في سفر واحد.
والصيام بعد الإحرام بالعمرة شبيه بإخراج كفارة اليمين بعد عقده وقبل الْحِنْث.
7- مشروعية طواف القدوم لغير المتمتع، الذي لم يسق الهدي، وهو سنة، لأنه تحية المسجد الحرام.
8- استلام الحجر الأسود في أول الطواف، وتقدم مشروعية ذلك، في كل طوافه، إن سهل.
9- الرمل في الثلاثة، من طواف القدوم، والمشي في الأربعة الباقية.
10- مشروعية ركعتي الطواف، عند مقام إبراهيم.
11- السعي بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم سبعاً، وهو أحد أركان الحج على الصحيح. ورجح الموفق ابن قدامة أنه واجب، وليس بركن.
12- المولاة بين الطواف والسعي مستحب، وقيل: شرط.
13- أن سائق الهدي يتحلل من حجه يوم النحر بعد الرمي، والنحر للتحلل الأول.
14- طواف الإفاضة هو الركن الأعظم للحج.
والسنة والأفضل، أن يكون يوم النحر، بعد الرَّمْي وَالنَّحرِ.
15- التحلل الكامل بعد طواف الإفاضة من كل شيء حرم عليه بإحرامه.
16- أن هذه الأفعال من النبي صلى الله عليه وسلم، تشريع لأمته.
فكل من أحرم كإحرامه، فعليه مثل ما عليه لحديث: «خذوا عني مناسككم».
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء: هل حج النبي صلى الله عليه وسلم مُفْرِداً، أو قارناً، أو معتمراً؟
فأما من يرى أنه حج مفرداً، فقد تمسك بأدلة.
منها- ما في الصحيحين عن عائشة: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهلَّ رسول الله بالحج. وتقسيمها صريح في أن إهلاله بالحج وحده ثم ساق ابن القيم أحاديث في الصحيحين وغيرهما كلها تدور على أنه حج مفرداً وأنه أهل بالْحج وأن حجه لم يكن عمرة.
وذهبت طائفة من العلماء: إلى أنه حج (متمتعاً) فحُجتُهم أنهم سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع والمتمتع عندهم من أهل بعمرة مفردة في أشهر الحج، ناوياً الإحرام بعد الفراغ منها بالحج.
وما روي عن معاوية أنه قصَّر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص في العشر.
وذهبت طائفة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً، وهذا هو الصحيح الذي يسهل رد الأدلة الصحيحة إليه.
وقد ساق له ابن القيم من الأدلة ما يزيد على عشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك، كثير منها في الصحيحين أو أحدهما.
منها:- ما رواه مسلم من حديث ابن عمر أنه قرن الحج إلى العمرة، وطاف لهما طوافاً واحداً، ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما أخرجاه في الصحيحين عن حفصة: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك؟ قال: «إني قلدت هَدْيِي ولبَّدتُ رأسي، فلا أحل حتى أحل من الحج». وهذا يدل على أنه كان في عمرة معها حج.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي، ولحللت معكم». وهذا صريح في أنه استمر في حجه ولم يتحلل إلا يوم النحر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «سقت الهدي وقرنت».
وقد قال الإمام أحمد: لاشك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من الذين يرون أنه حج قارناً،:ويوفق بين الروايات التي ظاهرها الاختلاف فيقول:
والصواب أن الأحاديث في هذا الباب متفقة، إلا باختلاف يسير، يقع مثله في غير ذلك.
فإن الصحابة ثبت عنهم أنه تمتع والتمتع عندهم، يتناول القران.
والذين روي عنهم أنه أفرد رُوِيَ عنهم أنه تمتع، ويريدون به إفراد أعمال الحج، بحيث لم يسافر للنسكين سفرين، ولم يطف لهما طوافين، وَلَم يَسْعَ لهما سعيين.
فيقال تمتع تَمَتُّعَ قران، وأفرد أعمال الحج، وقرن بين النسكين.
وقد فسر التمتع المذكور في الآية، بما يشمل الأمرين، القران، والتمتع المعروف لدى الفقهاء بشرطه.
واختلفوا: أي الأنساك الثلاثة أفضل.
فالمشهور في مذهب الإمام أحمد، أن التمتع أفضل الثلاثة.
وقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً والمتعة أحب إِليَّ، وهو آخر الأمرين من رسول الله قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي، ولحللت معكم».
فهو تأسف على فواته، وأكد على أصحابه أن يفسخوا حجهم إليه.
وممن اختار التمتع، ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وعائشة، والحسن، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وهو أحد قَوْلَي الشافعي.
وذهب الثوري، وأهل الرأي: إلى اختيار القران، لما في الصحيحين عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَّ بهما جميعاً: «لبيك عمرة وحجاً».
فهو نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان الله ليختار لنبيه، إلا أفضل الأنساك.
وهناك مسلك وسط، تجتمع فيه الأدلة، وهو أن التمتع أفضل لمن لم يسق الهدي، كالذين أكد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفسخوا حجهم إلى عمرة.
والقران أفضل في حق من ساق الهدي، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا القول، رواية عن الإمام أحمد.
قال ابن القيم رحمه الله: وهذه طريقة شيخنا. يعنى ابن تيمية رحمه الله. وقال: هي التي تليق بأصول أحمد.
أما مذهب مالك، وظاهر مذهب الشافعي، فالإفراد.
ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج متفق عليه.
وتقدم أن معنى الإفراد في هذا الحديث وأمثاله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن، فدخلت أفعال العمرة في الحج، فقيل: مفرد، والحق أنه قارن، كما صحت بذلك الأحاديث.

.باب الهَدْي:

الهدي: ما أُهدي إلى البيت الحرام من الإبل، والبقر، والغنم وغيرها.
ويراد بتقديمه إلى البيت، التوسعة والإحسان إلى جيرانه وزائريه، من الفقراء، والمساكين. وهو من أفضل القرب عند الله تعالى.
لأن الصدقة، والإنفاق من أفضل العبادات.
لاسيما إذا كان في البلد الحرام، وعلى المنقطعين لعبادة الله تعالى فيه، والمجاورين لبيته.
الحديث الأول:
عَنْ عَائِشَةَ رَضْيَ الله عَنْهَا قَالَت: فَتَلْتُ قَلائِدَ هَدْي رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِي،
ثُمَّ أشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا- أو قَلَّدْتُهَا- ثمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ، وَأقَامَ بِالْمَدِينَةِ.
فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيءٌ كَانَ لَهُ حَلالاً.
الغريب:
القلائد: جمع قلادة، وهي ما يحاط به العنق، وتكون من الخيوط، والحديد.
والمراد هنا، قلائد الهدي، وتوضع على خلاف العادة.
وكانوا يجعلونها من القِرب، والنعال، وخيوط الصوف، ليعلم أنها هَدْيٌ فتحترم.
أشعرتها: الإشعار، معناه، الإعلام، والعبادات شعائر الله لأنها علامات طاعته.
والشعيرة:- هنا- ما يهدى إلى البيت من بهيمة الأنعام، فتُعَلَّمُ، وذلك بإزالة شعر أحد جانِبَيْ سنام البدنة أو البقرة، وكشطه حتى يسيل منه الدم، ليعلم الناس أنها مُهْدَاة إلى البيت فلا يتعرضوا لها.
فتلت: لويت.
المعنى الإجمالي:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظم البيت العتيق ويقدسه.
فكان إذا لم يصل إليه بنفسه، بعث إليه الهدي، تعظيماً له، وتوسعة على جيرانه.
وكان إذا بعث الْهَدْيَ أشعرها وقلَّدها، ليعلم الناس أنها هدي إلى البيت الحرام، فيحترموها، ولا يتعرضوا لها بسوء.
فذكرت عائشة رضي الله عنها- تأكيداً للخبر-: أنها كانت تفتل قلائدها.
وكان إذا بعث بها- وهو مقيم في المدينة- لا يجتنب الأشياء التي يجتنبها المحرم من النساء، والطيب، ولبس المخيط ونحو ذلك، بل يبقى محلاً لنفسه كل شيء كان حلالاً له.
ما يؤخذ من الحديث:
1- استحباب بعث الهدي إلى البيت الحرام من البلاد البعيدة ولو لم يصحبها المُهْدِي، لأن الإهداء إلى البيت صدقة على مساكين الحرم، وتعظيم للبيت، وتقرب إلى الله تعالى بإراقة الدماء في طاعته.
2- استحباب إشعار الهدي وتقليده، بالقرب، والنعال، ولحاء الشجر، مما هو خلاف عادة الناس، ليعرفوه فيحترموه.
3- أن المُهْدِي لا يكون محرماً ببعث الهدي، لأن الإحرام هو نية النسك.
4- أن المُهْدِي لا يحرم عليه أيضا ما يحرم على المحرم من محظورات الإحرام. قال ابن المنذر: قال الجمهور: لا يصير بتقليد الهدي محرماً، ولا يجب عليه شيء. وقال بعض العلماء: وإلى ذلك ذهب فقهاء الأمصار.
5- جواز التوكيل في سوقها إلى الحرم، وذبحها وتفريقها.
6- أن الشرع يكون حيث المصلحة المحضة، أو المصلحة الراجحة. فإن إشعار الإبل والبقر المهداة، فيه تعذيب لها.
ولكن مصلحة إشعارها، لتعظيمها، وإظهار طاعة الله في إهدائها، راجح على هذه المفسدة اليسيرة.
7- أن الأفضل بعثها مقلدة، من أمكنتها، لا تقليدها عند الإحرام، لتكون محترمة على من تمر به في طريقها، وليحصل التنافس في أنواع هذه القرب المتعدِّي نفعها.
الحديث الثاني:
عَنْ عَائِشَةَ رَضْيَ الله عَنْهَا قَالَت: أهْدَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً غنَما ً.
المعنى الإجمالي:
أكثر ما كان يهديه النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت، الإبل، لكونها أعظم نفعاً، وأكثر أجراً.
وذكرت عائشة رضي الله عنها، أنه صلى الله عليه وسلم، أهدى مرةً غنماً.
والإهداء من بهيمة الأنعام ومن غيرها، جائز، ولكن الأنعام فيها إظهار شعائر الله تعالى، وإراقة الدماء في مرضاته، فهو عبادتان، صدقة، وسفك دم لوجهه الكريم، بعد أن كان يسفك للأصنام والطواغيت.
ما يؤخذ من الحديث:
1- جواز إهداء الغنم إلى البيت الشريف.
2- أن الأكثر من هديه صلى الله عليه وسلم أفضل الهدايا والأموال عند العرب، وهي الإبل.
الحديث الثالث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ الله عَنْهُ: أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَأىَ رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، قال: «ارْكَبْهَا» قال: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قال: «ارْكبْهَا» فَرَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وفي لفظ: قَالَ فِي الثَّانِيَةِ أوِ الثَّالِثَةِ: «ارْكبْهَا، وَيْلَكَ»، أو: «وَيْحَكَ».
الغريب:
بدنة: بفتح الباء والدال، تطلق على الإبل، والبقر، لعظم أبدانها وضخامتها.
والمراد هنا، الناقة المهداة إلى البيت، ليستقيم الجواب.
ويلك: من الويل، وهو الهلاك.
وهي كلمة تستعمل للتغليظ على المخاطب، بدون قصد معناها، وإنما تجرى على ألسنة العرب في الخطاب، لمن وقع في مصيبة فغضب عليه.
ويحك: كلمة يؤتى بها للرحمة، والرثاء لحال المخاطب الواقع في مصيبة.
ويل وويح، مصدران، يقدر فاعلهما دائماً.
المعنى الإجمالي:
ما أهدي إلى البيت لا ينتفع منه بشيء مع عدم الحاجة إليه، لأنه أخرج لوجه الله، فلا يرجع إليه.
فإن كان ثَمَّ حاجة إلى ركوبه، أو حلبه، فلا بأس، ما دام ذلك لا يضره.
ولهذا لما رأى صلى الله عليه وسلم رجلاً يسوق بدنة، هو في حاجة إلى ركوبها، رخص له في ذلك، وأمره به.
ولكون الهدي معظماً عندهم، لا يتعرض له، قال: إنها بدنة مهداة إلى البيت فقال: اركبها وإن كانت مهداة إلى البيت.
فعاوده الثانية والثالثة، فقال: اركبها، مغلظاً له الخطاب.
ما يؤخذ من الحديث:
1- تعظيم العرب لِلْهَدْيِ، واحترامه في قلوبهم. ثم جاء الإسلام فزاد من احترامه.
2- جواز ركوبه وحَلْبِه مع الحاجة إلى ذلك، بما لا يضره.
وهذا أعدل المذاهب، وفيه تجتمع الأدلة.
3- إنما قيدناه (بالحاجة وعدم الضرر) لما روى مسلم عن جابر قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً».
4- أخذ من هذا الحديث البخاري رحمه اللّه تعالى، جواز انتفاع الواقف بوقفه.
الحديث الرابع:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضيَ الله عَنْهُ قَال: أمَرَنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا، وأَجِلَّتِهَا، وأَنْ لا أُعْطِيَ الجَزَّارَ مِنْهَا شَيْئاً، وَقَالَ: «نَحْنُ نُعطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا».
الغريب:
بُذنه: جمع بدنة وتقدم تعريفها وضبطها والبدن بالجمع، فيها لغتان، 1- ضم الباء والدال. 2- وضم الباء، وسكون الدال.
أجلتها: المفرد جُلٌّ بضم الجيم، وجمعه جِلال بكسرها وأجلة جمع الجمع.
والجل هو ما يطرح على ظهر البعير، من كساء ونحوه.
أن لا يعطي الجزار منها شيئا: أي من لحمها عوضاً عن جزارته والجزارة أطراف البعير، كالرأس واليدين والرجلين ثم نقلت إلى ما يأخذه الجزار من الأجرة لأنه كان يأخذ تلك الأطراف عن أجرته.
المعنى الإجمالي:
قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة في حجة الوداع ومعه هديه وقدم على بن أبى طالب رضي الله عنه من اليمن، ومعه هَدْيٌ.
فكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة، فنحر بيده الشريفة ثلاثاً وستين بدنة، وأمر علياً أن يقوم على نحر الباقي، وأن يتصدق بلحمها.
ولكونها قدمت لله تعالى، فلم يحب صلى الله عليه وسلم استرجاع شيءٍ منها.
ولذا أمره بالتصدق بلحمها، وجلودها وأجلتها.
وبما أنها صدقة للفقراء والمساكين، فليس لمهديها حق التصرف بها، أو بشيء منها على طريقة المعاوضة.
فقد نهاه أن يعطي جازرها منها، معاوضة له على عمله.
وإنما وعده أن يعطيه أجرته من غير لحمها، وجلودها، وأجلتها.
ما يؤخذ من الحديث:
1- مشروعية الهدي، وأنه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
2- الأفضل كونه كثيراً، عظيم النفع.
فقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة.
3- أن يتصدق بها، وبما يتبعها، من جلود وأجلة.
وله أن يأكل من هدي التطوع والتمتع والقران الثلث فأقل.
4- أن لا يعطي جازرها شيئاً منها، على وجه المعاوضة، بل يتصدق عليه ويهدي إليه منها. قال ابن دقيق العيد: والذي يخشى منه في هذا أن تقع المسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذه الجازر من اللحم، فيعود إلى المعاوضة في نفس الأمر. قال البغوي: أما إذا أعطي أجرته كاملة، ثم تصدق عليه- إذا كان فقيراً- فلا بأس.
5- جواز التوكيل في ذبحها والتصدق بها.
الحديث الخامس:
عَنْ زَيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ قَدْ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتهُ يَنْحَرُهَا فقال:
ابْعَثْهَا قِيَاماً مُقَيَّدَةً، سُنَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
المعنى الإجمالي:
السنة في البقر والغنم وغيرهما- ماعدا الإبل- ذبحها من الحلق مضجعة على جانبها الأيسر، ومستقبلة القبلة.
وأما الإبل، فالسنة نحرها في لبتها، قائمة معقولة يدها اليسرى، لأن في هذا راحة لها، بسرعة إزهاق روحها.
ولذا لمَّا مَرَّ عبد الله بن عمر، على رجل يريد نحر بدنة مناخة، قال: ابعثها قياماً، مقيدة، فهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي نهج أدب القرآن في نحرها بقوله {فَإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهُا} يعنِي، سقطت، والسقوط لا يكون إلا من قيام.
ما يؤخذ من الحديث:
1- سنة النبي صلى الله عليه وسلم نَحْرُ الإبل قائمة مقيدة لأنه من إحسان الذبحة، والرفق بالحيوان. وتشير إلى ذلك الآية الكريمة التي سبق ذكرها. وقد أخرج البخاري عن ابن عباس: «صوافَّ قياماً».
قال سفيان بن عيينة: الصواف- بالتشديد- جمع صافة أي مصطفة في قيامها.
2- كراهة ذبحها باركة، لأن فيه تطويلاً في إزهاق روحها.
3- عادة الناس الآن نحرها باركة معقولة، فإذا كانوا غير قادرين على نحرها قائمة، ويخشى من عدم التمكن من إحسان ذبحها وتطعينها بما يعذبها ولا يريحها، فالأحسن أن تكون باركة حسب القدرة والمستطاع.
4- رحمة الله تعالى ورأفته بخلقه، حتى في حال إزهاق أرواحه.
وبمثل هذه الأحكام الرحيمة، والحنان العظيم، يعلم أنه دين عطف وشفقة، لا دين وحشية وعسف فمن ينبئ الذين رَمَوْه بذلك، وهم يقتلون أبرياء بني آدم في عُقْرِ دارهم، لعلهم يفقهون؟.