فصل: باب الصّفُوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام



.باب الصّفُوف:

الحديث الأول:
عن أنَس بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإنَ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تمام الصلاة».
المعنى الإجمالي:
يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم.
فهو-هنا- يأمرهم بأن يسووا صفوفهم، بحيث يكون سمَتهم نحو القبلة واحداً، ويسد خلل الصفوف، حتى لا يكون للشياطين سبيل إلى العبث بصلاتهم.
وأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى بعض الفوائد التي ينالونها من تعديل الصف.
وذلك أن تعديلها علامة على تمام الصلاة وكمالها.
وأن اعوجاج الصف خلل ونقص فيها.
الأحكام المستنبطة من الحديث:
1- مشروعية تعديل الصفوف في الصلاة. باعتدال القائمين بها على سمت واحد، من غير تقديم ولا تأخير.
2- أن تسويته، سبب في تمام الصلاة فيكون ذلك مستحباً، كما هو مذهب الجمهور، وقيل بوجوبه لحديث: «لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم».
3- كراهة اعوجاجها، وأن ذلك نقص في الصلاة.
4- فضل صلاة الجماعة، وذلك لأن الأجر الحاصل من تعديل الصف متسبب عن صلاة الجماعة.
5- قيل: إن الحكمة في تسوية الصفوف هي موافقة الملائكة في صفوفهم فقد أخرج مسلم عن جابر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟» قلنا: يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف».
الحديث الثاني:
عَنِ النُعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضيَ الله عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: «لتسونَّ صُفُوفَكُم أوْ ليخَالِفَنَّ الله بَيْنَ وُجُوهِكُم». متفق عليه.
ولمسلم: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسَوي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأنَّمَا يسَوِّى بِهَا القِدَاحَ. حَتَّى رَأىَ أن قَد عَقَلنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْماً فَقَامَ حَتَى. كَادَ أن يكَبّرَ، فَرَأىَ رَجُلا بَادِياً صَدْرُه، فقالَ: «عِبَادَ الله، لتسَوُّنَ صُفُوفَكُم، أوْ لَيُخَالِفَنَّ الله بَينَ وُجُوهِكُم».
غريب الحديث:
1- عقَلنا: بفتح القاف، أي فهمنا ما أمرنا به من التسوية ومن جعله بالعين ثم أتى بالفاء، وقرأ عفلنا فإنه صحف.
2- «لتسون»: بضم التاء المثناة الفوقية وفتح السين المهملة، وضم الواو المثقلة وتشديد النون، وهى نون التوكيد الثقيلة. وفي أوله لام القسم.
3- «أو»: للتقسيم، أي أن أحد الأمرين لازم، فلا يخلو الحال من أحدهما.
4- حتى كأنما يسوى بها القِداح: القداح سهام الخشب حين تنحت وتُبْرَى، ويبالغ في تسويتها وتعديلها، يعنى أنهم يكونون- في اعتدالهم واستوائهم- على نسق واحد.
المعنى الإجمالي:
في هذا وعيد شديد لمن لا يقيمون صفوفهم في الصلاة.
فقد أكد صلى الله عليه وسلم أنه إن لم تعدل الصفوف وتسوى، فليخالفن الله بين وجوه الذين اعوجت صفوفهم فلم يعدلوها.
وذلك بأنه حينما يتقدم بعضهم على بعض في الصف، فيفتن المتقدم ويصيبه الكبر والزهو، ثم يقابله المتأخر، على كبره بالعداوة والبغضاء، فتختلف القلوب، ويتبعها اختلاف الوجوه، من شدة العداوة، وبهذا تحصل القطيعة والتفرقة، ويفوت المقصد المطلوب من الجماعة، وهو المحبة والتواصل. وذلك، لأن الجزاء من جنس العمل.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه بالقول ويهذبهم بالفعل، فظل يقيمهم بيده.
حتى ظن صلى الله عليه وسلم أنهم قد عرفوا وفهموا، إذا بواحد قد بدا صدره في الصف من بين أصحابه، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم».
الأحكام المأخوذة:
1- ظاهر الحديث، وجوب تعديل الصفوف، وتحريم تعويجها، للوعيد الشديد.
ولكن يوجد في بعض الأحاديث الصحيحة ما يخفف من حدة هذا التأكيد فيصرفْ إلى استحباب تعديلها، والكراهة الشديدة لاعوجاجها، وذلك مأخوذ من الحديث السابق وهو إن تسوية الصفوف من تمام الصلاة.
2- شدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بإقامة الصفوف، فقد كان يتولى تعديلها بيده الكريمة وهذا يدل على أن تسوية الصفوف من وظيفة الإمام.
3- أن الجزاء من جنس العمل، فقد توعد بمخالفة وجوههم مقابل مخالفة صفوفهم.
4- غضب النبي صلى الله عليه وسلم على اختلاف الصف، فيقتضي الحذر من ذلك.
5- فيه جوازَ كلامَ الإمام فيما بين الإقامة والصلاة لما يعرض من الحاجة.
الحديث الثالث:
عن أنَس بنِ مَالِكٍ رضيَ الله عَنْهُ أن جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لِطَعَام صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأكَلَ مِنْهُ، ثم قَالَ: «قُومُوا فَلأصَل بِكُم» قال أنس: فقُمْتُ إِلَى حَصِير لَنَا قَد اسْوَدَّ مِنْ طُولَ مَا لَبِثَ فَنَضَحْتُهُ بِماء، فَقَامَ عَلَيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَصفَفْتُ أنَا وَالْيَتيمُ وَرَاءهُ، وَالعَجُوزُ مِنْ وَرَاَئِنَا فَصَلى لَنَا رَكْعَتينِ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
ولمسلمِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم صلى بِه وَبِأمهِ فأقامني عن يَمِيِنِه وَأقَامَ الْمَرْأةَ خَلفنَا.
اليتيم: هو ضُمَيْرة جَدُّ حسين بن عبد الله بن ضميرة.
غريب الحديث:
فنضحته بماء: النضح الرش، وقد يراد به الغسل.
المعنى الإجمالي:
دعت مليكة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته وقد جبله الله تعالى على أعلى المكارم وأسمى الأخلاق، ومنها التواضع الجم، فكان على جلالة قدره وعلوٌ مكانه- يجيب دعوة الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والغنيً والفقير، يريد بذلك الأهداف السامية، والمقاصد الجليلة من جبر قلوب البائسين، والتواضع للمساكين، وتعليم الجاهلين، إلى غير ذلك من مقاصده الحميدة.
فجاء إلى هذه الداعية، وأكل من طعامها.
ثم اغتنم هذه الفرصة ليعلم هؤلاء المستضعفين الذين ربما لا يزاحمون الكبار على مجالسه المباركة، فأمرهم بالقيام ليصلى بهم، حتى يتعلموا منه كيفية الصلاة. فعمد أنس إلى حصير قديم، قد اسود من طول المكث، فغسله بالماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بهم.
وصفَّ أنس، ويتيم معه، صفاً واحداً خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وصفَّتِ العجوز-صاحبة الدعوة- من وراء أنس واليتيم، تصلى معهم.
فصلى بهم ركعتين، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم بعد أن قام بحق الدعوة والتعليم. صلى الله عليه وسلم، وَمنَّ الله علينا باتباعه في أفعاله وأخلاقه.
اختلاف العلماء:
ذهب الجمهور إلى صحة مُصَافَة الصبيِّ في صلاتَي الفرض والنافلة، مستدلين بهذا الحديث الصحيح لأن أنس وصف صاحبه باليتيم.
والمشهور من مذهب الحنابلة، صحة مصافّته في النفل، عملا بهذا الحديث وعدم صحة مصافته في الفرض.
وقد تقدم أن الأحكام الواردة لإحدى الصلاتين تكون للأخرى، لأن أحكامهما واحدة.
ومن خص إحداهما بالحكم فعليه الدليل، ولا مخصص.
لذا، فالصحيح ما عليه الجمهور، وقد اختاره ابن عقيل من الحنابلة وصوبه ابن رجب في القواعد.
ما يؤخذ من الحديث:
1- صحة مصافة الذي لم يبلغ في الصلاة، لأن اليتيم يطلق على من مات أبوه ولم يبلغ.
2- أن الأفضل في موقف المأمومين، أن يكونوا خلف الإمام.
3- أن موقف المرأة، يكون خلف الرجال.
4- صحة موقف المرأة صفاً واحدا، ما دامت واحدة.
فإن كن أكثر من ذلك، وجب عليهن إقامة الصف.
5- جواز الاجتماع في النوافل، وإن لم يشرع لها اجتماع، إذ لم يتخذ ذلك عادة مستمرة.
6- جواز الصلاة، لقصد التعليم بها، أو غير ذلك من المقاصد الدينية النافعة المفيدة.
7- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، وكرم خلقه.
8- استحباب إجابة دعوة الداعي، لاسيما لمن يحصل بإجابته جبر خواطرهم، وتطمين قلوبهم. ما لم تكن وليمة عرس، فعند ذلك تجب إجابة الدعوة.
وينبغي ملاحظة الأحوال في مثل هذه المناسبات، وتصحيح النية، فبذلك يحصل للمجيب خير كثير، خصوصاً إذا كان المجيب كبير المقام.
الحديث الرابع:
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عبَّاس رضيَ الله عَنْهُمَا قال: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَبيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلى مِنَ الليْل، فَقُمْتُ عن يَسَارهِ فَأخَذ برأسي فأقامني عَنْ يَمِينه.
المعنى الإجمالي:
كان الصحابي الجليل حبر الأمة، وترجمان القرآن، ذا جِدّ واجتهاد في تحصيل العلم وتحقيقه، حتى بلغ به التحقيق أن بات عند خالته زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ليطلِعَ-بنفسه- على تهجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما قام صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل، قام ابن عباس ليصلي بصلاته، وصار عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم مأموماً.
ولأن اليمين هو الأشرف وهو موقف المأموم من الإمام إذا كان واحداً أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه، فأقامه عن يمينه.
اختلاف العلماء:
المشهور من مذهب الإمام أحمد فساد صلاة المأموم، إذا كان واقفاً عن يسار الإمام مع خُلُو يمينه.
وذهب الجمهور من العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، إلى صحة صلاته، ولو مع خلو يمين الإمام، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد واختارها بعض أئمة أصحابه، مستدلين بهذا الحديث وهو استدلال واضح المأخذ، مع أنهم أجمعوا على أن الموقف الفاضل للمأموم الواحد، أن يكون عن يمين الإمام.
ما يؤخذ من الحديث:
1- الأفضل للمأموم أن يقف عن يمين الإمام إذا كان واحداً.
2- صحة وقوف المأموم عن يسار الإمام مع خُلُو يمينه، لكون النبي صلى الله عليه وسلم، لم يبطل صلاة ابن عباس.
3- أن المأموم الواحد إذا وقف عن يسار الإمام فاستدار إلى يمينه يأتي من الخلف، كما ورد في بعض ألفاظ الحديث في البخاري.
4- أن العمل في الصلاة إذا كان مشروعاً لصحتها، لا يضرها.
5- صحة مصَافَة الصبي وحده، مع البالغ.
6- مشروعية صلاة الليل واستحبابها.
7- اجتهاد ابن عباس رضي الله عنه، وحرصه على تحصيل العلم وتحقيقه.
8- أنه لا يشترط لصحة الإمامة، أن ينوي الإمام قبل الدخول في الصلاة أنه إمام.

.باب الإمَامَة:

هذا باب يذكر فيه آداب الإمام والمأموم، وما يجب على كُل منهما، ويستحب وفيه بيان علاقة بعضهما ببعض.
والإمامة نظام إلهيّ، يرشدنا الله سبحانه وتعالى فيه- عَملِيّاً- إلى مقاصد سنية، وأهداف سامية، من حسن الطاعة، والاقتداء بالقُوَاد في مواطن الجهاد ومن حسن النظام والتعبئة للأعمال العسكرية، والحركات الحربية، ومن تعود على المواساة والمساواة.
حيث يقف الصغير مع الكبير، والْغَنىُّ مع الفقير،والشريف مع الوضيع، إلى غير ذلك من أسرار تفوت الحصر.
هذا والمقصد الأسمى هو عبادة اللّه تعالى، والخضوع بين يديه.
الحديث الأول:
عَنْ أبي هُريرة رضيَ الله عنه أنَّ النَبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أما يَخْشَى الَّذِي يَرفعُ رأسه قَبْلَ الإمام، أنْ يُحَوِّلَ الله رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ. أوْ يَجْعَلَ اللّه صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ؟!».
غريب الحديث:
1- «أما»: قال الشوكاني: «أما» مخففة- حرف استفتاح وأصلها ما النافية، دخلت عليها همزة الاستفهام، وهى- هنا- استفهام توبيخ.
2- «يخشى»: يخاف. والمعنى: فليخَفْ، لأن الغرض من الاستفهام هنا الإشعار بالنهي عن رفع الرأس قبل الإمام.
المعنى الإجمالي:
إنما جعل الإمام في الصلاة ليقتدي به ويؤتم به، بحيث تقع تنقلات المأموم بعد تنقلاته، وبهذا تحقق المتابعة.
فإذا سابقه المأموم، فاتت المقاصد المطلوبة من الإمامة، لذا جاء هذا الوعيد الشديد على من يرفع رأسه قبل إمامه، بأن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار، بحيث يمسخ رأسه من أحسن صورة إلى أقبح صورة، جزاءً لهذا العضو الذي حصل منه الرفع والإخلال بالصلاة.
اختلاف العلماء في السبق:
اتفق العلماء على تحريم مسابقة المأموم للإمام لهذا الوعيد الشديد.
ولكن اختلفوا في بطلان صلاته، فالجمهور أنها لا تبطل.
قال الإمام أحمد في رسالته ليس في سبق الإمام صلاة. وأصحاب الإمام يقولون: من سبق إمامه بركن كركوع أو سجود، فعليه أن يرجع ليأتي به بعد الإمام، فإن لم يفعل عمداً حتى لحقه الإمام فيه، بطلت صلاته.
والصحيح ما ذكره في الرسالة من أن مجرد السبق عمدا يبطل الصلاة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لأن الوعيد يقتضي النهي، والنهي يقتضي الفساد.
الاستنباطات من الحديث:
1- تحريم رفع الرأس في السجود قبل الإمام والوعيد فيه دليل على منعه، إذ لا وعيد إلا على محرم وقد أوعد عليه بالمسخ وهو من أشد العقوبات.
2- يلحق بذلك مسابقة الإمام في كل تنقلات الصلاة وليس ذا من باب القياس وحده فزيادة على القياس الصحيح أخرج البزار من حديث أبي هريرة مرفوعا: «الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد الشيطان».
3- وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة.
4- أن الجزاء من جنس العمل، فحين كان الرفع في الرأس، جوزِيَ بالوعيد بالمسخ.
5- توعد المسابق بالمسخ إلى صورة الحمار، لما بينه وبين الحمار من المناسبة والشبه في البلادة والغباء، لأن المسابق إذا كان يعلم أنه لن ينصرف من الصلاة قبل إمامه، فليس هناك نتيجة في المسابقة، فدل على غبائه وضعف عقله.
6- تدل مسابقة الإمام على الرغبة في استعجال الخروج من الصلاة، وذلك مرض دواؤه أن يتذكر صاحبه أنه لن يسلم قبل الإمام.
7- الوعيد بتغيير صورة من يرفع رأسه قبل الإمام إلى صورة حمار أمر ممكن، وهو من المسخ، ولكنه لم ينقل وقوعه.ويحتمل أن يرجع المعنى من تحويل الصورة إلى تحويل النحيزة وذلك بأن يصبح بليداً كالحمار.
الحديث الثاني:
عَنْ أبي هريرة رضيَ الله عَنْهُ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَال: «إِنَّمَا جُعِل الإمام لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فإذا كَبَّرَ فَكَبروا. وإذَا رَكَعَ فَاركعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولوا: رَبَنا لَكَ الحَمْد، وإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإَذَا صَلَّى جَالِساً فَصَلُّوا جُلُوساً أجْمَعُونَ».
الحديث الثالث:
عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنهَا قالَتْ: صَلى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيْتِهِ وَهُوَ شَاك فصَلًى جَالِساً، وَصلَّى وَرَاءهُ قَوم قياماً فَأشَار إلَيْهِمْ: أنِ اجْلِسُوا، فلَمَا انصرف قَال: «إنَّمَا جُعِلَ الإمَام لِيؤتَمَّ بِهِ، فإذا رَكع فَاركعُوا، وَإِذَا رَفع فَارْفَعُوا، وَإِذَا قال: سمع الله لمن حَمِدَهُ، فقُولُوا: ربَنّاَ وَلَكَ الحمد، وإِذَا صَلى جَالِساً فصَلوا جُلُوساً أجْمَعُونَ».
الغريب:
1- الفاء الواقعة في (فكبروا) و(فاركعوا)... إلخ: للترتيب والتعقيب، ومعنى الترتيب، أن تقع بعده، والتعقيب بأن تليه مباشرة، فلا تُساوِه ولا تتأخر عنه.
2- «جعل»: من أفعال التحويل تأخذ مفعولين: أحدهما نائب الفاعل، والثاني محذوف تقديره. إماما.
3- «أجمعون»: تأكيد لضمير الجمع.
4- شاك: اسم فاعل من الشكاية وهي المرض.
المعنى الإجمالي:
في هذين الحديثين بيان صفة اقتداء المأموم بالإمام، ومتابعته له.
فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المأمومين إلى الحكمة من جعل الإمام وهي أن يقتدي به ويتابع، فلا يختلف عليه بعمل من أعمال الصلاة، وإنما تراعى تَنَقلاته بنظام فإذا كبر للإحرام، فكبروا أنتم كذلك، وإذا رَكع فاركعوا بعده، وإذا ذكركم أن الله مجيب لمن حمده بقوله: «سمع الله لمن حمده» فاحمدوه تعالى بقولكم:
«ربنا لك الحمد». وإذا سجد فتابعوه. واسجدوا. وإذا صلى جالساً لعجزه، عن القيام-فتحقيقاً للمتابعة- صلوا جلوساً، ولو كنتم على القيام قادرين. فقد ذكرت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى من المرض فصلى جالساً وكان الصحابة يظنون أن عليهم القيام لقدرتهم عليه، فصلوا وراءه قياما فأشار إليهم، أن اجلسوا.
فلما انصرف من الصلاة أرشدهم إلى أن الإمام لا يخالف، وإنما يوافق لتحقق المتابعة التامة والاقتداء الكامل، بحيث يصلى المأموم جالساً مع قدرته على القيام لجلوس إمامه العاجز.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء في صحة ائتمام المفترض بالمتنفل.
فذهب المالكية والحنفية، والمشهور من مذهب الحنابلة: إلى عدم الصحة، مستدلين بهذا الحديث الذي معنا: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه».
وكون المأموم مفترضاً والإمام متنفلا مخالفة بينهما في النية. وهو من أشد أنواع الاختلاف ولأن مدار العمل على النية.
وذهب الشافعي، والأوزاعي، والطبري إلى صحة ائتمام المفترض بالمتنفل، وهى رواية أخرى عن الإِمام أحمد، اختارها من أصحابه: ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم مستدلينِ بحديث معاذ المتفق عليه: كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيصلى بقومه تلك الصلاة.
ويستدلون أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه في صلاة الخوف ركعتين، ثم سلًم، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين، ثم سلم رواه أبو داود.
والنبي عليه الصلاة والسلام- في الصلاة- الثانية متنفل.
ومعنى: «فلا تختلفوا عليه» أي في أفعال الصلاة.
والقائلون بصحة الصلاة، يلزمون غير المصححين لها بأن يقولوا: أنتم أيضاً تصححون صلاة المفترض بالمتنفل مع اختلافهما في النية، كالتي تمنعونها، فيلزمكم التناقض في الاستدلال.
واختلفوا أيضاً في صلاة المأمومين جلوسا مع القدرة على القيام خلف الإمام العاجز عن القيام.
فذهبت الظاهرية، والأوزاعي، وإسحاق، إلى أن المأمومين يصلون خلف الإمام العاجز عن القيام جلوسا، ولو كانوا قادرين على القيام.
واستدلوا على ذلك بهذين الحديثين، وما ورد في معناهما.
وذهب الإمامان أبو حنيفة، والشافعي، وغيرهما، إلى أنه لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلفه القاعد إلا قائماً.
واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعداً، وصلى أبو بكر، والناس خلفه قياماً متفق عليه.
وأجاب هؤلاء عن حديثي الباب ونحوهما بأجوبة ضعيفة، وأحسنها جوابان: الأول: أن حديثي الباب وما شابههما مما يُثبت صحة صلاة القاعد العاجز بالقاعد القادر منسوخة بحديث صلاته في مرض موته بالناس قاعداً وهم قائمون خلفه، ولم يأمرهم بالقعود.
وهذا الجواب للإمام الشافعي وغيره.
وأنكر الإمام أحمد النسخ، والأصل عدم النسخ بين النصوص الشرعية وأنه مهما أمكن الجمع بينها، وجب المصير إليه، لأنه إعمال لها جميعاً. الجواب الثاني من أجوبة المخالفين لحديثي الباب: دعوى التخصيص بالنبي صلى الله عليه وسلم، بأن يؤم جالساً، ولا يصح لأحد بعده.
هذا جواب الإمام مالك وجماعة من أتباعه.
والمخصص-عندهم- حديث للشعبي عن جابر مرفوعاً: «لا يَؤُمَّنَّ أحَدٌ بَعْدِى جالسا».
وأجيب عن هذا الحديث بأنه لا يصح بوجه من الوجوه.
وقال ابن دقيق العيد، قد عُرف أن الأصل عدم التخصيص حتى يدل عليه دليل.
وقد عارض هذا الحديث الضعيف المستدل به على التخصيص حديث أصح منه، وهو ما أخرجه أبو داود أن أسَيْدَ بْنَ حُضَيْر كان يؤم قومه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقيل: يا رسول الله، إن إمامنا مريض. فقال: «إذا صلى قاعداً، فصلوا قعوداً».
وذهب الإمام أحمد إلى التوسط بين هذين القولين.
وهو إن ابتدأ بهم الإمام الراتب الصلاة قائماً، ثم اعتل في أثنائها فجلس أتموا خلفه قياماً وجوباً، عملا بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر والناس، حين مرِض مرَض الموت.
وإن ابتدأ بهم الصلاة جالساً صلوا خلفه جلوسا، استحبابا. عملا بحديثي الباب ونحوهما وهو جمع حسن، تتلاقى فيه الأحاديث الصحيحة المتعارضة. ولاشك أن الجمع بين النصوص-إذا أمكن- أولى من النسخ والتحريف.
وقد قوي هذا الجمع الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
ما يؤخذ من الحديثين:
1- وجوب متابعة المأموم للإمام في الصلاة وتحريم المسابقة.
2- تحريم مخالفته وبطلان الصلاة بها.
3- أن الأفضل في المتابعة، أن تقع أعمال المأموم بعد أعمال الإمام مباشرة. قال الفقهاء: وتكره المساواة والموافقة في هذه الأعمال.
4- أن الإمام إذا صلى جالسا-لعجزه عن القيام- صلى خلفه المأمون جلوساً ولو كانوا قادرين على القيام، تحقيقا للمتابعة والاقتداء.
5- أن المأموم يقول: «ربنا لك الحمد» حينما يقول الإمام: «سمع الله لمن حمده». وقال ابن عبد البر: لا أعلم خلافاً في أن المنفرد يقول: «-سمع الله لمن حمده». «ربنا ولك الحمد» وقال ابن حجر: وأما الإِمام فيستمع ويحمد، جمع بينهما فقد ثبت في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما.
6- أن من الحكمة في جعل الإمام في الصلاة، الاقتداء والمتابعة.
7- جواز الإشارة في الصلاة للحاجة.
8- في الحديث دليل على تأكيد متابعة الإمام، وأنها مقدمة على غيرها من أعمال الصلاة، فقد أسقط القيام عن المأمومين القادرين عليه، مع أنه أحد أركان الصلاة، كل ذلك لأجل كمال الاقتداء.
9- ومنه يؤخذ تَحَتمُ طاعة القادة وولاة الأمر ومراعاة النظام، وعدم المخالفة والانشقاق على الرؤساء.
فما هذه الشرائع الإلهية إلا لتعويدنا على السمع والطاعة، وحسن الاتباع والائتلاف، بجانب التعبد بها لله سبحانه وتعالى.
وما أعظم الإسلام وأسمى تشريعاته، وأجل أهدافه!!
وفق الله المسلمين إلى التبصر بدينهم واتّباعه، فيجتمع شملهم، وتتوحد صفوفهم، وتعلو كلمتهم فما الخير إلا في الاجتماع والتفاهم، وما الشر إلا بالتفرق والاختلاف، والمراء الباطل. {وَأطِيعُوا الله ورسوله، وَلاَ تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِن اللَه مَع الصابِرِينَ}.
الحديث الرابع:
عَنْ عَبْدِ الله بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الأنْصارِيّ رضي الله عَنْهُ قَالَ: حَدَثَني الْبَراءُ بْنُ عَازِبٍ، وَهُوَ غيْرُ كَذُوبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: «سمِعَ الله لمَنْ حَمِدَهُ»، لَمْ يَحْنِ أحَدٌ مِنّا ظَهْرَهُ حَتَى يَقَعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَاجِداً، ثُمَّ نَقَعُ سُجُوداً بَعْدَهُ.
غريب الحديث:
ثم نقع: بالرفع على الاستئناف، وليس معطوفاَ على: «يقع» الأولى المنصوب بـ: «حتى» إذْ ليس المعنى عليه.
المعنى الإجمالي:
يذكر هذا الراوي الصدوق أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤم أصحابه في الصلاة فكانت أفعال المأمومين تأتي بعد أن يتم فعله، بحيث كان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع وقال: «سمع الله لمن حمده» ثم رفع أصحابه بعده هبط ساجدا، وحينئذ يقعون ساجدين.
ما يؤخذ من الحديث:
1- صفة متابعة الصحابة للرسول في الصلاة، وأنهم لا ينتقلون من القيام إلى السجود حتى يسجد.
2- أنه ينبغي أن تكون المتابعة هكذا، فلا تتقدم الإمام، فإنه محرم يبطل الصلاة، ولا توافقه، فإنه مكروه ينقص الصلاة، ولا تتأخر عنه كثيراً، بل تليه مباشرة.
3- في الحديث دليل على طول الطمأنينة بعد الركوع، هذا بالنسبة إلى المأموم، أما الإمام فلطمأنينته أدلة أخرى.
(تنبيه) الموافقة في أفعال الصلاة وأقوالها للإمام مكروهة، إلا تكبيرة الإحرام، فإنها لا تنعقد معها الصلاة.
الحديث الخامس:
عَنْ أبي هُريرةَ رضيَ الله عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا أمّنَ الإمَامُ فَأمّنُوا، فَإنًهُ من وافَقَ تَأمِينُهُ تَأمين اْلملائِكَةِ، غفِرَ له مَا تَقدمَ مِنْ ذَنِبه».
المعنى الإجمالي:
دعاء فاتحة الكتاب هو أحسن الدعاء وأنفعه، لذا شرع للمصلى- إماما كان أو مأموماً أو منفرداً- أن يُؤَمن بعده، لأن التأمين طابع الدعاء.
فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نؤمن إذا أمن الإمام، لأن ذلك هو وقت تأمين الملائكة، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه.
وهذه غنيمة جليلة وفرصة ثمينة، ألا وهى غفران الذنوب بأيسر الأسباب، فلا يُفَوِّتها إلا محروم.
اختلاف العلماء:
ذهب مالك في إحدى الروايتين عنه، إلى أن التأمين لا يشرع في حق الإمام، وتأوَّل الحديث على معنى: إذا بلغ الإمام موضع التأمين، ولم يقصد التامين نفسه.
وذهب الشافعي وأحمد، إلى استحباب التأمين لكل من الإِمام والمأموم والمنفرد، لظاهر الحديث الذي معنا، وغيره.
وذهبت الظاهرية، إلى الوجوب على كل مصل.
وهو ظاهر الحديث في حق المأمومين، لأن الأمر يقتضي الوجوب.
ما يؤخذ من الحديث من الأحكام:
1- مشروعية التأمين للإمام، والمأموم، والمنفرد.
2- أن الملائكة تؤمن على دعاء المصلين. والأظهر أن المراد منهم الذين يشهدون تلك الصلاة من الملائكة في الأرض والسماء، واستدل لذلك بما أخرجه البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال أحدكم آمين، قالت الملائكة في السماء: آمين، فوافق أحدهما الآخر، غفر الله له ما تقدم من ذنبه».
3- فضيلة التأمين، وأنه سبب في غفران الذنوب.
لكن عند محققي العلماء أن التكفير في هذا الحديث وأمثاله، خاصُّ بصغائر الذنوب، أما الكبائر، فلابد لها من التوبة.
4- أنه ينبغي للداعي والمؤمّن على الدعاء، أن يكون حاضر القلب.
5- استدل البخاري بهذا الحديث على مشروعية جهر الإمام بالتأمين، لأنه علق تأمين المؤتمين بتأمينه ولا يعلمونه إلا بسماعه. وهذا قول الجمهور.
6- من الأفضل للداعي أن يشابه الملائكة في كل الصفات التي تكون سبباً في الإجابة، كالتضرع والخشوع والطهارة، وحل الملبس والمشرب والمأكل، وحضور القلب، والإقبال على الله في كل حال.
الحديث السادس:
عن أبي هريرة رضيَ الله عَنْهُ أنَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا صَلى أحَدكُمْ لِلنَاس فَلْيُخَففْ، فَإنَّ فيهم الضعيف والسقِيمَ وَذا الحاجة، وَإِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَليُطَولْ مَا شَاءَ».
الحديث السابع:
عَنْ أبي مَسْعُودٍ الأنصاري رَضيَ الله عَنْهُ قَال: جَاءَ رَجُل إِلى رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقَالَ: إنِّي لأتَأخَرُ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أجْلِ فلانٍ مِمَّا يطِيلُ بِنَا.
قالَ: فَمَا رأى النَّبيَ صَلى الله عَلَيْهِ وَسَلمَ غَضبَ في مَوْعِظَةٍ قطُّ أشدَّ مِمَّا غضِبَ يَوَمَئِذٍ، فَقَالَ: «يَا أيها النَّاسُ، إِن مِنْكُمْ مُنَفرِينَ فَأيّكُمْ أمّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإن مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ وَالصَغِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ».
المعنى الإجمالي:
جاءت هذه الشريعة السمحة، باليسر والسهولة، وَنَفْى العَنَتِ والحرج.
ولهذا فإن الصلاة التي هي أجل الطاعات أمر النبي صلى الله عليه وسلم الإمام التخفيف فيها، لتتيسر وتسهل على المأمومين، فيخرجوا منها وهم لها راغبون. ولأن في المأمومين من لا يطيق التطويل، إما لعجزه. أو مرضه أو حاجته.
فإن كان المصلى منفردا فليطول ما شاء. لأنه لا يضر أحداً بذلك.
ومن كراهته صلى الله عليه وسلم للتطويل، الذي يضر الناس أو يعوقهم عن أعمالهم، أنه لما جاءه رجل وأخبره أنه يتأخر عن صلاة الصبح مع الجماعة، من أجل الإمام الذي يصلى بهم، فيطيل الصلاة، غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقال: إن منكم من ينفر الناس عن طاعة الله، ويكرّه إليهم الصلاة ويثقلها عليهم فَأيّكم أمَّ الناس فليوجز، فإن منهم العاجزين وذوى الحاجات.
اختلاف العلماء:
هناك أحاديث صحيحة تصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالطول، بحيث يكبر، فيذهب الذاهب إلى البقيع، ويقضى حاجته، ثم يرجع ويتوضأ يدرك الركعة الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبأنه يقرأ في الصلاة المكتوبة بطوال السور، كالبقرة، والنساء، والأعراف، ويقرأ بطوال المفصل ق والطور ونحوهما.
وهناك أحاديث صحيحة تحث على التخفيف، منها هذان الحديثان اللذان معنا وأنه يقرأ بـ (قل يا أيها الكافرون) و(الإخلاص) ونحو ذلك.
والناس- تبعاً لهذه الأدلة- مختلفون.
فمنهم من يرى التطويل، عملا بهذه الأحاديث، ومنهم من يرى التخفيف عملاً بما ورد فيها.
والحق، أنه ليس بين هذه الأحاديث تعارض ولله الحمد، وكلها متفقة. ولكن التخفيف والتَّطْوِيل أمران نسبيان، لا يُحَدَّان بِحدّ، لأن الناس في ذلك على بَوْنٍ بعيد.
فالناقرون يرون الصلاة المتوسطة طويلة وأهل العبادة والطاعة يرونها قصيرة.
فليرجع إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وإلى حال صلاته، ويطبق بعضها على بعض، يظهر الحق الفاصل. وقد ذكر الصنعاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاته لعلمه بحال المؤتمين به، وأن الأمر بتخفيف الصلاة خاص بالأمة.
ما يؤخذ من الحديثين:
1- وجوب تخفيف صلاة الجماعة مع الائتمام.
2- غضبه صلى الله عليه وسلم على المثقلين، وعدُّه هذا من الفتنة.
3- جواز تطويل صلاة المنفرد ما شاء، وقيد بأن لا يخرج الوقت وهو في الصلاة. وذلك كيلا تصطدم مصلحة المبالغة بالتطويل من أجل كمال الصلاة مع مفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها.
4- وجوب مراعاة العاجزين وأصحاب الحاجات في الصلاة.
5- أنه لا بأس بإطالة الصلاة، إذا كان عدد المأمومين ينحصر وآثروا التطويل.
6- أنه ينبغي للإنسان أن يسهل على الناس طريق الخير، ويحببه إليهم، ويرغبهم فيه، لأن هذا من التأليف، ومن الدعاية الحسنة الإسلام.