فصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد السادس والأربعون بعد التسعمائة

وهو من شواهد س‏:‏ الطويل

نبتم نبات إلخ يزراني في الثرى *** حديثاً متى ما يأتك إلخ ير ينفعا

لما تقدم قبله من جواز دخول نون التوكيد اختياراً في جواب الشرط، فإن ينفعا جواب الشرط، وقد أكد بالنون المنقلبة ألفاً‏.‏

وتقدم فيما قبله نقل كلام سيبويه، وأنه مخالف له‏.‏

وهذا البيت كذا رواه سيبويه، وتبعه من جاء بعده‏:‏ ولم يذكر خدمة كتابه تتمته، ولا شرحوه شرحاً وافياً بمعناه، وإنما قال الأعلم‏:‏ هجا قوماً فوصفهم بحدثان النعمة‏.‏ والخيزراني‏:‏ كل نبت ناعم، وأراد بالخير المال‏.‏

هذا كلامه بحروفه‏.‏

وقد رواه غير سيبويه بكسر العين من ينفع‏.‏ على أنه جواب مجزوم‏.‏ وكذا رواه الأصمعي بلفظ‏:‏ متى ما يدرك إلخ ير ينفع، وقال‏:‏ يقول‏:‏ نميتم نماءً حسناً كما ينبت إلخ يزران في نعمته ولينه، أي‏:‏ وإن كنتم نبتم بأخرة، فإن إلخ يزران متى يدرك ينفع‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا يقتضي أن إلخ ير بمعنى إلخ يزران‏.‏ وهذا غير معهود بهذا المعنى، وأما استعماله في المال فكثير، قال تعالى‏:‏ إن ترك خيراً، أي‏:‏ مالاً‏.‏ وقال تعالى‏:‏ لا يسأم الإنسان من دعاء إلخ ير، أي‏:‏ لا يفتر من طلب المال‏.‏ وإن كانت الرواية‏:‏ متى يدرك إلخ يز بالزاي المعجمة لغة في إلخ يزران، فما قاله صحيح، لكني لم أرها في كتب اللغة‏.‏

وممن رواه كالأصمعي الجاحظ نقله عنه ابن عبد ربه، قال في كتابه العقد الفريد في باب ما غلط فيه على الشعراء‏:‏ وأكثر ما أدرك على الشعراء له مجاز وتوجيه حسن، ولكن أصحاب اللغة لا ينصفونهم، وربما غلطوا عليهم، وتأولوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها‏.‏ فمن ذلك قول سيبويه، واستشهد ببيت في كتابه في إعراب الشيء على المعنى لا على اللفظ، وهو‏:‏ الوافر

معاويّ إننا بشر فأسجح *** فلسنا بالجبال ولا الحديدا

كذا رواه بالنصب، وزعم أن إعرابه بالعطف على خبر ليس، وإنما قاله الشاعر بالخفض، والشعر كله مخفوض‏.‏

ونظير هذا البيت ماذكره أيضاً في كتابه، واحتج به في باب النون إلخ فيفة‏:‏

نبتم نبات إلخ يزراني في الثرى *** حديثاً متى ما يأتك إلخ ير ينفعا

وهذا البيت للنجاشي، وقد ذكره عمرو بن بحر الجاحظ في فخر قحطان على عدنان في شعر كله مخفوض، وهو قوله‏:‏

يا راكبا إما عرضت فبلغن *** بني عامرٍ عني وأبناء صعصع

نبتم بنات إلخ يزرانة في الثرى *** حديثاً متى ما يأتك إلخ ير ينفع

انتهى كلام ابن عبد ربه‏.‏

وقد تقدم في الشاهد الرابع والعشرين بعد المائة أن البيت الأول من أبيات منصوبة القوافي‏.‏ وكذا يمكن أن يكون هذا البيت من أبيات منصوبة القوافي، وإن جاء من أبياتٍ مجرورة القوافي، كما جاء في ذلك البيت كذلك‏.‏

ولهما نظائر أوردناها في مواضع من هذا الكتاب، فإن البيت الواحد قد يجيء في شعرين لشاعرين في أحدهما مجرور، وفي إلخ ر مرفوع ومنصوب، كما تقدم في الشاهد إلخ امس بعد إلخ مسمائة من باب الظروف‏.‏

وسيبويه إمام ثقة راوية، لم يورد في كتابه شيئاً إلا ما يعرفه حق المعرفة، ولكنا لقصورنا، ولعدم المساعدة، قد لا نطلع على بعض ذلك‏.‏ والله أعلم بحقائق الأمور‏.‏

وقوله‏:‏ إما عرضت، أي‏:‏ إن أتيت العروض، وهي مكة زادها الله شرفاً‏.‏ وصعصع‏:‏ مرخم صعصعة للضرورة، وعامر هو ابنه، وإنما فصله عن ابنائه لشهرة من سواه من أولاده بالأبناء‏.‏

قال ابن الأعرابي‏:‏ الأبناء ولد صعصعة ما خلا عامراً، وله ستة عشر ولداً ذكراً‏.‏

وقوله نبتم نبات‏.‏‏.‏‏.‏الخ، نبت نبتاً من باب قتل، والإسم النبات‏.‏ والمعنى‏:‏ نبتم كما ينبت إلخ يزراني‏.‏ والخيزران بفتح إلخ اء وضم الزاي، قال الصاغاني في العباب‏:‏ هو شجرة وليس من نبات أرض العرب، وإنما ينبت ببلاد الهند‏.‏ وهو عروق ممتدة في الأرض‏.‏ وقد يقال لكل طريٍ من النبت ناعم خيزران‏.‏ انتهى‏.‏

ولكونه عروقاً قال في الثرى‏.‏ وحديثاً‏:‏ حال من إلخ يزراني‏.‏ ومعناه‏:‏ القريب، يقال‏:‏ هو حديث عهدٍ بكذا‏.‏ والحديث أيضاً‏:‏ ضد القديم‏.‏ والحديث أيضاً‏:‏ الحادث، يقال‏:‏ حدث الشيء بعد أن لم يكن، أي‏:‏ وجد‏.‏ والحديث أيضاً‏:‏ الطري‏.‏ وهذه المعاني كلها مناسبة‏.‏

يقول‏:‏ لستم بأرباب نعمةٍ قديمة، وإنما حدثت فيكم عن قرب، فقد نميتم كما ينمي إلخ يزران بنعومة وطراوة، فإن المال متى ما جاء نفع‏.‏ وعلى هذه طريقة إرسال المثل‏.‏

وقال العيني‏:‏ حديثاً منصوب بفعل محذوف، تقديره‏:‏ حدث حديثاً‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وتقدمت ترجمة النجاشي في الشاهد إلخ امس والسبعين بعد الثمانمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السابع والأربعون بعد التسعمائة

وهو من شواهد س‏:‏ الكامل

من نثقفن منهم فليس بآيبٍ *** أبداً وقتل بني قتيبة شافي

على أنه ربما دخلت النون في الشرط بلا تقدم ما الزائدة‏.‏

وتقدم قبله أن هذا التوكيد عند سيبويه ضرورة‏.‏ وكذا قال ابن عصفور في كتاب الضرائر‏:‏ إنه ضرورة‏.‏

قال الأعلم‏:‏ الشاهد في إدخال النون على فعل الشرط، وليس من مواضعها، إلا أن يوصل حرف الشرط بما المؤكدة‏.‏ يقول‏:‏ من ظفرنا به من آل قتيبة بن مسلم، فليس بآيب إلى أهله، لما في قتلهم من شفاء النفوس‏.‏ يصف قتله وانتقال دولته، وإظهار الشماتة به‏.‏ انتهى‏.‏

وليس قتيبة ما ذكره، ولو اطلع على الشعر ما قاله‏.‏

والبيت أحد أبياتٍ ثلاثة لبنت مرة بن عاهان الحارثي، ورواها أبو عبد الله محمد ابن عمران المرزباني في كتاب أشعار النساء قال‏:‏ كتب إلي أحمد بن عبد العزيز، قال‏:‏ أخبرنا عمر بن شبة، قال‏:‏ قالت بنت مرة بن عاهان أبي الحصين، لما قتلته باهلة‏:‏ الكامل

إنا وباهلة بن أعصر بينن *** داء الضرائر‏:‏ بغضةٌ وتقافي

من نثقفن منهم فليس بآيب *** أبداً وقتل بني قتيبة شافي

ذهبت قتيبة في اللقاء بفارسٍ *** لاطائشٍ رعشٍ ولا وقاف

وحدثني أحمد بن محمد الجوهري، قال‏:‏ حدثنا العنزي، قال‏:‏ حدثنا التوزي، قال‏:‏ حدثنا أبو عبيدة، قال‏:‏ كان المنتشر بن وهب الباهلي يغاور أهل اليمن، فقتل مرة بن عاهان الحارثي، فقالت نائحته‏:‏ البسيط

يا عين بكي لمرة بن عاهان *** لو كان قاتله من غير من كانا

لو كان قاتله قوماً ذوي حسبٍ *** لكن قاتله بهل بن بهلانا

قال أبو عبيدة‏:‏ ماهجوا بمثله، لأنها صغرت بهم، وإنما أرادت باهلة‏.‏ انتهى‏.‏

وكذا رواها الأسود أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب‏.‏

قوله‏:‏ إنا وباهلة بن أعصر أريد بباهلة القبيلة المنسوبة إليها، ثم إلى أعصر، لأن باهلة هي بنت صعب بن سعد العشيرة من مذحج، تزوجها مالك بن اعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر، فولدت باهلة من مالك سعد مناة‏.‏

ثم تزوجها ابن زوجها معن بن مالك بن أعصر، فولدت باهلة من معن أوداً، وجئاوة‏.‏

وكان لمعن بن مالك أولاد من غيرها، وهم‏:‏ شيبان، وزيد، ووائل، والحارث، وحرب، ووهيبة وعمرو، وأمهم أرنب بنت شمخ بن فزارة‏.‏ وقتيبة، وقعنب، وأمهما سودة بنت عمرو بن تميم‏.‏ فحضنت باهلة هؤلاء التسعة فغلبت عليهم‏.‏ فانتسبوا إليها‏.‏

فقتيبة في هذا الشعر هو ابن زوج باهلة، وهو قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر‏.‏ وما ذكره الأعلم باهلي أيضاً، وهو من ولد وائل، فإنه قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن ربيعة بن خالد بن أسيد إلخ بر بن كعب بن قضاعي بن هلال بن سلامة بن ثعلبة بن وائل‏.‏

فانظر ما بينهما‏.‏ ولكن حصل للأعلم اشتباه من تشارك الاسمين‏.‏

وكان قتيبة بن مسلم أمير خراسان لعبد الملك بن مروان، والمنتشر بن وهب كان من ولد وائل أيضاً، فإنه ابن وهب بن عجلان بن سيلمة بن كراثة بن هلال المذكور‏.‏

وكان المنتشر ممن كان يعدو أشد من عدو الظبي، هو وأوفى بن مطر المازني، وسليك بن السلكة، وتأبط شراً‏.‏ والشنفري‏.‏

وقوله‏:‏ كان يغاور أهل اليمن، أي‏:‏ يغير عليهم‏.‏ وبالآخرة قتله بنو الحارث بن كعب، كما تقدم في ترجمته في الشاهد السابع والعشرين من أول الكتاب‏.‏

والأصمعي العالم الراوية المشهور باهلي أيضاً‏.‏ وهو من ولد قتيبة بن معن، واسمه‏:‏ عبد الملك بن قريب، بالتصغير، ابن علي بن أصمع بن مظهر بن رياح بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة‏.‏

وكان الأصمعي، يقول‏:‏ لست من باهلة، لأن أم قتيبة بن معن تميمية، ولكن حضنته فغلبت عليه، وإنما تبرأ منها لأن باهلة قبيلة مذمومة في العرب‏.‏

وقوله‏:‏ بيننا داء الضرير جمع ضرة بالفتح‏.‏ وضرة المرأة‏:‏ امرأة زوجها‏.‏ وهذا الجمع نادر لا يكاد يوجد له نظير، فإن فعائل يكون جمع فعلية لا فعلة‏.‏ وداء الضرير هو التباغض والتضارب، وهو معروف، فيكون قولها‏:‏ بغضه وتقافي تفسيراً للداء‏.‏ وبغضه إما بدل من داء، وخبر لمبتدأ محذوف‏.‏

والبغضة بالكسر، والبغضاء بالمد‏:‏ شدة البغض‏.‏ والتقافي‏:‏ تفاعل من قفيته أقفيه قفياً، إذا ضربت قفاه‏.‏

وروي‏:‏ نقاف بكسر النون، وهو مصدر ناقفه‏.‏ قال الليث‏:‏ المناقفة‏:‏ هي المضاربة بالسيوف على الرؤوس‏.‏ وعلى هذا يكون بغضة بالجر بدلاً من الضرائر‏.‏

وقولها‏:‏ من نثقفن منهم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ ، بنون المتكلم مع الغير، يقال‏:‏ ثقفت الرجل في الحرب‏:‏ أدركته‏.‏ وثفقته‏:‏ ظفرت به‏.‏ وثقفته‏:‏ أخذته‏.‏ وثقفت الحديث‏:‏ فهمته بسرعة‏.‏ والكل من باب تعب‏.‏

وآئب‏:‏ راجع، من آب من سفره، يؤوب أوباً‏:‏ رجع‏.‏ والإياب‏:‏ اسم منه، أي‏:‏ من نظفر به من باهلة، نقتله، ولا ندعه يرجع إلى أهله سالماً‏.‏ فمن مبتدأ، وجملة الشرط والجزاء‏:‏ خبره، وجملة ليس بآئب‏:‏ هو الجزاء، واسم ليس ضمير من، والباء زائدة في خبرها‏.‏

وروي‏:‏ من تثقفن منا بالمثناة الفوقية للتأنيث، فيكون فاعله ضمير باهلة‏.‏

وروى أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب‏:‏ من يثقفوا منا فليس بوائل‏.‏ والوائل‏:‏ الملتجىء، من وأل يئل وألاً، إذا لجأ‏.‏ والمؤل‏:‏ الملجأ‏.‏ ولا تناسب هاتين الروايتان ما بعدهما ولا المقام‏.‏

وقولها‏:‏ ذهبت قتيبة في اللقاء، هو الحرب‏.‏ والطائش‏:‏ المتحير‏.‏ والرعش‏:‏ المرتعش من إلخ وف‏.‏ والوقاف‏:‏ الذي لا يبارز العدو جبناً‏.‏

ومرة بن عاهان بن الشيطان بن أبي ربيعة بن خيثمة بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب‏:‏ أحد قبائل اليمن‏.‏ وكان عاهان شريفاً عظيماً بينهم، ويقال له هاعان أيضاً‏.‏ وهو جاهلي قديم‏.‏

والعيني لم يأت في شرح هذا البيت بشيء‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الطويل

ومن عضةٍ ما ينبتن شكيرها

على أنه يجوز في إلخ تيار بقلة تأكيد الفعل المستقبل في غير الشرط، إذا كان في أوله ما الزائدة‏.‏

قال سيبويه‏:‏ ومن مواضعها أفعال غير الواجب، التي في قولك‏:‏ بجهدٍ ما تبلغن، وأشباهه‏.‏ وإنما كان ذلك لمكان ما‏.‏

وتصديق ذلك قولهم في مثل‏:‏

ومن عضةٍ ما ينبتن شكيرها

وغفي مثل آخر‏:‏ بألمٍ ما تختننه، وقالوا‏:‏ بعين ماأرينك‏؟‏‏.‏ فما ها هنا بمنزلتها في الجزاء‏.‏ انتهى‏.‏

وقد تقدم الكلام عليه في الشاهد الحادي والخمسين بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثامن والأربعون بعد التسعمائة

وهو من شواهد س‏:‏ المديد

ربما أوفيت في علمٍ *** ترفعن ثوبي شمالات

على أن توكيد ترفع بالنون إلخ فيفة ضرورة، وإنما حسن التوكيد زيادة ما في رب، ووقوع ترفع في حيز ربما‏.‏

قال سيبويه بعد إنشاد البيت للضرورة‏:‏ وزعم يونس أنهم يقولون‏:‏ ربما تقولن ذاك، وأكثر ما تقولن ذاك‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت من ابيات لملك الحيرة جذيمة الأبرش، قال الآمدي في المؤتلف والمختلف‏:‏ جذيمة الأبرش الملك كان شاعراً، وكان أبوه مالك بن فهم ملكاً على العرب بالعراق عشرين سنة، وكان يقال لجذيمة الأبرش‏:‏ الوضاح، لبرصٍ كان به‏.‏ وملك بعد أبيه ستين سنة‏.‏ وكان ينزل الأنبار، وهو القائل‏:‏ المديد

ربما أوفيت في علم *** ترفعن ثوبي شمالات

على أن توكيد ترفع بالنون إلخ فيفة ضرورة وإنما حسن التوكيد زيادة ما في رب ووقوع ترفع في حيز ربما قال سيبويه‏:‏ بعد إنشاء البيت للضرورة وزعم يونس أنهم يقولون ربما تقولن ذاك وأكثر ما تقولن ذاك انتهى‏.‏

والبيت من أبيات الملك الحيرة جذيمة الأبرش قال الآحدي في المؤلف والمختلف جذيمة الأبرش الملك كان شاعراً وكان أبوه مالك بن فهم ملكاً على العرب بالعراق عشرين سنة وكان يقال لجذيمة الأبرش الوضاح لبرص كان به وملل بعد أبيه ستين سنة وكان ينزل الأبغار وهو القائل المديد‏.‏

ربما أوفيت في علمٍ *** ترفعن ثوبي شمالات

في فتوٍ أنا كالئهم *** في بلايا عورةٍ باتوا

ثم أبنا غانمين مع *** وأناسٌ بعدنا ماتوا

ليت شعري ما أماتهم *** نحن أدلجنا وهم باتوا

في أبياتٍ‏.‏ ولجذيمة في كتاب الأزد أشعار‏.‏ انتهى‏.‏

يصف سرية أسرى بها، وانقطاعاً عرض له من جيشه في بعض مغازيه، فكان ربيئة لهم، ولم يكل ذلك إلى أحدٍ، أخذاً بالحزم والثقة‏.‏

قال الأعلم‏:‏ وصف أنه يحفظ أصحابه في رأس جبل إذا خافوا من عدو، فيكون طليعةً لهم‏.‏ والعرب تفخر بهذا، لأنه دال على شهامة النفس، وحدة النظر‏.‏ والعلم‏:‏ الجبل‏.‏

والشمالات‏:‏ جمع الشمال من الرياح، وخصها لأنها تهب بشدةٍ في أكثر أحوالها‏.‏ وجعلها ترفع ثوبه لإشراف المرقبة التي يربأ فيها لأصحابه، انتهى كلامه‏.‏

وليس في أبياته ما يدل على أن أصحابه في رأس جبل يخافون عدواً، وهذا ذم‏.‏ وإنما المعنى‏:‏ أنا أنظر لهم، وأصعد على موضعٍ عال أرقبهم‏.‏ وأنظر من يأتيهم‏.‏

وقوله‏:‏ لأنها تهب بشدة يكفي عنه قوله‏:‏ ترفع ثوبه، لإشراف المرقبة، إذ الريح ولو أنها الصبا، إذا هبت على ثوب من مكان عال رفعته‏.‏ كذا قال ابن المستوفي‏.‏ وفي الأول نظر‏.‏

وأوفيت على الشيء‏:‏ أشرفت عليه، ففي بمعنى على، ويجوز أن تكون بمعناها على تقدير أوفيت على مكان عال في جبل‏.‏

وقال ابن الأعرابي‏:‏ يقال‏:‏ أوفيت رأس الجبل‏.‏ قال ابن يسعون‏:‏ فعلى هذا في البيت حذف مفعول تقديره ربما أوفيت مرقبة وشرفاً في رأس علم‏.‏

والعلم بفتحتين‏:‏ الجبل‏.‏ والشمال، بالفتح ويجوز الكسر بقلة، وهي الريح التي تهب من ناحية القطب‏.‏ وفيها لغات‏:‏ شمل بسكون الميم وفتحها، وشمأل بالهمز كجعفر، وقد يشدد لامه، وشأمل مقلوب منه، وشيمل كصيقل، وشومل كجوهر، وشمول كصبور، وشميل كأمير‏.‏ وجمع الأول شمالات وبه أنشده الجوهري، ويجمع على شمائل أيضاً بخلاف القياس‏.‏

وفي قوله‏:‏ ترفعن إلخ ، إشارة إلى أن قميصه لا يلصق بجلده لخصمه‏.‏ وهذا مدح عندهم، لا سيما من كان مثله من أهل النعمة‏.‏

قال ابن الملا‏:‏ وجملة ترفعن إلخ ، حال من تاء أوفيت، وصفة لعلم، والعائذ محذوف، أي‏:‏ فيه‏.‏ واقتصر العيني على إلخ ير‏.‏

وفي الأول نظر، فإنهم قالوا‏:‏ يجب تجرد الجملة الحالية من علم الاستقبال، ولهذا غلط من أعرب جملة سيهدين حالاً من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إني ذاهبٌ إلى ربي سيهدين‏}‏‏.‏

قال شارح أبيات الإيضاح للفارسي‏:‏ ترفعن كلام منقطع مما قبله، كأنه استأنف الحديث‏.‏ وليس في موضع حال، لأن هذه النون لا تدخل على الحال‏.‏ انتهى‏.‏

واستشهد به الفارسي في الإيضاح على وقوع الماضي بعد رب إذا كفت بما قال‏:‏ وربٌ موضوعة للإخبار عما مضى، وهذا موضع التكثير به أولى من التقليل، لأنه المناسب للمدح‏.‏

وكذا قال ابن هشام في المغني‏:‏ إنه مسوق للافتخار، ولا يناسبه التقليل‏.‏

قال شارح أبيات الإيضاح‏:‏ يحتمل بقاء هنا رب على معناها من التقليل، لأن جذيمة ملك جليل لا يحتاج مثله إلى أن يبتذل في الطلائع، لكنه قد يطرأ على الملوك خلاف العادة، فيفخرون بما ظهر منهم عند ذلك من الصبر والجلادة‏.‏

وأورد على ابن هشام بأن الافتخاربالقليل قد يقع لا من حيث قلته، بل من كونه عزيز المنال لا يوصل إليه إلا بشق الأنفس، فالظفر به مع هذه الحالة يناسب الافتخار‏.‏

وأجيب بأنه لم يدع عدم مناسبة القليل، بل التقليل، وهو غير مناسب للافتخار، وإن كان القليل قد يناسبه بغير جهة قلته‏.‏

وورى صاحب الأغاني البيت كذا‏:‏ ترفع أثوابي شمالات، ورواه أيضاً‏:‏ ترفع الأثواب شمالات‏.‏

وقوله‏:‏ في فتوً أنا كالئهم، في متعلقة بأوفيت، وفتو‏:‏ جمع فتى، وهو السخي الكريم، والشاب أيضاً، جمع على فعول، وفي بمعنى مع، متعلقة بأوفيت‏.‏ وكالئهم‏:‏ اسم فاعل من كلاه الله يكلؤه، مهموز بفتحتين، أي‏:‏ حفظه وحرسه‏.‏

والبلايا‏:‏ جمع بلية‏.‏ والعورة بفتح العين المهملة‏:‏ موضع خللٍ يتخوف منه في ثغر وحرب، وباتوا‏:‏ ماضي يبيت مبيتاً ومباتاً‏.‏ وله معنيان‏:‏ أشهرهما‏:‏ اختصاص ذلك الفعل بالليل، كما اختص لفعل في ظل بالنهار‏.‏ فإذا قلت‏:‏ بات يفعل كذا، فمعناه‏:‏ فعله بالليل، ولا يكون إلا مع سهر الليل‏.‏

والثاني‏:‏ بمعنى صار، يقال‏:‏ بات بموضع كذا، أي‏:‏ صار، سواء كان بليل ونهار، وعليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فإنه لا يدري أين باتت يده ‏.‏ والمعنيان هنا محتملان‏.‏ وروى صاحب الأغاني هذا البيت كذا‏:‏

في شبابٍ أنا رائبهم *** هم لدى العورات صمات

ورابئ‏:‏ اسم فاعل من ربأت القوم بالهمزة ربئاً وارتبأتهم، أي‏:‏ رقبتهم، وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف‏.‏ والربيء والربيئة على وزن فعيل وفعلية‏:‏ الطليعة‏.‏ والمربأة على مفعلة، وكذلك المربأ‏:‏ المرقبة‏.‏ والعورة تقدم شرحها‏.‏ وصمات‏:‏ جمع صامت، وصمتهم للحراسة‏.‏

وروى الجوهري‏:‏

في فتوً أنا رابئهم *** من كلال غزوةٍ ماتوا

والكلال، بالفتح‏:‏ التعب‏.‏ وهو مضاف إلى غزوة‏.‏ والغزوة، بمعجمتين، وجملة ماتوا‏:‏ صفة ثانية لفتوً‏.‏ وأردا بالموت‏:‏ مقاساة الأهوال والشدائد‏.‏

وقوله‏:‏ ثم أبنا غانمين‏:‏ من آب يؤوب، إذا رجع‏.‏ ورواه صاحب الأغاني كذا‏:‏

ثم أبنا غانمين وكم *** من أناسٍ قبلنا ماتوا

وقوله‏:‏ نحن أدلجنا، يقال‏:‏ أدلج إدلاجاً، إذا سار الليل كله، وباتوا بالموحدة‏.‏ وروى صاحب الأغاني المصراع الأول كذا‏.‏

ليت شعري ما أطاف بهم

وروى غيره‏:‏

ليت شعري ما أصابهم

وجذيمة الأبرش، بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة، قال الجاحظ في البيان والتبيين‏:‏ عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، أن جذيمة الوضاح هو الأبرش التنوخي الأزدي، وهو آخر ملوك قضاعة بالحيرة، وهو أول من حذا النعال، واتخذ المنجنيق، وضعه على الحصون، وأول من أدلج من الملوك، وأول من رفع له الشمع‏.‏

وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأياً، وأبعدهم مغاراً، وأشدهم نكاية، وأظهرهم حزماً‏.‏ وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق، وضم إليه العرب، وغزا بالجيوش، وكان به برص، وكانت العرب تكنى عن أن تسميه به، وتنسبه إليه إعظماً له فقيل له‏:‏ جذيمة الوضاح، وجذيمة الأبرش‏.‏

وكانت منازلة فيما بين الحيرة والأنبار، وبقة، وهيت وناحيتها، وعين التمر، وأطراف البر، وتجبى إليه الأموال، وتفد عليه الوفود، وكان غزا طسماً وجديساً في منازلهما من جو وما حوله، وجو هي اليمامة، فوافق خيول حسان بن أسعد أبي كرب قد أغارت على طسم وجديس، فانكفأ جذيمة راجعاً‏.‏ انتهى‏.‏

وتقدم ذكر مقتله في الشاهد الرابع والثلاثين بعد إلخ مسمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد التاسع والأربعون بعد التسعمائة

وهو من شواهد س‏:‏ الرجز

يحسبه الجاهل ما لم يعلم *** شيخاً على كرسيه معمما

على أن نون التوكيد تدخل بعد لم تشبيهاً لها بلا النهي عند سيبويه‏.‏ وأنشد هذا الشعر‏.‏

وتقدم نقل كلامه قبل أربعة أبيات، وأنه عند ضرورة، وأصله ما لم يعلمن، فقلبت النون ألفاً للوقف‏.‏

قال ابن الأنباري في مسائل إلخ لاف‏:‏ يدل على أن النون إلخ فيفة ليست مخففة من الثقيلة أنها تتغير في الوقف، ويقف عليها بالألف، قال تعالى‏:‏ ‏{‏لنسفعاً بالناصية‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ليسجنن وليكوناً من الصاغرين‏}‏ أجمع القراء على أن الوقف فيهما بألف لا غير‏.‏

وقال الشاعر‏:‏

يحسبه الجاهل ما لم يعلما

ولا يجوز أن يكون ها هنا بالنون لمكان قوله‏:‏ معمما بالألف، لأن النون لا تكون وصلاً مع الألف في لغة من يجعلها وصلاً، ولا روياً مع الميم إلا في الإكفاء، وهو عيب في قوافي الشعر‏.‏

ولو جاز أن تقع روياً معها لما جاز ها هنا، لأن النون مقيدة والميم مطلقة، فإن أتي بتنوين الإطلاق على لغة بعض العرب فقال‏:‏ معممنٍ، جاز أن يقول‏:‏ يعلمن، لأنهم يجعلون في القافية مكان الألف والواو والياء تنويناً، ولا فرق عندهم في ذلك بين أن تكون هذه الأحرف أصلية ومنقلبة وزائدة، في اسم وفعل كقوله‏:‏ والعتابن، ولقد أصابن، ونحو ذلك‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا الشعر من قصيدة مرجزة، أوردها الأسود أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب، وهي‏:‏ الرجز

عبسيةٌ لم ترع قفاً أدرم *** ولم تعجم عرفطاً معجما

كأن صوت شخبها إذا همى *** بين أكف الحالبين كلما

شدا عليهن البنان المحكم *** سحيف أفعى في خشيً أعشما

وقد حلبن حيث كانت قيم *** مثنى الوطاب والوطاب الزمما

وقمعاً يكسى ثمالاً قشعم *** يحسبه الجاهل مالم يعلما

شيخاً على كرسيه مععم *** لو أنه أبان وتكلما

لكان إياه ولكن أعجم *** أتعبن ذا ضبعية ملوما

عند كرامٍ لم يكن مكرم *** عذبه الله بها وأغرما

وليداً حتى عسا واعرنزم *** قد سالم الحيات منه القدما

الأفعوان والشجاع الشجعم *** وذات قرنين ضروساً ضرزما

يبتن عند عقبيه جثم *** حتى غدون وغدا مسلما

يتبع منها الدلحات الروم *** يعرفن منه الرز والتكلما

قوله‏:‏ عبسة، أي‏:‏ هذه الإبل عبسية، ولنا إبل عبسية، منسوبة إلى عبس، أبو قبيلة‏.‏ ولم ترع، من الرعي‏.‏

والقف، بضم القاف والتشديد الفاء‏:‏ ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلاً‏.‏ وقفاً‏:‏ ظرف لقوله‏:‏ لم ترع‏.‏ والأورم، في القاموس، هو المستوي‏.‏ وقال العيني‏:‏ الذي لا نبات فيه‏.‏

وقوله‏:‏ لم تعجم بالتشديد، من عجمت العود أعجمه بالضم عجماً، إذا عضضته لتعرف صلابته من خوره، والمراد لم تمضغ‏.‏ والمعجم‏:‏ المعضض‏.‏ والعرفط كقنفذ‏:‏ شجر من أشجار البادية‏.‏

قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب ألنبات‏:‏ العرفط من العضاه، وهو مفترش على الأرض لا يذهب في السماء، وله ورقة عريضة، وشوكة حجناء، وهو ما يلتحى لحاؤه، ويصنع منه الأرشية، ويخرج في برمه غلفة كأنه الباقلّى، تأكله الإبل والغنم‏.‏ وهو خبيث الريح، وبذلك يخبث ريح راعيته وأنفاسها، حتى تتنحى عنها‏.‏ وهو من أخبث المراعي‏.‏ انتهى‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ العرفط‏:‏ شجرة قصبيرة متدانية الأغصان، ذات شوك كثير، تنبت في الجبال‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ كأن صوت شخبها وصف حلب الناقة، وشبه صوت درتها بصوت أفاعٍ في خشي‏.‏

والشخب، بفتح الشين، وسكون إلخ اء المعجمتين‏:‏ مصدر شخب اللبن يشخب بفتحهما، ويشخب بالضم، إذا خرج من الضرع، والأشخوب بالضم‏:‏ صوت الدرة‏.‏ وهمى يهمي، إذا سال‏.‏

وقوله‏:‏ شدا عليهن إلخ ، شدا، بالشين المعجمة والدال المهملة، بمعنى غنى، وفاعله الشخب، والبنان مفعوله بتقدير اللام، وضمير عليهن للأكف، يقال‏:‏ شدا شعر وغناءً، إذا غنى به، وترنم به‏.‏

وقوله‏:‏ سحيف أفعى هو خبر كأن‏.‏ والسحيف بمهملتين، كأمير‏:‏ الصوت، جعله للأفعى، وأصله صوت الشخب، قال الصغاني‏:‏ السحيف‏:‏ صوت الشخب‏.‏

وقال أبو مالك‏:‏‏:‏ ناقة أسحوف الأحاليل، إذا كانت كثيرة اللبن، كأنه يسمع لصوت شخبها سحفة، وهي سحيفها‏.‏

وأنشد الأصمعي‏:‏ الرجز

حسبت أن شخبها وسحفه *** أفعى وأفعى طافياً بنشفه

والنشفة‏:‏ الحجارة المحرقة من حجارة الحرة، ويقال أيضاً‏:‏ سمعت حفيف الرحى وسحيفها أي‏:‏ صوتها، إذا طحنت‏.‏ انتهى‏.‏

والأفعى‏:‏ الحية، والخشي‏:‏ بالخاء المعجمة والمهملة كأمير‏:‏ الشي اليابس‏.‏

وفي القاموس‏:‏ إلخ شي بالمعجمتين‏:‏ يابس النبت‏؟‏ وألأعشم، بإهمال العين، وإعجام الشين‏:‏ اليابس من الحماض، يقال العيشوم أيضاً‏.‏ وفي القاموس‏:‏ الأعشم‏:‏ الشجر اليابس، وكل شجرة يابسها أكثر من رطبها‏.‏

وروي بدله‏:‏

صوت الأفاعي في خشيٍ أخشما

والأخشم والأشخم‏:‏ الذي ابيض بعد خضرته‏.‏

ومثل قول إلخ ر‏:‏ الرجز

كأن صوت شخبها المرفض *** كشيش أفعىً أجمعت لعض

فهي تحك بعضها ببعض

شبه صوت شخبها بكشيش الأفعى إذا همت بأن تثب للعض‏.‏ والمرفض‏:‏ المتفرق لكثرته، وأجمعت‏:‏ عزمت‏.‏ وقوله‏:‏ قيما‏:‏ جمع قائمة، والقياس‏:‏ قوم‏.‏

وقوله‏:‏ مثنى الوطاب‏:‏ هو مفعول حلبن، على حذف مضاف، أي‏:‏ ملء مثنى الوطاب‏.‏ والمثنى هنا بمعنى المكررة، كما في قولهم‏:‏ مثنى الأيادي، أي‏:‏ يعيد معروفه مرتين وثلاثاً‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ مثنى الأيادي‏:‏ الأنصباء التي كانت تفضل من الجزور في الميسر، فكان الرجل الجواد يشتريها فيطعمها الفقراء‏.‏

وقال أبو عمرو‏:‏ هي أن يأخذ القسم مرة بعد مرة‏.‏ والوطاب‏:‏ جمع وطب، وهو سقاء اللبن خاصة‏.‏

قال ابن السكيت‏:‏ هو جلد الجذع فما فوقه، وجمعه في الكثير أوطاب، وفي القليل أوطب‏.‏ والزمم‏:‏ بضم الزاء وتشديد الميم‏:‏ جمع زامٍّ، من زم‏.‏ قال صاحب القاموس‏:‏ زم القربة‏:‏ ملأها‏.‏

وقوله‏:‏ وقمعا، وروي بدله‏:‏ وقصعاً يكسى إلخ ، بكسر القاف وفتح الميم‏:‏ آلة تجعل في فم السقاء ونحوه، ويصب فيها اللبن ونحوه، وقمعت الرطب، أي‏:‏ وضعت في رأسه القمع‏.‏

والثمال، بضم المثلثة، قال صاحب العباب‏:‏ هي الرغوة، والقطعة ثمالة‏.‏ قال أبو زيد في نوادره‏:‏ كل شيء يكون ضخماً فهو قشعم‏.‏

وأنشد‏:‏ الرجز

وقصعاً تكسى ثمالاً قشعما

والثمال‏:‏ الرغوة‏.‏ انتهى‏.‏ ولم أر القشعم بهذا المعنى إلا فيها‏.‏

وقوله‏:‏ يحسبه، أي‏:‏ يحسب الثمال‏.‏ وما‏:‏ مصدرية ظرفية‏.‏ ويعلم هنا بمعنى يعرف، ومفعوله محذوف، وهو ضمير الثمال، وشيخاً هو المفعول الثاني ليحسبه، وما بعده صفتان له‏.‏ شبه الرغوة التي تعلو القمع بشيخ معمم جالس على كرسي‏.‏ وهذا تشبيهٌ ظريف جيد‏.‏

ولم يصب الأعلم في قوله‏:‏ وصف جبلاً قد عمه إلخ صب، وحفه النبات وعلاه، فجعله كشيخ مزمل في ثيابه، معصب بعمامته، وخص الشيخ لوقارته في مجلسه، وحاجته إلى الاستكثار من الناس‏.‏ هذا كلامه، وكانه لم يقف على هذه الأبيات‏.‏

ووقله‏:‏ لو أنه أبان، أي‏:‏ لو أن ذلك الثمال الذي يشبه الشيخ، وأبان أي‏:‏ جاء بالبيان، وهو الإفصاح عما في الضمير‏.‏ وقوله‏:‏ لكان إياه، أي‏:‏ لكان الثمال ذلك الشيخ‏.‏

والأعجم‏:‏ من لا يقدر على الكلام أصلاً‏.‏ والأعجم أيضاً‏:‏ الذي لا يفصح، ولا يبين كلامه، وإن كان من العرب، والأعجم أيضاً‏:‏ الذي في لسانه عجمة، وإن أفصح بالعجمية، والمراد هنا الأول‏.‏

وقوله‏:‏ أتعبن ذا ضبعية، أي‏:‏ أتعبت هذه الإبل راعياً ذا ضبعيةٍ، أي‏:‏ ذا قوة ضبعية نسبة إلى الضبع بفتح الضاد المعجمة وسكون الموحدة، وهو العضد‏.‏ والملوم‏:‏ الذي يلام لوماً كثيراً، لسوء ما يأتي‏.‏

وقوله‏:‏ عند كرام، بالنون، وروي أيضاً‏:‏ عبد كرام، بالموحدة‏.‏

وقوله‏:‏ عذبه الله بها، أي‏:‏ بخدمة هذه الإبل، والجملة خبرية ودعائية‏.‏ وأغرم من أغرمه الله، أي‏:‏ جعلة الله ذا غرام، فهو مغرم‏.‏ والغرام‏:‏ الشر الدائم‏.‏

وقوله‏:‏ وليد إلخ ، هو مصغر وليد، كأمير، صغرة تحقيراً له، وعسا هنا من عسا الشيء يعسو عسواً، أي‏:‏ يبس وصلب‏.‏

قال إلخ فش‏:‏ عست يده تعسو‏:‏ غلظت من العمل‏.‏ واعرنزم، بالعين والراء المهملتين بعدها نون وزاي، أي‏:‏ اجتمع وأشتد‏.‏

وقوله‏:‏ قد سالم الحيات إلخ ، أنشده سيبويه إلى قوله‏:‏ ضموزاً ضرزماً برفع الحيات، ونصب الأفعوان وما بعده‏:‏ وقال‏:‏ فإنما نصب الأفعوان والشجاع، لأنه قد علم أن القدم ها هنا مسالمة، كما أنها مسالمة، فحمل الكلام على أنها مسالمة‏.‏ انتهى‏.‏

فيكون الأفعوان، وما بعده منصوباً بإضمار فعل، كأنه قال‏:‏ وسالمت القدم الأفعوان والشجاع، فالمسالمة واقعة منهما‏.‏

قال ابن السيد في أبيات المعاني، وفي شرح أبيات الجمل‏:‏ كان القياس رفع الأفعوان وما بعده على البدل من الحيات، لكنه جمله على فعل مضمر يدل عليه سالم، لأن المسالمة إنما تكون من اثنين فصاعداً، فلما اضطر إلى النصب حمل الكلام على المعنى‏.‏

وقال الفراء‏:‏ الحيات بالنصب مفعول بها، والفاعل القدمان، وهو مثنى فحذف نونه للضرورة‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن هشام في آخر المغني‏:‏ نصب الحيات هو على الفاعلية، فإنه قد ينصب الفاعل عند أمن اللبس‏.‏ وأقول‏:‏ الفراء إنما رواه كسيبويه، قال في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون‏}‏، ترفع الأغلال والسلاسل، ولو نصبت السلاسل تريد‏:‏ يسحبون سلاسلهم في جهنم‏.‏

وذكر الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال‏:‏ وهم في السلاسل يسحبون، فلايجوز خفض السلاسل والخافض مضمر، ولكن لو أن متوهماً‏.‏

قال‏:‏ إنما المعنى إذ أعناقهم في الأغلال وفي السلاسل يسحبون، جاز إلخ فض في السلاسل على هذا المذهب، ومثله مما رد إلى المعنى قول الشاعر‏:‏

قد سالم الحيات منه القدم *** الأفعوان‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ

فنصب الشجاع، والحيات قبل ذلك مرفوعة، لأن المعنى قد سالمت رجله الحيات وسالمتها، فلما أجتاج إلى نصب القافية جعل الفعل من القدم واقعاً على الحيات‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

وعزا ابن جني في إلخ صائص رواية نصب الحيات إلى الكوفيين، ونسبها بعضهم إلى البغداديين‏.‏ والله أعلم‏.‏

وقد رجحه اللخمي في شرح أبيات الجمل، قال‏:‏ ويدوى بنصب الحيات، فتكون القدم فاعله‏.‏ وأراد القدمان، فحذف النون ضرورة، ومما يدل على أن القدمين قد حذف نونه للضرورة قوله بعد هذا‏:‏

هممن في رجليه حتى هوم *** ثم اغتدين واغتدى مسلما

فقوله‏:‏ هممن في رجليه دليل على القدما تثنية‏.‏ وقوله‏:‏ ثم اغتدين إلخ ، دليل على أن بعضها، قد سالم بعضاً‏.‏

ووقله‏:‏ واغتدى إخبار عن صاحب القدمين لا عن القدم، لأنه إذا سلمت قدماه فهو مسلم، ومعنى هممن‏:‏ دببن‏.‏ هذا كلامه‏.‏

والأفعوان، بالضم‏:‏ الذكر من الأفاعي‏.‏ والشجاع‏:‏ الذكر من الحيات‏.‏ والشجعم‏:‏ الجريء، وقيل‏:‏ الطويل مع عظم جسم، والميم فيه زائدة‏.‏

وقوله‏:‏ وذات قرنين، هي الأفعى القرناء، وضرب من الأفاعي يكون له قرون من جلده، وليست كالقرون المعروفة‏.‏

قال اللخمي‏:‏ ذات قرنين‏:‏ حية لها قرنان، وهما لحمتان في رأسها من عن يمين وشمال، وقيل‏:‏ يعني العقرب‏.‏ والضروس‏:‏ فعول من الضرس، وهو العض الشديد بالأضراس‏.‏

ووري بدله‏:‏ الضموز بالمعجمتين، كصبور، وهي الحية المطرقة التي لا تصفر لخبثها فإذا عرض لها إنسان ساورته وثباً‏.‏ والضرزم، بكسر المعجمتين بينهما راء مهملة ساكنة‏:‏ الحية المسنة، وهوأخبث لها وأكثر لسمها‏.‏

وقيل‏:‏ هي الشديدة النهش‏.‏ وصفه بغلظ القدمين وصلابتهما لطول الحفى، فذكر لأنه يطأ على الحيات، والعقارب فيقتلها، فقد سالمت قدميه فما تقدم أن تدخل تحتها، كما سالمت القدمان الحيات، فاغتدين مسلمات، واغتدى الرجال سالم القدمين‏.‏

وقوله‏:‏ يبتن عند عطفيه، أي‏:‏ تبيت الحيات عند قدميه‏.‏

وروي بدله‏:‏

هممن في رجليه ثم هوم *** ثم اغتدين‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ

في الصحاح‏:‏ الهميم‏:‏ الدبيب، وقد هممت أهم بالكسر، هميماً‏.‏ وهوم الرجل، إذا هز رأسه من النعاس‏.‏

ووقله‏:‏ يتبع منه إلخ ، رجع إلى ذكر الإبل‏.‏ وضمير منها للإبل‏.‏ ودلح‏:‏ جمع دالحة بالحاء المهملة، من دلح الرجل، إذا مشى بحمله غير منبسط إلخ طو لثقله عليه‏.‏

والروم‏:‏ جمع رائمة، من رئمت الناقة ولدها رئماناً، إذا أحبته‏.‏ والرز، بكسر الراء المهملة وتشديد الزاي‏:‏ الصوت‏.‏ قال الجوهري‏:‏ تقول‏:‏ سمعت رز الرعد وغيره‏.‏

وقد تحرفت هذه الكلمة على العيني، فقال‏:‏ الزر بفتح الزاي المعجمة وتشديد الراء، وهو العض‏.‏ انتهى‏.‏ وهذا لا وجه له هنا‏.‏

وقد روى الحلواني في كتاب الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم الأبيات إلخ يرة، من قوله‏:‏

عبد كرام لم يكن مكرما

إلى آخرها باختلافٍ في بعض الألفاظ، ونسب الشعر إلى ابن جباية، بضم الجيم وبعدها موحدتان خفيفتان‏.‏ وهو شاعر جاهلي لص‏.‏ قال‏:‏ وهو من بني سعد، ثم بني عوف بن سعد بن جباية، وهي أمه، واسمه المغوار بن الأعنق، واسم الأعنق حيدة بن كعب، وكان لصاً‏.‏ انتهى‏.‏

ونسب ابن السيد واللخمي هذا الشعر إلى مساور العبسي، ونسبه بعضهم إلى العجاج‏.‏

قال ابن السيرافي في شرح أبيات الغريب المصنف‏:‏ للعجاج قصيدة يشبه أن تكون هذه الأبيات منها، والرواية تختلف، وأبيات العجاج في صفة فحل من فحول الإبل‏.‏ انتهى‏.‏

وقال العيني‏:‏ قال ابن هشام‏:‏ هو لأبي حيان الفقعسي‏.‏

وقال السيرافي‏:‏ قائله الدبيري‏.‏

وقال الصاغاني‏:‏ قائله عبد بني عبس‏.‏ انتهى‏.‏

ومساور العبسسي هو مساور بن هند بن قيس بن زهير بن جذيمة العبسي، شاعر شريف فارس، مخضرم إسلامي، ذكره ابن حجر في الإصابة، فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع به، وكان جده قيس مشهوراً في الجاهلية، وهو صاحب حرب داحس والغبراء‏.‏

وروى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال‏:‏ حدثني من رأى مساور بن هند، أنه ولد في حرب داحس قبل الإسلام بخمسين عاماً‏.‏

وذكره المرزباني في معجم الشعراء، وذكر له قصة مع عبد الملك، وكان أعور‏.‏ وهو من المتقدمين في الإسلام، وهو وأبوه وجده أشراف شعراء فرسان‏.‏ انتهى ما ذكره ابن حجر‏.‏

وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء‏:‏ مساور بن هند كنيته أبو الصمعاء، وجده قيس هو صاحب الحرب بين فزارة وعبس، وهي حرب داحس والغبراء‏.‏ وكان المساور يهاجي المرار الفقعسي، ويهجو بني أسد‏.‏

قال‏:‏ البسيط

ما سرني أن أمي من بني أسدٍ *** وأن ربي ينجيني من النار

وأنهم زوجوني من بناتهم *** وأن لي كل يومٍ ألف دينار

وقال المرار يجيبه‏:‏ البسيط

لست إلى الأم من عبسٍ ومن أسدٍ *** وإنما أنت دينار بن دينار

وإن تكن أنت من عبسٍ وأمهم *** فأم عبسكم من جارة الجار

وفيه يقول الشاعر‏:‏ الكامل

شقيت بنو أسدٍ بشعر مساورٍ *** إن الشقي بكل حبلٍ يخنق

وقال له الحجاج‏:‏ لم تقول الشعر بعد الكبر‏؟‏ قال‏:‏ أسقي به الماء، وأرعى به الكلأ، وتقضي لي به الحاجة، فإن كفيتني ذلك تركته‏.‏ انتهى‏.‏

وهو من المعمرين، ولم يذكره أبو حاتم السجستاني في المعمرين‏.‏

ومن هجوه لبني أسد قوله‏:‏ الوافر

زعمتم أن إخوتكم قريشٌ *** لهم إلفٌ وليس لكم إلاف

أولئك أومنوا جوعاً وخوف *** وقد جاعت بنو أسدٍ وخافوا

واستشهد بالبيت الأول لقراءة أبي جعفر‏:‏ لإلف قريش ، من ألف يألف إلفاً‏.‏ والبيت قد جمع القراءتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد إلخ مسون به التسعمائة

الرجز

أريت إن جئت به أملود *** مرجلاً ويلبس البرودا

أقائلن أحضري الشهودا

على أن نون التوكيد قد تلحق اسم الفاعل ضرورة، تشبيهاً له بالمضارع‏.‏

قال ابن جني في باب الاستحسان من كتاب إلخ صائص‏:‏ الاستحسان علته ضعيفة غير مستحكمة، إلا أن فيه ضرباً من الاتساع والتصرف، ومن ذلك‏:‏

أربت إن جئت به أملود إلخ

فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيهاً له بالفعل المضارع، فهذا إذن استحسان لا عن قوة علة، ولا عن استمرار عادة‏.‏

ألا تراك لا تقول‏:‏ أقائمن يا زيدون، ولا أمنطلقن يا رجال، إنا تقوله بحيث سمعته، وتعتذر له، وتنسبه إلى أنه استحسان منهم على ضعفٍ منه، واحتمال بالشبهة له، انتهى‏.‏

وقال أيضاً في سر الصناعة‏:‏ وشبه بعض العرب اسم الفاعل بالفعل، فألحقه النون توكيداً، فقال‏:‏

أريت إن جئت به أملودا

إلى آخر الشعر‏.‏

يريد‏:‏ أقائلون، فأجراه مجرى‏:‏ أتقولون‏.‏

وقال إلخ ر‏:‏ الرجز

يا ليت شعري عنكم حنيف *** أشاهرن بعدنا السيوفا

انتهى‏.‏

وهذا من رجز أورده السكري في أشعار هذيل لرجل منهم بلفظ‏:‏ أقائلون، قال‏:‏ وقال رجل من هذيل‏:‏

أرايت إن جاءت به أملود *** مرجلاً ويلبس البرودا

أي‏:‏ إن جاءت به ملكاً أملوداً أملس‏.‏

ولا ترى مالاً له معدودا

أي‏:‏ لا يعد ماله من جوده‏.‏

أقائلون أعجلي الشهود *** فظلت في شرً من اللذ كيدا

كاللذ تزبى صائداً فصيدا

ويروى‏:‏ فاصطيدا‏:‏ تزبى زبية‏:‏ حفر زبية‏.‏ واللذ، يريد الذي‏.‏

يقول‏:‏ أرايت إن ولدت هذه المرأة رجلاً هذه صفته أيقال لها‏:‏ أقيمي البينة إنك لم تأتي به من غيره‏؟‏ انتهى‏.‏

وكذا اورده ابن دريد في أماليه بدون‏:‏

ولا ترى مالاًله معدودا

قال‏:‏ أخبرنا أبو عثمان التوزي عن أبي عبيدة، قال‏:‏ أتى رجل من العرب أمةً فلما حبلت جحدها، فأنشأت تقول‏:‏

أرايت إن جاءت به إلى آخره

وعلى هذا لم تلحق النون اسم الفاعل، فلا ضرورة فيه‏.‏ وعلى رواية النون فقوله‏:‏ أقائلن جمع، وأصله‏:‏ أقائلون، كما ورد به الرواية، وصرح به ابن جني‏.‏

ويلزم منه أن تكون لامه مضمومة، فلما أكد وصار‏:‏ أقائلونن، حذفت نون الجمع لتوالي الأمثال، وحذفت الواو لاجتماعها ساكنة مع نون التأكيد، وبقيت الضمة دليلاً عليها‏.‏

ولا يجوز أن يكون أصله‏:‏ أقائل أنا، لأنه مقام إلخ طاب لا مقام التكلم‏.‏

وبما نقلنا يرد على الدماميني قوله في الحاشية الهندية، وفي شرح التسهيل‏:‏ ولقائل أن يقول‏:‏ لانسلم أن في قوله أقائلن توكيداً، لاحتمال أن يكون أصله أقائل إنا فحذفت الهمزة اعتباطاً، ثم أدغم التنوين في نون إنا على حد‏:‏ لكنا هو الله ربي كما قيل فيه‏.‏ انتهى‏.‏

وهو في هذا مسبوق بقول المراكشي‏:‏ يمنع أنه تأكيد بجعل الأصل‏:‏ أقائل إنا، ففعل كما في قوله تعالى‏:‏ لكنا هو الله ربي‏.‏ ورد عليه بأنه لو كان كذلك لكان البيت‏:‏ أقائلونا بألف بعد النون‏.‏

وقد رد الشيخ خالد في التصريح على الدماميني بما ذكرنا وبهذا، فقال‏:‏ وعليه اعتراض من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه يعتبر في المقيس أن يكون على وزان المقيس عليه، وهنا ليس كذلك، لأن الألف الثانية في المقيس عليه مذكورة، وفي المقيس محذوفة‏.‏

والثاني‏:‏ أن هذا الاحتمال، إنما يتمشى حيث كان المعنى‏:‏ أقائل إنا، على التكلم، أما إذا كان المعنى على إلخ طاب أي‏:‏ أأنت قائل، كما تعطيه السوابق واللواحق فلا‏.‏ انتهى‏.‏

واعترض على هذا الشنواني بأن في إعطاء ما ذكر نظراً لجواز أن المتكلم جرد من نفسه نفساً خاطبها‏.‏ انتهى‏.‏

ولا يخفى أن ادعاء التجريد لا مساغ له هنا، كما يعلم مما نقلنا عن ابن دريد‏.‏

واعترض على الأول أيضاً بوجهين‏:‏ الأول‏:‏ أنه يعتبر في المقيس أن يكون على وزان المقيس عليه في علة الحكم لا في غيرها‏.‏

الثاني‏:‏ سلمنا ما ذكره‏.‏ لكن نقول‏:‏ إن الألف الثانية في المقيس عليه محذوفة، في قراءة غير ابن عامر؛ لأن ابن عامر قرأ بإثبات الألف وصلاً ووقفاً، والباقون بحذفها وصلاً وبإثباتها وقفاً‏.‏ وكفى ذلك في كون المقيس على وزان المقيس عليه‏.‏

انتهى‏.‏

وفي كل منهما نظر، أما أولاً، فلأن الألف الثانية إذا حذفت لم يبقى دليل على أن النون بقية أنا حتى تقاس على غيرها في الأدغام‏.‏

وأما ثانياً، فلأن من قرأ بحذف الألف من لكنا وصلاً لا يحذفها خطاً، والخط يدل عليها‏.‏ واو وقف الدماميني على رواية الشعر، وعلى كلام سر الصناعة لم يقل ذاك، ولا قوله‏:‏ سمعت شيوخنا ينشدونه بضم اللام من أقائلن‏.‏ ولم أقف عليه مضبوطاً كذلك في كتاب معتمد‏.‏ انتهى‏.‏

فأن ضم اللام من لازم جمعه بالواو والنون‏.‏

ثم قوله‏:‏ فإن ثبتت رواية الضم فيه علم أن العربي لا يبنيه عند إلحاق هذه النون المتصلة به، لكن يسأل حينئذ‏:‏ لم أعرب مع قيام الشبه المقتضي للبناء‏؟‏ انتهى‏.‏

يريد بالشبه شبه اسم الفاعل المتصلة به النون بفعل الأمر، كما صرح به‏.‏

وهذا السؤال واهٍ جداً ناشئ عن غفلة، فإن مشابهة الاسم للفعل، إنما تقتضي منعه من الصرف، لا بناءه‏.‏

وتلك المشابهة، إنما تكون في علتين من العلل التسع، لا في مطلق المشابهة‏.‏

والشبه المقتضي للبناء، إنما يكون لمشابهته للحروف‏.‏ على أن النون غير متصلة باللام للفصل بالواو‏.‏ والفعل المؤكد بها مع فصل ضمير بارز لايبني على الصحيح، فكيف الاسم‏؟‏ وأغرب من هذا قول الشيخ خالد بعد اعترافه بأن اللام مضمومة‏:‏ يسلك بالوصف مع نون التوكيد مسلك الفعل، من البناء على الفتح مع المفرد، وعلى الضم مع جماعة الذكور‏.‏ ولم أقف على نص في ذلك‏.‏ انتهى‏.‏

مع أن الدماميني صرح في أنه عند ضم اللام، لايكون مبنياً جزماً، إلا أنه غفل من عدم اتصال النون باللام‏.‏ وغاية ما أجاب الشمني عن عدم البناء، بأن النون إنما تدخل الوصف لشبهه بالمضارع لفظاً ومعنىً، والأصل في الأسماء الإعراب، فيبقى على أصله، مع أنه لاضرورة في بنائه، بل في لحاق النون به‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وقد اعترض الشنواني على الشيخ خالد بأن بناء الفعل المؤكد بالنون على الضم مع واو الجماعة الذكور، لم أقف على نص في ذلك، فإن الذي وقفنا عليه بنائه مع نون التوكيد، وإن لم تباشره‏.‏

وأما أن بناءه على الضم مع الولو، وعلى الكسر مع الياء، فلم نره في شيء مما رقفنا عليه‏.‏ فإن كان هو أطلع على نقل في ذلك، فسمعاً وطاعةً، وإلا فهو محل توقف‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا نقد جيد، وعلم معنى الشعر مما نقلناه عن ابن دريد، وعن السكري‏.‏

وقول الدماميني في معناه،‏:‏ تقول أخبرني إن جاءت هذه المرأة بشاب يتزوجها رجل الشعر، حسن اللباس، كالغصن الناعم، أتأمر بإحضاري الشهود لعقد نكاحها عليه‏؟‏‏!‏ ينكر وقوع ذلك منه‏.‏ شرح من عنده بالتخمين، مخالف للمنقول‏.‏

وقد تبعه عليه الشيخ خالد، وابن الملا في شرح المغني حتى قال الزراقي فيما كتبه على التصريح‏:‏ قوله‏:‏ ينكر وقوع ذلك منه، أي‏:‏ ينكر وقوع إحضار الشهود، وذلك لأن الاستفهام في أقائلن إنكاري، ووجه إنكار ذلك أن من كان على الصفة المذكورة كان من أهل الحضر، وذلك لا يصاهرهم‏.‏ قاله بعض شيوخنا‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ أريت، أصله‏:‏ أرأيت، بمعنى‏:‏ أخبرني، حذفت الهمزة تخفيفاً‏.‏

قال الشارح في شرح الشافية‏:‏ تحذف الهمزة في رأيت مع ألف الاستفهام، فيقال‏:‏ أريت، وهو قراءة الكسائي في جميع ماأوله همزة الاستفهام من رأى المتصل به التاء والنون‏.‏ وإنما كثر ذلك في رأيت وأخواته لكثرة الاستعمال‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ إن جئت بالتكلم عن لسان المرأة، وهي رواية ابن جني في سر الصناعة، والخصائص، والمحتسب‏.‏ هذا إذا كان القائل غيرها، فإن كانت هي القائلة، فهو على مقتضى الظاهر‏.‏

ورواه السكري وابن دريد‏:‏ إن جاءت فهو على رواية السكري يكون على لسانها، وعلى رواية ابن دريد يكون كلامها، نزلت نفسها منزلة الغائبة فأخبرت عنها‏.‏

والأملود، بالضم، قال صاحب الصحاح‏:‏ غصن أملود، أي‏:‏ ناعم، ورجل أملود، وامرأة أملودة، عن يعقوب، وشاب أملد، وجارية ملداء بينا الملد، أي‏:‏ النعومة‏.‏

والمرجل، بفتح الجيم المشددة‏:‏ اسم مفعول من رجل شعره ترجيلاً، أي‏:‏ سرحه‏.‏ وفي النهاية لابن الأثير‏:‏ الترجل والترجيل‏:‏ تسريح الشعر، وتنظيفه، وتحسينه‏.‏

وفي المصباح‏:‏ ورجلت الشعر ترجيلاً‏:‏ سرحته، سواء كان شعرك وشعر غيرك‏.‏ وترجلت، إذا كان شعر نفسك‏.‏ قال الدماميني‏:‏ المرجل‏:‏ الذي شعره بين الجعودة والسبوطة‏.‏ انتهى‏.‏

ولا يخفى أن المستعمل بهذا المعنى إنما هو رجل الشعر رجلاً من باب تعب، فهو رجل بالكسر، والسكون تخفيف، أي‏:‏ ليس شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما‏.‏ كذا في العباب، والنهاية، والمصباح، وغيرها‏.‏

وقال العيني‏:‏ وضبطه بعضهم بالحاء المهملة، وهو برد يصور عليه الرحال‏.‏ ويقال المرجل بالجيم‏:‏ ثوب فيه صور الرجال، والمرحل بالحاء‏:‏ ثوب فيه صور تشبه الرحال‏.‏ انتهى‏.‏

وتبعه السيوطي وغيره‏.‏

وهذا الضبط بالاختلاف إنما أورده عند قول امرئ القيس في معلقته‏:‏ الطويل

أذيال مرطٍ مرجل

وأما ما هنا فليس في شيء مما نقله‏.‏ وسياقه يرهم أن هذ إلخ تلاف هنا‏.‏

والبرود‏:‏ جمع برد بالضم، قال صاحب النهاية‏:‏ البرد‏:‏ نوع من الثياب معروف، والجمع أبراد، وبورد‏.‏ والبردة‏:‏ الشملة المخططة، وقيل‏:‏ كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب، وجمعها برد‏.‏

وقوله‏:‏ ولا ترى مالاً له معدودا معناه عندي‏:‏ لا يمكن عد ماله لكثرته، وهذا كله على سبيل التفاؤل‏.‏

وقوله‏:‏ أقائلن خبر مبتدأ محذوف، والتقدير‏:‏ أفأنتم قائلن‏.‏ والجملة جواب الشرط، والخطاب لسيدها ومن يقول بقوله، وقوله‏:‏ أحضري‏:‏ خطاب للمرأة أمر من أحضره إحضاراً‏.‏

ورواه العيني‏:‏ أحضروا بواو الجمع، ولا وجه له، كما لا وجه لنسبة الشعر إلى رؤبة بن العجاج‏.‏ والله أعلم‏.‏

وشرح بقية الشعر تقدم في الشاهد الحادي والعشرين بعد الأربعمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الحادي والخمسون بعد التسعمائة

الرجز

يا ليت شعري عنكم حنيف *** أشاهرن بعدنا السيوفا

لما تقدم قبله، وأصله‏:‏ أشاهرونن، ففعل به مثل ما تقدم‏.‏

وهو من رجز أورده ابن دريد في الجمهرة كذا‏:‏ الرجز

يا ليت شعري عنكم حنيف *** وقد جدعنا منكم الأنوفا

أتحملون بعدنا السيوف *** أم تغزلون إلخ رفع المندوفا

قوله‏:‏ يا ليت شعري إلخ ، يا الداخلة على ليت‏:‏ حرف تنبيه، قال الشارح المحقق‏:‏ والتزم حذف إلخ بر في ليت شعري مردفاً باستفهام، وهذا الاستفهام مفعول شعري، أي‏:‏ ليت علمي بما يسأل عنه بهذا الاستفهام حاصل‏.‏

وعند ابن الحاجب‏:‏ الاستفهام قائم مقام إلخ بر‏.‏ ورده الشارح‏.‏

وعنكم‏:‏ متعلق بشعري وعن‏:‏ بمعنى الباء، لأنه يقال‏:‏ شعرت به، وحنيفا بلا تنوين‏:‏ منادى مرخم بن حنيفة، وحرف النداء محذوف، والألف للإطلاق‏.‏

وحنيفة‏:‏ أبو قبيلة، وهو حنيفة بن لجيم، بضم اللام وفتح الجيم، ابن صعب ابن علي بن بكر بن وائل‏.‏

وجملة وقد جدعن إلخ ، حال من شعري، لأنه مفعول في المعنى‏.‏ وجدع أنفه جدعاً بالجيم والدال المهملة، من باب نفع، أي‏:‏ قطعة‏.‏ وكذا الأذن واليد والشفة‏.‏ والأنوف‏:‏ جمع أنف، وجملة‏:‏ أتحملون إلخ ، في موضع المفعول لشعري‏.‏

وكذا على رواية أشاهرن بتقدير مبتدأ، أي‏:‏ أأنتم شاهرن، من شهر الرجل سيفه، من باب نفع، أي‏:‏ سله وأبرزه من غمده، والخرفع، بضم إلخ اء المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها فاء مضمومة وعين مهملة، قال ابن دريد‏:‏ هو قطن البردي‏.‏

وقال صاحب العباب‏:‏ هو القطن الذي يفسد في براعيمه، أي‏:‏ في أكمامه، قبل أن تنفتق‏.‏

وقال أبو مسحل‏:‏ القطن يقال له‏:‏ إلخ رفع بالكسر كزبرج، وقد أورد العيني هنا ما يتعجب منه، قال‏:‏ الحنيف هو المسلم ها هنا، وله معان أخر‏.‏

ويا‏:‏ في مثل هذا الموضع تكون لمجرد التبيه وقد يقال إنها على أصلها‏.‏ والمنادى محذوف تقديره‏:‏ يا قوم ليت شعري، أي‏:‏ ليتني أشعر، فأشعر هو إلخ بر، وناب شعري عن أشعر، ونابت الياء عن اسم ليت‏.‏ وأشعر فعل متعد معلق عن العمل، فيكون موضع الاستفهام وما بعده نصباً بالمصدر‏.‏

وحنيفا‏:‏ نصب على أنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله، ومنكم‏:‏ في محل النصب على أنه صفة لحنيفا، والتقدير ليتني اشعهر حنيفاً كائناً منكم‏.‏ وشاهرن‏:‏ اسم فاعل في معنى المستقبل، لأن تقدير الكلام ليتني أشعر حنيفاً مسلماً منكم يشهر بعدنا السيوفا‏.‏

هذا كلامه، وليته لم يسطره‏.‏

وهذا الرجز لم أقف على قائله، ونسبه العيني إلى رؤبة بن العجاج، ولم أره في ديوانه‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ البسيط

وليس حاملني إلا ابن حمال

وتقدم شرحه في الشاهد إلخ امس والتسعين بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الطويل

ليعلم ربي أن بيتي واسعٌ

هو عجز، وصدره‏:‏

لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم

على أن عدم توكيد ليعلم بالنون شاذ عند البصريين، وهذا يخالف ما ذكره في حروف القسم، من أن المضارع إذا كان للحال يجب الاكتفاء باللام، ولا تأتي بالنون، وأنشد هذا البيت هناك‏.‏

وأما الشذوذ ففي المضارع المستقبل إذا جاء باللام دون النون، فهذا الذي نقله عن البصريين هناك، وتقدم شرح البيت في الشهد الرابع عشر بعد الثمانمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏