فصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد السادس عشر بعد المائة

ياذا المخوفنا بمقتل شيخه *** حجرٍ تمني صاحب الأحلام

على أن المخوفنا نعت لاسم الإشارة الواقع المبني على ضمة؛ وهو مضاف إلى ضمير المتكلم مع الغير إضافةً لفظية‏.‏ قال ابن الشجري‏:‏ هذا سهو، فإن الضمير في المخوفنا منصوب لا مجرور ‏.‏ ويأتي بيانه في الشاهد العشرين‏.‏

وأل موصولة بمعنى الذي‏.‏ وبمقتل متعلق بالمخوف، وهو مصدر مضاف إلى مفعوله، والفاعل محذوف‏.‏ أي‏:‏ يا من يخوفنا بسبب قتلنا شيخه؛ وأراد بشيخه‏:‏ أباه‏.‏ وحجر‏:‏ بدل من شيخه وعطف بيان له، وهو بضم الحاء وسكون الجيم‏:‏ اسم والد امرئ القيس‏.‏

وقوله‏:‏ تمني صاحب الأحلام منصوب على أنه مصدر عامله محذوف، أي‏:‏ تمنيت تمني صاحب الأحلام، فإنك لا تقدر على الانتقام‏.‏ والأحلام‏:‏ جمع حلم بضمتين وهو الرؤيا‏.‏

وهذا البيت لعبيد بن الأبرص الأسدي، يخاطب به امرأ القيس صاحب المعلقة المشهورة‏.‏ وبعده‏:‏

لا تبكنا سفهاً ولا ساداتن *** واجعل بكاءك لابن أم قطام

وسبب قول عبيد هذا الشعر‏:‏ أن قوم عبيد بني أسد قتلوا أبا امرئ القيس حجراً، وهو ابن أم قطام كما تقدم بيانه في الشاهد التاسع والأربعين فتوعدهم امرؤ القيس بقوله‏:‏

والله لا يذهب شيخي باطل *** حتى أبيد مالكا وكاهلا‏!‏

وهما حيان من بني أسد ‏.‏ فقال له عبيد ذلك؛ وجعل وعيده كاذباً وما تمناه فيهم غير واقع، كأضغاث أحلام، وقال عبيد أيضاً‏:‏

يا ذا المخوفنا بقت *** ل أبيه إذلالاً وحينا

أزعمت أنك قد قتل *** ت سراتنا كذباً ومينا

هلا على حجر بن أم *** قطام تبكي لا علينا

إنا إذا عض الثق *** ف برأس صعدتنا لوينا

نحمي حقيقتنا وبع *** ض القوم يسقط بين بينا

هلا سألت جموع كن *** دة يوم ولوا‏:‏ أين أينا

أيام نضرب هامهم *** ببواترٍ حتى انحنينا

وجموع غسان الملو *** ك أتينهم وقد انطوينا

نحن الألى، فاجمع جمو *** عك ثم وجههم إلينا

واعلم بأن جيادن *** آلين لا يقضين دينا

ولقد أبحنا ما حمي *** ت، ولا مبيح لما حمينا

وهذا نصف القصيدة‏.‏

وقوله‏:‏ إذلالاً ، مفعول ثان للتخويف، وهو مصدر أذله الله، متعدي ذل الرجل‏:‏ إذا ضعف وهان‏.‏ والحين بالفتح الهلاك، مصدر حان‏.‏ والسراة؛ بفتح السين‏:‏ الأشراف، جمع سري، وأصله سروي على وزن فعول من السرو، وهو كرمٌ في مروءة‏.‏ والمين‏:‏ مرادف للكذب‏.‏ والثقاف ، بكسر المثلثة‏:‏ ما يسوى به الرماح‏.‏ والصعدة بالفتح، قال في الصحاح‏:‏ هي القناة المستوية تنبت كذلك، لا تحتاج إلى تثقيف ، وقيل‏:‏ الرمح القصير، ولوى الرجل رأسه وألوى برأسه‏:‏ أماله وأعرض‏.‏ والحقيقة ما يحق على الرجل أن يحميه كالأهل والولد والجار‏.‏

وقال في الصحاح‏:‏ هذا الشيء بين بين، أي‏:‏ بين الجيد والرديء ‏.‏ ثم أنشد هذا لبيت وقال‏:‏ أي‏:‏ يتساقط ضعيفاً غير متعد به‏.‏ وألف بين الثاني إشباع وبنيا لتضمنهما لواو العطف ‏.‏ والبواتر‏:‏ جمع باتر، وهو السيف القاطع، وكأنه لحظ في السيف معنى الحديدة وآلة القطع فجمعه هذا الجمع، يدلك عليه انحنين بضمير الإناث العائد إلى البواتر، وأنه غلب عليه الاسمية‏.‏

والألى بمعنى الذين اسم موصول، وحذفت الصلة لادعاء شهرتها؛ أي‏:‏ نحن الذين عرفوا بالشجاعة‏.‏ والجياد‏:‏ جمع جواد، وصفٌ من جاد الفرس‏:‏ أي‏:‏ صار رائعاً، يجود جودة بالضم فهو جواد؛ للذكر والأنثى‏.‏ وآلين‏:‏ أي‏:‏ حلفن من الألية بمعنى اليمين‏.‏

وعبيد هو، بفتح العين وكسر الموحدة، ابن الأبرص بن عوف بن جشم ابن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، الأسدي الشاعر، من فحول شعراء الجاهلية‏.‏ جعله ابن سلام الجمحي في الطبقة الرابعة من فحول الجاهلية، وقرن به طرفة وعلقمة بن عبدة‏.‏

قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء‏:‏ عاش عبيد هذا أكثر من ثلثمائة سنة‏.‏

وقال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين‏:‏ عاش عبيد مائتي سنة وعشرين سنة‏.‏ ويقال‏:‏ بل ثلثمائة سنة، وقال في ذلك‏:‏

ولتأتين بعدي قرون جمةٌ *** ترعى مخارم أيكةٍ ولدودا

فالشمس طالعةٌ، وليلٌ كاسفٌ، *** والنجم يجري أنحساً وسعودا

حتى يقال لمن تعرق دهره‏:‏ *** يا ذا الزمانة، هل رأيت عبيدا

مائتي زمانٍ كاملٍ ونصيةً *** عشرين عشت معمرا محمودا

أدركت أول ملك نصرٍ ناشئ *** وبناء شدادٍ وكان أبيدا

وطلبت ذا القرنين حتى فاتني *** ركضاً، وكدت بأن أرى داودا

ما تبتغي من بعد هذا عيشة *** إلا الخلودا‏!‏ ولن تنال خلودا

وليفنين هذا وذاك كلاهم *** إلا الإله ووجهه المعبودا

وقال أيضاً‏:‏

فنيت وأفناني الزمان وأصبحت *** لداتي بنو نعشٍ وزهر الفراقد

ومن شعره‏:‏

تذكرت أهل الخير والباع والندى *** وأهل عتاق الخيل والخمر والطيب

فأصبح مني كل ذلك قد خل *** وأي فتى في الناس ليس بمكذوب

ترى المرء يصبو للحياة وطيبه *** وفي طول عيش المرء برحٌ بتعذيب

ومضمون البيت الأخير مما تداوله الناس قديماً وحديثاً، قال بعض شعراء الجاهلية‏:‏

كانت قناتي لا تلين لغامزٍ *** فألانها الإصباح والإمساء

وقال النمر بن تولب الصحابي رضي الله عنه‏:‏

يود الفتى طول السلامة والبق *** فكيف ترى طول السلامة يفعل‏!‏

وتبعه حميد بن ثور الهلالي، الصحابي أيضاً، رضي الله عنه‏:‏

أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ *** وحسبك داءٌ أن تصح وتسلما

وقال آخر‏:‏

ودعوت ربي بالسلامة جاهد *** ليصحني، فإذا السلامة داء

وفي معناه قول الخيمي من المتأخرين‏:‏

إذا كان موت المرء إفناء عمره *** ففي موته من يوم يولد يشرع

وأحسن من هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كفى بالسلامة داء ، فإنه أبلغ وأوجز وأسلس وأرشق مما ذكر‏.‏

قال محمد بن حبيب، في كتاب من قتل من الشعراء‏:‏ ومنهم عبيد بن البرص الأسدي؛ وكان المنذر بن امرئ القيس اللخمي بن ماء السماء وهو الذي يسمى ذا القرنين، وهو جد النعمان بن المنذر له يوم بؤس ويوم نعيم، وكان يقتل أول من رأى في يوم بؤسه؛ فخرج المنذر في يوم بؤسه فلقي عبيد بن الأبرص فقال له‏:‏ هلا كان المذبوح غيرك يا عبيد‏!‏ فقال‏:‏ أتتك بحائن رجلاه‏!‏ وأرسله مثلاً؛ فقال له‏:‏ أنشدنا يا عبيد؛ فقال‏:‏ حال الجريض دون القريض؛ وبلغ الحزام الطبيين وأرسلهما مثلاً؛ فقال له أنشدني؛ فقال‏:‏ المنايا على الحوايا‏!‏ وأرسله مثلاً؛ فقال بعض القوم‏:‏ أنشد الملك، هبلتك أمك‏!‏ فقال‏:‏ وما قول قائل مقتول‏؟‏ وأرسله مثلاً؛ وقال آخر‏:‏ ما أشد جزعك بالموت‏!‏ فقال‏:‏ لا يرحلن رحلك من ليس معك‏!‏ وأرسله مثلاً؛ فقال الملك‏:‏ قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك‏!‏ فقال عبيد‏:‏ من عز بز ، وأرسله مثلاً؛ فقال الملك‏:‏ أنشدنا قولك‏:‏

أقفر من أهله ملحوب

فأنشده‏:‏

أقفر من أهله عبيد *** فاليوم لا يبدي ولا يعيد

وأنشد هذا البيت صاحب الكشاف عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد‏}‏ على أن هذه الكلمة قد صارت مثلاً في الهلاك، من غير نظر إلى مفرداتها؛ وهو في الأصل كناية، لأن الهالك لم يبق له إبداء ولا إعادة، كما يقال‏:‏ لا يأكل ولا يشرب، أي‏:‏ مات ‏.‏ فقال له الملك‏:‏ ويحك يا عبيد‏!‏ أنشدني قبل أن أذبحك‏!‏ فقال عبيد‏:‏ والله إن مت ما ضرني‏!‏ فقال له‏:‏ لابد من الموت، فاختر‏:‏ إن شئت من الأكحل، وإن شئت من الأبجل، وإن شئت من الوريد‏:‏ فقال عبيد‏:‏ ثلاث خصالٍ كسحابات عاد، واردها شر وراد وحاديها شر حاد، ومعادها شر معاد، ولا خير فيها لمرتاد، فإن كنت لابد قاتلي فاسقني الخمر، حتى إذا ذهلت منها ذواهلي، وماتت لها مفاصلي فشأنك وما تريد‏.‏ ففعل به ما أراد، فلما طابت نفسه ودعا به ليقتله أنشأ يقول‏:‏

وخيرني ذو البؤس يوم بؤسه *** خصالاً أرى في كلها الموت قد برق

كما خيرت عادٌ من الدهر مرة *** سحائب ما فيها لذي خيرة أنق

سحائب ريح لم توكل ببلدة *** فتتركها إلا كما ليلة الطلق

وأنشد بعده لرؤبة، وهو

الشاهد السابع عشر بعد المائة

إني وأسطارٍ سطرن سطر *** لقائلٌ‏:‏ يا نصر نصرٌ نصرا

على أن التوكيد اللفظي في النداء حكمه في الأغلب حكم الأول، وقد يجوز إعرابه رفعاً ونصباً، فنصر الثاني رفع إتباعاً للفظ الأول، والثالث نصب إتباعاً لمحل الأول‏.‏

وضعف الشارح المحقق البدل والبيان في مثله وقال‏:‏ لأنهما يفيدان مالا يفيده الأول من غير معنى التأكيد؛ والثاني فيما نحن فيه لا يفيد إلا التأكيد ‏.‏

ومنع أبو حيان كونه من التأكيد اللفظي والبدل، وحصره في البيان فقال‏:‏ لا يجوز أن يكون نصر الثاني توكيداً لفظياً‏.‏ قيل‏:‏ لتنوينه والأول ليس كذلك؛ ورد بأن هذا القدر من الاختلاف مغتفر في التأكيد اللفظي‏.‏ وقيل‏:‏ للاختلاف في التعريف‏:‏ فيا نصر عرف بالإقبال عليه لا بالعلمية، والثاني معرف بالعلمية، فكما لا يجوز جعل الثاني في‏:‏ جاء الغلام غلام زيد، تأكيداً لفظياً لاختلافهما في التعريف، فكذلك هذا‏.‏ ولا يجوز أن يكون بدلاً لأنه منون، ولا نعتاً لأنه علم ‏.‏

وفيه نظر‏.‏ فإن اتحاد جهة التعريف في التأكيد غير مسلمة، بل يكفي اختلافهما‏.‏

ثم قال أبو حيان‏:‏ ولا يجوز ان يكون مرفوعاً على أن خبر مبتدأ مضمر، ولا نصبه على إضمار فعل؛ لأن هذا النوع من القطع إنما تكلمت به العرب إذا قصدت البيان والمدح والذم والترحم، ونصر لا يفهم منه شيء من ذلك‏.‏

وفيه أنه يصح نصبه على المدح بدليل ما بعده‏:‏ وهو‏:‏

بلغك الله فبلغ نصر *** نصر بن سيارٍ يثبني وفرا

فإنه روي أن نصراً في البيت الأول، وهو صاحب نصر بن سيار، منعه من الدخول إلى نصر بن سيار وهو أمير خراسان في الدولة الأموية، فتلطف به وأقسم له بأنه يدعو له، وطلب منه المعونة‏.‏

وقول خضر الموصلي، شارح شواهد التفسيرين‏:‏ بأنه يجوز نصبه على الذم؛ لأن الحاجب منعه من الدخول إلى الأمير، غفلةٌ عن البيت الثاني‏.‏

وروي نصبه أيضاً‏:‏ إما لما ذكرنا، وإما للإتباع على محل الأول، وإما لأنه مصدر بدل من فعل الأمر أي‏:‏ انصرني - وقال بدر الدين في شرح الخلاصة‏:‏ يجوز كونه مصدراً دعائياً كسقياً ورعياً - فيكون نصر الثالث تأكيداً على الوجوه الثلاثة‏.‏

وروى الجرمي عن أبي عبيدة أن النصر‏:‏ العطية، يريد‏:‏ يا نصر عطيةً عطيةً‏.‏ ويرده رواية الرفع‏.‏

وزعم أبو عبيدة أيضاً‏:‏ أن نصراً الثاني هو حاجب نصر بن سيار، والأول هو ابن سيار، فنصبه على الإغراء، أي‏:‏ يا نصر عليك نصراً‏.‏ ويرده شيئان‏:‏ رواية الرفع، والدعاء؛ وفيه أيضاً غفلة عن البيت الثاني‏.‏

وروى في نصر الثاني أيضاً ضمه بلا تنوين كالأول، على أنه توكيد لفظي له تبعه في البناء‏.‏ وروى صاحب اللباب فيه وجهاً رابعاً‏:‏ وهو جره مع نصب الأول؛ قال شارحه الفالي‏:‏ فيكون المضاف إليه على هذا جنساً، كما تقول‏:‏ طلحة الخير، وحاتم الجود‏.‏ والتنكير للتفخيم ‏.‏

وملخص ما ذكرنا‏:‏ أن نصراً الأول روي فيه وجهان‏:‏ ضمه ونصبه؛ والثاني روي فيه أربعة أوجه‏:‏ ضمه ورفعه ونصبه وجره؛ والثالث روي فيه وجه واحد وهو النصب‏.‏

واعلم أن الصاغاني قال في العباب ، وتبعه صاحب القاموس‏:‏ أن اسم الحاجب إنما هو نضر بالضاد المعجمة، وأن الثلاثة في البيت الأول بالإعجام، وإهمال الصاد تصحيف؛ وأما نصر في البيت الثاني فهو بالإهمال لا غير‏.‏ وكذا قال ابن يسعون‏:‏ رأيت في عرض كتاب أبي إسحاق الزجاج بخط يده وهو أصله الذي قرأ فيه على أبي العباس‏:‏ نضر الذي هو الحاجب بالضاد معجمة‏.‏

وأنشده سيبويه بنصب نصر الثاني؛ قال الأعلم‏:‏ الشاهد فيه نصبه نصراً نصراً، حملاً على موضع الأول، ولو رفع حملاً على لفظ الأول لجاز‏.‏

قال النحاس‏:‏ وقد خولف في هذا‏:‏ فقال الأصمعي‏:‏ النصر‏:‏ المعونة؛ فهو على هذا منصوب على المصدر كأنه قال‏:‏ عوناً عونا‏.‏

وقوله‏:‏ لقائل خبر إن‏.‏ وجملة القسم أعني قوله‏:‏ واسطار‏.‏‏.‏ اعتراض بين اسم إن وخبرها، والواو للقسم، أي‏:‏ وحق أسطار المصحف، وهو جمع سطر جمع قلة كأسطر، وفي الكثرة‏:‏ سطار وسطور، ويجمع أسطار على أساطير‏.‏

واستشهد صاحب الكشاف بهذا البيت عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن هذا إلا أساطير الأولين‏}‏ على أن أساطير جمع أسطار بفتح الهمزة جمع سطر‏.‏ وقوله‏:‏ يا نصر إلى قوله بلغك الله مقول القول‏.‏ وبلغ بالتشديد متعد إلى مفعولين ثانيهما محذوف، أي‏:‏ مرادك؛ وثلاثيه متعد إلى واحد، يقال بلغت المنزل‏:‏ إذا وصلته‏.‏ وبلغ‏:‏ فعل أمر ومفعوله الأول محذوف‏:‏ أي‏:‏ أرجوزتي ومديحي ونحوهما‏.‏ ونصر الثاني عطف بيان للأول‏.‏ ويثبني مجزوم في جواب بلغ، يقال‏:‏ أثابه الله أي‏:‏ جزاه وأعطاه‏.‏ والوفر المال الكثير‏.‏

وترجمة رؤبة تقدمت في الشاهد الخامس‏.‏ والعجب من الصاغاني حيث رد على سيبويه في أن هذا الشاهد ليس لرؤبة ولم يبين قائله‏.‏

وأما نصر بن سيار فقد كان أمير خراسان في الدولة الأموية؛ وكان أول من ولاه هشام بن عبد الملك‏.‏ وكانت إقامته في مرو، إلى أن جاء أبو مسلم الخراساني إلى مرو وأرسل إلى نصر يدعوه إلى كتاب الله وسنة رسوله والرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ فلما رأى نصرٌ ما مع أبي مسلم من اليمانية والربعية والعجم، وأنه لا طاقة له بهم، أظهر قبول ما أتاه به وأنه يأتيه ويبايعه، واستمهلهم؛ ثم هرب نصر إلى سرخس، واجتمع عليه ثلاثة آلاف رجل، ثم سار نصر فنزل جوار الري وكاتب ابن هبيرة يستمده، وهو بواسط، وقال له‏:‏ أمدني بعشرة آلاف قبل أن تمدني بمائة ألف ثم لا تغني شيئاً‏.‏ فحبس ابن هبيرة رسله وتباطأ، فأرسل نصر إلى مروان بن محمد يعلمه ما فعل ابن هبيرة‏.‏ فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمده‏.‏ فجهز ابن هبيرة جيشاً كثيفاً أمر عليهم ابن عطيف إلى نصر‏.‏ ولما قدم نصرٌ إلى الري أقام بها يومين ثم مرض، فحمل إلى ساوة فمات بها لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول من سنة إحدى وثلاثين ومائة، وعمره خمس وثمانون سنة‏.‏

وهذه نسبته من الجمهرة‏:‏ نصر بن سيار بن رافع بن حري بفتح الحاء وكسر الراء المشددة المهملتين ابن ربيعة بن عامر بن هلال بن عوف بن جندع بن ليث؛ وينتهي نسبه إلى مدركة بن إلياس بن مضر‏.‏

وأنشد بعده وهو

الشاهد الثامن عشر بعد المائة

علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم *** بأبيض ماضي الشفرتين يمان

على أن العلم إذا وقع فيه اشتراك لفظي جاز إضافته للتعيين‏.‏

والعليمة قد ذهبت بالإضافة كما يأتي بيانه بعد هذا‏.‏

أورده ابن عقيل في شرح الألفية على أن الإضافة من قبيل إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف، أي‏:‏ علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم، فحذف الصفتان وجعل الموصوف خلفا عنهما في الإضافة‏.‏ والنقا بالقصر‏:‏ الكثيب الرمل؛ والتعريف للعهد‏.‏ وأراد باليوم الوقعة والحرب التي كانت عند النقا، وهذا معنى قولهم‏:‏ أيام العرب ‏.‏ والأبيض السيف، والماضي‏:‏ النافذ بالقطع‏.‏ والشفرة بفتح الشين‏:‏ حد السيف؛ وثناه باعتبار وجهيه‏.‏

ورواه المبرد في الكامل بتغير بعض ألفاظه مع بيت آخر وأورده في أول الثلث الثالث منه في باب هذه ترجمته‏:‏ بابٌ يجمع فيه طرائف من حسن الكلام وجيد الشعر وسائر الأمثال ومأثور الأخبار ثم قال‏:‏ وقال رجل من طيئ - وكانرجل منهم يقال له زيد، من ولد عروة بن زيد الخيل، قتل رجلاً من بني أسد يقال له زيد، ثم أقيد به بعد‏:‏

علا زيدنا يوم الحمى رأس زيدكم *** بأبيض مشحوذ الغرار يمان

فإن تقتلوا زيداً بزيد فإنم *** أقادكم السلطان بعد زمان

ومثله في أواخر زهر الآداب للحصري قال‏:‏ قال رجل من طيئ - وكان رجل منهم يقال له زيد من ولد عروة بن زيد الخيل قتل رجلاً اسمه زيد فأقاد منه السلطان - فقال يفتخر على الأسديين وأنشد البيتين كرواية المبرد‏.‏‏.‏ ولم أر من رواه‏:‏ يوم النقا وظهر بهذا أنه شعر إسلامي‏.‏ فإن زيد الخيل من الصحابة رضي الله عنهم‏.‏ والمشحوذ‏:‏ مفعول من شحذت السيف أشحذه شحذاً من باب منع، أي‏:‏ حددته؛ والمشحذة بالكسر‏:‏ المسن، والتشحيذ‏:‏ جعل الشيء حاداً‏.‏ والغرار بكسر الغين المعجمة، قال في الصحاح‏:‏ والغراران‏.‏ شفرتا السيف؛ وكل شيء له حد فحده غراره ‏.‏ وقوله‏:‏ أقادكم السلطان ، أي‏:‏ مكنكم من قتله قوادا ويقال‏:‏ أقاد السلطان القاتل بالقتيل‏:‏ قتله به قوداً‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ وهو

الشاهد التاسع عشر بعد المائة

رأيت الوليد بن اليزيد مبارك *** شديداً بأحناء الخلافة كاهله

على أن العلم إذا وقع فيه اشتراك اتفاقي جاز تعريفه باللام‏.‏ يعني‏:‏ ويزول تعريف العلمية بأن ينكر ثم يعرف باللام‏.‏

قال ابن جني في سر الصناعة - ومن خطه نقلت -‏:‏واعلم أن قولك‏:‏ جاءني الزيدان، ليس تثنية زيد هذا العلم المعروف؛ وذلك ان المعرفة لا يصح تثنيتها فلا تصح إلا في النكرات؛ فلم تثن زيداً حتى سلبته تعريفه فجرى مجرى رجل وفرس، وحينئذ لم يستنكر دخول لام المعرفة‏.‏ وقد جاء في الشعر منه، قال ابن ميادة‏:‏ وجدنا الوليد بن اليزيد يريد‏:‏ يزيد‏.‏ ومما يؤكد جواز خلع التعريف قوله‏:‏

علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

فإضافة الإسم تدل على أنه قد كان خلع عنه ما كان فيه من تعرفة، وكساه التعريف بإضافته إياه إلى الضمير، فجرى في تعريفه مجرى أخيك وصاحبك؛ وليس بمنزلة زيد، إذا أردت العلم، وعلى هذا‏:‏ لو سألت عن زيد عمرو في قوله من قال‏:‏ رأيت زيد عمرٍو، لما جازت الحكاية ولكان بالرفع لا غير ملخصاً‏.‏ واللام في الوليد للمح الأصل؛ قال بعضهم‏:‏ نكتة إدخالها في اليزيد الإتباع للوليد‏.‏ واستشهد به ابن هشام في شرح الألفية على أن ما لا ينصرف إذا دخلته أل، ولو كانت زائدة، صرف كما في اليزيد‏.‏ فجعلها زائدة لا معرفة‏.‏ ورأيت هنا علمية‏.‏ ومباركا هو المفعول الثاني‏.‏ وشديداً من تعدد المفعول الثاني، لأن جزأي باب علم أصلهما المبتدأ والخبر، والخبر قد يتعدد‏.‏‏.‏ وإن كانت بصرية فمباركاً حال من مفعولها - وشديداً تعدد من تعدد الحال ومن ضمير مباركاً، فهي حال متداخلة؛ والوجه الأول، ويؤيده‏:‏ أنه روي‏:‏ وجدت بدل رأيت‏.‏ والوليد هو ابن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي‏.‏ وشديداً صفة مشبهة يعمل عمل فعله‏:‏ وكاهله فاعله‏.‏ وزعم السيوطي أن فعيلا أعمل لاعتماده على ذي خبر، وفيه الفصل بينه وبين مرفوعه بالجار والمجرور‏.‏ انتهى فتأمل‏.‏ والأحناء‏:‏ جمع حنو بالكسر، وهو الجانب والجهة، وقيل‏:‏ هو هنا بمعنى السرج والقتب؛ كني به عن أمور الخلافة الشاقة‏.‏ والكاهل ما بين الكتفين‏.‏ وروي بأعباء الخلافة جمع عبء، وهو كالحمل لفظاً ومعنى‏.‏

وقال العيني‏:‏ شبهه بالجمل المحمل، وشبه الخلافة بالقتب‏:‏ وأراد كأنه يحمل شدائد أمور الخلافة‏.‏

وهذا البيت من قصيدة لاميةٍ، لابن ميادة يمدح بها الوليد المذكور، وليس هو أول القصيدة كما زعم العيني؛ بل هو أول المديح؛ وقبله‏:‏

هممت بقولٍ صادقٍ أن أقوله *** وإني على رغم العدو لقائله

وبعده‏:‏

أضاء سراج الملك فوق جبينه *** غداة تناجي بالنجاح قوابله

وهذا كقول الشاعر‏:‏

في المهد ينطق عن سعادة جده *** أثر السيادة ساطع البرهان

وأول القصيدة‏:‏

ألا تسأل الربع الذي ليس ناطق *** وإني على أن لا يبين لسائله

أي‏:‏ إني مع عدم إبانته لسائله‏.‏

وترجمة ابن ميادة تقدمت في الشاهد التاسع عشر‏.‏ والوليد بن يزيد بويع سنة خمس وعشرين ومائة بعد موت عمه هشام بن عبد الملك‏.‏ وقتل الوليد في سنة ست وعشرين، لأنه رمي بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه‏.‏ وكان منهمكاً في اللهو وشرب الخمر وسماع الغناء‏.‏ ومما اشتهر عنه‏:‏ أنه استفتح المصحف الكريم فخرج له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيد‏}‏، فألقاه ونصبه غرضاً ورماه بالسهام، وقال‏:‏

تهددني بجبارٍعنيد *** فها أنا ذاك جبارٌ عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشرٍ *** فقل يا رب مزقني الوليد

فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً حتى قتل كذا في تاريخ النويري وغيره‏.‏ وقطع رأس الوليد ونصب على رمحٍ وطيف به دمشق، ثم دفع إلى أخيه سليمان بن يزيد فلما نظر إليه سليمان قال‏:‏ بعداً له‏!‏ أشهد أنه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً؛ ولقد أرداني على نفسي - وكان سليمان هذا ممن سعى في خلعه - وكان عمر الوليد حينئذ اثنتين وأربعين سنة، وقيل ثماني وثلاثين، وقيل غير هذا‏.‏ وكانت مدة سلطنته سنة وشهرين واثنين وعشرين يوماً‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ وهو

الشاهد العشرون بعد المائة

يا صاح يا ذا الضامر العنس

على أن الضامر العنس والمخوفنا تركيبان إضافيان قد وقعا صفتين للمنادى الذي هو اسم إشارة، وصفة المنادى إذا كانت مضافة وجب نصبها فكيف رفعت إتباعاً للمنادى المفرد‏؟‏ وهذا إشكاله ظاهر‏.‏‏.‏‏.‏ونقل الشارح لحله جوابين، من الإيضاح لابن الحاجب‏:‏

أحدهما‏:‏ أن أل في الضامر وفي المخوفنا موصولة، وهو الواقع صفة‏:‏ أي‏:‏ الذي ضمرت عنسه والذي خوفنا، والإعراب في الحقيقة للموصول، لكن لما كان على صورة الحرف نقل إعرابه إلى صلته عارية‏.‏

ثانيهما‏:‏ أن الضامر العنس والمخوفنا صفتان لصفة اسم الإشارة، أي‏:‏ يا ذا الرجل الضامر العنس ويا ذا الرجل المخوفنا؛ وإنما قدر هذا‏:‏ لأن صفة اسم الإشارة لا تكون إلا مفردة، وإعراب الرجل رفع، فيجب رفع وصفه بالتبعية له‏.‏‏.‏

وهذا محصل كلامه؛ ويفهم من هذين الجوابين‏:‏ أنه لم يجز نصبه، وهو مخالف لما نقله الفالي في شرح اللباب قال‏:‏ جوزوا في نحو‏:‏

يا صاح يا ذا الضامر العنس

نصب الضامر ورفعه، كما لو قلت‏:‏ يا ذا الضامر، رفعاً ونصباً‏.‏ وكون الوصف في المخوفنا مضافاً إلى الضمير كإضافة الضامر إلى العنس وقع مثله للسيرافي، قال ابن الشجري في أماليه‏:‏ الثاني صحيح لأن الضامر غير متعد والاسم الذي بعده فيه أل ‏.‏ وكون المخوف مثله سهوٌ، لأنه متعد وليس بعده اسم فيه أل ، وأنت لا تقول المخوف زيدٍ؛ فالضمير في المخوفنا منصوب لا مجرور‏.‏

وهذه المسألة غير متفق عليها فإن الرماني، والمبرد في أحد قوليه، والزمخشري قد ذهبوا لما قاله السيرافي‏.‏ كما نقله الشارح المحقق في باب الإضافة؛ فلا ينبغي الحكم بالسهو على مثل الإمام السيرافي‏.‏

وأنشد سيبويه هذا المصراع برفع الضامر على أن ذا اسم إشارة‏.‏‏.‏ وأورد عليه أنه لا يستقيم، لأن ما بعده‏:‏

والرحل والأقتاب والحلس

فإن الثلاثة معطوفة على العنس، وهي لا توصف بالضمور‏.‏ فالصواب إنشاده بالجر على ان ذا بمعنى صاحب كما أنشده الكوفيون‏.‏

قال أبو جعفر النحاس‏:‏ أنشده س وشبهه بقولك‏:‏ يا ذا الحسن الوجه‏.‏ قال أبو إسحاق‏:‏ وهذا غلط عند جميع النحويين‏:‏ وذلك أن الرواية بالجر، يدلك أن بعده‏:‏

والرحل والأقتاب والحلس

وبه يتبين أن ذا بمعنى صاحب؛ وكأنه لم يبلغه ما بعده‏.‏ قال أبو جعفر‏:‏ سمعت أبا الحسن الأخفش يقول‏:‏ بلغني أن رجلاً صاح بسيبويه من منزله وقال‏:‏ كيف تنشد هذا البيت‏؟‏ فأنشده إياه مرفوعاً؛ فقال الرجل‏:‏ وإن بعده‏:‏ والرحل والأقتاب والحلس‏!‏ فتركه سيبويه وصعد إلى منزله‏.‏ فقال له‏:‏ أبن لي علام عطف‏؟‏ فقال سيبويه‏:‏ فلم صعدت الغرفة‏!‏ إني فررت من ذلك‏.‏

وكذا حكى ثعلب هذه الحكاية في أماليه في موضعين وقال‏:‏ الصواب جر الضامر ‏.‏ وكذا حكى أبو علي في المسائل البصرية وابن جني في الخصائص وقد صححوا كلام سيبويه بأوجه‏:‏ أحدها‏:‏ قال السيرافي‏:‏ هذا من باب‏:‏

علفتها تبناً وماءً بارداً

وقوله‏:‏

ياليت زوجك قد غد *** متقلداً سيفاً ورمحا

على أن يجعل الثاني على ما يليق به، ولا يخرج عن مقصد الأول‏:‏ فيكون معنى الضامر‏:‏ المتغير، والرحل محمول عليه، كأنه قال‏:‏ المتغير العنس والرحل‏.‏

وتبعه على هذا شراح أبيات الكتاب وأبو علي الفارسي في المسائل القصرية بالقاف‏.‏

ثانيها‏:‏ قال أبو علي في إيضاح الشعر - وتبعه ابن جني في الخصائص -‏:‏ القول في جر الرحل‏:‏ أنه معطوف على ما دل عليه ما تقدم؛ لأن قوله‏:‏ يا ذا الضامر العنس ، يدل على أنه صاحب ضامر، فحمل الرحل على ما دل عليه هذا الكلام من الصاحب‏.‏

ثالثها‏:‏ قال بعض النحويين‏:‏ إن أصله ويا صاحب الرحل، فحذف صاحب لدلالة قوله‏:‏ يا صاح، عليه وبقي الجر على حاله‏.‏

قال أبو علي‏:‏ يرد عليه أن كونه صاحباً للمنادى لا يدل على أنه صاحب رحل كما يدل قوله‏:‏ يا ذا الضامر العنس، على أن له عنساً‏.‏

رابعها‏:‏ قال ابن الحاجب في الإيضاح‏:‏ إن سيبويه استدل بإنشاد هذا المصراع بانفراده على ما رواه الثقات ممن لم يعلم تتمته‏.‏ وهذا مصادمٌ لما نقله ثعلبٌ والنحاس وغيرهما من تلك الحكاية‏.‏ وصاح‏:‏ مرخم صاحب‏.‏ والضامر‏:‏ من ضمر الحيوان وغيره من باب قعد‏:‏ دق وقل لحمه‏.‏ والعنس بفتح العين وسكون النون‏:‏ الناقة الصلبة الشديدة‏.‏ والرحل قال في المصباح‏:‏ كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن‏.‏ وجمعه أرحل ورحال ‏.‏ والأقتاب‏:‏ جمع قتب بالتحريك، قال في الصحاح‏:‏ هو رحل صغير على قدر السنام‏.‏ وروى ابن الشجري في أماليه بدله‏:‏ والأقتاد وقال‏:‏ هو جمع قتد وهو خشب الرحل‏.‏ والحلس بكسر المهملة‏:‏ كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله والجمع أحلاس‏.‏

وهذا البيت نسبه بعض شراح أبيات الكتاب والزمخشري في مفصله، لخزز بن لوذان السدوسي‏.‏ قال الأصبهاني في الأغاني في ترجمة علية بنت المهدي العباسي‏:‏ خزز‏:‏ شاعر يقال‏:‏ إنه قبل امرئ القيس ‏.‏

وخزز، بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي الأولى، وهو في الأصل ذكر الأرنب‏.‏ ولوذان، بفتح اللام وسكون الواو بعدها ذال معجمة‏.‏

ونسبه الأصبهاني في الأغاني لخالد بن المهاجر، وزاد بعده بيتاً ورواه هكذا‏:‏

يا صاح يا ذا الضامر العنس *** والرحل ذي الأنساع والحلس

سير النهار ولست تاركه *** وتجد سيراً كلما تمسي

فعلى هذا فالرحل هنا بمعنى برذعة البعير والأنساع‏:‏ جمع نسعة بكسر النون‏.‏ قال في الصحاح‏:‏ وهي التي تنسج عريضاً للتصدير ‏.‏ والسير يكون بالنهار وبالليل؛ ويكون لازماً كما هنا ومتعدياً، يقال‏:‏ سرت البعير؛ وهو منصوب على الظرفية، وكذا النهار‏.‏ وتجد‏:‏ من الجد في الأمر بمعنى الإجتهاد فيه، يقال جد يجد من باب ضرب وقتل، والاسم الجد بالكسر‏.‏ وتمسي‏:‏ مضارع أمسى الرجل‏:‏ إذا دخل في المساء، والمساء‏:‏ خلاف الصباح، قال ابن القوطية‏:‏ هو ما بين الظهر إلى المغرب‏.‏

وروى صاحب الأغاني أيضاً‏:‏

أما النهار فلا تقصره *** دركاً يزيدك كلما تمسي

وروى أيضاً‏:‏

أما النهار فأنت تقطعه *** رتكاً، وتصبح مثل ما تمسي

والدرك بالتحريك‏:‏ التبعة، يقال‏:‏ ما لحقك من درك فعلي خلاصه، قال رؤبة‏:‏

ما بعدنا من طلب ولا درك

وتسكن راؤه أيضاً‏.‏ والرتك بفتح الراء، والتاء تفتح وتسكن‏:‏ ضرب من سير الإبل فيه اهتزاز ومقاربة الخطو في رفلان، يقال رتك يرتك كضرب يضرب‏.‏ وخالد قال الأصفهاني‏:‏ هو ابن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم‏.‏ وكان المهاجر والد خالد مع علي عليه السلام بصفين، وكان خالد على رأي أبيه هاشمي المذهب، ودخل مع بني هاشم الشعب، فاضطغن ذلك ابن الزبير عليه، فألقى عليه زق خمر وصب بعضه على رأسه، وشنع عليه بأنه وجده ثملاً من الخمر فضربه الحد‏.‏ وكان عمه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية في صفين، ولهذا كان بن المهاجر أسوأ الناس رأياً في عمه‏.‏ ثم إن معاوية لما أراد أن يظهر العهد ليزيد قال لأهل الشام‏:‏ إني قد كبرت سني، ورق جلدي ودق عظمي، واقترب أجلي؛ وأريد أن أستخلف عليكم، فمن ترون‏؟‏ فقالوا‏:‏ عبد الرحمن بن خالد‏.‏ فسكت وأضمرها، ودس إلى ابن أثال الطبيب، فسقاه سماً فمات، وبلغ ابن أخيه خالد ابن المهاجر خبره، وهو بمكة، فقال له عروة ابن الزبير‏:‏ أتدع ابن أثال يفني أوصال عمك بالشام وأنت بمكة مسبلٌ إزارك‏.‏ تجره وتخطر فيه متخايلاً‏؟‏‏!‏ فحمي خالد، ودعا مولى له يدعى نافعاً، فأعلمه الخبر وقال له‏:‏ لابد من قتل ابن أثال فخرجا حتى قدما دمشق، وكان ابن أثال يمسي عند معاوية، فجلس له في مسجد دمشق إلى أسطوانة، وجلس غلامه إلى أخرى فلما حاذاه وثب إليه خالد فقتله، وثار إليه من كان معه، فحملا عليهم فتفرقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقاً ضيقاً ففاتا القوم‏.‏

وبلغ معاوية الخبر فقال‏:‏ هذا خالد بن المهاجر‏!‏ اقلبوا الزقاق الذي دخل فيه فأتي به‏.‏ فقال له معاوية‏:‏ لا جزاك الله من زائرٍ خيراً‏!‏ قتلت طبيبي‏!‏ فقال خالد‏:‏ قتلت المأمور، وبقي الآمر فقال‏:‏ عليك لعنة الله‏!‏ والله لو كان تشهد مرة واحدة لقتلتك به‏!‏ أمعك نافع‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ بلى، والله ما اجترأت إلا به‏.‏ ثم أمر بطلبه فأتى به فضربه مائة سوط، وحبس خالداً، وألزم بني مخزوم دية ابن أثال اثني عشر ألف درهم‏.‏ وقال خالد في الحبس‏:‏

إما خطاي تقاربت *** مشي المقيد في الحصار

فبما أمشي في الأب *** طح يقتفي أثري إزاري

دع ذا، ولكن هل ترى *** ناراً تشب بذي مرار

ما إن تشب لقرةٍ *** للمصطلين ولا قتار

ما بال ليلك ليس ين *** قص طوله طول النهار

لتقاصر الأزمان أم *** غرض الأسير من الإسار

ولما بلغت معاوية هذه الأبيات رق له وأطلقه‏.‏ فرجع إلى مكة؛ ولما لقي عروة ابن الزبير قال‏:‏ أما ابن أثال فقد قتلته، وذاك ابن جرموز ينعي أوصال الزبير بالبصرة فاقتله إن كنت ثائراً‏!‏‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ وهو

الشاهد الحادي والعشرون بعد المائة

جاريةٌ من قيسٍ ابن ثعلبة

على أن تنوين قيسٍ شاذ، لأن ابن وقع بين علمين مستجمع الشروط، فكان القياس حذف تنوين قيس، إلا أنه نونه لضرورة الشعر‏.‏

قال ابن جني في سر الصناعة‏:‏ من نونه لزمه إثبات الألف في ابن خطاً ‏.‏

وقال ابن الحاجب في الإيضاح‏:‏ وزعم قوم أن ابن ثعلبة بدلٌ، وقصده أن يخرجه عن الشذوذ؛ وهو بعيد، لأن المعنى على الوصف، وأيضاً‏:‏ فإن خرج عن الشذوذ باعتبار التنوين لم يخرج باعتبار استعمال ابن بدلاً ‏.‏

ومن أولئك القوم ابن جني، قال في سر الصناعة‏:‏ إلى هذا رأيت جميع أصحابنا يذهبون‏.‏ والذي أرى أن الشاعر لم يرد أن يجري ابناً وصفاً على ما قبله؛ ولو أراد لحذف التنوين؛ ولكن أراد أن يجري ابناً بدلاً مما قبله، وحينئذٍ لم يجعل معه كالشيء الواحد، فوجب أن ينوي انفصال ابن مما قبله، ووجب أن يبتدأ، فاحتاج إذاً إلى الألف لئلا يلزم الابتداء بالساكن ‏.‏

وعلى ذلك تقول‏:‏ كلمت زيداً ابن بكر، كأنك قلت‏:‏ كلمت ابن بكر، فكأنك قلت‏:‏ كلمت زيداً كلمت ابن بكر؛ لأن ذلك شرط البدل، إذ المبدل في التقدير من جملة ثانية‏.‏

وهذا البيت مطلع أرجوزة للأغلب العجلي‏.‏ وبعده‏:‏

كريمةٌ أخوالها والعصبة *** قباء ذات سرةٍ مقعبة

كأنها حقة مسكٍ مذهبة *** ممكورة الأعلى رداح الحجبة

كأنها حلية سيفٍ مذهبة *** أهوى لها شيخٌ شديد العصبة

خاظي البضيع أيره كالخشبة *** فضربت بالود فوق الأرنبة

ثم انثنت به فويق الرقبة *** فأعلنت بصوتها‏:‏ أن يا أبه

كل فتاةٍ بأبيها معجبة

وأراد بجارية‏:‏ امرأةً من العرب اسمها كلبة، كان بينهما مهاجاة؛ ومن قولها فيه‏:‏

ناك أبو كلبة أم الأغلب *** فهي على جردانه توثب

توثب الكلب لحس الأرنب وجارية خبر مبتدأ محذوف أي‏:‏ هذه جارية‏.‏ ومن قيس صفة لها‏.‏ وقيس بن ثعلبة‏:‏ قبيلة‏.‏

وهذا البيت من شواهد مغي اللبيب أيضاً، ولم يورده السيوطي في شرحها‏.‏ والقباء‏:‏ الضامرة البطن، مؤنث الأقب‏.‏ من القبب وهو دقة الخصر‏.‏ والمقعبة‏:‏ السرة التي دخلت في البطن، وعلا ما حولها حتى صار كالقعب، وهو القدح المقعر من الخشب‏.‏ وضمير كأنها للسرة‏.‏ والممكورة‏:‏ المطوية الخلق‏.‏ وأراد بالأعلى‏:‏ البطن والخصر‏.‏ والرداح بفتح الراء‏:‏ المرأة الثقيلة الأوراك‏.‏ والحجبة بفتح الحاء المهملة والجيم‏:‏ رأس الورك‏.‏ وضمير كأنها للجارية‏.‏ وحلية السيف‏:‏ زينته‏.‏ ومذهبة صفة حلية؛ وروى الزمخشري في مستقصى الأمثال ‏:‏

كأنها خلة سيفٍ مذهبة

بكسر الخاء المعجمة وتشديد اللام، قال في الصحاح‏:‏ الخلة بالكسر‏:‏ واحدة خلل السيوف، وهي بطائن كانت تغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره ‏.‏ وأهوى بالشيء‏:‏ إذا أومأ إليه، وأهوى إلى الشيء بيده‏:‏ مدها ليأخذه إذا كان عن قرب، فإن كان عن بعد قيل‏:‏ هوى إليه، بلا ألفٍ‏.‏ والخاظي بمعجمتين‏:‏ المكتنز والمتداخل‏.‏ والبضيع‏:‏ اللحم‏.‏ والأير‏:‏ آلة الرجل؛ وروى الزمخشري في المستقصى عرده كالخشبة ، والعرد بفتح العين وسكون الراء المهملتين‏:‏ الشيء الصلب، وأراد به الأير‏.‏ والود‏:‏ الوتد‏.‏ والأرنبة‏:‏ طرف الأنف‏.‏ وأن مفسرة؛ وروى الزمخشري‏:‏

وصرخت منه وقالت يا أبه

وقوله‏:‏ كل فتاة‏.‏‏.‏ هو من إرسال المثل، وليس من كلامها؛ قال الزمخشري‏:‏ هو مثل يضرب في إعجاب الرجل برهطه وإن كان غير أهل لذلك‏.‏ والأغلب العجلي قال الآمدي في المؤتلف والمختلف‏:‏ هو الأغلب ابن عمرو بن عبيدة بالتصغير ابن حارثة بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لجيم بالتصغير بن الصعب بن علي بن بكر بن وائل‏.‏ وهو أرجز الرجاز‏.‏ وأرصنهم كلاماً وأصحهم معاني‏.‏ وهو القائل‏:‏

الحلم بعد الجهل قد يثوب *** وفي الزمان عجبٌ عجيب

وعبرةٌ، لو ينفع التجريب *** واللب لا يشقى به اللبيب

والمرء محصىً سعيه مرقوب *** يهرم وتعتاقه شعوب

وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء‏:‏ كان الأغلب جاهلياً إسلامياً، وقتل بنهاوند‏.‏ وهو أول من أطال الرجز، وكان الرجل قبله يقول البيت والبيتين إذا فاخر وشاتم‏.‏ وقد ذكره العجاج بقوله‏:‏

إني أنا الأغلب أضحى قد نشر‏.‏‏.‏

وعده ابن الأثير في أسد الغابة من الصحابة‏.‏

قال ابن حجر في الإصابة‏:‏ قال ابن قتيبة‏:‏ أدرك الإسلام فأسلم وهاجر، ثم كان ممن سار إلى العراق مع سعد، فنزل الكوفة واستشهد في وقعة نهاوند‏.‏ وقد استدركه ابن الأثير‏.‏ قلت‏:‏ ليس في قوله‏:‏ وهاجر، ما يدل على أنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فيحتمل أنه أراد‏:‏ هاجر إلى المدينة بعد موته صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولهذا لم يذكره أحد من الصحابة‏.‏ وقد قال المرزباني في معجمه‏:‏ هو مخضرم ‏.‏

ولم يذكر ابن قتيبة هجرته كما نقلنا، ولعله نقله من كتاب آخر‏.‏ والله أعلم‏.‏

وقال أبو عبيد البكري في شرح نوادر القالي‏:‏ الأغلب العجلي آخر من عمر في الجاهلية عمراً طويلاً، وأدرك الإسلام فحسن إسلامه، وهاجر، واستشهد في وقعة نهاوند‏.‏

قال الآمدي‏:‏ من يقال له الأغلب من الشعراء ثلاثة‏:‏ أحدهم هذا‏.‏

والثاني‏:‏ الأغلب الكلبي‏؟‏ ولم أجد له في أشعار كلب شعراً، وأظن شعره درس فلم يدرك‏؟‏ والثالث‏:‏ الأغلب بن نباتة الأزدي ثم الدوسي، أنشد له بندار شعراً في معاني الشعر؛ ولم أر له ذكراً في أشعار الأزد، وأظنه إسلامياً متأخراً‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ وهو

الشاهد الثاني والعشرون بعد المائة

طلب المعقب حقه المظلوم

على أن فاعل المصدر - وإن كان مجروراً بإضافة المصدر إليه - محله الرفع فالمعقب فاعل المصدر، وقد جر بإضافته إليه، ومحله الرفع بدليل رفع وصفه وهو المظلوم‏.‏

وهذا عجز؛ وصدره‏:‏

حتى تهجر في الرواح وهاجها

وهو من قصيدة للبيد بن ربيعة الصحابي‏.‏ وصف به مع أبيات حماراً، وأتانه، شبه به ناقته‏.‏ وقبله‏:‏

لولا تسليك اللبانة حرةٌ *** حرجٌ كأحناء الغبيط عقيم

لولا هنا تخصصية‏.‏ والتسلية‏:‏ إزالة الهم؛ وضمنه معنى النسيان‏.‏ واللبانة‏:‏ الحاجة‏.‏ والحرج ، بفتح الحاء والراء المهملتين والثالث جيم‏:‏ الناقة الضامرة‏.‏ والغبيط بفتح الغين المعجمة‏:‏ الرحل؛ وهو للنساء يشد عليه الهودج‏.‏ وأحناؤه‏:‏ عيدانه، في الصحاح‏:‏ الحنو بالكسر‏:‏ واحد أحناء السرج والقتب‏.‏ وحنو كل شيء أيضاً‏:‏ اعوجاجه ‏.‏ والعقيم‏:‏ التي لا تلد؛ يريد‏:‏ أنها قوية صلبة لم يصبها ما يوهنها من فقد أولادها وغير ذلك‏.‏

حرفٌ أضر بها السفار، كأنه *** بعد الكلال مسدمٌ محجوم

الحرف‏:‏ الناقة الشديدة‏.‏ وأضر ، بالضاد المعجمة، بمعنى لصق ودنا دنواً شديداً؛ يقال أضر بفلان كذا‏:‏ أي‏:‏ لصق به ودنا منه‏.‏ والسفار‏:‏ فاعل أضر؛ وهو مصدر سافر يسافر مسافرة وسفاراً‏.‏ والكلال‏:‏ مصدر كل من المشي‏:‏ إذا أعيا‏.‏ والمسدم‏:‏ اسم مفعول، يقال‏:‏ فحل مسدم‏.‏ إذا جعل على فمه الكعام بالكسر، وهو شيء يجعل في فم البعير، يقال‏:‏ كعمت البعير‏:‏ إذا شددت به فمه في هياجه، فهو مكعوم‏.‏ والسدم ، بكسر الدال‏:‏ الفحل الهائج المشتهي الضراب‏.‏ والمحجوم‏:‏ من حجمت البعير أحجمه‏:‏ إذا جعلت على فمه حجاماً، وذلك إذا هاج للضراب؛ والحجام بتقديم المهملة المكسورة على الجيم‏:‏ شيء يجعل في مقدم أنف البعير كي لا يعض عند هيجانه‏.‏ ومسحلٌ شنجٌ عضادة سمحجٍ *** بسراته ندبٌ لها وكلوم

المسحل ، بكسر الميم وسكون السين وفتح الحاء المهملتين‏:‏ الحمار الوحشي؛ وصف ناقته بأبلغ ما يمكن من النشاط والقوة على السير؛ وذلك أنه شبهها بعد أن كلت وأعيت بالفحل الهائج وبالحمار الوحشي، وهما ما هما في القوة والجلد‏!‏ فما ظنك بهذه الناقة قبل الإعياء‏؟‏‏!‏ وشنج بفتح المعجمة وسكون النون من الشنج، وهو في الأصل التقبض؛ وأراد به هنا الملازم‏.‏ والعضادة بالكسر‏:‏ الجنب‏.‏ والسمحج ، بفتح السين وسكون الميم وآخره جيم قبلها مهملة‏:‏ الأتان الطويلة على الأرض‏.‏ والسراة ، بفتح المهملة‏:‏ الظهر‏.‏ والندب ، بفتح النون والدال أثر الجرح‏.‏ والكلوم‏:‏ الجراحات، جمع كلم بالفتح وهذا البيت من شواهد سيبويه‏:‏ أورده على عضادة، منصوب بشنج نصب المفعول به يقول‏:‏ إنه ملازم لأتانه، ولشدته وصلابته قد لازمها وقبض الناحية التي بينها وبينه، ولم يحجزه عن ذلك رمحها وعضها، اللذان بظهره منها ندب وكلوم‏.‏

ثم أخذ يصفه مع أتانه‏:‏ بأنهما كانا في خصب زماناً، حتى إذا هاج النبات ونضب الماء أسرع معها إلى كل نجدٍ، يريدان أطيب الكلأ وأهنأ المرعى إلى أن قال‏:‏

يوفي ويرتقب النجاد كأنه *** ذو إربةٍ كل المرام يروم

حتى تهجر في الرواح وهاجه *** طلب المعقب حقه المظلوم

قرباً يشج بها الحزون عشيةً *** ربذٌ كمقلاء الوليد شتيم

يوفي‏:‏ يشرف؛ وفاعله ضمير مسحل‏.‏ والنجاد‏:‏ جمع نجد، وهو المرتفع من الأرض، أي‏:‏ يشرف على الأماكن المرتفعة كالرقيب، وهو الرجل الذي يكون ربيئة القوم يرتفع على مكان عالٍ متجسساً‏.‏ والإربة ، بالكسر‏:‏ الحاجة‏.‏ وكل مفعول مقدم ليروم‏.‏ والتهجر‏:‏ السير في الهاجرة، وهي نصف النهار، عند اشتداد الحر‏.‏ وحتى بمعنى إلى‏.‏ والرواح‏:‏ اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل، وهو نقيض الغدو لا الصباح، خلافاً للجوهري‏.‏ وهاجه‏:‏ أزعجها‏.‏ وطلب‏:‏ مصدر تشبيهي أي‏:‏ هاج هذا المسحل أنثاه لطلب الماء طلباً حثيثاً كطلب المعقب؛ وهو اسم فاعل من التعقيب، وهو الذي يطلب حقه مرة بعد مرة‏.‏

واستشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا معقب لحكمه‏}‏ على أن المعقب‏:‏ المقتضي الذي يطلب الدين من الغريم؛ يقال‏:‏ عقب في الأمر‏:‏ إذا تردد في طلبه مجداً‏.‏ والقرب ، محركة‏:‏ سير الليل لورد الغد، وهو منصوب بيشج‏:‏ أي‏:‏ يقطع، يقال‏:‏ شججت المفازة‏:‏ إذا قطعتها، والباء بمعنى مع‏.‏ والحزون‏:‏ جمع حزن بالفتح، وهو ما غلظ من الأرض‏.‏ وربذ‏:‏ أي‏:‏ هو ربذ بفتح الراء وكسر الموحدة وبالذال المعجمة، وهو السريع الخفيف القوائم في المشي‏.‏ والمقلاء ، بالكسر والمد كمفعال، والقلة بالضم والتخفيف‏:‏ هما عودان يلعب بهما الصبيان، والأول يضرب به والثاني ينصب ليضرب؛ يقال‏:‏ قلوت القلة بالمقلاء أقلو قلواً‏.‏ أي‏:‏ أنه يسوقها كما أن المقلاء يسوق القلة‏.‏ والشتيم‏:‏ الكريه الوجه يشتم لعنفه وغلظته؛ وهو صفة ربذ‏.‏

وقوله‏:‏ طلب المعقب حقه يجوز أن يكون حقه مفعول المصدر، وهو الطلب، ويكون مفعول المعقب محذوفاً؛ وأن يكون مفعول المعقب، لأنه بمعنى الطالب والمقتضي، ويكون مفعول المصدر محذوفاً‏:‏ على التنازع‏.‏ وإلى هذا جنح الفارسي وقال‏:‏ فلو قدم المظلوم على حقه لم يجز، لأنك لا تصف الموصول، وهو أل هنا، حتى يتم بصلته، وصلته لم تتم بعد، لأن حقه من صلة المعقب ومن تمامه‏.‏

وتوجيه هذا الشاهد على ما ذكره الشارح المحقق هو المشهور والمتداول بين الناس، وهو ليعقوب بن السكيت‏.‏ وقال أبو حيان في تذكرته‏:‏ أنشده الفراء وهشام‏.‏ وهاجه بتذكير الضمير، على أنه عائد على الحمار؛ وقال‏:‏ الطلب عندهما في هذه الرواية مرفوع‏.‏ وفي البيت تخاريج أخر‏.‏

ثانيهما لأبي حاتم السجستاني قال‏:‏ المظلوم جار على الضمير الذي في المعقب‏:‏ يريد أنه بدل كل من الضمير لتساويهما في المعنى‏.‏ وقال العيني‏:‏ هو بدل اشتمال من الضمير ‏.‏ وفيه أن بدل الاشتمال لابد له من ضمير‏.‏

ثالثهما لأبي علي الفارسي في المسائل البصرية والقصرية‏:‏ وهو أن يكون المظلوم فاعل المصدر ويكون المصدر مضافاً لمفعوله؛ والمعقب حينئذ معناه الماطل، يقال عقبني حقي أي‏:‏ مطلني‏.‏ وعلى هذا فحقه مفعول المعقب لا غير، وحينئذ لا يجوز تقديم المظلوم عليه لما تقدم‏.‏ وكأنه قال‏:‏ طلب المظلوم الماطل حقه، فتكون الهاء راجعة إلى المظلوم على نحو‏:‏ ضرب غلامه زيدٌ، لأنها متصلة بالمفعول؛ أي‏:‏ طلب المدين الماطل حقه، أي‏:‏ حق المدين فإن الحق له لا للمستدين‏.‏ وقد يجوز أن تكون راجعة للمستدين، يريد حقه، أي‏:‏ الذي يجب عليه الخروج منه، وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليلبسوا عليهم دينهم‏}‏ فأضاف الدين إليهم لما كان واجباً عليهم الأخذ به وإن لم يكونوا متدينين به‏.‏

وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏زينا لكل أمةٍ عملهم‏}‏ أي‏:‏ العمل الذي أمروا به وندبوا إليه وشرع لهم‏.‏‏.‏ قال‏:‏ وعلى هذا يحتمل أن تكون راجعة إلى المعقب بأسره، وأن تكون راجعة إلى أل، على قول أبي بكر، وأن تكون راجعة إلى الذي دلت عليه أل على قول أبي عثمان‏.‏‏.‏ ونسب أبو حيان في تذكرته قول الفارسي إلى جماعة من قدماء اللغويين، وقال‏:‏ تلخيصه‏:‏ وهاج الحمار الأتان هيجاناً مثل طلب المعقب حقه‏.‏ وقالوا‏:‏ موضع المعقب نصبٌ بالطلب، وناصب الحق المعقب، وفاعل الطلب المظلوم‏.‏ وتفسير يعقب حقه يطلبه مرة بعد أخرى‏.‏

ولا يخفى أن هذا تخليط بين القولين‏.‏

رابعها لابن جني في المحتسب‏:‏ أن المظلوم فاعل حقه‏.‏ قال في سورة النحل في توجيه قراءة ابن سيرين‏:‏ وإن عقبتم فعقبوا ‏.‏ أي‏:‏ إن تتبعتم فتتبعوا بقدر الحق الذي لكم، ولا تزيدوا عليه، قال لبيد‏:‏

حتى تهجر في الرواح وهاجه *** طلب المعقب‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏الخ

أي‏:‏ هاجه طلباً مثل طلب المعقب حقه المظلوم، أي‏:‏ عازه ومنعه المظلوم، فحقه على هذا فعل حقه يحقه، أي‏:‏ لواه حقه‏.‏ ويجوز طلب المعقب حقه، فتنصب حقه بنفس الطلب مع نصب طلب، كما تنصبه مع رفعه، والمظلوم صفة المعقب على معناه دون لفظه، أي‏:‏ أن طلب المعقب المظلوم حقه في الموضعين جميعاً‏.‏

هذا كلامه‏.‏ وعليه فينظر‏:‏ ما فاعل حقه مع نصب طلب‏؟‏ وأما مع رفعه فهو فاعل هاجه‏.‏ وينظر أيضاً‏:‏ ما موضع جملة حقه المظلوم من الإعراب‏.‏ على أن حقه بمعنى لواه حقه لم أجده في كتب اللغة‏.‏

وقوله‏:‏ كما تنصبه أي‏:‏ تنصب الحق‏.‏ وقوله‏:‏ مع رفعه أي‏:‏ مع رفع الطلب‏.‏ وقوله‏:‏ في الموضعين جميعاً أي‏:‏ في نصب الطلب ورفعه وبالجملة كلامه هنا خلاف كلام الناس، وفيه تعقيد لا يظهر معه المراد‏.‏ فليتأمل‏.‏

وقال ابن بري في شرح أبيات الإيضاح لأبي علي‏.‏ قوله‏:‏ وهاجه ، أي‏:‏ أثاره يعني العير، والفاعل التهجر والطلب، والتقدير‏:‏ هاجه مثل طلب المعقب فحذف المضاف؛ ويروى‏:‏ هاجها أي‏:‏ هاج العير الأتان، وطلب منصوب على المصدر بما دل عليه المعنى، أي‏:‏ طلب الماء كطلب المعقب؛ وإن شئت جعلته مفعولاً من أجله، أي‏:‏ هاجها للطلب، وحقه مفعول بالمصدر، والمعقب فاعل أضيف إليه المصدر وهو الذي يتبع عقب الإنسان في طلب حق ونحوه، والمظلوم نعت للمعقب على الموضع‏.‏ وقال يعقوب‏:‏ المعقب‏:‏ الماطل، عقبني حقي، أي‏:‏ مطلني‏.‏ فعلى هذا يكون المعقب مفعولاً والمظلوم فاعلاً‏.‏ وقيل‏:‏ المظلوم بدل من الضمير في الصحابي رضي الله عنه‏.‏ قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، سنة وفد قومه بنو جعفر بن كلاب، فأسلم وحسن إسلامه‏.‏ وكان لبيد وعلقمة بن علاثة العامريان من المؤلفة قلوبهم؛ وهو معدود في فحول الشعراء المجودين، كذا في باب الاستيعاب‏.‏

وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء‏:‏ كنيته أبو عقيل‏.‏ وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم‏.‏ وكان الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الأعرج، وجه إلى المنذر بن ماء السماء مائة فارسٍ وأمره عليهم؛ فساروا إلى معسكر المنذر وأظهروا أنهم أتوه داخلين عليه في طاعته، فلما تمكنوا منه قتلوه وركبوا خيلهم، فقتل أكثرهم، ونجا لبيد؛ فأتى ملك غسان فأخبره، فحمل الغسانيون على عسكر المنذر فهزموهم - فهو يوم حليمة‏.‏

وحليمة‏:‏ بنت ملك غسان؛ وكانت طيبت هؤلاء الفتيان وألبستهم الأكفان‏.‏ ولما أسلم مع قومه رجع قومه إلى بلادهم، وقدم هو الكوفة؛ فأقام بها إلى أن مات؛ فدفن في صحراء بني جعفر بن كلاب‏.‏ ويقال‏:‏ إن وفاته كانت في أول مدة معاوية رضي الله عنه ومات وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة‏.‏ انتهى‏.‏

وقال في الاستيعاب‏:‏ قد قيل‏:‏ إنه مات بالكوفة أيام الوليد بن عقبة في خلافة عثمان وهو أصح‏.‏ فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً فنحرت عنه‏.‏

ثم قال ابن قتيبة‏:‏ ولم يقل شعراً في الإسلام إلا بيتاً واحداً، قال أبو اليقظان وهو قوله‏:‏

الحمد لله، إذ لم يأتيني أجلي *** حتى كساني من الإسلام سربالا‏!‏

وقال غيره‏:‏ بل هو قوله‏:‏‏(‏الكامل‏)‏

ما عاتب المرء الكريم كنفسه *** والمرء يصلحه الجليس الصالح

وكتب عمر بن الخطاب إلى عامله المغيرة بن شعبة بالكوفة‏:‏ أن استنشد من عندك من شعراء مصرك ما قالوه في الإسلام‏.‏ فأرسل إلى الأغلب العجلي أن أنشدني، فقال‏:‏

لقد طلبت هيناً موجود *** أرجزاً تريد أم قصيدا

ثم أرسل إلى لبيد‏:‏ أن أنشدني؛ فقال‏:‏ إن شئت ما عفي عنه يعني الجاهلية قال‏:‏ لا، ما قلت في الإسلام‏.‏ فانطلق إلى بيته فكتب سورة البقرة في صحيفة ثم أتى بها فقال‏:‏ أبدلني الله هذه في الإسلام مكان الشعر‏.‏ فكتب بذلك المغيرة إلى عمر، فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة، وزادها في عطاء لبيد، فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة‏.‏ فكتب الأغلب إلى عمر‏:‏ يا أمير المؤمنين تنقص عطائي أن أطعتك‏!‏ فرد عليه خمسمائة وأقر لبيداً على الألفين والخمسمائة فلما كان زمن معاوية رضي الله عنه وأراد أن يجعل عطايا الناس ألفين قال له‏:‏ هذان الفودان فما هذه العلاوة‏!‏ فقال له لبيد‏:‏ أموت ويبقى لك الفودان والعلاوة، وإنما أنا هامة اليوم وغد‏!‏ فرق له وترك عطاءه على حاله‏.‏ فمات بعد ذلك بيسير ولم يقبضها‏.‏

وفي الاستيعاب‏:‏ ذكر المبرد وغيره‏:‏ أن لبيداً كان شريفاً في الجاهلية والإسلام؛ وكان نذر أن لا تهب الصبا إلا نحر وأطعم؛ وأن الصبا هبت يوماً، وهو بالكوفة مقتر مملق، فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أبي معيط - وكان أميراً عليهالعثمان - فخطب الناس فقال‏:‏ إنكم قد عرفتم نذر أبي عقيل، وما وكد على نفسه؛ فأعينوا أخاكم‏.‏ ثم نزل، فبعث إليه بمائة ناقة وبعث الناس إليه فقضى نذره - وفي خبر غير المبرد‏.‏ فاجتمعت عنده ألف راحلة - وكتب إليه الوليد‏:‏

أرى الجزار يشحذ شفرتيه *** إذا هبت رياح أبي عقيل

أغر الوجه أبيض عامريٌ *** طويل الباع كالسيف الصيقل

وفي ابن الجعفري بحلفتيه *** على العلات والمال القليل

بنحر الكوم إذ سحبت عليه *** ذيول صباً تجاوب الأصيل

فقال لبيد لابنته‏:‏ أجيبيه، فقد رأيتني وما أعيا بجواب شاعر‏!‏ فأنشأت تقول‏:‏

إذا هبت رياح أبي عقيلٍ *** دعونا عند هبتها الوليدا

أشم الأنف أصيد عبشمي *** أعان على مروءته لبيدا

بأمثال الهضاب، كأن ركب *** عليها من بني حامٍ قعودا

أبا وهبٍ، جزاك الله خير *** نحرناها وأطعمنا الثريدا

فعد، إن الكريم له معادٌ *** وظني بابن أروى أن يعودا

فقال لها لبيد‏:‏ قد أحسنت لولا أنك استزدته‏!‏ فقالت‏:‏ والله ما استزدته إلا لأنه ملك، ولو كان سوقة لم أفعل‏.‏

وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ رحم الله لبيداً حيث يقول‏:‏

ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** وبقيت في خلفٍ كجلد الأجرب

لا ينفعون ولا يرجى خيرهم *** ويعاب قائلهم وإن لم يشغب

قالت‏:‏ فكيف لو أدرك زماننا‏!‏ انتهى‏.‏‏.‏ والخلف بسكون اللام‏:‏ النسل الطالح؛ وبفتح اللام‏:‏ النسل الصالح‏.‏ والشغب‏:‏ تهييج الشر والفتنة‏.‏

ثم قال ابن قتيبة‏:‏ وملاعب الأسنة عم لبيد‏.‏ وهو عامر بن مالك‏.‏ وسمي ملاعب الأسنة بقول أوس بن حجر‏:‏

ولاعب أطراف الأسنة عامرٌ *** فراح له حظ الكتيبة أجمع

وكان ملاعب الأسنة أخذ أربعين مرباعاً في الجاهلية‏.‏ وأربد بن قيس الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم غادراً مع عامر بن الطفيل هو أخو لبيد لأمه؛ فدعا الله عليهما، فمات عامر بالطاعون ونزلت صاعقة على أربد فأحرقته‏.‏ ويقال‏:‏ فيه نزلت‏:‏ ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ‏.‏ ورثاه لبيد بأشعار كثيرة‏.‏ انتهى‏.‏

وروى أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين ، بسنده إلى الشعبي قال‏:‏ أرسل إلي عبد الملك بن مروان، وهو شاكٍ، فدخلت عليه فقلت‏:‏ كيف أصبحت يا أمير المؤمنين‏؟‏ فقال‏:‏ أصبحت كما قال ابن قميئة الشاعر‏:‏

كأني وقد جاوزت تسعين حجة *** خلعت بها عني عذار لجامي

رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى *** فكيف بمن يرمى وليس برام

فلو أنها نبلٌ، إذاً لاتقيته *** ولكنني أرمى بغير سهام

إذا ما رآني الناس قالوا‏:‏ ألم تكن *** جليداً شديد البطش غير كهام

فنيت ولم يفن من الدهر ليلةً *** ولم يغن ما أفنيت سلك نظام

على الراحتين مرةً، وعلى العص *** أنوء ثلاثاً بعدهن قيامي

فقلت‏:‏ لا يا أمير المؤمنين، ولكنك كما قال لبيد بن ربيعة‏:‏

نفسي تشكى إلي الموت مجهشةً *** وقد حملتك سبعاً بعد سبعينا

فإن تزادي ثلاثاً تحدثي أمل *** وفي الثلاث وفاءٌ للثمانينا

فعاش والله حتى بلغ تسعين حجة، فقال‏:‏

كأني وقد جاوزت تسعين حجةً *** خلعت بها عن منكبي ردائيا

فعاش حتى بلغ عشراً ومائة سنة، فقال في ذلك‏:‏

أليس في مائة قد عاشها رجلٌ *** وفي تكامل عشرٍ بعدها عمر

فعاش والله حتى بلغ عشرين سنة ومائة، فقال في ذلك‏:‏

وغنيت سبتاً بعد مجرى داحسٍ *** لو كان للنفس اللجوج خلود

فعاش والله حتى بلغ أربعين ومائة سنة، فقال في ذلك‏:‏

ولقد سئمت من الحياة وطوله *** وسؤال هذا الناس‏:‏ كيف لبيد‏؟‏

فقال عبد الملك‏:‏ والله ما بي بأس، اقعد حدثني ما بينك وبين الليل‏.‏ فقعدت فحدثته حتى أمسيت؛ ثم فارقته فمات في ليلته‏.‏

وأنشد بعده وهو