فصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد الثامن والستون بعد الستمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ البسيط

إن تركبوا فركوب الخيل عادتن *** وتنزلون فإنا معشرٌ نزل

على أن تنزلون عند الخليل معطوفٌ على إن تركبوا على المعنى، وهو المسمى عطف التوهم‏.‏ وقال يونس‏:‏ هو على القطع، أي‏:‏ بل أنتم نازلون، وأو بمعنى بل‏.‏

وكلٌّ من الخليل ويونس شيخ سيبويه‏.‏ وهذا نصه في الكتاب‏.‏

وسألت الخليل رحمه الله عن قول الأعشى‏.‏

إن تركبوا فركوب الخيل عادتن ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

فقال‏:‏ الكلام ها هنا على قوله يكون كذا، ويكون كذا، لما كان موضعه ما لو قال فيه أتركبون لم ينقص المعنى، صار بمنزلة ولا سابق شيئاً‏.‏

وأما يونس، فقال‏:‏ أرفعه على الابتداء، كأنه قال‏:‏ وأنتم نازلون‏.‏ وقول يونس أسهل‏.‏

وأما قول الخليل فجعله بمنزلة قول زهير‏:‏ الطويل

بدا لي أني لست مدرك ما مضى *** ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا

والإشراك على هذا التوهم بعيد كبعد‏:‏ ولا سابق شيئاً‏.‏ انتهى‏.‏

قال الأعلم‏:‏ الشاهد في رفع تنزلون حملاً على معنى إن تركبوا، لأن معناه ومعنى أتركبون متقارب‏.‏ وكأنه قال‏:‏ أتركبون فذلك عادتنا، وتنزلون في معظم الحرب، فنحن معروفون بذلك‏.‏ هذا مذهب الخليل وسيبويه‏.‏

وحمله يونس على القطع، والتقدير عنده‏:‏ وأنتم تنزلون‏.‏ وهذا أسهل في اللفظ، والأول اصح في المعنى والنظم، والخليل ممن يأخذ بصحة المعاني ولا يبالي باختلال الألفاظ‏.‏ انتهى‏.‏

وكذا نقل ابن هشام في المغني‏.‏

فأنت ترى أنهم حملوه على إضمار المبتدأ بالنقل عن يونس، ولم يقل أحدٌ منهم‏:‏ إن وبمعنى الإضراب، كما قال الشارح المحقق‏.‏ ولا ضرورة تلجئه إليه‏.‏

واقتصر ابن عصفور في كتاب الضرائر على مذهب الخليل، وخصه بالضرورة، قال‏:‏ ألا ترى أن تنزلون حكمه أن تحذف منه النون للجزم، لأنه معطوف على الفعل المجزوم بأداة الشرط، وهو تركبوا، لكنه اضطر إلى رفعه بالنون فاستعمل الرفع بدل الجزم، حملاً على أتركبون المضمن معنى إن تركبوا، لأن الفعل المستفهم عنه جائز فيه أن يضمن معنى الشرط، إلا أن ما حمل عليه رفع تنزلون لا يحوج إلى اللفظ‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت من قصيدة الأعشى ميمون، التي أولها‏:‏ البسيط

ودع هريرة إن الركب مرتحل *** وهل تطيق وداعاً أيها الرجل

وتقدم شرح أبيات منها‏.‏ وهذه القصيدة ملحقة بالمعلقات السبع‏.‏

وروي البيت كذا أيضاً‏:‏

قالوا الطراد فقلنا تلك عادتن *** وتنزلون فإنا معشرٌ نزل

وعليه لا شاهد فيه‏.‏

ولم يذكر الخطيب التبريزي في شرح القصيدة غير هذه الرواية، وقال في شرحه‏:‏ يقول‏:‏ إن طاردتم بالرماح فتلك عادتنا، وإن نزلتم، تجالدون بالسيوف، نزلنا‏.‏ انتهى‏.‏

ونزل، بضمتين‏:‏ جمع نازل‏.‏ ونزولهم عن الخيل يكون عند ضيق المعركة، ينزلون فيقاتلون على أقدامهم، وفي ذلك الوقت يتداعون‏:‏ نزال‏.‏

وقد تقدم الكلام على شرح النزول مفصلاً في الشاهد الواحد والأربعين بعد الثلثمائة‏.‏

والأعشى شاعر جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الطويل

ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غرابها

وهذا عجز، وصدره‏:‏

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرةً

على أن ناعب عطف بالجر على مصلحين الواقع خبراً لليس على توهم الباء فيه، فإنها يجوز زيادتها في خبر ليس‏.‏

ومشائيم‏:‏ جمع مشؤوم كمنصور، وهو من به الشؤم، نسبهم إلى الشؤم وقلة الصلاح والخير‏.‏ يقول‏:‏ لا يصلحون أمر العشيرة إذا فسد ما بينهم ولا يأتمرون بخير، فغرابهم لا ينعب إلا بالتشتيت والفراق‏.‏

وهذا مثلٌ للتطير والتشؤوم بهم‏.‏ والعرب تتشاءم بصوت الغراب‏.‏

وقد تقدم شرحه مفصلاً في الشاهد الثامن والسبعين بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد التاسع والستون بعد الستمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الطويل

على الحكم المأتي يوماً إذا قضى *** قضيته أن لا يجور ويقصد

على أن القطع قد يجيء بعد الواو غير الجمعية‏.‏ وقد شرحه الشارح المحقق‏.‏

قال سيبويه‏:‏ ومما جاء منقطعاً قول الشاعر‏:‏

على الحكم المأتي‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

كأنه قال‏:‏ عليه غير الجور، ولكنه يقصد وهو يقصد، وهو قاصد، فابتدأ ولم يحمل الكلام على أن، كما تقول‏:‏ عليه أن لا يجوز، وينبغي له كذا وكذا، فالابتداء في هذا أسبق، وأعرف‏.‏ فمن ثم لا يكادون يحملونها على أن‏.‏ انتهى‏.‏

وقال النحاس في شرح شواهده‏:‏ سألت عنه أبا الحسن، فقال‏:‏ ويقصد مقطوع من الأول، وهو في معنى الأمر، وإن كان مضارعاً، كما تقول‏:‏ يقوم زيد فهو خبرٌ، وفيه معنى الأمر‏.‏ انتهى‏.‏

ومثله للأعلم، قال‏:‏ قطعه لأن المعنى‏:‏ وينبغي له أن يقصد، ولم يحمله على أول الكلام، لأن فيه معنى الأمر، فكأنه قال‏:‏ وليقصد في حكمه‏.‏

ونظيره مما جاء على لفظ الخبر ومعناه أمرٌ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن ، أي‏:‏ ليرضعن أولادهن، وينبغي لهن أن يرضعنهم‏.‏ انتهى‏.‏

ونقله الجوهري في الصحاح، وقال‏:‏ قال الأخفش‏:‏ أراد‏:‏ ينبغي أن يقصد، فلما حذفه، وأوقع يقصد موضع ينبغي رفعه، لوقوعه موقع المرفوع‏.‏

وإليه ذهب ابن جني في المحتسب‏.‏ وهذا توجيهٌ لانقطاعه واستئنافه، وليس المراد أن يقصد كان منصوباً بأن، فارتفع لما حذفت، كما ذهب إليه الدماميني في الحاشية الهندية، وقال‏:‏ ويحتمل أن يكون يقصد منصوباً في الأصل بإضمار أن، والمعنى‏:‏ عليه أن لا يجوز وعليه أن يقصد، ثم حذفت أن وارتفع الفعل كما في تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه ‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا المعنى وإن كان جيداً، إلا أنه لا يحسن التخريج على حذف أن، فإنه غير مقيس‏.‏ فالصحيح الاستئناف‏.‏

قال ابن الحاجب في الإيضاح‏:‏ العطف على يجور غير مستقيم لأن غرضه أن ينفي الجور، ويثبت القصد ليحصل المدح، وإذا أشرك بينه وبين الجور، دخل في النفي، فيصير نافياً للجور ونافياً للقصد، فلا يحصل مدح، بل يتناقض‏.‏ فوجب أن يحمل على أنه مستأنف، ليكون مثبتاً فيكون الجور منفياً، والقصد مثبتاً، فيحصل المقصود، ويرتفع التناقض‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ على الحكم ظرف وقع في موقع الخبر المقدم‏.‏

وروى‏:‏

على الحكم المأتي حقٌّ إذا قضى

فيكون حقٌّ هو الخبر، وعلى متعلقة به‏.‏

وقوله‏:‏ أن لا يجوز في تأويل مبتدأ مؤخر، والمعنى واجبٌ على كل حكم بين الناس يؤتى لفصل الخصومات، أن لا يجور في حكمه إذا قضى قضيته وحكم حكمه، وهو يقصد ويعدل في قضاياه‏.‏

وهذا منه إرشادٌ للحاكم إلى العدل في الحكم، وحث على النصفة‏.‏ والحكم، بفتحتين‏:‏ وصفٌ من حكمت بين القوم‏:‏ فصلت بينهم، فأنا حاكم وحكم بفتحتين‏.‏ والحكم، بالضم‏:‏ القضاء، وأصله المنع، يقال‏:‏ حكمت عليه، إذا منعته من خلافه، فلم يقدر على الخروج من ذلك‏.‏

والمأتي‏:‏ اسم مفعول من أتيته، يكون متعدياً بنفسه، ويجيء لازماً يتعدى بإلى‏.‏ وعلى الأول يكون اسم المفعول منه بدون إلى بلا حاجة إلى قول ابن الملا في شرح المغني‏:‏ المأتي معناه المأتي إليه، فهو على الحذف والإيصال، كقولهم المشترك‏.‏

وقضى‏:‏ حكم‏.‏ وقضية فعلية بمعنى مفعولة‏.‏ وجار في حكمه، أي‏:‏ ظلم‏.‏ والقصد‏:‏ العدل، يقال‏:‏ قصد في الأمر من باب ضرب، إذا توسط وطلب الأسد، ولم يجاوز الحد‏.‏

والبيت من قصيدة عدتها تسعة عشر بيتاً لأبي اللحام التغلبي أوردها أبو عمرو الشيباني في أشعار تغلب له، وانتخبها أبو تمام فأورد منها خمسة أبيات في مختار أشعار القبائل وهذا أولها‏:‏

عمرت وأطولت التفكر خالي *** وساءلت حتى كاد عمري ينفد

فأضحت أمور الناس يغشين عالم *** بما يتقى منها وما يتعمد

جديرٌ بأن لا أستكين ولا أرى *** إذا الأمر ولى مدبراً أتبلد

على الحكم المأتي حقٌّ إذا قضى ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

عمرت، أي‏:‏ عشت عمراً طويلاً، من باب فرح، والمصدر العمر بفتح العين وضمها مع سكون الميم فيهما‏.‏ وساءلت‏:‏ فاعلت من السؤال، أي‏:‏ أكثرت السؤال‏.‏ وينفد‏:‏ يفنى‏.‏

ويغشين‏:‏ يأتين‏.‏ والغشيان‏:‏ الإتيان‏.‏ وأراد بالعالم نفسه‏.‏ والفعلان بعده يجوز أن يكونا بالبناء للمعلوم، وبالبناء للمجهول‏.‏ ويتعمد‏:‏ بمعنى يقصد‏.‏

وجديرٌ‏:‏ خبر مبتدأ محذوف، أي‏:‏ أنا جدير بأن لا أستكين، أي‏:‏ لا أخضع ولا أذل‏.‏ وأرى بالبناء للمفعول‏.‏

وروي المصراع الثاني هكذا‏:‏

إذا حل أمرٌ ساءني أتبلد

أي‏:‏ أتحير كالبليد‏.‏

ومن هذه القصيدة‏:‏

وليس الفتى كما يقول لسانه *** إذا لم يكن فعلٌ مع القول يوجد

عسى سائلٌ ذو حاجةٍ إن منعته *** من اليوم سؤلاً أن يكون له غد

وإنك لا تدري بإعطاء سائلٍ *** أأنت بما تعطيه أم هو أسعد

وأبو اللحام شاعرٌ جاهلي، اسمه حريثٌ مصغر حارث‏.‏ واللحام بفتح اللام وتشديد الحاء المهملة‏.‏

وهذا شيءٌ من أخباره، أورده أبو عمرو الشيباني، قال‏:‏ كان أبو اللحام خرج في ناس من بني تغلب، فأغار على قرًى من قرى السواد، وأقام يجبيهم ويأخذ منهم، فبعث إليهم كسرى النخيرجان في خيلٍ من الأساورة، فهزم ذلك الجيش، وأخذ أبا اللحام فحمله على بعير، وعدله بفراش وهو مغلولٌ، فقال‏:‏ انظروا إلى هذا الخبيث الذي جاء يغير على الملك وهو عدل فراشٍ في الخفة‏!‏

ثم إنه نزل في ناحية الفرات على شاطئه الغربي، فبعث خيله إلى العرب فلم يصب أحداً إلا قتله‏.‏ وجعل مع أبي اللحام رجلاً من أهل الحيرة عربياً كان من أعوانه يقال له‏:‏ بريم، في سلسلةٍ، شمال أبي اللحام بيمينه، وهو يريد أن يقدم الحيرة، ليصلبه بها، فيراه من يقدم الحيرة من العرب‏.‏

فلقي رجلاً نبطياً كان يعرفه في بعض السواد إلى جنب أجمة، فأخذ منه دراهم فجعل إذا مشى ينطلق ببريم فيسقيه ويدهنه ويطعمه من تلك الدراهم‏.‏

فلما كان ذات ليلة أظلمت السماء بغيمٍ ومطر، وجعل يلح عليه بالشراب، ثم جعلا يمشيان في الأجمة فتناول سيف بريم فاستله ثم ضرب السلسلة فقطعها، ثم خرج إلى البرية فأتى رجلاً من الأعراب من بكر بن وائل فأخبره الخبر، وأخذ منه نجيبة فلحق بالشام‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

فنرجي ونكثر التأميلا

على أن نرجي مقطوع بعد الفاء‏.‏

وهذا عجزٌ، وصدره‏:‏

غير أنا لم يأتنا بيقينٍ

وتقدم شرحه قريباً‏.‏ والفاء استئنافية لا سببية، بدليل القطع‏.‏ وجوز هناك أن تكون سببية‏.‏ وإنما لم ينصب نرجي لعدم اللبس‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السبعون بعد الستمائة

وهو من شواهد سيبويه‏:‏ الطويل

وما هو إلا أن أراها فجاءةً *** فأبهت حتى ما أكاد أجيب

على أنه يروى بنصب أبهت، ورفعه على القطع، أي‏:‏ فأنا أبهت‏.‏

قال سيبويه‏:‏ وسألت الخليل رحمه الله عن قول الشاعر‏:‏

وما هو إلا أن أراها فجاءةً‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

فقال‏:‏ أنت في أبهت بالخيار، إن شئت حملتها على أن، وإن شئت لم تحملها، عليه فرفعت، كأنك قلت‏:‏ ما هو إلا الرأي فأبهت‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ هو ضمير يفسره خبره، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن هي إلا حياتنا الدنيا ‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ هذا ضميرٌ لا يعلم، ما يعنى به إلا بما يتلوه‏.‏ وأصله‏:‏ إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع هي موضع الحياة، لأن الخبر يدل عليها ويبينها‏.‏ انتهى‏.‏

وليس هو في البيت ضمير الشأن، والحديث كما زعمه شارح أبيات المفصل، لأن ضمير الشأن، لا بد أن يفسر بجملة، ولا جملة هنا، وأما أن أراها ففي تأويل المفرد كما صرح به سيبويه، لأن أن هي الناصبة للمضارع، وليست مخففة من الثقيلة لأنها تقع بعد فعل اليقين وما نزل منزلته، وحينئذ يكون اسمها ضميراً وخبرها جملة مفصولة عنها بقد، ولو، والسين، والنفي، على ما فصل في محله‏.‏

وقد غلط في ذلك الشارح فزعم أنها المخففة، قال‏:‏ والتقدير إلا أنه أراها، أي‏:‏ إن الشأن‏.‏ وهذه غفلة منه، فإنها لو كانت المخففة ما كان وجهٌ لنصب أبهت بالعطف على مدخولها‏.‏

وأراها، بفتح الهمزة من رؤية العين تتعدى إلى مفعول واحد، وهو ضمير الحبيبة‏.‏ ورأيته في بعض النسخ بضم الهمزة على أنه من رأى المتعدي بالهمزة إلى مفعول ثان، فيكون المفعول الأول نائب الفاعل وهو ضمير المتكلم، والثاني ضمير الحبيبة‏.‏

والفجاءة بالضم والمد‏:‏ البغتة، يقال‏:‏ فجئت الرجل أفجؤه، مهموز، من باب تعب‏.‏ وفي لغة بفتحتين، إذا جئته بغتة‏.‏ والاسم الفجأة‏.‏ وفجاءةً‏:‏ مفعول مطلق، أي‏:‏ رؤية فجأة‏.‏ وقول ذلك الشارح هو مصدر في موضع الحال من الفاعل والمفعول أي مفاجئ ومفاجأة‏.‏

وقوله‏:‏ فأبهت إن روي بالنصب فالفاء عاطفة، عطفت أبهت على أراها، وهو عطف مفرد على مفرد، وهو في تأويل مصدر، أي‏:‏ إلا الرأي فالبهت‏.‏

وإن روي بالرفع فالفاء استئنافية، وجملة البهت خبر مبتدأ محذوف، أي‏:‏ فأنا أبهت بفتح الهمزة وضم الهاء وفتحها، لأنه جاء من بابي قرب وتعب، بمعنى أدهش وأتحير‏.‏ وأما أبهت بالبناء للمفعول فغير مرادٍ هنا‏.‏ يقال‏:‏ بهته يبهته بفتحتين، فبهت بالبناء للمفعول، فهذا متعدٍّ وذاك لازم‏.‏

وحتى‏:‏ هنا ابتدائية، ومعناها الغاية، وما‏:‏ نافية‏.‏ وأكاد‏:‏ بمعنى أقرب‏.‏ وجملة‏:‏ أجيب في محل نصب خبرها، ومفعول أجيب محذوف، أي‏:‏ أجيبها إن كلمتني‏.‏

ومثله قول الآخر‏:‏ الطويل

علامة من كان الهوى في فؤاده *** إذا لقي المحبوب أن يتحيرا

والبيت من قصيدة لعروة بن حزامٍ العذري، تقدمت مع ترجمته في الشاهد السادس والتسعين بعد المائة‏.‏

وقبله وهو مطلع القصيدة‏:‏

وإني لتعررني لذكراك روعةٌ *** لها بين جلدي والعظام دبيب

وقد وقع البيت الشاهد مع بيتين آخرين من القصيدة في قصيدةٍ لكثير عزة، أورد ستة أبيات، منها في حماسته الشريف ضياء الدين هبة الله علي بن محمد بن حمزة الحسيني، وهي‏:‏

أبى القلب إلا أم عمرو وبغضت *** إلي نساءً ما لهن ذنوب

وليس على شحط النوى أكثر البك *** لقد كنت أبكي والمزار قريب

لعمر أبيها إن دهراً يرده *** إلي على شحط النوى لطلوب

وما هو إلا أن أراه ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

وقد وقع البيت الشاهد بقافيةٍ رائيةٍ في قصيدةٍ لأبي صخرٍ الهذلي منها‏:‏

وإني لآتيها أريد عتابه *** وأوعدها بالهجر ما برق الفجر

فما هو إلا أن رأها فجاءةً *** فأبهت لا عرفٌ لدي ولا نكر

وأنسى الذي فيه أكون هجرته *** كما قد تنسي لب شاربها الخمر

وعلى هذا فضمير هو عائد على العتاب‏.‏

وأبو صخر الهذلي تقدمت ترجمته في الشاهد الخامس بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الحادي والسبعون بعد الستمائة

وهو من شواهد س‏:‏ الكامل

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

على أن تأتي منصوب بأن مضمرة بعد واو الجمعية الواقعة بعد النهي‏.‏

قال سيبويه‏:‏ واعلم أن الواو وإن جرت هذا المجرى، فإن معناها ومعنى الفاء مختلفان‏.‏

ألا ترى الأخطل قال‏:‏

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

فلو دخلت الفاء ها هنا، لأفسدت المعنى، وإنما أراد‏:‏ لا تجمعن النهي، والإتيان، فصار تأتي على إضمار أن‏.‏ انتهى‏.‏

ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي‏:‏ وأنت تأتي، ولا يجوز جزمه، لفساد المعنى‏.‏ وعار خبر مبتدأ محذوف، أي‏:‏ هو عارٌ‏.‏ وعظيم صفته‏.‏ وهذه الجملة دليل جواب إذا‏.‏ ومعنى البيت من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ‏.‏

وقال الحاتمي‏:‏ هذا أشرد بيتٍ قيل في تجنب إتيان ما نهي عنه‏.‏ والبيت وجد في عدة قصائد‏.‏ ومنه اختلف في قائله، فنسبه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في أمثاله إلى المتوكل بن عبد الله الليثي الكناني‏.‏ وأورده في باب تعيير الإنسان صاحبه بعيب هو فيه‏.‏

والمتوكل الليثي من شعراء الإسلام، وهو من أهل الكوفة، وكان في عصر معاوية وابنه يزيد، ومدحهما‏.‏

ونسبه إليه أيضاً الآمدي في المؤتلف والمختلف، وقال فيمن يقال له المتوكل‏:‏ منهم المتوكل الليثي، وهو المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن وهب بن عمرو بن لقيط بن يعمر الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة‏.‏

الشاعر المشهور، القائل‏:‏

لا تنه عن خلق‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

ونسبه إليه أيضاً أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني وذكر بإسناد أن الأخطل قدم الكوفة فنزل على قبيصة بن ذالق، فقال المتوكل الليثي لرجلٍ من قومه‏:‏ انطلق بنا إلى الأخطل نستنشده ونسمع من شعره‏.‏ فأتياه فقالا له‏:‏ أنشدنا يا أبا مالك‏.‏ فقال‏:‏ إنني لخاثرٌ يومي هذا‏.‏

فقال له المتوكل‏:‏ أنشدنا أيها الرجل، فوالله لا تنشدني قصيدةً إلا أنشدتك مثلها، وأشعر منها‏.‏ قال‏:‏ ومن أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا المتوكل‏.‏ قال‏:‏ ويحك، أنشدني من شعرك‏.‏

فأنشده‏:‏ الكامل

للغانيات بذي المجاز رسوم *** فببطن مكة عهدهن قديم

فبمنحر البدن المقلد من منًى *** حلل تلوح كأنهن نجوم

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

والهم إن لم تمضه لسبيله *** داءٌ تضمنه الضلوع قديم

وكذلك نسبه إليه الزمخشري في المستقصى قال‏:‏ هو من قول المتوكل الكناني‏:‏

ابدأ بنفسك فانهها عن غيه *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى *** بالقول منك ويقبل التعليم

لا تنه عن خلقٍ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

ونسبه سيبويه للأخطل‏.‏ ونسبه الحاتمي لسابق البربري‏.‏ ونقل السيوطي عن تاريخ ابن عساكر أنه للطرماح‏.‏

والمشهور أنه من قصيدةٍ لأبي الأسود الدؤلي‏.‏ قال اللخمي في شرح أبيات الجمل‏:‏ الصحيح أنه لأبي الأسود‏.‏ فإن صح ما ذكر عن المتوكل فإنما أخذ البيت من شعر أبي الأسود‏.‏ والشعراء كثيراً ما تفعل ذلك‏.‏ وهذه هي قصيدة أبي الأسود، سقناها برمتها لجودتها‏:‏

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداءٌ له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهه *** حسداً وبغياً إنه لدميم

والوجه يشرق في الظلام كأنه *** بدرٌ منيرٌ والنساء نجوم

وترى اللبيب محسداً لم يجترم *** شتم الرجال وعرضه مشتوم

وكذاك من عظمت عليه نعمةٌ *** حساده سيفٌ عليه صروم

فاترك محاورة السفيه فإنه *** ندمٌ وغبٌّ بعد ذاك وخيم

وإذا جريت مع السفيه كما جرى *** فكلاكما في جريه مذموم

وإذا عتبت على السفيه ولمته *** في مثل ما تأتي فأنت ظلوم

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله *** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

ابدأ بنفسك وانهها عن غيه *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى *** بالعلم منك وينفع التعليم

ويل الخلي من الشجي فإنه *** نصب الفؤاد بشجوه مغموم

وترى الخلي قرير عين لاهي *** وعلى الشجي كآبةٌ وهموم

ويقول‏:‏ ما لك لا تقول مقالتي *** ولسان ذا طلقٌ وذا مكظوم

لا تكلمن عرض ابن عمك ظالم *** فإذا فعلت فعرضك المكلوم

وحريمه أيضاً حريمك فاحمه *** كي لا يباع لديك منه حريم

وإذا اقتصصت من ابن عمك كلمةً *** فكلومه لك إن عقلت كلوم

وإذا طلبت إلى كريمٍ حاجةٌ *** فلقاؤه يكفيك والتسليم

فإذا رآك مسلماً ذكر الذي *** كلمته فكأنه ملزوم

ورأى عواقب حمد ذاك وذمه *** للمرء تبقى والعظام رميم

فارج الكريم وإن رأيت جفاءه *** فالعتب منه والكرام كريم

إن كنت مضطراً وإلا فاتخذ *** نفقاً كأنك خائفٌ مهزوم

واتركه واحذر أن تمر ببابه *** دهراً وعرضك إن فعلت سليم

فالناس قد صاروا بهائم كلهم *** ومن البهائم قائلٌ وزعيم

عميٌ وبكم ليس يرجى نفعهم *** وزعيمهم في النائبات مليم

وإذا طلبت إلى لئيمٍ حاجةً *** فألح في رفقٍ وأنت مديم

والزم قبالة بيته وفناءه *** بأشد ما لزم الغريم غريم

وعجبت للدنيا ورغبة أهله *** والرزق فيما بينهم مقسوم

والأحمق المرزوق أعجب من أرى *** من أهلها والعاقل المحروم

ثم انقضى عجبي لعلمي أنه *** رزقٌ موافٍ وقته معلوم

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثاني والسبعون بعد الستمائة

وهو من شواهد س‏:‏ الطويل

وما أنا للشيء الذي ليس نافعي *** ويغضب منه صاحبي بقؤول

على أن سيبويه جوز في يغضب النصب والرفع‏.‏

وهذا نص سيبويه‏:‏ وسمعنا من ينشد هذا البيت من العرب، وهو لكعبٍ الغنوي، بالنصب‏.‏ والرفع أيضاً جائزٌ حسن‏.‏ ويغضب معطوف على الشيء، ويجوز رفعه على أن يكون داخلاً في صلة الذي‏.‏ انتهى‏.‏

قال النحاس‏:‏ قال محمد بن يزيد‏:‏ الرفع الوجه، لأن يغضب في صلة الذي، لأن معناه الذي يغضب منه صاحبي‏.‏ قال‏:‏ وكان سيبويه يقدم النصب، ويثني بالرفع، وليس القول عندي كما قال، لأن المعنى الذي يصح عليه الكلام إنما يكون بأن يقع يغضب في الصلة كما ذكرت لك‏.‏

ومن أجاز النصب، فإنما يجعل يغضب معطوفاً على الشيء، وذلك جائز ولكنه بعيد‏.‏ وإنما جاز لأن الشيء منعوت، فكأن تقديره‏:‏ وما أنا للشيء الذي هذه حاله ولأن يغضب صاحبي‏.‏ وهو كلامٌ محمول على معناه، لأنه ليس يقول الغضب‏.‏ ومثل هذا تجوز‏.‏ تقول‏:‏ إنما جاء بك طعام زيد‏.‏ والمعنى‏:‏ إنما جئت من أجله‏.‏

قال أبو إسحاق‏:‏ النصب بمعنى وغضب، أي‏:‏ دون غضب صاحبي‏.‏ والرفع على أن يكون داخلاً في صلة الذي، كأنه قال‏:‏ والذي يغضب منه صاحبي‏.‏ وسألت عنه أبا الحسن، فقال‏:‏ يجوز عندي أن يكون جواباً لما‏.‏ انتهى‏.‏

أي‏:‏ يكون يغضب منصوباً بعد الواو في جواب النفي الأول الذي هو‏:‏ وما أنا، دون الثاني الذي هو‏:‏ ليس نافعي‏.‏ وهو المسمى في الشرح بالصرف‏.‏ وهو مختار الشارح، تبعاً لصاحب اللباب‏.‏

وفيه ردٌّ على ابن الحاجب في أماليه على المفصل من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه زعم أن الواو في ويغضب ليست واو الجمع، وإنما هي واو العطف‏.‏ وذكرها الزمخشري وإن لم يكن بابها لموافقتها لواو الجمع من وجهين، الرفع والنصب‏.‏ وكذلك فعل في الفاء‏.‏

ثانيهما‏:‏ في اتباعه لسيبويه في زعمه أن يغضب معطوف على قوله للشيء‏.‏

بقي احتمالٌ آخر لعطف يغضب المنصوب، قال ابن الحاجب‏:‏ ولا يستقيم أن يكون معطوفاً على نافعي لأمر معنوي، وهو أنه يصير المعنى‏:‏ لا ينفعني ولا يغضب صاحبي‏.‏ وليس الغرض كذلك، بل الغرض نفي النفع عنه، وإثبات الغضب للصاحب‏.‏

وأورد على مختار الشارح بأنه يلزم منه تقدم المعطوف، وهو يغضب، على المعطوف عليه، وهو قؤول‏.‏ وأجاب بأنه قوله‏:‏ ويغضب في نية التأخير، إذ التقدير‏:‏ وما أنا بقؤول للشيء الذي لا ينفعني، ويغضب صاحبي بالنصب، أي‏:‏ مع غضب صاحبي‏.‏

فيغضب وإن كان مقدماً لفظاً على قؤول فهو متأخر معنًى، لأن بقؤول خبر ما، فهو مقدم في التقدير‏.‏ ونظيره تقدم الفاء في قولك‏:‏ متى فأكرمك تكرمني‏.‏ والتقدير‏:‏ متى تكرمني فأكرمك‏.‏

وقول الشارح المحقق‏:‏ وقال أبو علي في كتاب الشعر‏:‏ بل هو عطف على نافعي، أراد بكتاب الشعر كتابه المسمى بإيضاح الشعر وإعراب الشعر‏.‏

وهذه عبارته فيه‏:‏ في قولك يغضب ضربان‏:‏ إن جعلتها داخلةً في الصلة كانت مرفوعة، لأنه لا شيء يحمل عليه، فينصب، فإذا عطف لم يخرجها من الصلة وحمل الكلام على المعنى، كأنه قال وما أنا للذي لا ينفعني ويغضب منه صاحبي بقؤول‏.‏

فإذا دخل يغضب في الصلة عطف المضارع على اسم الفاعل، وكل واحد من المضارع، واسم الفاعل يعطف على الآخر لتشابههما‏.‏ وموضع المضارع الذي هو يغضب نصبٌ للعطف على خبر ليس، والضمير الذي هو منه، يعود على اسم ليس، والمقول حينئذٍ هو الشيء، والقول يقع عليه لعمومه، واحتماله أن يكون القول وغيره‏.‏ وليس كالغضب‏.‏

فإذا أخرج يغضب من الصلة أضمر أن بعطفه إياها على الشيء، كأنه قال‏:‏ وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ويغضب صاحبي بقؤول‏.‏

فالغضب لا يقال، ولكن التقدير ولقول غضب صاحبي‏.‏ فتضيف القول الحادث عنه الغضب إلى الغضب، كما تقول‏:‏ ضرب التلف، فتضيف الضرب، إلى ما يحدث عنه‏.‏ هذا كلامه‏.‏

ونظر صاحب اللباب في تقدير القول المضاف، وبينه شارحه الفالي بأن القول المقدر، إما من باب إضافة المصدر إلى المفعول، ومن باب إضافة الشيء للشيء للملابسة‏.‏ وهما فاسدان‏.‏

أما الأول فلأنه يلزم منه وقوعه على ما هرب منه، إذ يلزم أن يكون الغضب مقولاً‏.‏

وأما الثاني فلأن لفظة منه تدفعه، إذ إضافة الملابسة مغنية عن ذكر منه، إذ قولك قول غضب صاحبي بمعنى الملابسة، معناه قول يصدر، ويتولد عنه غضب صاحبي‏.‏ فلا حاجة إلى ذكر منه، كما تقول‏:‏ رأيتك يوم خرجت، فإن الإضافة مصححة لكون الخروج في اليوم، فلا حاجة إلى أن تقول يوم خرجت فيه‏.‏

والبيت من قصيدة لكعب بن سعدٍ الغنوي، أوردها أبو تمام في مختار أشعار القبائل وأورد بعضها القالي في أماليه، والشريف في حماسته، وهي‏:‏

لقد أنصبتني أم عمروٍ تلومني *** وما لوم مثلي باطلاً بجميل

ألم تعلمي أن لا يراخي منيتي *** قعودي ولا يدني الحمام رحيلي

فإنك واللوم الذي ترجعينه *** علي وما لوامةٌ بعقول

كداعي هديلٍ لا يجاب إذا دع *** ولا هو يسلو عن دعاء هديل

وذي ندبٍ دامي الأظل قسمته *** محافظةً بيني وبين زميلي

وزادٍ رفعت الكف عنه عفافةً *** لأوثر في زادي علي أكيلي

ومن لا ينل حتى يسد خلاله *** يجد شهوات النفس غير قليل

وعوراء قد قيلت فلم ألتفت له *** وما الكلم العوراء لي بقبول

وما أنا للشيء الذي ليس نافعي ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

ولن يلبث الجهال أن يتهضمو *** أخا الحلم ما لم يستعن بجهول

وهذا ما أورده أبو تمام‏.‏

وأنصبه‏:‏ أوقعه في النصب بفتحتين، وهو التعب‏.‏ والحمام‏:‏ الموت‏.‏ والهديل‏:‏ فرخ كان على عهد نوحٍ عليه السلام، فصاده جارحٌ من جوارح الطير‏.‏ قالوا‏:‏ فليس من حمامةٍ إلا وتبكي عليه‏.‏

قال الكميت‏:‏ الوافر

وما من تهتفين به لنصرٍ *** بأقرب جابةً لك من هديل

والندب بفتحتين، قال القالي‏:‏ هو الأثر، وجمعه ندوب وأنداب‏.‏ والأظل بالمعجمة، قال القالي‏:‏ هو باطن خف البعير‏.‏ والزميل‏:‏ الرفيق‏.‏ يريد أنه قسم ظهر بعيره بينه وبين رفيقه في الركوب، ولم يتركه ماشياً‏.‏

والعفافة‏:‏ العفة‏.‏ والأكيل‏:‏ المؤاكل‏.‏ والخلال بالكسر‏:‏ جمع خلة بالفتح‏:‏ الحاجة والفقر‏.‏ والعوراء‏:‏ الكلمة القبيحة‏.‏ وتهضمه وهضمه، إذا دفعه عن موضعه‏.‏

وكعب بن سعد الغنوي هو شاعرٌ إسلامي، وهو أحد بني سالم بن عبيد ابن سعد بن عوف بن كعب بن جلان، بكسر الجيم وتشديد اللام، ابن غنم بسكون النون، ابن غني بن أعصر‏.‏ كذا قال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي في موضعين منه‏.‏

وقد راجعت كتب الصحابة وكتاب الشعراء لابن قتيبة، وكتاب الأغاني وغيرها، فلم أجد ترجمته في أحدها، إلا ما قاله أبو عبيدٍ المذكور‏.‏ والظاهر أنه تابعي‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

ولبس عباءةٍ وتقر عيني *** أحب إلي من لبس الشفوف

على أن تقر منصوب بأن بعد واو العطف‏.‏

قال سيبويه‏:‏ لما لم يستقم أن تحمل وتقر وهو فعل، على لبس وهو اسم، ولما ضممته إلى الاسم، وجعلت أحب لهما، ولم ترد قطعه، لم يكن بد من إضمار أن‏.‏

قال النحاس‏:‏ قال أبو الحسن‏:‏ أي لم ترد لبس عباءة أحب إلي‏.‏ وأن تقر عيني، لأن هذا يبطل المعنى، لأنه لم يرد أن لبس عباءة أحب إليه‏.‏ هذا سخف، إنما أراد قرة العين، فلهذا نصب‏.‏

وقال الأعلم‏:‏ نصب تقر بإضمار أن ليعطف على اللبس، لأنه اسم وتقر فعل، فلم يمكن عطفه عليه، فحمل على إضمار إن لأن أن وما بعدها اسم، فعطف اسماً على اسم وجعل الخبر عنهما واحداً، وهو أحب‏.‏

والمعنى‏:‏ لبس عباءةٍ مع قرة العين، وصفاء العيش أحب إلي من لبس الشفوف مع سخنة العين ونكد العيش‏.‏

والعباءة‏:‏ جبة الصوف‏.‏ والشفوف‏:‏ ثيابٌ رقاقٌ تصب البدن، واحدها شفٌّ‏.‏ انتهى‏.‏

فإن قلت‏:‏ ما الفرق بين واو الجمع، وواو العطف، وهل هما إلا شيءٌ واحد‏؟‏ قلت‏:‏ واو الجمع في الأصل للعطف، لكنه خص ببعض أحواله، وذلك أن المعطوف قد يكون قبل المعطوف عليه في الوجود، وقد يكون بعده‏:‏ وقد يكون معه، نحو‏:‏ جاء زيد وعمروٌ قبله وبعده ومعه‏.‏

فخص واو الجمع بما يكون بمعنى مع، فهو باعتبار أصل معنى العطف احتاج إلى تقدير مصدر منتزع من الأول‏.‏ وباعتبار اختصاصه العارض بحال المعية، صار كأنه قسيمٌ للعطف المطلق الذي لا يتقيد‏.‏ فواو الجمع عطفٌ مقيد بالمعية، وواو العطف غير مقيد بها‏.‏ فهذا هو الفرق‏.‏

وقال اللخمي في شرح أبيات الجمل‏:‏ ولو رفعت وتقر لجاز، على أن ينزل الفعل منزلة المصدر، ونحو قولهم‏:‏ تسمع بالمعيدي ، فتسمع منزل منزلة سماعك‏.‏ وكقول جريرٍ يعني الفرزدق‏:‏ المتقارب

نفاك الأغر بن عبد العزيز *** وحقك تنفى من المسجد

وقول امرىء القيس‏:‏ الطويل

فدمعهما سحٌّ وسكبٌ وديمةٌ *** ورشٌّ وتوكافٌ وتنهملان

قال‏:‏ يريد وحقك النفي وانهمالٌ‏.‏

واستشهد صاحب الكشاف بالبيت على قراءة‏:‏ وآوي بالنصب على إضمار أن، كأنه قيل‏:‏ لو أن لي بكم قوة وأوياً، كما في‏:‏ لبس عباءة وقرة عيني‏.‏

والبيت من أبيات لميسون بنت بحدل الكلبية، وتقدمت مشروحة في الشاهد الثامن والخمسين بعد الستمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثالث والسبعون بعد الستمائة

الكامل وأن يلوم بحاجةٍ لوامها

على أن أن قد ظهرت بعد وفي الشعر‏.‏

وهذا عجز، وصدره‏:‏

أقضي اللبانة لا أفرط ريبةً

والبيت من معلقة لبيد الصحابي رضي الله عنه‏.‏ قال شارح المعلقات القاضي أبو الحسين الزوزني‏:‏ يقول‏:‏ أقضي وطري، ولا أفرط في طلب بغيتي، ولا أدع ريبةً إلا أن يلومني لائم‏.‏ وتحرير المعنى‏:‏ أنه لا يقصر، لكنه لا يمكنه الاحتراز عن لوم اللوام‏.‏ وأو في قوله‏:‏ وأن يلوم بمعنى إلا أن يلوم‏.‏ ومثله قولهم‏:‏ لألزمنه ويعطيني ديني، معناه إلا أن يعطيني حقي‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

يقال‏:‏ قضيت وطري، أي‏:‏ بلغته ونلته‏.‏ واللبانة بضم اللام‏:‏ الحاجة‏.‏ ويقال‏:‏ فرطته، أي‏:‏ تركته وتقدمته‏.‏ كذا في الصحاح‏.‏ وفرط في الأمر تفريطاً‏:‏ قصر فيه وضيعه‏.‏ والريبة‏:‏ الحاجة، ومثله الريب‏.‏

قال الشاعر‏:‏ الوافر

قضينا من تهامة كل ريبٍ

هذا المناسب، وهو المفهوم من كلام الزوزني السابق‏.‏

وقال أبو جعفر النحوي، والخطيب التبريزي، وأبو الحسن الطوسي في شروحهم‏.‏ الريب‏:‏ الشك‏.‏

ورووا‏:‏

أقضي اللبانة أن أفرط ريبةً

بنصب ريبة، ورفعها‏.‏ قالوا‏:‏ فمن رفع جعله خبر ابتداء، والمعنى تفريطي ريبةٌ‏.‏ ومن نصب، فالمعنى مخافة أن أفرط، ثم حذف مخافة‏.‏ هذا قول البصريين‏.‏

وقال الكوفيون‏:‏ لئلا مضمرة، والمعنى لئلا أفرط ريبة‏.‏ يريد إني أتقدم في قضاء حاجتي، لئلا أشك، وأقول إذا فاتتني‏:‏ ليتني تقدمت، ويلومي لائمٌ على تقصيري‏.‏ والمعنى‏:‏ إني لا أدع ريبةً تنفذني حتى أحكمها‏.‏ والتفريط‏:‏ الإنفاذ والتقديم‏.‏

هذا كلامهم‏.‏

وفي حلهم المعنى قلاقة، وعقادة‏.‏ وليست وعلى كلامهم بمعنى إلا‏.‏

ومعنى البيت على شرح الزوزني واضحٌ لا خفاء فيه‏.‏ واللوام‏:‏ مبالغة لائم، فاعل يلوم‏.‏

وترجمة لبيد تقدمت في الشاهد الثاني والعشرين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الرابع والسبعون بعد الستمائة

الطويل

لقد عذلتني أم عمروٍ ولم أكن *** مقالتها ما كنت حياً لأسمعا

على أن مقالتها مفعول مقدم لأسمع عند الكوفيين، كما نقله الشارح المحقق وغيره‏.‏

وعند البصريين منصوب بفعلٍ محذوفٍ يفسره المذكور، والتقدير‏:‏ ما كنت أسمع مقالتها‏.‏ ثم بين ما أضمر بقوله‏:‏ لأسمعا‏.‏

وهذا البيت قد أورده ابن الأنباري في مسائل الخلاف، وابن يعيش في شرح المفصل، ولم أقف على تتمته ولا على قائله‏.‏ والله أعلم بذلك‏.‏

وما‏:‏ مصدرية ظرفية، وحياً خبر كنت، أي‏:‏ مدة كوني حياً‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الخامس والسبعون بعد الستمائة

الطويل

وحق لمثلي يا بثينة يجزع

على أن أصله‏:‏ أن يجزع، فحذفت أن، وارتفع الفعل، وهو نائب فاعل حق‏.‏

قال ابن جني في سر الصناعة‏:‏ وقد حملهم كثرة حذف أن مع غير الفاعل على أن استجازوا ذلك مع اسم، ما لم يسم فاعله، وإن كان جارياً مجرى الفاعل، وقائماً مقامه، وذلك قول جميل‏:‏

جزعت حذار البين يوم تحملو *** وحق لمثلي يا بثينة يجزع

أراد‏:‏ أن يجزع‏.‏ على أن هذا قليل‏.‏ والمفعول قد يكون غير اسم صريح، نحو‏:‏ ظننت زيداً يقوم، والفاعل لا يكون إلا اسماً صريحاً محضاً، وهم على إمحاضه اسماً أشد محافظة من جميع الأسماء‏.‏

ألا ترى أن المبتدأ قد يقع غير اسم محض، وهو قولهم‏:‏ تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه فتسمع كما ترى فعل، وتقديره أن تسمع، فحذفهم أن ورفعهم تسمع يدل على أن المبتدأ قد يمكن أن يكون عندهم غير اسمٍ صريح‏.‏ فإذا جاز هذا في المبتدأ على قوة شبهه بالفاعل فهو في المفعول الذي يبعد عنهما أجوز‏.‏ فمن أجل ذلك ارتفع الفعل في قول طرفة‏:‏ الطويل

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

عند كثير من الناس، لأنه أراد أن أحضر‏.‏ وأجاز س في قولهم‏:‏ مره يحفرها أن يكون الرفع على قوله‏:‏ مره أن يحفرها، فلما حذفت أن ارتفع الفعل بعدها‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

وقال في الخصائص عندما أنشد هذا البيت‏:‏ أي وحق لمثلي أن يجزع‏.‏ وأجاز هشام‏:‏ يسرني تقوم‏.‏ وينبغي أن يكون ذلك جائزاً عنده في الشعر، لا في النثر‏.‏ انتهى‏.‏

وقد عد ابن عصفور في كتاب الضرائر جميع هذا من الضرورة‏.‏ قال‏:‏ ومنه وضع الفعل موضع المصدر على تقدير حذف أن وإرادة معناها من غير إبقاء عملها، نحو قوله‏:‏ الطويل

وما راعني إلا يسير بشرطةٍ *** وعهدي به قيناً يفش بكير

يريد‏:‏ وما راعني إلا أن يسير بشرطة‏.‏ فحذف أن، وأبطل عملها، وهو يريد معناها‏.‏ والدليل على أن الفعل المضارع يحكم له بحكم ما هو منصوبٌ بأن وإن كان مرفوعاً قوله‏:‏

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى *** وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

في رواية من رفع أحضر‏.‏ ألا ترى أنه عطف أن أشهد على أحضر، فدل ذلك على أن المراد أن أحضر‏.‏ ومثله قول أسماء بن خارجة‏:‏ الكامل

أوليس من عجبٍ أسائلكم *** ما خطب عاذلتي وما خطبي

يريد، أن أسائلكم‏.‏

وقوله علي بن الطفيل السعدي‏:‏ الوافر

وأهلكني لكم في كل يومٍ *** تعوجكم علي وأستقيم

يريد‏:‏ وأن أستقيم، أي‏:‏ واستقامتي لكم‏.‏

وقوله‏:‏

جزعت حذار البين يوم تحملو *** وحق لمثلي يا بثينة يجزع

يريد‏:‏ أن يجزع‏.‏

وقوله‏:‏ المتقارب

نفاك الأغر بن عبد العزيز *** وحقك تنفى عن المسجد

يريد‏:‏ وحقك أن تنفى عن المسجد‏.‏ وقول الآخر، أنشده يعقوب‏:‏ الرجز

لولا يرائي الناس لم يصل

يريد‏:‏ لولا أن يرائي الناس‏.‏

وقد يجيء مثل هذا الكلام، نحو قولهم‏:‏ تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه ، إلا أن ذلك يقل في الكلام، ويكثر في الشعر‏.‏ انتهى‏.‏

وجزع الرجل جزعاً، من باب تعب، فهو جزعٌ وجزوعٌ مبالغة، إذا ضعفت منته عن حمل ما نزل به ولم يجد صبراً‏.‏ وأجزعه غيره، والغداة‏:‏ الضحوة‏.‏ والبين‏:‏ الفراق، مصدر بان يبين، إذا فارق وانفصل‏.‏ ولما‏:‏ ظرفٌ بمعنى حين، بدلٌ من غداة، والواو في ترحلوا ضمير أهل بثينة‏.‏

وكان الظاهر أن يقول ترحلت بالتأنيث، لأن جزعه إنما كان لرحيلها، لكن لما كان رحيل أهلها موجباً لرحيلها جمع‏.‏

وقوله‏:‏ وحق لمثلي إلخ، وهو بالبناء للمفعول‏.‏ في الصحاح‏:‏ قال الكسائي‏:‏ يقال‏:‏ حق لك أن تفعل كذا، وهو حقيق به، ومحقوق، أي‏:‏ خليق به‏.‏ وقال الفراء‏:‏ حق لك أن تفعل كذا، وحق عليك أن تفعل كذا‏.‏

فإذا قلت‏:‏ حق بالضم، قلت‏:‏ لك‏.‏ وإذا قلت‏:‏ حق بالفتح، قلت‏:‏ عليك‏.‏ وهذا من باب قولهم‏:‏ مثلك لا يبخل، وهو أنه استعمله كنايةً من غير تعريض، مما لا يراد بلفظ مثل غير ما أضيف إليه، لكن أريد أن من كان على هذه الصفة التي هي عليها كان مقتضى العرف أن يفعل ما ذكر‏.‏

فعلى هذا ليس المراد في البيت أن مثله حقيقٌ بالجزع، بل المراد بالمثل نفسه‏.‏ لكن كل من كان على هذه الصفة من فراق الأحبة، ينبغي أن يكون حاله مثل حاله في الجزع‏.‏

وجملة‏:‏ حق لمثلي إلخ، إما حال من التاء في جزعت بإضمار قد، وإما معطوفة على جزعت‏.‏

وروى الأصبهاني في الأغاني‏:‏

وما كان مثلي يا بثينة يجزع

فعلى هذا لا شاهد فيه‏.‏

وبثينة‏:‏ محبوبة جميل قائل الشعر‏.‏ وقد نسب بعض الشعراء بنساء مخصوصة، واشتهر كل واحدٍ منهم بمن تغزل بها، منهم جميل اشتهر ببثينة، ومنهم كثير اشتهر بعزة، ومنهم عروة بن حزام اشتهر بعفراء، ومنهم مجنون بني عامر اشتهر بليلى، ومنهم قيس بن ذريح اشتهر بلبنى، ومنهم المرقش اشتهر بفاطمة، ومنهم ذو الرمة اشتهر بمية، وهي الخرقاء، كما تقدم، ومنهم العباس بن الأحنف نسب بفوز‏.‏ وبعض الشعراء لا يلتزم التغزل بامرأةٍ مخصوصة كامرىء القيس‏.‏

وبثينة‏:‏ مصغر بثنة‏.‏ قال صاحب الصحاح‏:‏ البثنة بالتكسين‏:‏ الأرض اللينة، وبتصغيرها سميت بثنة‏.‏

والبيت من قصيدةٍ طويلة لجميل بن معمرٍ العذري‏.‏

روى صاحب الأغاني بسنده قال‏:‏ اجتمع جميل مع جماعةٍ من رهطه يتحدثون، فقال بعضهم‏:‏ بالله حدثنا أعجب يوم لك مع بثينة‏.‏ قال‏:‏ نعم، منعت من لقائي مدةً، وتعرضت لها جهدي فلم أصل إليها‏.‏ فبينا أنا ذات ليلةٍ جالس بين شجرات بالقرب من حيها، وقد أقمت فيها ثلاثاً أنتظرها، إذا شخصٌ قد أقبل إلي، فجلست وانتضيت سيفي، فلم ألبث أن غشيني الشخص، فإذا هي بثينة قد أكبت علي، فأدهشني ذلك، وبقيت متحيراً، لا أحير جواباً، ولا أراجعها‏.‏ حتى برق الصبح وما استطعت أن أكلمها‏.‏ قالوا‏:‏ فهل قلت في ذلك شيئاً‏؟‏ فأنشدهم قصيدةً طويلةً‏.‏

وهذه أبيات من أولها‏:‏

أهاجك أم لا بالتناضب مربع *** ورسمٌ بأجراع الغديرين بلقع

ديارٌ لليلى إذ نحل بها مع *** وإذ نحن منها في المودة نطمع

فيا رب حببني إليها وأعطني ال *** مودة منها أنت تعطي وتمنع

وإلا فصيرني وإن كنت كاره *** فإني بها يا ذا المعارج مولع

فإن يك قد شطت نواها وقد نأت *** فإن النوى مما تشت وتجمع

جزعت غداة البين لما تحملو *** وما كان مثلي يا بثينة يجزع

تمتعت منها يوم بانوا بنظرةٍ *** وهل عاشقٌ من نظرةٍ يتمتع

وتقدمت ترجمة جميل العذري في الشاهد الثاني والستين من أوائل الكتاب‏.‏

تتمة

قد وقع في مغني اللبيب وفي بعض شروح الألفية الاستشهاد بقوله‏:‏ الطويل

وما راعني إلا يسير بشرطةٍ *** وعهدي به قيناً يفش بكير

ولم يقف على قائله ولا على تتمته السيوطي ولا العيني، وهو مذكورٌ في نوادر ابن الأعرابي قال‏:‏ أنشدني الدبيري لرجلٍ من بني أسدٍ، يقال له معاوية بن خليل النصري، في إبراهيم ذي الشقر‏.‏ وكان إبراهيم أطرده عن بلاده، فأقام في رمل بني حسل، فقال يهجو إبراهيم يلقب فروخاً وربما قالوا فروجاً‏.‏ وهو إبراهيم بن حوران‏:‏ الطويل

يعرض فروخ بن حوران بنته *** كما عرضت للمشترين جزور

فأما قريشٌ فهي تعرض رغبةً *** وأما الموالي حولها فتدور

وما راعنا إلا يسير بشرطةٍ *** وعهدي به قيناً يفش بكير

لحا الله فروخاً وخرب داره *** وأخزى بني حوران خزي حمير

وأنشد بعده‏:‏

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

هو صدرٌ، وعجزه‏:‏

وأن أشهد اللذات هل أن مخلدي

على أنه روي‏:‏ أحضر بالرفع، وأصله أن أحضر، فلما حذفت أن ارتفع الفعل‏.‏ وروي أيضاً بالنصب بإبقاء عملها بعد الحذف‏.‏

وقد تقدم الكلام على هذا البيت متسوفًى فيما بعد الشاهد الثامن والخمسين بعد الستمائة، وفي الشاهد العاشر من أوائل الكتاب‏.‏

/الجوازم أنشد فيه،