فصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد الثالث والخمسون بعد السبعمائة

وهو من شواهد س‏:‏ الرجز

قد كاد من طول البلى أن يمصحا

على أنه جاز اقتران خبر كاد ب‏؟‏ أن لما ذكره‏.‏

قال سيبويه‏:‏ وقد جاء في الشعر كاد أن يفعل، شبهوه بعسى‏.‏

قال رؤبة‏:‏

قد كاد من طول البلى أن يمصحا

وقد يجوز في الشعر أيضاً لعلي أن أفعل، بمنزلة عسيت أن أفعل‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

ومثله لابن عصفور في الضرائر، قال‏:‏ ومن ذلك عند بعض النحويين دخول أن في خبر كاد، نحو قول رؤبة‏:‏

قد كاد من طول البلى أن يمصحا

وقول الآخر‏:‏ الخفيف

كادت النفس أن تفيظ عليه *** إذ ثوى حشو ريطة وبرود

والصحيح أن دخولها في خبر كاد ضرورة، غلا أنها ليست مع ذلك بزائدة، لعملها النصب، والزائدة لا تعمل، بل هي مع الفعل الذي نصبته بتأويل مصدر، وذلك المصدر في موضع خبر كاد، على حد قولهم‏:‏ زيد إقبال وإدبار‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

قال علي بن حمزة البصري فيما كتبه على نوادر أبي عمرو الشيباني وكان أبو عمرو والأصمعي يقولان‏:‏ لا يقول عربي‏:‏ كاد أن، وإنما يقولون‏:‏ كاد يفعل‏.‏ وهذا مذهب جماعة النحويين، والجماعة مخطؤون، وقد جاء في الشعر الفصيح منه، ما في بعضه مقنع‏.‏

فممن ذلك ما أنشده ابن الأعرابي‏:‏ الرجز

يكاد لولا سيره أن يملصا

وأنشد هو وغيره‏:‏ الرجز

حتى تراه وبه إكداره *** يكاد أن ينطحه أمجاره

لو لم ينفس كربه هراره

وأنشد أبو زيد وغيره في صفة كلب‏:‏ الرجز

يرثم أنف الأرض في ذهابه *** يكاد أن ينسل من إهابه

وقال بعض الرجاز‏:‏

يكاد من طول البلى أن يمصحا

وقال ذو الرمة‏:‏ الطويل

وجدت فؤادي كاد أن يستخفه *** رجيع الهوى من بعض ما يتذكر

اه‏؟‏‏.‏

أقولك مرادهما بقولهما‏:‏ لا يقول عربي كاد أن‏:‏ أنه لا يقول ذلك في الكلام، وأما الشعر فهو محل الضرورة‏.‏ فلا خطأ في قولهما‏.‏

وأما ما ورد في صحيح البخاري‏:‏ وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم، وجاء في الحديث أيضاً‏:‏ كاد الفقر أن يكون كفراً، فنادر‏.‏

وهذا الرجز نسب إلى رؤبة‏.‏

وقبله‏:‏

ربع عفا من بعد ما قد انمحى

وأنشده ابن يعيش‏:‏

ربع عفاه الدهر طولاً فامحى

ورواه اللخمي‏:‏

ربع عفاه الدهر دأباً وامتحى

ولم أر هذا الرجز في ديوان رؤبة‏.‏

وكذلك قال ابن السيد في شرح أبيات أدب الكاتب، واللخمي في شرح أبيات الجمل بأنهما لم يرياه في ديوانه‏.‏

والربع‏:‏ المنزل حيث كان‏.‏ وروى بدله‏:‏ رسم‏.‏ والرسم‏:‏ أثر الدار‏.‏ وعفا يكون لازماً كالرواية الأولى، يقال‏:‏ عفا المنزل يعفو عفواً، وعفواً، وعفاء، بالفتح والمد، أي‏:‏ درس‏.‏

ويكون متعدياً كالرواية الثانية‏.‏ يقال‏:‏ عفته الريح، أي‏:‏ محته، وامحى أصله انمحى، مطاوع محوته محواً، أي‏:‏ أزلته، فامحى، أي‏:‏ زال، وذهب أثره‏.‏ ويقال‏:‏ محيته محياً بالياء، من باب نفع‏.‏

وزعم العيني أن من في قوله‏:‏ من بعد زائدة، وما مصدرية، واسم كاد ضمير راجع إلى ربع‏.‏ ومن تعليلية متعلقة بكاد لا بيمصح، لأنه صلة أن‏.‏ والبلى بالكسر والقصر‏:‏ مصدر بلي الثوب يبلى، إذا أخلق‏.‏ وبلي المنزل، إذا درس‏.‏ فإن فتحت الباء مددته‏.‏

ويمصح بفتح الياء والصاد‏:‏ مضارع مصح، بفتح الصاد أيضاً‏.‏ قال الجوهري‏:‏ مصح الشيء مصوحاً‏:‏ ذهب وانقطع‏.‏ قال‏:‏ ومصح الثوب‏:‏ أخلق‏.‏ ولله در القائل‏:‏ الكامل

يا بدر إنك قد كسيت مشابه *** من وجه أم محمد ابنه صالح

وأراك تمصح في المحاق وحسنه *** باق على الأيام ليس بماصح

وهو في الأشهر فعل لازم، ولم يذكروه متعدياً‏.‏ وفي كثير من كتب اللغة ما يخالفه‏.‏ فقد ذكره الهروي، وابن شميل، والصاغاني، متعدياً‏.‏ وفي القاموس‏:‏ مصح الله مرضك، أي‏:‏ أذهبه، كمسحه‏.‏ وفي الذيل والصلة للصاغاني‏:‏ يقال للمريض‏:‏ مصح الله ما بك، ومسح، والصاد أعلى‏.‏ وقال ابن بري فيما كتبه على درة الغواص‏:‏ هذا غلط لأن مسح لا يتعدى إلا بالباء، يقال‏:‏ مسحت بالشيء، أي‏:‏ ذهبت به‏.‏ فلو كان بالصاد قيل‏:‏ مصح الله بما بك، أي‏:‏ أذهبه، فتعديه بالباء وبالهمزة، فيقال‏:‏ أمصح الله ما بك، إذ لا يقال مصحه بدون باء‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وهذا مأخوذ من الجواليقي، قال في تكملة إصلاح المنطق‏:‏ ما تغلط فيه العامة‏.‏ ويقولون في الدعاء للمريض‏:‏ مسح الله ما بك‏.‏ وكان النضر بن شميل، يقول‏:‏ مصح الله ما بك، أي‏:‏ أذهبه، وغيره يجيز‏:‏ مسح الله ما بك‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وقال اللخمي في شرح أبيات الجمل‏:‏ سئل أبو بكر الزبيدي عن قول القائل‏:‏ مصح الله عنك بيمينه الشافية، أبالسين يكتب أم بالصاد فقال‏:‏ الذي أقوله، وأعتقده، وأرويه أنه بالسين لا بالصاد فإن من كتبه بالصاد، فإنما ذهب إلى قولهم‏:‏ مصح الظل، إذا ذهب‏.‏ وهو قول النضر بن شميل‏.‏ ولا يلتفت إليه، لأن الصاد إنما استعملت في الظل خاصة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الرابع والخمسون بعد السبعمائة

الوافر

وقد جعلت قلوص ابني زياد *** من الأكوار مرتعها قريب

على أنه قد جاء نادراً خبر جعل جملة اسمية، وهو قوله‏:‏ مرتعها قريب‏.‏

قال ابن جني في إعراب الحماسة‏:‏ أوقع الجملة من المبتدأ والخبر موقع الجملة من الفعل والفاعل، أراد‏:‏ وقد جعلت قلوص ابني سهيل يقرب مرتعها من الأكوار، كما قال‏:‏ الطويل

فقد جعلت نفسي على النأي تنطوي *** وعيني على فقد الحبيب تنام

اه‏؟‏‏.‏

أقول‏:‏ الصواب في التقدير‏:‏ تقرب من المرتع، بإسناد الفعل إلى ضمير القلوص، فإن جميع أفعال المقاربة لا يكون فاعل خبرها الفعلي إلا ضمير اسمها، كما نص عليه الشارح المحقق‏.‏

وقال الخطيب التبريزي في شرح الحماسة‏:‏ وقد جعلت قلوص ابني سهيل يقرب مرتعها من الأكوار، أي‏:‏ لم تتباعد في الرعي لما حط رحلها، لما بها من الإعياء، فبركت مكانها‏.‏

وجعلت هاهنا بمعنى طفقت وأقبلت، ولذلك لا يتعدى‏.‏ ومرتعها قريب في موضع الحال‏.‏ أي‏:‏ أقبلت قلوص هذين الرجلين قريبة المرتع من رحالهم‏.‏

وهذه غفلة من الخطيب، فإنه بعد أن قال‏:‏ إن جعلت بمعنى طفقت، كيف يسوغ له أن يجعل الجلمة حالية‏.‏

وسبقه إلى جعل الجملة حالية الإمام المرزوقي، وتبعهما خضر الموصلي في شرح شواهد التفسيرين‏.‏

ثم قال الخطيب‏:‏ قال أبو العلاء‏:‏ ويروى‏:‏ فقد جعلت قلوص ابني سهيل - بنصب قلوص - وكثير من الناس يرفع القلوص، وهو وجه رديء، لأن القائل إذا قال‏:‏ جعلت، وهو يريد المقاربة، لم يكن بد من إتيانه بالفعل، كما قال‏:‏ الطويل

جعلت وما بي من جفاء ولا قلى *** أزوركم يوماً وأهجركم شهرا

وعلى ذلك جميع ما يرد، فإذا قال القائل‏:‏ جعل زيد فعله جميل، ولم يأت بلفظ الفعل، فإنما يحمله على المعنى، كأنه قال‏:‏ جعل زيد يجمل‏.‏

وأحسن من هذه الرواية أن تنصب قلوصاً، ويكون في جعلت ضمير يعود على المرأة المذكورة، وليست جعلت في هذا القول في معنى المقاربة، وإنما هي بمعنى صيرت، فلا تفتقر إلى فعل، ويكون قوله‏:‏ مرتعها قريب جملة في موضع المفعول الثاني، كما يقال‏:‏ جعلت أخاك ماله كثير‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وذكر الشلوبين فيما كتب على الحماسة أن بعض الناس أجاز أن يكون جعل بمعنى صير وحذف من جعلت ضمير الشأن، والتقدير‏:‏ وقد جعلته، أي‏:‏ جعلت الأمر والشأن مرتعها قريب من الأكوار‏.‏ وأن آخر أجاز أن يكون على إلغاء جعلت مع تقدمها، على حد إجازة أبي الحسن‏:‏ ظننت عبد الله منطلق‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

فإن أراد ببعض الناس أبا العلاء، فلا يصح نسبة حذف ضمير الشأن إليه، فإنه روى بنصب القلوص على أنه مفعول أول لجعل بمعنى صير، والفاعل ضمير المرأة‏.‏ ويرد على القول الآخر أن الإلغاء لا يكون في أفعال التصيير، وإنما يجوز في أفعال القلوب‏.‏

وقد أخطأ العيني في هذه الكلمة من وجهين‏:‏ الأول‏:‏ أنه قال‏:‏ جعل هنا من أفعال المقاربة، وإنما هي من أفعال الشروع‏.‏

والثاني‏:‏ أنه قال‏:‏ وجعلت هنا على صيغة المجهول، أسندت إلى قلوص‏.‏ وإنما جعلت بالبناء للمعلوم وقلوص اسمها، وجملة‏:‏ مرتعها قريب من الأكوار في محل نصب على أنه خبرها‏.‏ والقلوص‏:‏ الناقة الشابة‏.‏

ويروى‏:‏ ابني سهيل بدل ابني زياد‏.‏ والأكوار‏:‏ جمع كور بالضم، وهو الرحل بأداته‏.‏

والمرتع‏:‏ موضع الرتوع، وهو أكل الماشية ما شاءت‏.‏ تقول‏:‏ رتعت الماشية رتوعاً‏.‏

وهذا البيت أحد أبيات ثلاثة في الحماسة، تقدمت مشروحة في الشاهد الثاني والخمسين بعد الثلثمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الخامس والخمسون بعد السبعمائة

البسيط

وقد جعلت إذا ما قمت يشقلني *** ثوبي فأنهض نهض الشارب الثمل

على أنه قد يجيء خبر جعل جملة شرطية مصدرة بإذا‏.‏ فجملة‏:‏ إذا ما قمت يثقلني ثوبي في محل نصب، على أنه خبر جعل‏.‏

وهذا كقول همام الرقاشي‏:‏ البسيط

وقد جعلت إذا ما حاجة عرضت *** بباب دارك أدلوها بأقوام

أي‏:‏ أوصلها إليك بأقوام‏.‏ وكقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهم‏:‏ فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً ‏.‏

وعلى هذا يكون ثوبي فاعل يثقلني، ويكون وقوع الجملة الشرطية خبراً لجعل موقع الفعل المضارع نادراً‏.‏

وقد تبع الشارح المحقق في هذا ابن مالك في التسهيل، قال فيه‏:‏ وربما جاء خبر جعل جملة اسمية وفعلية، مصدرة بإذا‏.‏ ولا يخفى أنه إذا جاز تخريجها على ما ثبت لها، لا ينبغي العدول عنه إلى ادعاء الندرة، فإنه لا مانع من جعل يثقلني خبراً لها، ويكون ثوبي بدل اشتمال من التاء في جعلت، وذلك بتقدير إذا ظرفية لا شرطية‏.‏

وكذا الحال في البيت الثاني؛ وفي الأثر، ولكن فيه شذوذ وهو مجيء الماضي خبراً، فلا يخرج هذا عن قوله سابقاً‏:‏ ويتعين في جميع أخبار أفعال المقاربة ن يكون فاعل أخبارها ضميراً عائداً إلى اسمها‏.‏

واليه ذهب ابن هشام في المغني، قال‏:‏ اشترطوا الإضمار في بعض المعمولات‏.‏ ومن ذلك مرفوع خبر كاد وأخواتها إلا عسى‏.‏ ومن الوهم قول جماعة في قول هدبة‏:‏

عسى الكرب الذي أمسيت فيه ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

إن فرج قريب اسم يكون‏.‏ والصواب أنه مبتدأ، خبره الظرف، والجملة خبر يكون واسمها ضمير الكرب، وأما قوله‏:‏

وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني *** ثوبي ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

فثوبي بدل اشتمال من تاء جعلت لا فاعل يثقلني‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

إلا أن ما استثناه ابن هشام في عسى لم يذكره الشارح المحقق‏.‏ قال ابن هشم‏:‏ تقول‏:‏ كاد زيد يموت، ولا تقول‏:‏ يموت أبوه‏.‏ ويجوز عسى زيد أن يقوم أبوه، فترفع السبي‏.‏ ولا يجوز رفعها الأجنبي، نحو‏:‏ عسى زيد أن يقوم عمرو عنده‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وما استثناه الشارح المحقق في كاد، نحو‏:‏ كاد زيد تخرج نفسه لم يذكره ابن هشام‏.‏ فأفاد كل منهما فائدة، ليست عند الآخر‏.‏

ولقد صدق القائل في قوله‏:‏

ما حوى العلم جميعاً أحد *** لا ولو مارسه ألف سنة

لكن ابن مالك جوز بقلة في خبر جميع هذه الأفعال أن يرفع غير ضمير الاسم، قال في التسهيل‏:‏ ويتعين عود الضمير من الخبر إلى الاسم‏.‏ وكون الفاعل غيره قليل‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

‏؟‏تتمة

وقع في بعض نسخ التسهيل‏:‏ وربما جاء خبر جعل جملة اسمية وفعلية، مصدرة بإذ وكلما، وندر إسنادها إلى ضمير الشأن، ودخول النفي عليها‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

قال شارحه المرادي‏:‏ ولم يتعرض المصنف لهذه الزيادة في شرحه‏.‏ ومثال تصدره بكلما‏:‏ جعل زيد كلما جاء عمرو ضربه‏.‏ ويحتاج إلى سماع، إلا أن في صحيح البخاري‏:‏ فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر‏.‏

ويمكن تمثيل المسألة الثانية بما حكاه الزاهد غلام ثعلب‏:‏ أنه يقال‏:‏ عسى زيد قائم، برفع المبتدأ والخبر بعد عسى‏.‏ فيتخرج على أن في عسى ضمير الشأن‏.‏ هذا إن جعلنا الضمير في إسنادها إلى أفعال الباب‏.‏ وإن جعلناه عائداً إلى جعل احتاج إلى سماع‏.‏

ومثال المسألة الثالثة‏:‏ ما جعل زيد يتكلم، وقول أنس‏:‏ فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت‏.‏ ولا ينبغي أن يعود الضمير إلى أفعال الباب، إذ لم يندر دخول النفي عليها‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

والبيت من أبيات خمسة لعمرو بن أحمر الباهلي، إلا أن قافيتها رائية، لا لامية كما وقع في إنشاد النحويين‏.‏

والأبيات رواها لعمرو المذكور المرزباني في الموشح، ورأيتها كذلك بخط ابن نباتة السعدي البغدادي صاحب الخطب النباتية، كتبها في آخر ديوان محمد ابن بشير الخارجي، ورواها عن أبي سعيد السكري، عن ابن حبيب، عن ابن الأعرابي، وقد أقوى في بيتين منها، نص عليهما المرزباني، وهي‏:‏ البسيط

ما للكواعب يا عيساء قد جعلت *** تزور عني وتطوى دوني الحجر

قد كنت فراج أبواب مغلقة *** ذب الرياد إذا ما خولس النظر

فقد جعلت أرى الشخصين أربعة *** والواحد اثنين مما بورك النظر

وكنت أمشي على رجلين معتدل *** فصرت أمشي على رجل من الشجر

وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني *** ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر

قوله‏:‏ ما للكواعب استفهام إنكاري، أنكر إعراض الكواعب عنه، وهي جمع كاعب، ويه الشابة التي نتأ ثديها وظهر‏.‏ وعيساء‏:‏ اسم امرأة‏.‏ وازور عن الشيء وتزاور عنه‏:‏ مال عنه‏.‏

وتطوى بالبناء للمفعول‏.‏ ودوني‏:‏ أمامي‏.‏ والحجر، بضم ففتح‏:‏ جمع حجرة‏.‏ يريد أنهن لا يقبلن علي، ويسددن أبواب الحجر أمامي‏.‏

وفراج‏:‏ مبالغة فارج، من فرجت الباب من باب ضرب، إذا فتحته‏.‏ وذب الرياد، بالنصب‏:‏ خبر آخر لكان، وهو بالذال المعجمة، أي‏:‏ كثير الحركة والدخول والخروج‏.‏ يقال‏:‏ فلان ذب الرياد‏:‏ إذا كان لا يستقر في موضع‏.‏ والرياد‏:‏ مصدر راود يراود‏.‏

وخولس‏:‏ مجهول، خالس الشيء‏:‏ فاعل من خلست الشيء، إذا اختطفته بسرعة على غفلة‏.‏

يريد أن النساء كن يتسارقن النظر إلي لحسني وشبابي، عندما كنت خفيف الحركة‏.‏ وجعلت من أفعال الشروع‏.‏ وإنما رأى الشخصين أربعة لضعف بصره من شيخوخته وسنه‏.‏

وقوله‏:‏ مما بورك النظر تهكم واستهزاء ببصره، جعل ضعف بصره بركة، لأنه يريه الشيء مضاعفاً‏.‏

وقوله‏:‏ على رجل من الشجر، أراد العصا، فإن الشيوخ يعتمدون عليها في المشي‏.‏

ويروى‏:‏ على أخرى من الشجر، أي‏:‏ على رجل أخرى من الشجر‏.‏

وقوله‏:‏ إذا ما قمت، ما‏:‏ زائدة، وزيادتها بعد أداة الشرط جازم وغير جازم مطردة، حتى نظمها بعضهم بقوله‏:‏

خذ لك ذي الفائده *** ما بعد إذا زائده

وزعم العيني أن ما مصدرية، وأن التقدير حين قيامي‏.‏ وقوله‏:‏ يثقلني من أثقله الشيء‏:‏ إذا أجهده وأتبعه بجعله ثقيلاً‏.‏

وقوله‏:‏ فأنهض معطوف على يثقلني، فهو خبر بعد خبر، لا على جعلت كما زعم العيني، لوجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن النهوض على هذا الوجه مسبب عن إثقاله الثوب، لا عن الشروع في القيام‏.‏

وثانيهما‏:‏ تناسب المتعاطفين في المضارعية وفي السببية‏:‏ فإن كلاً منهما سبب للآخر‏.‏

وزعم العيني أن التحقيق فيه أنه أقام السبب، وهو الإثقال، مقام المسبب، وهو النهوض نهض الشارب‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وأنهض‏:‏ أقوم، وله مصدران أحدهما ما في البيت‏.‏ والثاني النهوض‏.‏ ونهض الشارب‏:‏ صفة مفعول مطلق نائب عنه، أي‏:‏ فأنهض نهضاً كنهض الشارب‏.‏

وقال العيني‏:‏ نهض الشارب منصوب على الإطلاق وهذا لا معنى له، وكأنه يريد على المفعول المطلق‏.‏ والسكر، بكسر الكاف‏:‏ صفة مشبهة من السكر‏.‏ وكذلك الثمل بكسر الميم صفة مشبهة، وهو الذي أخذ منه الشراب قواه‏.‏

وقافية هذا البيت والذي قبله فيهما إقواء، بخلاف ما قبلهما، فإن قافيته مرفوعة‏.‏

وعمرو بن أحمر الباهلي شاعر إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد الستين بعد الأربعمائة‏.‏

وقال العيني‏:‏ قائل البيت الشاهد أبو حية النميري‏.‏ وقد نسب للحكم بن عبدل الأعرج الأسدي‏.‏ وليس بصحيح لأنه لا يوجد في ديوانه‏.‏

ويروى الشطر الثاني‏:‏

فقمت قيام الشارب السكر

وممن رواه هكذا الجاحظ في باب العرجان من كتاب الحيوان له، ونسبه لأبي حية النميري هكذا‏:‏

وقد جعلت إذا ما قمت يوجعني *** ظهري فقمت قيام الشارب

السكر

وكنت أمشي على رجلي معتدل *** فصرت أمشي على أخرى من الشجر

‏؟‏فعل التعجب

أنشد فيه‏:‏ البسيط

يا ما أميلح غزلاناً شدن لنا

تمامه‏:‏

من هؤليائكن الضال والسمر

وتقدم الكلام عليه في خواص الاسم من أول الكتاب‏.‏

قيل إن هذا البيت من أبيات لعلي بن محمد المغربي‏.‏ وهو متأخر، له قصيدة في مدح علي بن عيسى وزير المقتدر‏.‏ وقتل المقتدر في شوال سنة عشرين وثلثمائة‏.‏

وإنما أراد التشبه بكلام العرب‏.‏ فلا يصح الاحتجاج به‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السادس والخمسون بعد السبعمائة

الوافر

ونأخذ بعده بذناب عيش *** أجب الظهر ليس له سنام

على أن نصب الظهر على التشبيه بالمفعول به‏.‏

أقول‏:‏ روى ابن الناظم وغيره الظهر في هذا البيت على ثلاثة أوجه‏:‏ الأول‏:‏ بالنصب، وهو ضعيف كما قال الشارح المحقق‏.‏

وقال ابن الجاجب في أماليه‏:‏ ونصب الظهر كنصب الوجه في‏:‏ مررت برجل حسن الوجه، وهي لغة فصيحة على التشبيه بالمفعول‏.‏ ومنهم من جعله نصباً على التمييز، ولا حاجة إليه لكونه معرفة، والتمييز المنصوب إنما يكون بالنكرة‏.‏

وفيه رد على من قال إنه تمييز، كالبيضاوي، فإنه استشهد به عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا من سفه نفسه ، قال‏:‏ نفسه منصوب على التمييز، كالظهر في البيت‏.‏

الثاني‏:‏ رفع الظهر على الفاعلية‏.‏

الثالث‏:‏ خفضه بإضافة أجب إليه‏.‏

وأم أجب فهو مجرور لا غير‏.‏ قال ابن الجاجب‏:‏ أوجب مخفوض علامة خفضه الفتحة، صفة لذنابٍ وعيش‏.‏ والفتح إنما هو على رفع الظهر ونصبه، وأما على جره فأجب مجرور بالكسرة للإضافة‏.‏

وأما قطعه إلى الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وإلى النصب بتقدير‏:‏ أعني، فلا يجوز، لأن قطع النكرة غير الموصوفة نادر‏.‏

وقد خلط العيني ونسب إلى ابن الناظم ما لم يقله‏.‏ قال‏:‏ الاستشهاد في قوله‏:‏ أجب الظهر؛ فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه‏:‏ الأول‏:‏ أجب الظهر برفع أجب ونصب الظهر‏.‏ وهذا من أقسام الضعيف، وهو على تقدير‏:‏ هو أجب‏.‏

الثاني‏:‏ نصب أجب على الحالية، ورفع الظهر‏.‏

والثالث‏:‏ جر أجب على الصفة لعيش، وجر الظهر على الإضافة‏.‏

هذا كلامه‏.‏

وتبعه على هذا خضر الموصلي في شرح أبيات التفسيرين‏.‏

وأنشده سيبويه بنصب الظهر ب‏؟‏ أجب على أن في أجب تنويناً مقدراً ولم يظهر، لأنه لا ينصرف‏.‏

والبيت من أبيات للنابغة الذبياني، وهي‏:‏

ألم أقسم عليك لتخبرني *** أمحمول على النعش الهمام

فإني لا ألومك في دخول *** ولكن ما وراءك يا عصام

فإن يهلك أبو قابوس يهلك *** ربيع الناس والشهر الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش *** أجب الظهر ليس له سنام

ومن حديث هذه الأبيات أن النابغة كان عند النعمان ملك العرب بالحية، كبيراً عنده، خاصاً به، وكان من ندمائه، وأهل أنسه، فحسد على منزلته منه، فاتهموه بأمر ذكرناه في مواضع من هذا الكتاب، فغضب عليه النعمان وأراد البطش به‏.‏

وكان للنعمان بواب يقال له‏:‏ عصام بن شهير الجرمي، قال للنابغة‏:‏ إن النعمان موقع بك فانطلق‏!‏ فهرب النابغة إلى ملوك غسان ملوك الشام، فكان يمدحهم، وترك النعمان، فاشتد ذلك عليه، وعرف أن الذي بلغه كذب‏.‏ فبعث إليه‏:‏ إنك لم تعتذر من سخطة إن كانت بلغتك، ولكنا تغيرنا لك عن شيء مما كنا عليه، ولقد كان في قومك ممتنع وحصن، فتركته ثم انطلقت إلى قوم قتلوا جدي، وبيني وبينهم ما قد علمت‏.‏

وكان النعمان وأبوه وجده قد أكرموا النابغة وشرفوه وأعطوه مالاً عظيماً‏.‏ وبلغ النابغة أن النعمان ثقيل من مرض أصابه حتى أشفق عليه منه، فأتاه النابغة فألقاه محمولاً على رجلين ينقل ما بين الغمر وقصوره التي بين الحيرة، فقال لبوابه عصام‏:‏

ألم أقسم عليك لتخبرني ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ *** الأبيات المذكورة

قال أبو عبيدة‏:‏ كانت ملوك العرب إذا مرض أحدهم حملته الرجال على أكتافها، يتعاقبونه، لأنه عندهم أوطأ من الأرض‏.‏ فعافاه الله، وعفا عن النابغة‏.‏

قال حسان بن ثابت‏:‏ وفدت إلى النعمان، فحسدت النابغة على ثلاث لا أدري على أيتهن كنت أحسد‏:‏ أعلى إدناء النعمان له بعد المباعدة ومسايرته له، وإصغائه إليه، وعلى جودة شعره، وعلى مائه بعير من عصافيره أمر له بها‏؟‏

قال أبو عبيدة‏:‏ قيل لأبي عمرو‏:‏ أمن مخافته امتدحه، وأتاه بعد هربه منه، أم لغير ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لا لعمر الله، ما لمخافته فعل، إن كان إلا آمناً من أن يوجه إليه النعمان جيشاً‏.‏ وما كان النابغة يأكل ويشرب إلا في آنية الذهب والفضة، من عطايا النعمان وأبيه وجده، ولا يستعمل غير ذلك‏.‏

وقوله‏:‏ ألم أقسم عليك إلخ ، هو استفهام تقريري، وقوله‏:‏ لتخبرني جواب القسم‏.‏

وقوله‏:‏ أمحمول‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، خبر مقدم، والهمام مبتدأ مؤخر، والجملة في موضع المفعول لتخبرني‏.‏ والتحقيق أن الواقع مفعولاً محذوف مضاف إلى هذا الاستفهام، والتقدير‏:‏ جواب هذا الاستفهام‏.‏ والنعش‏:‏ السرير‏:‏ كان الرجال يحملونه على سريره في مرضه‏.‏

وقال العيني‏:‏ وقيل معنى أمحمول على النعش، أي‏:‏ هل مات فحمل على النعش أم لا‏؟‏ انتهى‏.‏

أقول‏:‏ هذا كلام من لم يصل إلى العنقود‏.‏

والهمام‏:‏ الملك العظيم الهمة‏.‏

وقوله‏:‏ فإني لا ألومك إلخ ، لا ألومك في تركك الإذن لي في الانتهاء إلى الملك، ولكن أخبرني بكنه أمره‏.‏

ورواه العيني‏:‏

فإني لا ألام على دخول

وقال‏:‏ أي لا ألام على ترك الدخول عليه، لأني محجوب لا أصل إليه لغضبه علي‏.‏ وهذا خلاف ما رواه الناس‏.‏

وقوله‏:‏ ما وراءك يا عصام، صار مثلاً عند العرب، وأورده الزمخشري في أمثاله قال فيه‏:‏ هو من قول النابغة، يضرب في الاستخبار عن الشيء، وهو عصام بن شهبر الباهلي حاجب النعمان‏.‏

ومن شعر عصام هذا‏:‏ الرجز

نفس عصام سودت عصام *** وعلمته الكر والإقداما

وجعلته ملكاً هماماً

والبيت الأول من هذا مثل أيضاً، يضرب لمن شرف بنفسه، لا بآبائه‏.‏

وفي الأمثال أيضاً‏:‏ كن عصامياً ولا تكن عظامياً، أي‏:‏ افتخر بنفسك، لا بعظام آبائك البالية‏.‏

قال الزمخشري‏:‏ وهو عصام الخارجي وإنما سمته العرب خارجياً، لأنه خرج عن غير أولية كانت له‏.‏

ويحكى أن الحجاج ذكر عنده رجل بالجهل، فأراد اختباره، فقال‏:‏ أعظامي أم عصامي‏؟‏ أراد‏:‏ أشرفت بآبائك الذين صاروا عظاماً، أم بنفسك‏؟‏ فقال الرجل‏:‏ أنا عصامي عظامي‏.‏

فقال الحجاج‏:‏ هذا أفضل الناس، فقضى حوائجه، ومكث عنده، ثم فتشه فوجده أجهل الناس، فقال له‏:‏ تصدقني ولأقتلنك، كيف أجبتني بما أجبتني حين سألتك عما سألتك‏؟‏ قال‏:‏ لم أعلم أعصامي خير أم عظامي، فخشيت أن أقول أحدهما، فقلت‏:‏ كليهما، فإن ضرني أحدهما نفعني الآخر‏.‏ فقال الحجاج عند ذلك‏:‏ المقادير تصير العيي خطيباً‏.‏

وقوله‏:‏ فأن يهلك أبو قابوس إلخ ، هو كنية النعمان، وقابوس‏:‏ معرب كاووس، كطاووس، اسم أحد ملوك الفرس‏.‏

وقوله‏:‏ ربيع الناس إلخ، يريد أنه كان كالربيع في الخصب لمجتديه، وكالشهر الحرام لجاره، أي‏:‏ لا يوصل إلى من أجاره، كما لا يوصل في الشهر الحرام إلى أحد‏.‏

والمعنى‏:‏ إن يمت النعمان يذهب خير الدنيا عنها، كانت تعمر به، وبجوده وعدله، ونفعه للناس‏.‏ ومن كان في ذمته وسلطانه فهو آمن على نفسه محقون الدم، كما يأمن الناس في الشهر الحرام على دمائهم وأموالهم‏.‏

وروى بدله‏:‏ والنعم الركام بالضم، أي‏:‏ المتراكمة‏.‏

وقوله‏:‏ ونأخذ بعده إلخ ، الذناب والذنابة بكسرهما، والذنابى بالضم والقصر‏:‏ الذنب‏.‏

قال الشنتمري‏:‏ المستعمل للبعير ونحوه الذنب، وللطائر الذنابي، وللعين ونحوها الذنابة ولمالا خير فيه‏.‏ والأجب بالجيم‏:‏ الجمل المقطوع السنام، والسنام‏:‏ حدبة البعير‏.‏

يقول‏:‏ إن مات بقينا في طرف عيش قد مضى صدره ومعظمه وخبره، وقد بقي منه ذنبه، ويكون العيش كبعير قد جب سنامه‏.‏

يريد‏:‏ صار الناس بعده في أسوإ حال، وأضيق عيش وذلك، وتمسكوا منه بمثل ذنب بعير أجب الظهر‏.‏ والسنام يستعار كثيراً للعز، حتى كأنه غلب فيه‏.‏

وقد أورد أبو القاسم الزجاجي هذه الأبيات الثلاثة في أماليه الصغرى والوسطى وقال فيهم‏:‏ أما عصام فحاجب النعمان‏.‏

يقول‏:‏ لا ألومك إن منعتني من الوصول إليه، ولكن عرفني خبره‏.‏ وكان الملك إذا مرض يجعل في سرير، ويحمل على أكتاف الرجال، يعلل بذلك، ويقولون‏:‏ هو أرفه له‏.‏

وأما قوله‏:‏ ونأخذ بعده‏:‏ فيجوز فيه الرفع والنصب والجزم‏.‏ وأما الجزم فعلى العطف على قوله‏:‏ يهلك ربيع الناس‏.‏ والرفع على القطع والابتداء، والنصب بالصرف على إضمار أن‏.‏ وكذلك كل معطوف بعد جواب الجزاء من الأفعال المستقبلة، تجوز فيه هذه الأوجه الثلاثة‏.‏

وقوله‏:‏ أجب الظهر يعني مقطوع الظهر‏.‏ وهذا تمثيل وتشبيه‏.‏ ويروى‏:‏ أجب الظهر بخفضهما جميعاً على إضافة أجب إلى الظهر، ويروى‏:‏ أجب الظهر بفتح أجب ونصب الظهر على أن يكون موضع أجب خفضاً ولكنه لا ينصرف، وبنصب الظهر على التشبيه بالمفعول به، ويضمر في أجب الفاعل، كأنه قال‏:‏ أجب الظهر بالتنوين، ثم منعه من التنوين لأنه لا ينصرف، وهو في تقدير قولك‏:‏ مررت برجل حسن الوجه، وكثير المال، وطيب العيش‏.‏

ويروى‏:‏ أجب الظهر على أنه في موضع خفض، ورفع الظهر به، كأنه قال‏:‏ أجب ظهره، فأهل الكوفة يجعلون الألف واللام عقيب الإضافة، وأهل البصرة يضمرون ما يعلق الذكر بالأول، وتقديره عندهم‏:‏ أجب الظهر منه‏.‏ انتهى‏.‏

وتقدمت ترجمة النابغة الذبياني في الشاهد الرابع بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السابع والخمسون بعد السبعمائة

وهو من شواهد س‏:‏ الطويل

ولله عينا حبتر أيما فتى

على أنه قد يستفاد من الاستفهام معنى التعجب كما هنا، فإن فيه معنى التعجب من الفتوة كما تقول‏:‏ أي رجل زيد‏؟‏ وقد تضمنت أي معنى المدح والتعجب الذي تضمنته نعم وحبذا‏.‏

وأي‏:‏ إذا أضيفت إلى مشتق من صفة يمكن المدح بها كانت للمدح بالوصف الذي اشتق منه الاسم الذي أضيفت إليه‏.‏ فإذا قلت‏:‏ مررت بفارس، أي فارس، فقد أثنيت عليه بالفروسية خاصة‏.‏

وإن أضيفت إلى غير مشتق فهي للثناء عليه بكل صفة يمكن أن يثنى عليه بها، فإذا قلت‏:‏ مررت برجل، أي رجل، فقد أثنيت عليه ثناء عاماً في كل ما يمدح به الرجل‏.‏

قال سيبويه‏:‏ وسألته - يعني الخليل - عن قوله‏:‏

فأومأت إيماء خفياً لحبترٍ *** ولله عينا حبترٍ أيما فتى

فقال‏:‏ أيما تكون صفة للنكرة، وحالاً للمعرفة، ولا في الاستثناء نحو قولك‏:‏ أتوني إلا زيداً‏.‏

ألا ترى أنك لا تقول له‏:‏ عشرون أيما رجل ولا أتوني إلا أيما رجل‏.‏ والنصب في مثله رجلاً كالنصب في عشرين رجلاً‏.‏ فأيما لا تكون في الاستثناء، ولا يختص بها نوع من الأنواع، ولا يفسر بها عدد‏.‏ وأيما فتى استفهام‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ سبحان الله من هو وما هو‏؟‏ فهذا استفهام فيه معنى التعجب‏.‏ ولو كان خبراً لم يجز ذلك، لأنه لا يجوز في الخبر أن تقول‏:‏ من هو، وتسكت‏.‏ انتهى‏.‏

قال النحاس‏:‏ قد فسر الخليل أيما بقوله تكون صفة للنكرة، كقولك‏:‏ مررت برجل أيما رجل، وحالاً للمعرفة، أي‏:‏ إن شئت، رويت‏:‏

فلله عينا حبترٍ أيما فتى

بالنصب، أي‏:‏ كاملاً، ومبنياً عليها، كقولك‏:‏ أيما رجل، ومبنية على غيرها، نحو‏:‏ زيد أيما رجل، ولا تكون لتبيين العدد، ولا في الاستثناء، لأنها لم تقو في الصفات‏.‏ على أن الأخفش قد أجاز ذلك‏.‏ انتهى‏.‏

وقال الأعلم‏:‏ رفع أيما بالابتداء والخبر محذوف، والتقدير‏:‏ أي فتى هو، وما زائدة مؤكدة‏.‏ وفي أي معنى المدح والتعجب‏.‏ وصف أنه أمر ابن أخت له يقال له‏:‏ حبتر، بنحر ناقة من أصحابه، لأنه كان في غير محله، ليخلفها عليه إذا لحق بأهله‏.‏ وأومأ إليه بذلك حتى لا يشعر به أحد، ففهم عنه وعرف إشارته لذكائه، وحدة بصره‏.‏ والإيماء‏:‏ الإشارة بعين ويد‏.‏ انتهى‏.‏

وروى المبرد في الكامل الرفع والنصب في أيما فتى في البيت، قال عند الكلام على قول ليلى الأخيلية‏:‏ الطويل

بنظرت وركن من بوانة دونن *** وأركان حسمى أي نظرة ناظر

قولها‏:‏ أي نظرة ناظر يصلح فيه الرفع والنصب على قوله‏:‏ نظرت أي نظرة، وأية نظرة، وأيتما نظرة وأيما نظرة، كما تقول‏:‏ مررت برجل أيما رجل‏.‏ وتأويله‏:‏ برجل كامل‏.‏ فأيما في موضع‏:‏ كامل‏.‏

وتقول‏:‏ مررت بزيد أيما رجل على الحال‏.‏ ومن قال أي نظرة هي فعلى القطع والابتداء، والمخرج مخرج استفهام، وتقديره أي نظرة هي‏؟‏ كما تقول‏:‏ سبحان الله أي رجل زيد‏.‏

وهذا البيت ينشد على وجهين‏:‏

فأومأت إيماء خفياً لحبتر *** ولله عينا حبترٍ أيما فتى

وأيما إن شئت على ما فسرنا‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

وقد أنشده ابن مالك في باب الموصول من شرح التسهيل بنصب أيما على أنه حال من حبتر‏.‏

وأنكره أبو حيان في شرحه، وقال‏:‏ أصحابنا أنشدوه بالرفع على أنه مبتدأ، وخبر مبتدأ، وقدروه‏:‏ أي فتى‏.‏ ولم يذكر أصحابنا كون أي تقع حالاً، وإنما ذكروا لها خمسة أقسام‏:‏ موصولة، وشرطية، واستفهامية، وصفة لنكرة، ومنادى‏.‏

هذا كلامه على ما ذكره العيني، وما نقلناه من كلام الأئمة يرد عليه‏.‏

وقول المرادي في شرحه تبعاً لأول كلام أبي حيان‏:‏ أنشده المصنف بنصب أي على الحال، وأنشده غيره بالرفع، يرده رواية المبرد وغيره‏.‏

ولا أكاد أقضي العجب من قول العيني‏:‏ الاستشهاد فيه أن أياً فيه صفة، وقد علم أنه صفة لمعرفة وحال من نكرة، ولا يضاف إلا إلى نكرة‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا من نمط اختراع الخراع الذي صنعه الصفدي وقصد به التحميض‏.‏

والبيت من قصيدة للراعي النميري، وأورد منها أبو تمام في الحماسة ثلاثة عشر بيتاً، وكان نزل بالراعي رجل من بني كلاب في ركب معه ليلاً في سنة مجدبة، وقد عزبت عن الراعي إبله، فأشار إلى حبتر بخفية، فنحر لهم ناقة وأحلهم، وصبحت الراعي إبله فأعطى رب الناقة ناقة مثلها، وزاده ناقة ثنية، فقال هذه القصيدة في هذه القضية‏.‏

وهجاه بعضهم في نحر ناقة ضيفه بأبيات، وأجاب عنها الراعي بقصيدة، والجمع مذكور في باب الهجاء من الحماسة‏.‏

قال الطبرسي في شرح الحماسة‏:‏ حبتر بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة وفتح المثناة من فوق هو ابن أخي الراعي، ومعناه في اللغة القصير من الناس، وإنما رسم له عرقبتها في السر بعد أن اختارها، مخافة أن يمتنع صاحبها بما هم به فيها‏.‏

وقوله‏:‏ ولله عينا حبتر، اعتراض‏.‏ وإذا عظموا الشيء نسبوا ملكه إلى الله تعالى‏.‏

وأيما فتى ينشد بالرفع والنصب، فالرفع على تقدير أيما فتى هو، والنصب على الحال‏.‏ انتهى‏.‏

وترجمة الراعي تقدمت في الشاهد الثالث والثمانين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثامن والخمسون بعد السبعمائة

البسيط

وقد وجدت مكان القول ذا سعة *** فإن وجدت لساناً قائلاً فقل

لما ذكره من معنى أحسن، أي‏:‏ صفة بالحسن، كيف شئت‏.‏ فإن فيه منه كل ما يمكن أن يكون في شخص، كالبيت؛ فإن معناه وجدت مكاناً للقول بكثرة ما فيه من المناقب، فإن كان لك لسان قائل فقل ما شئت، أي‏:‏ فلست تحتاج في شيء غائب إلى مدحه‏.‏

والبيت من قصيدة للمتنبي مدح بها سيف الدولة‏.‏

وقبله‏:‏

والمدح لابن أبي الهيجاء تنجده *** بالجاهلية عين العي والخطل

تنجده‏:‏ تعينه‏.‏ والخطل‏:‏ اضطراب القول‏.‏ وهذا تعريض بأبي العباس النامي، فإنه مدح سيف الدولة بقصيدة ذكر فيها آباء الذين كانوا في الجاهلية‏.‏ يقول‏:‏ إذا مدحت وأعنته بكر آبائه الجاهليين كان ذلك عين العي، ثم وضح هذا المعنى وتممه بقوله‏:‏

ليت المدائح تستوفي مناقبه *** فما كليب وأهل الأعصر الأول

أي‏:‏ ليت ما مدح به من الشعر استوفى ذكر مناقبه، ومتى يتفرغ الشعر لذكر كليب، وأهل الدهور السابقة‏.‏

خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به *** في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

يقول‏:‏ امدحه بما تشاهده، واترك ما سمعت، فإن الشمس تغنيك عن زحل‏.‏ وجعله كالشمس وآباءه كزحل‏.‏

والمعنى‏:‏ فيما قرب منك عوض عما بعد عنك، ولا سيما إذا كان القريب أفضل من البعيد‏.‏

وقد وجدت مكان القول ذا سعة ***‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

وترجمة المتنبي تقدمت في الشاهد الحادي والأربعين بعد المائة‏.‏ وهذا البيت إنما أورده لتنظير معنى بمعنى‏.‏

 

أفعال المدح والذم

أنشد فيه،

الشاهد التاسع والخمسون بعد السبعمائة

الرمل

نعم الساعون في الأمر المبر

على أن طرفة استعمل نعم على الأصل، بفتح النون وكسر العين‏.‏

قال ابن جني في المحتسب عند قراءة يحيى بن وثاب‏:‏ فنعم عقبي الدار‏:‏ أصل قولنا‏:‏ نعم الرجل زيد‏:‏ نعم كعلم‏.‏ وكل ما كان على فعل وثانيه حرف حلقي، فلهم فيه أربع لغات، وذلك نحو‏:‏ فخذ ونغر بفتح الأول وكسر الثاني على الأصل‏.‏

وإن شئت أسكنت الثاني، وأقررت الأول على فتحه‏.‏ وإن شئت أسكنت ونقلت الكسرة إلى الأول‏.‏ وإن شئت أتبعت الكسرَ الكسر‏.‏ وكذلك الفعل، نحو‏:‏ ضَحِك، وإن شئت ضَحْك، وإن شئت ضِحْكَ‏.‏ وإن شئت ضِحِك‏.‏

فعلى هذا القول نَعِم الرجل، وإن شئت نَعْم، وإن شئت نِعْم، وإن شئت نِعِم‏.‏ فعليه جاء‏:‏ فنعم عُقبى الدار وأنشدنا أبو علي لطرفة‏:‏

ففداء لبني قيس على *** ما أصاب الناس من سر وضر

‏؟‏ما أقلت قدمي إنهم *** نِعَم الساعون في الأمر المبر

وروينا عن قطرب‏:‏ نَعٍمَ الرجل زيد، بإشباع كسرة العين وإنشاء ياء بعدها، المطافيل والمساجيد‏.‏ ولا بد من أن يكون الأمر على ما ذكرنا لأنه ليس في أمثلة الأفعال فَعِيلَ البتة‏.‏ انتهى‏.‏

وقد بسط القول على نعم وبئس ابن الأنباري في مسائل الخلاف، وابن الشجري في المجلس الستين من أماليه، وقيد قراءة يحيى بن وثاب بفتح الفاء وسكون العين‏.‏

وقوله‏:‏ ففداء لبني قيس إلخ ، قال شراح أبيات المفصل وغيره‏:‏ أي‏:‏ أنا فداء لهذه القبيلة‏.‏ والسر والضر بضمهما‏:‏ السراء والضراء‏.‏ وما‏:‏ دوامية‏.‏ والإقلال‏:‏ الرفع‏.‏ وقدمي‏:‏ فاعل أقلت‏.‏

وروي‏:‏ قدمايَ بالتثنية‏.‏ وعليهما فمفعول أقلت محذوف، التقدير‏:‏ أقلتني‏.‏ وإنهم تعليل لقوله ففداء‏.‏

وروي أيضاً‏:‏

ما أقلت قدم ناعلها

والناعل‏:‏ لابس النعل، أي‏:‏ ساتر القدم بالنعل‏.‏

وروي أيضاً‏:‏

ثم نادوا أنهم في قومهم

أي قالوا‏:‏ هؤلاء القوم هم الذين قال الناس في حقهم‏:‏ نعم الساعون هم في الأمر المبر‏.‏ فالمخصوص بالمدح محذوف‏.‏ والمبر‏:‏ اسم فاعل من أبر فلان على أصحابه، أي‏:‏ غلبهم‏.‏ أي‏:‏ هم نعم الساعون في الأمر الغالب الذي عجز الناس عن دفعه‏.‏

هذا ما قالوا، والمروي في ديوان طرفة في عدة نسخ البيت الأول كما رواه ابن جني‏.‏

والبيت الثاني كذا‏:‏

خالتي والنفس قدماً إنهم *** نعم الساعون في القوم الشطر

قال شارح ديوانه الأعلم الشنتمري‏:‏ يقول‏:‏ نفسي فداء لبني قيس على ما أصاب الناس من أمر يسرهم، ويضرهم‏.‏ والسر والضر‏:‏ السراء والضراء‏.‏

وقوله‏:‏ في القوم الشطر يعني البعداء من الناس الغرباء‏.‏ وواحد الشطر شطير‏.‏ وأصل الشطير‏:‏ الناحية‏.‏ وكل من بعد عن أهله فقد أخذ في ناحية من الأرض‏.‏ يقول‏:‏ سعيهم في الغرباء أحسن سعي‏.‏ انتهى‏.‏

وفهم من كلامه أن قوله‏:‏ خالتي مبتدأ، والنفس معطوف عليه‏.‏

وقوله‏:‏ فداء خبر لهما مقدم‏.‏ لكن ينظر‏:‏ ما وجه ذكر الخالة هاهنا‏؟‏ وقدماً بالكسر‏:‏ ظرف متعلق بنعم، ولا يمنع منه ذكر إن المكسورة، لأنه ظرف اغتفر فيه التقدم‏.‏

وقيس‏:‏ أبو قبيلة الشاعر، وإنما جعل نفسه فداء لبنيه لأنهم يتبادرون في إغاثة الملهوف‏.‏

وهذا نسب طرفة الشاعر‏:‏ طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة ابن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل‏.‏

والبيتان من قصيدة طويلة لطرفة تقدم بعض أبيات منها في باب اسم الفاعل في الشاهد السابع بعد الستمائة‏.‏ وهذه أبيات قبل البيت الشاهد‏:‏

نحن في المشتاة ندعو الجفلى *** لا ترى الآدب فينا ينتقر

حين قال الناس في مجلسهم *** أقتار ذاك أم ريح قطر

بجفان تعتري نادين *** من سديف حين هاج الصنبر

كالجوابي لا تني مترعة *** لقرى الأضياف وللمحتضر

ولقد تعلم بكر أنن *** آفة الجزر مساميح يسر

ولقد تعلم بكر أنن *** فاضلو الرأي وفي الروع وقر

يكشفون الضر عن ذي ضرهم *** ويبرون على الآبي المبر

فضل أحلامهم عن جارهم *** رحب الأذرع بالخير أمر

ذلق في غارة مسفوحة *** ولدى البأس حماة ما نفر

نمسك الخيل على مكروهه *** حين لا يمسكها إلا الصبر

حين نادى الحي لما فزعو *** ودعا الداعي وقد لج الذعر

أيها الفتيان في مجلسن *** جردوا منها وراداً وشقر

ثم وصف الخيل بأبيات تسعة، وقال‏:‏

ففداء لبني قيس على *** ما أصاب الناس من سر وضر

خالتي والنفس قدماً إنهم *** نعم الساعون في القوم الشطر

قوله‏:‏ نحن في المشتاة إلخ ، قال شارحه الأعلم الشنتمري‏:‏ يريد زمن الشتاء والبرد، وذلك أشد الزمان‏.‏

والجفلى‏:‏ أن يعم بدعوته إلى الطعام، ولا يخص واحداً دون آخر‏.‏ والآدب‏:‏ الذي يدعو إلى المأدبة، وهي كل طعام يدعى إليه‏.‏

والانتقار‏:‏ أن يدعو النقرى، وهو أن يخصهم ولا يعمهم‏.‏ يقول‏:‏ لا يخص الأغنياء، ومن يطمعون في مكافاته، ولكنهم يعمون، طلباً للحمد ولاكتساب المجد‏.‏

وقوله‏:‏ حين قال الناس إلخ ، القتار بالضم‏:‏ رائحة اللحم إذا شوي‏.‏

والقطر، بضمتين‏:‏ العود الذي يتبخر به‏.‏ يقول‏:‏ نحن نطعم في شدة الزمان إذا كان ريح القتار عند القوم بمنزلة رائحة العود، لما فيه من الجهد والحاجة إلى الطعام‏.‏

وقوله‏:‏ يجفان تعتري إلخ ، أي‏:‏ ندعوهم إلى الجفان‏.‏ ومعنى تعتري‏:‏ تلم به وتأتيه‏.‏

والنادي‏:‏ مجلس القوم ومتحدثهم‏.‏ والسديف‏:‏ قطع السنام‏.‏ والصنبر أشد ما يكون من البرد‏.‏

قال ابن جني في الخصائص الصنبر بنون مشددة وباء ساكنة‏.‏ وكان حقه إذا نقلت الحركة أن تكون الباء مضمومة، لأن الراء مرفوعة، ولكنه قدر الإضافة إلى الفعل، يعني المصدر، كأنه قال‏:‏ حين هيج الصنبر‏.‏ يعني‏:‏ أنه نقل الكسرة في الوقف إلى الباء الساكنة وسكنت الراء‏.‏

قال الدماميني في الحاشية الهندية بعد أن نقل الكلام‏:‏ وهذا من الغرائب؛ فإن الصنبر لا شك في كونه فاعلاً بهاج، لكنه أعربه بالكسرة نظراً إلى أن الفعل في معنى المصدر المضاف إلى هذا الفاعل، ثم نقل الكسرة‏.‏ وقد نظمته لغزاً فقلت‏:‏ الطويل

أيا علماء الهند إني سائل *** فمنوا بتحقيق به يظهر السر

أرى فاعلاً بالفعل أعرب لفظه *** بجر ولا حرف يكون به الجر

وليس بمحكي ولا بمجاور *** لذي الخفض والإنسان للبحث يضطر

فهل من جواب منكم أستفيده *** فمن بحركم ما زال يستخر الدر

وقد استشهد الجوهري ببيت طرفة على أن الصنبر بكسر الباء‏:‏ شدة البرد، فجعل الكسرة أصلية، وجوز أن تكون الباء ساكنة في الأصل، ولكن حركت بالكسر للضرورة‏.‏ وعلى هذا لا يلغز‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

قال الشمني‏:‏ وقد سبق الدماميني إلى اللغز في ذلك بأبي سعيد فرج، المعروف بابن لب النحوي الأندلسي في منظومته النونية، في الألغاز النحوية، فقال‏:‏

ما فاعل بالفعل لكن جره *** مع السكون فيه ثابتان

وفي شرحها‏:‏ يعني الصِّنَبِر من قول طرفة‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وقوله‏:‏ كالجوابي لاتني‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، الجوابي‏:‏ جمع جابية، وهو الحوض العظيم يجبى فيه الماء، أي‏:‏ يجمع‏.‏ شبه الجفان بها في سعتها وعظمها‏.‏ والمترعة‏:‏ المملوءة‏.‏

قوله‏:‏ لا تني، أي‏:‏ لا تفتر ولا تزال‏.‏ والقرى‏:‏ القيام بالضيف‏.‏ والمحتضر‏:‏ النازل على الماء، اسم فاعل من احتضر‏.‏ والمحاضر‏:‏ المياه، واحدها محضر كجعفر‏.‏

يقول‏:‏ لا تزال جفاتنا مترعة لم جاءنا ضيفاً، ولمن كان حاضراً معنا نازلاً على مائنا‏.‏

وقوله‏:‏ ولقد تعلم بكر إلخ ، الجزر‏:‏ جمع جزور‏.‏ والمساميح‏:‏ الأسخياء‏.‏

واليسر‏:‏ الداخلون في اليسر‏.‏ يريد‏:‏ تفضل اراؤنا وسياستنا رأي غيرنا، ولا نخف عند الروع بل نثبت ونتوقر‏.‏

وقوله‏:‏ ويبرون، أي‏:‏ يغلبون ويظهرون‏.‏ على الآبي، أي‏:‏ الممتنع‏.‏ أيك نحن نغلب الآبي الغالب‏.‏

وقوله‏:‏ فضل أحلامهم، يقول‏:‏ إن جهل جارهم حلموا عنه حلماً فاضلاً، ولم يكافئوه على جهله‏.‏

وقوله‏:‏ رحب الأذرع، أي‏:‏ واسعو الصدر بالمعروف‏.‏ وأمر‏:‏ جمع أمور، وهو الكثير الأمر‏.‏

وقوله‏:‏ ذلق في غارة، أي‏:‏ مسرعون إلى الغارة متقدمون فيها‏.‏ وأصله من ذلك السيف، إذا كان يخرج من غمده‏.‏

والمسفوحة‏:‏ المصبوبة، ويقال‏:‏ هي الكثيرة‏.‏ والحماة‏:‏ جمع حام، وهو الذي يحمي حريمه وعشيرته‏.‏

وقوله‏:‏ نمسك الخيل، يقول‏:‏ نصبر على ارتباط الخيل والقيام عليها‏.‏

وقوله‏:‏ على مكروهها، أي‏:‏ نمسكها على شدة الزمان، وجوع الناس، ونؤثرها على أنفسنا‏.‏ ويحتمل أن يريد نمسك الخيل على ما نلقاه من شدة الحرب وجهدها، ولا ننهزم‏.‏

وإنما ذكر مكروه الخيل، لأنه إذا أصابها مكروه في الحرب فهم أجدر أن يصيبهم‏.‏ والبيت الذي بعده يدل على هذا التفسير الثاني‏.‏

وقوله‏:‏ وقد لج الذعر، أي‏:‏ دام الذعر في القلب واشتد‏.‏ والذُّعر‏:‏ الفزع، وحرك العين إتباعاً لحركة الذال‏.‏

وقوله‏:‏ أيها الفتيان إلخ ، جردوا منها وراداً، أي‏:‏ ألقوا عنها جلالها وأسرجوها للقاء‏.‏ وقيل‏:‏ الجريدة من الخيل، وهي التي تختار فتجرد، أي‏:‏ تكمش في مهم الأمور‏.‏

والوراد‏:‏ جمع ورد‏.‏ وشقر‏:‏ جمع أشقر، وحرك الثاني إبتاعاً للأول‏.‏

وتقدمت ترجمة طرفة بن العبد في الشاهد الثاني والخمسين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الكامل

العاطفون تَحينَ ما من عاطفٍ

تقدم شرحه مستوفي عليه الكلام، في الشاهد الحادي والثمانين بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الكامل‏؟‏فمضيت ثمت قلت لا يعنيني على أن ثم إذا لحقتها التاء اختصت بعطف قصة على قصة‏.‏

تقدم هذا من الشارح المحقق في باب المذكر والمؤنث أيضاً، وهو المشهور‏.‏ وقد وقع في شعر رؤبة عطف المفرد بها، قال‏:‏ الرجز

فإن تكن سوائق الحمام *** ساقتهم للبلد الشآم

فبالسلام ثمت السلام

وقول الشارح المحقق‏:‏ وقد جوزه ابن الأنباري، ولا أدري ما صحته، أقول‏:‏ تجويزه مأخوذ من شعر رؤبة‏.‏ وحينئذ صحته واضحة‏.‏

والمذكور عجز، وصدره‏:‏

ولقد أمر على اللئيم يسبني

وتقدم الكلام عليه مراراً، وأول ما ذكر في الشاهد الخامس والخمسين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الستون بعد السبعمائة

السريع

ماوي يا ربتما غارة *** شعواء كاللذعة بالميسم

على أن التاء لحقت رب للإيذان بأن مجرورها مؤنث، وما زائدة بين رب ومجورها، كما قاله الشارح المحقق في رب من حروف الجر‏.‏

والبيت أول أبيات أربعة لضمرة بن ضمرة النهشلي، أوردها أبو زيد في نوادره‏.‏

وبعده‏:‏

ناهبتها الغنم على طيع *** أجرد كالقدح من الساسم

ماوي بل لست برعديدة *** أبلخ وجاد على المعدم

لا وألت نفسك خليته *** للعامريين ولم تكلم

وماويَّ‏:‏ منادى مرخم ماوية، اسم امرأة‏.‏ ويا في قوله‏:‏ يا ربتما للتنبيه لا للنداء‏.‏

وفي رواية أبي زيد‏:‏ ماوي بل ربتما، قال أبو زيد‏:‏ الشعواء‏:‏ الغارة المنتشرة، وهي بالعين المهملة‏.‏ والذعة، بالذال المعجمة والعين المهملة، من لذعته النار، إذا أحرقته‏.‏

هذا ما رواه أبو زيد، قال العيني‏:‏ وإنما اللدغة بالدال المهلمة والغين المعجمة‏:‏ المكوى‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وهذا معارضة النقل بالرأي‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ والميسم‏:‏ ما يوسم به البعير بالنار‏.‏

وقوله‏:‏ ناهبتها جواب رب، أي‏:‏ نهبت بالغارة الغنم بالضم، وهي الغنيمة‏.‏ والغارة‏:‏ اسم من أغار القوم إغارة، أي‏:‏ أسرعوا في السير‏.‏

وقوله‏:‏ على طيع، أي‏:‏ فرس طيع، وهو فيعل من الطوع، وهو الانقياد‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ طيع‏:‏ فرس لين العنان طوع‏.‏ وأجرد، بالجيم والراء، قال أبو زيد‏:‏ هو قصير الشعر‏.‏ وهو صلب كأنه قدح من خشب الساسم الآبنوس، وهو الساسم‏.‏

والقدح، بكسر القاف‏:‏ السهم قبل أن يراش وينصل‏.‏ والساسم، بسينين مهملتين مفتوحتين، قال أبو الحسن الأخفش فيما كتبه هنا‏:‏ وأنشدت عن ابن الأعرابي‏:‏ ناهبتها الغنم على صُنْتُع، وزعم أنه الصلب الشديد، وهو بضم الصاد المهملة وسكون النون، وضم المثناة من فوق، بعدها عين مهملة‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ رجل رعديد ورعديدة، إذا كان يرعد عند القتال‏.‏ والأبلخ، بالموحدة والخاء المعجمة، صفة رعديدة، قال أبو زيد‏:‏ المتكبر الفخور‏.‏ ووجاد بتشديد الجيم، صفة ثانية لرعديدة‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ وجاد‏:‏ كثير الغضب، وهو مبالغة فاعل من الوجد، وهو الغضب‏.‏ ويقال‏:‏ الموجدة أيضاً‏.‏ والمعدم‏:‏ الفقير، وهو اسم فاعل من أعدم فلان، إذا افتقر‏.‏

وقوله‏:‏ لا وألت نفسك‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، هذا دعاء على رجل استأسر لأعدائه دون أن يجرح‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ وألت‏:‏ نجت‏.‏ والموئل‏:‏ المنجى‏.‏ وتكلم‏:‏ تجرح، بالبناء للمفعول، من الكلم وهو الجرح‏.‏

وضمرة بن ضمرة شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته في الشاهد الثامن والثمانين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ الرجز

يا صاحبا ربت إنسان حسن *** يسأل عنك اليوم ويسأل عن

على أنه جاء مجرور ربت مذكراً على خلاف القياس‏.‏

وقد تقدم الكلام عليه، في باب المذكر والمؤنث، في الشاهد الواحد والخمسين بعد الخمسمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏ البسيط

والمؤمن العائذات الطير

على أن العائذات كان في الأصل صفة للطير فقدم عليه وصار الطير بدلاً من العائذات‏.‏ والعائذات مفعول به للمؤمن، والمؤمن معطوف على مقسم به متقدم‏.‏

وقد تقدم الكلام عليه في الشاهد السابع والأربعين بعد الثلثمائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏