فصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد الحادي والستون بعد السبعمائة

الطويل

لنعم السيدان وجدتما

هو قطعة من بيت، وهو‏:‏

يميناً لنعم السيدان وجدتم *** على كل حال من سحيل ومبرم

على أنه قد يدخل الفعل الناسخ على المخصوص بالمدح والذم، سواء تقدم المخصوص كما في المثال، وتأخر كما في هذا البيت‏.‏ وأصله لنعم السيدان أنتما، فدخل عليه الناسخ فصار وجدتما، فضمير التثنية نائب الفاعل لوجد، وهو المفعول الأول له‏.‏

وقوله‏:‏ لنعم السيدان جواب القسم، والقسم وجوابه في موضع المفعول الثاني لوجد‏.‏

وكذا إعرابه على مقتضى مختار الشارح المحقق في جعل المخصوص مبتدأ وجملة المدح والذم خبره‏.‏

والسحيل بالمهملتين‏:‏ الخيط الذي لم يحكم فتله‏.‏ والمبرم‏:‏ الخيط الذي أحكم فتله‏.‏ وأراد بالأول‏:‏ الأمر السهل، وبالثاني‏:‏ الأمر الشديد‏.‏

والبيت من معلقة زهير بن أبي سلمى، وقد شرحناه مع أبيات منها في الشاهد السادس والخمسين بعد المائة من باب الاشتغال‏.‏

وقوله‏:‏ فيدخله عوامل المبتدأ يشمل باب كان، وظن، وإن وأخواتها‏.‏ والأولان جائزان، والثالث لا يجوز، فإنه لا يقال‏:‏ نعم الرجل إن زيداً، فكان ينبغي أن يقول كما قال ابن مالك في التسهيل في صورة تأخير المخصوص‏:‏ وأول معمولي فعل ناسخ ليحترز عن إن وأخواتها‏.‏

ومثال الأول قوله‏:‏ الطويل

لعمري لئن أنزفتم وصحوتم *** لبئس الندامى كنتم آل أبجرا

وتعميم النواسخ إنما هو في صورة تقديم المخصوص، كقوله‏:‏ مجزوء الكامل

إن ابن عبد الله نع‏؟‏ ***‏؟‏م أخو الندى وابن العشيرة

وقول الآخر‏:‏ الطويل‏؟‏إذا أرسلوني عند تعذير حاجة أمارس فيها كنت نعم الممارس ومثال ظن نحو‏:‏ ظننت زيداً نعم الرجل‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثاني والستون بعد السبعمائة

الرجز

والله ما ليلي بنام صاحبه

على أن حرف الجر داخل على محذوف، أي‏:‏ بمقول فيه‏:‏ نام صاحبه، فحذف القول وبقي المحكي به‏.‏

وذهب صاحب اللباب إلى أنه من باب حذف الموصوف غير القول، قال‏:‏ تقديره‏:‏ بليل نام صاحبه فيه، فالجر دخل في الحقيقة على الموصوف المقدر لا على الصفة‏.‏

وأقول‏:‏ لا فرق بينهما، فإن كلاً منهما ضرورة يختص بالشعر‏.‏ إلا أن ما ذهب إليه الشارح المحقق أقرب إلى القياس، وهو قول أبي علي في التذكرة، قال فيها‏:‏ ومن زعم أن نعم اسم لدخول حرف الجر عليه في قول حسان‏:‏ الطويل

ألست بنعم الجار يؤلف بيته *** أخا ثلة ومعدم المال مصرم

فلا حجة له فيه، لأنه يقدر فيه الحكاية، ويلزمه على هذا أن يكون نام اسماً، كقوله‏:‏

والله ما زيد بنام صاحبه *** ولا مخالط الليان جانبه

اه‏؟‏‏.‏

وكذا قال ابن الأنباري وابن الشجري، إلا أن روايتهما‏:‏ ما ليلي بنام صاحبه‏.‏

ونقل العيني عن ابن سيده في المحكم أن روايته كرواية أبي علي‏.‏ وقال‏:‏ إنه قال‏:‏ قيل إن نام صاحبه علم رجل‏.‏ وإذا كان كذلك جرى مجرى شاب قرناها‏.‏ ثم قال‏:‏ فإن قلت‏:‏ إن قوله ولا مخالط الليان جانبه ليس علماً، وإنما هو صفة، وهو معطوف على نام صاحبه، فيجب أن يكون قوله‏:‏ نام صاحبه، أيضاً صفة‏.‏ قيل‏:‏ قد يكون في الجمل إذا سمي بها معاني الأفعال‏.‏

ألا ترى أن شاب قرناها اسم عليم، وفيه مع ذلك معنى الذم‏.‏ وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله‏:‏ ولا مخالط الليان جانبه‏:‏ معطوفاً على ما في قوله نام صاحبه من معنى الفعل‏.‏ هذا كلامه‏.‏

قال شارح اللباب‏:‏ الليان بالكسر‏:‏ الملاينة‏.‏ وبالفتح‏:‏ مصدر لان بمعنى اللين‏.‏ يقال‏:‏ هو في ليان من العيش، أي‏:‏ في نعيم وخفض‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وروى صدره‏:‏‏؟‏عمرك ما ليلى إلخ فيكون عمرك مبتدأ خبره محذوف، أي‏:‏ قسمي‏.‏ وجملة‏:‏ ما ليلي إلخ، جواب القسم، وزيدت الباء في خبر ما‏.‏

والبيت مع كثرة دورانه في كتب النحو غير معلوم قائله‏.‏ والله أعلم به‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

يميناً لنعم السيدان وجدتم *** على كل حال من سحيل ومبرم

تقدم شرحه قريباً‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثالث والستون بعد السبعمائة

الوافر

أبو موسى فجدك نعم جد *** وشيخ الحي خالك نعم خالا

على أنه قد يكون فاعل نعم ضميراً مفسراً بنكرة، مع تقدم المخصوص بالمدح، كما هنا‏.‏ فإن أبو موسى هو المخصوص، وفاعل نعم ضمير فسره بقوله‏:‏ جداً‏.‏ وكذا المصراع الثاني، فإن قوله‏:‏ شيخ الحي هو المخصوص، وخالك بدل منه، وفاعل نعم ضمير مفسر بقوله‏:‏ خالا‏.‏

وأما قوله‏:‏ فجدك، تحريف وقع في نسخ هذا الشرح، ولم يتنبه له أحد، ولا فتش ديوان قائله حتى يؤخذ الماء من مجاريه‏.‏

وقد تمحل لإعرابه المولى حسن الفناري في حاشية المطول، وهو معذور‏.‏ قال‏:‏ قوله‏:‏ فجدك بدل من أبو موسى، والأقرب أن أبو موسى مبتدأ فجدك خبره، والفاء زائدة في الخبر على ما جوزه الأخفش‏.‏ أما زيادتها في البدل فلم أظفر به، والمخصوص بالمدح محذوف على قياس، نعم العبد‏.‏ وهذا أولى لشيوعه‏.‏

هذا غاية ما تكلف به، وصوابه‏:‏ فحسبك، كما هو مسطور في عدة نسخ ديوان ذي الرمة‏.‏

والبيت من قصيدة طويلة عدتها مائة بيت، مدح بها بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري‏.‏

وليس البيت للأخطل كما زعم الشارح، فإن الأخطل هلك قبل ظهور بلال، فإن الأخطل كان من شعراء معاوية بن أبي سفيان، وبلال كان في زمن عمر بن عبد العزيز‏.‏

والبيت موجود في قصيدة من شعر ذي الرمة‏.‏ وغالب شعر ذي الرمة في مدح بلال‏.‏

وقبله‏:‏

بنى لك أهل بيتك يا ابن قيسٍ *** وأنت تزيدهم شرفاً جلالا

مكارم ليس يحصيهن مدح *** ولا كذباً أقول ولا انتحالا

أبو موسى فحسبك نعم جد *** وشيخ الركب خالك نعم خالا

كأن الناس حين تمر حتى *** عواتق لم تكن تدع الحجالا

قياماً ينظرون إلى بلال *** رفاق الحج أبصرت الهلالا

فقد رفع الإله بكل أفق *** لضوئك يا بلال سناً طوالا

كضوء الشمس ليس به خفاء *** وأعطيت المهابة والجمالا

والجلال، بضم الجيم‏:‏ الجليل‏.‏ ومكارم‏:‏ مفعول بنى لك‏.‏

وقوله‏:‏ أبو موسى فحسبك إلخ ، هو أبو موسى الأشعري الصحابي‏.‏

وقوله‏:‏ فحسبك الفاء في فحسب زائدة لازمة‏.‏ وحسب‏:‏ اسم بمعنى ليكف، كما قال الشارح المحقق في باب الإضافة، مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره‏:‏ هذا النسب، وهذا المدح‏.‏ والجملة اعتراضية بين المبتدأ والخبر‏.‏

وقوله‏:‏ وشيخ الركب، أي‏:‏ القافلة‏.‏ وروى بدله‏:‏ وزاد الركب، ومعناه أنه لا يدع أحداً من الركب يحمل زاد السفرة، بل هو يجري النفقات على جميع من صحبه في السفر‏.‏

ومدحه في هذا البيت بشرف النسبين‏:‏ نسب الأب، ونسب الأم‏.‏

وقوله‏:‏ كأن الناس‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، خبر كأن قوله‏:‏ رفاق الحج في البيت بعده‏.‏ وحتى‏:‏ حرف جر غاية للناس، وما بعدها داخل في المغيا‏.‏ وعواتق مجرور بالفتحة، جمع عاتق، وهي البنت التي أدركت في بيت أبويها ولم تكن متزوجة‏.‏

والحجال‏:‏ جمع حجلة بالتحريك، وهو بيتها الذي تلازمه، ولا تخرج منه‏.‏ وقياماً منصوب على الحال‏.‏

أراد‏:‏ كأن الناس في حال قيامهم حين يمر بلال، رفاق الحج إذا نظروا إلى الهلال‏.‏ والسنا، بالقصر‏:‏ الضوء‏.‏ والطوال‏:‏ مبالغة الطويل‏.‏

وفي هذه القصيدة أبيات أخر شواهد، منها‏:‏ الوافر

ومية أحسن الثقلين جيد *** وسالفة وأحسنهم قذالا

والقذال‏:‏ ما بين الأذن والنقرة، وهما قذالان‏.‏ ومنها‏:‏

سمعت الناس ينتجعون غيث *** فقلت لصيدح انتجعي بلالا

وتقدم شرحه في أفعال القلوب‏.‏

وقد تقدمت ترجمة بلال هذا في الشاهد الستين بعد المائة‏.‏ وترجمة ذي الرمة في الشاهد الثامن من أول الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

ويلمها روحة

هو قطعة من بيت، وهو‏:‏ البسيط

ويملها روحة والريح معصفة *** والغيث مرتجز والليل مقترب

وتقدم شرحه في الشاهد الحادي عشر بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

فيا لك من ليل

هذا أيضاً من بيت، وهو‏:‏ الطويل

فيا لك من ليلٍ كأن نجومه *** بكل مغار الفتل شدت بيذبل

وتقدم أيضاً شرحه في الشاهد العاشر بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الرابع والستون بعد السبعمائة

الوافر

تزود مثل زاد أبيك فين *** فنعم الزاد زاد أبيك زادا

على أنه قد يجيء بعد الفاعل الظاهر تمييز للتوكيد‏.‏

قال ابن يعيش‏:‏ اختلف الأئمة في هذه المسألة، فمنع سيبويه من ذلك وأنه لا يقال‏:‏ نعم الرجل رجلاً زيد، وكذلك السيرافي، وابن السراج، وأجازه المبرد، وأبو علي‏.‏

واحتج في ذلك سيبويه بأن المقصود من المرفوع والمنصوب الدلالة على الجنس، وأحدهما كاف عن الآخر‏.‏ وأيضاً فإن ذلك ربما أوهم بأن الفعل الواحد له فاعلان، وذلك إن رفعت اسم الجنس بأنه فاعل‏.‏

وإذا نصبت النكرة بعد ذلك آذنت بأن الفعل فيه ضمير فاعل، لأن النكرة المنصوبة لا تأتي إلا كذلك‏.‏

وحجة المبرد في الجواز الغلو في البيان والتأكيد، والأول أظهر‏.‏

وأما بيت جرير، وهو‏:‏

تزود مثل زاد أبيك ***‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ

فإن المبرد أنشده شاهداً على ما ادعى من جواز ذلك‏.‏ فإن رفع الزاد المعرف باللام بأنه فاعل نعم، وزاد أبيك هو المخصوص بالمدح، وزاداً تمييز وتفسير، فالقول عليه أنا لا نسلم أن زاداً منصوب بنعم، وإنما هو مفعول به بتزود، والتقدير‏:‏ تزود زاداً مثل زاد أبيك فينا، فلما قدم صفته عليه نصبها على الحال‏.‏

ويجوز أن يكون مصدراً مؤكداً محذوف الزوائد، والتقدير‏:‏ تزود مثل زاد أبيك فينا تزوداً‏.‏ ويجوز أن يكون تمييزاً لمثل، كما يقال‏:‏ ما رأيت مثله رجلاً‏.‏ وعلى تقدير أن يكون العامل فيه نعم، فإن ذلك من ضرورة الشعر، ولا يجعل قياساً‏.‏

ومثله قول الآخر‏:‏ الوافر

ذريني أصطبح يا بكر إني *** رأيت الموت نقب عن هشام

تخبره ولم يعدل سواه *** ونعم المرء من رجل تهامي

فقوله‏:‏ من رجل كقوله رجلاً، لأن من تدخل على التمييز‏.‏ وذلك كله من ضرورة الشعر‏.‏

وقال ابن جني في الخصائص‏:‏ إن الرجل من نحو قولهم‏:‏ نعم الرجل زيد، غير المضمر في نعم إذا قلت‏:‏ نعم رجلاً زيد لأن المضمر على شريطة التفسير لا يظهر ولا يستعمل ملفوظاً به‏.‏

ولذلك قال سيبويه هذا باب ما لا يعلم في المعروف إلا مضمراً، أي‏:‏ إذا فسر بالنكرة، نحو‏:‏ نعم رجلاً زيد، فإنه لا يظهر أبداً‏.‏ وإذا كان كذلك علمت زيادة الزاد في قول جرير‏:‏

تزود مثل زاد أبيك فين ‏.‏‏.‏‏.‏ *** البيت

وذلك أن فاعل نعم مظهر فلا حجة به إلى أن يفسر‏.‏ فهذا يسقط اعتراض المبرد على صاحب الكتاب في هذا الموضع‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وهذا جواب خامس‏.‏

وقال المرادي في شرح التسهيل‏:‏ منع سيبويه الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر، وأجاز ذلك المبرد والفارسي‏.‏ قال المصنف‏:‏ وهو الصحيح‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وبالجواز قال ابن السراج‏.‏ وفصل بعضهم، فقال‏:‏ إن أفاد التمييز معنى لا يفيده الفاعل جاز، نحو‏:‏ نعم الرجل رجلاً فارساً زيد، وإلا فلا‏.‏

قال المصنف‏:‏ والحامل لسيبويه على المنع كون التمييز في الأصل مسوقاً لدفع الإبهام، والإبهام إذا ظهر الفاعل زائل، فلا حاجة إلى التميز‏.‏ وهذا الاعتبار يلزم منه منع التمييز في كل ما لا إبهام فيه كقولك‏:‏ عندي من الدراهم عشرون درهماً‏.‏ ومثل هذا جائز بلا خلاف‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وما ذكره من أن الحامل لسيبويه ما ذكر ليس هو في كتابه‏.‏ وفرق بين نعم رجل رجلاً يزيد، وبين‏:‏ له من الدراهم عشرون درهماً ونحوه، بأن عشرين وأمثالها محتاجة إلى التمييز في الأصل، بخلاف نعم الرجل زيد‏.‏ والتمييز مبناه على التبيين، ثم يعرض له في بعض المواضع أن يقترن بالكلام ما يغني عنه، فيصير مؤكداً‏.‏

وقد تأول الفارسي كلام سيبويه على أن معناه لا يكون الفاعل ظاهراً حين يلزم التمييز، بل الفاعل في حال لزوم التمييز مضمر لا غير، وأما مع الظاهر فلا يكون لازماً‏.‏ وفيه بعد‏.‏ واستدل المصنف على الجواز بالقياس والسماع‏.‏

أما القياس فقال بعد التمثيل ب‏؟‏ له من الدراهم عشرون درهماً وبقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلاً وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فهي كالحجارة وأشد قسوة ‏.‏

فكما حكم بالجواز في مثل هذا، وجعل سبب الجواز التوكيد، لا رفع الإبهام، فكذلك يفعل في نحو‏:‏ نعم الرجل رجلاً‏.‏ ولا يمنع، لأن تخصيصه بالمنع كحكم بلا دليل‏.‏ هذا لو لم تستعمله العرب، فكيف وقد استعملته‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وقد تقدم ما فرق به بين ما ذكرته من التمثيل، وبين نعم الرجل‏.‏ قال‏:‏ ومن وروده التمييز للتوكيد لا لرفع الإبهام قول أبي طالب‏:‏ الكامل

ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا

وقول الآخر‏:‏ المتقارب

فأما التي خيرها يرتجى *** فأجود جوداً من اللافظة

اه‏؟‏‏.‏

ولا يتأتى ذلك الفرق هنا‏.‏ وأما السماع فقول جرير‏:‏ البسيط

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم *** فحلاً وأمهم زلاء منطيق

وقوله جرير أيضاً‏:‏

تزود مثل زاد أبيك ‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

وأنشد غير المصنف‏:‏ البسيط

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت *** رد التحية نطق وبإيماء

وحكي من كلام العرب‏:‏ نعم القتيل قتيلاً أصلح بين بكر وتغلب‏.‏ وهذا وارد في الاختيار‏.‏

وقد تأول المانعون السماع‏.‏ أما فحلاً وفتاة فعلى الحال المؤكدة‏.‏ وأما زاداً فعلى أنه مصدر محذوف الزوائد منصوب بتزود‏.‏ وقد حكى الفراء استعماله مصدراً‏.‏ وعلى أنه مفعول به، ومثل منصوب على الحال، لأنه لو تأخر لكان صفة‏.‏

وقال أبو حيان‏:‏ وعندي تأويل غير ما ذكروه، وهو أقرب‏.‏ وذلك أن يدعى أن في نعم وبئس ضميراً، وفحلاً وفتاة وزاداً تمييز لذلك الضمير، وتأخر عن المخصوص على جهة الندور‏.‏ فالفحل والفتاة والزاد هي المخصوصة، وفحلهم وزاد أبيك أبدال من المرفوع قبلها‏.‏

هذا ما أورده المرادي، ولفوائده سقناه برمته‏.‏

والبيت من قصيدة لجرير مدح بها عمر بن عبد العزيز، منها‏:‏

وسدت الناس قبل سنين عشر *** كذاك أبوك قبل العشر سادا

وثبت الفروع فهن خضر *** ولو لم تحي أصلهم لبادا

تزود مثل زاد أبيك فين ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

فلما كعب بن مامة وابن سعدى *** بأجود منك يا عمر الجوادا

وتبني المجد يا عمر بن ليلى *** وتكفي الممحل السنة الجمادا

يعود الحلم منك على قريش *** وتفرج عنهم الكرب الشدادا

وتدعو الله مجتهداً ليرضى *** وتذكر في رعيتك المعادا

وباد‏:‏ هلك‏.‏ وأتبع الجواد لموضع عمر، وهو من شواهد المنادى‏.‏

وكعب، هو ابن مامة الإيادي، أحد أجواد العرب‏.‏

قال الواحدي في أمثاله‏:‏ كان كعب فيما يقال، أجود من حاتم الطائي‏.‏ حكي أنه خرج في ركب، وفيهم رجل من النمر بن قاسط، في القيظ، فضلوا، فتصافنوا الماء بالمقلة، فقعد أصحاب كعب لشرب الماء، فلما دار القعب إلى كعب أبصر النمري يحدد النظر إليه، فآثره كعب بمائه، وقال للساقي‏:‏ اسق أخاك النمري يصطبح فذهبت مثلاً‏.‏

فشرب النمري نصيب كعب ذلك اليوم، ثم نزلوا من الغد منزلاً آخر، فتصافنوا بقية مائهم، فنظر النمري إلى كعب كنظره بالأمس، ففعل كعب فعلته بالأمس، وارتحل القوم، وقالوا‏:‏ يا كعب ارتحل‏.‏ فلم يكن به قوة النهوض، وكانوا قد قربوا من الماء، فقيل‏:‏ رد كعب إنك وراد‏.‏ فعجز عن الإجابة، فلما يئسوا منه، خيلوا عليه بثوب يمنعه من السباع، وتركوه مكانه فمات، فقال أبوه يبكيه‏:‏ البسيط

أوفى على الماء كعب ثم قيل له *** رد كعب إنك وراد فما وردا

قال‏:‏ وكان من جوده أنه إذا مات جار له أدى ديته إلى أهله، وإن هلك لجاره بعير، وشاة أخلفه عليه، فجاوره أبو دواد الإيادي فعامله بذلك، فصارت العرب إذا حمدت مستجاراً به لحسن جواره، قالوا‏:‏ كجار أبي دواد‏.‏ ومنه قول قيس بن زهير‏:‏ الوافر

سأفعل ما بدا لي ثم آوي *** إلى جار كجار أبي دواد

اه‏؟‏‏.‏

قال المبرد في الكامل‏:‏ والتصافن‏:‏ أن يطرح في الإناء حجر ثم يصب فيه من الماء ما يغمره؛ لئلا يتغابنوا‏.‏ والمقلة‏:‏ اسم ذلك الحجر‏.‏

وابن سعدى هو كما في كامل المبرد‏:‏ أوس بن حارثة بن لأم الطائي‏.‏ وكان سيداً مقداماً، فوفد هو وحاتم بن عبد الله الطائي على عمرو بن هند، وأبوه المنذر بن المنذر بن ماء السماء، فدعا أوساً، فقال‏:‏ أنت أفضل أم حاتم‏؟‏ فقال‏:‏ أبيت اللعن، لو ملكني حاتم وولدي ولحمتي لوهبنا في غداة واحدة‏؟‏‏!‏ ثم دعا حاتماً، فقال‏:‏ أنت أفضل أم أوس‏؟‏ فقال‏:‏ أبيت اللعن، إنما ذكرت بأوس، ولأحد ولده أفضل مني‏!‏‏.‏

وكان النعمان بن المنذر دعا بحلة وعنده وفود العرب من كل حي، فقال‏:‏ احضروا في غد، فإني ملبس هذه الحلة أكرمكم‏.‏ فحضر القوم جميعاً إلا أوساً، فقيل له‏:‏ لم تتخلف‏؟‏ فقال‏:‏ إن كن المراد غيري فأجمل الأشياء أن لا أكون حاضراً، وإن كنت المراد فسأطلب ويعرف مكاني‏.‏

فلما جلس النعمان لم ير أوساً، فقال‏:‏ اذهبوا إلى أوس، فقولوا له‏:‏ احضر آمناً مما خفت‏.‏ فحضر فألبسه الحلة، فحسده قوم من أهله، فقالوا للحطيئة‏:‏ اهجه ولك ثلثمائة ناقة، فقال‏:‏ الحطيئة‏:‏ كيف أهجو رجلاً لا أرى في بيتي أثاثاً ولا مالاً إلا من عنده‏؟‏‏!‏ ثم قال‏:‏ البسيط

كيف الهجاء وما تنفك صالحة *** من آل لأم بظهر الغيب تأتيني

فقال لهم بشر بن أبي خازم، أحد بني أسد بن خزيمة‏:‏ أنا أهجوه لكم‏.‏ فأخذ الإبل وفعل، فأغار أوس عليها فاكتسحها، فجعل لا يستجير حياً إلا قال‏:‏ قد أجرتك إلا من أوس‏.‏

وكان في هجائه قد ذكر أمه، فأتي به، فدخل أوس على أمه، فقال‏:‏ قد أتينا ببشر الهاجي لك ولي‏.‏ قالت‏:‏ وتطيعني‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قالت‏:‏ أرى أن ترد عليه ماله، وتعفو عنه، وتحبه، وأفعل مثل ذلك، فإنه لا يغسل هجاءه إلا مدحه‏.‏

فخرج، فقال‏:‏ إن أمي سعدى التي كنت تهجوها قد أمرت فيك بكذا وكذا‏!‏ فقال‏:‏ لا جرم، والله لا مدحت حتى أموت أحداً غيرك‏.‏ ففيه يقول‏:‏ الوافر

إلى أوس بن حارثة بن لأم *** ليقضي حاجتي فيمن قضاها

فما وطئ الثرى مثل ابن سعدى *** ولا لبس النعال ولا احتذاها

وأنشد بعده‏:‏ الوافر

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

على أن الموصوف محذوف وصفته جملة فعلية، وهي جلا على أنه فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه، والتقدير‏:‏ أنا ابن رجل الأمور وكشفها‏.‏

وهذا أحد التخريجين في البيت، وقد ذكرناهما مشروحين فيما لا ينصرف، وفي النعت‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الخامس والستون بعد السبعمائة

الكامل

نعم الفتى فجعت به إخوانه *** يوم البقيع حوادث الأيام

على أن المخصوص بالمدح محذوف، وهو موصوف بجملة أقيمت مقامه، تقديره‏:‏ نعم الفتى فتى فجعت به إلخ‏.‏

قال ابن جني في إعراب الحماسة‏:‏ الهاء في به عائدة على موصوف محذوف، أي‏:‏ نعم الفتى فتى، فجعت به حوادث الأيام‏.‏

ويوم البقيع ظرف، ويجوز أن تنصبه على أنه في المعنى مفعول به، لأن الفعل في هذا النحو يسند إلى ظرف الزمان، نحو قولك‏:‏ شفني يوم كذا، وسرني وقت كذا، فتنسب الفعل إلى ذلك اليوم والوقت‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وقال الطبرسي في شرح الحماسة‏:‏ جملة فجعت به‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، صفة فتى محذوف، وهو المخصوص بالمدح، خصصته حتى صار كالمعرفة‏.‏ والحذف في مثل هذا إنما يصلح إذا كان الممدوح مشهور البيان‏.‏ ويوم البقيع ظرف منصوب‏.‏ وحوادث الأيام فاعل فجعت‏.‏ والفجيعة‏:‏ الرزية‏.‏ وفجعه فجعاً من باب نفع، فهو مفجوع، في ماله وأهله‏.‏

والبيت أول أبيات ثلاثة لمحمد بن بشير الخارجي، أوردها أبو تمام في باب المراثي من الحماسة، وبعده‏:‏

سهل الفناء إذا حللت ببابه *** طلق اليدين مؤدب الخدام

وإذا رأيت صديقه وشقيقه *** لم تدر أيهما أخو الأرحام

وقال الطبرسي‏:‏ سهل الفناء‏:‏ خبر مبتدأ محذوف، وجعل فناءه سهلاً للزوار والعفاة، وذلك مثل، لكثرة إحسانه إليهم‏.‏

وقوله‏:‏ مؤدب الخدام تنبيه على اقتدائهم بمولاهم في تفقد الوراد وإكرامهم، والسعي في أمورهم‏.‏ والشقيق من إخوان الولادة‏.‏ والصديق من إخوان المودة‏.‏

يقول‏:‏ لا يتميز صديقه عن شقيقه في شمول تفقده لهما، وتساويهما في المجد عنده‏.‏ وهذا هو الغاية في الكرم‏.‏

ومحمد بن بشير الخارجي‏:‏ شاعر إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد الثلاثين بعد السبعمائة، وهو من خارجة عدوان‏:‏ قبيلة‏.‏ وليس من الخوارج‏.‏

ونقل ابن خلكان في ترجمة يزيد بن مزيد الشيباني أن المرزباني ذكر في كتاب معجم الشعراء أن هذه الأبيات لعمير بن عامر، مولى يزيد بن مزيد الشيباني، رثى بها سيده‏.‏

ورأيت أنا في العقد الفريد لابن عبد ربه هذه الأبيات منسوبة لإبراهيم بن هرمة‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السادس والستون بعد السبعمائة

الكامل

نعم الفتى المري أنت

هو قطعة من بيت، وهو‏:‏

نعم الفتى المري أنت إذا هم *** حضروا لدى الحجرات نار الموقد

على أنه يجوز وصف فاعل نعم، فإن المري صفة الفتى لا بدل منه، خلافاً لابن السراج، كما بينه الشارح المحقق‏.‏

وهذه عبارة أبي بكر بن السراج في الأصول‏:‏ ويجوز توكيد المرفوع بنعم‏.‏ قالوا‏:‏ وقد جاء في الشعر منعوتاً‏.‏

وأنشدوا‏:‏

‏؟‏نعم الفتى المري أنت ‏.‏‏.‏‏.‏ *** البيت

وهذا يجوز أن يكون بدلاً غير نعت، فكأنه قال‏:‏ نعم المري أنت‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وقد نقله أبو علي عنه في تذكرته وأقره، قال قرئ على أبي بكر من الأصول‏:‏ نعم الفتى المري أنت البيت، قال أبو بكر‏:‏ حمله قوم على الصفة، وهو عندنا على البدل، لأن وصفه قبيح‏.‏

قال أبو علي‏:‏ لأن فاعل نعم، إذا كان ظاهراً، فالمقصود به الجنس، وليس بعد الجنس شيء، يلبس فيفصل بينهما‏.‏ هذا كلامه‏.‏

ورد عليهما الشارح المحقق بأن هذا المنع ليس بشيء، لأن الإبهام مع مثل هذا التخصيص باق‏.‏ وهو في مثل هذا الرد والتوجيه تابع لابن جني، فإنه قال في بيت الحماسة، ليزيد بن قنافة‏:‏ الطويل

لعمري وما عمري علي بهين *** لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم

قال أصحابنا في قول الشاعر‏:‏ نعم الفتى المري أنت إن المري بدل من الفتى، قالوا‏:‏ وذاك أن فاعل نعم وبئس لا يجوز وصفه، من حيث كان واقعاً على الجنس، والجنس أبعد شيء عن الوصف؛ لفساد معناه، فلما كان كذلك عدلوا به عن الوصف إلى البدل‏.‏

فقياس هذا أن يكون المدعو بدلاً من الفتى‏.‏ وأما أنا فأجيزه‏.‏ وذلك أن يكون المدح والتفضيل إنما وقع على أن يفضل حاتم على الفتيان المدعوين بالليل، أي‏:‏ فاق حاتم جميع الفتيان المدعوين بالليل، ولم يرد أن يفضله على جميع الفتيان عموماً‏.‏

ولو أراد ذلك لما جازت الصفة، ولكنه وصف الفتى، وفضل حاتماً على جميع الفتيان المدعوين بالليل‏.‏

وكذلك تقول‏:‏ نعم لرجل الطول زيد، أي‏:‏ فاق زيد في الرجال الطوال خاصة‏.‏ وهذا معنى مع أول تأمل يصح‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

ولا بأس بإيراد كلام المرادي في شرح التسهيل، فإن فيه فوائد‏.‏

قال بعد قول التسهيل‏:‏ ولا يؤكد فاعلها توكيداً معنوياً باتفاق ما نصه‏:‏ لأن القصد بالتوكيد المعنوي رفع توهم إرادة المخصوص مما ظاهره العموم، ورفع توهم المجاز مما ظاهره الحقيقة، وفاعل نعم وبئس في الغالب بخلاف ذلك، لأنه قائم مقام الجنس، إن كان ذا جنس، ومؤول بالجامع لأكمل خصال المدح اللائقة بمسماه إن كان فاعل نعم، وبالجامع لأكمل خصال الذم إن كان فاعل بئس، والتوكيد المعنوي مناف للقصدين فاتفق على منعه‏.‏

وعلى القول بأن أل عهدية فقد يمكن أن يجوز توكيده توكيداً معنوياً لانتفاء المانع‏.‏ قال في الشرح‏:‏ وأما التوكيد اللفظي فلا يمتنع لك أن تقول نعم الرجل الرجل زيد‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

قيل‏:‏ وينبغي أن لا يقدم على جواز ذلك إلا بسماع، لأن باب نعم وبئس له أحكام مغايرة، وأما النعت فلا ينبغي أن يمتنع على الإطلاق، بل يمنع إذا قصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس، لأن تخصيصه حينئذ مناف لذلك القصد‏.‏ وإذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال فلا مانع من نعته حينئذ، لإمكان أن ينوى في النعت ما ينوى في المنعوت‏.‏

وعلى هذا يحمل قول الشاعر‏:‏

نعم الفتى المري أنت ‏.‏‏.‏‏.‏ ***‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

وحمل ابن السراج وأبو علي مثل هذا على البدل، وأبيا النعت‏.‏ ولا حجة لهما‏.‏

اه‏؟‏‏.‏

قيل‏:‏ أما منع وصفه، فهو قول الجمهور‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ لا يجوز عند البصريين‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وأجاز أبو الفتح في بيت الحماسة‏:‏

لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم

أن يكون المدعو وصفاً للفتى‏.‏ ومقتضى سكوت المصنف عن البدل والعطف جوازهما‏.‏ قيل‏:‏ وينبغي أن لا يجوز منهما إلا ما يباشره نعم وبئس‏.‏ انتهى كلام المرادي‏.‏

والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى عدتها سبعة وعشرون بيتاً، مدح بها سنان بن أبي حارثة المري، بدأ بذكر حبيبته سلمى، ثم انتقل إلى وصف ناقته إلى أن قال‏:‏

وتيممت عرض الفلاة كأنه *** غراء من قطع السحاب الأقهد

وإلى سنان سيرها ووسيجه *** حتى تلاقيه بطلق الأسعد

نعم الفتى المري أنت إذا هم *** حضروا لدى الحجرات نار الموقد

خلط ألوف للجميع ببيته *** إذ لا يحل بجيزة المتوحد

يسط البيوت لكي يكون مظنة *** من حيث توضع جفنة المسترفد

قوله‏:‏ وتيممت عرض الفلاة إلخ ، تيممت‏:‏ قصدت، وفاعله ضمير الناقة‏.‏

والعرض، بالضم‏:‏ الناحية والجانب‏.‏ والغراء‏:‏ البيضاء‏.‏ والأقهد‏:‏ الأبيض من كل شيء‏.‏ أي‏:‏ كأن الناقة سحابة بيضاء في سرعتها‏.‏ والسحابة البيضاء أخف وأسرع ذهاباً، لقلة مائها‏.‏

وقوله‏:‏ إلى سنان سيرها هو سنان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ ابن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان‏.‏ وكان زهير مادحاً لسنان هذا، ولابنه هرم بن سنان المري الذبياني، وغالب مدحه في ابنه هرم‏.‏

وشيجها بالشين المعجمة والجيم، قال شارح ديوانه صعوداء‏:‏ الوسيج‏:‏ سير خفيف، هو ألين سير الإبل، وهو سير النجائب‏.‏ وطلق‏:‏ سليم من كل سوء ومكروه، يقال‏:‏ يوم طلق، وليلة طلقة‏:‏ ليس فيها حر ولا برد ولا مكروه‏.‏ والأسعد‏:‏ جمع سعد النجوم‏.‏

وقوله‏:‏ نعم الفتى المري، منسوب إلى مرة أحد أجداده القريب والبعيد‏.‏ وأنت‏:‏ هو المخصوص بالمدح‏.‏ وإذا‏:‏ ظرفية، وهم‏:‏ فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده‏:‏ كقوله تعالى‏:‏ إذا السماء انشقت‏.‏ وهم ضمير الوفود والضيوف، ولدى‏:‏ ظرف متعلق بحضروا، والحجرات، بضمتين، قال شارحه‏:‏ هي حجرات الأضياف‏.‏

يريد‏:‏ البيوت التي تنزل فيها الضيوف‏.‏ ونار‏:‏ مفعول حضروا‏.‏ والموقد‏:‏ اسم فاعل، قال شارحه‏:‏ هو الذي يوقد ليستدل الغرباء والعفاة بناره، فيأتونه‏.‏

يريد‏:‏ أنه أشد الناس إكراماً لضيوفه، إذا حضروا دار ضيافته، واستدلوا عليها بالنار التي يوقدها خادمه، ليقبل عليها من رآها‏.‏ وقال العيني‏:‏ إذا للمفاجأة، وهم‏:‏ مبتدأ، وحضروا‏:‏ خبره‏.‏ والحجرات‏:‏ جمع حجرة، وهي شدة الشتاء‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وكأنه لم يفهم معنى البيت‏.‏ والحجرات بالمعنى الذي ذكره بفتحتين‏.‏

وقوله‏:‏ خلِط ألوف إلخ ، خلِط، بكسر اللام، بمعنى مخالطٍ للناس ومعاشرهم وله ألفة بهم في بيته‏.‏

والمتوحد‏:‏ المنفرد عن الحي ينزل بعيداً منهم حتى لا يقصده ضيف‏.‏

والجيزة، يفتح الحاء المهملة، قال شارحه‏:‏ هو الموضع الذي انحاز إليه، لئلا يعرف العفاة، والضيوف موضعه، وهذا أشد شيء تشب العرب به الرجل‏.‏ يقول‏:‏ سنان يألف الحي، وينزل بينهم‏.‏

وقوله‏:‏ يسط البيوت إلخ ، هو مضارع وسط وسطاً‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ يسط البيوت‏:‏ ينزل وسطها‏.‏

والمظنة، قال شارحه‏:‏ هو الموضع الذي لا يشك فيه‏.‏ والعرب تقول‏:‏ اطلب الأمر في مظانه، أي‏:‏ في الموضع الذي لا يشك‏.‏ والظن يكون يقيناً، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ، أي‏:‏ أيقن بما فتناه، وخر عند اليقين‏.‏ وهذا كثير في كلامهم، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يظنون أنهم ملاقو ربهم ، أي‏:‏ موقنون‏.‏

والمسترفد‏:‏ الذي يطلب الرفد، وهو النيل والعطاء‏.‏ والجفنة‏:‏ القصعة التي يطعم فيها الطعام‏.‏

وترجمة زهير تقدمت في الشاهد الثامن والثلاثين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السابع والستون بعد السبعمائة

البسيط

فنعم مزكأ من ضاقت مذاهبه *** ونعم من هو في سر وإعلان

على أن من الثانية موصولة بمعنى الذي، وقعت فاعلاً لنعم عند أبي علي والمبرد، وهو‏:‏ مبتدأ، وخبره محذوف تقديره مثله، والجملة صلة من، والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره‏:‏ بشر‏.‏

وأما قوله‏:‏ في سر وإعلان، فهو متعلق بنعم، ولا يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه خبر هو، الواقع صلة الموصول، لما بينه أبو علي‏.‏

وقد بسط الكلام على هذا المصراع في احتمال وجوه ثلاثة لمن، فلا بأس بنقل كلامه، قال في كتاب الشعر‏:‏ قال الشاعر‏:‏ البسيط

وكيف أرهب أمر وأراع له *** وقد زكأت إلى بشر بن مروان

فنعم مزكأ من ضاقت مذاهبه *** ونعم من هو في سر وإعلان

القول في الظرف أنه يتعلق بنعم، وذلك لأنه لا يخلو من أن يكون خبر هو في الصلة، ويكون متعلقاً بنعم‏.‏ فلا يجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أن يكون في موضع خبر هو التي في الصلة، لأن التقدير قبل كون الكلام صلة يكون‏:‏ هو في سر وإعلان، وهذا لا معنى له‏.‏

فإذن المعنى‏:‏ كرم هذا الإنسان في سره وعلانيته، أي‏:‏ ليس ما يفعله من الخير لتصنع، فيفعل الخير في السر كما يفعله في العلانية‏.‏ وإذا كان كذلك احتاج هو إلى جزء آخر حتى تستقل الصلة، وذلك الجزء ينبغي أن يكون الذي هو مثله، ولا يكون الذي هو هو، لتكون الصلة شائعة فلا تكون من مخصوصة، لأنها فاعل نعم‏.‏

فإن قدرت الذي هو هو، وأنت تريد الذي هو مثله، فتحذف المضاف، فيصير الذي هو هو معناه مثله، جاز أيضاً‏.‏ وقد يجوز في القياس أن تجعل من نكرة‏.‏ فإذا جعلت نكرة احتاجت إلى صفة، فتكون الجملة التي قدرتها صلة لها مقدرة صفة، ويكون المقصود بالمدح مضمراً، لأن ذكره قد جرى، كما جرى ذكر أيوب قبل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏نعم العبد فاستغني بذلك عن ذكر ما يخصه بالمدح وإظهاره‏.‏

ويجوز في القياس أن تجعل من نكرة ولا تجعل له صفة كما فعل ذلك بما، في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فنعما هي ‏.‏ فإذا جعلتها كذلك كان كأنه قال‏:‏ فنعم رجلاً، فيكون موضع من نصباً، ويكون هو كناية عن المقصود بالمدح‏.‏ ووجه القياس في الحكم على من أنها نكرة غير موصوفة‏:‏ أنهم جعلوا ما بمنزلة شيء، وهو أشد إشاعة، وإبهاماً من مَنْ‏.‏

فإذا جاز أن لا توصف مع أنها أشد إبهاماً من مَنْ كان أن لا توصف مَنْ أجوز، لأنها أخص منها، فيصير كأنه قال‏:‏ نعم رجلاً هو، لأنها تخص الناس، ومن أشبههم، كما كانت ما تعم الأشياء، إلا أنا لم نعلمهم في الاستعمال تركوا من بغير صفة، كما تركوا ما غير موصوفة في الخبر، نحو التعجب والآية التي تلوناها‏.‏ انتهى كلام أبي علي‏.‏

وقد نسب ابن هشام في المغني هذا التخريج الأخير إلى أبي علي، ونسب الأول إلى غيره‏.‏ قال في بحث مَنْ، وفي الباب الثالث‏:‏ إن مَنْ تأتي نكرة تامة عند أبي علي، قاله في قوله‏:‏

ونعم من هو في سر وإعلان

فزعم أن الفاعل مستتر، ومن تمييز، وقوله هو‏:‏ مخصوص بالمدح، فهو‏:‏ مبتدأ، وخبره ما قبله، وخبر لمبتدأ محذوف‏.‏ وقال غيره‏:‏ من موصول فاعل، وقوله‏:‏ هو مبتدأ خبره هو آخر محذوف، على حد قوله‏:‏

وشعري شعري

والظرف متعلق بالمحذوف لأن فيه معنى الفعل، أي‏:‏ ونعم من هو الثابت في حالتي السر والعلانية‏.‏ قلت‏:‏ ويحتادج إلى تقدير هو ثالث يكون مخصوصاً بالمدح‏.‏ انتهى‏.‏

وصاحب هذا القول هو ابن مالك، قال في شرح الكافية‏:‏ هو مبتدأ خبره هو آخر محذوف، والتقدير‏:‏ ونعم من هو هو في سر وإعلان‏.‏ وفي متعلق بهو المحذوف لأن فيه معنى الفعل‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وعرف ضعف تقديره هو هو من كلام أبي علي‏.‏

وقد رد ابن مالك في شرح التسهيل الوجه الثالث، قال‏:‏ لا يصح لوجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن التمييز لا يقع في الكلام بالاسقتراء إلا نكرة صالحة للألف واللام، ومَنْ بخلاف ذلك، فلا يجوز كونها تمييزاً‏.‏

الثاني‏:‏ أن الحكم عليها بالتمييز عند القائل به مرتب على كون من نكرة غير موصوفة، وذلك منتف بإجماع في غير محل النزاع، فلا يصار إليه بلا دليل عليه‏.‏ فصح القول بأن مَنْ في موضع رفع بنعم إذ لا قائل بقول ثالث‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

ورفعها بنعم عنده إنما يكون على جعلها موصولة بمعنى الذي، لأنه الذي ذكره‏.‏ وأما جعلها نكرة موصوفة بالجملة التي بعدها، كما هو الوجه الثاني في كلام أبي علي، فلا‏.‏ وهو وارد على قوله‏:‏ إذ لا قائل بقول ثالث فتأمل‏.‏ ويكون هذا من لغة من يرفع بنعم النكرة كما يأتي بعد هذا‏.‏

وأجاب التبريزي في شرح الكافية بأن نحو نعم غلام رجل زيد بنصب الغلام، تمييز‏.‏ ولم يقبل اللام‏.‏ وأيضاً كونه فعلاً لا يصح إلا إذا كان معرفاً باللام، ومضافاً إلى المعرف باللام‏.‏ ومن ليس شيئاً من ذلك‏.‏

وأما الثاني فمعارض بمثله في هذه الصورة فيما تقدم‏.‏ أما في هذه الصورة إنما يجوز أن يقع فاعلاً إذا كان معرفاً باللام ومضافاً إليه، وليس كذلك‏.‏

وأما في غير هذه الصورة، إنما تقع ما فاعلاً معرفة إذا كان في غير صورة‏:‏ نعماً هي ثبت كونها معرفة غير موصولة، ولا يصار إليه من غير دليل‏.‏

وأما المصراع الذي قبل هذا وهو‏:‏

ونعم مزكأ من ضاقت مذاهبه

فقد قال ابن مالك‏:‏ إن مَن فيه موصولة أيضاً، قال في شرح تسهيله‏:‏ ومما يدل على أن فاعل نعم قد يكون موصولاً، ومضافاً إلى موصول قول الشاعر‏:‏

ونعم مزكأ من ضاقت مذاهبه ‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

قال‏:‏ فلو لم يكن في هذا إلا إسناد نعم إلى المضاف إلى مَن لكان فيه حجة على صحة إسناد نعم إلى مَن، لأن فاعل نعم لا يضاف في غير ندور إلى ما يصلح إسناد نعم إليه، فكيف وفيه نعم من هو‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

قال المرادي‏:‏ ولا حجة في البيت، لاحتمال أن تكون من في قوله‏:‏ مزكأ مَن نكرة موصوفة، وتكون نعم قد رفعت المضاف إلى النكرة على ما تقدم نقله عن الأخفش‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وقوله‏:‏ وكيف أرهب إلخ ، الرهب محركة‏:‏ الخوف‏.‏ وأراع بالبناء للمفعول، من الروع وهو الفزع‏.‏ وزكأ بالزاي المعجمة والهمز في آخره، أي‏:‏ لجأ‏.‏ يقال‏:‏ زكأت إليه‏:‏ لجأت إليه‏.‏ والمزكأ مفعل، اسم مكان منه، بمعنى الملجأ‏.‏

وبشر هو ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي العبشمي الأموي‏.‏ كان سمحاً جواداً‏.‏ ولي إمرة العراقين لأخيه عبد الملك وهو أول أمير مات بالبصرة، وذلك سنة خمس وسبعين، عن نيف وأربعين سنة‏.‏

والبيتان لم أقف على قائلهما‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثامن والستون بعد السبعمائة

البسيط

فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم

على أن مجيء فاعل نعم نكرة مضافة إلى مثلها قليل‏.‏

قال المرادي في شرح التسهيل بعد قول ابن مالك‏:‏ وقد ينكر مفرد ومضافاً‏:‏ حكى الأخفش أن ناساً من العرب يرفعون ب‏؟‏ نعم النكرة مفردة ومضافة، فيقال على هذا‏:‏ نعم امرؤ زيد، ونعم صاحب قوم عمرو‏.‏

ووافق الأخفش في كون الفاعل نكرة مضافة‏.‏ وإلى هذا ونحوه أشار بقوله‏:‏ وفاعل في الغالب‏.‏ ونقل إجازة كونه مضافاً إلى نكرة عن الكوفيين وابن السراج‏.‏ ومنع ذلك عامة النحويين إلا في الضرورة، كقوله‏:‏ البسيط‏.‏

فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم *** وصاحب الركب عثمان بن عفانا

وقد كان يمكن تأويل هذا البيت على حذف التمييز، لولا أن الأخفش حكى أن ذلك لغة للعرب‏.‏ وزعم صاحب البسيط أنه لم يرد نكرة غير مضافة‏.‏ وليس كما زعم، بل ورد ولكنه أقل من المضاف‏.‏

ومنه قوله‏:‏ الوافر

وسلمى أكمل الثقلين حسن *** وفي أثوابها قمر وريم

نياف القرط غراء الثناي *** وريد للنساء ونعم نيم

والنيم‏:‏ الضجيع والضجيعة‏.‏

وأجاز بعض النحويين أن يكون فاعل نعم وبئس مضافاً إلى ضمير ما فيه الألف واللام، فأجاز‏:‏ القوم نعم صاحبهم أنت‏.‏ وأنشد‏:‏ الطويل‏.‏

فنعم أخو الهيجا ونعم شهابها

قال بعضهم‏:‏ والصحيح المنع‏.‏ وهذا مما يحفظ، ولا يقاس عليه‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وبقي في القسمة النكرة الموصوفة، كما تقدم في الشاهد قبل هذا‏.‏

وقال أبو علي في المسائل البصرية‏:‏ علم أن العرب تجعل ما أضيف إلى ما ليس فيه ألف ولام بمنزلة ما فيه الألف واللام فترفعه، كما ترفع ذلك، فتقول‏:‏ نعم أخو قوم زيد‏.‏ قال‏:‏

فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم

هو بمنزلة صاحب القوم‏.‏ فإن قلت‏:‏ لعله ينشد بالنصب صاحب قوم قلت‏:‏ لا يكون ذلك، لأنك لا تعطف معرفة مرفوعة على نكرة منصوبة‏.‏ وهذا ضعيف‏.‏

ولو قلت‏:‏ نعم رجلاً في الدار وزيد، لم يجز لأنه ليس قبل زيد شيء يعطف عليه، لأنه في الدار ليس باسم، ورجلاً نكرة منصوبة‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وقال ابن بري في شرح أبيات الإيضاح لأبي علي‏:‏ زعم الأخفش أن قوماً من العرب يرفعون النكرة المضافة إلى ما ليس فيه الألف واللام بنعم‏.‏

قال أبو علي‏:‏ ولا يجوز ذلك على مذهب سيبويه، لأن المرفعوع بنعم لا يكون إلا على الجنس‏.‏ ولو قلت‏:‏ أهلك الناس شاة وبعير، لم يدل على الجنس كما دلت عليه الشاة والبعير‏.‏

ولا يجوز صاحب قوم بالنصب، لقوله‏:‏ وصاحب الركب، ولا يعطف مرفوع على منصوب‏.‏ ولا يكون معطوفاً على مضمر في نعم، لأنه مضمر يحتاج إلى التفسير، فكأنه لم يتم، فلا يجوز إظهاره، ولا تأكيده، ولا العطف عليه‏.‏ وإذا قبح العطف على المضمر المرفوع بالفعل دون تأكيده فأن لا يجوز هذا أولى، لما بيناه‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

قال ابن يعيش‏:‏ ولو نصبت صاحب قوم في غير هذا البيت على التفسير لجاز، كما تنصب النكرة المفردة في نحو‏:‏ نعم رجلاً، لكنه ضعيف هاهنا، لعطفك في قولك‏:‏ وصاحب الركب عثمان، والمرفوع لا يعطف على المنصوب‏.‏ وكأن الذي حسن ذلك في البيت قوله‏:‏ وصاحب الركب لما عطف عليه ما فيه الألف واللام، دل على أنها في المعطوف عليه مرادة، لأن المعنى واحد فاعرفه‏.‏

والبيت لكثير بن عبد الله النهشلي المعروف بابن الغريزة‏.‏ وقيل لحسان بن ثابت‏.‏ اه‏؟‏‏.‏

وقد راجعت ديوان حسان فلم أجده‏.‏

وقال العيني‏:‏ عزاه ابن السيرافي في شرح أبيات الإيضاح لكثير بن عبد الله المذكور‏.‏

وقد راجعته أيضاً فلم أجده فيه‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ ونسبه صاحب الموعب في اللغة وأبو حاتم في كتاب إصلاح المفسد إلى أوس بن مغراء‏.‏ وقبله‏:‏ البسيط

صحوا بأشمط عنوان السجود به *** يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا

وأقول‏:‏ ذكر الذهبي في تاريخه أن هذا البيت من أبيات لحسان بن ثابت‏.‏

وقد راجعت ديوانه، فرأيت أبياتاً على هذا الوزن، وما فيها هذا البيت‏.‏ والله أعلم‏.‏

وكثير ابن عبد الله المذكور أورده ابن حجر في قسم المخضرمين من الإصابة، قال‏:‏ هو كثير بن عبد الله بن مالك بن هبيرة بن صخر بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة، يعرف بابن الغريزة النهشلي، ذكره المرزباني في معجم الشعراء، وقال‏:‏ شاعر مخضرم بقي إلى إمرة الحجاج‏.‏ وهو الذي يقول في قصيدة رثى بها عثمان بن عفان‏:‏ المتقارب

لعمر أبيك فلا تجزعن *** لقد ذهب الخير إلا قليلا

وقد فتن الناس عن دينهم *** وخلى ابن عفان شراً طويلا

وقال أبو الفرج الأصبهاني‏:‏ كان شاعراً مخضرماً، أدرك الجاهلية والإسلام وغزا الطالقان في عهد عمر مع العباس بن مرداس وأخيه‏.‏ وأنشد له في ذلك أبيات منها‏:‏ الوافر

‏؟‏سقى مزن السحاب إذا استهلت *** مصارع فتية بالجوزجان

وقوله‏:‏ ضحو إلخ ، أي‏:‏ ذبحوه كالأضحية‏.‏ في المصباح‏:‏ وضحى تضحية، إذا ذبح الأضحية وقت الضحى‏.‏ هذا أصله ثم كثر حتى قيل ضحى في أي وقت كان من أيام التشريق‏.‏ ويتعدى، أي‏:‏ بالحرف‏.‏ فيقال‏:‏ ضحيت بشاة‏.‏

قال ابن بري‏:‏ قوله‏:‏ ضحوا، أي‏:‏ جعلوه بدل الأضحية كأنهم قتلوه في أيام لحوم الأضاحي، وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة‏.‏ انتهى‏.‏

والشمط بالتحريك‏:‏ بياض الشعر من الرأس يخالط سواده، والرجل أشمط، والمرأة شمطاء‏.‏ وشمط يشمط من باب فرح‏.‏ وعنوان مبتدأ بمعنى علامة، وبه خبره، والجملة صفة شمط‏.‏

وقال العيني‏:‏ عنوان السجود حال من ضمير يقطع، ويجوز جره على النعت لأشمط، كأنه قال‏:‏ بأشمط ظاهر الخير‏.‏

قال أبو الحجاج‏:‏ وقد يكون حالاً من أشمط وإن كان نكرة، لأنها مفهوم من يراد بها‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وأقول‏:‏ الحالية ل تجوز لا لفظاً ولا معنى على الأول، ولا لفظاً على الثاني للتعريف‏.‏

وقوله‏:‏ فنعم صاحب قوم إلخ ، قال العيني‏:‏ إشارة إلى فضل عثمان رضي الله تعالى عنه، وأنه يغني يوم القيامة بالشفاعة غنى من دافع في الدنيا بسلاحه عن عزل الجماعة‏.‏ وقد يكون السلاح أيضاً عبارة عن بذله لماله، وتوسعته لصحبه، فيكون ذلك أجدى من السلاح لحامله‏.‏

هذا كلامه‏.‏

وليس معنى الشعر، إنما معناه إشارة إلى قوله يوم الدار‏:‏ من رمى سلاحه كان حراً‏.‏

وقوله‏:‏ صاحب الركب، أي‏:‏ ركب الحج‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد التاسع والستون بعد السبعمائة

البسيط وحرة عيطل ثبجاء مجفرة *** دعائم الزور نعمت زورق البلد

على أنه قد يؤنث نعم لكون المخصوص بالمدح مؤنثاً، وإن كان الفاعل مذكراً، فإنه أنث نعم مع أنه مسند إلى مذكر، وهو زورق البلد‏.‏ لأنه يريد الناقة، فأنث على المعنى، كما أنث مع البلد في قولهم‏:‏ هذه الدار نعمت البلد، حين أراد به الدار‏.‏

وكقول الراجز‏:‏ الرجز

نعمت جزاء المتقين الجنة *** دار الأماني والمنى والمنه

والحرة‏:‏ الكريمة، وأراد بها الناقة‏.‏ والعيطل‏:‏ الطويلة العنق‏.‏ وثبجاء، بفتح المثلثة وسكون الموحدة بعدها جيم‏:‏ الضخمة الثبج، وهو الصدر‏.‏ كذا جاء في تفسير هذا الشعر‏.‏ والثبج، بفتحتين‏:‏ ما بين الكاهل إلى الظهر‏.‏ أي‏:‏ هذا منها عظيم‏.‏

وقال ابن يعيش‏:‏ ثبجاء‏:‏ عظيمة السنام‏.‏ والمجفرة، بضم الميم وسكون الجيم وكسر الفاء‏:‏ العظيمة الجنب الواسعة الجوف‏.‏ والجفرة، بالضم‏:‏ الوسط، يقال‏:‏ فرس مجفر، وناقة مجفرة، إذا كانت عريضة الجرم‏.‏ وصفها بأنها عظيمة القوائم، وكنى عن ذلك بدعائم الزور‏.‏ والدعائم‏:‏ القوائم‏.‏ والزور، بفتح الزاي‏:‏ أعلى الصدر‏.‏

وقال ابن المستوفي‏:‏ دعائم الزور‏:‏ الضلوع، وكل ضلع دعامة‏.‏ وانتصب دعائم الزور على التشبيه بالمفعول به، فهو من باب الحسن الوجه‏.‏ وقيل‏:‏ انتصابه على التمييز وهو ضعيف، لأنه معرفة‏.‏

وأخطأ من وجهين صاحب التخمير والموشح في قولهما‏:‏ إنه منصوب على التمييز للمخصوص بالمدح المحذوف وناصبه نعمت‏.‏

وزورق فاعل نعم، والمخصوص بالمدح محذوف، وهو ضمير الحرة، أي‏:‏ هي‏.‏ والزورق‏:‏ السفينة‏.‏

والبلد‏:‏ الأرض والمفازة‏.‏ وهذا كقولهم‏:‏ الإبل سفن البر؛ فإن الإبل تشبه بالسفن، والمفاوز بالبحار‏.‏ وهذا التشبيه شائع‏.‏

قال أبو عبيد في الغريب المصنف‏:‏ البوصي‏:‏ الزورق‏.‏ وتعقبه علي بن حمزة البصري بأن البوصي، إنما هو من سفن البحر، وهو بالفارسية‏:‏ بوزي، والزورق بالنبطية، وقد تكلمت به العرب، وجمعه الزوارق‏.‏ والزورق مما يجري في الماء العذب بدجلة والفرات‏.‏ انتهى‏.‏

والبيت من قصيدة لذي الرمة، مدح بها بلال بن أبي بردة‏.‏ وقبله‏:‏ البسيط

ومنهل اجن قفر محاضره *** خضر كواكبه ذي عرمض لبد

فرجت عن خوفه الظلماء يحملني *** غوج من العيد والأسراب لم ترد

باق على الأين يعطي إن رفقت به *** معجاً رقاقاً وإن تخرق به يخد

وحرة عيطل ثبجاء مجفرة ‏.‏‏.‏‏.‏ البيت

لانت عريكتها من طول ما سمعت *** بين المفاوز تنآم الصدى الغرد

‏؟‏حنت إلى نعم الدهنا فقلت له *** أمي بلالاً على التوفيق والرشد

المنهل‏:‏ المورد، والواو‏:‏ واو رب‏.‏ والآجن‏:‏ الماء المتغير الطعم واللون‏.‏ وأجن الماء يأجن من باب ضرب ونصر، أجناً وأجوناً‏.‏ وحكي أجن من باب فرج‏.‏ والمحاضر‏:‏ جمع محضر كجعفر، وهو المرجع إلى المياه‏.‏ وكوكب الشيء‏:‏ معظمه‏.‏

والعرمض، كجعفر، بإهمال الأول وإعجام الآخر‏:‏ الطحلب، وهو الأخضر الذي يعلو الماء‏.‏ واللبد، بكسر الموحدة‏:‏ المتلبد المتراكب بعضه على بعض‏.‏

والظلماء مفعول فرجت، وجملة‏:‏ يحملني حال من تاء فرجت‏.‏

والغوج، بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها جيم‏:‏ اللين المعاطف من الإبل والخيل‏.‏

والعيد، بكسر المهملة‏:‏ فحل منجب من الإبل‏.‏ والأسراب‏:‏ جمع سرب بالكسر، وهو القطيع من القطا، والظباء، والوحش، والنساء‏.‏ وترد، من ورود الماء‏.‏

والأين‏:‏ التعب‏.‏ والمعج، بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها جيم‏:‏ سرعة السير‏.‏ والرقاق، بضم الراء‏:‏ الرقيق‏.‏ وتخرق، بفتح الراء‏:‏ مضارع خرق بكسرها خرقاً بفتحتين، إذا عمل شيئاً فلم يرفق به، والاسم الخرق بالضم، وهو العنف‏.‏ ويخد من الوخد، وهو ضرب من سير الإبل، وهو أن يرمي بقوائمه، كمشي النعام‏.‏

والعريكة‏:‏ الخلق‏.‏ والتنآم‏:‏ تفعال من النئيم، وهو صوت فيه ضعف كالأنين‏.‏ والصدى‏:‏ ذكر البوم‏.‏

والغرد، بكسر الراء‏:‏ المتطرب في الصوت‏.‏ والغرد بفتحها‏:‏ الغناء، يقال‏:‏ غرد الطائر، من باب فرح‏.‏

والنعم، بفتحتين‏:‏ الإبل‏.‏ والدهنا‏:‏ موضع ببلاد تميم، يمد ويقصر‏.‏ وأمي‏:‏ أقصدي‏.‏

وترجمة ذي الرمة تقدمت في الشاهد الثامن من أول الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏