فصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد الثاني عشر بعد الثمانمائة

وقتيل مرة أثأرن فإنه *** فرغ وإن أخاهم لم يقصد

على أنه قد يخلو المضارع عن اللام استغناء بالنون كما هنا، والأكثر لأثأرن بهما جميعاً‏.‏

وهذا كقول ابن مالك في التسهيل‏:‏ وإن كان أول الجملة مضارعاً مثبتاً مستقبلاً غير مقارن حرف تنفيس، ولا مقدم معموله، لم تغنه اللام غالباً عن نون التوكيد‏.‏ وقد يستغنى بها عن اللام‏.‏ انتهى‏.‏

ومثله لأبي علي في التذكرة قال‏:‏ جاء بالنون وحذف اللام، لأن النون تدل عليه‏.‏

وذهب ابن عصفور في كتاب الضرائر إلى أن حذف اللام ضرورة‏.‏ وتبعه ابن هشام في المغني، فقال‏:‏ حذف لام لأفعلن، يختص بالضرورة‏.‏ وأنشد البيت‏.‏

وهذا مذهب البصريين، والأول مذهب الكوفيين، كما بينه الشارح المحقق‏.‏

والبيت من قصيدة لعامر بن الطفيل العامري، تقدم شرح أبيات من أولها في الشاهد الثامن والستين بعد المائة‏.‏ وقبل هذا البيت‏:‏

ولأثأرن بمالك وبمالك *** وأخي المروراة الذي لم يسند

وقوله‏:‏ ولأثأرن، اللام في جواب قسم مقدر، أي‏:‏ والله لأثأرن، أي‏:‏ لآخذن بثأرهم، وأقتلن بهم من بني مرة من عوف الذبياني‏.‏

والثأر، بالهمزة ويخفف‏:‏ الذحل، يقال‏:‏ ثأرت القتيل، وثأرت به، من باب نفع، إذا قتلت قاتله‏.‏

والمروراة، بفتح الميم والرائين المهملتين وسكون الواو بينهما‏:‏ أجبل لأشجع بن ريث بن غطفان‏.‏ وأراد بأخي المروراة الحكم بن الطفيل العامري، وهو أخو عامر بن الطفيل، خنق نفسه تحت شجرة بالمروراة خوفاً من الأسر، كما يأتي بيانه‏.‏

وقول‏:‏ الذي لم يسند، أي‏:‏ لم يدفن، بل أكلته السباع والطيور‏.‏

وقوله‏:‏ وقتيل مرة أثارن‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، قال ابن الأنباري في شرح المفضليات‏:‏ رواه الضبي‏:‏ بخفض قتيل، ورواه الحرمازي‏:‏ بنصبه، ورواه الأثرم‏:‏ برفعه‏.‏

أما الأول فعلى أن الواو للقسم، وقتيل مقسم به، وأراد به أخاه الحكم بن الطفيل، وأعاده مبهماً تفخيماً له‏.‏

ومرة‏:‏ أبو قبيلة، وهو مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر‏.‏

وقول بن الملا في شرح المغني‏:‏ مرة‏:‏ قبيلة من قريش، كلام من لم يصل إلى العنقود‏.‏ وأثارن جواب القسم، ومفعول أثرن محذوف، والتقدير‏:‏ أثارنه وأثارن به‏.‏ وعلى هذا يكون الاستشهاد‏.‏ وإن كانت الواو للعطف على مالك، فأثرن تأكيد لقوله‏:‏ لأثأرن‏.‏

وأما النصب فعلى العطف على محل، مالك، وأثأرن تأكيداً لذلك، وقيل مفعول بفعل يفسره أثرن‏.‏ ولا يجوز أن يكون مفعولاً له، لأن المؤكد لا يتقدم عليه معموله‏.‏

وأما الرفع فعلى الابتداء وجملة‏:‏ أثأرن خبره، والعائد محذوف، أي‏:‏ أثأرن به وأثأرنه‏.‏ والتأكيد على هذا شاذ‏.‏ والضمير في فإنه راجع لقتيل‏.‏

وفرغ، بكسر الفاء وسكون الراء المهملة بعدها معجمة‏:‏ الهدر، يقال‏:‏ ذهب دم فلان فرغاً وهدراً، إذا لم يقتل قاتله‏.‏

وقال ابن الأنباري‏:‏ روى فرع أيضاً، أي‏:‏ بفتح الفاء والعين المهملة، وهو الرأس العالي في الشرف، قال صاحب الصحاح‏:‏ يقال‏:‏ هو فرع قومه للشريف منهم‏.‏

وضمير الجمع في أخاهم لمرة باعتبار كونه حياً، وأراد بأخيهم سنان بن أبي حارثة المري، والحارث بن عوف، فان أحدهما كان رئيس بني مرة‏.‏

قال ابن الأنباري‏:‏ وقوله‏:‏ لم يقصد‏:‏ لم يقتل، يقال‏:‏ أقصد الرجل، إذا قتلته‏.‏

وروى بدله في مغني اللبيب وغيره‏:‏ لم يثأر؛ وهو خطأ معنىً وقافية‏.‏

وهذا الشعر قاله عامر بن الطفيل بعد يوم الرقم بفتح الراء والقاف، وهو ماء لبني مرة، وهو يوم كان لغطفان على بني عامر‏.‏

قال ابن الأنباري‏:‏ أغار بنو عامر على غطفان بالرقم، فلقوا غلمة من أشجع بن ريث بن غطفان فقتلوهم، ثم استبطن عامر بن الطفيل بني عامر في الوادي، فأغاروا على بني فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، فأصاب بني سفيان بن غراب ابن ظالم بن فزارة، وأتى الصريخ بني فزارة، فركبوا هم وبنو مرة بن عوف، وعلى بني فزارة عيينة بن حصن، وعلى بني مرة سنان بن أبي حارثة ويقال الحارث بن عوف‏.‏

فانهزمت بنو جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر، وأقبل عامر بن الطفيل منهزماُ حتى دخل بيت أسماء بنت قدامة الفزاري، وهي حديثة عهد بعرس، وزوجها شبث بن حوط الفزاري، ومضت بنو جعفر فدخلوا في شعاب لا يدرون ما هي، فلما انتهوا إلى أقصى الوادي، لم يجدوا منفذاً، وأقبلت غطفان حتى وقفوا على فم الوادي، فقال لهم عيينه‏:‏ قفوا فإن القوم منصرفون إليكم‏.‏

فلما لم يجدوا منفذاً انصرفوا، فقال بعضهم لبعض‏:‏ إنه لن ينجيكم اليوم إلا الصدق، فارموهم بنواصي الخيل‏.‏ ففعلوا فقتل يومئذ من بني جعفر‏:‏ كنانة والحارث ابنا عبيدة بن مالك بن جعفر، وقيس بن الطفيل بن مالك‏.‏

فلما خرجت بنو جعفر من الشعب خرج عامر من بيت أسماء، فرجع زوجها فقال‏:‏ أصنع بك عامر شيئاً‏؟‏ قالت‏:‏ إي والله لقد فقل، ولو كنت أنت لنكحك عامر‏!‏ فمر جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر بعامر فارتدفه على فرسه، وأما الحكم بن الطفيل أخو عامر فإنه انهزم في نفر من بني عامر، وفيهم رجلان من غني، فنظروا إلى بني جعفر منهزمين فحسبوهم بني ذبيان، فقال الحكم‏:‏ والله لا تأسرني بنو ذبيان اليوم فيتلعبون بي‏!‏ فمضوا حتى انتهوا إلى موضع يقال‏:‏ له المروراة، وقد يكاد العطش يهلكهم، فاختنق الحكم تحت شجرة مخافة المثلة فمات، وأخذت بنو عمار فرساً لهم يقال له‏:‏ عزلاء، فجعلوا يمرون ذكره حتى بال، فشربوا بوله من آخر النهار، وقتلهم العطش، وبقي الغنويان، فسألهما عامر عن الحكم، فأخبراه أنه خنق نفسه‏.‏ فزعموا أن عامراً كان يرفع يديه ويقول‏:‏ اللهم أدرك لي بيوم الرقم ثم اقتلني إذا شئت‏.‏ فسمت غطفان ذلك اليوم يوم المروراة، ويم التخانق‏.‏ وزعمت غطفان أنهم أصابوا يومئذ من بني عامر أربعة وثمانين رجلاً، فدفعوهم إلى أهل بيت من أشجع كانت بنو عامر قد أصابوا فيهم، فجعل رجل منهم يقال له‏:‏ عقبة بن حليس، يقول‏:‏ من أتاني بأسير فله فداؤه‏.‏ فجعلت غطفان يأتونه بالأسرى فجعل يذبحهم حتى أتى على آخرهم، فسمي مذبحاً، وبنوه إلى اليوم يقال لهم‏:‏ بنو مذبح‏.‏ قال عروة بن الورد العبسي في بني جعفر‏:‏

عجبت لقوم يخنقون نفوسهم *** ومقتلهم تحت الوغى كان أعذرا

يشد الحليم منهم عقد حبله *** ألا إنما يأتي الذي كان حذرا

انتهى باختصار‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثالث عشر بعد الثمانمائة

تألى ابن أوس حلفةً ليردني *** إلى نسوة كأنهن مفائد

على أنه استغنى بلام التوكيد عن النون‏.‏ وهذا ظاهر‏.‏

وروي أيضاً بكسر اللام وفتح الدال، على نصب الفعل بأن مضمرة على أنها لام كي‏.‏

قال الإمام المرزقي‏:‏ يروى بفتح الدال وضم الدال على أن يكون اللام لام اليمين‏.‏

وذكر سيبويه أن لام القسم يلزمها إحدى النونين‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ وقد تحذف النون في الشعر‏.‏ وقد جاء أعجب من هذا، وأبعد في الاستعمال، وحذف اللام وإثبات النون‏.‏

قال‏:‏

وقتيل مرة أثأرن ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

فأما من روى بكسر اللام فالمعنى‏:‏ حلف لهذا الأمر‏.‏ وجواب القسم يكون محذوفاً مقدراً، ويستدل عليه بما ذكره‏.‏

وقال بعض المتقدمين‏:‏ تقول، حلف ليفعلن، فإذا حذفت النون كسرت اللام، وأعملتها إعمال لام كي، والموضع موضع القسم والمعنى معناه‏.‏

وقيل‏:‏ مثل تألى ليردني‏:‏ أراد ليفعل كذا، كأن الفعل دل على المصدر‏.‏ واللام مع الاسم المجرور به في موضع الخبر لذلك المصدر المبتدأ، كأنه قال‏:‏ إرادتي كذا انتهى‏.‏

وسيأتي إن شاء الله تعالى بقية الكلام على هذا في نون التوكيد‏.‏

وهذا البيت أول أبيات أربعة لزيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي، أوردها أبو تمام في الحماسة‏.‏ وبعده‏:‏

قصرت له من صدر شولة إنم *** ينجي من الموت الكريم المناجد

دعاني ابن مرهوب على شنء بينن *** فقلت له إن الرماح مصايد

وقلت له كن عن شمالي فإنني *** سأكفيك إن ذاد المنية ذائد

قال المرزوقي‏:‏ آلى الرجل، وتألى بمعنىً‏.‏ وهذه الأبنية من الألية، وهي اليمين‏.‏ وحلفة‏:‏ انتصب على أنه مصدر من غير لفظه‏.‏

والمفائد جمع المفأد، بكسر الميم وفتح الهمزة، وهي المسعر والسفود‏.‏ والفأد في اللغة‏:‏ التحريك، وقيل إن الفؤاد منه اشتق، لأنه ينبض‏.‏

ومعنى البيت‏:‏ حلف هذا الرجل حلفة ليأسرنني، ثم يمتن علي فيردني على نسوة كأنهن مساعير لاحتراقهن وجداً بي، وغماً علي، ففعلت أنا به مثل ما هم به في‏.‏

وقوله‏:‏ دعاني ابن مرهوب إلى آخره، حول كلامه إلى قصة أخرى، فقال‏:‏ استغاث بي هذا الرجل على ما بيننا من عداوة وبغضاء، فأجبته بعد أن هونت عليه ما خوفه، وبينت أن الرماح حبائل الرجال الكرام في الحرب ومصايدهم، فلا تبال بالموت إذا كان على وجهه لا يتعقبه عار‏.‏

وقوله‏:‏ على شنء بيننا في موضع الحال، يقال‏:‏ شنئته ومشنأة‏.‏ وقوله‏:‏ وقلت له كن‏.‏‏.‏إلخ، وإنما قال له‏:‏ كن عن شمالي، لأن الضرب والطعن والرمي في العطف وما شاكل ذلك من الجانب الأيسر أمكن من الأيمن‏.‏

ووجه آخر، وهو أن العطف في الجانب الأيسر، فقال له‏:‏ كن في الجانب الذي أنا معني به‏.‏ وقيل إنما قال‏:‏ كن عن شمالي، لأنه موضع المعان المنصور، واليمنى موضع الناصر، يقال‏:‏ أنا على يمينك، وعن يمينك، أي‏:‏ ناصرك‏.‏ كأنه أمره أن يكون على ميسرة الجيش، ويكون على الميمنة، لأنهم يجعلون على ميمنة العسكر كل موثوق به‏.‏ وهذا أحسن وجه‏.‏

وقال الخطيب التبريزي‏:‏ قال أبو رياش‏:‏ كان من خبر هذه الأبيات أن زيد الفوارس أقبل هو وعلقمة بن مرهوب، ورجل من بني هاجر، ورجل من بني صبيح، وحسان بن المنذر بن ضرار، حتى نزلوا ببني جديلة من طيئ، وكان بنو جديلة قد ولدوا جبار بن صخر بن ضرار، فأبى زيد وعلقمة أن ينزلا مع حسان، وركبا وجوههما‏.‏

فقال أوس بن حارثة بن لأم لحسان‏:‏ من هذان معك‏؟‏ قال‏:‏ زيد الفوارس، وعلقمة بن مرهوب‏.‏ فقال لابنه قيس بن أوس‏:‏ اركب فارددهما علي‏.‏

فركب فقال‏:‏ إن أبي يقسم عليكما لترجعان‏.‏ فأبيا فأغلظ لهما، فرجع إليه زيد فقتله، فلما رأى ذلك ابن مرهوب وكان مصارماً لزيد، قال‏:‏ يا زيد أذكرك الله أن تتركني‏.‏ فربع عليه، فلما أبطأ على أوس ابنه، تحذر حسان الذي كان عنده، فركب هو وصاحباه، فلما انتهوا إلى زيد، ورأوا ما صنع قال لبريمة، وهو أهون من معه‏:‏ ارجع إلى درعي نسيتها عند أوس، فأتني بها، فإن قال لك من أنت فقل‏:‏ أنا ابن ضرار‏.‏

فرجع بريمة إليه فقال له‏:‏ من أنت‏؟‏ فقال‏:‏ أنا ابن ضرار‏.‏ فقتله، وقال‏:‏ كريم بكريم‏.‏

وقيل إن قيس بن أوس لما لحق زيداً ناداه‏:‏ يا زيد ارجع‏!‏ فقال زيد‏:‏ إلام أرجع‏؟‏ فقال قيس‏:‏ واللات والعزى لأردنك أسيراً إلى نسوة تركتهن‏.‏ فقتله زيد، وقال‏:‏ تألى ابن أوس حلفة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏الأبيات‏.‏ انتهى‏.‏

وزيد الفوارس‏:‏ شاعر جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد السابع والثمانين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الرابع عشر بعد الثمانمائة

لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم *** ليعلم ربي أن بيتي واسع

على أن المضارع الواقع جواباً لقسم، إن كان للحال، وجب الاكتفاء باللام كما هنا، فإن المعنى‏:‏ ليعلم الآن ربي‏.‏

قال ابن الناظم‏:‏ ولو كان المضارع بمعنى الحال، أكد باللام دون النون، لأنها مختصة بالمستقبل، وذلك قوله‏:‏ والله ليفعل زيد الآن‏.‏

ومنع البصريون هذا الاستعمال استغناء عنه بالجملة المصدرة بالمؤكد، كقوله‏:‏ والله إن زيداً ليفعل الآن‏.‏ وأجاز الكوفيون، ويشهد لهم قراءة ابن كثير‏:‏ لأقسم بيوم القيامة، وقول الشاعر‏:‏ أنشده الفراء‏:‏

لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم البيت

انتهى‏.‏

أقول‏:‏ أورده الفراء في تفسيره عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد علموا لمن اشتراه من سورة البقرة، على أن لام لقد، ولام لئن هي المؤذنة بالقسم، لا لكون يعلم حالاً، تجرد من النون في وقوعه جواباً للقسم‏.‏

وقد نسب العيني إلى ابن الناظم شيئاً لم يقله، قال‏:‏ الاستشهاد فيه في قوله‏:‏ ليعلم، إذ أصله ليعلمن بنون التوكيد فحذفها‏.‏ هذا كلامه، ولا أدري كيف تقوله عليه‏؟‏ وقال في البيت‏:‏ اللام في لئن للتأكيد‏.‏ ولا يخفى أن هذه اللام، يقال لها‏:‏ اللام الموطئة لقسم مقدر‏.‏ ويقال لها أيضاً‏:‏ اللام المؤذنة، ولا يقال لها لام التأكيد‏.‏

وقال أيضا‏:‏ وتك هذه زائدة، لأن المعنى يتم بدونه‏.‏ فإذا كان كان زائدة لا تعمل شيئاً‏.‏ وتكون تامة، والمعنى‏:‏ لئن يكن الشأن قد ضاقت‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏.‏ وفيه أمران‏:‏ أحدهما‏:‏ المعهود زيادتها بلفظ الماضي، ولا تزاد إلا بين شيئين متلازمين، كالمبتدأ وخبره، والفعل ومرفوعه، والموصول وصلته، والموصوف وصفته، وهنا ليست كذلك‏.‏ ولا تزاد بلفظ المضارع، إلا بندور مع نزاع فيه تقدم الكلام عليه‏.‏

ثانيهما‏:‏ يلزم من زيادتها بلفظ المضارع أن يقال‏:‏ لئن قد ضاقت، وإن لا تدخل على قد‏.‏

وقوله‏:‏ وتكون تامة والمعنى‏.‏‏.‏إلخ، الرواية إنما هي تك بالمثناة الفوقية، فالواجب أن يقول لئن تكن القصة، وعليه يكون جملة قد ضاقت مفسرة لضمير الشأن والقصة‏.‏

ولا ينبغي الحمل على هذا مع إمكان غيره‏.‏ ولا مانع هنا من كونها ناقصة، ويكون اسمها ضميراً مستتراً فيها، أي‏:‏ هي، ويفسره فاعل ضاقت، وهو بيوتكم، وجملة قد ضاقت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏:‏ خبرها، وتكون المسألة من باب التنازع بإعمال الثاني على مذهب البصريين‏.‏

ويجوز عندهم أن يكون بيوتكم اسم تك، وفي ضاقت ضميرها، وعليكم متعلق بضاقت‏.‏

وقال العيني‏:‏ قوله‏:‏ عليكم في محل النصب على المفعولية‏.‏

وقوله‏:‏ ليعلم ربي هو جواب القسم المقدر، وجواب الشرط محذوف يفسره جواب القسم‏.‏

والبيت أنشده الفراء في أوائل البقرة وما عزاه لأحد‏.‏ وأنشده ثانياً في آخر سورة الإسراء عند قوله تعالى‏:‏ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الآية، قال‏:‏ أنشدني الكسائي للكميت بن معروف‏:‏

لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم البيت

وهذا الكميت شاعر إسلامي، وتقدم ذكره في ترجمة جده الكميت بن ثعلبة في الشاهد السبعين بعد الخمسمائة‏.‏

هذا‏.‏ ولابن عصفور كلام في المسألة بين به مذهب البصريين، فلا بأس بإيراده، قال‏:‏ وإن كان المضارع حالاً فمن الناس من قال‏:‏ إنه لا يجوز أن يقسم عليه، لأن مشاهدته أغنت عن أن يقسم عليه‏.‏ وهذا باطل، لأنه قد يعوق عن المشاهدة عائق، فيحتاج إذ ذاك إلى القسم، والصحيح أنه يجوز أن يقسم عليه إلا أنه لا يخلو من أن يكون موجب ومنفياً‏.‏

فإن كان منفياً نفيت بما خاصة، فهو قولك‏:‏ والله ما يقوم زيد، ولا يجوز حذفها‏.‏

وإن كان موجباً، فإنك تبني من الفعل اسم فاعل، وتصيره خبر المبتدأ، ثم تقسم على الجملة الاسمية، فتقول‏:‏ والله إن زيداً لقائم، ووالله إن زيداً قائم، ووالله لزيد قائم‏.‏

وإنما لم يجز أن تبقي الفعل على لفظه، وتدخل اللام لأنك لو قلت‏:‏ والله ليقوم زيد لأدى ذلك إلى الإلباس في بعض المواضع‏.‏ وذلك إذا قلت‏:‏ إن زيداً والله ليقومن؛ لأن النون تخلص للاستقبال‏.‏

وقد تدخل عليه اللام وحدها ولا يلتفت إلى اللبس، إلا أن ذلك قليل جداً، بابه الشعر، نحو قوله‏:‏

تألى ابن أوس حلفةً ليردني البيت

انتهى‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

يميناً لنعم السيدان وجدتما

على أن نعم إذا وقعت جواب قسم، لا يربطها بالقسم إلا اللام وحدها كما هنا‏.‏ وقد تقدم الكلام عليه في الشاهد الحادي والستين بعد السبعمائة، وفي الشاهد السادس والخمسين بعد المائة‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الخامس عشر بعد الثمانمائة

حلفت لها بالله حلفة فاجر *** لناموا فما إن من حديث ولا صالي

على أن قوله‏:‏ لناموا جواب القسم، وجاز الربط باللام من غير قد لضرورة الشعر، ويجب تقدير قد بعد اللام، لأن لام الابتداء، لا تدخل على الماضي المجرد‏.‏ وفيه أمور‏:‏ أحدها‏:‏ كيف يصح دعوى الضرورة مع قوله قبل‏:‏ فإن كان الفعل الماضي مثبتاً فالأولى الجمع بين اللام وقد‏.‏ وهل فيه إلا ترك الأولى‏؟‏ ولم يقل أحد إنه ضرورة‏.‏

على أنه قد جاء في أفصح الكلام، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ والذي نفسي بيده لوددت أن أقاتل في سبيل الله، فأقتل ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل ، أخرجه البخاري‏.‏

وفي الحديث عن امرأة من غفار أنها قالت‏:‏ والله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ‏.‏

وفي حديث سعيد بن زيد أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول‏:‏ من أخذ شبراً من الأرض ظلماً الحديث‏.‏

وإنما في ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ أنها أحد الجائزين، ذكرها أكثري، وحذفها كثير، وذهب إليه الزمخشري وغيره‏.‏

قال في المفصل‏:‏ ولام جواب القسم في نحو‏:‏ والله لأفعلن، وتدخل على الماضي كقولك‏:‏ والله لكذب‏.‏

وقال امرؤ القيس‏:‏ حلفت لها بالله البيت‏.‏ والأكثر أن تدخل عليه قد، كقولك‏:‏ والله لقد خرج‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن مالك في شرح التسهيل‏:‏ إن كان الفعل متصرفاً، فالأكثر أن يقترن باللام مع قد، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تالله لقد آثرك الله علينا وقد يستغني باللام في النثر والنظم‏.‏ ثم أورد الآية والأحاديث والشعر‏.‏

ثانيها‏:‏ أنها لابد منها، إما لفظاً، وإما تقديراً، كالماضي الواقع حالاً‏.‏ قال ابن جني في سر الصناعة لام القسم تدخل على فعلين أحدهما الماضي، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تالله لقد آثرك الله علينا وربما حذفت اللام، قال تعالى‏:‏ ‏{‏قد أفلح من زكاها ، أي‏:‏ لقد أفلح‏.‏ وقد حذفت قد، كقوله‏:‏

حلفت بالله حلفة فاجر البيت

أي‏:‏ لقد ناموا‏.‏ وكذلك قال ابن هشام في المغني‏:‏ قال الجميع‏:‏ حق الماضي المثبت المجاب به القسم أن يقرن باللام‏.‏

وقد قيل في‏:‏ أصحاب الأخدود‏:‏ إنه جواب القسم على إضمار اللام وقد جميعاً للطول‏.‏ وقال‏:‏

حلفت لها بالله حلفةً‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

أي‏:‏ لقد ناموا‏.‏ فأضمر قد‏.‏

قال ابن جني‏:‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولئن أرسلنا ريحاً الآية‏.‏ فقال الخليل‏:‏ معناها ليظلن، فأوقع الماضي موقع المستقبل‏.‏

وقال ابن هشام‏:‏ زعم قوم أن قد هنا مضمرة، وهو سهو، لأن ظلوا مستقبل لأنه مرتب على الشرط وساد مسد جوابه، فلا سبيل فيه إلى قد، إذ المعنى ليظلن‏.‏ ولكن النون لا تدخل في الماضي‏.‏

ثالثها‏:‏ إن كان الماضي قريباً من زمن الحال، أدخلت عليه اللام وقد، نحو‏:‏ تالله لقد آثرك الله علينا ‏.‏ وإن كان بعيداُ من زمن الحال، أدخلت عليه اللام وحدها كهذا البيت‏.‏ وهذا مذهب ابن عصفور ومن تبعه‏.‏

قال ابن هشام‏:‏ والظاهر في الآية، والبيت عكس ما قال، إذ المراد في الآية‏:‏ لقد فضلك الله علينا بالصبر وسيرة المحسنين، وذلك محكوم به في الأزل، وهو متصف به مذ عقل‏.‏ والمراد في البيت، أنهم ناموا قبل مجيئه‏.‏

أقول وربما أورده إنما هو بحسب نفس الأمر فيهما، وأما بحسب الوقوع، والظهور فزمان الإيثار حالي قطعاً‏.‏ ومراد الشاعر أنهم استغرقوا في النوم، لا أنهم في أول النوم‏.‏ وهذه الإرادة كاذبة في نفس الأمر، وإنما قالها للمرأة لتأمن انتباههم فتطاوعه‏.‏ ويدل على ما قلنا قوله‏:‏

حلفت لها بالله حلفة فاجر

ولو كان مراده أنهم في أوائل نومهم، لنفرها عن المطاوعة‏.‏ فتأمل‏.‏

الأمر الثاني‏:‏ أنه ذكر جواز الاقتصار على أحدهما في طول الكلام، فأفهم أنه لا يجوز حذف أحدهما دون الطول، وحذفهما مع الطول‏.‏

أما الأول فقد قال أبو حيان في شرح التسهيل‏:‏ لا حاجة إلى قيد الطول فقد جاء في كلام الفصحاء حذف اللام وإبقاء قد‏.‏

قال زهير‏:‏

تالله قد علمت نفس إذا قذفت *** ريح الشتاء بيوت الحي بالعنن

وقال أيضاً‏:‏

تالله قد علمت سراة بني *** ذبيان عام الحبس والأصر

وأما الثاني فجائز حذفهما، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قتل أصحب الأخدود وهو جواب قوله‏:‏ والسماء ذات البروج ‏.‏

الأمر الثالث‏:‏ لم يعادل اللام مع ربما، وبما كما عادلها مع قد، وقد عادلها ابن مالك بهما أيضاً‏.‏

قال في التسهيل‏:‏ ولا يخلو دون استطالة الماضي المثبت المجاب به من اللام، مقرونة بقد، وربم وبما مرادفتها، إن كان متصرفاً، وإلا فغير مقرونة‏.‏ وقد يلي لقد، ولبما المضارع الماضي معنى‏.‏

ومثل في شرحه للام المقرونة بربما في الماضي بقول الشاعر‏:‏

لئن نزحت دار للبنى لربم *** غنينا بخير والديار جميع

وبقول عمر بن أبي ربيعة‏:‏

فلئن بان أهله *** لبما كان يؤهل

ومثل في المضارع بلقد قول الشاعر‏:‏

لئن أمست ربوعهم يباب *** لقد تدعو الوفود لها وفودا

وبلبما قول الآخر‏:‏

فلئن تغير ما عهدت وأصبحت *** صدقت فلا بدل ولا ميسور

لبما يساعف في اللقاء وليه *** فرح بقرب مزارها مسرور

وقال أبو حيان في لبما‏:‏ إن الباء سببية، وما مصدرية، ويقدر بعد اللام فعل، أي‏:‏ لبان بما كان يؤهل‏.‏

الأمر الرابع‏:‏ لم يذكر حكم اللام مع معمول الماضي إذا تقدم عليه، هل يكتفي به ويجوز ضم قد إليها‏.‏ وكأنه سكت عنه ليعلم حكمه بالقياس إلى معمول المضارع إذا تقدم، فإنه يجب الاكتفاء باللام‏.‏

قال ابن مالك في التسهيل‏:‏ ويجب الاستغناء باللام الداخلة على ما تقدم من معمول الماضي، كما استغني بالداخلة على ما تقدم من معمول المضارع‏.‏ ومثل له في شرحه بقول أم حاتم‏:‏

لعمري لقدماً عضني الجوع عضةً *** فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا

قال‏:‏ وقد اجتمع شذوذان في قول عامر بن قدامة‏:‏

فلبعده لا أخلدن وما له *** بدل إذا انقطع الإخاء فودعا

أحدهما‏:‏ عدم الاستغناء بتقدم اللام عن النون‏.‏ والثاني‏:‏ دخولها على جواب منفي، فلو كان مثبتاً، لكان دخولها عليه مع تقدم اللام أسهل‏.‏

الأمر الخامس‏:‏ قوله‏:‏ إن هذه اللام لام الابتداء لا تدخل على الماضي المجرد، فلا بد من تقدير قد، مخالف لكلام ابن السراج، قال في الأصول، في باب إن وأخواتها‏:‏ وإذا كان خبر إن فعلاً ماضياً، لم يجز أن تدخل عليه اللام التي تدخل على خبرها، إذا كان اسماً، فلا تقول‏:‏ إن زيداً لقام، وأنت تريد هذه اللام، لأن هذه اللام لام الابتداء‏.‏ إلى أن قال‏:‏ فإن قال قائل‏:‏ أراني أقول‏:‏ لأقومن ولينطلقن، فأبدأ باللام وأدخلها على الفعل‏؟‏ قيل له‏:‏ ليست هذه اللام تلك اللام‏.‏ هذه تلحقها النون وتلزمها، وليست الأسماء داخلة في هذا الضرب، وإنما سمعت والله لقام زيد‏.‏

فهذه اللام هي التي إذا دخلت على المستقبل، كان معها النون، كما قال امرؤ القيس‏:‏

لناموا فما إن من حديث ولا صالي

فهذه اللام التي تكون معها النون غير مقدر فيها الابتداء‏.‏ تقول‏:‏ قد علمت أن زيداً ليقومن، وأن زيداً لقام، فلا تكسر إن، كما كنت تكسرها في قولك‏:‏ أشهد إن محمداً لرسول الله‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن عصفور‏:‏ ومن الناس من زعم أنه لابد من قد ظاهرة ومقدرة؛ فإنه قاس ذلك على اللام الداخلة على خبر إن، فكما لا تدخل تلك اللام على الماضي، فكذلك هذه اللام عنده‏.‏

وذلك باطل، لأن لام إن إنما لم يجز دخولها على الماضي لأن قياسها أن لا تدخل على الخبر إلا إذا كان المبتدأ في المعنى، نحو‏:‏ إن زيداً ليقوم، فيقوم يشبه قائماً، لأن هذه اللام هي لام الابتداء، فلما تعذر دخولها على المبتدأ، دخلت في الخبر الذي هو المبتدأ في المعنى، وما أشبه ما هو المبتدأ في المعنى‏.‏

وليس كذلك اللام التي في جواب القسم‏.‏ وأيضاً فإن قد تقرب من الحال، فإذا أردنا القسم على الماضي البعيد من زمن الحال لم يجز الإتيان بها‏.‏ انتهى‏.‏

وكلام ابن السراج نص مدلل لا دافع له، وهو إمام البصريين كسيبويه‏.‏ وليس وراء عبادان قرية‏.‏

وهذا البيت من قصيدة طويلة لامرئ القيس، مطلعها‏:‏

ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي

وقد شرحنا في مواضع متعددة خمسة وعشرين بيتاً من أولها إلى هنا‏.‏ وبعده‏:‏

فأصبحت معشوقاً وأصبح بعله *** عليه القتام كاسف الحال والبال

وقوله‏:‏ فما إن من حديث‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، إن زائدة مؤكدة للنفي، وكذلك من‏.‏

وحديث يحتمل أن يكون بمعنى الكلام، فيقدر مضاف، أي‏:‏ ذي حديث، ويحتمل أن يكون صفة بمعنى محادث، كالعشير بمعنى المعاشر‏.‏

وصالي من صلي بالنار، إذا قرب منها، ودفع بحرارتها ألم البرد‏.‏ وحديث مرفوع تقديراً على أنه مبتدأ، وسوغ الابتداء به تقدم النفي، وخبره محذوف، أي‏:‏ مستيقظ‏.‏

والبعل‏:‏ الزوج‏.‏ وأراد بالقتام سواد العرض‏.‏ والكاسف‏:‏ المتغير‏.‏

ذكر ابن الحباب السعدي في كتاب مساوي الخمر أن امرأ القيس لما كان منادماً لقيصر، رأته ابنته فعشقته، وراسلها فصار إليها، وفيها قال‏:‏

حلفت لها بالله حلفة فاجر

البيت مع أبيات أخر، ولم يزل يصير إليها إلى أن أخبر بذلك أصحابه، وفيهم الطماح بن قيس الأسدي، فقال له‏:‏ ائتنا بأمارة‏.‏ فأتاه بقارورة من طيب الملك، وذلك بفضل سكره‏.‏

وكان أبو امرئ القيس قد قتل قيساً أبا الطماح، فتحيل الطماح، حتى أخذها، فأنفذ بها إلى قيصر، وأخبره بالحديث فعرفه، وعلم صحته‏.‏ ثم إن امرئ القيس ندم على إفشاء سره إلى الطماح، ففي ذلك يقول‏:‏

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه *** فليس على شيء سواه بخزان

فلما ذهب امرؤ القيس بالجيش الذي أمده به قيصر، أتى الطماح إلى قيصر، وقد تغير على امرئ القيس، فقال‏:‏ أيها الملك، أهلكت جيشاً بعثته مع المطرود الذي قتل أبوه، وأهل بيته، وما تريد إلى نصره‏؟‏ وكلما قتل بعض العرب بعضاً كان خيراً لك‏.‏ قال‏:‏ فما الرأي‏؟‏ قال‏:‏ أن تدارك جيشك وترده، وتبعث إلى امرئ القيس بحلة مسمومة‏.‏ ففعل، فدخل امرؤ القيس الحمام فاطلى ولبسها، وقد رق جلده لقروح كانت به، فتساقط لحمه‏.‏ ورد قيصر جيشه، وقدم امرؤ القيس أنقرة، فأقام بها يعالج قروحه إلى أن هلك بها‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السادس عشر بعد الثمانمائة

وهو من شواهد س‏:‏

وأقسم أن لو التقينا وأنتم *** لكان لكم يوم من الشر مظلم

على أن أن عند سيبويه موطئة كاللام في‏:‏ لئن جئتني لأكرمنك‏.‏ فاللام في لكان إذن جواب القسم، لا جواب لو‏.‏

وهذا نص سيبويه‏:‏ وسألته - يعني الخليل - عن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ، فقال‏:‏ ما هاهنا بمنزلة الذي، ودخلتها اللام كما في إن، واللام التي في الفعل هنا‏.‏ ومثل هذه اللام الأولى أن إذا قلت‏:‏ والله أن لو فعلت لفعلت‏.‏ وقال‏:‏

فأقسم أن لو التقينا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت

ف أن في لو بمنزلة اللام في ما، فأوقعت هنا لامين‏:‏ لام للأول، ولام للجواب‏.‏ ولام الجواب هي التي يعتمد عليها القسم‏.‏ فكذلك اللامان في قول الله‏:‏ لما آتيتكم الآية‏.‏ لام للأول، وأخرى للجواب‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم ، إنما دخلت اللام على نية اليمين‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

قال النحاس، وتبعه الأعلم أن هاهنا توكيد كاللام في لئن‏.‏ ألا ترى أن اللام لا تدخل هاهنا، لو قلت‏:‏ أقسم لأن لو فعلت، لم يجز، لأن اللام إنما تدخل في القسم، وفيما كان من سببيه، نحو‏:‏ والله لئن دخلت لأقومن، فدخلت في لأقومن لأنه المقسم عليه‏.‏ ودخلت في لئن لأنها من سببه، فأدخلت أن مع لو تأكيداً، مثل اللام‏.‏ انتهى‏.‏

وكذا يكون الجواب للقسم لو عدمت، نحو‏:‏ والله لو قمت لأكرمتك‏.‏ وعليه خرج الشارح المحقق البيت الآتي، كما أن اللام الموطئة سواء ذكرت، أم لم تذكر، يكون الجواب بعدها للقسم لا للشرط، نحو‏:‏ والله لئن تأتني، ووالله إن تأتني أكرمك‏.‏

وقد تبع ابن عصفور سيبويه في شرح الإيضاح، فقال‏:‏ وإذا توسطت لو ولولا بين القسم والفعل الواقع جواباً له، لزم أن يكون الفعل الواقع جواباً ماضياً، لأنه مغن عن جواب لو ولولا المحذوف، ودال عليه‏.‏ وجواب لو ولولا لا يكون إلا ماضياً، فوجب أن يكون الدال عليه كذلك‏.‏

وقد يدخلون أن على لو توطئة لجعل الفعل الواقع بعدها جواباً للقسم، كما يدخلون اللام على إن الشرطية‏.‏ انتهى‏.‏

وبما نقلنا عن سيبويه يعلم أن قول ابن هشام في المغني‏:‏ إن أن بين القسم ولو زائدة عند سيبويه، خلاف الواقع‏.‏ وهذا كلامه‏:‏ الثاني، أي‏:‏ من المواضع الأربعة التي تزاد أن فيها، أن تقع بين لو وفعل القسم، مذكوراً، كقوله‏:‏

فأقسم أن لو التقينا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏البيت ومتروكاً، كقوله‏:‏

أما والله أن لو كنت حر *** وما بالحر أنت ولا العتيق

وهذا قول سيبويه وغيره‏.‏ انتهى‏.‏

وذهب ابن عصفور في شرح الجمل إلى خلاف قول سيبويه، فإنه لما أنهى الكلام على روابط الجملة الواقعة جواب قسم، قال‏:‏ إلا أن يكون جواب القسم لو وجوابها، فإن الحرف الذي يربط المقسم به بالمقسم عليه إذ ذاك إنما هو أن، نحو‏:‏ والله أن لو قام زيد لقام عمرو، ولا يجوز الإتيان باللام كراهة الجمع بين لامين، فلا يجوز‏:‏ والله للو قام زيد قام عمرو‏.‏ انتهى‏.‏

وأورد عليه ناظر الجيش في شرح التسهيل، وتبعه ابن هشام في المغني أن أن لو كانت للربط لوجب ذكرها، ولا شبهة في جواز قولنا‏:‏ والله لو قام زيد لقام عمرو‏.‏ وترك أن في مثله أكثر من ذكرها‏.‏

ونقضه الدماميني في شرح المغني المزج باللام الداخلة على جواب لو المنفي، كقوله‏:‏

ولو نعطى الخيار لما افترقن *** ولكن لا خيار مع الليالي

قال‏:‏ فإنها حرف رابط، والأكثر تركها، نحو‏:‏ ولو شاء ربك ما فعلوه ‏.‏ انتهى‏.‏

أقول‏:‏ دخول اللام على حرف النفي في الجواب شاذ، وهي إنما تدخل على الجواب المثبت، وبالشاذ لا يرد النقض‏.‏

وذهب ابن مالك إلى عكس مذهب سيبويه، فجعل الجواب للو، سواء اقترنت بأن أم لا، وجعل جواب القسم محذوفاً مدلولاً عليه بجواب لو‏.‏ والصحيح مذهب سيبويه عملاً بقاعدة اجتماع القسم والشرط‏.‏

وقوله‏:‏ وأقسم لو التقينا وأنتم أن بفتح الهمزة، وروى‏:‏ وأقسم لو أنا التقينا فلا شاهد فيه‏.‏ وعلى الأول همزة التقينا بالوصل، نقل كسرتها إلى واو لو فبقي الجزء مفاعلن بلا ياء‏.‏ وفيه ضرورة، وهي العطف على ضمير الرفع المتصل من غير تأكيد بضمير رفع منفصل، وأن يكون في الكلام طول يقوم مقام التأكيد‏.‏

قال ابن عصفور في الضرائر‏:‏ كان الوجه أن يقال‏:‏ التقينا نحن وأنتم، إلا أن ضرورة الوزن أوجبت حذف الضمير المؤكد‏.‏ انتهى‏.‏

ومعنى البيت‏:‏ لو التقينا متحاربين لأظلم نهاركم فصرتم منه في مثل الليل‏.‏ وكان‏:‏ تامة، وناقصة، ولكم خبرها‏.‏

والبيت من أبيات للمسيب بن علس، يخاطب بها بني عامر بن ذهل بن ثعلبة، وعامر هو أخو شيبان بن ذهل، في شيء صنعوه بحلفائهم‏.‏

وقبله‏:‏

لعمري لئن جدت عداوة بينن *** لينتحين مني على الوخم ميسم

وبعده‏:‏

رأوا نعماً سوداً فهموا بأخذه *** إذا التف من دون الجميع المزنم

ومن دونه طعن كأن رشاشه *** عزالى مزاد والأسنة ترذم

ألا تتقون الله يا آل عامر *** وهل يتقي الله الأبل المصمم

وقوله‏:‏ لينتحين، أي‏:‏ يميل عليه ويتعمده، من انتحى عليه بالمهملة، إذا تعمده‏.‏ وميسم‏:‏ فاعله، يعني أنه يهجوه هجواً يسمه به، لا يفارقه عاره‏.‏ وأراد بالوخم‏:‏ عامر بن ذهل‏.‏

والنعم‏:‏ الإبل الراعية‏.‏ قال الفراء‏:‏ هو مذكر لا يؤنث، يقال‏:‏ هذا نعم وارد‏.‏ والمزنم من الناس‏:‏ المستلحق في قوم ليس منهم، ومن الإبل‏:‏ الذي يقطع شيء من أذنه، ويترك مغلقاً‏.‏ وإنما يفعل ذلك بالكرام منها‏.‏

والعزالى‏:‏ جمع عزلاء، كصحارى‏:‏ جمع صحراء‏.‏ والعزلاء بالعين المهملة والزاي المعجمة‏:‏ فم المزادة الأسفل‏.‏ والمزادة‏:‏ دلو البئر الكبير يجر بالثور‏.‏ وترذم، بالذال المعجمة‏:‏ تسيل وتقطر‏.‏

والأبل، بالموحدة وتشديد اللام، قال صاحب العباب‏:‏ هو الحلاف الظلوم‏.‏ وذكر أبو عبيدة انه الفاجر‏.‏ وأنشد البيت‏.‏

وقال الكسائي‏:‏ هو الذي لا يدرك ما عنده من اللؤم‏.‏ والمصمم‏:‏ من أصمه الله فصم، ويقال‏:‏ أصممته، أي‏:‏ وجدته أصم‏.‏

وترجمة المسيب بن علس تقدمت في الشاهد الثاني بعد المائتين‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السابع عشر بعد الثمانمائة

فأقسم لو شيء أتانا رسوله *** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

على أن الجواب فيه محذوف، وهو جواب القسم، لا جواب لو، عملاً بمقتضى الضابط في اجتماع قسم وشرط‏.‏

والشارح المحقق استنبط هذا الحكم من كلام سيبويه، فإنه لما ذكر أن الواقعة بعد القسم موطئة كاللام، وكان الجواب للقسم لا للشرط، جعل هذا الحكم مستمراً بعد حذفها أيضاً‏.‏ وتقدير الجواب كما ذكره الفراء وغيره‏:‏ لو أتانا رسول سواك لدفعناه، بدليل قوله‏:‏ مدفعا‏.‏

وفيه أن الجواب مذكور في البيت الذي بعده‏:‏ وهو‏:‏

إذن لرددناه ولو طال مكثه *** لدينا ولكنا بحبك ولعا

وعلى هذا يكون قوله‏:‏ ولكن لم نجد لك مدفعا جملة اعتراضية‏.‏ وعذرهم في تقدير الجواب أن هذا البيت ساقط في أكثر الروايات، وقد ذكره الزجاجي في أماليه الصغرى والكبرى في جملة أبيات ثمانية أوردها عن المبرد، من قصيدة لامرئ القيس، ورأينا أن نقتصر عليها، وهي‏:‏

بعثت إليها والنجوم خواضع *** حذاراً عليها أن تقوم فتسمعا

فجاءت قطوف المشي هائبة السرى *** يدافع ركناها كواعب أربعا

يزجنيها مشي النزيف وقد جرى *** صباب الكرى في مخها فتقطعا

تقول وقد جردتها من ثيابه *** كما رعت مكحول المدامع أتلعا

وجدك لو شيء أتانا رسوله *** سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

إذن لرددناه ولو طال مكثه *** لدينا ولكنا بحبك ولعا

فبتنا نصد الوحش عنا كأنن *** قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا

إذا أخذتها هزة الروع أمسكت *** بمنكب مقدام على الهول أروعا

قوله‏:‏ بعثت إليها‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، قال شارح ديوانه خواضع حائلة للمغيب من آخر الليل حذاراً عليها أن تقوم في سمع ولدها صوتها وقوله‏:‏ فجاءت قطوف‏.‏‏.‏‏.‏إلخ هذا البيت ساقط من رواية ديوانه، وفاعل جاءت ضمير المرأة، وقطوف بالنصب حال منه‏.‏

والقطف‏:‏ ضيق المشي، كمشي المقيد، والفعل من باب ضرب‏.‏ وكذلك‏:‏ هائية السرى حال‏.‏ وركناها‏:‏ جانباها‏.‏ والكواعب‏:‏ جمع الكاعب، وهي الجارية حين يبدو ثديها للنهود‏.‏

وقوله‏:‏ يزجنيها‏.‏‏.‏إلخ، هذا البيت أيضاً ساقط من رواية ديوانه‏.‏ ويزجنيها‏:‏ يدفعنها ويسقنها‏.‏ يقال‏:‏ زجيته تزجيه، إذا دفعته برفق للمشي‏.‏ وهو بالزاي المعجمة والجيم‏.‏ والنون ضمير الكواعب، أي‏:‏ يمشينها كمشي النزيف، أي‏:‏ السكران، وهو بالنون والزاي المعجمة‏.‏ والصبابة‏:‏ البقية‏.‏ والكرى‏:‏ النون، يعني كأن فيها فتور النوم‏.‏

وقوله‏:‏ تقول وقد جردتها‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، راعه يروعه روعاً، إذا أفزعه‏.‏ والمدامع‏:‏ الأجفان‏.‏ والأتلع بالمثناة الفوقية‏:‏ الطويل العنق‏.‏ يقول‏:‏ كأنها ظبي مكحول الأجفان، أي‏:‏ أكحل‏.‏

وقوله‏:‏ وجدك لو شيء‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، هذا البيت، وما بعده مقول قولها‏.‏ والواو للقسم، وجدك مقسم به‏.‏

والجد، بالفتح‏:‏ العظمة، والحظ والغنى، والاجتهاد في الشيء، وأبو الأب‏.‏ وكل من هذه الخمسة مناسب‏.‏

والمشهور‏:‏ وأقسم لو شيء فالمقسم به محذوف، أي‏:‏ وأقسم بما يقسم به، كما نبه عليه الشارح المحقق في آخر الفصل‏.‏

قال شارح ديوانه‏:‏ شيء بمعنى أحد، قال تعالى‏:‏ وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار، أي‏:‏ أحد من أزواجكم‏.‏

تريد‏:‏ لو أن إنساناً أتانا رسوله سواك ما أتيته، ولكن لم نجد مدفعاً ندفعك به عنا‏.‏ انتهى‏.‏

وجملة أتانا رسوله‏:‏ صفة شيء، وسواك‏:‏ إما ظرف متعلق بمحذوف، وإما اسم خارج عن الظرفية صفة ثانية لشيء، ويجوز أن يكون حالاً من الهاء في رسوله‏.‏

وقوله‏:‏ إذن لرددناه هذا يدل على أنه جواب لو، لا جواب القسم، فإذا إذن في الغالب تكون جواباً للو، ولإن الشرطيتين، ظاهرتين ومقدرتين، ولم يسمع وقوعها في جواب القسم‏.‏ وهذا البيت ساقط من رواية الديوان‏.‏

وقوله‏:‏ فبتنا نصد الوحش عنا‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، قال شارح ديوانه‏:‏ لأن الوحش لا تقرب القتلى، ولا النيام، ولا غير ذلك من الناس‏.‏ وإنما قال‏:‏ قتيلان، لأنهما نائمان في الفلاة‏.‏

وفي رواية الديوان بيت بعد هذا، وهو‏:‏

تجافى عن المأثور بيني وبينه *** وتدني عليها السابري المضلعا

تجافى‏:‏ مضارع أصله تتجافى، أي‏:‏ ترتفع عنه‏.‏

قال شارحه‏:‏ المأثور‏:‏ السيف الذي به أثر، أي‏:‏ جوهر‏.‏ والسابري‏:‏ ضرب من الثياب‏.‏ والمضلع‏:‏ الذي فيه طرائق‏.‏

يقول‏:‏ ترتفع عنه لئلا يؤذيها يبسه‏.‏ يصف أنه متقلد سيفاً وتدني عليها السابري ليقيها من يبس السيف‏.‏

وقوله‏:‏ إذا أخذتها هزة‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، الهزة، بالفتح مصدر هززت الشيء هزاً فاهتز، أي‏:‏ حركته فتحرك، والهزة، بالكسر‏:‏ نوع منه‏.‏ والروع‏:‏ الفزع‏.‏ د قال شارح ديوانه‏:‏ أي أخذتها رعدة الفزع، إذا فزعت من شيء تراه، ومن خوف أن يشعروا بنا‏.‏

ويقال‏:‏ يعتريها رعدة الجماع، ويقال‏:‏ تخاف من الافتضاض، فتمسك بمنكبي تضمني إليها، لتسكن من شدة الفزع، لأنها لم تخرج من خدرها، ولم تباشر الرجال، فهي فزعة مذعورة لما يراد منها‏.‏

وترجمة امرئ القيس تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين‏.‏ وقد رويت هذه القصيدة لغيره‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

حسب المحبين في الدنيا عذابهم *** والله لا عذبتهم بعدها سقر

على أن الفعل الماضي إذا نفي بلا في جواب القسم، انقلب معناه إلى الاستقبال كما هنا، فيكون ماضياً لفظاً مستقبلاً معنى، لأنه حلف على نفي تعذيب النار، وذلك متوقع، بدليل تعلق الظرف به، وهو بعدها، أي‏:‏ بعد الدنيا‏.‏ فعلى هذا يجوز أن يقال‏:‏ والله لا قام زيد‏.‏ نص عليه ابن السراج‏.‏

وقد تقدم الكلام على هذا البيت مفصلاً في الشاهد التاسع والعشرين بعد الستمائة‏.‏

وقوله‏:‏ في الدنيا متعلق بعذابهم، وهو جائز في مثله على الصحيح لا بحسب؛ لأن المقابلة في آخر البيت تقتضيه‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثامن عشر بعد الثمانمائة

وأي فعل سيئ لا فعله

على أن عدم تكرر لا في الماضي خاص بالشعر، بدليل أنه لا يجوز في غير الدعاء والقسم‏:‏ لا قام زيد‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا اقتحم العقبة فقد أجاب عنه الشارح المحقق بما ذكره‏.‏

والاقتحام‏:‏ الدخول في الأمر الشديد‏.‏ وذكر العقبة هنا مثل ضربه الله لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة‏.‏ يقول‏:‏ لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام‏.‏

وذهب ابن يعيش إلى أن نفي الماضي ب لا قليل، وهي معه بمعنى لم، سواء تكررت أم لا‏.‏ ومثل بالآيتين والبيت، ثم قال‏:‏ حملوا لا في ذلك على لم، إلا أنهم لم يغيروا لفظ الفعل بعد لا كما غيروه بعد لم، لأن لا غير عاملة، ولم عاملة، فلذلك غيروا لفظ الفعل إلى المضارع، ليظهر فيه أثر العمل‏.‏ هذا كلامه‏.‏

وكذلك قال ابن الشجري في أماليه، ولم يقيده بقلة، إلا أنه قال‏:‏ وأجود ما يجيء ذلك مكرراً‏.‏

وهذا ليس بشيء، لاقتضائه جوازه قياساً‏.‏ والجيد قول ابن هشام في المغني‏:‏ إن ترك التكرار شاذ‏.‏ والبيت آخر أبيات خمسة من رجز لشهاب بن العيف، وهي‏:‏

لا هم إن الحارث بن جبله *** زنا على أبيه ثم قتله

وركب الشادخة المحجله *** وكان في جاراته لا عهد له

فأي أمر سيئ لا فعله

قوله‏:‏ لا هم‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، يريد اللهم، أي‏:‏ يا الله، فحذف أل لضرورة الشعر‏.‏ والحارث بن جبلة بفتح الجيم والموحدة، وهو ملك من ملوك غسان بالشام في الجاهلية، ويقال لهم أولاد جفنة‏.‏

والحارث بن جبلة أمه مارية ذات القرطين، يضرب بهما المثل، يقال‏:‏ خذه ولو بقرطي مارية‏.‏ وهو جد جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة‏.‏ فالحارث أبوه جبلة، وابنه جبلة، وابن ابنه جبلة‏.‏

وقوله‏:‏ زنا على أبيه، قال ابن السكيت في باب ما يهمز فيكون له معنى، وإذا لم يهمز كان له معنى آخر، من إصلاح المنطق‏:‏ يقال‏:‏ قد زنا عليه بالتثقيل والهمز‏:‏ إذا ضيق عليه، والزناء‏:‏ الضيق‏.‏

وأنشد هذا الشعر ثم قال‏:‏ وكان أصله زنأ على أبيه بالهمز، فتركه للضرورة‏.‏ انتهى‏.‏

وقال ابن الشجري في أماليه‏:‏ يروى بتخفيف النون وتشديدها‏.‏ فمن رواه مخففاً فمعناه زنى بامرأته، ومن رواه مشدداً فأصله زنأ مهموز، ومعناه ضيق عليه‏.‏ وهذا القول أوجه، وهي رواية ابن السكيت‏.‏ انتهى‏.‏

وقد خاط ابن هشام في المغني فنسب المخفف إلى يعقوب بن السكيت، وقال‏:‏ أصله الهمز، وفسره بضيق، فأخطأ في ثلاثة مواضع‏.‏ ثم قال‏:‏ وروي بتشديد النون، والأصل زنى بامرأة أبيه، فحذف المضاف، وأناب على عن الباء‏.‏ فجعله غير مهموز، وفسره بمعنى المخفف فهذان خطآن‏.‏

وقوله‏:‏ وركب الشادخة‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، قال ابن السكيت‏:‏ أي ركب فعلة قبيحة مشهورة‏.‏ ويقال‏:‏ شدخت الغرة، إذا اتسعت في الوجه‏.‏ ومنه أخذ شارح أبياته البن السيرافي، فقال‏:‏ الشادخة‏:‏ الفعلة القبيحة التي تشدخ فاعلها، والشادخة أيضاً من الغرر‏.‏ يريد أنه ركب أمراً واضحاً في القبح‏.‏

والمحجلة‏:‏ المشهورة التي لا خفاء بها‏.‏ وكذا قال التبريزي في تهذيب الإصلاح‏:‏ الشادخة‏:‏ الغرة التي يكنى بها عن الأمر الشهير، وكذا المحجلة من التحجيل، وهو بياض القوائم‏.‏ وهم يقولون في الشيء المشهور‏:‏ هو أغر محجل‏.‏

وقوله‏:‏ وكان في جاراته‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، هي النساء اللاتي يجاورنه‏.‏ والعهد‏:‏ الذمام والحرمة‏.‏

وقوله‏:‏ وأي أمر سيئ‏.‏‏.‏‏.‏إلخ، يروى بالواو وبالفاء‏.‏ والسيئ كسيد، من السوء وهو الفعل المتصف به‏.‏ وصفه بالغدر، وقلة المعروف، وأنه ضيق على أبيه، فقتله وركب الخطة الشنعاء الشهيرة، ولم يرع ذمام جاراته، بل انتهك حرمتهن، وما ترك أمراً ذميماً إلا ارتكبه‏.‏

وروي‏:‏ أنه كان إذا أعجبته امرأة من قيس أرسل إليها فاغتصبها، حتى قال بعض الكلابيين‏:‏

يا أيها الملك المخوف أما ترى *** ليلاً وصبحاً كيف يعتقبان

هل تستطيع الشمس أن تأتي به *** ليلاً وهل لك بالمليك يدان

اعلم وأيقن أن ملكك زائل *** واعلم بأن كما تدين تدان

وفي البيت الأخير إقواء‏.‏

وكان منشأ تلك الأبيات ما رواه أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب، قال‏:‏ كان من قصة الشعر أن المنذر بن ماء السماء، وهو ذو القرنين ملك الحيرة اللخمي، دعا ذات يوم الناس، فقال‏:‏ من يهجو الحارث بن جبلة الغساني‏.‏‏؟‏ فقالوا‏:‏ حرملة بن عسلة المري، فقال‏:‏ يا حرملة، اهجه ولك مائة من الإبل‏.‏

فقال‏:‏ أبيت اللعن، إنهم أخوالي، وإنه لا ينبغي لي أن أهجوهم‏.‏ فتوعده، فقال حرملة بن حكيم بن عفير بن طارق بن قيس بن مرة بن همام، وأمه عسلة بنت عامر بن شراكة قاتل الجوع الغساني‏:‏

ألم تر أني بلغت المشيب *** وفي دار قومي عفاً كسوبا

ون الإله تنصفته *** بأن لا أعق وأن لا أحوبا

وأن لا أكافر ذا نعمة *** وأن لا أخيبه مستثيبا

وغسان قوم هم والدي *** فهل ينسينهم أن أغيبا

فأوزع بها بعض من يعتريك *** فإن لها من معد كليبا

وإن لخالي مندوحةً *** وإن علي بغيب رقيبا

فانبرى شهاب بن العيف أخو بني سليمة من عبد القيس، فقال‏:‏

لا هم إن الحارث بن جبلة الأبيات

فأسرهما الحارث بن جبلة في هزيمة المنذر، فقال‏:‏ يا حرملة، اختر ما شئت في ملكي‏.‏ فسأله جاريتين ضرابتين، فأعطاهما إياه، فنزل في النمر، فقعد يشرب هو ورجل من النمر، يقال له‏:‏ كعب، فلما أخذ الشراب في النمري، قال‏:‏ يا حرملة، من هذه المرأة الحمراء‏؟‏ مرها فلتسقني‏.‏

فغضب حرملة، ثم أعادها، فضربه حرملة بالسيف فقتله، وقال في ذلك‏:‏

يا كعب إنك لو قصرت على *** حسن الندام وأنت ذو حلم

وسماع مسمعة تعللن *** حتى نؤوب تناوم العجم

لوجدت فينا ما تحاول من *** صافي الشراب ولذة الطعم

مع أبيات خمسة أخرى، وقال لابن العيف‏:‏ اختر مني ثلاث خلال‏:‏ إما أن أطرحك على أسدين ضاريين في بئر، وإما أن ألقيك من سور دمشق، وإما أن يقوم الدلامص - سياف كان له - فيضربك بعصاه هذه ضربة‏.‏ فاختار ضربة الدلامص‏.‏ فضربه - زعموا - على رأسه، فانكسرت فخذه، فاحتمله راهب وداواه حتى برأ، وهو يخمع منها، فكان هذا والحارث يومئذ بقنسرين‏.‏ انتهى‏.‏

وكذا أورد هذه الحكاية محمد بن حبيب في كتاب المقتولين غيلة‏.‏

وشهاب بن العيف العبدي شاعر جاهلي‏.‏ والعيف، بفتح المهملة وكسر المثناة التحتية المشددة‏.‏ والعبدي‏:‏ نسبة إلى عبد القيس، لأنه أحد بني سلمة من عبد القيس، بضم السين وفتح اللام، وهما في بني شيبان‏.‏

وقد نسب هذا الشعر إلى شهاب بن العيف محمد بن حبيب، والآمدي أيضاً في كتاب أشعار بني شيبان، ووقع في كتاب الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم أن هذا الشعر لعامر بن العيف، أخي شهاب بن العيف‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

فقلت يمين الله أبرح قاعداً

على أنه يجوز حذف حرف النفي من المضارع الواقع جواب القسم كما هنا، وأصله‏:‏ لا أبرح، فحذف لا‏.‏

وأما حذف النافي من الماضي، ومن الجملة الاسمية فغير جائز اطراداً، وقل الحذف منهما‏.‏

أما الأول فنحو قول أمية بن أبي عائذ الهذلي‏:‏

فإن شئت آليت بين المق *** م والركن والحجر الأسود

نسيتك ما دام عقلي معي *** أمد به أمد السرمد

أي‏:‏ لا نسيتك‏.‏ قال ابن مالك‏:‏ ويكثر ذلك إن تقدم نفي على القسم، كقوله‏:‏

فلا والله نادى الحي ضيفي

أي‏:‏ لا نادى‏.‏ وأما الثاني، فكقول عبد الله بن رواحة‏:‏

فوالله ما نلتم ولا نيل منكم *** بمعتدل وفق ولا متقارب

أراد‏:‏ ما نلتم، فحذف ما النافية، وأبقى الموصولة‏.‏ ولا يجوز العكس، لأنه لا يجوز حذف الموصول، وإبقاء صلته عند البصريين‏.‏ والمصراع صدر، وعجزه‏:‏

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

والبيت تقدم شرحه قريباً قبل هذا بعشرة أبيات‏.‏

وأنشد بعده‏:‏