فصل: الجزء الأول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

قوله‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم

أبتدئ بها عملا بالأحاديث الواردة في ذلك والإشكال في تعارض روايات الابتداء بالبسملة والحمدلة مشهور وكذا التوفيق بينها بحمل الابتداء على العرفي أو الإضافي وكذا ما أورد من الأذان ونحوه مما لم يبدأ بهما فيه‏.‏ والجواب عنه بأن المراد في الروايات كلها الابتداء بإحداهما أو بما يقوم مقامه، أو يحمل المقيد على المطلق، وهو رواية ‏"‏ بذكر الله ‏"‏ عند من جوز ذلك، ثم الباء لفظ خاص حقيقة في الإلصاق مجاز في غيره من المعاني لا مشترك بينها لترجح المجاز على الاشتراك موضوع بالوضع العام للموضوع له الخاص عند العضد وغيره‏:‏ أي لكل واحد من المشخصات الجزئية الملحوظة بأمر كلي، وهو مطلق الإلصاق بحيث لا يفهم منه إلا واحد بخصوصه‏.‏ والإلصاق تعليق شيء بشيء وإيصاله به، فيصدق بالاستعانة والسببية لإلصاقك الكتابة بالقلم وبسببه كما في التحرير‏.‏ ولما كان مدلول الحرف معنى حاصلا في غيره لا يتعقل ذهنا ولا خارجا إلا بمتعلقه اشترط له المتعلق المعنوي وهو الإلصاق؛ والنحوي وهو هنا ما جعلت التسمية مبدأ له، فيفيد تلبس الفاعل بالفعل حال الإلصاق، والمراد الإلصاق على سبيل التبرك والاستعانة‏.‏ والأولى تقدير المتعلق مؤخرا ليفيد قصد الاهتمام باسمه تعالى، ردا على المشرك المبتدئ باسم آلهته اهتماما بها لا للاختصاص، لأن المشرك لا ينفي التبرك باسمه تعالى، وليفيد اختصاص ذلك باسمه تعالى ردا على المشرك أيضا وإظهارا للتوحيد، فيكون قصر إفراد؛ وإنما قدم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اقرأ باسم ربك‏}‏ لأن العناية بالقراءة أولى بالاعتبار، ليحصل ما هو المقصود من طلب أصل القراءة، إذ لو أخر لأفاد أن المطلوب كون القراءة مفتتحة باسم الله تعالى لا باسم غيره، ثم هذه الجملة خبرية لفظا وهل هي كذلك معنى أو إنشائية معنى‏؟‏ ظاهر كلام السيد الثاني، والمقصود إظهار إنشاء التبرك باسمه تعالى وحده ردا على المخالف إما على طريق النقل الشرعي كبعت واشتريت، أو على إرادة اللازم ك ‏{‏رب إني وضعتها أنثى‏}‏ فإن المقصود بها إظهار التحسر لا الإخبار بمضمونها، وهل تخرج بذلك الجملة الخبرية عن الإخبار أو لا‏؟‏ ذهب الزمخشري إلى الأول وعبد القاهر إلى الثاني وسيأتي في الحمدلة لذلك مزيد بيان‏.‏ وأورد أنها لو كانت إنشائية لما تحقق مدلولها خارجا بدونها، والتالي باطل فالمقدم مثله، إذ السفر والأكل ونحوهما مما ليس بقول لا يحصل بالبسملة‏.‏ وأجيب بأنها إذا كانت لإنشاء إظهار التبرك أو الاستعانة باسمه تعالى وحده على ما قلنا فلا شك أنه إنما تحقق بها؛ كما أن إظهار التحزن والتحسر إنما تحقق بذلك اللفظ، فإن الإنشاء قسمان‏:‏ منه ما لا يتحقق مدلوله الوضعي بدون لفظه، ومنه ما لا يتحقق مدلوله الالتزامي بدونه، وما نحن فيه من قبيل الثاني‏.‏ ثم إن المراد بالاسم هنا ما قابل الكنية واللقب فيشمل الصفات حقيقية، أو إضافية أو سلبية فيدل على أن التبرك والاستعانة بجميع أسمائه تعالى‏.‏ والله علم على الذات العلية المستجمعة للصفات الحميدة كما قاله السعد وغيره، أو المخصوصة‏:‏ أي بلا اعتبار صفة أصلا كما قاله العصام‏.‏ قال السيد الشريف‏:‏ كما تاهت العقول في ذاته وصفاته لاحتجابها بنور العظمة تحيرت أيضا في اللفظة الدالة على الذات، كأنه انعكس إليها من تلك الأنوار أشعة فبهرت أعين المستبصرين، فاختلفوا أسرياني هو أم عربي‏؟‏ اسم أو صفة‏؟‏ مشتق‏؟‏ أو علم أو غير علم‏؟‏‏.‏ والجمهور على أنه عربي علم مرتجل من غير اعتبار أصل منه، ومنهم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي والخليل‏.‏ وروى هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء وأكثر العارفين حتى أنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به كما في شرح التحرير لابن أمير حاج‏.‏ والرحمن لفظ عربي، وقيل معرب عن ‏(‏رخمان‏)‏ بالخاء المعجمة لإنكار العرب حين سمعوه‏.‏ ورد بأن إنكارهم له لتوهمهم أنه غيره تعالى في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن‏}‏ وذهب الأعلم إلى أنه علم كالجلالة لاختصاصه به تعالى وعدم إطلاقه على غيره تعالى معرفا ومنكرا، وأما قوله‏:‏ في مسيلمة‏.‏ وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا فمن تعنته وغلوه في الكفر واختاره في المغني‏.‏ قال السبكي‏:‏ والحق أن المنع شرعي لا لغوي، وأن المخصوص به تعالى المعرف‏.‏ والجمهور على أنه صفة مشبهة، وقيل صيغة مبالغة، لأن الزيادة في اللفظ لا تكون إلا لزيادة المعنى وإلا كانت عبثا، وقد زيد فيه حرف على الرحيم وهو يفيد المبالغة بصيغته، فدلت زيادته على زيادته عليه في المعنى كما، لأن الرحمانية تعم المؤمن والكافر، والرحيمية تخص المؤمن، أو كيفا لأن الرحمن المنعم بجلائل النعم، والرحيم المنعم بدقائقها‏.‏ والظاهر أن الوصف بهما للمدح، فيه إشارة إلى لمية الحكم أي إنما افتتح كتابه باسمه تعالى متبركا مستعينا به لأنه المفيض للنعم كلها، وكل من شأنه ذلك لا يفتتح إلا باسمه وهل وصفه تعالى بالرحمة حقيقة أو مجازا عن الإنعام أو عن إرادته لأنها من الأعراض النفسانية المستحيلة عليه تعالى فيراد غايتها‏؟‏ المشهور الثاني‏.‏ والتحقيق الأول، لأن الرحمة التي هي من الأعراض هي القائمة بنا، ولا يلزم كونها في حقه تعالى كذلك حتى تكون مجازا كالعلم والقدرة والإرادة وغيرها من الصفات معانيها القائمة بنا من الأعراض، ولم يقل أحد إنها في حقه تعالى مجاز، وتمام تحقيقه مع فوائد أخر في حواشينا على شرح المنار للشارح ‏(‏قوله‏:‏ حمدا‏)‏ مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبا‏.‏ والحمد لغة الوصف بالجميل على الجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل‏.‏ وعرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه، فالأول أخص موردا إذ الوصف لا يكون إلا باللسان، وأعم متعلقا لأنه قد يكون لا بمقابلة نعمة والثاني بعكسه، فبينها عموم وجهي والشكر لغة يرادف الحمد عرفا‏.‏ وعرفا صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق لأجله، وخرج بالاختيار المدح فإنه أعم من الحمد لانفراده في مدحت زيدا على رشاقة قده، واللؤلؤة على صفائها فبينها عموم مطلق‏.‏ وذهب الزمخشري إلى ترادفهما لاشتراطه في الممدوح عليه أن يكون اختياريا كالمحمود عليه، ونقض التعريف جمعا بخروج حمد الله تعالى على صفاته‏.‏ وأجيب بأن الذات لما كانت كافية في اقتضاء تلك الصفات جعلت بمنزلة الأفعال الاختيارية، وبأنه لما كانت تلك الصفات مبدأ لأفعال اختيارية كان الحمد عليها باعتبار تلك الأفعال، فالمحمود عليه اختياري باعتبار المآل، أو أن الحمد عليها مجاز عن المدح‏.‏ ثم إن المحمود عليه وبه قد يتغايران ذاتا كما هنا، أو اعتبارا كما إذا وصف الشجاع بشجاعته، فهي محمود به من حيث إن الوصف كان بها، ومحمود عليه من حيث إنها كانت باعثة على الحمد‏.‏ والحمد حيث أطلق ينصرف إلى العرفي لما قاله السيد في حواشي المطالع‏:‏ اللفظ عند أهل العرف حقيقة في معناه العرفي، مجاز في غيره‏.‏ وعند محققي الصوفية حقيقة الحمد إظهار صفات الكمال، وهو بالفعل أقوى منه بالقول، لأن دلالة الأفعال عقلية لا يتصور فيها التخلف، ودلالة الأقوال وضعية يتصور فيها ذلك، ومن هذا القبيل حمد الله تعالى وثناؤه على ذاته فإنه بسط بساط الوجود على ممكنات لا تحصى، ووضع عليه موائد كرمه التي لا تتناهى، فإن كل ذرة من ذرات الوجود تدل عليها، ولا يتصور في العبارات مثل هذه الدلالات، ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» ثم إن الحمد مصدر يصح أن يراد به معنى المبني للفاعل‏:‏ أي الحامدية، أو المبني للمفعول‏:‏ أي المحمودية، أو المعنى المصدري أو الحاصل بالمصدر، وعلى كل فأل في قولنا الحمد لله إما للجنس أو للاستغراق أو للعهد الذهني‏:‏ أي الفرد الكامل المعهود ذهنا، وهو الحمد القديم، فهي اثنتا عشرة صورة‏.‏ واختار في الكشاف الجنس لأن الصيغة بجوهرها تدل على اختصاص جنس المحامد به تعالى، ويلزم منه اختصاص كل فرد، إذ لو خرج فرد منها لخرج الجنس تبعا له لتحققه في كل فرد، فيكون اختصاص جميع الأفراد ثابتا بطريق برهاني وهو أقوى من إثباته ابتداء فلا حاجة في تأدية المقصود وهو ثبوت الحمد له تعالى وانتفاؤه عن غيره إلى أن يلاحظ الشمول والإحاطة‏.‏ واختار غيره الاستغراق، لأن الحكم على الحقيقة بدون اعتبار الأفراد قليل في الشرع؛ وعلى كل فالحصر ادعائي محمول على المبالغة تنزيلا لحمد غيره تعالى منزلة العدم، أو حقيقي باعتبار أنه راجع إليه لتمكينه تعالى وإقدار العبد عليه‏.‏ وقد يقال‏:‏ إنه جعل الجنس في المقام الخطابي منصرفا إلى الكامل كأنه كل الحقيقة، فيكون من باب ‏{‏ذلك الكتاب‏}‏ والحاتم الجواد، وهل الحصر بطريق المفهوم أو المنطوق‏؟‏ قيل بالمنطوق‏.‏ ورد بأن أل تدل على العموم والشمول فليس النفي جزء مفهومها وإن كان لازما، وقيل بالمفهوم لما ذكر، وقيل لا تفيد الحصر ونسب للحنفية، وضعفه في التحرير بأن كلامهم مشحون باعتباره، وقد تكرر الاستدلال منهم في نفي اليمين عن المدعي بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «واليمين على من أنكر» قال في الهداية‏:‏ جعل جنس الأيمان على المنكرين وليس وراء الجنس شيء‏.‏ وعلى كل من الصور الاثنتي عشرة فلام لله إما للملك أو للاستحقاق أو للاختصاص فهي ست وثلاثون، وعلى الأخير فهي لتأكيد الاختصاص المستفاد من أل كما قاله السيد من أن كلا منهما يدل على اختصاص المحامد به تعالى، وقيل إن الاختصاص المستفاد من اللام هو اختصاص الحمد بمدخولها وأل لاختصاص ذلك الاختصاص به تعالى، وتمامه في شرح آداب البحث‏.‏ أقول‏:‏ يظهر لي أن أل لا تفيد الاختصاص أصلا كما مر منسوبا للحنفية، وإنما هو مستفاد من النسبة أو من اللام، لما صرح به في التلويح من أن أل للتعريف ومعناه الإشارة والتعيين والتمييز، والإشارة إما إلى حصة معينة من الحقيقة وهو تعريف العهد أي الخارجي كجاءني رجل فأكرمت الرجل، وإما إلى نفس الحقيقة، وذلك قد يكون بحيث لا يفتقر إلى اعتبار الأفراد، وهو تعريف الحقيقة والماهية، ك الرجل خير من المرأة، وقد يكون بحيث يفتقر إليه، وحينئذ إما أن توجد قرينة البعضية كما في ادخل السوق وهو العهد الذهني، أو لا وهو الاستغراق ك ‏{‏إن الإنسان لفي خسر‏}‏ احترازا عن ترجيح بعض المتساويات بلا مرجح‏.‏ فالعهد الذهني والاستغراق من فروع الحقيقة، ولهذا ذهب المحققون إلى أن اللام لتعريف العهد أو الحقيقة لا غير إلا أن القوم أخذوا بالحاصل وجعلوه أربعة أقسام ا هـ‏.‏ موضحا فهذه معاني أل؛ فإذا كان مدخولها موضوعا وحمل عليه مقرون باللام التي هي للاختصاص أفادت اللام أن الجنس أو المعهود مختص بمدخولها وإن كان المحمول غير مقرون بها، فإن كان في الجملة ما يفيد الاختصاص كتعريف الطرفين ونحوه فيها‏.‏ وإلا فإن كانت أل للجنس والماهية فنفس النسبة تفيد الاختصاص، إذ لو خرج فرد من أفراد الموضوع لم تصدق النسبة لخروج الجنس معه كما مر في كلام الكشاف، ولذا قال في الهداية وليس وراء الجنس شيء‏.‏ والحاصل أن الاختصاص مستفاد من اللام الموضوعة له أو من النسبة، لكن إذا كانت أل للجنس والماهية كما في حديث‏:‏ «واليمين على من أنكر» أما إذا كانت أل للاستغراق ولم يقترن المحمول فاللام الاختصاص ونحوها، كقولك الرجل يأكل الرغيف فلا اختصاص أصلا، هذا ما ظهر لفهمي القاصر فتدبر‏.‏ه، وبه اندفع ما في التحرير من التضعيف، وإذا جعلت اللام للملك أو الاستحقاق فلا اختصاص وإن قلنا إن أل تفيده، لأن اختصاص ملك الحمد أو استحقاقه بمدخول اللام لا ينافي ثبوت الحمد لآخر لا بطريق الملك أو الاستحقاق تأمل‏.‏ ثم هذه الجملة تحتمل الخبرية ويصدق عليها التعريف لأن الإخبار بالحمد وصف بالجميل إلخ أو فعل ينبئ إلخ، وإذا كانت أل فيها للجنس فالقضية مهملة أو للاستغراق فكلية أو للعهد الذهني فجزئية؛ ولو صح جعلها للعهد الخارجي فشخصية‏.‏ ويحتمل أن تكون منقولة إلى الإنشاء شرعا أو مجازا عن لازم معناها فالمقصود إيجاد الحمد بنفس الصيغة‏:‏ أي إنشاء تعظيمه تعالى‏.‏ واختلفوا في الجملة الإخبارية إذا استعملت في لازم معناها كالمدح والثناء والهجاء، هل تصير إنشائية أم لا‏؟‏ ذهب الشيخ عبد القاهر إلى الثاني، قال لئلا يلزم إخلاء الجملة عن نوع معناها، قيل ولأنه يلزم عليه هنا انتفاء الاتصاف بالجميل قبل حمد الحامد ضرورة أن الإنشاء يقارن لفظه معناه في الوجود‏.‏ ورد بأن اللازم انتفاء الوصف بالجميل لا الاتصاف، والكلام فيه

‏[‏تتمة‏]‏

تأتي الأحكام الشرعية في كل من البسملة والحمدلة؛ أما البسملة فتجب في ابتداء الذبح ورمي الصيد والإرسال إليه، لكن يقوم مقامها كل ذكر خالص‏.‏ وفي بعض الكتب أنه لا يأتي بالرحمن الرحيم لأن الذبح ليس بملائم للرحمة، لكن في الجوهرة أنه لو قال‏:‏ ‏{‏بسم الله الرحمن الرحيم‏}‏ فهو حسن وفي ابتداء الفاتحة في كل ركعة‏.‏ قيل وهو قول الأكثر، لكن الأصح أنها سنة، وتسن أيضا في ابتداء الوضوء والأكل، وفي ابتداء كل أمر ذي بال، وتجوز أو تستحب فيما بين الفاتحة والسورة على الخلاف الآتي في محله إن شاء الله تعالى وتباح أيضا في ابتداء المشي والقيام والقعود‏.‏ وتكره عند كشف العورة أو محل النجاسات، وفي أول سورة براءة إذا وصل قراءتها بالأنفال كما قيده بعض المشايخ، قيل وعند شرب الدخان أي ونحوه من كل ذي رائحة كريهة كأكل ثوم وبصل‏.‏ وتحرم عند استعمال محرم، بل في البزازية وغيرها يكفر من بسمل عند مباشرة كل حرام قطعي الحرمة، وكذا تحرم على الجنب إن لم يقصد بها الذكر‏.‏ ا هـ‏.‏ ط ملخصا مع بعض زيادات‏.‏ وأما الحمدلة فتجب في الصلاة، وتسن في الخطب، وقبل الدعاء وبعد الأكل، وتباح بلا سبب، وتكره في الأماكن المستقذرة، وتحرم بعد أكل الحرام، بل في البزازية أنه اختلف في كفره

‏(‏قوله‏:‏ لك‏)‏ آثر الخطاب على اسم الله تعالى الدال على استجماعه لجميع صفات الكمال إشارة إلى أن هذا الاستجماع من الظهور بحيث لا يحتاج إلى دلالة عليه في الكلام، بل ربما يدعي أن ترك ذكر ما يدل عليه أوفق لمقتضى المقام، بل المهم الدلالة على أن قوي للحامد محرك الإقبال وداعي التوجه إلى جنابه على الكمال، حتى خاطبه مشعرا بأنه تعالى كأنه مشاهد له حالة الحمد لرعاية مرتبة الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، أو بأنه تعالى قريب من الحامد كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‏}‏ وإن كان الحامد لنقصانه في كمال البعد كما تدل عليه كلمة يا الموضوعة لنداء البعيد على ما قيل، ففي الإتيان بها هضم لنفسه واستبعاد لها عن مظان الزلفى كما أفاده الخطابي والبزدوي ‏(‏قوله‏:‏ يا من شرحت‏)‏ الأولى شرح كما عبر في مختصر المعاني، لأن الأسماء الظاهرة كلها غيب سواء كانت موصولة أو موصوفة كما صرح به في شرح المفتاح، لكن بمراعاة جانب النداء الموضوعة للمخاطب يسوغ الخطاب نظرا إلى المعنى‏.‏ وذكر في المطول أن قول علي كرم الله وجهه‏.‏ أنا الذي سمتني أمي حيدره‏.‏ قبيح عند النحويين‏.‏ واعترضه حسن جلبي بأن الالتفات من أتم وجوه تحسين الكلام فلا وجه للتقبيح، لأنه التفات من الغيبة إلى التكلم، وفيه تغليب جانب المعنى على جانب اللفظ، على أنه يرد على النحويين ‏{‏بل أنتم قوم تجهلون‏}‏ فلو كان فيه قباحة لما وقع في كلام هو في أعلى طبقات البلاغة‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ولا يخفى ما في قوله على أنه يرد إلخ من اللطافة عند أهل الظرافة، وفي مغني اللبيب في بحث الأشياء التي تحتاج إلى رابط أن نحو‏:‏ أنت الذي فعلت مقيس لكنه قليل، وإذا تم الموصول بصلته انسحب عليه حكم الخطاب، ولهذا قيل قمتم‏.‏ ومن زعم أنه من باب الالتفات لأن آمنوا مغايبة قمتم مواجهة فقدموها‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا يخفى أنه فيما نحن فيه لم يتم الموصول بصلته‏:‏ أي لم يأت الضمير بعد تمام الصلة، فدعوى الالتفات فيه صحيحة ‏(‏قوله‏:‏ شرحت صدورنا‏)‏ أصل الشرح بسط اللحم ونحوه ومنه شرح الصدر‏:‏ أي بسطه بنور إلهي‏.‏ وقيل معناه التوسعة مطلقا، ويقابله الضيق ‏{‏فمن يرد الله أن يهديه‏}‏ الآية، وفسر في آية ‏{‏ألم نشرح‏}‏ بتوسعته بما أودع فيه من العلم والحكمة، وخص الصدور لأنها ظروف القلوب الملوك على سائر الجوارح، لأنها محل العقل كما يأتي في باب خيار العيب؛ أو المراد بها القلوب، واتساعها كناية عن كثرة ما يدخل فيها من الحكم الإلهية والمعارف الربانية ‏(‏قوله‏:‏ بأنواع‏:‏ الهداية‏)‏ قال البيضاوي في تفسيره‏:‏ الهداية دلالة بلطف ولذا تستعمل في الخير وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاهدوهم إلى صراط الجحيم‏}‏ على التهكم وهداية الله تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عدد لكنها تنحصر في أجناس مترتبة‏:‏ الأول إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه كالقوة العاقلة والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة‏.‏ والثاني نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد‏.‏ والثالث الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب‏.‏ والرابع أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي أو الإلهام أو المنامات الصادقة وهذا مختص بالأنبياء والأولياء ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله‏:‏ سابقا‏)‏ حال من مصدر شرحت‏:‏ أي جعلت صدورنا قابلة للخيرات حال كون الشرح سابقا أو صفة لذلك المصدر‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏ أقول‏:‏ أو صفة لزمان أي زمانا سابقا فهو منصوب على الظرفية‏:‏ أي حين أخذ الميثاق أو حين ولدنا على الفطرة أو عقلنا الدين الحق واخترنا البقاء عليه ‏(‏قوله‏:‏ ونورت بصائرنا‏)‏ النور كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها والضياء أقوى منه وأتم، ولذلك أضيف إلى الشمس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا‏}‏ وقد يفرق بينهما بأن الضياء ضوء ذاتي والنور ضوء عارض‏.‏ وقد يقال‏:‏ ينبغي أن يكون النور أقوى على الإطلاق، ‏{‏الله نور السموات والأرض‏}‏ وإنما يتجه إذا لم يكن معناه في الآية المنور، وقد حمله أهل التفسير على ذلك ا هـ‏.‏ حسن جلبي على المطول‏.‏ والبصائر‏:‏ جمع بصيرة، وهي قوة للقلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء بمثابة البصر للنفس كما في تعريفات السيد ‏(‏قوله‏:‏ بتنوير الأبصار‏)‏ الباء للسببية، فإن الإنسان بنور بصره ينظر إلى عجائب المصنوعات لله تعالى وإلى الكتب النافعة وغير ذلك مما يكون سببا في العادة لتنوير البصيرة باكتساب المعارف ‏(‏قوله‏:‏ لاحقا‏)‏ الكلام فيه كالكلام في سابقا؛ وإنما كان تنوير البصائر لاحقا‏:‏ أي متأخرا عن شرح الصدور، لأن شرحها الاهتداء إلى الإسلام كما يشير إليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن يرد الله أن يهديه‏}‏ الآية، وهذا سابق عادة على تنوير البصائر بما ذكرنا‏.‏ وقال الخطابي في حاشية المختصر‏:‏ قدم شرح الصدر على تنوير القلب، لأن الصدر وعاء القلب وشرحه مقدم لدخول النور في القلب ‏(‏قوله‏:‏ وأفضت‏)‏ يقال أفاض الماء على نفسه‏:‏ أي أفرغه قاموس ‏(‏قوله‏:‏ من أشعة‏)‏ جمع شعاع بالضم‏:‏ وهو ما تراه من الشمس كأنه الحبال مقبلة عليك إذا نظرت إليها، أو ما ينتشر من ضوئها قاموس‏.‏ والشريعة‏:‏ فعيلة بمعنى مفعولة أي مشروعة، فقد شرعها الله حقيقة والنبي صلى الله عليه وسلم مجازا، والشريعة والملة والدين شيء واحد‏.‏ فهي شريعة لكون الله تعالى قد شرعها‏.‏ والشريعة في الأصل الطريق يورد للاستقاء، فأطلقت على الأحكام المشروعة لبيانها ووضوحها، وللتوصل بها إلى ما به الحياة الأبدية، وملة لكونها أمليت علينا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ودين للتدين بأحكامها‏:‏ أي للتعبد بها‏.‏ ا هـ‏.‏ ط، وكل من الدين والشريعة يضاف إلى الله تعالى والنبي والأمة‏.‏ بخلاف الملة فإنها لا تضاف إلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقال ملة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يقال ملة الله تعالى ولا ملة زيد كما قاله المظهر والراغب وغيرهما‏.‏ فيشكل ما قاله التفتازاني إنها تضاف إلى آحاد الأمة قهستاني في شرحه على الكيدانية‏.‏ هذا، وقال ح‏:‏ الأنسب بالإضافة والبحر أن يقول من شآبيب مثلا، وهو جمع شؤبوب‏:‏ الدفعة من المطر كما في القاموس‏.‏ ا هـ‏.‏ أي بناء على أنه شبه الشريعة بالشمس بجامع الاهتداء، فهو استعارة بالكناية والأشعة تخييل، وكل من الإفاضة والبحر لا يلائم ادعاء أن الشريعة من أفراد الشمس الذي هو مبنى الاستعارة، ولا يخفى أن هذا غير متعين لجواز أن تشبه أحكام الشريعة بالأشعة من حيث الاهتداء فهو استعارة تصريحية والقرينة إضافة الأشعة إلى الشريعة ثم تشبه الأحكام المعبر عنها بالأشعة من حيث الارتفاع أو الكثرة بالسحاب فهو استعارة بالكناية‏.‏ والإضافة استعارة تخييلية، والبحر ترشيح، فقد اجتمع فيه ثلاث استعارات على حد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأذاقها الله لباس الجوع والخوف‏}‏ ويجوز أن يقال إضافة الأشعة إلى الشريعة من إضافة المشبه به إلى المشبه، وشبه المسائل الشرعية بالبحر بجامع الكثرة أو النفع فهو استعارة تصريحية والإفاضة ترشيح فافهم ‏(‏قوله‏:‏ وأغدقت‏)‏ أي أكثرت، في التنزيل ‏{‏لأسقيناهم ماء غدقا‏}‏ أي كثيرا مصباح ‏(‏قوله‏:‏ لدينا‏)‏ أي عندنا، وقيل إن لدى تقتضي الحضرة بخلاف عند، تقول‏:‏ عندي فرس إذا كنت تملكها وإن لم تكن حاضرة في مكان التكلم، ولا تقول لدي إلا إذا كانت حاضرة ‏(‏قوله‏:‏ منحك‏)‏ جمع منحة‏:‏ وهي العطية ‏(‏قوله‏:‏ الموفرة‏)‏ أي الكثيرة ‏(‏قوله‏:‏ نهرا فائقا‏)‏ الفائق‏:‏ الخيار من كل شيء قاموس، وفيه استعارة تصريحية أيضا نظير ما مر، ولا يخفى ما في الجمع بين أسامي الكتب من الهداية والتنوير والبحر والنهر من اللطافة وحسن الإيهام، وليس المراد بها نفس الكتب لما فيه من التكلف وفوات النكات البديعية في لطيف الكلام، ولأنه غير المألوف في مثل هذا المقام بين العلماء الأعلام فافهم ‏(‏قوله‏:‏ أتممت‏)‏ أي أكملت نعمتك‏:‏ أي إنعامك، أو ما أنعمت به ط ‏(‏قوله‏:‏ علينا‏)‏ الضمير للمؤلف وحده نظرا إلى عود ثواب الانتفاع به إليه فقط، وأتى بضمير العظمة للتحديث بالنعمة، وهو جائز عند الفقهاء والمحدثين، أو الضمير لمعاشر الحنفية باعتبار الانتفاع به وهذا حسن ظن من الشيخ، ويدل على أن الخطبة ألفت بعد ابتدائه هذا الكتاب بل على أنها متأخرة عنه ط ‏(‏قوله‏:‏ حيث‏)‏ الحيثية للتعليل‏:‏ أي لأنك يسرت‏:‏ أي سهلت، أو للتقييد‏:‏ أي أتممت وقت تيسير ابتداء إلخ، والأول أولى ط ‏(‏قوله‏:‏ تبييض‏)‏ هو في اصطلاح المصنفين عبارة عن كتابة الشيء على وجه الضبط والتحرير من غير شطب بعد كتابته كيفما اتفق‏.‏ ا هـ‏.‏ حموي ‏(‏قوله‏:‏ هذا الشرح‏)‏ الإشارة إلى ما في الذهن من الألفاظ المتخيلة الدالة على المعاني، وهذا هو الأولى من الأوجه السبعة المشهورة ط، وهي كون الإشارة إلى واحد فقط من الألفاظ أو النقوش أو المعاني أو إلى اثنين منها أو إلى ثلاثة، وعلى كل فالإشارة مجازية هنا‏.‏ والشرح بمعنى الشارح‏:‏ أي المبين والكاشف، أو جعل الألفاظ شرحا مبالغة ‏(‏قوله‏:‏ المختصر‏)‏ الاختصار‏:‏ تقليل اللفظ وتكثير المعنى، وهو الإيجاز كما في المفتاح ‏(‏قوله‏:‏ تجاه‏)‏ في القاموس‏:‏ وجاهك وتجاهك مثلثين تلقاء وجهك ‏(‏قوله‏:‏ منبع الشريعة‏)‏ أي محل نبعها وظهورها، شبه الظهور بالنبع ثم اشتق من النبع بمعنى الظهور منبع بمعنى مظهر، فهو استعارة تصريحية، أو شبه الشريعة بالماء والمنبع تخييل، فهو استعارة بالكناية، والمعنى وجه صاحب منبع الشريعة ‏(‏قوله‏:‏ والدرر‏)‏ أي الفوائد الدنيوية والأخروية الشبيهة بالدرر في النفاسة والانتفاع، فهو استعارة تصريحية وعطفه على الشريعة من عطف العام على الخاص، وفيه إيهام لطيف بكتاب الدرر ‏(‏قوله‏:‏ وضجيعيه‏)‏ عطف على منبع تثنية ضجيع بمعنى مضاجع‏:‏ وهو من يضطجع بحذاء آخر بلا فاصل، وأطلق عليهما ضجيعين لقربهما منه صلى الله عليه وسلم ‏(‏قوله‏:‏ الجليلين‏)‏ أي العظيمين ‏(‏قوله‏:‏ بعد الإذن‏)‏ متعلق بقوله يسرت أو ابتداء، وكأن الإذن للشارح حصل منه صلى الله عليه وسلم صريحا برؤية منام أو بإلهام، وببركته صلى الله عليه وسلم فاق هذا الشرح على غيره كما فاق متنه حيث رأى المصنف النبي صلى الله عليه وسلم، فقام له مستقبلا واعتنقه عجلا؛ وألقمه عليه الصلاة والسلام لسانه الشريف كما حكاه في المنح، فكل من المتن والشرح من آثار بركته صلى الله عليه وسلم فلا غرو أن شاع ذكرهما، وفاق وعم نفعهما في الآفاق ‏(‏قوله‏:‏ صلى الله عليه وسلم‏)‏ فعل ماض قياس مصدره التصلية، وهو مهجور لم يسمع هكذا قاله غير واحد، ويؤيده قول القاموس صلى صلاة لا تصلية دعا ا هـ‏.‏ ويرده ما أنشده ثعلب‏:‏

تركت القيان وعزف القيان *** وأدمنت تصلية وابتهالا

القيان جمع قينة‏:‏ وهي الأمة، وعزفها‏:‏ أصواتها‏.‏ قال‏:‏ والتصلية من الصلاة، وابتهالا من الدعاء ا هـ‏.‏ وقد ذكره الزوزني في مصادره‏.‏ وفي القهستاني‏:‏ الصلاة اسم من التصلية وكلاهما مستعمل، بخلاف الصلاة بمعنى أداء الأركان فإن مصدره لم يستعمل كما ذكره الجوهري‏.‏ والجمهور على أنها حقيقة لغوية في الدعاء مجاز في العبادة المخصوصة كما حققه السعد في حواشي الكشاف، وتمامه في حاشية الأشباه للحموي‏.‏ وفي التحرير‏:‏ هي موضوعة للاعتناء بإظهار الشرف، ويتحقق منه تعالى بالرحمة عليه ومن غيره بالدعاء، فهي من قبيل المشترك المعنوي، وهو أرجح من المشترك اللفظي، أو هي مجاز في الاعتناء المذكور‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه اندفع الاستدلال بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله وملائكته يصلون على النبي‏}‏ الآية على جواز الجمع بين معنى المشترك اللفظي، ولما فيها من معنى العطف عديت بعلى للمنفعة وإن كان المتعدي بها للمضرة بناء على أن المترادفين لا بد من جريان أحدهما مجرى الآخر، وفيه خلاف عند الأصوليين، والجملة خبرية لفظا منقولة إلى الإنشاء، أو مجاز فيه بمعنى اللهم صل، إذ المقصود إيجاد الصلاة امتثالا للأمر‏.‏ قال القهستاني‏:‏ ومعناها الثناء الكامل إلا أن ذلك ليس في وسعنا فأمرنا أن نكل ذلك إليه تعالى كما في شرح التأويلات‏.‏

مطلب ‏[‏أفضل صيغ الصلاة‏]‏

‏(‏أفضل صيغ الصلاة‏)‏ وأفضل العبارات على ما قال السيوطي‏:‏ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وقيل هو التعظيم؛ فالمعنى اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإنفاذ شريعته، وفي الآخرة بتضعيف أجره وتشفيعه في أمته كما قاله ابن الأثير ا هـ‏.‏ وعطف قوله وسلم بصيغة الماضي، ويحتمل صيغة الأمر من عطف الإنشاء على الإنشاء لفظا أو معنى وحذف معموله لدلالة ما قبله عليه‏:‏ أي وسلم عليه ومصدره التسليم واسم مصدره السلامة، ومعناه السلامة من كل مكروه‏.‏ قال الحموي وجمع بينهما خروجا من خلاف من كره إفراد أحدهما عن الآخر وإن كان عندنا لا يكره كما صرح به في منية المفتي، وهذا الخلاف في حق نبينا صلى الله عليه وسلم وأما غيره من الأنبياء فلا خلاف فيه، ومن ادعاه فعليه أن يورد نقلا صريحا ولا يجد إليه سبيلا كذا في شرح العلامة ميرك على الشمائل‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وجزم العلامة ابن أمير حاج في شرحه على التحرير بعدم صحة القول بكراهة الإفراد، واستدل عليه في شرحه المسمى ‏[‏حلية المجلي في شرح منية المصلي‏]‏ بما في سنن النسائي بسند صحيح في حديث القنوت وصلى الله على النبي» ثم قال‏:‏ مع أن في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وسلام على المرسلين‏}‏ ‏{‏وسلام على عباده الذين اصطفى‏}‏ إلى غير ذلك أسوة حسنة‏.‏ ا هـ‏.‏ وممن رد القول بالكراهة العلامة منلا علي القاري في شرح الجزرية فراجعه

‏(‏قوله‏:‏ وعلى آله‏)‏ اختلف في المراد بهم في مثل هذا الموضع؛ فالأكثرون أنهم قرابته صلى الله عليه وسلم الذين حرمت عليهم الصدقة على الاختلاف فيهم، وقيل جميع أمة الإجابة وإليه مال مالك واختاره الأزهري والنووي في شرح مسلم، وقيل غير ذلك شرح التحرير‏.‏ وذكر القهستاني أن الثاني مختار المحققين ‏(‏قوله‏:‏ وصحبه‏)‏ جمع صاحب، وقيل اسم جمع له‏.‏ قال في شرح التحرير‏:‏ والصحابي عند المحدثين وبعض الأصوليين من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مسلما ومات على الإسلام، أو قبل النبوة ومات قبلها على الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل، أو ارتد وعاد في حياته‏.‏ وعند جمهور الأصوليين من طالت صحبته متبعا له مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عرفا بلا تحديد في الأصح‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهره أن من ارتد ثم أسلم تعود صحبته وإن لم يلقه بعد الإسلام، وهذا ظاهر على مذهب الشافعي من أن المرتد لا يحبط عمله ما لم يمت على الردة‏:‏ أما عندنا فبمجرد الردة يحبط العمل، والصحبة من أشرف الأعمال، لكنهم قالوا إنه بالإسلام تعود أعماله مجردة عن الثواب، ولذا لا يجب عليه قضاؤه سوى عبادة بقي سببها كالحج وكصلاة صلاها فارتد فأسلم في وقتها‏.‏ وعلى هذا فقد يقال تعود صحبته مجردة عن الثواب، وقد يقال إن أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا تعود صحبته ما لم يلقه لبقاء سببها فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ الذين حازوا‏)‏ أي جمعوا ‏(‏قوله‏:‏ من منح إلخ‏)‏ فيه صناعة التوجيه حيث ذكر أسماء الكتب وهي المنح للمصنف والفتح شرح الهداية للمحقق ابن الهمام والكشف شرح المنار للنسفي والفيض للكركي والوافي متن الكافي للنسفي والحقائق شرح منظومة النسفي، وفيه حسن الإبهام بذكر ما له معنى قريب ومعنى بعيد‏.‏ وأراد المعنى البعيد وهو المعاني اللغوية هنا دون الاصطلاحية لأهل المذهب‏:‏ أي حازوا عن عطايا فتح باب كشف‏:‏ أي إظهار فيض أي كثير فضلك أي إنعامك الوافي أي التام حقائقا أي أمورا محققة‏.‏ وبهذه اللطافة يغتفر ما فيه من تتابع الإضافات الذي عد مخلا بالفصاحة إلا إذا لم يثقل على اللسان فإنه يزيد الكلام ملاحة ولطافة‏.‏ فيكون من أنواع البديع‏.‏ ويسمى الاطراد كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذكر رحمة ربك‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كدأب آل فرعون‏}‏‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

حقائقا بالألف للسجع مع أنه ممنوع من الصرف على اللغة المشهورة‏.‏ فصرفه هنا على حد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سلاسل وأغلالا‏}‏ وقوله تعالى - قواريرا - في قراءة من نونهما‏.‏ وذكروا لذلك أوجها منها التناسب، ومنهم من قرأ‏:‏ ‏{‏سلاسلا‏}‏ بالألف دون تنوين ‏(‏قوله‏:‏ وبعد‏)‏ يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر لا يكون بينهما مناسبة‏.‏ فهي من الاقتضاب المشوب بالتخلص‏.‏ واختلف في أول من تكلم بها‏.‏ وداود أقرب‏.‏ وهي فصل الخطاب الذي أوتيه، وهي من الظروف الزمانية أو المكانية المنقطعة عن الإضافة مبنية على الضم لنية معنى المضاف إليه أو منصوبة غير منونة لنية لفظه أو منونة إن لم ينو لفظه ولا معناه‏.‏ والثالث لا يحتمل هنا لعدم مساعدة الخط إلا على لغة من لا يكتب الألف المبدلة عن التنوين حال النصب، وعلى كل لا بد لها من متعلق‏.‏ فإن كانت الواو هنا نائبة عن أما كما هو المشهور فمتعلقها إما الشرط أو الجزاء، والثاني أولى ليفيد تأكيد الوقوع‏.‏ لأن التعليق على أمر لا بد من وقوعه يفيد وقوع المعلق ألبتة‏.‏ والتقدير مهما يكن من شيء فيقول بعد البسملة والحمدلة والتصلية وإن كانت الواو للعطف وهو من عطف القصة على القصة‏.‏ أو للاستئناف فالعامل فيها يقول‏.‏ وزيدت فيه الفاء لتوهم أما إجراء للمتوهم مجرى المحقق كما في‏:‏ ولا سابق بالجر‏.‏ والتقدير ويقول بعد البسملة‏.‏ وعلى الأول فهي في جواب الشرط لنيابة الواو عن أداته‏.‏ واعترضه حسن جلبي في حواشي التلويح بأن النيابة تقتضي مناسبة بين النائب والمنوب عنه، ولا مناسبة بين الواو وأما ا هـ‏.‏ ولا يصح تقدير أما بعد الواو لأن أما لا تحذف إلا إذا كان الجزاء أمرا أو نهيا ناصبا لما قبله أو مفسرا له كما في الرضي وما هنا ليس كذلك ‏(‏قوله‏:‏ فقير ذي اللطف‏)‏ أي كثير الفقر‏:‏ أي الاحتياج لله تعالى‏.‏ ذي اللطف‏:‏ أي الرفق والبر بعباده والإحسان إليهم ‏(‏قوله‏:‏ الخفي‏)‏ أي الظاهر فإنه من أسماء الأضداد‏.‏ فإن لطفه تعالى لا يخفى على شخص في كل شخص، أو المراد الخفي عن العبد‏.‏ بأن يدبر له الأمر من غير تعان منه ومشقة‏.‏ ويهيئ له أمور دنياه وآخرته من حيث لا يحتسب، والله على كل شيء قدير ط ‏(‏قوله‏:‏ محمد‏)‏ بدل من فقير أو عطف بيان‏.‏ وعلاء الدين لقبه‏:‏ أي معليه ورافعه بالعمل به وبيان أحكامه‏.‏ ومنع بعضهم من التسمي بمثل ذلك مما فيه تزكية نفس ويأتي تمام الكلام على ذلك في كتاب الحظر والإباحة إن شاء الله تعالى، وهو رحمة الله تعالى كما في شرح ابن عبد الرزاق على هذا الشرح‏:‏ محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن جمال الدين بن حسن بن زين العابدين الحصني الأثري المعروف بالحصكفي صاحب التصانيف في الفقه وغيره، منها هذا الشرح وشرح الملتقى وشرح المنار في الأصول وشرح القطر في النحو ومختصر الفتاوى الصوفية والجمع بين فتاوى ابن نجيم جمع التمرتاشي وجمع ابن صاحبها، وله تعليقة على صحيح البخاري تبلغ نحو ثلاثين كراسا وعلى تفسير البيضاوي من سورة البقرة إلى سورة الإسراء، وحواش على الدرر وغير ذلك من الرسائل والتحريرات، وقد أقر له بالفضل والتحقيق مشايخه وأهل عصره حتى قال شيخه الشيخ خير الدين الرملي في إجازته له‏:‏ وقد بدأني بلطائف أسئلة وقفت بها على كمال روايته وسعة ملكته، فأجبته غير موسع عليه، فكرر على ما هو أعلى فزدته فزاد فرأيت جواد رهانه في غاية المكنة والسبق، فبعدت له الغاية فأتاها مستريحا لا يخفق، مستبصرا لا يطرق، فلما تبين لي أنه الرجل الذي حدثت عنه وصلت به إلى حالة يأخذ مني وآخذ منه إلى أن قال في شأنه‏:‏ فيا من له شك فدونك فاسأل تجد جبلا في العلم غير مخلخل يباري فحول الفقه فيما يرونه ويبرز للميدان غير مزلزل يقشر عن لب معلوم قشوره ويأتي بما يختاره من مفصل ويقوى على الترجيح فيه بثاقب من الفهم والإدراك غير محول وفكر إذا ما حاول الصخر قله وإن رمت حل الصعب في الحال ينجلي وما قلت هذا القول إلا بعيد ما سبرت خباياه بأفحم مقول وقال شيخه العلامة محمد أفندي المحاسني في إجازته له أيضا‏:‏ وإنه ممن نشأ والفضائل تعله وتنهله، والرغبة في العلم تقرب له ما يحاوله من ذلك وتسهله، حتى نال من قداح الكمال القدح المعلى، وفاز بما وشح به صدر النباهة وحلى، وكان لي على الغوص على غرر الفوائد أعظم معين، فأفاد واستفاد، وفهم وأجاد،‏.‏ ا هـ‏.‏ وترجمه تلميذه خاتمة البلغاء المحبي في تاريخه فقال ما ملخصه‏:‏ إنه كان عالما محدثا فقيها نحويا، كثير الحفظ والمرويات طلق اللسان، فصيح العبارة، جيد التقرير والتحرير، وتوفي عاشر شوال سنة ‏(‏1088‏)‏ عن ثلاث وستين سنة، ودفن بمقبرة باب الصغير ‏(‏قوله‏:‏ الحصكفي‏)‏ كذا يوجد في بعض النسخ، وهو بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح الكاف وفي آخره فاء وياء النسبة إلى حصن كيفا، وهو من ديار بكر‏.‏ قال في المشترك‏:‏ وحصن كيفا على دجلة بين جزيرة ابن عمر وميافارقين، وكان القياس أن ينسبوا إليه الحصني وقد نسبوا إليه أيضا كذلك، لكن إذا نسبوا إلى اسمين أضيف أحدهما إلى الآخر ركبوا من مجموع الاسمين اسما واحدا ونسبوا إليه كما فعلوا هنا، وكذلك نسبوا إلى رأس عين راسعيني وإلى عبد الله وعبد شمس وعبد الدار عبدلي وعبشمي وعبدري، وكذلك ما كان نظير هذا ذكره المحبي في تاريخه في ترجمة إبراهيم بن المنلا ‏(‏قوله‏:‏ بجامع بني أمية‏)‏ متعلق بالإمام والباء بمعنى في ط، وقد بناه الوليد بن عبد الملك الأموي، نقل أنه أنفق عليه ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار، وفيه رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام، وفي حائطه القبلي مقام هود عليه السلام، ويقال إنه أول من بنى جدرانه الأربع‏.‏ وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والتين‏}‏ أنه مسجد دمشق، وكان بستانا لنبي الله هود عليه السلام، وأنه كان فيه شجر التين قبل أن يبنيه الوليد ا هـ‏.‏ فهو المعبد القديم الذي تشرف بالأنبياء عليهم السلام، وصلى فيه الصحابة الكرام‏.‏ وقد صرح الفقهاء بأن الأفضل بعد المساجد الثلاثة ما كان أقدم، بل ذكر في كتاب أخبار الدول بالسند إلى سفيان الثوري أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة، وهو ولله الحمد إلى وقتنا هذا معمور بالعبادة ومجمع العلم والإفادة‏.‏ ولا يزال كذلك إن شاء الله تعالى إلى أن يهبط على منارته الشرقية البيضاء عيسى ابن مريم عليه السلام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها من الأنام ‏(‏قوله‏:‏ ثم المفتي إلخ‏)‏ أفاد أن الإفتاء لم يجتمع له مع الإمامة وإنما تأخر عنها ط وفي تاريخ المحبي أنه تولى الإفتاء خمس سنين‏.‏ وكان متحريا في أمر الفتوى غاية التحري، ولم يضبط عليه شيء خالف فيه القول المصحح ‏(‏قوله‏:‏ بدمشق‏)‏ بفتح الميم وقد تكسر‏:‏ قاعدة الشام، سميت ببانيها دمشاق بن كنعان قاموس‏.‏ وقيل بانيها غلام الإسكندر واسمه دمشق أو دمشقش‏.‏ وهي أنزه بلاد الله تعالى‏.‏ قال أبو بكر الخوارزمي‏:‏ جنات الدنيا أربع‏:‏ غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب بوان وجزيرة نهر الأبلة‏.‏ وفضل غوطة دمشق على الثلاثة كفضل الثلاثة على سائر الدنيا، وناهيك ما ورد فيها خصوصا وفي الشام عموما من الأحاديث والآثار ‏(‏قوله‏:‏ الحنفي‏)‏ ذكر العراقي في آخر شرح ألفية الحديث‏:‏ أن النسبة إلى مذهب أبي حنيفة وإلى القبيلة وهم بنو حنيفة بلفظ واحد‏.‏ وأن جماعة من أهل الحديث منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي يفرقون بينهما بزيادة ياء في النسبة للمذهب ويقولون حنيفي، وأنه قال ابن الصلاح لم أجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي بكر بن الأنباري ‏(‏قوله‏:‏ لما بيضت‏)‏ الجملة إلى آخر الكتاب في محل نصب مقول القول أو كل جملة من الكتاب محلها نصب بناء على أن جزء المقول له محل، أو ليس له محل وهما قولان ط ‏(‏قوله‏:‏ من خزائن الأسرار‏)‏ الخزائن جمع خزانة ألفها زائدة تقلب في الجمع همزة كقلائد في الألفية‏:‏ والمد زيد ثالثا في الواحد همزا يرى في مثل كالقلائد فتكتب بهمزة لا بياء بنقطتين من تحت بخلاف نحو معايش فإن الياء في المفرد أصلية فتكتب بها ابن عبد الرزاق‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏

من لطائف المفتي أبي السعود أنه سئل عن الخزانة والقصعة أيقرآن بالفتح أو بالكسر‏؟‏ فأجاب بقوله‏:‏ لا تفتح الخزانة، ولا تكسر القصعة، ‏(‏قوله‏:‏ وبدائع‏)‏ جمع بديعة‏.‏ من ابتدع الشيء‏:‏ ابتدأه ‏(‏قوله‏:‏ الأفكار‏)‏ جمع فكر بالكسر ويفتح‏:‏ إعمال النظر في الشيء كالفكرة والفكرى قاموس‏.‏ والمراد ما ابتدعه بفكره من الأبحاث وحسن التركيب والوضع، أو ما ابتدعه المجتهد واستنبطه من الأدلة الشرعية، وهذا بيان لمعاني أجزاء العلم قبل العلمية‏.‏ أما بعدها فالمجموع اسم الكتاب ‏(‏قوله‏:‏ في شرح‏)‏ إن كان من جزء العلم فلا يبحث عن الظرفية وإلا فالأولى حذف ‏"‏ في ‏"‏ لأن خزائن الأسرار هو نفس الشرح‏.‏ وظاهر الظرفية يقتضي المغايرة أفاده ط‏.‏ أقول‏:‏ وقد تزاد في، وحمل على بعضهم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال اركبوا فيها‏}‏ ويمكن أن تتعلق بمحذوف حالا والظرفية فيها مجازية مثل‏:‏ ‏{‏ولكم في القصاص حياة‏}‏ ويمكن تعلقه بمذكور نظرا إلى المعنى الأصلي قبل العلمية، فإن الأعلام وإن كان المراد بها اللفظ قد يلاحظ معها المعاني الأصلية بالتبعية، ولهذا نادى بعض الكفرة أبا بكر رضي الله عنه بأبي الفصيل أفاده حسن جلبي في حاشية التلويح عند قوله الموسوم بالتلويح إلى كشف حقائق التنقيح ‏(‏قوله‏:‏ قدرته في عشر مجلدات كبار‏)‏ مجلدات جمع مجلد، واسم المفعول من غير العاقل إذا جمع يجمع جمع تأنيث كمخفوضات ومرفوعات ومنصوبات، والمراد أجزاء، لأن العادة أن الجزء يوضع في جلد على حدة ط أي أنه لما بيض الجزء الأول منه قدر أن تمام الكتاب على منوال ما بيض منه يبلغ عشر مجلدات كبار‏.‏ وذكر المحبي وغيره أنه وصل في هذا الكتاب إلى باب الوتر؛ والظاهر أنه لم يكمله في المسودة أيضا وإنما ألف منه هذا الجزء الذي بيضه فقط، والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ فصرفت عنان العناية‏)‏ العنان بالكسر‏:‏ ما وصل بلجام الفرس، والعناية القصد‏.‏ وفي نهاية الحديث‏:‏ يقال عنيت فلانا عنيا إذا قصدته، وتشبيه العناية بصورة الفرس في الإيصال إلى المطلوب استعارة بالكناية وإثبات العنان استعارة تخييلية، وذكر الصرف ترشيح، وفيه الإيهام بكتاب العناية‏.‏ ا هـ‏.‏ ابن عبد الرزاق ‏(‏قوله‏:‏ نحو الاختصار‏)‏ أي جهة اختصار ما في خزائن الأسرار ‏(‏قوله‏:‏ وسميته بالدر المختار‏)‏ أي سميت هذا المختصر المأخوذ من الاختصار أو الشرح المتقدم في قوله تبييض هذا الشرح، وسمى يتعدى إلى مفعولين الأول بنفسه والثاني بحرف الجر كما هنا أو بنفسه كما في سميت ابني محمدا‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وما اشتهر من أن أسماء الكتب علم جنس وأسماء العلوم علم شخص نوقش فيه بأنه إن نظر لتعدد الشيء بتعدد محله فكلاهما علم جنس، وإن نظر للاتحاد العرفي فعلم شخص‏.‏ وأما التفرقة فهي تحكم وترجيح بلا مرجح‏.‏ ا هـ‏.‏ والدر‏:‏ الجوهر، وهو اسم جنس يصدق على القليل والكثير‏.‏ والمختار‏:‏ الذي يؤثر على غيره أفاده ط ‏(‏قوله‏:‏ الذي فاق‏)‏ نعت لتنوير الأبصار لا للدر المختار‏.‏ ا هـ‏.‏ ح، وهذا بناء على أن قوله في شرح تنوير الأبصار متعلق بمحذوف حال من الدر المختار ليس جزء علم، فلا يرد أن جزء العلم لا يوصف، على أنه قد ينظر فيه إلى ما قبل العلمية كما قدمناه فافهم ‏(‏قوله‏:‏ هذا الفن‏)‏ في القاموس‏:‏ الفن الحال والضرب من الشيء كالأفنون جمعه أفنان وفنون‏.‏ ا هـ‏.‏ والمراد به هنا علم لأنه نوع من العلوم ‏(‏قوله‏:‏ في الضبط‏)‏ هو الحفظ بالحزم قاموس، والمراد به هنا حسن التحرير ومتانة التعبير فهو مضبوط كالحمل المحزوم ‏(‏قوله‏:‏ والتصحيح‏)‏ أي ذكر الأقوال المصححة إلا ما ندر ‏(‏قوله‏:‏ والاختصار‏)‏ تقدم معناه، فهو مع حسن التحرير والتصحيح خال عن التطويل ‏(‏قوله‏:‏ ولعمري‏)‏ قال في المغرب‏:‏ العمر بالضم والفتح البقاء إلا أن الفتح غلب في القسم حتى لا يجوز فيه الضم، يقال لعمرك ولعمر الله لأفعلن، وارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف ا هـ‏.‏‏:‏ أي قسمي أو يميني، والواو فيه للاستئناف واللام للابتداء‏.‏ قال في القاموس‏:‏ وإذا سقطت اللام نصب انتصاب المصادر، وجاء في الحديث النهي عن قول لعمر الله‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الحموي في حاشية الأشباه‏:‏ فعلى هذا ما كان ينبغي للمصنف أن يأتي بهذا القسم الجاهلي المنهي عنه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح النقاية للقهستاني‏:‏ لا يجوز أن يحلف بغير الله تعالى، ويقال لعمر فلان، وإذا حلف ليس له أن يبر، بل يجب أن يحنث، فإن البر فيه كفر عند بعضهم كما في كفاية الشعبي ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لكن قال فاضل الروم حسن جلبي في حاشية المطول‏:‏ قوله‏:‏ لعمري يمكن أن يحمل على حذف المضاف‏:‏ أي لواهب عمري وكذا أمثاله مما أقسم فيه بغير الله تعالى كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والشمس‏}‏ والليل - والقمر - ونظائره أي ورب الشمس إلخ‏.‏ ويمكن أن يكون المراد بقولهم لعمري وأمثاله ذكر صورة القسم لتأكيد مضمون الكلام وترويجه فقط لأنه أقوى من سائر المؤكدات، وأسلم من التأكيد بالقسم بالله تعالى لوجوب البر به، وليس الغرض اليمين الشرعي وتشبيه غير الله تعالى به في التعظيم حتى يرد عليه أن الحلف بغير اسمه تعالى وصفاته عز وجل مكروه كما صرح به النووي في شرح مسلم، بل الظاهر من كلام مشايخنا أنه كفر إن كان باعتقاده أنه حلف يجب البر به، وحرام إن كان بدونه كما صرح به بعض الفضلاء، وذكر صورة القسم على الوجه المذكور لا بأس به، ولهذا شاع بين العلماء، كيف وقد «قال عليه الصلاة والسلام قد أفلح وأبيه» وقال عز من قائل‏:‏ ‏{‏لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون‏}‏ فهذا جرى على رسم اللغة وكذا إطلاق القسم على أمثاله ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ أضحت‏)‏ أي صارت، وتستعمل أضحى بمعنى صار كثيرا كما ذكره الأشموني ‏(‏قوله‏:‏ روضة هذا العلم‏)‏ الروضة من العشب‏:‏ مستنقع الماء لاستراضة الماء فيها، وهذا معناها في أصل الوضع، ولذا قال بعض العلماء‏:‏ الروضة أرض ذات مياه وأشجار وأزهار، شبه الفقه ببستان على سبيل الاستعارة بالكناية وإثبات الروضة تخييل، وما بعده ترشيح للمكنية أو للتخييلية باقيا على معناه مقصودا به تقوية الاستعارة، ويجوز أن يكون مستعار الملائم المشبه كما قرر في محله، بأن تشبيه المسائل بالأزهار والأنهار على سبيل الاستعارة المكنية أيضا وإثبات التفتيح والتسلسل تخييل ‏(‏قوله‏:‏ مفتحة الأزهار‏)‏ أصله مفتحة الأزهار منها أو أزهارها على جعل أل عوضا عن المضاف إليه، والأزهار مرفوع بالنيابة عن الفاعل فحول الإسناد إلى ضمير الموصوف ثم أضيف اسم المفعول إلى مرفوعه معنى، فهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة فافهم ‏(‏قوله‏:‏ مسلسلة الأنهار‏)‏ الكلام فيه كالذي قبله‏.‏ وفي القاموس‏:‏ تسلسل الماء جرى في حدور ‏(‏قوله‏:‏ من عجائبه‏)‏ جمع عجيب والاسم العجيبة والأعجوبة قاموس، والمراد بها مسائله العجيبة، ومن صلة لقوله تختار وثمرات مبتدأ والتحقيق مضاف إليه، ويطلق على ذكر الشيء على الوجه الحق وعلى إثبات الشيء بدليله وجملة تختار خبر المبتدأ، وفي الكلام استعارة مكنية حيث شبه التحقيق بشجرة وإثبات الثمرات لها تخييل‏.‏ ولا يخفى أن مسائل هذا الكتاب مذكورة على الوجه الحق وثابتة بدلائلها عند المجتهد، ولا يلزم من إثبات الشيء بدليله أن يكتب دليله معه حتى يرد أنه لم يذكر في المتن الأدلة، وكذا لا يلزم من كون مسائله مذكورة على الوجه الحق أن يكون غيره من المتون ليس كذلك فافهم، ويجوز أن يراد بالثمرة الفائدة والنتيجة؛ والمعنى أن ما يستفاد بالتحقيق ويستنتج به من الأحكام الشرعية يختار من مسائله المعجبة ‏(‏قوله‏:‏ ومن غرائبه‏)‏ جمع غريبة أي مسائله الغريبة العزيزة الوجود التي زادها على المتون المتداولة فهي كالرجل الغريب، أو المراد تراكيبه وإشاراته الفائقة على غيرها حتى صارت غريبة في بابها‏.‏ والذخائر‏:‏ جمع ذخيرة بمعنى مذخورة ما يذخر أي يختار ويحفظ‏.‏ والتدقيق إثبات المسألة بدليل دق طريقه لناظريه كما في تعريفات السيد، وقيل إثبات دليل المسألة بدليل آخر، وجملة تحير الأفكار صفة ذخائر الواقع مبتدأ مؤخرا مخبرا عنه بالظرف قبله‏.‏ ولما كان التدقيق مأخوذا من الدقة وهي الغموض والخفاء ذكر معه الذخائر التي تحفظ عادة وتخبأ، وذكر معه أيضا تحير الأفكار‏:‏ وهو عدم اهتدائها، والمراد بها أصحابها، بخلاف التحقيق فإنه لا يلزم أن يكون فيه دقة، والحق ظاهر لا يخفى فلذا ذكر معه الثمرات التي تظهر عادة ‏(‏قوله‏:‏ لشيخ شيخنا‏)‏ متعلق بمحذوف نعت لتنوير الأبصار أو حال منه‏:‏ أي الكائن أو كائنا‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله‏:‏ شيخ الإسلام‏)‏ أي شيخ أهل الإسلام، وهذا الوصف غلب على من كان في منصب الإفتاء أو القضاء ‏(‏قوله‏:‏ محمد بن عبد الله‏)‏ بن أحمد الخطيب بن محمد الخطيب بن إبراهيم الخطيب‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ورأيت في رسالة لحفيد المصنف‏:‏ وهو الشيخ محمد ابن الشيخ صالح ابن المصنف، زاد بعد إبراهيم المذكور ابن خليل بن تمرتاشي‏.‏ قال المحبي‏:‏ كان إماما كبيرا حسن السمت قوي الحافظة كثير الاطلاع، وبالجملة فلم يبق من يساويه في الرتبة، وقد ألف التآليف العجيبة المتقنة، منها التنوير وهو في الفقه جليل المقدار جم الفائدة، دقق في المسائل كل التدقيق ورزق فيه السعد، فاشتهر في الآفاق، وهو من أنفع كتبه، وشرحه هو، واعتنى بشرحه جماعة منهم العلامة الحصكفي مفتي الشام والمنلا حسين بن إسكندر الرومي نزيل دمشق‏.‏ والشيخ عبد الرزاق مدرس الناصرية، وكتب عليه شيخ الإسلام محمد الأنكوري كتابات في غاية التحرير والنفع، وكتب عن شرح مؤلفه شيخ الإسلام خير الدين الرملي حواشي مفيدة‏.‏ وله تآليف لا تحصى، توفي سنة ‏(‏1004‏)‏ عن خمس وستين سنة ‏(‏156‏)‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومن تأليف المصنف كتاب معين المفتي والمنظومة الفقهية المسماة تحفة الأقران وشرحها مواهب الرحمن والفتاوى المشهورة‏.‏ وشرح زاد الفقير لابن الهمام وشرح الوقاية، وشرح الوهبانية، وشرح يقول العبد، وشرح المنار وشرح مختصر المنار، وشرح الكنز إلى كتاب الإيمان، وحاشية على الدرر لم تتم، ورسائل كثيرة منها رسالة في العشرة المبشرين بالجنة، وفي عصمة الأنبياء وفي دخول الحمام، وفي لفظ جوزتك بتقديم الجيم‏.‏ وفي القضاء، وفي الكنائس، وفي المزارعة، وفي الوقوف بعرفة، وفي الكراهية، وفي حرمة القراءة خلف الإمام‏.‏ وفي جواز الاستنابة في الخطبة‏.‏ وفي أحكام الدروز والأرفاض، وفي مشكلات مسائل وشرحها، وله رسالة في التصوف وشرحها، ومنظومة فيه، ورسالة في علم الصرف‏.‏ وشرح القطر وغير ذلك ذكره بعضهم ‏(‏قوله‏:‏ التمرتاشي‏)‏ نسبة إلى تمرتاش‏.‏ نقل صاحب مراصد الاطلاع في أسماء الأماكن والبقاع أن تمرتاش بضمتين وسكون الراء وتاء وألف وشين معجمة‏:‏ قرية من قرى خوارزم‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏ قلت‏.‏ والأقرب أنه نسبة إلى جده تمرتاشي كما قدمناه ‏(‏قوله‏:‏ الغزي‏)‏ نسبة إلى غزة هاشم، وهي كما في القاموس‏:‏ بلد بفلسطين، ولد بها الإمام الشافعي رحمه الله تعالى‏.‏ ومات بها هاشم بن عبد مناف ‏(‏قوله‏:‏ عمدة المتأخرين‏)‏ أي معتمدهم في الأحكام الشرعية ‏(‏قوله‏:‏ الأخيار‏)‏ جمع خير بالتشديد‏:‏ كثير الخير

‏(‏قوله‏:‏ فإني أرويه‏)‏ تفريع على قوله لشيخ شيخنا إلخ‏.‏ فإنه لما جزم بنسبته إليه أفاد أن ذلك واصل إليه بالسند‏.‏ والضمير لتنوير الأبصار، ولكن روايته عن ابن نجيم باعتبار المسائل التي فيه مع قطع النظر عن صورته المشخصة كما أفاده ح، أو الضمير للعلم المذكور في قوله لقد أضحت روضة هذا العلم كما أفاده ط ‏(‏قوله‏:‏ عن ابن نجيم‏)‏ هو الشيخ زين بن إبراهيم بن نجيم وزين اسمه العلمي‏.‏ ترجمه النجم الغزي في الكواكب السائرة فقال‏:‏ هو الشيخ العلامة المحقق المدقق الفهامة زين العابدين الحنفي‏.‏ أخذ العلوم عن جماعة، منهم الشيخ شرف الدين البلقيني والشيخ شهاب الدين الشلبي والشيخ أمين الدين بن عبد العال وأبو الفيض السلمي‏.‏ وأجازه بالإفتاء والتدريس فأفتى ودرس في حياة أشياخه وانتفع به خلائق‏.‏ وله عدة مصنفات‏:‏ منها شرح الكنز والأشباه والنظائر‏.‏ وصار كتابه عمدة الحنفية ومرجعهم‏.‏ وأخذ الطريق عن الشيخ العارف بالله تعالى سليمان الخضيري، وكان له ذوق في حل مشكلات القوم‏.‏ قال العارف الشعراني‏:‏ صحبته عشر سنين‏.‏ فما رأيت عليه شيئا يشينه، وحججت معه في سنة ‏(‏953‏)‏ فرأيته على خلق عظيم مع جيرانه وغلمانه ذهابا وإيابا مع أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال‏.‏ وكانت وفاته سنة ‏(‏969‏)‏ كما أخبرني بذلك تلميذه الشيخ محمد العلمي‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومن تآليفه شرح على المنار ومختصر التحرير لابن الهمام وتعليقة على الهداية من البيوع وحاشية على جامع الفصولين‏.‏ وله الفوائد والفتاوى والرسائل الزينية‏.‏ ومن تلامذته أخوه المحقق الشيخ عمر بن نجيم صاحب النهر ‏(‏قوله‏:‏ بسنده‏)‏ أي حال كونه راويا ذلك بسنده، وقدمنا تمام السند ‏(‏قوله‏:‏ المصطفى‏)‏ من الصفوة‏:‏ وهو الخلوص‏.‏ والاصطفاء‏:‏ الاختيار، لأن الإنسان لا يصطفى إلا إذا كان خالصا طيبا، وقوله‏:‏ المختار بمعناه وهذان اسمان من أسمائه صلى الله عليه وسلم ‏(‏قوله‏:‏ كما هو‏)‏ حال من قوله بسنده ‏(‏قوله‏:‏ عن المشايخ‏)‏ متعلق بمحذوف حال من إجازتنا‏:‏ أي المروية عنهم أو بإجازاتنا لتضمنه معنى رواياتنا‏.‏ ومن جملة مشايخه القطب الكبير والعالم الشهير سيدي الشيخ أيوب الخلوتي الحنفي

‏(‏قوله‏:‏ في الدرر والغرر‏)‏ كلاهما لمنلا خسرو والدرر هو شرح الغرر ‏(‏قوله‏:‏ لم أعزه‏)‏ أي لم أنسبه، من عزا يعزو واسم المفعول منه معزو كمدعو بالتصحيح أرجح من معزي بالإعلال‏.‏ قال في الألفية‏:‏ وصحح المفعول من نحو عدا واعلله إن لم تتحر الأجودا ويروى بالوجهين قول الشاعر‏:‏

أنا الليث معديا عليه وعاديا ***

والثاني هو الجاري على ألسنة الفقهاء ‏(‏قوله‏:‏ ما زاد وعز نقله‏)‏ أي وما زاد على ما في الدرر والغرر وعز نقله في الكتب المتداولة عزوته لقائله‏.‏ وفي بعض النسخ‏:‏ وما زاد عن نقله، أي وما زاد عن المنقول في الدرر والغرر، فعن بمعنى على والمصدر بمعنى اسم المفعول ‏(‏قوله‏:‏ وما‏)‏ أي قصدا للاختصار علة لقوله لم أعزه، وفيه إشارة إلى كثرة نقله عن الدرر ومتابعته له كعادة المصنف في متنه وشرحه، وهو بذلك حقيق فإنه كتاب مبني على غاية التحقيق ‏(‏قوله‏:‏ ومأمولي‏)‏ من الأمل وهو الرجاء ‏(‏قوله‏:‏ من الناظر‏)‏ أي المتأمل‏.‏ قال الراغب‏:‏ النظر قد يراد به التأمل والتفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، واستعمال النظر في البصيرة أكثر عند الخاصة والعامة بالعكس ا هـ‏.‏ وتمامه في حاشية الحموي ‏(‏قوله‏:‏ فيه‏)‏ أي في شرحي هذا ‏(‏قوله‏:‏ بعين الرضا‏)‏ أي بالعين الدالة على الرضا، ولا ينظر بعين المقت، فإن من نظر بها تبين له الحق باطلا، كما قال الشاعر‏:‏

وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا

أو أنه شبه الرضا بإنسان له عين تشبيها مضمرا في النفس وذكر العين تخييل ط ‏(‏قوله‏:‏ والاستبصار‏)‏ السين والتاء زائدتان‏:‏ أي والإبصار، والمراد به التبصر والتأمل ط‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وأن يتلافى‏)‏ أي يتدارك‏.‏ في القاموس‏:‏ تلافاه تداركه ‏(‏قوله‏:‏ تلافه‏)‏ الذي في القاموس وجامع اللغة ولسان العرب‏:‏ التلف الهلاك، ولم يذكروا التلاف فليراجع‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ووقع التعبير به لغير الشارح كالإمام عمر بن الفارض قدس سره في قصيدته الكافية بقوله‏:‏ وتلافي إن كان فيه ائتلافي بك عجل به جعلت فداكا ويحتمل أن الألف إشباع وهو لغة قوم ط‏.‏ وفسر العلامة البوريني في شرحه على ديوان ابن الفارض التلاف بالتلف، وكذا قال سيدي عبد الغني النابلسي في شرحه عليه، وتلافي مصدر مضاف إلى المتكلم، ووقع في كلام الشعراء كثيرا، ومنه قول ابن عنين يخاطب بعض الملوك وكان مريضا‏:‏ انظر إلي بعين مولى لم يزل يولي الندى وتلاف قبل تلاف أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه فاغنم دعائي والثناء الوافي فجاءه الملك بألف دينار وقال له‏:‏ أنت الذي، وهذه الصلة، وأنا العائد ‏(‏قوله‏:‏ بقدر الإمكان‏)‏ متعلق بقوله يتلافى والإضافة بيانية‏:‏ أي إذا رأى فيه عيبا يتداركه بإمكانه، بأن يحمله على محمل حسن حيث أمكن، أو يصلحه بتغيير لفظه إن لم يمكن تأويله ‏(‏قوله‏:‏ أو يصغى‏)‏ في بعض النسخ بالواو‏:‏ أي يسمح ولا يفضح‏.‏ والصفح في الأصل‏:‏ الميل بصفحة العنق ثم أريد به مطلق الإعراض ‏(‏قوله‏:‏ ليصفح عنه إلخ‏)‏ لأن الجزاء من جنس العمل ‏(‏قوله‏:‏ الإسرار‏)‏ بكسر الهمزة مصدر أسر ليناسب الإضمار وإن احتمل أن يكون بفتحها جمع سر‏.‏ ا هـ‏.‏ ح، وعلى الأول فعطف الإضمار عليه عطف مرادف، وعلى الثاني عطف مغاير‏.‏ قال ط‏:‏ والأولى أن يقول بدل الإضمار الإظهار ليكون في كلامه صنعة الطباق، وهي الجمع بين لفظين متقابلي المعنى ‏(‏قوله‏:‏ ولعمري‏)‏ تقدم الكلام عليه، وهذه الفقرة وقعت في خطبة النهر ‏(‏قوله‏:‏ الخطر‏)‏ هو الإشراف على الهلاك، والمراد به هنا الشيء الشاق، وهو الخطأ والسهو المعبر عنه بالتلاف ‏(‏قوله‏:‏ يعز‏)‏ على وزن يقل أو يمل كما في القاموس، والمادة تأتي بمعنى العسر وبمعنى القلة وبمعنى الضيق وبمعنى العظمة كما أفاده في القاموس، وكل صحيح أفاده ط ‏(‏قوله‏:‏ البشر‏)‏ اسم جنس‏.‏ والبشر‏:‏ ظاهر البشرة، وهو ما ظهر من الجسد‏.‏ والجن‏:‏ ما اختفى من الاجتنان، وهو الاستتار ط

‏(‏قوله‏:‏ ولا غرو‏)‏ بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة مصدر غرا من باب عدا، بمعنى عجب بوزن فرح‏:‏ أي لا عجب‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏:‏ أي من عزة السلامة مما ذكر ‏(‏قوله‏:‏ فإن النسيان‏)‏ الفاء تعليلية‏:‏ أي لأن النسيان الذي هو سبب التلاف المتقدم ط‏.‏ وعرفه في التحرير بأنه عدم الاستحضار في وقت الحاجة، قال‏:‏ فشمل السهو لأن اللغة لا تفرق بينهما‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ من خصائص الإنسانية‏)‏ أي من الأمور الخاصة، بالحقيقة الإنسانية‏:‏ أي بأفرادها والياء للنسبة إلى المجرد عنها‏.‏ روي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي، وقال الشاعر‏:‏

لا تنسين تلك العهود فإنما *** سميت إنسانا لأنك ناسي

وقال آخر‏:‏

نسيت وعدك والنسيان مغتفر *** فاغفر فأول ناس أول الناس

وقيل لأنسه بأمثاله أو بربه تعالى، قال الشاعر‏:‏

وما سمي الإنسان إلا لأنسه *** ولا القلب إلا أنه يتقلب

‏(‏قوله‏:‏ والخطأ‏)‏ هو أن يقصد بالفعل غير المحل الذي يقصد به الجناية كالرمي إلى الصيد فأصاب آدميا تحرير‏.‏ وفي القاموس‏:‏ الخطأ ضد الصواب، ثم قال‏:‏ والخطأ ما لم يتعمد ‏(‏قوله‏:‏ من شعائر الآدمية‏)‏ الشعائر‏:‏ العلامات كما في القاموس ح‏.‏ قال في معراج الدراية‏:‏ وشرعا ما يؤدى من العبادات على سبيل الاشتهار كالأذان والجماعة والجمعة وصلاة العيد والأضحية‏.‏ وقيل هي ما جعل علما على طاعة الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏ قال ط‏:‏ وإنما عبر بها هنا وفيما تقدم بخصائص لأن النسيان من خصائص الإنسان، والخطأ والزلل يكون منه ومن غيره حتى من الملائكة كما وقع لإبليس بناء على أنه منهم ولهاروت وماروت على ما قيل، كقولهم ‏{‏أتجعل فيها من يفسد فيها‏}‏ وكنظر بعض الملائكة إلى مقامه في العبادة‏.‏ وأما الجن فذلك أكثر حالهم ‏(‏قوله‏:‏ وأستغفر الله‏)‏ أي أطلب منه ستر ذنبي، وكأنه أتى به لأن ما ذكره قبله فيه نوع تبرئة للنفس وهو مما لا ينبغي، بل الأولى هضم النفس بالخطأ والنسيان وإن كانا من لوازم الإنسان ‏(‏قوله‏:‏ مستعيذا‏)‏ حال من فاعل أستغفر‏.‏ والعوذ‏:‏ الالتجاء كالعياذ والمعاذة والتعوذ والاستعاذة‏.‏ والعوذ‏:‏ بالتحريك الملجأ كالمعاذ والعياذ قاموس ‏(‏قوله‏:‏ من حسد‏)‏ هو تمني زوال نعمة المحسود سواء تمنى انتقالها إليه أم لا‏.‏ ويطلق على الغبطة مجازا، وهي تمني مثل تلك النعمة من غير إرادة زوالها عن صاحبها وهو غير مذموم، بخلاف الأول لأنه يؤدي إلى الاعتراض على الله تعالى، ولذا قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» وسماه عليه الصلاة والسلام حالقة الدين لا حالقة الشعر‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن شر حاسد إذا حسد‏}‏‏.‏ - والحاسد ظالم لنفسه، حيث أتعب نفسه وأحزنها وأوقعها في الإثم، ولغيره حيث لم يحب له ما يحب لنفسه، ولذا قال أبو الطيب‏:‏ وأظلم أهل الأرض من كان حاسدا لمن بات في نعمائه يتقلب ‏(‏قوله‏:‏ يسد باب الإنصاف‏)‏ صفة تأكيدية، لأن حقيقة الحسد مشعرة بها، إذ الإنصاف هو الجري على سنن الاعتدال، والاستقامة على طريق الحق، وهذا الوصف لا يتأتى وجوده مع الحسد، والغرض من الإتيان بهذا الوصف التأكيدي النداء على كمال بشاعة الحسد وتقرير ذمه والتنفير عنه، ولا يخفى ما فيه من الاستعارة المكنية والتخييلية والترشيح ‏(‏قوله‏:‏ ويرد‏)‏ أي يصرف صاحبه عن جميل الأوصاف‏:‏ أي عن الاتصاف بالأوصاف الجميلة أو عن رؤيتها في المحسود فلا يرى الحاسد له جميلا، لما أن عين السخط تبدي المساويا، ورد يتعدى بنفسه ويتعدى بعن إلى مفعول ثان وإن لم يذكره في القاموس، فمن شواهد النحاة قول الشاعر‏:‏

أكفرا بعد رد الموت عني *** وبعد عطائك المائة الرتاعا

فافهم وهذه الفقرة بمعنى التي قبلها، وفي الفقرتين من أنواع البديع الترصيع، وهو أن يكون ما في إحداهما من الألفاظ أو أكثره مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن والتقفية‏.‏ والجناس اللاحق وهو اختلاف اللفظين المتجانسين في حرفين، غير متقاربين‏.‏ ولزوم ما لا يلزم، وهو هنا الإتيان بالصاد قبل الألف في الإنصاف والأوصاف، وقد أتى بهاتين الفقرتين المصنف في المنح وابن الشحنة في شرح الوهبانية، وسبقهما إلى ذلك ابن مالك في التسهيل ‏(‏قوله‏:‏ ألا‏)‏ أداة استفتاح يستفتح بها الكلام ‏(‏قول حسك‏)‏ بفتحتين‏:‏ شوك السعدان‏.‏ والسعدان‏:‏ نبت من أفضل مراعي الإبل كما في القاموس‏.‏ ح‏:‏ وهذا من التشبيه البليغ، فهو على حذف الأداة، أو تجري فيه استعارة على طريقة السعد ط‏:‏ وبين الحسد وحسك الجناس اللاحق أيضا ‏(‏قوله‏:‏ من تعلق به هلك‏)‏ يشير إلى وجه الشبه فإن الحسد إذا تعلق بإنسان أهلكه لأنه يأكل حسناته ط‏.‏ وظاهره أن الضمير في تعلق للحسد لا لمن، والأنسب إرجاعه لمن ‏(‏قوله‏:‏ وكفى للحاسد إلخ‏)‏ كفى فعل ماض، واللام في للحاسد زائدة في المفعول به على غير قياس وذما تمييز، وتمييز كفى غير محول عن شيء كما ذكره الدماميني في شرح التسهيل، ومثله‏:‏ امتلأ الكوز ماء، وآخر بالرفع فاعل كفى، ولم يزد الباء في فاعلها لأنه غير لازم بل غالب، بخلاف زيادتها في فاعل أفعل في التعجب فإنها لازمة؛ لكن قال الدماميني‏:‏ إن كان كفى بمعنى أجزأ وأغنى أو بمعنى وقى لم تزد الباء في فاعلها هكذا قيل، ولم أر من أفصح عن معنى كفى التي تغلب زيادة الباء في فاعلها‏.‏ وفي كلام بعضهم ما يشير إلى أنها قاصرة لا متعدية، وفي كلام بعضهم خلاف ذلك ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏ ووجه الذم أنه تعالى أسند إليه الشر وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه، وأي ذم أعظم من ذلك ‏(‏قوله‏:‏ في اضطرامه‏)‏ متعلق بكفى أو بمحذوف حال من الحاسد، أو في للتعليل كما في حديث‏:‏ «إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها» أو بمعنى مع كما في ‏{‏ادخلوا في أمم‏}‏ والاضطرام كما قال ح عن جامع اللغة‏:‏ اشتعال النار فيما يسرع اشتعالها فيه‏.‏ قال ط‏:‏ شبه شدة تحسره لفوات غرضه بالاشتعال ‏(‏قوله‏:‏ بالقلق‏)‏ هو بالتحريك‏:‏ الانزعاج قاموس ‏(‏قوله‏:‏ لله در الحسد‏)‏ في الرضي‏:‏ الدر في الأصل ما يدر‏:‏ أي ما ينزل من الضرع من اللبن ومن الغيم من المطر، وهو هنا كناية عن فعل الممدوح الصادر عنه؛ وإنما نسب فعله لله تعالى قصدا للتعجب منه، لأن الله تعالى منشئ العجائب، وكل شيء عظيم يريدون التعجب منه ينسبونه إليه تعالى ويضيفونه إليه؛ فمعنى لله دره ما أعجب فعله، وفي القاموس‏:‏ وقولهم ولله دره‏:‏ أي عمله كذا في حواشي الجامي للمولى عصام، ثم قال‏:‏ فقول الشرح يعني الجامي لله خيره بجعل الدر كناية عن الخير لا يوافق تحقيق اللغة‏.‏ ا هـ‏.‏ ابن عبد الرزاق ‏(‏قوله‏:‏ ما أعدله إلخ‏)‏ تعجب ثان متضمن لبيان منشإ التعجب‏.‏ وفي الرسالة القشيرية قال معاوية رضي الله عنه‏:‏ ليس في خلال الشر خلة أعدل من الحسد تقتل الحاسد غما قبل المحسود ا هـ‏.‏ لكن شرطه ما قال الشاعر‏:‏

دع الحسود وما يلقاه من كمده *** كفاك منه لهيب النار في كبده

إن لمت ذا حسد نفست كربته *** وإن سكت فقد عذبته بيده

وقال آخر وقد أجاد‏:‏

اصبر على كيد الحسود فإن صبرك يقتله *** النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

‏(‏قوله‏:‏ وما أنا إلخ‏)‏ البيت من المنظومة الوهبانية، قال شارحها العلامة عبد البر بن الشحنة‏:‏ الكيد الخديعة والمكر، والحسود فعول من الحسد فيه مبالغة في معنى الحاسد‏.‏ والآمن‏:‏ المطمئن، ولا جاهل عطف على الحسود، يعني ولا من كيد جاهل ويزري بفتح التحتية من زرى عليه‏:‏ إذا عابه واستهزأ به، وأنكر عليه ولم يعده شيئا أو تهاون به، ويجوز ضمها من أزرى‏.‏ قال في القاموس‏:‏ لكنه قيل وتزري وأزرى بأخيه‏:‏ أدخل عليه عيبا أو أمرا يريد أن يلبس عليه ولا يتدبر عطف عليه‏:‏ أي لا يتفكر في عواقب الأمور‏.‏ وسبب هذا البيت أنه ابتلي بما ابتليت به من حسد الحاسدين وكيد المعاندين، والله المسئول أن يجعل كيدهم في نحرهم، فبعضهم استكثره عليه والبعض قال إنه مسبوق إليه ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله‏:‏ هم يحسدوني‏)‏ أصله يحسدونني حذفت إحدى النونين تخفيفا‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ وشر أفعل تفضيل حذفت همزته لكثرة الاستعمال كما حذفت من خير وإثباتها لغة قليلة أو رديئة كما في القاموس، وكلهم بالجر تأكيد للناس لإفادة الشمول‏.‏ ولا يقال الكافر شر ممن لم يحسد فكيف يكون من لم يحسد شرا منه‏؟‏ لأنا نقول هو من جملة من لم يحسد، بل ليس له ما يحسد عليه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أيحسبون أنما نمدهم به‏}‏ الآية فافهم، فافهم‏.‏ وفي الناس بمعنى معهم، ويوما ظرف لعاش، وغيره بالنصب حال، وقد أتى الشارح بهذا البيت تبعا لابن الشحنة تسلية للنفس، فإن الحسد لا يكون إلا لذوي الكمال المتصفين بأكمل الخصال، وفي معناه ما ينسب إلى علي كرم الله وجهه‏:‏ إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام بي وبهم ما بي وما بهم ومات أكثرنا غيظا بما يجد ‏(‏قوله‏:‏ إذ لا يسود‏)‏ أي لا يصير ذا سؤدد وفخار، وأصله يسود كينصر نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها فسكنت الواو، وهذا علة لمفهوم وشر الناس، لأنه إذا كان شر الناس من لم يحسد نتج أن خيرهم من يحسد، وإنما كان ذلك سببا في سيادته، لأن المدح يترتب عليه الرياسة والسؤدد، والقدح فيه يترتب عليه الحلم والتحمل والصفح وذلك في السيادة أيضا‏.‏ ا هـ‏.‏ ط‏.‏ قلت‏:‏ والحسود أيضا سبب في السيادة من حيث إنه سبب لنشر ما انطوى من الفضائل كما قال القائل‏:‏ وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود ‏(‏قوله‏:‏ سيد‏)‏ أصله سيود اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، قيل إنه لا يطلق إلا على الله تعالى، لما روي «أنه عليه الصلاة والسلام لما قالوا له يا سيدنا، قال‏:‏ إنما السيد الله» وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «أنا سيد ولد آدم» وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وسيدا وحصورا‏}‏ وقيل لا يطلق عليه تعالى وعزي إلى مالك؛ وقيل يطلق عليه تعالى معرفا وعلى غيره منكرا‏.‏ والصحيح جوازه مطلقا، وهو في حقه تعالى بمعنى العظيم المحتاج إليه، وفي غيره بمعنى الشريف الفاضل الرئيس وتمامه في حاشية الحموي ‏(‏قوله‏:‏ بدون‏)‏ أي بغير، وهو أحد إطلاقات لها، وتأتي بمعنى المكان الأدنى وهو الأصل فيها ط ‏(‏قوله‏:‏ ودود‏)‏ هو كثير الحب قاموس ‏(‏قوله‏:‏ وحسود يقدح‏)‏ أي يطعن، ولا يخفى ما بين ودود وحسود من الطباق، وبين يمدح ويقدح من الجناس اللاحق ولزوم ما لا يلزم وما في ذلك من الترصيع ‏(‏قوله‏:‏ لأن من زرع‏)‏ تعليل لما استلزمه الكلام السابق، لأن قدح الحسود إذا كان سببا في زيادة المحسود الموجبة لكمده كان زرعه الحسد منتجا له المحن والبلايا‏.‏ والإحن‏:‏ جمع إحنة بالكسر فيهما، وهي الحقد كما في القاموس‏.‏ ا هـ‏.‏ ح، ويحتمل أنه تعليل لقوله سابقا ألا وإن الحسد حسك، من تعلق به هلك، فالمحصود الهلاك الموجود عند التعلق ط وتشبيه الحقد بما يزرع استعارة بالكناية وإثبات الزرع تخييل، وذكر الحصد ترشيح ‏(‏قوله‏:‏ فاللئيم يفضح‏)‏ من اللؤم بالضم ضد الكرم، يقال لؤم ككرم لؤما فهو لئيم جمعه لئام ولؤماء، ويقال فضحه كمنعه‏:‏ كشف مساويه، والإصلاح ضد الإفساد قاموس، وهذا مرتبط بقوله إذ لا يسود سيد إلخ؛ فاللئيم هو الحسود والكريم هو الودود، وفيه لف ونشر مشوش أو بقوله ومأمولي من الناظر فيه إلخ، ولو قال والكريم يصفح أو يسمح لكان أوضح

‏(‏قوله‏:‏ لكن يا أخي إلخ‏)‏ لما كان الإذن بالإصلاح مطلقا استدرك عليه بقوله بعد الوقوف وهو ظرف ليصلح كما أفاده ح‏:‏ أي يصلح بعد وقوفه واطلاعه على هذه الكتب لا بمجرد الخطور بالبال‏.‏ ويصح تعلقه بقوله وأن يتلافى تلافه‏.‏ ويحتمل تعلقه بقوله فصرفت عنان العناية نحو الاختصار‏:‏ أي إنما اختصرته بعد الوقوف على حقيقة الحال‏:‏ أي حال المسائل ومعرفة ضعيفها من قويها، ويدل له قوله‏:‏ مع تحقيقات سنح إلخ، ويدل للأول قوله‏:‏ ويأبى الله إلخ أفاده ط ‏(‏قوله‏:‏ على حقيقة الحال‏)‏ حقيقة الشيء‏:‏ ما به الشيء هو هو كالحيوان الناطق للإنسان، بخلاف مثل الضاحك والكاتب مما يمكن تصور الإنسان بدونه تعريفات السيد ‏(‏قوله‏:‏ كصاحب البحر‏)‏ هو العلامة الشيخ زين بن نجيم وتقدمت ترجمته ‏(‏قوله‏:‏ والنهر‏)‏ أي وكصاحب النهر، وهو العلامة الشيخ عمر سراج الدين الشهير بابن نجيم، الفقيه المحقق، الرشيق العبارة الكامل الاطلاع، كان متبحرا في العلوم الشرعية، غواصا على المسائل الغريبة، محققا إلى الغاية، وجيها عند الحكام، معظما عند الخاص والعام، توفي سنة خمس بعد الألف، ودفن عند شيخه وأخيه الشيخ زين محبي ملخصا، وله كتاب إجابة السائل في اختصار أنفع الوسائل وغير ذلك ‏(‏قوله‏:‏ والفيض‏)‏ أي وكصاحب الفيض وهو الكركي قال التميمي في طبقات الحنفية‏:‏ إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل الكركي الأصل، القاهري المولد والوفاة، لازم التقي الحصني والتقي الشمني، وحضر دروس الكافيجي، وأخذ عن ابن الهمام، وترجمه السخاوي في الضوء بترجمة حافلة، وذكر أنه جمع في الفقه فتاوى في مجلدين، وأن له حاشية على توضيح ابن هشام ا هـ‏.‏ ملخصا، وتوفي سنة ‏(‏923‏)‏ وأراد بالفتاوى الفيض المذكور المسمى فيض المولى الكريم على عبده إبراهيم، وقد قال في خطبته‏:‏ وضعت في كتابي هذا ما هو الراجح والمعتمد، ليقطع بصحة ما يوجد فيه أو منه يستمد ‏(‏قوله‏:‏ والمصنف‏)‏ تقدمت ترجمته ‏(‏قوله‏:‏ وجدنا المرحوم‏)‏ هو الشيخ محمد شارح الوقاية‏.‏ ا هـ‏.‏ ابن عبد الرزاق، ولم أقف له على ترجمة ‏(‏قوله‏:‏ وعزمي زاده‏)‏ هو العلامة مصطفى بن محمد الشهير بعزمي زاده، أشهر متأخري العلماء بالروم، وأغزرهم مادة في المنطوق والمفهوم، ذو التآليف الشهيرة، منها حاشية على الدرر والغرر وحاشية على شرح المنار لابن ملك، توفي في حدود سنة أربعين بعد الألف محبي ملخصا ‏(‏قوله‏:‏ وأخي زاده‏)‏ قال المحبي في تاريخه‏:‏ هو عبد الحليم بن محمد الشهير المعروف بأخي زاده أحد أفراد الدولة العثمانية وسراة علمائها، كان نسيجا وحده في ثقوب الذهن وصحة الإدراك والتضلع من العلوم‏.‏ وله تآليف كثيرة منها شرح على الهداية؛ وتعليقات على شرح المفتاح؛ وجامع الفصولين والدرر والغرر والأشباه والنظائر وتوفي سنة ثلاث عشرة بعد الألف ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وذكر ابن عبد الرزاق أن الذي في الخزائن أخي جلبي بدل أخي زاده، وهو صاحب حاشية صدر الشريعة المسماة بذخيرة العقبي واسمه يوسف بن جنيد، وهو تلميذ منلا خسرو‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ وسعدي أفندي‏)‏ اسمه سعد الله بن عيسى بن أمير خان الشهير بسعدي جلبي مفتي الديار الرومية، له حاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على العناية شرح الهداية، ورسائل وتحريرات معتبرة، ذكره حافظ الشام البدر الغزي العامري في رحلته، وبالغ في الثناء عليه والتميمي في الطبقات‏.‏ ونقل عن الشقائق النعمانية أنه توفي سنة ‏(‏945‏)‏ ‏(‏قوله‏:‏ والزيلعي‏)‏ هو الإمام فخر الدين أبو محمد عثمان بن علي صاحب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، قدم القاهرة سنة ‏(‏705‏)‏ وأفتى ودرس وصنف وانتفع الناس به كثيرا ونشر الفقه، ومات بها سنة ‏(‏743‏)‏ ‏(‏قوله‏:‏ والأكمل‏)‏ هو الإمام المحقق الشيخ أكمل الدين محمد بن محمود بن أحمد البابرتي‏.‏ ولد في بضع عشرة وسبعمائة‏.‏ وأخذ عن أبي حيان والأصفهاني، وسمع الحديث من الدلاصي وابن عبد الهادي، وكان علامة ذا فنون، وافر العقل، قوي النفس، عظيم الهيبة، أخذ عنه العلامة السيد الشريف والعلامة الفنري، وعرض عليه القضاء فامتنع‏.‏ له التفسير وشرح المشارق وشرح مختصر ابن الحاجب‏.‏ وشرح عقيدة الطوسي والعناية شرح الهداية وشرح السراجية، وشرح ألفية ابن معطي، وشرح المنار وشرح تلخيص المعاني، والتقرير شرح أصول البزدوي، توفي سنة ‏(‏786‏)‏ وحضر جنازته السلطان فمن دونه، ودفن بالشيخونية في مصر ‏(‏قوله‏:‏ والكمال‏)‏ هو الإمام المحقق حيث أطلق محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد السيواسي ثم السكندري كمال الدين بن الهمام ولد تقريبا سنة ‏(‏790‏)‏ وتفقه بالسراج قارئ الهداية وبالقاضي محب الدين بن الشحنة، لم يوجد مثله في التحقيق، وكان يقول أنا لا أقلد في المعقولات أحدا‏.‏ وقال البرهان الأبناسي وكأنه من أقرانه لو طلبت حجج الدين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره، وكان له نصيب وافر مما لأصحاب الأحوال من الكشف والكرامات، وكان تجرد أولا بالكلية، فقال له أهل الطريق ارجع، فإن للناس حاجة بعلمك، وكان يأتيه الوارد كما يأتي السادة الصوفية لكنه يقلع عنه بسرعة لمخالطته للناس، وشرح الهداية شرحا لا نظير له سماه فتح القدير، وصل فيه إلى أثناء كتاب الوكالة، وله كتاب التحرير في الأصول الذي لم يؤلف مثله وشرحه تلميذه ابن أمير حاج، وله المسايرة في العقائد، وزاد الفقير في العبادات‏.‏ توفي بالقاهرة سنة ‏(‏861‏)‏ وحضر جنازته السلطان فمن دونه كما في طبقات التميمي ملخصا ‏(‏قوله‏:‏ وابن الكمال‏)‏ هو أحمد بن سليمان بن كمال باشا، الإمام العالم العلامة الرحلة الفهامة‏.‏ كان بارعا في العلوم، وقلما أن يوجد فن إلا وله فيه مصنف أو مصنفات دخل إلى القاهرة صحبة للسلطان سليم لما أخذها من يد الجراكسة، وشهد له أهلها بالفضل والإتقان، وله تفسير القرآن العزيز، وحواش على الكشاف وحواش على أوائل البيضاوي وشرح الهداية لم يكمل والإصلاح والإيضاح في الفقه وتغيير التنقيح في الأصول وشرحه‏.‏ وتغيير السراجية في الفرائض وشرحه وتغيير المفتاح وشرحه وحواشي التلويح وشرح المفتاح، ورسائل كثيرة في فنون عديدة لعلها تزيد على ثلثمائة رسالة، وتصانيف في الفارسية وتاريخ آل عثمان بالتركية وغير ذلك، وكان في كثرة التآليف والسرعة بها وسعة الاطلاع في الديار الرومية كالجلال السيوطي في الديار المصرية‏.‏ وعندي أنه أدق نظرا من السيوطي وأحسن فهما، على أنهما كانا جمال ذلك العصر، ولم يزل مفتيا في دار السلطنة إلى أن توفي سنة ‏(‏940‏)‏‏.‏ ا هـ‏.‏ تميمي ملخصا ‏(‏قوله‏:‏ مع تحقيقات‏)‏ حال من ما حرره‏:‏ أي مصاحبا ما حرره هؤلاء الأئمة لتحقيقات ا هـ‏.‏ ح، والمراد بها حل المعاني العويصة، ودفع الإشكالات الموردة على بعض المسائل أو على بعض العلماء، وتعيين المراد من العبارات المحتملة ونحو ذلك وإلا فذات الفروع الفقهية لا بد فيها من النقل عن أهلها‏.‏ ‏(‏قوله‏:‏ سنح بها البال‏)‏ في القاموس‏:‏ سنح لي رأي كمنع سنوحا وسنحا وسنحا‏:‏ عرض وبكذا عرض ولم يصرح ا هـ‏.‏ فعلى الأول هو من باب القلب مثل أدخلت القلنسوة في رأسي والأصل سنحت‏:‏ أي عرضت بالبال أي في خاطري وقلبي، وعلى الثاني لا قلب؛ والمعنى عليه أن قلبي وخاطري عرض بها ولم يصرح، وهذا ما جرت عليه عادته رحمه الله تعالى من التعريض بالرموز الخفية كما يشير إليه قريبا ‏(‏قوله‏:‏ وتلقيتها‏)‏ أي أخذتها عن أشياخي عن فحول الرجال‏:‏ أي الرجال الفحول الفائقين على غيرهم‏.‏ في القاموس‏:‏ الفحل الذكر من كل حيوان، وفحول الشعراء الغالبون بالهجاء على من هاجاهم‏.‏ ا هـ‏.‏ قال ح‏:‏ وأورد أن بين الجملتين، تنافيا، فإن البال إذا ابتكر هذه التحقيقات جميعها فكيف يكون متلقيا لها جميعها عن فحول الرجال‏؟‏ وقد يجاب بأنه على تقدير مضاف‏:‏ أي سنح ببعضها البال وتلقيت بعضها عن فحول الرجال ا هـ‏.‏ أي فهو على حد قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن الجبال جدد بيض وحمر‏}‏ ‏(‏قوله‏:‏ ويأبى الله العصمة إلخ‏)‏ أبى الشيء يأباه ويأبيه إباء وإباءة بكسرهما كرهه قاموس‏.‏ وهذا اعتذار منه رحمه الله تعالى‏:‏ أي إن هذا الكتاب وإن كان مشتملا على ما حرره المتأخرون وعلى التحقيقات المذكورة لكنه غير معصوم‏.‏ أي غير ممنوع من وقوع الخطأ والسهو فيه‏.‏ فإن الله تعالى لم يرض، أو لم يقدر العصمة لكتاب غير كتابه العزيز الذي قال فيه ‏{‏لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏}‏ فغيره من الكتب قد يقع فيه الخطأ والزلل، لأنها من تآليف البشر والخطأ والزلل من شعارهم‏.‏