فصل: فصل في البئر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


فصل في البئر

لما ذكر تنجس الماء القليل بوقوع نجس فيه حتى يراق كله أردفه ببيان مسائل الآبار؛ لأن منها ما يخالف ذلك لابتنائها على متابعة الآثار دون القياس‏.‏ قال في الفتح‏:‏ فإن القياس إما أن لا تطهر أصلا كما قال شر لعدم الإمكان لاختلاط النجاسة بالأوحال والجدران والماء ينبع شيئا فشيئا، وإما أن لا تتنجس حيث تعذر الاحتراز أو التطهير، كما نقل عن محمد أنه قال‏:‏ اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف أن ماء البئر في حكم الجاري؛ لأنه ينبع من أسفل ويؤخذ من أعلاه فلا ينجس كحوض الحمام‏.‏ قلنا‏:‏ وما علينا أن ننزح منها دلاء أخذا بالآثار، ومن الطريق أن يكون الإنسان في يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كالأعمى في يد القائد‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم ذكر بعده الآثار الواردة بأسانيدها فراجعه‏.‏ وفي البحر عن النووي‏:‏ البئر مؤنثة مهموزة، ويجوز تخفيفها من بأرت أي حفرت وجمعها في القلة أبؤر وأبآر بهمزة بعد الباء فيهما، ومن العرب من يقلب الهمزة في أبآر وينقلها فيقول آبار وجمعها في الكثرة بئر بكسر فهمزة‏.‏ ‏(‏قوله ليست بحيوان‏)‏ قيد بذلك؛ لأن المصنف بين أحكام الحيوان بخصوصه وفصلها ‏(‏قوله ولو مخففة‏)‏؛ لأن أثر التخفيف وهو العفو عما دون الربع لا يظهر في الماء، وأفاد ط أنه لو أصاب هذا الماء ثوبا فالظاهر أنه لا تعتبر هذه النجاسة بالمخففة ‏(‏قوله أو قطرة بول‏)‏ أي ولو بول مأكول اللحم كما مر وسيأتي استثناء ما لا يمكن الاحتراز عنه كبول الفأرة ‏(‏قوله لم يشمع‏)‏ أي لم يجعل في محل القطع منه الذي لا ينفك عن بلة نجسة ما يمنع إصابة الماء كشمع ونحوه‏.‏ ‏(‏قوله ففيه ما في الفأرة‏)‏ نقله في البحر عن السراج، أي فالواجب فيه نزح عشرين دلوا ما لم ينتفخ أو يتفسخ ‏(‏قوله على ما مر‏)‏ أي من أن المعتبر فيه أكبر رأي المبتلى به أو ما كان عشرا في عشر ‏(‏قوله على المعتمد‏)‏ مقابله ما مر من أنه لو كان عمقها عشرة في عشرة فهي في حكم الكثير، وقدمنا أن تصحيح هذا القول غريب مخالف لما أطلقه الجمهور، ولذا قال في البحر‏:‏ لا يخفى أن هذا التصحيح لو ثبت لانهدمت مسائل أصحابنا المذكورة في كتبهم‏.‏ ا هـ‏.‏ وما قواه به المقدسي رده نوح أفندي ‏(‏قوله ولو فأرة يابسة على المعتمد‏)‏ وما في خزانة الفتاوى من أنها لا تنجس البئر؛ لأن اليبس دباغة ضعيف كما في البحر وأوضحه في الحلية ‏(‏قوله النظيف‏)‏ أي من نجاسة ودم سائل كما في الحلية وسيأتي في النجاسات أنه يعفى عن دم الشهيد مادام عليه، ومفاده أنه لو كان عليه دم لا ينجس الماء، ولذا قال في الخانية‏:‏ ولو وقع الشهيد في الماء القليل لا يفسده إلا إذا سال منه الدم‏.‏ ا هـ‏.‏ لكن الظاهر أن معناه أنه لو خرج منه دم سائل ينجس الماء احترازا عما إذا كان ما خرج منه ليس فيه قوة السيلان، وليس معناه أنه سال منه الدم في الماء تأمل، نعم ينبغي تقييد التنجيس بما عليه مما فيه قوة السيلان بما إذا تحلل في الماء، أما لو لم ينفصل عنه فلا ينجس تأمل ‏(‏قوله والمسلم المغسول‏)‏ أما قبل غسله فنصوا على أنه يفسد الماء القليل ولا تصح صلاة حامله، وبذلك استدل في المحيط على أن نجاسة الميت نجاسة خبث؛ لأنه حيوان دموي فينجس بالموت كغيره من الحيوانات لا نجاسة حدث وصححه في الكافي، ونسبه في البدائع إلى عامة المشايخ كما في جنائز البحر‏.‏ أقول‏:‏ وهذا يؤيد ما حملنا عليه كلام محمد في الأصل من أن غسالة الميت نجسة؛ ويضعف ما مر من تصحيح أنها مستعملة فافهم ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي غسل أو لا‏.‏ وفي جنائز البحر‏:‏ واتفقوا على أن الكافر لا يطهر بالغسل، أنه لا تصح صلاة حامله بعده‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وهذا مؤيد أيضا للقول بأن نجاسة الميت للخبث لا للحدث، ومؤيد لما قلناه آنفا فافهم ‏(‏قوله كسقط‏)‏ أطلقه تبعا للبحر والقهستاني‏.‏ وقيده في الخانية بما إذا لم يستهل قال‏:‏ فإنه يفسد الماء القليل وإن غسل، أما إذا استهل فحكمه حكم الكبير إن وقع بعدما غسل لا يفسد ا هـ‏.‏ وعلى هذا حكم صلاة حامله كما في الخانية أيضا، وفيها أيضا البيضة الرطبة أو السخلة إذا وقعت من الدجاجة أو الشاة في الماء لا تفسده‏.‏ ا هـ‏.‏ فافهم ‏(‏قوله لما مر‏)‏ أي في باب المياه من أن غير الدموي كزنبور وعقرب لا يفسد الماء وكذا مائي المولد كسمك وسرطان فهو تعليل للقيدين فافهم ‏(‏قوله وانتفخ‏)‏ أي تورم وتغير عن صفة الحيوان قهستاني، وقوله أو تمعط‏:‏ أي سقط شعره، وقوله أو تفسخ‏:‏ أي تفرقت أعضاؤه عضوا عضوا، ولا فرق بين الصغير والكبير كالفأرة والآدمي والفيل؛ لأنه تنفصل بلته وهي نجسة مائعة، فصارت كقطرة خمر، ولهذا لو وقع ذنب فأرة ينزح الماء كله بحر، وبه ظهر أنه لو جرح الحيوان بلا تفسخ ونحوه ينزح الجميع كما في الفتح وإن قطعة منه كتفسخه، ولهذا قال في الخانية‏:‏ قطعة من لحم الميتة تفسده ‏(‏قوله ينزح كل مائها‏)‏ أي دون الطين لورود الآثار بنزح الماء، لكن لا يطين المسجد بطينها احتياطا بحر ‏(‏قوله الذي كان فيها وقت الوقوع‏)‏ فلو زاد بعده قبل النزح لا يجب نزح الزائد وهو أحد قولين وسيأتي اعتبار وقت النزح، وعليه فيجب نزح الزائد ويأتي تمامه‏.‏ بقي لو لم يكن فيه القدر الواجب وقت الوقوع ثم زاد وبلغه هل يعتبر وقت الوقوع أيضا‏؟‏ ظاهر كلامه نعم، وقد ذكر في البحر أنه لو بلغه بعد النزح لا ينزح منه شيء ‏(‏قوله بعد إخراجه‏)‏ إذ النزح قبله لا يفيد؛ لأن الواقع سبب للنجاسة ومع بقائه لا يمكن الحكم بالطهارة بحر ‏(‏قوله إلا إذا تعذر إلخ‏)‏ كذا في السراج‏.‏ واعترضه في البحر بأن هذا إنما يستقيم فيما إذا كانت البئر معينا لا تنزح وأخرج منها المقدار المعروف، أما إذا كانت غير معين فإنه لا بد من إخراجها لوجوب نزح جميع الماء‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ قد يتعذر الإخراج وإن كان الواجب نزح الجميع؛ لأن الواجب الإخراج قبل النزح لا بعده كما علمته ‏(‏قوله متنجسة‏)‏ نعت لكل من الخشبة والخرقة، وإنما أفرده للعطف بأو التي هي لأحد الشيئين، وأشار بقوله متنجسة إلى أنه لا بد من إخراج عين النجاسة كلحم ميتة وخنزير‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ فلو تعذر أيضا ففي القهستاني عن الجواهر‏:‏ لو وقع عصفور فيها فعجزوا عن إخراجه فمادام فيها فنجسة فتترك مدة يعلم أنه استحال وصار حمأة، وقبل مدة ستة أشهر‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فبنزح‏)‏ بالباء الموحدة متعلق بيطهر بعده ط ‏(‏قوله يطهر الكل‏)‏ أي من الدلو والرشاء والبكرة ويد المستقي تبعا؛ لأن نجاسة هذه الأشياء بنجاسة البئر فتطهر بطهارتها للحرج كدن الخمر يطهر تبعا إذا صار خلا وكيد المستنجي تطهر بطهارة المحل وكعروة الإبريق إذا كان في يد المستنجي نجاسة رطبة فجعل يده عليها كلما صب على اليد فإذا غسل اليد ثلاثا طهرت العروة بطهارة اليد بحر ‏(‏قوله خلاصة‏)‏ ومثله في الخانية، وهو مبني على أنه لا يشترط التوالي وهو المختار كما في البحر والقهستاني ‏(‏قوله وليس بنجس العين إلخ‏)‏ أي بخلاف الخنزير، وكذا الكلب على القول الآخر فإنه ينجس البئر مطلقا، وبخلاف المحدث فإنه يندب فيه نزح أربعين كما يذكره، وبخلاف ما إذا كان على الحيوان خبث أي نجاسة وعلم بها فإنه ينجس مطلقا‏.‏ قال في البحر‏:‏ وقيدنا بالعلم؛ لأنهم قالوا في البقر ونحوه يخرج حيا لا يجب نزح شيء وإن كان الظاهر اشتمال بولها على أفخاذها، لكن يحتمل طهارتها بأن سقطت عقب دخولها ماء كثير مع أن الأصل الطهارة‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في الفتح ‏(‏قوله لم ينزح شيء‏)‏ أي وجوبا؛ لما في الخانية‏:‏ لو وقعت الشاة وخرجت حية ينزح عشرون دلوا لتسكين القلب لا للتطهير، حتى لو لم ينزح وتوضأ جاز، وكذا الحمار والبغل لو خرج حيا ولم يصب فمه الماء، وكذا ما يؤكل لحمه من الإبل والبقر والغنم والطيور والدجاجة المحبوسة ا هـ‏.‏ ومثله في مختارات النوازل ‏(‏قوله كذا في الخانية‏)‏ أقول‏:‏ لم أره في الخانية، وإنما الذي فيها أنه ينزح في البغل والحمار جميع الماء إذا أصاب فمه الماء، وكذا في البحر معزيا إليها وإلى غيرها؛ ومثله في الدرر، وعزاه شارحها إلى المبتغى، وكذا في البدائع والقهستاني والإمداد والحاوي القدسي ومختارات النوازل والبزازية وغيرها‏.‏ وقال في المنية‏:‏ كذا روي عن أبي يوسف، وقال شارحها الحلبي‏:‏ ولم يرو عن غيره خلافه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتح‏:‏ وإن أدخل فمه الماء نزح الكل في النجس، وكذا تظافر كلامهم في المشكوك‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الجوهرة‏:‏ وكذا كل ما سؤره نجس أو مشكوك يجب نزح الكل‏.‏ وفي السراج‏:‏ وسؤر البغل والحمار ينزح كل الماء؛ لأنه لم يبق طهورا، وكذا علله في الحلية بقوله لصيرورة الماء مشكوكا، وهو غير محكوم بطهوريته على ما هو الأصح، بخلاف المكروه فإنه غير مسلوب الطهورية‏.‏ ومثله في الفتح، لكن في البحر عن المحيط‏:‏ لو وقع سؤر الحمار في الماء يجوز التوضؤ به ما لم يغلب عليه؛ لأنه طاهر غير طهور كالماء المستعمل عند محمد‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكنه خلاف ما تظافر عليه كلامهم كما علمت وإن مشى عليه الشارح فيما سيأتي في الأسآر وسننبه عليه‏.‏ والحاصل أنه إذا أصاب فم الحمار الماء صار مشكوكا فينزح الكل كالذي سؤره نجس‏.‏ قال في شرح المنية لاشتراكهما في عدم الطهورية وإن افترقا من حيث الطهارة، فإذا لم ينزح ربما يتطهر به أحد، والصلاة به وحده غير مجزئة فينزح كله‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في الحلية‏:‏ وهذا بخلاف ما إذا لم يصب فمه الماء، فإن الصحيح أنه لا يصير الماء مشكوكا فيه كما في التحفة، وإنما ينزح منه عشرون دلوا كالشاة كما في الخانية‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وبه يظهر أن قول النهر لكن في الخانية الصحيح أنه في البغل والحمار لا يصير مشكوكا، فلا يجب نزح شيء، نعم يندب نزح عشرة، وقيل نزح عشرين منشؤه اشتباه حالة وصول فمه الماء بحالة عدم الوصول، وتبعه الشارح فتنبه، ثم رأيت شيخ مشايخنا الرحمتي نبه على ذلك كما ذكرته‏.‏ ‏(‏قوله كآدمي محدث‏)‏ أي أنه ينزح فيه أربعون كما عزاه في التتارخانية إلى فتاوى الحجة، ثم عزا إلى الغياثية أنه ينزح فيه الجميع‏.‏ وفي شرح الوهبانية‏:‏ والتحقيق النزح للجميع عند الإمام، والثاني على القول بنجاسة الماء المستعمل؛ وقيل أربعون عنده‏.‏ ومذهب محمد أنه يسلبه الطهورية، وهو الصحيح عند الشيخين، فينزح منه عشرون ليصير طهورا، وتمامه فيه، والمراد بالمحدث ما يشمل الجنب‏.‏ واستشكل في البدائع نزح العشرين بأن الماء المستعمل طاهر فلم يضر ما لم يغلب على المطلق كسائر المائعات، ثم قال‏:‏ ويحتمل أن يقال طهارته غير مقطوع بها للخلاف فيها، بخلاف سائر المائعات فينزح أدنى ما ورد به الشرع وذلك عشرون احتياطا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذه المسألة تؤيد القول بعدم الفرق بين الملقي والملاقي في الماء المستعمل، وأن المستعمل ما لاقى الأعضاء فقط ولا يشيع في جميع ماء البئر، وإلا لوجب نزح الجميع؛ لأنه إذا وجب نزحه في المشكوك في طهوريته ففي المستعمل المحقق عدم طهوريته بالأولى، وتؤيد ما قاله صاحب البحر من أن الفروع التي استدل بها القائلون باستعمال كل الماء مبنية على رواية نجاسة الماء المستعمل، والله أعلم‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

نقل في الذخيرة عن كتاب الصلاة للحسن أن الكافر إذا وقع في البئر وهو حي نزح الماء‏.‏ وفي البدائع أنه رواية عن الإمام؛ لأنه لا يخلو من نجاسة حقيقية أو حكمية، حتى لو اغتسل فوقع فيها من ساعته لا ينزح منها شيء‏:‏ أقول‏:‏ ولعل نزحها للاحتياط تأمل ‏(‏قوله؛ لأن في بولها شكا‏)‏ وقد مر أنهم لم يعتبروا احتمال النجاسة في الشاة ونحوها، ثم هذا الجواب بناء على القول بأن بول الهرة والفأرة ينجس البئر، وفيه كلام يأتي ‏(‏قوله وإن تعذر‏)‏ كذا عبر في الهداية وغيرها‏.‏ وقال في شرح المنية‏:‏ أي بحيث لا يمكن إلا بحرج عظيم ا هـ‏.‏ فالمراد به التعسر، وبه عبر في الدرر ‏(‏قوله لكونها معينا‏)‏ القياس معينة؛ لأن البئر مؤنث سماعي إلا أنهم ذكروها حملا على اللفظ، أو؛ لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث‏.‏ أو على تقدير ذات معين وهو الماء يجري على وجه الأرض‏.‏ ا هـ‏.‏ حلية، وليس المراد أنها جارية لما يأتي، بل كما قال في البحر إنهم كلما نزحوا نبع منها مثل ما نزحوا أو أكثر ‏(‏قوله وقت ابتداء النزح قاله الحلبي‏)‏ أي في شرح المنية معزيا إلى الكافي، وقيل وقت وقوع النجاسة وهو ما قدمه الشارح عن ابن الكمال، وعليه جرى ابن الكمال هنا أيضا ومثله في الإمداد ويشير إليه قول الهداية ينزح مقدار ما كان فيها‏.‏ وفي التتارخانية عن المحيط‏:‏ لو زاد قبل النزح، فقيل ينزح مقدار ما كان فيها وقت الوقوع، وقيل وقت النزح‏:‏ قال في الخانية‏:‏ وثمرة ذلك فيما إذا نزح البعض ثم وجده في الغد أكثر مما ترك، فقيل ينزح الكل، وقيل مقدار ما بقي عند الترك هو الصحيح‏.‏ قال في شرح المنية‏:‏ هذه الثمرة بناء على اعتبار وقت النزح لا وقت الوقوع، فعلم أن الصحيح ما في الكافي‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ فيه بحث، بل الثمرة على القولين؛ لأن المراد أنها ثمرة الخلاف فالظاهر أن ما في الخانية تصحيح للقول باعتبار وقت الوقوع؛ لأن حاصل الخلاف أنه هل يجب نزح الزائد على ما كان وقت الوقوع أو لا، فالقائل بأن المعتبر وقت النزح أراد أنه يجب نزح ما زاد سواء كانت الزيادة قبل ابتداء النزح أو قبل انتهائه فنبه في الخانية على صورة الزيادة قبل انتهاء النزح لخفائها، وصرح بأن الصحيح نزح مقدار ما بقي وقت الترك‏:‏ أي فلا يجب نزح الزائد، فهذا تصحيح للقول باعتبار وقت الوقوع، وأنه لا يجب نزح ما زاد بعده، فعلم أنه تصحيح لخلاف ما في الكافي‏.‏ هذا ما ظهر لي فتدبر‏.‏ه ‏(‏قوله بقول رجلين إلخ‏)‏ فإن قالا إن ما فيها ألف دلو مثلا نزح كذا في شرح المنية ‏(‏قوله به يفتى‏)‏ وهو الأصح كافي ودرر، وهو الصحيح؛ وعليه الفتوى‏.‏ ابن كمال‏:‏ وهو المختار معراج، وهو الأشبه بالفقه هداية، أي الأشبه بالمعنى المستنبط من الكتاب والسنة؛ لأن الأخذ بقول الغير فيما لم يشتهر من الشرع فيه تقدير‏:‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» كما في أجزاء الصيد والشهادة عناية‏.‏ ‏(‏قوله وقيل إلخ‏)‏ جزم به في الكنز والملتقى، وهو مروي عن محمد وعليه الفتوى خلاصة وتتارخانية عن النصاب وهو المختار معراج عن العتابية، وجعله في العناية رواية عن الإمام وهو المختار والأيسر كما في الاختيار، وأفاد في النهر أن المائتين واجبتان والمائة الثالثة مندوبة، فقد اختلف التصحيح والفتوى‏.‏ وضعف هذا القول في الحلية وتبعه في البحر بأنه إذا كان الحكم الشرعي نزح الجميع فالاقتصار على عدد مخصوص يتوقف على دليل سمعي يفيده‏.‏ وأين ذلك بل المأثور عن ابن عباس وابن الزبير خلافه حين أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم وأسانيد ذلك الأثر مع دفع ما أورد عليها مبسوطة في البحر وغيره‏.‏ قال في النهر‏:‏ وكأن المشايخ إنما اختاروا ما عن محمد لانضباطه كالعشر تيسيرا كما مر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن مروياتي أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار، على أنهم قالوا‏:‏ إن محمدا أفتى بما شاهد في آبار بغداد فإنها كثيرة الماء وكذا ما روي عن الإمام من نزح مائه في مثل آبار الكوفة لقلة مائها فيرجع إلى القول الأول؛ لأنه تقدير ممن له بصارة وخبرة بالماء في تلك النواحي لا لكون ذلك لازما في آبار كل جهة، والله أعلم‏.‏ ‏(‏قوله وذاك‏)‏ أي ما في المتن أحوط للخروج عن الخلاف ولموافقته للآثار ‏(‏قوله طهرت‏)‏ أي إذا لم يظهر أثر النجاسة ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي في قوله ويجوز بجار وقعت فيه نجاسة ‏(‏قوله وسيجيء‏)‏ أي بعد أسطر‏.‏

‏(‏قوله فإن أخرج الحيوان‏)‏ أي الميت ‏(‏قوله كآدمي‏)‏ أي مما عادله في الجثة كالشاة والكلب كما في البحر ‏(‏قوله وكذا سقط إلخ‏)‏ أفاد أن ما ذكروا فيه نزحا مقدرا لا فرق بين كبيرة وصغيرة، لكن قال الشيخ إسماعيل‏:‏ وأما ولد الشاة إذا كان صغيرا فكالسنور كما تشعر به عباراتهم كما في البرجندي‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا قال ولده سيدي عبد الغني‏.‏ الظاهر أن الآدمي إذا خرج من أمة صغيرا أو كان سقطا فهو كالسنور؛ لأن العبرة بالمقدار في الجثة لا في الاسم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن قدمنا عن الخانية أن السقط إن استهل فحكمه كالكبير إن وقع في الماء بعدما غسل لا يفسده، وإن لم يستهل أفسد وإن غسل، وتقدم أيضا أن ذنب الفأرة لو شمع ففيه ما في الفأرة، ثم رأيت في القهستاني قال‏:‏ فلو وقع فيها سقط ينزح كل الماء‏.‏ وعن أبي حنيفة أن الجدي كالشاة‏.‏ وعنه أنه والسخلة كالدجاجة كما في الزاهدي‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلم أن في الجدي روايتين‏:‏ والظاهر أن مثله السخلة وهي ولد الشاة، وإلحاق السقط بالكبير يؤيد الأولى منهما، وتقييد الشارح الإوز بالكبير تبعا للخلاصة وقال فيها‏:‏ أما الصغير فكالحمامة يؤيد الثانية‏.‏ وفي السراج أن الإوزة عند الإمام كالشاة في رواية وكالسنور في أخرى‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وهذا المقام يحتاج إلى تحرير وتدبر، فاعلم أن المأثور كما ذكره أئمتنا هو نزح الكل في الآدمي والأربعين في الدجاجة والعشرين في الفأرة فلذا كانت المراتب ثلاثة كما سنذكره‏.‏ وعن هذا أورد في المستصفى أن مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار، والنص ورد في الفأرة والدجاجة والآدمي فكيف يقاس ما عدلها بها، ثم أجاب بأنه بعدما استحكم هذا الأصل صار كالذي ثبت على وفق القياس في حق التفريع عليه‏.‏ واعترضه في البحر بأنه ظاهر في أن فيه للرأي مدخلا وليس كذلك‏.‏ وقال‏:‏ فالأولى أن يقال إنه إلحاق بطريق الدلالة لا بالقياس كما اختاره في المعراج‏.‏ ا هـ‏.‏ إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما ورد بالنص من الثلاثة المذكورة لم يفرق بين صغيره وكبيره في ظاهر الرواية وقوفا مع النص، ولهذا لم يختلفوا في السقط بخلاف ما ألحق بذلك كالشاة والإوزة، فإنه قد يقال إن صغيره ككبيره أيضا تبعا للملحق به‏:‏ وقد يقال بالفرق اعتبارا للجثة، فلذا وقع فيه الاختلاف، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم فاغتنمه ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي بأن يقال العشرون للوجوب والزائد للندب‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ظاهر اقتصار المصنف على ما ذكره يفيد أن المراتب ثلاث؛ لأنها الواردة في النص كما قدمناه‏.‏ وروى الحسن عن الإمام أن في القراد الكبير والفأرة الصغيرة عشر دلاء، وأن في الحمامة ثلاثين بخلاف الهرة فالمراتب خمس، لكن الذي في المتون هو الأول وهو ظاهر الرواية كما في البحر والقهستاني ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي نزح الأربعين أو العشرين لتطهير البئر ‏(‏قوله بخلاف نحو صهريج وحب إلخ‏)‏ الصهريج‏:‏ الحوض الكبير يجتمع فيه الماء قاموس‏.‏ والحب‏:‏ أي بضم الحاء المهملة الخابية الكبيرة صحاح، وأراد بذلك الرد على من أفتى بنزح عشرين في فأرة وقعت في صهريج، كما نقله في النهر عن بعض أهل عصره متمسكا بما اقتضاه إطلاقهم من عدم الفرق بين المعين وغيرها‏:‏ ورده في النهر تبعا للبحر بما في البدائع والكافي وغيرهما من أن الفأرة لو وقعت في الحب يهراق الماء كله‏.‏ قال‏:‏ ووجهه أن الاكتفاء بنزح البعض في الآبار على خلاف القياس بالآثار فلا يلحق بها غيرها، ثم قال‏:‏ وهذا الرد إنما يتم بناء على أن الصهريج ليس من مسمى البئر في شيء ا هـ‏.‏ أي فإذا ادعى دخوله في مسمى البئر لا يكون مخالفا للآثار، ويؤيده ما قدمناه من أن البئر مشتقة من بأرت‏:‏ أي حفرت‏.‏ والصهريج‏:‏ حفرة في الأرض لا تصل اليد إلى مائها، بخلاف العين والحب والحوض، وإليه مال العلامة المقدسي فقال‏:‏ ما استدل به في البحر لا يخفى بعده، وأين الحب من الصهريج لا سيما الذي يسع ألوفا من الدلاء‏.‏ ا هـ‏.‏ لكنه خلاف ما في النتف ‏(‏قوله يهراق الماء كله‏)‏ أقول‏:‏ وهل يطهر بمجرد ذلك أم لا بد من غسله بعده ثلاثا‏:‏ والظاهر الثاني، ثم رأيته في التتارخانية قال ما نصه‏:‏ وفي فتاوى الحجة سئل عبد الله بن المبارك عن الحب المركب في الأرض تنجس، قال‏:‏ يغسل ثلاثا، ويخرج الماء منه كل مرة فيطهر، ولا يقلع الحب‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ونحوه في النتف‏)‏ مقول القول‏:‏ أي نحو ما في البحر والنهر‏.‏ قال ابن عبد الرزاق‏:‏ ولم أره في كتاب النتف‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ رأيت في النتف ما نصه‏:‏ وأما البئر فهي التي لها مواد من أسفلها‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لها مياه تمدها وتنبع من أسفلها، ولا يخفى أنه على هذا التعريف يخرج الصهريج والحب والآبار التي تملأ من المطر أو من الأنهار، فهو مثل ما في البحر والنهر‏.‏ ‏(‏قوله ونقل‏)‏ أي المصنف، وهو تأييد لما أفتى به ذلك العصري ‏(‏قوله أن حكم الركية إلخ‏)‏ الركية على وزن عطية قال ح‏:‏ هي البئر كما في القاموس، لكن في العرف هي بئر يجتمع ماؤها من المطر‏.‏ ا هـ‏.‏‏:‏ أي فهي بمعنى الصهريج ‏(‏قوله عليه‏)‏ أي وبناء على ما نقله عن القنية والفوائد ‏(‏قوله والزير الكبير‏)‏ أي الذي هو بمعنى الحب المذكور في الفوائد‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الزير بالكسر الدن‏.‏ والدن بالفتح‏:‏ الراقود العظيم أو أطول من الحب أو أصغر، له عسعس أي ذنب لا يقعد إلا أن يحفر له ‏(‏قوله ينزح، منه كالبئر‏)‏ أي فيقتصر في الحمامة على أربعين، وفي الفأرة على عشرين‏.‏ أقول‏:‏ وهذا مسلم في الصهريج دون الزير لخروجه عن مسمى البئر، وكون أكثره مطمورا‏:‏ أي مدفونا في الأرض لا يدخله فيه لا عرفا ولا لغة كما قدمناه؛ وما في الفوائد معارض بإطلاق ما مر عن البدائع والكافي وغيرهما، وفرق ظاهر بينه وبين الصهريج كما قدمناه عن المقدسي فافهم‏.‏ وقال المصنف في منظومته ‏[‏تحفة الأقران‏]‏‏:‏ مطمورة أكثرها في الأرض كالبئر في النزح وهذا مرضي قال به بعض أولي الأبصار وليس مرضيا لدى الكبار فإن نزح البعض مخصوص بما في البئر عند جمع جل العلما ‏(‏قوله وهو دلو تلك البئر‏)‏ هذا هو ظاهر الرواية كما في البحر، وقيده محشيه الرملي بما إذا لم يكن دلوها المعتاد كبيرا جدا فلا يجب العدد المذكور‏.‏ قال‏:‏ وهو الذي يقتضيه نظر الفقيه‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم إن الشارح قد تبع صاحب البحر في تفسيره الوسط بذلك، وفيه نظر؛ لأنه قول آخر وبه يشعر كلام الزيلعي وغيره‏.‏ وفي البدائع‏:‏ اختلف في الدلو، فقيل المعتبر دلو كل بئر يستقي به منها صغيرا كان أو كبيرا، وروي عن أبي حنيفة أنه قدر صاع، وقيل المعتبر هو المتوسط بين الصغير والكبير‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله صغيرا كان أو كبيرا ربما يخالف ما بحثه الرملي تأمل ‏(‏قوله فإن لم يكن إلخ‏)‏ أي هذا إن كان لها دلو، فإن لم يكن فالمعتبر دلو يسع صاعا، وهذا التفصيل استظهره في البحر‏.‏ وقال هو ظاهر ما في الخلاصة وشرح الطحاوي والسراج ‏(‏قوله وغيره‏)‏ أي غير الدلو المذكور بأن كان أصغر أو أكبر يحتسب به، فلو نزح القدر الواجب بدلو واحد كبير أجزأ، وهو ظاهر المذهب لحصول المقصود بحر ‏(‏قوله ويكفي ملء أكثر الدلو‏)‏ فلو كان منحرفا، فإن كان يبقى أكثر ما فيه كفى وإلا لا بزازية وقهستاني ‏(‏قوله ونزح ما وجد‏)‏ أي ويكفي أيضا نزح ما وجد فيها وهو دون القدر الواجب، حتى لو زاد بعد النزح لا يجب نزح شيء؛ كما قدمناه عن البحر‏.‏ ‏(‏قوله وجريان بعضه‏)‏ أي يكفي أيضا بأن حفر لها منفذ يخرج منه بعض الماء كما في الفتح ‏(‏قوله وغوران قدر الواجب‏)‏ وإذا عاد لا يعود نجسا إن جف أسفله في الأصح، وإلا عاد كما في البحر عن السراج ‏(‏قوله بطريق الدلالة‏)‏ أي دلالة النص، وهي دلالة منطوقه على ما سكت عنه بالأولى أو بالمساواة كدلالة حرمة التأفيف وأكل مال اليتيم على حرمة الضرب والإتلاف كما أوضحناه في حواشينا على شرح المنار للشارح، وأشار بذلك إلى الجواب عما قدمناه على المستصفى‏.‏ ‏(‏قوله كفأرة مع هرة‏)‏ أي فإن ماتتا نزح أربعون وإلا فلا نزح، وإن ماتت الفأرة فقط أو جرحت أو بالت فيه نزح الكل سراج، وبقي من الأقسام موت الهرة فقط، ولا شك أن فيه أربعين نهر ‏(‏قوله ونحو الهرتين‏)‏ أي ما كان مقدارهما في الجثة ‏(‏قوله ونحو الفأرتين‏)‏ أي لو كانتا كهيئة الدجاجة إلا في رواية عن محمد أن فيهما حينئذ أربعين بحر ‏(‏قوله على الظاهر‏)‏ أي ظاهر الرواية كما في البحر، وهو قول محمد‏.‏ وعند أبي يوسف‏:‏ الخمس إلى التسع كهرة، والعشر كشاة، وجزم في المواهب بقول محمد ونفى الثاني فأفاد ضعفه‏.‏

‏(‏قوله مغلظة‏)‏ بيان لصفة النجاسة، وقد مر أن التخفيف لا يظهر أثره في الماء ‏(‏قوله من وقت الوقوع‏)‏ أي وقوع ما مات فيها ‏(‏قوله إن علم‏)‏ أي الوقت أو غلب على الظن قهستاني، ومنه ما إذا شهد رجلان بوقوعها يوم كذا كما في السراج ‏(‏قوله وإلا‏)‏ أي بأن لم يعلم أو لم يغلب على الظن نهر ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي الحكم بنجاسة البئر يوما وليلة ط ‏(‏قوله في حق الوضوء والغسل‏)‏ أي من حيث إعادة الصلاة يعني المكتوبة والمنذورة والواجبة وسنة الفجر‏.‏ ا هـ‏.‏ حلية وسيأتي أن سنة الفجر إنما تقضى إذا فاتت مع الفرض في يومها قبل الزوال فافهم ‏(‏قوله وما عجن به‏)‏ معطوف على الوضوء ‏(‏قوله فيطعم للكلاب‏)‏؛ لأن ما تنجس باختلاط النجاسة به والنجاسة مغلوبة لا يباح أكله ويباح الانتفاع به فيما وراء الأكل كالدهن النجس يستصبح به إذا كان الطاهر غالبا فكذا هذا حلية عن البدائع، ويفهم منه أن العجين ليس بقيد فغيره من الطعام والشراب مثله، تأمل ‏(‏قوله وقيل يباع من شافعي‏)‏؛ لأنه يرى أن الماء لا ينجس إذا بلغ قلتين، لكن في الذخيرة‏:‏ وعن أبي يوسف لا يطعم بني آدم‏.‏ ا هـ‏.‏ ولهذا عبر عنه الشارح بقيل وجزم بالأول كصاحب البدائع، ولعل وجهه أنه في اعتقاد الحنفي نجس، ولا ينظر إلى اعتقاد غيره، ولذا لو استفتاه عنه لا يفتيه إلا بما يعتقده ‏(‏قوله أما في حق غيره‏)‏ أي غير ما ذكر من الوضوء والغسل والعجين ‏(‏قوله فيحكم بنجاسته‏)‏ الأولى بنجاستها أي البئر كما عبر في البحر وقوله في الحال‏:‏ أي حال وجود الفأرة مثلا، لا من يوم وليلة ولا من وقت غسل الثياب، ولهذا قال الزيلعي‏:‏ أي من غير إسناد؛ لأنه من باب وجود النجاسة في الثوب، حتى إذا كانوا غسلوا الثياب بمائها لم يلزمهم إلا غسلها في الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ وعزاه في البحر إلى المحيط أيضا‏.‏ واعترضه بعض محشي صدر الشريعة بأنه إذا حكم بنجاسة البئر في الحال يلزم أن لا تتنجس الثياب التي غسلت بمائها قبله، فلا يلزم غسلها فلا معنى لقوله لا يلزم إلا غسلها‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا اعترضه في الحلية بما حاصله أنه إذا لزم غسل الثياب لكونها، غسلت بماء هذا البئر فكيف لم يحكم على الثياب بالنجاسة مستندا إلى وقت غسلها المتيقن حصوله قبل وجود الفأرة، وإنما اقتصر على وقت وجودها مع أنه لا يتجه على قول الإمام؛ لأنه يوجب مع الغسل الإعادة، ولا على قولهما؛ لأنهما لا يوجبان غسل الثوب أصلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وأقره في البحر والنهر وغيرهما‏.‏ وأقول - وبالله تعالى التوفيق -‏:‏ ما قاله الزيلعي مخالف لإطلاق المتون قاطبة، فإنهم حكموا بالنجاسة ولم يفصلوا بين الوضوء والثوب‏.‏ وفي الهداية ومختصر القدوري‏:‏ أعادوا صلاة يوم وليلة إذا كانوا توضئوا منها وغسلوا كل شيء أصابه ماؤها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان‏:‏ إن كانت منتفخة أعادوا صلاة ثلاثة أيام ولياليها، وما أصاب الثوب منه في الثلاثة أفسده، وإن عجن منه لم يؤكل خبزه‏.‏ ا هـ‏.‏ ومثله في المنية وشرحها‏.‏ ثم رأيت بعض محشي صدر الشريعة نقل ما نقلناه قال إنه المذكور في إعلام المعتبرات والمشهور في الرواية عن أبي حنيفة‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد ظهر أن الصواب عدم الاقتصار على الحال وبه يزول الإشكال، نعم أشار في الدرر إلى أن ما قاله الزيلعي ملفق من قول الإمام وقولهما حيث قال بعد نقله كلام الزيلعي‏:‏ يؤيده ما قال في معراج الدراية أن الصباغي كان يفتي بهذا انتهى أي بهذا التفصيل‏.‏ قال في البحر‏:‏ كان الصباغي يفتي بقول أبي ح فيما يتعلق بالصلاة وبقولهما فيما سواه، كذا في معراج الدراية‏.‏ ا هـ‏.‏ وأقول‏:‏ لا يخفى أن مقتضى ما أفتى به الصباغي أن تجب إعادة الصلاة ولا يجب غسل الثياب، وهذا عكس ما قاله الزيلعي فأين التأييد‏؟‏ نعم يظهر هذا التأييد على ما قال بعضهم إن حرف الاستثناء في عبارة الزيلعي زائد‏.‏ أقول‏:‏ وكذا وجدته ساقطا في نسخة قديمة مصححة، وكذا وجدته في نسختي مضروبا عليه، وقد ظهر بما قررناه أن ما ذكره الشارح من التفصيل تابع فيه الزيلعي، وهو مخالف لما في عامة المعتبرات مع ما فيه من الإشكالات فلا يعول عليه وإن أقره في البحر والمنح، ولهذا لم يعرج عليه في فتح القدير، فاغتنم هذا التحرير الذي هو من منح العليم الخبير ‏(‏قوله وهذا لو تطهر إلخ‏)‏ الإشارة في عبارة الجوهرة إلى عبارة القدوري التي قدمناها؛ ثم إن ما ذكره في الجوهرة عزاه إلى شيخه موفق الدين، ثم قال‏:‏ والمعنى فيه أن الماء صار مشكوكا في طهارته ونجاسته، فإن كانوا محدثين بيقين لم يزل حدثهم بماء مشكوك فيه، وإن كانوا متوضئين لا تبطل صلاتهم بماء مشكوك في نجاسته؛ لأن اليقين لا يرتفع بالشك‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ هذا أيضا مخالف لإطلاق عبارات المعتبرات من لزوم إعادة الصلاة وغسل كل شيء أصابه ماؤها في تلك المدة فإنه يشمل الإعادة عن حدث وغيره والغسل لثوب أو بدن من حدث أو نجاسة أو شرب أو غيره‏.‏ وأيضا يناقضه مسألة العجين فإنه يلزم عليه أن يكون طاهرا حلالا لكونه كان طاهرا فلا تزول طهارته بماء مشكوك فيه مع أنه مخالف لما صرحوا به في عامة كتب المذهب‏.‏ وأيضا فقد رجحوا قول الإمام بحكمه بالنجاسة من يوم أو ثلاثة أيام فإنه الاحتياط في أمر العبادة، ولا يخفى أن هذا التفصيل خلاف الاحتياط، فكان العمل على ما في كتب المذهب أولى‏.‏

مطلب مهم في تعريف الاستحسان

‏(‏قوله استحسانا‏)‏ الاستحسان كما قال الكرخي‏:‏ قطع المسألة عن نظائرها لما هو أقوى، وذلك الأقوى هو دليل يقابل القياس الجلي الذي تسبق إليه أفهام المجتهدين نصا كان أو إجماعا أو قياسا خفيا، وتمامه في فتاوى العلامة قاسم ‏(‏قوله وقال إلخ‏)‏ قولهما هو القياس الجلي، وبيان وجه كل في المطولات ‏(‏قوله فلا يلزمهم‏)‏ أي أصحاب البئر شيء من إعادة الصلاة أو غسل ما أصابه ماؤها كما صرح به الزيلعي وصاحب البحر والفيض وشارح المنية، فقول الدرر بل غسل ما أصابه ماؤها، قال في الشرنبلالية‏:‏ لعل الصواب خلافه ‏(‏قوله قبله‏)‏ أي قبل العلم بالنجاسة ‏(‏قوله قيل وبه يفتى‏)‏ قائله صاحب الجوهرة‏.‏ وقال العلامة قاسم في تصحيح القدوري‏:‏ قال في فتاوى العتابي‏:‏ قولهما هو المختار‏.‏ قلت‏:‏ لم يوافق على ذلك، فقد اعتمد قول الإمام البرهاني والنسفي والموصلي وصدر الشريعة، ورجح دليله في جميع المصنفات، وصرح في البدائع بأن قولهما قياس، وقوله استحسان، وهو الأحوط في العبادات‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله أعاد من آخر احتلام إلخ‏)‏ لف ونشر مرتب‏.‏ وفي بعض النسخ من آخر نوم وهو المراد بالاحتلام؛ لأن النوم سببه كما نقله في البحر ‏(‏قوله ورعاف‏)‏ هذا ظاهر إذا وقع له رعاف ولم يبينوا حكم ما إذا لم يقع له ولأجل هذا - والله تعالى أعلم‏.‏ - روى ابن رستم أن الدم لا يعيد فيه؛ لأن دم غيره قد يصيبه فالظاهر أن الإصابة لم تتقدم زمان وجوده، بخلاف المني؛ لأن مني غيره لا يصيب ثوبه فالظاهر أنه منيه، فيعين وجوده من وقت وجود سبب خروجه حتى لو كان الثوب مما يلبسه هو وغيره يستوي فيه حكم المني والدم‏.‏ واختار في المحيط ما رواه ابن رستم ذكره في البحر وقوله فالظاهر أن الإصابة إلخ لا يظهر في الجاف ط‏.‏ وفي السراج‏:‏ لو وجد في ثوبه نجاسة مغلظة أكثر من قدر الدرهم ولم يعلم بالإصابة لم يعد شيئا بالإجماع وهو الأصح‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا يشمل الدم، فيقتضي أن الأصح عدم الإعادة مطلقا تأمل ‏(‏قوله لو منتفخة أو ناشفة إلخ‏)‏ ذكره في النهر بحثا فقال بعد قولهم فثلاثة أيام‏:‏ وينبغي على قياس ما سبق تقييده بكونها منتفخة أو ناشفة وإن لم يكن أعاد يوما وليلة‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله في بول فأرة في الأصح‏)‏ وسيذكر في الأنجاس أن عليه الفتوى، وأن خرأها لا يفسد ما لم يظهر أثره؛ وأن بول السنور عفو في غير أواني الماء وعليه الفتوى‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ وفي الخانية أن بول الهرة والفأرة وخرأهما نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب‏.‏ ا هـ‏.‏ ولعلهم رجحوا القول بالعفو للضرورة ‏(‏قوله بخرء‏)‏ بالفتح والضم كما في المغرب ‏(‏قوله حمام وعصفور‏)‏ أي ونحوهما مما يؤكل لحمه من الطيور سوى الدجاج والإوز ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ راجع إلى قوله وكذا سباع طير أي مما لا يؤكل لحمه من الطيور، وهذا ما صححه في المبسوط وصحح قاضي خان في جامعه النجاسة بحر ‏(‏قوله لتعذر صونها‏)‏ أي البئر عنه‏:‏ أي عن الخرء المذكور‏.‏ ومفاد التعليل أنه نجس معفو عنه للضرورة، وفيه اختلاف المشايخ، لكن الذي اختاره في الهداية وكثير من الكتب أنه ليس بنجس عندنا للإجماع العملي على اقتناء الحمامات في المسجد الحرام من غير نكير مع العلم بما يكون منها كما في البحر‏.‏ قال‏:‏ ولم يذكروا لهذا الخلاف فائدة مع اتفاقهم على سقوط حكم النجاسة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ يمكن أن تظهر في التعاليق، وكذا إذا رماه في الماء قصدا فإنه لا ضرورة في ذلك لكونه بفعله‏.‏ وما في النهر من أنها يمكن أن تظهر فيما لو وجدها على ثوب وعنده ما هو خال عنها لا تجوز الصلاة فيه على العفو لانتفاء الضرورة وتجوز على الطهارة‏.‏ ا هـ‏.‏ قال ط‏:‏ فيه نظر، إذ مقتضاه عدم جواز التطهر فيه بهذا الماء حيث وجد غيره ‏(‏قوله ولا بتقاطر بول إلخ‏)‏ تبع فيه صاحب الدرر، وأشار في الفيض إلى ضعفه، وذكر القهستاني في الأنجاس أنه إن وقع في الماء نجسه في الأصح، وكذا ذكره الحدادي عن الكفاية معللا بأن طهارة الماء آكد، وبأنه لا حرج في الماء‏:‏ أي بخلاف البدن والثوب، وبه جزم الشارح في الأنجاس أيضا، فعلم أن كلام المصنف مبني على القول الضعيف كما نبه عليه العلامة نوح أفندي ‏(‏قوله كرءوس إبر‏)‏ ومثل الرءوس الجهة الأخرى ط وسيأتي إشباع الكلام على هذه المسألة في باب الأنجاس ‏(‏قوله وغبار نجس‏)‏ بالإضافة وعدمها، وفي الجيم الفتح والكسر ط‏.‏

قوله وبعرتي إبل وغنم‏)‏ أي لا نزح بهما، وهذا استحسان‏.‏ قال في الفيض‏:‏ فلا ينجس إلا إذا كان كثيرا، سواء كان رطبا أو يابسا، صحيحا أو منكسرا‏.‏ ولا فرق بين أن يكون للبئر حاجز كالمدن أو لا كالفلوات هو الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية‏:‏ ولم يذكر محمد في الأصل روث الحمار والخنثى‏.‏ واختلفوا فيه، فقيل ينجس ولو قليلا أو يابسا، وقيل لو يابسا فلا، وأكثرهم على أنه لو فيه ضرورة وبلوى لا ينجس وإلا نجس‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في الفرق بين الروث والخنثى والبعر والخرء والنجو والعذرة

‏[‏فائدة‏]‏

قال نوح أفندي‏:‏ الروث للفرس والبغل والحمار، والخنثى بكسر فسكون للبقر والفيل، والبعر للإبل والغنم، والخرء للطيور، والنجو للكلب، والعذرة للإنسان ‏(‏قوله في محلب‏)‏ بكسر الميم‏:‏ ما يحلب فيه قاموس ‏(‏قوله وقت الحلب‏)‏ فلو وقعت في غير زمان الحلب فهو كوقوعها في سائر الأواني فتنجس في الأصح؛ لأن الضرورة إنما هي زمان الحلب؛ لأن من عادتها أن تبعر ذلك الوقت، والاحتراز عنه عسير، ولا كذلك غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ شارح منية ‏(‏قوله قبل تفتت وتلون‏)‏ قال في العناية تبعا للخانية‏:‏ فلو تفتتت أو أخذ اللبن لونها ينجس‏.‏ ا هـ‏.‏ فتال ‏(‏قوله والتعبير بالبعرتين‏)‏ أي في مسألتي البئر والمحلب كما أفاده في الشرنبلالية عن الفيض ‏(‏قوله اتفاقي‏)‏ اعلم أن بعضهم فهم من تقييد محمد في الجامع الصغير بالبعرة أو البعرتين أنه احتراز عن الثلاث بناء على أن مفهوم العدد في الرواية معتبر‏.‏ قال في البحر‏:‏ وهذا الفهم إنما يتم لو اقتصر محمد على ذلك مع أنه قال لا يفسد ما لم يكن كثيرا فاحشا والثلاث ليس بكثير فاحش، كذا نقل عبارة الجامع في المحيط وغيره‏.‏ ا هـ‏.‏ فأشار الشارح إلى أن قول المصنف وبعرتي إبل وغنم المراد منه القليل لا خصوص الثنتين، وحمل قوله وقيل إلخ على بيان حد القليل والكثير ليفيد أن ذلك ليس قولا آخر كما قد يتوهم، وإنما عبر عنه المصنف بقوله وقيل ليفيد وقوع الخلاف في حده، فإن فيه أقوالا صحح منها قولان أرجحهما هذا، والثاني أن ما لا يخلو دلو عن بعرة فهو كثير صححه في النهاية وعزاه إلى المبسوط فافهم ‏(‏قوله ذكره في الفيض‏)‏ لم يصرح في الفيض بهذه العبارة وإنما يفهم من قوله إلا إذا كان كثيرا كما قدمناه‏.‏ ‏(‏قوله وعليه الاعتماد‏)‏ وصححه في البدائع والكافي وكثير من الكتب بحر، وفي الفيض‏:‏ وبه يفتى ‏(‏قوله لا يقدر إلخ‏)‏ أي أن عادة الإمام رحمه الله تعالى أن ما كان محتاجا إلى تقدير بعدد أو مقدار مخصوص ولم يرد فيه نص لا يقدره بالرأي، وإنما يفوضه إلى رأي المبتلى، فلذا كان هذا القول أرجح

‏(‏قوله البعد إلخ‏)‏ اختلف في مقدار البعد المانع من وصول نجاسة البالوعة إلى البئر، ففي رواية خمسة أذرع، وفي رواية سبعة‏.‏ وقال الحلواني‏:‏ المعتبر الطعم أو اللون أو الريح، فإن لم يتغير جاز وإلا لا ولو كان عشرة أذرع‏.‏ وفي الخلاصة والخانية‏:‏ والتعويل عليه وصححه في المحيط بحر‏.‏ والحاصل أنه يختلف بحسب رخاوة الأرض وصلابتها، ومن قدره اعتبر حال أرضه‏.‏

مطلب في السؤر

‏(‏قوله ويعتبر سؤر بمسئر‏)‏ لما فرغ من بيان فساد الماء وعدمه باعتبار وقوع نفس الحيوانات فيه ذكرها باعتبار ما يتولد منها‏.‏ والسؤر بالضم مهموز العين‏:‏ بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو في الحوض ثم استعير لبقية الطعام وغيره، والجمع الأسآر والفعل أسأر‏:‏ أي أبقى مما شرب بحر وغيره، وظاهر القاموس أن السؤر حقيقة في مطلق البقية، والمعنى أن السؤر يعتبر بلحم مسئره طاهرا فسؤره طاهرا، أو نجسا فنجس، أو مكروها فمكروه، أو مشكوكا فمشكوك ابن ملك ‏(‏قوله اسم الفاعل من أسأر‏)‏ أي مسئر اسم فاعل قياسي، مأخوذ من مصدر أسأر أو سأر كمنع، واسم فاعلهما السماعي سآر كسحار، والقياسي جائز كما في القاموس ‏(‏قوله لاختلاطه بلعابه‏)‏ علة ليعتبر‏:‏ أي ولعابه متولد من لحمه، فاعتبر به طهارة ونجاسة وكراهة وشكا منح‏.‏ ا هـ‏.‏ ط ‏(‏قوله ولو جنبا إلخ‏)‏ بيان للإطلاق‏.‏ فإن قيل ينبغي أن يتنجس سؤره على القول بنجاسة المستعمل لسقوط الفرض بهذا الشرب على الراجح‏.‏ قلنا المستعمل هو المشروب لا ما بقي، ولو سلم فلا يستعمل للحرج كإدخال اليد في الحب لكوز، وتمامه في البحر ‏(‏قوله أو كافرا‏)‏؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أنزل بعض المشركين في المسجد على ما في الصحيحين، فالمراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما المشركون نجس‏}‏ النجاسة في اعتقادهم بحر، ولا يشكل نزح البئر به لو أخرج حيا؛ لأن ذلك لما عليه في الغالب من النجاسة الحقيقية أو الحكمية كما قدمناه ‏(‏قوله أو امرأة‏)‏ أي ولو حائضا أو نفساء، لما روى مسلم وغيره عن «عائشة رضي الله عنها قالت كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في» بحر ‏(‏قوله نعم يكره سؤرها إلخ‏)‏ أي في الشرب لا في الطهارة بحر‏.‏ قال الرملي‏:‏ ويجب تقييده بغير الزوجة والمحارم‏.‏ ا هـ‏.‏ وأورد بعضهم على قول البحر لا في الطهارة ما مر في الوضوء من أنه يكره التوضؤ بفضل ماء المرأة، والمراد به السؤر‏.‏ أقول‏:‏ المراد به الماء الذي توضأت به في خلوتها كما أوضحناه فيما مر، فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله للاستلذاذ‏)‏ قال شيخنا‏:‏ ويستفاد منه كراهة الحلاق الأمرد إذا وجد المحلوق رأسه من اللذة ما يزيد على ما لو كان ملتحيا‏.‏ ا هـ‏.‏ فكراهة التكبيس وغمز الرجلين واليدين من الأمرد في الحمام بالأولى ط ‏(‏قوله واستعمال ريق الغير‏)‏ اعترضه أبو السعود بأنه يشمل سؤر الرجل لرجل والمرأة للمرأة فالظاهر الاقتصار على التعليل الأول كما فعل في النهر‏.‏ ا هـ‏.‏ أي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب ويعطي الإناء لمن عن يمينه ويقول ‏"‏ الأيمن فالأيمن ‏"‏ نعم عبر في المنح بالأجنبية، وفيه نظر أيضا‏.‏ والذي يظهر أن العلة الاستلذاذ فقط، ويفهم منه أنه حيث لا استلذاذ لا كراهة ولا سيما إذا كان يعافه ‏(‏قوله مجتبى‏)‏ أي قبيل كتاب الوصايا، وكان المناسب ذكره قبل التعليل لأني لم أره في المجتبى‏.‏

‏(‏قوله ومأكول لحم‏)‏ أي سوى الجلالة منه فإنه مكروه كما يأتي ‏(‏قوله ومنه الفرس في الأصح‏)‏ وهو ظاهر الرواية عن الإمام وهو قولهما، وكراهة لحمه عنده لاحترامه؛ لأنه آلة الجهاد لا لنجاسته، فلا يؤثر في كراهة سؤره بحر‏.‏ والفرس اسم جنس كالحمار فيعم الذكر والأنثى ط ‏(‏قوله ومثله ما لا دم له‏)‏ أي سائل سواء كان يعيش في الماء أو في غيره ط عن البحر ‏(‏قوله قيد للكل‏)‏ أي للآدمي ومأكول اللحم وما لا دم له ط ‏(‏قوله طاهر‏)‏ أي في ذاته طهور‏:‏ أي مطهر لغيره من الأحداث والأخباث ط‏.‏

‏(‏قوله وسؤر خنزير‏)‏ قدر لفظ سؤر إشارة إلى أن لفظ خنزير مجرور بمضاف حذف وأبقي عمله وهو قليل، والأولى رفعه لقيامه مقام المضاف‏.‏ قال الزيلعي‏:‏ ولا يجوز عطفه على المجرور قبله؛ لأنه يلزم منه العطف على معمولي عاملين مختلفين كما أوضحه في البحر ‏(‏قوله وسباع بهائم‏)‏ هي ما كان يصطاد بنابه كالأسد والذئب والفهد والنمر والثعلب والفيل والضبع وأشباه ذلك سراج ‏(‏قوله فور شربها‏)‏ أي بخلاف ما إذا مكث ساعة ابتلع ريقه ثلاث مرات بعد لحس شفتيه بلسانه وريقه ثم شرب فإنه لا ينجس، ولا بد أن يكون المراد إذا لم يكن في بزاقه أثر الخمر من طعم أو ريح‏.‏ ا هـ‏.‏ حلية ‏(‏قوله لا يستوعبه اللسان‏)‏ أي لا يتمكن أن يعمه بريقه ‏(‏قوله ولو بعد زمان‏)‏ أي ولو كان شربه الماء بعد زمان طويل‏.‏ وفي أنجاس التتارخانية عن الحاوي‏:‏ وقيل إذا كان الإناء مملوءا ينجس الماء والإناء بملاقاة فمه وإلا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ أي؛ لأنه إذا لم يكن مملوءا يكون الماء واردا على الشارب فإذا ابتلعه يكون كالجاري ‏(‏قوله فور أكل فأرة‏)‏ فإن مكثت ساعة ولحست فمها فمكروه منية، ولا ينجس عندهما‏.‏ وقال محمد‏:‏ ينجس؛ لأن النجاسة لا تزول عنده إلا بالماء، وينبغي أن لا ينجس على قوله إذا غابت غيبة يجوز معها شربها من ماء كثير حلية ‏(‏قوله مغلظ‏)‏ وفي رواية عن الثاني أن سؤر ما لا يؤكل كبول ما يؤكل، والذي يظهر ترجيح الأول بحر‏.‏

‏(‏قوله مخلاة‏)‏ بتشديد اللام‏:‏ أي مرسلة تخالط النجاسات ويصل منقارها إلى ما تحت قدميها، أما التي تحبس في بيت وتعلف فلا يكره سؤرها؛ لأنها لا تجد عذرات غيرها حتى تجول فيها وهي في عذرات نفسها لا تجول بل تلاحظ الحب بينه فتلتقطه كما حققه في الفتح، وتمامه في البحر ‏(‏قوله وإبل وبقر جلالة‏)‏ أي تأكل النجاسة إذا جهل حالها، فإن علم حال فمها طهارة ونجاسة فسؤرها مثله‏.‏ ا هـ‏.‏ مقدسي‏.‏ أقول‏:‏ الظاهر أنه أراد بالجلالة غير التي أنتن لحمها من أكل النجاسة، إذ لو أنتن فالظاهر الكراهة بلا تفصيل؛ لأنهم صرحوا؛ لأنها لا يضحي بها كما يأتي في الأضحية‏.‏ قال في شرح الوهبانية‏:‏ وفي المنتقى الجلالة المكروهة التي إذا قربت وجدت منها رائحة، فلا تؤكل ولا يشرب لبنها ولا يعمل عليها، ويكره بيعها وهبتها وتلك حالها، وذكر البقالي أن عرقها نجس‏.‏ ا هـ‏.‏ وصرح المصنف في الحظر والإباحة أنه يكره لحم الأتان والجلالة‏.‏ قال الشارح هناك‏:‏ وتحبس الجلالة حتى يذهب نتن لحمها‏.‏ وقدر بثلاث أيام لدجاجة، وأربعة لشاة، وعشرة لإبل وبقر على الأظهر، ولو أكلت النجاسة وغيرها بحيث لم ينتن لحمها حلت‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أن الجلالة التي يكره سؤرها هي التي لا تأكل إلا النجاسة حتى أنتن لحمها؛ لأنها حينئذ غير مأكولة، ولذا قال في الجوهرة‏:‏ فإن كانت تخلط أو أكثر علفها علف الدواب لا يكره سؤرها‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ بقي شيء، وهو أن الغالب أن الإبل تجتر كالغنم وجرتها نجسة كسرقينها كما سيأتي، ومقتضاه أن يكون سؤرها مكروها وإن لم تكن جلالة ولم أر من تعرض له، وإنما المفهوم من إطلاقهم عدم الكراهة فليتأمل‏.‏

‏(‏قوله لم يعلم ربها طهارة منقارها‏)‏ لما روى الحسن عن أبي حنيفة‏:‏ إن كان هذا الطير لا يتناول الميتة مثل البازي الأهلي ونحوه لا يكره الوضوء وإنما يكره في الذي يتناول الميتة، وروي عن أبي يوسف أيضا مثله حلية ‏(‏قوله وسواكن بيوت‏)‏ أي مما له دم سائل كالفأرة والحية والوزغة، بخلاف ما لا دم له كالخنفس والصرصر والعقرب فإنه لا يكره كما مر، وتمامه في الإمداد ‏(‏قوله طاهر للضرورة‏)‏ بيان ذلك أن القياس في الهرة نجاسة سؤرها؛ لأنه مختلط بلعابها المتولد من لحمها النجس، لكن سقط حكم النجاسة اتفاقا بعلة الطواف المنصوصة بقوله صلى الله عليه وسلم إنها ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم والطوافات ‏"‏ أخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وقال الترمذي حسن صحيح؛ يعني أنها تدخل المضايق ولازمه شدة المخالطة بحيث يتعذر صون الأواني منها، وفي معناها سواكن البيوت للعلة المذكورة، فسقط حكم النجاسة للضرورة وبقيت الكراهة لعدم تحاميها النجاسة، وأما المخلاة فلعابها طاهر فسؤرها كذلك، لكن لما كانت تأكل العذرة كره سؤرها ولم يحكم بنجاسته للشك، حتى لو علمت النجاسة في فمها تنجس، ولو علمت الطهارة انتفت الكراهة‏.‏ وأما سباع الطير فالقياس نجاسة سؤرها كسباع البهائم بجامع حرمة لحمها والاستحسان طهارته؛ لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر، بخلاف سباع البهائم؛ لأنها تشرب بلسانها المبتل بلعابها النجس، لكن لما كانت تأكل الميتة غالبا أشبهت المخلاة فكره سؤرها، حتى لو علم طهارة منقارها انتفت الكراهة هكذا قرروا، وبه علم أن طهارة السؤر في بعض هذه المذكورات ليست للضرورة بل على الأصل فتنبه ‏(‏قوله مكروه‏)‏ لجواز كونها أكلت نجاسة قبيل شربها‏.‏ وأفاد في الفتح أنه لو احتمل تطهيرها فمها زالت الكراهة حيث قال‏:‏ ويحمل إصغاؤه صلى الله عليه وسلم الإناء للهرة على زوال ذلك التوهم، بأن كانت في مرأى منه في زمان يمكن فيه غسلها فمها بلعابها‏.‏ وأما على قول محمد فيمكن بمشاهدة شربها من ماء كثير أو مشاهدة قدومها عن غيبة يجوز معها ذلك، فيعارض هذا التجويز بتجويز أكلها نجسا قبيل شربها فيسقط فتبقى الطهارة دون كراهة؛ لأن الكراهة ما جاءت إلا من ذلك التجويز وقد سقط، وعلى هذا لا ينبغي إطلاق كراهة أكل فضلها والصلاة إذا لحست عضوا قبل غسله كما أطلقه شمس الأئمة وغيره، بل يقيد بثبوت ذلك التوهم؛ أما لو كان زائلا بما قلنا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وأقره في البحر وشرح المقدسي، وهو خلاف ما قدمناه عن المنية تأمل ‏(‏قوله تنزيها‏)‏ قيد به لئلا يتوهم التحريم‏.‏

مطلب في الكراهة

الكراهة حيث أطلقت فالمراد منها التحريم قال في البحر‏:‏ واعلم أن المكروه إذا أطلق في كلامهم فالمراد منه التحريم إلا أن ينص على كراهة التنزيه، فقد قال المصنف في المصفى‏:‏ لفظ الكراهة عند الإطلاق يراد بها التحريم‏.‏ قال أبو يوسف‏:‏ قلت لأبي حنيفة‏:‏ إذا قلت في شيء أكرهه فما رأيك فيه‏؟‏ قال‏:‏ التحريم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ الخلاف إنما هو في سؤر الهرة‏.‏ قال في البحر‏:‏ وأما سؤر الدجاجة المخلاة فلم أر من ذكر خلافا في المراد من الكراهة، بل ظاهر كلامهم أنها كراهة التنزيه بلا خلاف؛ لأنها لا تتحامى النجاسة، وكذا في سباع الطير وسواكن البيوت‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله كأكله لفقير‏)‏ أي أكل سؤرها‏:‏ أي موضع فمها، وما سقط منه من الخبز ونحوه من الجامدات؛ لأنه لا يخلو من لعابها، وليس المراد أكل ما بقي أي مما لم يخالطه لعابها بخلاف المائع كما أوضحه في الحلية‏.‏ وأفاد الشارح كراهته لغني؛ لأنه يجد غيره، وهذا عند توهم نجاسة فمها كما قدمناه عن الفتح قريبا‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

تكره الصلاة مع حمل ما سؤره مكروه كالهرة‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر عن التوشيح‏.‏ قلت‏:‏ وينبغي تقييده بالتوهم أيضا كما علمته مما مر، ويظهر منه كراهة الصلاة بثوب أصابه السؤر المكروه كما ذكره في الحلية‏.‏

مطلب‏:‏ ست تورث النسيان

‏[‏نكتة‏]‏

قيل ست تورث النسيان‏:‏ سؤر الفأرة، وإلقاء القملة وهي حية، والبول في الماء الراكد، وقطع القطار، ومضغ العلك، وأكل التفاح، ومنهم من ذكره حديثا، لكن قال أبو الفرج بن الجوزي إنه حديث موضوع بحر وحلية، وإطلاق التفاح هنا موافق لما في كتب الطب من أنه أكله مورث للنسيان‏.‏ وذكر بعضهم الحديث مقيدا التفاح بالحامض‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

زاد بعضهم‏:‏ مما يورث النسيان أشياء‏:‏ منها العصيان، والهموم والأحزان بسبب الدنيا، وكثرة الاشتغال بها، وأكل الكزبرة الرطبة، والنظر إلى المصلوب، والحجم في نقرة القفا، واللحم الملح، والخبز الحامي، والأكل من القدر وكثرة المزح، والضحك بين المقابر، والوضوء في محل الاستنجاء، وتوسد السراويل أو العمامة، ونظر الجنب إلى السماء وكنس البيت بالخرق، ومسح وجهه أو يديه بذيله، ونفض الثوب في المسجد، ودخوله باليسرى وخروجه باليمنى، واللعب بالمذاكير أو الذكر حتى ينزل، والنظر إليه، والبول في الطريق أو تحت شجرة مثمرة أو في الماء الراكد أو في الرماد، والنظر إلى الفرج أو في مرآة الحجام، والامتشاط بالمشط المكسور وغير ذلك ولسيدي عبد الغني فيها رسالة‏.‏

‏(‏قوله أهلي‏)‏ أما الوحشي فمأكول فلا شك في سؤره ولا كراهة ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ قاله قاضي خان، ومقابله القول بنجاسته؛ لأنه ينجس فمه بشم البول‏.‏ قال في البدائع‏:‏ وهو غير سديد؛ لأنه أمر موهوم لا يغلب وجوده فلا يؤثر في إزالة الثابت بحر ‏(‏قوله أمه حمارة‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الحمارة بالهاء الأتان فافهم، وهذا القيد صرح به غير واحد منهم السروجي في شرح الهداية‏.‏ قال‏:‏ إذا نزا الحمار على الرمكة أي الفرس لا يكره لحم البغل المتولد بينهما، فعلى هذا لا يصير سؤره مشكوكا فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ والمراد لا يكره لحمه عندهما إلحاقا له بالفرس، وعنده يكره كالفرس، إلا أن سؤره لا يكون مشكوكا اتفاقا كما هو الصحيح في سؤر الفرس، وكذا البغل الذي أمه بقرة يحل لحمه اتفاقا ولا يكون سؤره مشكوكا لكن ينافي هذا قول صاحب الهداية والبغل من نسل الحمار فيكون بمنزلته، فإنه لا يعيد اعتبار الأب إلا أن الأصل في الحيوانات الإلحاق بالأم كما صرحوا به في غير موضع شرح المنية ونحوه في النهر‏.‏ قال في الحلية‏:‏ قلت‏:‏ ويمكن أن يقال ما في الهداية مخرج على مذهب الإمام خاصة فيما إذا كان أبوه حمارا وأمه فرسا، تغليبا لجانب التحريم على الإباحة احتياطا ‏(‏قوله فطاهر‏)‏ الأولى قول ابن ملك عن الغاية فطهور؛ لأن الولد يتبع الأم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ولا عبرة بغلبة الشبه‏)‏ رد على ما قاله مسكين من أن التبعية للأم محلها ما إذا لم يغلب شبهه بالأب قوله لتصريحهم إلخ‏)‏ صرح في الهداية وغيرها في الأضحية بجواز الأضحية به حيث قال‏:‏ والمولود بين الأهل والوحشي يتبع الأم؛ لأنها الأصل في التبعية، حتى إذا نزا الذئب على الشاة يضحى بالولد‏.‏ ا هـ‏.‏ تأمل‏.‏ ‏(‏قوله اعتبارا للأم‏)‏؛ لأنها الأصل في الولد لانفصاله منها وهو حيوان متقوم، ولا ينفصل من الأب إلا ماء مهينا، ولهذا يتبعها في الرق والحرية، وإنما أضيف الآدمي إلى أبيه تشريفا له، وصيانة له عن الضياع، وإلا فالأصل إضافته إلى الأم كما في البدائع ‏(‏قوله عن الأشباه‏)‏ صوابه عن الفوائد التاجية ط، وكذا نقله في الأشباه عنها في قاعدة‏:‏ إذا اجتمع الحلال والحرام ‏(‏قوله عدم الحل‏)‏ أي عدم حل أكل ذئب ولدته شاة ‏(‏قوله قال شيخنا‏)‏ يريد الرملي عند الإطلاق ط ‏(‏قوله إنه غريب‏)‏ أي لمخالفته المشهور في كلامهم من إطلاق أن العبرة للأم، وقد ذكر القولين المصنف في منظومته تحفة الأقران في الأضحية فقال‏:‏ نتيجة الأهلي والوحشي تلحق بالأم على المرضي ومثله نتيجة المحرم مع المباح يا أخي فاعلم هذا هو المشهور بين العلما والحظر في هذا حكوه فاعلما‏.‏ ‏(‏قوله مشكوك في طهوريته‏)‏ هذا هو الأصح، وهو قول الجمهور، ثم قيل سببه تعارض الأخبار في لحمه، وقيل اختلاف الصحابة في سؤره الأصح ما قاله شيخ الإسلام‏:‏ إن الحمار أشبه الهرة لوجوده في الدور والأفنية، لكن الضرورة فيه دون الضرورة فيها لدخولها مضايق البيت فأشبه الكلب والسباع، فلما ثبتت الضرورة من وجه دون وجه واستوى ما يوجب الطهارة والنجاسة تساقطا للتعارض فصير إلى الأصل، وهو هنا شيئان‏:‏ الطهارة في الماء، والنجاسة في اللعاب، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فبقي الأمر مشكلا نجسا من وجه طاهرا من آخر، وتمامه في البحر‏.‏ لا يقال‏:‏ كلب الصيد والحراسة كذلك؛ لأنه معارض بالنص كما أفاده في السعدية ‏(‏قوله لا في طهارته‏)‏ أي ولا فيهما جميعا كما قيل أيضا، هذا مع اتفاقهم أنه على ظاهر الرواية لا ينجس الثوب والبدن والماء ولا يرفع الحدث، فلهذا قال في كشف الأسرار‏:‏ إن الاختلاف لفظي؛ لأنه من قال الشك في طهوريته فقط أراد أن الطاهر لا يتنجس به ووجب الجمع بينه وبين التراب، لا أنه ليس في طهارته شك أصلا؛ لأن الشك في طهوريته إنما نشأ من الشك في طهارته ا هـ‏.‏ بحر‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده ما مر عن شيخ الإسلام، فإنه صريح في أن الشك في الطهارة ‏(‏قوله اعتبر بالأجزاء‏)‏ أي كالماء المستعمل عند محمد، فيجوز الوضوء بالماء ما لم يغلب عليه محيط، وكان الوجه أن يقول ما لم يساوه لما علمته في مسألة الفساقي بحر‏.‏ هذا، وفي السراج بعد نقله عن الوجيز‏:‏ واعترض الصيرفي عليه حيث قال‏:‏ وهذا بعيد؛ لأنه إذا جوز الوضوء بالماء الذي يختلط بالسؤر إذا كان أكثر كان أيضا يجوز الوضوء بالسؤر؛ لأنه أكثر من اللعاب‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ويؤيده ما قدمناه عن الفتح من أنه تظافر كلامهم على أنه ينزح منه جميع ماء البئر، وقدمنا النقول فيه، وأن اعتباره بالأجزاء مخالف لذلك، وقد صرحوا بأن العمل بما عليه الأكثر، وبه يظهر أن ما هنا غير معتبر فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله قولان‏)‏ قد علمت أن الشك في الطهورية ناشئ عن الشك في الطهارة، والنجس الثابت بيقين لا يرتفع إلا بطاهر بيقين، فافهم وتأمل ‏(‏قوله في صلاة واحدة إلخ‏)‏ يعني أن الشرط أن لا تخلو الصلاة الواحدة عنهما وإن لم يوجد الجمع بينهما في حالة واحدة، حتى لو توضأ به وصلى ثم أحدث وتيمم وصلى تلك الصلاة جاز هو الصحيح؛ لأن المطهر أحدهما لا المجموع، فإن كان السؤر صحت ولغت صلاة التيمم، أو التيمم فبالعكس نهر‏.‏ فإن قيل‏:‏ يلزم من هذا أداء الصلاة بلا طهارة في إحدى المرتين وهو مستلزم للكفر فينبغي وجوب الجمع بينهما في أداء واحد‏.‏ قلنا‏:‏ كل منهما مطهر من وجه دون وجه، فلا يكون الأداء بلا طهارة من كل وجه، فلا يلزمه الكفر كما لو صلى حنفي بعد نحو الحجامة لا تجوز صلاته ولا يكفر للاختلاف، بخلاف ما لو صلى بعد البول بحر عن المعراج‏.‏ والظاهر أن الأولى الجمع بينهما في أداء واحد للتباعد عن هذه الشبهة‏.‏ ثم رأيت في الشرنبلالية نقل عن شيخه الشمس المحبي أنه لو صلى بالوضوء ثم بالتيمم، فإن لم يحدث بينهما كره فعله في الأولى دون الثانية، وإن أحدث كره فيهما، ووجهه ظاهر فتدبر‏.‏ وبه ظهر أن قول النهر فيما مر ثم أحدث غير قيد، نعم يفهم منه أنه لو لم يحدث يصح بالأولى؛ لأن الصلاة الثانية تكون بالطهارتين‏.‏ وفي النهر عن الفتح‏:‏ واختلف في النية بسؤر الحمار والأحوط أن ينوي‏.‏ ا هـ‏.‏‏:‏ أي الأحوط القول بوجوبها، فقد قدمنا في بحث النية عن البحر عن شرح المجمع والنقاية معزيا إلى الكفاية أنها شرط فيه وفي نبيذ التمر ‏(‏قوله إن فقد ماء مطلقا‏)‏ أما إذا وجده تعين المصير إليه، ولو وجد بعدما توضأ بالسؤر وتيمم لا يصلي ما لم يتوضأ به، ولو لم يتوضأ به حتى فقده ومعه السؤر أعاد التيمم لا الوضوء بالسؤر تتارخانية ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ والأفضل تقديم الوضوء رعاية لقول زفر بلزومه إمداد ‏(‏قوله ثم أراقه‏)‏ أما لو أراقه أولا حتى صار عادما للماء لا يلزمه، بل عن نصير بن يحيى أن من لم يجد إلا سؤر الحمار يهريقه ثم يتيمم‏.‏ قال الصفار‏:‏ وهو قول جيد بحر عن جامع المحبوبي ‏(‏قوله لاحتمال طهوريته‏)‏ أي فتحتمل الصلاة البطلان فتعاد‏.‏ وفي الزيلعي‏:‏ متيمم رأى سؤر حمار وهو في الصلاة أتمها ثم توضأ به وأعادها لاحتمال البطلان‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله ويقدم التيمم على نبيذ التمر‏)‏ اعلم أنه روي في النبيذ عن الإمام ثلاث روايات‏:‏ الأولى‏:‏ وهي قوله الأول أنه يتوضأ به ويستحب أن يضيف إليه التيمم‏.‏ الثانية‏:‏ الجمع بينهما كسؤر الحمار، وبه قال محمد ورجحه في غاية البيان‏.‏ والثالثة‏:‏ التيمم فقط، وهو قوله الأخير، وقد رجع إليه، وبه قال أبو يوسف والأئمة الثلاثة واختاره الطحاوي، وهو المذهب المصحح المختار المعتمد عندنا بحر‏.‏ إذا علمت ذلك ظهر لك أن ظاهر كلام المصنف مبني على الرواية الثانية، وبه تظهر مناسبة ذكره في بحث السؤر، لكن ينافيه قوله على المذهب‏:‏ فيتعين حمل قوله ويقدم إلخ على التقدم في الرتبة لا في الزمان‏:‏ أي أن التيمم رتبته التقدم على الوضوء بالنبيذ، فلا يقتصر على الوضوء به، ولا يجمع بينهما مع سبق التيمم‏.‏ قال في النهر‏:‏ ومحل الخلاف ما إذا ألقى في الماء تميرات حتى صار حلوا رقيقا غير مطبوخ ولا مسكر، فإن لم يحل فلا خلاف في جواز الوضوء به، أو أسكر فلا خلاف في عدم الجواز، أو طبخ فكذلك في الصحيح كما في المبسوط ورجح غيره الجواز، إلا أن الأول أولى لموافقته لما مر من الضابط أي المذكور في المياه ‏(‏قوله؛ لأن المجتهد إلخ‏)‏ علة لكون ما ذكر هو المذهب المفتى به دون غيره فافهم ‏(‏قوله وحكم عرق كسؤر‏)‏ أي العرق من كل حيوان حكمه كسؤره لتولد كل منهما من اللحم كذا قالوا‏:‏ ولا خفاء أن المتولد هو اللعاب أي لا السؤر، لكن أطلق عليه للمجاورة نهر ‏(‏قوله فعرق الحمار إلخ‏)‏ أفرده بالتنصيص عليه؛ لأن بعضهم كصاحب المنية استثناه فقال‏:‏ إلا أن عرق الحمار طاهر عند أبي حنيفة في الروايات المشهورة كما ذكره القدوري‏.‏ وقال شمس الأئمة الحلواني‏:‏ نجس إلا أنه جعل عفوا في الثوب والبدن للضرورة‏.‏ قال في شرح المنية‏:‏ وهذا الاستثناء إنما يصح على القول بأن الشك في الطهارة‏.‏ فإذا قيل إن سؤر الحمار مشكوك في طهارته ونجاسته وعرق كل شيء كسؤره صح أن يقال إلا أن عرق الحمار طاهر‏:‏ أي من غير شك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ركب الحمار معروريا في حر الحجاز والغالب أنه يعرق ولم يرو أنه عليه الصلاة والسلام غسل بدنه أو ثوبه منه‏.‏ ا هـ‏.‏ ومعروريا حال من الفاعل ولو كان من المفعول لقيل معرورى كذا في المغرب‏.‏ قلت‏:‏ وليس المعنى أنه عليه الصلاة والسلام ركب وهو عريان كما يوهمه كلام النهر وغيره، إذ لا يخفى بعده، بل المراد أنه ركب حال كونه معروريا الحمار فهو اسم فاعل من اعرورى المتعدي حذف مفعوله للعلم به، يقال اعرورى الفرس‏:‏ ركبه عريا فتنبه ‏(‏قوله صار مشكلا‏)‏ يعني صار الماء به مشكلا‏:‏ أي في الطهورية، فيجمع بينه وبين التيمم كما في لعابه، ويجوز شربه من ذلك الماء كما في السراج ‏(‏قوله وفي المحيط إلخ‏)‏ هذا مأخوذ من القهستاني ونصه‏:‏ وفي الزبدة أن عرق الجلالة كالحمار والبغل وغيرهما نجس‏.‏ وفي قاضي خان أن عرقهما طاهر في ظاهر الرواية‏.‏ وفي المحيط عن الحلواني نجس لكنه عفو في البدن والثوب‏.‏ وعن أبي حنيفة أن عرق الحمار نجاسة غليظة، وعنه أنه خفيفة‏.‏ ا هـ‏.‏ كلام القهستاني‏.‏ وحاصله أنه ذكر في عرق الحمار والبغل ثلاث روايات عن الإمام كما صرح به في شرح المنية أنه طاهر، وهو ما قال قاضي خان إنه ظاهر الرواية وهي الرواية المشهورة كما قدمناه عن المنية‏.‏ ونجس مغلظ‏.‏ ونجس مخفف، وكلام الحلواني محتمل للأخيرتين إلا أنه أسقط حكم النجاسة في البدن والثوب، وقدمنا عن المنية تعليله بالضرورة‏:‏ أي ضرورة ركوبه‏.‏ إذا علمت ذلك ظهر لك أن الكلام في عرق الحمار والبغل لا في الجلالة، وأن ضمير عرقهما في عبارة القهستاني عن قاضي خان ضمير مثنى راجع إلى البغل والحمار‏.‏ والظاهر أن نسخة القهستاني التي وقعت للشارح بضمير المفرد لا المثنى فأرجع الضمير إلى الجلالة وليس كذلك‏.‏ وقد راجعت عبارة قاضي خان فرأيتها بضمير التثنية العائد إلى ما ذكره قبله من البغل والحمار، ولم أر فيها ذكر الجلالة أصلا، وكذا ما نقله في المحيط عن الحلواني ليس في الجلالة بل في البغل والحمار، بدليل ما قدمناه عن المنية من عبارة الحلواني، وهو المتعين في عبارة القهستاني بعد ضمير التثنية وقد ذكرنا أحكام الجلالة عند قوله وإبل وبقر جلالة، ونقلنا التصريح عن البقالي بأن عرقها نجس، وبه صرح الشارح في مسائل شتى آخر الكتاب، وهو محمول على التي أنتن لحمها كما قدمنا، فاغتنم هذا التحرير الذي هو من منح العليم الخبير، الحمد لله على نعمائه وتواتر آلائه‏.‏