فصل: باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك

‏(‏قوله مما يناسب إلخ‏)‏ بيان لقوله وغير ذلك لأن مسائل الضرب والقتل ترجم لها في الهداية بابا مستقلا وكذا مسائل تقاضي الدين، وترجم لما بقي بمسائل متفرقة لأنها ليست من باب واحد ويحتمل أن يكون الجار والمجرور في موضع خبر لمبتدإ محذوف أي هذا الباب مما يناسب ترجمته إلخ فالمصدر المنسبك من أن والفعل فاعل يناسب أو هو مبتدأ مؤخر والجار والمجرور خبر مقدم ‏(‏قوله من الغسل والكسوة‏)‏ بيان لقوله وغير ذلك فالأولى تقديمه على قوله مما يناسب ط‏.‏

‏(‏قوله أو قبلتك‏)‏ في بعض النسخ أو قتلتك من القتل‏.‏

مطلب ترد الحياة إلى الميت بقدر ما يحس بالألم

‏(‏قوله تقيد كل منها بالحياة‏)‏ أما الضرب فلأنه اسم لفعل مؤلم يتصل بالبدن أو استعمال آلة التأديب في محل يقبله والإيلام والأدب لا يتحقق في الميت ولا يرد تعذيب الميت في قبره لأنه توضع فيه الحياة عند العامة بقدر ما يحس بالألم والبنية ليست بشرط عند أهل السنة بل تجعل الحياة في تلك الأجزاء المتفرقة التي لا يدركها البصر، وأما الكسوة فلأن التمليك معتبر في مفهومها، كما في الكفارة ولهذا لو قال كسوتك هذا الثوب كان هبة والميت ليس أهلا للتمليك‏.‏ وقال الفقيه أبو الليث‏:‏ لو كانت يمينه بالفارسية ينبغي أن يحنث لأنه يراد به اللبث دون التمليك ولا يرد قولهم إنه لو نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته ملكه لأنه مستند إلى وقت الحياة والنصب أو المراد أنه على حكم ملكه فتملكه ورثته حقيقة لا هو وأيضا هذا ملك لا تمليك هذا ما ظهر لي‏.‏

مطلب في سماع الميت الكلام

وأما الكلام فلأن المقصود منه الإفهام والموت ينافيه‏.‏ ولا يرد ما في الصحيح من «قوله صلى الله عليه وسلم لأهل قليب بدر هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقال عمر أتكلم الميت يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع من هؤلاء أو منهم» فقد أجاب عنه المشايخ بأنه غير ثابت يعني من جهة المعنى، وذلك لأن عائشة ردته بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أنت بمسمع من في القبور‏}‏ ‏{‏إنك لا تسمع الموتى‏}‏ وأنه إنما قاله على وجه الموعظة للأحياء، وبأنه مخصوص بأولئك تضعيفا للحسرة عليهم، وبأنه خصوصية له عليه الصلاة والسلام معجزة، لكن يشكل عليهم ما في مسلم‏:‏ «إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا» إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعا بينه وبين الآيتين فإنه شبه فيهما الكفار بالموتى لإفادة بعد سماعهم وهو فرع عدم سماع الموتى هذا حاصل ما ذكره في الفتح هنا‏.‏ وفي الجنائز‏:‏ ومعنى الجواب الأول أنه وإن صح سنده لكنه معلول من جهة المعنى بعلة تقتضي عدم ثبوته عنه عليه الصلاة والسلام وهي مخالفته للقرآن فافهم، وأما الدخول فلأن المراد به زيارته أو خدمته حتى لا يقال دخل على حائط أو دابة والميت لا يزار هو وإنما يزار قبره قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها»، ولم يقل عن زيارة الموتى هذا حاصل ما ذكره الشراح هنا فتأمل‏.‏ه‏.‏ وأما التقبيل فلأنه يراد به اللذة أو الإسرار أو الشفقة وأما القتل فكالضرب بل أولى ‏(‏قوله كحلفه لا يغسله إلخ‏)‏ تمثيل لقوله بخلاف الغسل

‏(‏قوله أو خنقها‏)‏ أي عصر حلقها ط عن الحموي‏.‏ ‏(‏قوله خلافا لما صححه في الخلاصة‏)‏ قال في النهر‏:‏ وإطلاقه يعم حالة الغضب والرضا لكن في الخلاصة لو عضها أو أصاب رأس أنفها فأدماها ففي الجامع الصغير إن كان في حالة الغضب يحنث وإن كان في حالة الملاعبة لا يحنث وهو الصحيح ا هـ‏.‏ وذكره في البحر أيضا عن الظهيرية، لكن في الفتح قال فخر الإسلام وغيره هذا يعني الحنث إذا كان في الغضب أما إذا فعل في الممازحة فلا يحنث ولو أدماها بلا قصد الإدماء وعن الفقيه أبي الليث أنه قال‏:‏ أراها في العربية، أما إذا كانت بالفارسية فلا يحنث بمد الشعر والخنق والعض‏.‏ والحق أن هذا هو الذي يقتضيه النظر في العربية أيضا إلا أنه خلاف المذهب ا هـ‏.‏ قال المقدسي‏:‏ لعل وجهه أن هذا اللفظ صار في العرف منعا لنفسه عن إيلامها بوجه ما هو يشبه عموم المجاز فإن مطلق الإيلام شامل لتلك الأقسام ا هـ‏.‏ وقول الفتح إلا أنه خلاف المذهب قد يشمل حالة الممازحة كما فهمه الشارح تبعا للمصنف مخالفا لتصحيح الخلاصة، وعبارة المصنف في منحه أطلقه تبعا لما في الهداية والكنز وغيرهما من المعتبرات فانتظم ما إذا كانت اليمين بالعربية والفارسية، وما إذا كان في حالة الغضب أو المزاح وهو المذهب كما أفاده الكمال ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏ ‏(‏قوله والقصد ليس بشرط فيه‏)‏ حتى لو حلف لا يضرب زوجته فضرب غيرها فأصابها يحنث لأن عدم القصد لا يعدم الفعل ‏(‏قوله وقيل شرط‏)‏ لأنه لا يتعارف والزوج لا يقصده بيمينه بحر ‏(‏قوله ويكفي جمعها إلخ‏)‏ أي لو حلف على عدد معين من الأسواط قال في البحر عن الذخيرة‏:‏ حلف ليضربن عبده مائة سوط، فجمع مائة سوط وضربه مرة لا يحنث قالوا هذا إذا ضرب ضربا يتألم به وإلا فلا يبر لأنه صورة لا معنى والعبرة للمعنى، ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة كل مرة تقع الشعبتان على بدنه بر لأنها صارت مائة، وإن جمع الأسواط جميعا وضربه ضربة إن ضرب بعرض الأسواط لا يبر لأن كل الأسواط لم يقع على بدنه، وإن ضربه برأسها إن سوى رءوسها قبل الضرب بحيث يصيبه رأس كل سوط بر وأما إذا اندس منها شيء لا يبر عند عامة المشايخ وعليه الفتوى ا هـ‏.‏ وفي الفتح حتى إن من المشايخ من شرط كون كل عود بحال لو ضرب به منفردا لأوجع المضروب، وبعضهم قالوا بالحنث على كل حال والفتوى على قول عامة المشايخ وهو أنه لا بد من الألم ‏(‏قوله وأما قوله تعالى إلخ‏)‏ جواب عما أورد على أخذ الإيلام في مفهوم الضرب فإنه لا إيلام بحزمة الريحان، فيكون خصوصية إن كانت هي المرادة بالضغث، وعن ابن عباس أنها قبضة من أغصان الشجر، وهذا جواب بالمنع أي منع الإيراد والأول جواب بالتسليم كما في الفتح‏.‏ وأجاب في الحواشي السعدية بأن الضرب في الآية مستعمل فيما لا إيلام فيه فلا يرد السؤال، فإن مبنى الأيمان على العرف لا على ألفاظ القرآن ‏(‏قوله ضغثا‏)‏ في المصباح هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها، ويقال ملء الكف من قضبان وحشيش أو شماريخ، والذي في الآية قيل كان حزمة من أسل فيها مائة عود وهو قضبان دقاق لا ورق لها يعمل منه الحصر والأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع ‏(‏قوله فخصوصية لرحمة‏)‏ قال القاضي البيضاوي‏:‏ زوجته ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت قراثيم بن يوسف ذهبت لحاجة وأبطأت فحلف إن برئ ضربها مائة ضربة فحلل الله تعالى يمينه من ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ودفع كونه خصوصية بأنه تمسك به في كتاب الحيل في جواز الحيلة وفي الكشاف هذه الرخصة باقية‏.‏ والحق أن البر بضرب بضغث بلا ألم أصلا خصوصية لزوجة أيوب عليه السلام‏.‏ ولا ينافي ذلك بقاء شرعية الحيلة في الجملة حتى قلنا إذا حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها وضرب بها مرة لا يحنث، لكن بشرط أن يصيب بدنه كل سوط منها إلخ‏.‏

‏(‏قوله فهو على الكثرة والمبالغة‏)‏ تقدم في آخر باب التعليق إن لم أجامعها ألف مرة فكذا فعلى المبالغة لا العدد وقالوا هناك والسبعون كثير، وأفاد أن القتل بمعنى الضرب كما هو العرف لأنه الذي تمكن فيه الكثرة، لا بمعنى إزهاق الروح إلا مع النية أو القرينة، ولذا قال في الدرر شهر على إنسان سيفا وحلف ليقتلنه فهو على حقيقته ولو شهر عصا وحلف ليقتلنه فعلى إيلامه ‏(‏قوله كحلفه ليضربنه إلخ‏)‏ الظاهر أن المراد بالمبالغة هنا الشدة لا خصوص كثرة العدد لقول البحر في مسألة لا حيا ولا ميتا قال أبو يوسف‏:‏ هذا على أن يضربه ضربا مبرحا، ثم إن هذا إذا حلف ليضربنه بالسياط حتى يموت أما لو قال بالسيف فهو على أن يضربه بالسيف ويموت كما في البحر، ولم يذكر ما لو لم يذكر آلة والظاهر أنه مثل الأول إلا مع النية كما قدمناه‏.‏ قوله وقد قدمها‏)‏ أي هذه المسألة وبين الشارح وجهها هناك‏.‏

‏(‏قوله فضربه بالسواد‏)‏ أي بالقرى في المصباح العرب تسمي الأخضر أسود لأنه يرى كذلك على بعد، ومنه سواد العراق لخضرة أشجاره وزرعه ‏(‏قوله زمان الموت ومكانه‏)‏ نشر مشوش وإنما اعتبر ذلك لأن القتل هو إزهاق الروح فيعتبر الزمان والمكان الذي حصل فيه ذلك ط ‏(‏قوله بشرط كون إلخ‏)‏ فإن كان قبل اليمين فلا حنث أصلا لأن اليمين تقتضي شرطا في المستقبل لا في الماضي بحر عن الظهيرية ‏(‏قوله إن لم تأتني إلخ‏)‏ قدم هذا الفرع قبيل الباب الذي قبل هذا، ومحل ذكره هنا وقدمنا وجهه أن حتى فيه للتعليل والسببية لا للغاية ولا للعطف وذكرنا تفاريع ذلك هناك ‏(‏قوله فعلى التراخي‏)‏ أي إلى آخر جزء من أجزاء حياته أو حياة المحلوف عليه، فإن لم يضربه حتى مات أحدهما حنث ‏(‏قوله لم يحنث‏)‏ لأن اللقي الذي رتب عليه الضرب لا يكون إلا في مكان يمكن فيه الضرب، ولذا قالوا لو لقيه على سطح لا يحنث أيضا‏.‏ قلت‏:‏ وهذا لو كانت يمينه على الضرب باليد فلو بسهم أو حجر اعتبر ما يمكن تأمل ‏(‏قوله فيعتبر ذلك إلخ‏)‏ أي إذا حلف ليقضين دينه إلى بعيد فقضى بعد شهر أو أكثر بر في يمينه لا لو قضاه قبل شهر وفي إلى قريب بالعكس ‏(‏قوله فعلى ما نوى‏)‏ حتى لو نوى بالقريب سنة أو أكثر صحت نيته وكذا إلى آخر الدنيا لأنها قريبة بالنسبة إلى الآخرة فتح ‏(‏قوله ويدين فيما فيه تخفيف عليه‏)‏ هذا ذكره في البحر بحثا وكذا في النهر ويأتي ما يؤيده‏.‏

‏(‏قوله كذا في البحر عن الظهيرية‏)‏ ومثله في الخانية ‏(‏قوله وفي النهر عن السراج إلخ‏)‏ ذكر ذلك في النهر عند قول الكنز الحين والزمان ومنكرهما ستة أشهر حيث قال وفي السراج‏:‏ لا أكلمه مليا فهذا على شهر إلا أن ينوي غير ذلك، ولو قال‏:‏ لأهجرنك مليا فهو على شهر فصاعدا، وإن نوى أقل من ذلك لم يدين في القضاء ا هـ‏.‏ فافهم ‏"‏ وفي بعض نسخ النهر فهو على ستة أشهر في الموضعين، وما نقله الشارح‏:‏ موافق للنسخة الأولى‏.‏ وعبارة النهر هنا وقياس ما مر أن يكون على شهر أيضا أي قياس ما ذكره في البعيد والآجل فإن مليا وطويلا في معناهما وكان صاحب النهر نسي ما قدمه عن السراج بدليل عدوله إلى القياس وإلا فكان المناسب أن يقول‏:‏ وقدمنا عن السراج أنه يكون على شهر أيضا إلا أن تكون النسخة ستة أشهر‏.‏ هذا وقول السراج لم يدين في القضاء يؤيد بحث البحر المار آنفا تأمل‏.‏ تنبيه‏]‏ في المغرب‏:‏ الملي من النهار الساعة الطويلة‏.‏ وعن أبي علي الفارسي الملي المتسع وقيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واهجرني مليا‏}‏ أي دهرا طويلا عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير، والتركيب دال على السعة والطول‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ يمكن أن يكون مأخذ تركيبه وجها لزيادة مدته على البعيد والآجل فلذا في الظهيرية والخانية بأنه شهر ويوم وتبعهما المصنف، وأما على نسخة ستة أشهر فباعتبار أنه اسم لزمان طويل والزمان ستة أشهر تأمل ‏(‏قوله أحد عشر‏)‏ لأنه أقل عدد مركب بدون عطف، وأما بالعطف نحو كذا وكذا فأقل عدد نظيره أحد وعشرون ‏(‏قوله ثلاثة عشر‏)‏ لأن البضع بالكسر ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل إلى التسع كما في المصباح لكن صريح ما في الشرح أن الثلاثة داخلة وما في المصباح يخالفه تأمل‏.‏

مطلب ليقضين دينه فقضاه نبهرجة أو ستوقة

‏(‏قوله نبهرجة‏)‏ هذا غير عربي‏.‏ وأصله نبهرة وهو الحظ أي حظ هذه الدراهم من الفضة أقل وغشه أكثر ولذا ردها التجار أي المستقصي منها، والمسهل منهم يقبلها نهر ‏(‏قوله أو زيوفا‏)‏ جمع زيف أي كفلس وفلوس مصباح‏:‏ وهي المغشوشة يتجوز بها التجار ويردها بيت المال، ولفظ الزيافة غير عربي وإنما هو من استعمال الفقهاء نهر وفتح، يعني أن فعله زاف وقياس مصدره الزيوف لا الزيافة كما في المغرب ‏(‏قوله ما يرده بيت المال‏)‏ لأنه لا يقبل إلا ما هو في غاية الجودة قهستاني فالنبهرجة غشها أكثر من الزيوف فتح ‏(‏قوله أو مستحقة للغير‏)‏ بفتح الحاء أي أثبت الغير أنها حقه‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وإذا بر في دفع هذه المسميات الثلاثة، فلو رد الزيوف أو النبهرجة أو استردت المستحقة لا يرتفع البر، وإن انتقض القبض فإنما ينتقض في حق يقبل الانتقاض ومثله لو دفع المكاتب هذه الأنواع وعتق فردها مولاه لا يرتفع العتق‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله أو ستوقة‏)‏ بفتح السين المهملة وضمها وتشديد التاء قهستاني‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وهي المغشوشة غشا زائدا وهي تعريب ستوقة أي ثلاث طبقات طبقتا الوجهين فضة وما بينهما نحاس ونحوه ‏(‏قوله لأنهما إلخ‏)‏ علة لقوله لا يبر‏.‏ قال الزيلعي وإن كان الأكثر فضة والأقل ستوقة لا يحنث وبالعكس يحنث لأن العبرة للغالب ‏(‏قوله لم يجز‏)‏ لأنه يلزم الاستبدال ببدلهما قبل قبضه وهو غير جائز كما علم في بابه ح ‏(‏قوله ونقل مسكين‏)‏ أي عن الرسالة اليوسفية‏:‏ وهي التي عملها أبو يوسف في مسائل الخراج والعشر للرشيد‏.‏ ونقل العبارة أيضا في المغرب عند قوله ستوقة وكذا في البحر والنهر عن مسكين ولعل المراد أن الإمام لا ينبغي له أن يأخذ النبهرجة من أهل الجزية أو أهل الأراضي بخلاف الستوقة فإنه يحرم عليه أخذها لأن في ذلك تضييع حق بيت المال، والله سبحانه أعلم‏.‏

مطلب المسائل الخمس التي جعلوا الزيوف فيها كالجياد

‏(‏قوله وهذه إحدى المسائل الخمس‏)‏ الثانية‏:‏ رجل اشترى دارا بالجياد ونقد الزيوف أخذ الشفيع بالجياد لأنه لا يأخذها إلا بما اشترى‏.‏ الثالثة‏:‏ الكفيل إذا كفل بالجياد ونقد الزيوف يرجع المكفول عنه بالجياد الرابعة‏:‏ إذا اشترى شيئا بالجياد ونقد البائع الزيوف ثم باعه مرابحة فإن رأس المال هو الجياد‏.‏ الخامسة‏:‏ إذا كان له على آخر دراهم جياد فقبض الزيوف فأنفقها ولم يعلم إلا بعد الإنفاق لا يرجع عليه بالجياد في قول أبي حنيفة ومحمد كما لو قبض الجياد كذا في البحر ح‏.‏

مطلب لأقضين مالك اليوم

‏(‏قوله ودفع للقاضي‏)‏ وذكر الناطفي أن القاضي ينصب عن الغائب وكيلا، وقيل إذا غاب الطالب لا يحنث الحالف وإن لم يدفع إلى القاضي، ولا إلى الوكيل، وفي بعض الروايات يحنث وإن دفع للقاضي والمختار الأول خانية‏.‏ قلت‏:‏ وهذه إحدى المسائل الخمسة التي يجوز فيها القضاء على المسخر وذكرها ط وسيذكرها الشارح في كتاب القضاء ‏(‏قوله باع ما للقاضي بيعه إلخ‏)‏ أي يبر بيمينه إلا إذا باع ما يبيعه القاضي عليه إذا امتنع من البيع بنفسه وذلك كما في الجوهرة وغيرها أنه يباع في الدين العروض أولا ثم العقار ويترك له دست من ثياب بدنه، وإن أمكنه الاجتزاء بدونها باعها، واشترى من ثمنها ثوبا يلبسه لأن قضاء الدين فرض مقدم على التجمل، وكذا لو كان له مسكن يمكنه أن يجتزئ بدونه ويشتري من ثمنه مسكنا يبيت فيه، وقيل يباع ما لا يحتاج إليه في الحال فتباع الجبة واللبد والنطع في الشتاء ‏(‏قوله وكذا يبر بالبيع‏)‏ أي وإن لم يقبض لأن البر وقضاء الدين يحصل بمجرد البيع، حتى لو هلك المبيع قبل قبضه انفسخ البيع وعاد الدين ولا ينتقض البر في اليمين وإنما نص محمد على القبض ليتقرر الدين على رب الدين لاحتمال سقوط الثمن بهلاك المبيع قبل قبضه، ولو كان البيع فاسدا وقبضه فإن كانت قيمته تفي بالدين وإلا حنث لأنه مضمون بالقيمة فتح قال في البحر‏:‏ وشمل ما إذا كان المبيع مملوكا لغير الحالف ولذا قال في الظهيرية إن ثمن المستحق مملوك ملكا فاسدا فملك المديون ما في ذمته ‏(‏قوله ونحوه إلخ‏)‏ كما لو تزوج الطالب أمة المطلوب ودخل بها أو وجب عليه دين بالاستهلاك أو بالجناية يبر أيضا نهر‏.‏ والظاهر أن التقييد بالدخول اتفاقي واحتمال سقوط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول لا ينقض البر كاحتمال هلاك المبيع قبل قبضه كما مر ويؤيده ما في الظهيرية‏:‏ حلف لا يفارقها حتى يستوفي حقه منها فتزوجها على ما له عليها، فهو استيفاء وفيها حلف لا يقبض دينه من غريمه اليوم، واستهلك شيئا من ماله اليوم فلو مثليا لا يحنث لأن الواجب مثله لا قيمته ولو قيميا وقيمته مثل الدين أو أكثر حنث لأنه صار قابضا بطريق المقاصة، وهذا إن استهلكه بعد غصبه لأنه وجد القبض الموجب للضمان فيصير قابضا دينه، وإن قبله كأن أحرقه لم يحنث لعدم القبض ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وتمام فروع المسألة في البحر ‏(‏قوله به‏)‏ متعلق بالبيع والظاهر أنه غير قيد، حتى لو باعه شيئا بثمن قدر الدين تقع المقاصة وإن لم يجعل الدين الثمن يدل عليه مسألة الاستهلاك المذكورة آنفا ولذا لم يقيد به في الفتح ‏(‏قوله لأن الديون تقضى بأمثالها‏)‏ قال في الفتح‏:‏ لأن قضاء الدين لو وقع بالدراهم كان بطريق المقاصة، وهو أن يثبت في ذمة القابض وهو الدائن مضمونا عليه لأنه قبضه لنفسه ليتملكه، وللدائن مثله على المقبض فيلتقيان قصاصا وكذا هنا ‏(‏قوله لأن الهبة إسقاط‏)‏ ولأن القضاء فعل المديون والهبة فعل الدائن بالإبراء فلا يكون فعل هذا فعل الآخر فتح‏.‏ تنبيه‏]‏ قيل إن شرط البر القضاء، ولم يوجد فيلزم الحنث وإلا لزم ارتفاع النقيضين‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وهو غلط فإن النقيضين الواجب صدق أحدهما دائما هما في الأمور الحقيقة كوجود زيد وعدمه، أما المتعلق قيامهما بسبب شرعي فيثبت حكمهما ما بقي السبب قائما وقيام اليمين سبب لثبوت أحدهما من الحنث أو البر، وينتفيان بانتفائه كما هو قبل اليمين حيث لا بر ولا حنث ولذا قالوا هنا لم يحنث ولم يقولوا بر ولم يحنث‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وإمكان البر شرط البقاء إلخ‏)‏ أي في اليمين المؤقتة بخلاف المطلقة فإنه فيها شرط الابتداء فقط، وحين حلف كان الدين قائما فكان تصور البر ثابتا فانعقدت ثم حنث بعد مضي زمن يقدر فيه على القضاء باليأس من البر بالهبة فتح ‏(‏قوله وعليه‏)‏ أي ويبتني على اعتبار هذا الشرط‏.‏ ‏(‏قوله لم يحنث‏)‏ لفوات إمكان البر في الغد قبل وقته فبطلت اليمين‏.‏

‏(‏قوله فأمر غيره‏)‏ الضمير فيه عائد إلى الحالف وضمير أحاله وقبض إلى فلان‏.‏ قال ط‏:‏ أفاد به أن القضاء لا يتحقق بمجرد الحوالة والأمر بل لا بد معهما من القبض‏.‏ قال في الهندية‏:‏ وإن نوى أن يكون ذلك بنفسه صدق قضاء وديانة‏.‏ ولو حلف المطلوب أن لا يعطيه فأعطاه على أحد هذه الوجوه حنث، وإن نوى أن لا يعطيه بنفسه لم يدين في القضاء ‏(‏قوله لا يفارق غريمه إلخ‏)‏ تقدم بعض مسائل الغريم في أواخر باب اليمين بالأكل والشرب ‏(‏قوله أو يحفظه‏)‏ الذي في المنح والبحر ويحفظه بالواو ط قال في البحر‏:‏ وكذلك لو حال بينهما ستر أو أسطوانة من أساطين المسجد وكذلك لو قعد أحدهما داخل المسجد والآخر خارجه والباب بينهما مفتوح بحيث يراه، وإن توارى عنه بحائط المسجد والآخر خارجه فقد فارقه، وكذلك لو كان بينهما باب مغلق إلا إن أدخله وأغلق عليه وقعد على الباب ‏(‏قوله قال‏)‏ أي صاحب مجموع النوازل كما عزاه إليه في البحر عن الظهيرية ‏(‏قوله لم يحنث‏)‏ الظاهر أن وجهه أنه يراد باليوم عرفا ما يشمل الليل وتقدم أنه لو قال يوم أكلم فلانا فكذا فهو على الجديدين لقرانه بفعل لا يمتد فعم وكذلك هنا لأن الإعطاء لا يمتد فافهم‏.‏

مطلب لا يقبض دينه درهما دون درهم

‏(‏قوله لا يقبض دينه درهما دون درهم‏)‏ أي لا يقبضه حالة كون درهم منه مخالفا لدرهم آخر في كونه غير مقبوض أي لا يقبضه متفرقا بل جملة فالمجموع في تأويل حال مشتقة فهو مثل بعته يدا بيد أي متقابضين كذا ظهر لي ‏(‏قوله لا يحنث حتى يقبض كله متفرقا‏)‏ أي لا يحنث بمجرد قبض ذلك البعض بل يتوقف حنثه على قبض باقيه فإذا قبضه حنث فتح ‏(‏قوله وهو قبض الكل إلخ‏)‏ لأنه أضاف القبض المتفرق إلى كل الدين حيث قال ديني وهو اسم لكله فتح، فلو قال‏:‏ من ديني يحنث بقبض البعض لأن شرط الحنث هنا قبض البعض من الدين متفرقا وأشار إلى أنه لو قيد باليوم فقبض البعض فيه متفرقا أو لم يقبض شيئا لم يحنث لأن الشرط أخذ الكل في اليوم متفرقا، ولم يوجد وتمامه في البحر ‏(‏قوله بوزنين‏)‏ أو أكثر لأنه قد يتعذر قبض الكل دفعة فيصير هذا المقدار مستثنى ولأن هذا القدر من التفريق لا يسمى تفريقا عادة والعادة هي المعتبرة زيلعي

‏(‏قوله فترك منه درهما‏)‏ أي لم يأخذ منه أصلا ‏(‏قوله كيف شاء‏)‏ أي جملة أو متفرقا‏.‏

مطلب حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جملة

‏(‏قوله لا يحنث‏)‏ كذا ذكر في البحر عن الظهيرية هذه المسألة غير معللة والظاهر أنها بمعنى المسألة المارة لأن درهما دون درهم بمعنى ‏"‏ متفرقا ‏"‏ كما مر وقوله هنا إلا جملة هو معنى لا يقبضه متفرقا لكن الأولى في الإثبات، وهذه في النفي والمعنى واحد‏.‏

مطلب إن أنفقت هذا المال إلا على أهلك فكذا فأنفق بعضه لا يحنث

ورأيت في طلاق الذخيرة في ترجمة المسائل التي ينظر فيها إلى شرط البر‏:‏ وهب لرجل مالا فقال الواهب امرأتي طالق ثلاثا إن أنفقت هذا المال الذي وهبتك إلا على أهلك ثم إنه أنفق بعضه على أهله وقضى بالباقي دينا أو حج أو تزوج لا تطلق امرأة الحالف ذكره خواهر زاده في شرح الحيل، وعلله بأن شرط بره إنفاق جميع الهبة على أهله فيكون شرط حنثه ضد ذلك، وهو إنفاق جميعها على غيرهم ولم يوجد، وهو نظير ما لو حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جميعا وأخذ البعض دون البعض لا يحنث لأن شرط بره أخذ جميع الدين جملة فيكون شرط حنثه ضد ذلك، وهو أخذ جميع الدين متفرقا ولم يوجد ذلك كذا هنا‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أنه لا يحنث بمجرد قبض البعض جملة أو متفرقا ما لم يقبض الباقي كما مر، فإذا ترك البعض بأن لم يقبضه أصلا بإبراء أو بدونه لم يحنث لعدم شرطه وهو قبض كله غير جملة أي متفرقا‏.‏ ولما كانت هذه المسألة في معنى الأولى كما ذكرنا قال الشارح‏:‏ وهو الحيلة في عدم حنثه في الأولى، وبقي هنا شيء وهو ما لم يأخذ من دينه شيئا أصلا أو لم ينفق في مسألة الهبة شيئا بأن ضاعت الهبة مثلا والظاهر أنه لا يحنث لأن المعنى إن أخذت ديني لا آخذه إلا جملة أو إن أنفقتها لا تنفقها إلا على أهلك ونظيره لا أبيع هذا الثوب إلا بعشرة أو لا تخرجي إلا بإذني فلم يبعه أو لم تخرج أصلا فلا شك في عدم الحنث فكذا هنا‏.‏

مطلب حلف لا يشكوه إلا من حاكم السياسة ولم يشكه أصلا لم يحنث

ومنه يعلم جواب ما لو حلف لا يشكوه إلا من حاكم السياسة وترك شكايته أصلا لا يحنث هذا ما ظهر لي فاغتنمه ‏(‏قوله بملكها‏)‏ متعلق بقوله لا يحنث ‏(‏قوله لأن غرضه نفي الزيادة على المائة‏)‏ أي أن ذلك هو المقصود عرفا والخمسون مثلا ليس زائدا على المائة، وهذا بخلاف ما لو قال‏:‏ لي على زيد مائة وقال زيد خمسون فقال‏:‏ إن كان لي عليه إلا مائة فهذا لنفي النقصان لأن قصده بيمينه الرد على المنكر ا هـ‏.‏ فتح ‏(‏قوله لو مما فيه الزكاة‏)‏ أي لو كانت الزيادة من جنس ما تجب فيه الزكاة كالنقدين والسائمة وعرض التجارة وإن قلت الزيادة، ولو كانت من غيره كالرقيق والدور لم يحنث، وهذا لأن المستثنى منه عرفا المال لا الدراهم، ومطلق المال ينصرف إلى الزكوي كما لو قال‏:‏ والله ليس لي مال أو قال‏:‏ مالي في المساكين صدقة، وهذا بخلاف ما لو أوصى بثلث ماله أو استأمن الحربي على ماله حيث يعم جميع الأموال لأن الوصية خلافه كالميراث ومقصود الحربي الغنية له بماله وتمامه في شرح التلخيص ‏(‏قوله حتى لو قال إلخ‏)‏ تفريع على ما فهم من كلامه من أن المال إذا أطلق ينصرف إلى الزكوي كما قررناه فافهم‏.‏

مطلب حلف لا يفعل كذا تركه على الأبد

‏(‏قوله تركه على الأبد إلخ‏)‏ ففي أي وقت فعله حنث وإن نوى يوما أو يومين أو ثلاثة أو بلدا أو منزلا أو ما أشبهه لم يدين أصلا لأنه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ كما في الذخيرة ‏(‏قوله لأن الفعل يقتضي مصدرا منكرا إلخ‏)‏ فإذا قال‏:‏ لا أكلم زيدا فهو بمعنى لا أكلمه كلاما، وهذا أحد تعليلين ذكرهما في غاية البيان ثانيهما‏:‏ أنه نفى فعل ذلك الشيء مطلقا ولم يقيده بشيء دون شيء فيعم الامتناع عنه ضرورة عموم النفي وعليه اقتصر في البحر وهو أظهر، وأحسن منهما ما نقلناه عن الذخيرة لما يرد على الأول أن عموم ذلك المصدر في الأفراد لا في الأزمان، وأيضا فقد قال ح‏:‏ إن هذا ينافي ما مر في باب اليمين في الأكل أي من أن الثابت في ضمن الفعل ضروري لا يظهر في غير تحقيق الفعل بخلاف الصريح، ومن أن الفعل لا عموم له كما في المحيط عن سيبويه ‏(‏قوله وما في شرح المجمع‏)‏ أي لابن ملك من عدمه أي عدم انحلال اليمين فهو سهو كما في البحر، بل تنحل فإذا حنث مرة بفعله لم يحنث بفعله ثانيا وللعلامة قاسم رسالة رد فيها على العلامة الكافيجي حيث اغتر بما في شرح المجمع، ونقل فيها إجماع الأئمة الأربعة على عدم تكرار الحنث ‏(‏قوله لا يحنث‏)‏ لأنه بعد الحنث لا يتصور البر وتصور البر شرط بقاء اليمين فلم تبق اليمين، فلا حنث رسالة العلامة قاسم عن شرح مختصر الكرخي ‏(‏قوله إلا في كلما‏)‏ لاستلزامها تكرر الفعل، فإذا قال‏:‏ كلما فعلت كذا يحنث بكل مرة ‏(‏قوله وكذا إلخ‏)‏ هذا إذا لم يمض الوقت ‏(‏قوله والمحلوف عليه‏)‏ الواو بمعنى أو ‏(‏قوله لتحقق العدم‏)‏ أي عدم الفعل في اليوم ط ‏(‏قوله ولو جن الحالف إلخ‏)‏ محل هذا في الإثبات كما في الفتح‏.‏ وصورته‏:‏ قال لآكلن الرغيف في هذا اليوم فجن فيه ولم يأكل، أما في صورة النفي إذا جن ولم يأكل فلا شك في عدم الحنث ط، وقدم المصنف أول الأيمان أنه يحنث لو فعل المحلوف عليه وهو مغمى عليه أو مجنون‏.‏

مطلب حلف ليفعلنه بر بمرة

‏(‏قوله لأن النكرة في الإثبات تخص‏)‏ أراد بالنكرة المصدر الذي تضمنه الفعل وهذا مبني على التعليل السابق وقد علمت ما فيه‏.‏ وفي الفتح لأن الملتزم فعل واحد غير عين إذ المقام للإثبات فيبر بأي فعل، سواء كان مكرها فيه أو ناسيا أصيلا أو وكيلا عن غيره، وإذا لم يفعل لا يحكم بوقوع الحنث حتى يقع اليأس عن الفعل، وذلك بموت الحالف قبل الفعل فيجب عليه أن يوصي بالكفارة أو بفوت محل الفعل كما لو حلف ليضربن زيدا أو ليأكلن هذا الرغيف فمات زيد أو أكل الرغيف قبل أكله وهذا إذا كانت اليمين مطلقة‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ولو قيدها بوقت‏)‏ مثل ليأكلنه في هذا اليوم فتح ‏(‏قوله بأن وقع اليأس‏)‏ أي قبل مضي الوقت ‏(‏قوله أو بفوت المحل‏)‏ هذا عندهما خلافا لأبي يوسف فتح‏.‏

مطلب حلفه وال ليعلمنه بكل داعر

‏(‏قوله تقيد حلفه بقيام ولايته‏)‏ هذا التخصيص بالزمان ثبت بدلالة الحال وهو العلم بأن المقصود من هذا الاستحلاف زجره بما يدفع شره أو شر غيره بزجره لأنه إذا زجر داعرا انزجر آخر، وهذا لا يتحقق إلا في حال ولايته لأنها حال قدرته على ذلك فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته، والزوال بالموت وكذا بالعزل في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه يجب عليه إعلامه بعد العزل فتح ‏(‏قوله وينبغي تقييد يمينه بفور علمه‏)‏ هذا بحث لابن همام فإنه قال وفي شرح الكنز ثم إن الحالف لو علم بالداعر ولم يعلم به لم يحنث إلا إذا مات هو أو المستحلف أو عزل لأنه لا يحنث في اليمين المطلقة إلا باليأس إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضي الوقت مع الإمكان ا هـ‏.‏ ولو حكم بانعقاد هذه للفور لم يكن بعيدا نظرا إلى المقصود وهو المبادرة لزجره ودفع شره، والداعي يوجب التقييد بالفور أي فور علمه به ا هـ‏.‏ وأقره في البحر والنهر والمنح و اعترض بأنه خلاف ظاهر الرواية، ففي العناية وليس يلزمه الإعلام حال دخوله، وإنما يلزمه أن لا يؤخر الإعلام إلى ما بعد موت الوالي أو عزله على ظاهر الرواية‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ قوله على ظاهر الرواية‏:‏ راجع إلى قوله‏:‏ أو عزله أي بناء على ظاهر الرواية من أن العزل كالموت في زوال الولاية خلافا لما عن أبي يوسف كما يعلم مما نقلناه سابقا على الفتح، ولا شك أن التقييد بالفور عند قيام القرينة حكم ثابت في المذهب‏.‏ فصار حاصل بحث ابن الهمام أن الوالي إذا كان مراده دفع الفساد في البلد وحلف رجلا بأن يعلمه بكل مفسد دخل البلد، فليس مراده أن يخبره بعد إفساده سنين في البلد بل مراده إخباره به قبل إظهاره الفساد فهذا قرينة واضحة على أن هذه اليمين يمين الفور الثابت حكمها في المذهب، فما في شرح الكنز والعناية مبني على عدم قيام قرينة الفور، وما بحثه ابن الهمام مبني على قيامها فحيث قامت القرينة على الفور حكم بها بنص المذهب وإلا فلا فلم يكن بحثه مخالفا للمنقول بل هو معقول مقبول فلذا أقره عليه الفحول فافهم ‏(‏قوله وإذا سقطت لا تعود‏)‏ أي إذا سقطت بالعزل كما هو ظاهر الرواية كما مر لا تعود بعوده إلى الولاية ‏(‏قوله ولو ترقى بلا عزل إلخ‏)‏ هذا لم يذكره في الفتح، بل ذكره في البحر بحثا بقوله‏:‏ ولم أر حكم ما إذا عزل من وظيفته، وتولى وظيفة أخرى أعلى منها، وينبغي أن لا تبطل اليمين لأنه صار متمسكا من إزالة الفساد أكثر من الحالة الأولى‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أن محل هذا ما إذا لم يكن فاصل بين عزله وتوليته، بل المراد ترقيه في الولاية، وانتقاله عن الأولى إلى أعلى منها ولذا عبر الشارح بقوله‏:‏ ولو ترقى بلا عزل أما لو عزل ثم تولى بعد مثلا فقد تحقق سقوط اليمين والساقط لا يعود ‏(‏قوله ومن هذا الجنس‏)‏ أي جنس ما تقيد بالمعنى وإن كان مطلقا في اللفظ ‏(‏قوله أو الكفيل بأمر المكفول عنه‏)‏ كذا وقع في البحر، ولم يذكر في الفتح والنهر لفظ الأمر، ولذا قيل إنه لا فائدة للتقييد به أقول أي لأن رب الدين له ولاية المطالبة على الكفيل سواء كان كفيلا بأمر المكفول عنه أو لا لكن هذا بناء على أن الكفيل منصوب عطفا على غريمه ولفظ أمر مضاف إلى المكفول عنه، وليس كذلك بل الكفيل مرفوع عطفا على رب الدين ولفظ أمر بالتنوين، والمكفول عنه منصوب عطف على غريمه مفعول حلف ويوضحه قول كافي النسفي أو الكفيل بالأمر المكفول عنه، وعليه فالتقييد بالأمر له فائدة ظاهرة لأن الكفيل له بالأمر له الرجوع على المكفول عنه فيصير بمنزلة رب الدين فلذا كان لتحليفه المكفول فائدة ويتقيد تحليفه بمدة قيام الدين بمنزلة رب الدين فافهم وفي الخانية الكفيل بالنفس إذا حلف الأصيل لا يخرج من البلدة إلا بإذنه فقضى الأصيل دين الطالب ثم خرج بعد ذلك لا يحنث ‏(‏قوله وولاية المنع حال قيامه‏)‏ أي قيام الدين ومفاده أن ذلك فيما إذا لم يكن الدين مؤجلا إذ ليس له منعه من الخروج ولا مطالبته قبل حلول الأجل، وفيما إذا أدى الكفيل لرب المال إذ ليس له مطالبة المكفول عنه قبل الأداء نعم له ملازمته أو حبسه إذا لوزم الكفيل أو حبس فليتأمل‏.‏ ‏(‏قوله لعدم دلالة التقييد‏)‏ لأنه لم يذكر الإذن فلا موجب لتقييده بزمان الولاية في الإذن، وعلى هذا لو قال لامرأته‏:‏ كل امرأة أتزوجها بغير إذنك فطالق، فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا، ثم تزوج بغير إذنها طلقت لأنه لم تتقيد يمينه ببقاء النكاح لأنها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الإذن والمنع بعقد النكاح‏.‏ ا هـ‏.‏ فتح أي بخلاف الزوج فإنه يستفيد ولاية الإذن بالعقد وكذا رب الدين، كما في الذخيرة وما قيل من أن الإضافة في قوله‏:‏ امرأتي تدل على التقييد لأنها بعد العدة لم تبق امرأته مدفوع بأن الإضافة لا للتقييد، بل للتعريف كما قالوا في قوله إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة يحنث فافهم، وانظر ما قدمناه في التعليق من كتاب الطلاق‏.‏

مطلب حلف ليهبن له فوهب له فلم يقبل بخلاف البيع ونحوه

‏(‏قوله ونحوه‏)‏ كالإجارة والصرف والسلم والنكاح والرهن والخلع بحر ‏(‏قوله وكذا في طرف النفي‏)‏ فإذا قال‏:‏ لا أهب حنث بالإيجاب فقط بخلاف لا أبيع ‏(‏قوله والأصل إلخ‏)‏ الفرق أن الهبة عقد تبرع، فيتم بالمتبرع أما البيع فمعاوضة فاقتضى الفعل من الجانبين، وعند زفر الهبة كالبيع، واتفقوا على أنه لو قال بعتك هذا الثوب أو آجرتك هذه الدار، فلم تقبل وقال بل قبلت فالقول له لأن الإقرار بالبيع تضمن الإقرار بالإيجاب والقبول وعلى الخلاف القرض، وعن أبي يوسف أن القبول فيه شرط لأنه في حكم المعاوضة ونقل فيه عن أبي حنيفة روايتان والإبراء يشبه البيع لإفادته الملك باللفظ والهبة لأنه تمليك بلا عوض وقال الحلواني‏:‏ إنهما كالهبة وقيل الأشبه أن يلحق الإبراء بالهبة والقرض بالبيع، والاستقراض كالهبة بلا خلاف ا هـ‏.‏ ملخصا من الفتح والبحر وانظر ما قدمناه في باب اليمين بالبيع والشراء‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

في الفتح لو قال العبد إن وهبك فلان مني فأنت حر فوهبه منه إن كان العبد في يد الواهب لا يعتق سلمه له أو لا وإن كان وديعة في يد الموهوب له إن بدأ الواهب فقال وهبتكه لا يعتق قبل أو لا، وإن بدأ الآخر فقال هبه مني فقال وهبته منك عتق ‏(‏قوله شرط في الحنث‏)‏ هذا فيما لو كان الحلف على النفي فلو على الإثبات فهو شرط في البر فكان المناسب إسقاط قوله في الحنث فافهم‏.‏

مطلب حلف لا يشم ريحانا

‏(‏قوله لا يشم‏)‏ بفتح الياء والشين مضارع شممت الطيب بكسر الميم في الماضي وجاء في لغة فتح الميم في الماضي وضمها في المضارع نهر والمشهورة الفصيحة الأولى كما في الفتح ‏(‏قوله وياسمين‏)‏ بكسر السين وبعضهم بفتحها وهو غير منصرف وبعض العرب يعربه إعراب جمع المذكر السالم على غير قياس مصباح ‏(‏قوله والمعول عليه العرف‏)‏ ذكر ذلك في الفتح بعد حكاية الخلاف في تفسير الريحان وهو أنه ما طاب ريحه من النبات أو ما ساقه رائحته طيبة كالورد أو ما لا ساق له من البقول مما له رائحة مستلذة وغير ذلك ‏(‏قوله فوجد ريحه‏)‏ أي من غير قصد شمه ‏(‏قوله للعرف‏)‏ فما في الهداية من حنثه بالدهن لا الورق وما قاله الكرخي من حنثه بهما مبني على اختلاف العرف وعرفنا ما ذكره المصنف فتح ملخصا‏.‏

مطلب حلف لا يتزوج فزوجه فضولي

‏(‏قوله فأجاز بالقول‏)‏ كرضيت وقبلت نهر وفي حاوي الزاهدي لو هنأه الناس بنكاح الفضولي فسكت فهو إجازة ‏(‏قوله حنث‏)‏ هذا هو المختار كما في التبيين وعليه أكثر المشايخ والفتوى عليه كما في الخانية وبه اندفع ما في جامع الفصولين من أن الأصح عدمه بحر ‏(‏قوله وبالفعل‏)‏ كبعث المهر أو بعضه بشرط أن يصل إليها وقيل الوصول ليس بشرط نهر وكتقبيلها بشهوة وجماعها لكن يكره تحريما لقرب نفوذ العقد من المحرم بحر‏.‏ قلت‏:‏ فلو بعث المهر أولا لم يكره التقبيل والجماع لحصول الإجازة قبله ‏(‏قوله ومنه الكتابة‏)‏ أي من الفعل ما لو أجاز بالكتابة لما في الجامع حلف لا يكلم فلانا أو لا يقول له شيئا فكتب إليه كتابا لا يحنث، وذكر ابن سماعة أنه يحنث نهر ‏(‏قوله به يفتى‏)‏ مقابله ما في جامع الفصولين من أنه لا يحنث بالقول كما مر فكان المناسب ذكره قبل قوله وبالفعل أفاده ط ‏(‏قوله لاستنادها‏)‏ أي الإجازة لوقت العقد وفيه لا يحنث بمباشرته ففي الإجازة أولى بحر‏.‏

مطلب قال كل امرأة تدخل في نكاحي فكذا

‏(‏قوله لا يحنث‏)‏ هذا أحد قولين قاله الفقيه أبو جعفر ونجم الدين النسفي والثاني أنه يحنث وبه قال شمس الأئمة والإمام البزدوي والسيد أبو القاسم وعليه مشى الشارح قبيل فصل المشيئة، لكن رجح المصنف في فتاواه الأول ووجهه أن دخولها في نكاحه لا يكون إلا بالتزويج‏.‏ فيكون ذكر الحكم ذكر سببه المختص به فيصير في التقدير كأنه قال إن تزوجتها وبتزويج الفضولي، لا يصير متزوجا، كما في فتاوى العلامة قاسم‏.‏ قلت‏:‏ قد يقال إن له سببين‏:‏ التزوج بنفسه والتزويج بلفظ الفضولي، والثاني غير الأول بدليل أنه لا يحنث به في حلفه لا يتزوج تأمل ‏(‏قوله لكثرة أسباب الملك‏)‏ فإنه يكون بالبيع والإرث والهبة والوصية وغيرها بخلاف النكاح كما علمت فلا فرق بين ذكره وعدمه ‏(‏قوله أو فعلا‏)‏ كإخراج متاعها من بيته ط ‏(‏قوله لوجوبه قبل الطلاق‏)‏ فلا يحال به إلى الطلاق بخلاف النكاح لأن المهر من خصائصه منح عن العمادية ‏(‏قوله قال‏)‏ أي فضولي ‏(‏قوله فأجاز الزوج‏)‏ أي أجاز تعليق الفضولي ‏(‏قوله ومثله‏)‏ أي مثل ما في المتن ‏(‏قوله ما يكتبه الموثقون‏)‏ أي الذين يكتبون الوثائق أي الصكوك ‏(‏قوله إلى آخره‏)‏ المناسب حذفه لأن قوله أو دخلت في نكاحي معطوف على تزوجت لا على بنفسي، فلا يصح تعليله بأن عامله تزوجت بل العلة فيه أنه ليس له إلا سبب واحد‏:‏ وهو التزوج كما مر وهو لا يكون إلا بالقول أفاده ط ‏(‏قوله وهو خاص بالقول‏)‏ فقوله أو بفضولي ينصرف إلى الإجازة بالقول فقط بحر ‏(‏قوله فلا مخلص له إلخ‏)‏ كذا في البحر وتبعه في النهر والمنح وفي فتاوى العلامة قاسم وجامع الفصولين أنه اختلف فيه قيل لا وجه لجوازه لأنه شدد على نفسه وقال الفقيه أبو جعفر وصاحب الفصول حيلته أن يزوجه فضولي بلا أمرهما فيجيزه هو فيحنث قبل إجازة المرأة لا إلى جزاء لعدم الملك ثم تجيزه هي فإجازتها لا تعمل، فيجددان العقد، فيجوز إذ اليمين انعقدت على تزوج واحد، وهذه الحيلة إنما يحتاج إليها إذا قال أو يزوجها غيري لأجلي وأجيزه أما إذا لم يقل وأجيزه، قال النسفي يزوج الفضولي لأجله فتطلق ثلاثا إذ الشرط تزويج الغير له مطلقا ولكنها لا تحرم عليه لطلاقها قبل الدخول في ملك الزوج قال صاحب جامع الفصولين فيه تسامح لأن وقوع الطلاق قبل الملك محال‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ إنما سماه تسامحا لظهور المراد وهو انحلال اليمين لا إلى الجزاء لأن الشرط تزويج الغير له وذلك يوجد من غير توقف على إجازته بخلاف قوله أتزوجها فإنه لا يوجد إلا بعقده بنفسه أو عقد غيره له وإجازته ‏(‏قوله إلا إذا كان المعلق طلاق المزوجة‏)‏ في بعض النسخ ‏"‏ المتزوجة ‏"‏ أي التي حلف ألا يتزوجها بنفسه أو بفضولي احتزاز عما لو كان المعلق طلاق زوجته الأصلية بأن قال إن تزوجت عليك بنفسي أو بفضولي فأنت طالق فإن حكم الشافعي بفسخ اليمين المضافة يؤكد الحنث لا ينافيه ‏(‏قوله إن الإفتاء كاف‏)‏ أي إفتاء الشافعي للحالف ببطلان هذه اليمين وهو رواية عن محمد أفتى بها أئمة خوارزم لكنها ضعيفة، نعم لو قال‏:‏ كل امرأة أتزوجها فهي كذا فتزوج امرأة وحكم القاضي بفسخ اليمين ثم تزوج أخرى يحتاج إلى الفسخ ثانيا عندهما وقال محمد لا يحتاج وبه يفتى كما في الظهيرية فمن قال إن بطلان اليمين هو قول محمد المفتى به كما في الظهيرية فقد اشتبه عليه حكم بآخر كما قدمنا بيانه في باب التعليق فافهم ‏(‏قوله بحر‏)‏ الأولى أن يقول نهر لأن جميع ما قدمه مذكور فيه أما في البحر فإنه لم يذكر قوله أنه مما يكتبه الموثقون ولا قوله أو دخلت في نكاحي بوجه ما ولا قوله وقدمنا في التعاليق‏.‏

قوله لأن المراد بها المسكن عرفا‏)‏ يعني أن المراد ما يشمل المسكن، فيصدق على المملوكة غير المسكونة وفيه تفصيل وخلاف ذكرناه في باب اليمين بالدخول ‏(‏قوله ولا بد أن تكون سكناه لا بطريق التبعية إلخ‏)‏ مخالف لما قدمه في الباب المذكور من قوله‏:‏ وله تبعا وهو ما في الخانية لو حلف لا يدخل دار بنته أو أمه، وهي تسكن في بيت زوجها، فدخل الحالف حنث وقد ذكر في الخانية أيضا مسألة الواقعات وقال إن لم ينو تلك الدار لا يحنث لأن السكنى تضاف إلى الزوج لا إلى المرأة ويمكن الجواب بأن الدار في مسألة الخانية المارة لما لم تكن للمرأة انعقدت يمينه على دار السكنى بالتبعية فحنث أما في مسألة الواقعات المذكورة هنا فالدار فيها ملك المرأة فانصرفت اليمين إلى ما ينسب إليها أصالة فلما سكنها زوجها نسبت إليه وانقطعت نسبتها إليها فلم يحنث الحالف بدخولها ما لم ينوها أفاد بعضه السيد أبو السعود، لكن قدمنا في باب الدخول عن التتارخانية ما يفيد اختلاف الرواية ولكن ما ذكر من الجواب توفيق حسن رافع للخلاف بقيد عدم النية المذكور أخذا مما مر عن الخانية فافهم‏.‏

مطلب حلف لا مال له

‏(‏قوله بل بتشديد اللام‏)‏ كذا في البحر عن مسكين والظاهر أن التشديد غير لازم لأنه يقال مفلس وجمعه مفاليس كما في المصباح وهذا أعم من المحكوم بإفلاسه وغيره كما لا يخفى‏.‏

مطلب الديون تقضى بأمثالها

‏(‏قوله بل وصف للذمة إلخ‏)‏ ولهذا قيل إن الديون تقضى بأمثالها على معنى أن المقبوض مضمون على القابض لأن قبضه بنفسه على وجه التملك ولرب الدين على المدين مثله، فالتقى الدينان قصاصا وتمامه في البحر‏.‏

مطلب قال لغيره والله لتفعلن كذا فهو حالف

‏(‏قوله فإن لم يفعله المخاطب حنث‏)‏ كذا أطلقه في الخانية والفتح والنهر وظاهره أنه يحنث سواء أمره بالفعل أو لا وهو كذلك لأن أمره لا يحقق الفعل من المحلوف عليه، وشرط بره هو الفعل، وشرط حنثه عدمه ويأتي تمام بيانه قريبا‏.‏

مطلب والله لا تقم فقام لا يحنث

هذا ورأيت في الصيرفية‏:‏ مر على رجل فأراد أن يقوم فقال والله لا تقم فقام لا يلزم المار شيء لكن عليه تعظيم اسم الله تعالى ا هـ‏.‏ وذكره في البزازية بعبارة فارسية فهذا الفرع مخالف لما مر، وقد يجاب بأن قوله لا تقم نهي وهو إنشاء في الحال تحقق مضمونه عند التلفظ به، وهو طلب الكف عن القيام فصار الحلف على هذا الطلب الإنشائي لا على عدم القيام فالمقصود من الحلف تأكيد ذلك الطلب فليتأمل‏.‏ والظاهر أن الأمر مثل النهي فإذا قال بالله أضرب زيدا اليوم لا يحنث بعدم ضربه ويظهر أيضا أنه لو قعد ثم قام لا يحنث ولو لم يكن بلفظ النهي لأن المراد النهي عن القيام الذي تهيأ له المحلوف عليه فهو يمين الفور المار بيانها وهذه المسألة تقع كثيرا‏.‏

مطلب قال لتفعلن كذا قال نعم

‏(‏قوله ما لم ينو الاستحلاف‏)‏ فإن نوى الاستحلاف فلا شيء على واحد منهما خانية وفتح أي لأن المخاطب لم يجبه بقوله نعم حتى يصير حالفا قال في الخانية ولو قال‏:‏ والله لتفعلن كذا فقال الآخر نعم، فهو على خمسة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أن ينوي كل من المبتدئ والمجيب الحلف على نفسه فهما حالفان أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن قوله نعم يتضمن إعادة ما قبله فكأنه قال والله لأفعلن كذا فإذا لم يفعل حنثا جميعا‏.‏ الثاني‏:‏ أن يريد المبتدئ الاستحلاف والمجيب اليمين على نفسه فالحالف هو المجيب فقط‏.‏ الثالث‏:‏ أن لا يريد المجيب اليمين بل الوعد فلا يكون أحدهما حالفا‏.‏ الرابع‏:‏ أن لا يكون لأحدهما نية فالحالف هو المبتدئ فقط‏.‏ الخامس‏:‏ أن يريد المبتدئ الاستحلاف والمجيب الحلف فالمجيب حالف لا غيره ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ هذا الأخير هو عين الثاني فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله فالحالف هو المبتدئ‏)‏ وكذا فيما لو قال أحلف أو أشهد بالله قال عليك أو لا فلا يمين على المجيب في الثلاثة وإن نويا أن يكون الحالف هو المجيب خانية‏.‏ قلت‏:‏ ووجهه أنه أسند فعل القسم إلى نفسه فلا يمكن أن يكون فاعله غيره ‏(‏قوله ما لم ينو الاستفهام‏)‏ أي بأن تكون همزة الاستفهام مقدرة فيصير المعنى هل أحلف أم لا وهذا يصلح حيلة إذا أراد أن لا يحنث فافهم ‏(‏قوله فالحالف المجيب‏)‏ ولا يمين على المبتدئ وإن نوى اليمين خانية وفتح أي لإسناده الحلف إلى المخاطب فلا يمكن أن يكون الحالف غيره‏.‏

مطلب حلف لا يدخل فلان داره

‏(‏قوله لا يدخل فلان داره إلخ‏)‏ نقله في النهر عن منية المفتي وهذا رأيته فيها لكن بلفظ الدار معرفة، وهذا محمول على ما إذا كان فلان ظالما لا يمكن الحالف أن يمنعه كما يعلم مما ذكره الشرنبلالي في رسالة عن الخانية والخلاصة وغيرهما، حلف لا يدع فلانا يدخل هذه الدار، فلو الدار ملك الحالف فشرط البر منعه بالقول والفعل بقدر ما يطيق، فلو منعه بالقول دون الفعل حنث، وإن لم تكن له فمنعه بالقول دون الفعل لا يحنث بالدخول‏.‏ وفي القنية عن الوبري‏:‏ حلف ليخرجن ساكن داره اليوم، والساكن ظالم غالب يتكلف في إخراجه فإن لم يمكنه فاليمين على التلفظ باللسان‏.‏ ا هـ‏.‏ قال‏:‏ وهذا يفيد أن ما مر من حنث المالك بالمنع بالقول فقط مقيد بما إذا قدر على منعه بالفعل وإلا فيكفيه القول، ويفيده قول الخانية بقدر ما يطيق‏.‏ هذا حاصل ما ذكره في الرسالة، وقد لخصها السيد أبو السعود تلخيصا مخلا، ونقله عنه ط في الباب السابق وأنه أفتى بناء على ما فهمه فيمن حلف على أخته أن لا تتكلم بأنها لو تكلمت بعد ما نهاها عن الكلام لا يحنث لأنه لا يملك منعها وقاس على ذلك أيضا أنه لو كانت اليمين على الإثبات مثل لتفعلن يكفي أمره بالفعل‏.‏

مطلب في الفرق بين لا يدعه يدخل وبين لا يدخل

قلت‏:‏ وهذا خطأ فاحش للفرق البين بين قولنا لا أدعه يفعل وبين لا يفعل يوضح ذلك ما قدمناه في التعليق عن الولوالجية رجل قال‏:‏ إن أدخلت فلانا بيتي أو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق فاليمين في الأول على أن يدخل بأمره لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله، وفي الثاني على الدخول أمر الحالف أو لم يأمر علم أو لم يعلم لأنه وجد الدخول؛ وفي الثالث على الدخول بعلم الحالف لأن شرط الحنث الترك للدخول، فمتى علم ولم يمنع فقد ترك‏.‏ ا هـ‏.‏ ونقل مثله في البحر عن المحيط وغيره، فانظر كيف جعلوا اليمين في الثاني على مجرد الدخول لأن المحلوف عليه هو دخول فلان، فمتى تحقق دخوله تحقق شرط الحنث وإن منعه قولا أو فعلا لأن منعه لا ينفي دخوله بعد تحققه‏.‏ وأما عدم الحنث بالمنع قولا وفعلا أو قولا فقط على التفصيل المار فهو خاص بالحلف على أنه لا يدعه أو لا يتركه يدخل، وكذا قوله لا يخليه يدخل لأنه متى لم يمنعه تحقق أنه تركه أو خلاه فيحنث، هذا هو المصرح به في عامة كتب المذهب، وهو ظاهر الوجه وقدمنا في آخر باب اليمين في الأكل والشرب فيما لو قال لا أفارقك حتى تقضيني حقي أنه لو فر منه لا يحنث، ولو قال لا يفارقني يحنث كما في الخانية فقد جزم بحنثه إذا فر منه بعد حلفه لا يفارقني‏.‏ وعلى هذا فالصواب في جواب الفتوى السابقة أن أخته إذا تكلمت يحنث سواء منعها عن الكلام أو لا لتحقق شرط الحنث وهو الكلام، ومنعه لها لا يرفعه بعد تحققه كما لا يخفى، نعم لو كان الحلف على أنه لا يتركها أو لا يخليها تتكلم فإنه يبر بالمنع قولا فقط، ولا يحتاج إلى المنع بالفعل لأنه لا يملكه‏.‏ كما قال في الخانية‏:‏ رجل حلف بطلاق امرأته أن لا يدع فلانا يمر على هذه القنطرة فمنعه بالقول يكون بارا لأنه لا يملك المنع بالفعل‏.‏ ا هـ‏.‏ وبما قررناه ظهر أن ما نقله الشارح تبعا للمنية لا يصح حمله على ظاهره لمخالفته للمشهور في الكتب فلا بد من تأويله بما قدمناه‏.‏ وقد يؤول بأنه أراد معنى لا يدعه يدخل كما أفتى به في الخيرية، حيث سئل عمن حلف على صهره أنه لا يرحل من هذه القرية فرحل قهرا عليه فهل يحنث‏؟‏ أجاب‏:‏ مقتضى ما أفتى به قارئ الهداية واستدل به الشيخ محمد الغزي وأفتى به أنه إن نوى لا يمكنه فرحل قهرا عليه لا يحنث ا هـ‏.‏ أو يؤول بأنه سقط من عبارة المنية لفظ لا يدعه وإلا فهو مردود لأن العمل على ما هو المشهور الموافق للمعقول والمنقول دون الشاذ الخفي المعلول، فاغتنم هذا التحرير والله سبحانه أعلم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

علم أيضا مما ذكرناه أنه لو كان الحالف على الإثبات مثل قوله والله لتفعلن كذا فشرط البر هو الفعل حقيقة، ولا يمكن قياسه على لا يدعه يفعل، بأن يقال هنا‏:‏ يكفي أمره بالفعل فإن ذلك لم يقل به أحد‏.‏ وأما ما مر عن القنية في‏:‏ ليخرجن ساكن داره فذاك في معنى لا يدعه يسكن كما علم مما مر، أما هنا فلا يكفي الأمر لأن حلفه على الفعل لا على الأمر به، ومجرد الأمر به لا يحققه كما لا يخفى، فإذا لم يفعل يحنث الحالف كما مر سواء أمره أو لا، وهذا ظاهر جلي أيضا، ولكن جل من لا يسهو فافهم‏.‏

‏(‏قوله بر بقوله اخرج‏)‏ لأن عقد الإجارة منعه من الإخراج بالفعل لأن مالك الدار لا يملك المنفعة مدة الإجارة، فهو حينئذ كالأجنبي شرنبلالي‏.‏

‏(‏قوله وحلفه بر‏)‏ لأن قوله لا يدع ينصرف إلى ما يقدر عليه وبعد تحليفه لا يقدر على الأخذ، وشرط الحنث أن يتركه مع القدرة ولذا لا يحنث إذا قال لا أدع فلانا يفعل ففعل في غيبته‏.‏

‏(‏قوله طلقت‏)‏ لأنه صار حالفا للقاعدة المذكورة عقبه‏.‏

‏(‏قوله به يفتى‏)‏ وهو قول أبي يوسف خلافا لمحمد، بخلاف ما لو برهن أنه أقرضه ألفا والمسألة بحالها لا يحنث ا هـ‏.‏ فتح أي لجواز أنه أقرضه ثم أبرأه أو استوفى منه قبل الدعوى فلم يظهر كذب المدعى عليه‏.‏

‏(‏قوله حنث إلخ‏)‏ لأن كل واحد من الشريكين يرجع بالعهدة على صاحبه ويصير الحالف عاملا مع المحلوف عليه وإن كان عقد الشركة نفسه لا يوجب الحقوق‏.‏ أما العبد المأذون فلا يرجع بالعهدة على المولى فلا يصير الحالف شريكا لمولاه بحر عن الظهيرية‏.‏

‏(‏قوله فدخل المشتركة‏)‏ أي فلا يحنث‏.‏ لأن نصف الدار لا يسمى دارا فتح ‏(‏قوله إذا لم يكن ساكنا‏)‏ ترك في الفتح هذا القيد، وقد صرح به في الخانية‏.‏ قال ط‏:‏ أما إذا كان ساكنا فهي داره لأن الدار حينئذ تعم المستأجرة فأولى المشتركة التي سكنها، والله سبحانه أعلم‏.‏