فصل: باب المغنم وقسمته

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب المغنم وقسمته

لما ذكر القتال وما يسقطه شرع في بيان ما يحصل به ‏(‏قوله والفيء ما نيل منهم بعد‏)‏ أي بعد الحرب هذا لا يشمل هدية أهل الحرب بلا تقدم قتال‏.‏

مطلب بيان معنى الغنيمة والفيء

قال في الهندية‏:‏ الغنيمة اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة بقوة الغزاة وقهر الكفرة والفيء‏:‏ ما أخذ منهم من غير قتال كالخراج والجزية وفي الغنيمة الخمس دون الفيء وما يؤخذ منهم هدية أو سرقة أو خلسة أو هبة، فليس بغنيمة وهو للآخذ خاصة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن في شرح السير الكبير لو وادع الإمام قوما من أهل الحرب سنة على مال دفعوه إليه جاز لو خيرا للمسلمين، ثم هذا المال ليس بفيء ولا غنيمة حتى لا يخمس ولكنه كالخراج يوضع في بيت المال؛ لأن الغنيمة اسم لمال مصاب بإيجاف الخيل والركاب والفيء اسم لما يرجع من أموالهم إلى أيدينا بطريق القهر، وهذا رجع إلينا بطريق المراضاة، فيكون كالجزية والخراج يوضع في بيت المال ا هـ‏.‏ ومقتضاه أن ما أخذ بالقتال والحرب غنيمة وما أخذه بعده مما وضع عليهم قهرا كالجزية والخراج فيء وما أخذ منهم بلا حرب ولا قهر كالهدية والصلح فهو لا غنيمة ولا فيء وحكمه حكم الفيء لا يخمس ويوضع في بيت المال فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله إذا فتح الإمام بلدة صلحا‏)‏ ويعتبر في صلحه الماء الخراجي والعشري، فإن كان ماؤهم خراجيا صالحهم على الخراج وإلا فعلى العشر أفاده القهستاني ط ‏(‏قوله وكذا من بعده‏)‏ فلا يغيره أحد؛ لأنه بمنزلة نقض العهد ط ‏(‏قوله أي قهرا‏)‏ كذا في الهداية‏.‏ واتفق الشارحون على أن هذا ليس تفسيرا له لغة؛ لأنها من عنا يعنو عنوة ذل وخضع، لكن نقل في البحر عن القاموس أن العنوة القهر‏.‏ واعترضه في النهر بأن صاحب القاموس لا يميز بين الحقيقي والمجازي، بل سيذكر المعاني جملة أي يذكر المعاني الاصطلاحية مع اللغوية بلا تمييز‏.‏ قلت‏:‏ لكن نقل صاحب النهر في أول باب العشر والخراج عن الفارابي أنه من الأضداد يطلق على الطاعة والقهر وكذا قال - في المصباح عنا يعنو عنوة إذا أخذ الشيء قهرا وكذا إذا أخذه صلحا فهو من الأضداد، وفتحت مكة عنوة أي قهرا‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله قسمها بين الجيش‏)‏ أي مع رءوس أهلها استرقاقا وأموالهم بعد إخراج خمسها لجهاته فتح ‏(‏قوله أو أقر أهلها عليها‏)‏ أي من عليهم برقابهم وأرضهم وأموالهم، ووضع الجزية على الرءوس والخراج على أراضيهم من غير نظر إلى الماء الذي تسقى به أهو ماء العشر كماء السماء والعيون والأودية والآبار، أو ماء الخراج كالأنهار التي شقتها الأعاجم؛ لأنه ابتداء التوظيف على الكافر، وأما المن عليهم برقابهم وأرضهم فمكروه، إلا أن يدفع إليهم من المال ما يتمكنون به من إقامة العمل والنفقة على أنفسهم وعلى الأراضي إلى أن يخرج الغلال وإلا فهو تكليف بما لا يطاق، وأما المن عليهم برقابهم مع المال دون الأرض أو برقابهم فقط، فلا يجوز؛ لأنه إضرار المسلمين بردهم حربا علينا فتح ‏(‏قوله والأول أولى‏)‏ عبارة الاختيار قالوا والأول أولى، وعبر في الفتح والبحر بقيل ‏(‏قوله ووضع عليهم الخراج‏)‏ أي على أرضهم ‏(‏قوله وضع العشر لا غير‏)‏؛ لأنه ابتداء وضع على المسلمين منح‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

للشرنبلالي رسالة سماها ‏[‏الدرة اليتيمة في الغنيمة‏]‏ حاصلها‏:‏ أن تخيير الإمام بين ما ذكر مخالف لإجماع الصحابة على ما فعله عمر من عدم قسمة الأراضي بين الغانمين، وعدم أخذ الخمس منها كما نقله علماؤنا وأقروه‏.‏ قلت‏:‏ وقد يجاب بأن ما فعله عمر إنما فعله؛ لأنه كان هو الأصح إذ ذاك كما يعلم من القصة لا لكونه هو اللازم، كيف وقد «قسم صلى الله عليه وسلم خيبر بين الغانمين»، فعلم أن الإمام مخير في فعل ما هو الأصلح فيفعله ‏(‏قوله وقتل الأسارى‏)‏ بضم الهمزة وفتحها قاموس والسماع الضم لا غير كما ذكره الرضي وغيره من المحققين‏:‏ أي قتل الذين يأخذهم من المقاتلين، سواء كانوا من العرب أو العجم فلا تقتل النساء ولا الذراري بل يسترقون لمنفعة المسلمين قهستاني ‏(‏قوله إن لم يسلموا‏)‏ فلو أسلموا تعين الأسر ‏(‏قوله أو استرقهم‏)‏ وإسلامه لا يمنع استرقاقهم، ما لم يكن قبل الأخذ كذا في الملتقى وشرحه ‏(‏قوله ذمة لنا‏)‏ أي حقا واجبا لنا عليهم من الجزية والخراج، فإن الذمة الحق والعهد والأمان ويسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم كما قال ابن الأثير، وقد ظن أن المعنى ليكونوا أهل ذمة لنا قهستاني ‏(‏قوله إلا مشركي العرب والمرتدين‏)‏ فإنهم لا يسترقون ولا يكونون ذمة لنا بل إما الإسلام أو السيف ‏(‏قوله كما سيجيء‏)‏ أي فصل الجزية

‏(‏قوله قلنا نسخ إلخ‏)‏ أي بآية ‏{‏اقتلوا المشركين‏}‏ من سورة براءة فإنها آخر سورة نزلت فتح‏.‏ وأما ما روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام من على أبي عزة الجمحي يوم بدر» فقد كان قبل النسخ، ولذا لما أسره يوم أحد قتله‏.‏ وذكر محمد جوابا آخر وهو أنه كان من مشركي العرب، وهم لا يؤسرون فليس في المن عليه إبطال حق ثابت للمسلمين، ونحن نقول به فيهم وفي المرتدين وإن رأى الإمام النظر للمسلمين في المن على بعض الأسارى، فلا بأس به أيضا؛ «لأنه عليه الصلاة والسلام من على ثمامة بن أثال الحنفي بشرط أن يقطع الميرة عن أهل مكة ففعل ذلك حتى قحطوا» شرح السير ملخصا‏.‏ وقد نقل في الفتح أن قول مالك وأحمد كقولنا ثم أيد مذهب الشافعي بما مر من قصة الجمحي ونحوها وقد علمت جوابه

‏(‏قوله وحرم فداؤهم إلخ‏)‏ أي إطلاق أسيرهم بأخذ بدل منهم إما مال أو أسير مسلم فالأول لا يجوز في المشهور، ولا بأس به عند الحاجة على ما في السير الكبير وقال محمد‏:‏ لا بأس به لو بحيث لا يرجى منه النسل كالشيخ الفاني كما في الاختيار، وأما الثاني فلا يجوز عنده ويجوز عندهما والأول الصحيح كما في الزاد لكن في المحيط أنه يجوز في ظاهر الرواية وتمامه في القهستاني‏.‏ وذكر الزيلعي أيضا عن السير الكبير‏:‏ أن الجواز أظهر الروايتين عن أبي حنيفة وذكر في الفتح أنه قولهما وقول الأئمة الثلاثة وأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره‏:‏ «أنه فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين وفدى بامرأة ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة»‏.‏ قلت‏:‏ وعلى هذا فقول المتون حرم فداؤهم مقيد بالفداء بالمال عند عدم الحاجة أما الفداء بالمال عند الحاجة أو بأسرى المسلمين فهو جائز ‏(‏قوله بعد تمام الحرب إلخ‏)‏ عبارة الدرر وصدر الشريعة‏:‏ وأما الفداء فقبل الفراغ من الحرب جاز بالمال لا بالأسير المسلم، وبعده لا يجوز بالمال عند علمائنا ولا بالنفس عند الإمام، وعند محمد يجوز، وعن أبي يوسف روايتان وعند الشافعي يجوز مطلقا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا التفصيل خلاف الظاهر من كلامهم كما علمت، ولذا قال ابن كمال بعد ذكره نحو ما نقلناه عنهم وهذا البيان ظاهر في عدم الفرق بين أن يكون ذلك قبل وضع الحرب أوزارها أو بعده ا هـ‏.‏ وتبعه في النهر ‏(‏قوله واتفقوا أنه لا يفادى بنساء وصبيان‏)‏ إذ الصبيان يبلغون فيقاتلون والنساء يلدن فيكثر نسلهم منح ولعل المنع فيما إذا أخذ البدل مالا وإلا فقد جوزوا دفع أسراهم فداء لأسرانا مع أنهم إذا ذهبوا إلى دارهم يتناسلون ط ‏(‏قوله وخيل وسلاح‏)‏ أي إذا أخذناهما منهم فطلبوا المفاداة بمال لم يجز أن نفعل؛ لأن فيه تقوية يختص بالقتال فيجوز من غير ضرورة منح ط ‏(‏قوله إلا إذا أمن على إسلامه‏)‏ أي وطابت نفسه بدفعه فداء؛ لأنه يفيد تخليص مسلم من غير إضرار لمسلم آخر فتح‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في القنية‏:‏ أراد في دار الحرب أن يشتري أسارى وفيهم رجال ونساء وعلماء وجهال فالأولى تقديم الرجال والجهال قال‏:‏ وجوابه إن كان منصوصا من السلف فسمعا وطاعة، وإلا فقضية الدليل تقديم النساء صيانة لأبضاع المسلمات‏.‏ قلت‏:‏ والعلماء احتراما للعلم‏.‏ ا هـ‏.‏ وعلل البزازي تأخير العالم لفضله؛ لأنه لا يخدع بخلاف الجاهل در منتقى، وقد يقال يقدم الرجال للانتفاع بهم في القتال ط وهذا ظاهر فيما إذا اضطر إليهم وإلا فصيانة الأبضاع مقدمة على ذلك الانتفاع تأمل

‏(‏قوله للعلم به‏)‏ علة لسقوطه من المتن ‏(‏قوله بالأولى‏)‏؛ لأنه إذا حرم المن وهو الإطلاق يحرم الإطلاق مع الرد إلى الدار

‏(‏قوله وحرم عقر دابة إلخ‏)‏ أي إذا أراد الإمام العود ومعه مواشي أهل الحرب ولم يقدر على نقلها إلى دارنا لا يعقرها كما نقل عن مالك لما فيه من المثلة بالحيوان فتح‏.‏ وفي المغرب‏:‏ عقر الناقة بالسيف ضرب قوائمها ‏(‏قوله إذ لا يعذب بالنار إلا ربها‏)‏ علة لمفهوم قوله بعده وهو عدم إحراقها قبل الذبح وفي صحيح البخاري‏:‏ «فإنه لا يعذب بها إلا الله» وأخرج البزار في مسنده عن عثمان بن حبان قال‏:‏ كنت عند أم الدرداء رضي الله عنها فأخذت برغوثا فألقيته في النار فقالت‏:‏ سمعت أبا الدرداء يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «لا يعذب بالنار إلا رب النار» فتح ملخصا‏.‏ ولا يرد هذا على ما مر من جواز حرق أهل الحرب عند قتالهم؛ لأن ذاك مقيد بما إذا لم يمكن الظفر بهم بدونه كما قدمناه عن شرح السير فافهم، وأورد المحشي على جواز إحراقها بعد الذبح أنه يقتضي أن الميت لا يتألم مع أنه ورد أنه يتألم بكسر عظمه‏.‏ قلت‏:‏ قد يجاب بأن هذا خاص ببني آدم؛ لأنهم يتنعمون ويعذبون في قبورهم بخلاف غيرهم من الحيوانات وإلا لزم أن لا ينتفع بعظمها ونحوه ثم رأيت ط ذكر نحوه

‏(‏قوله ولا وجه إلى إبقائهم‏)‏ لئلا يعودوا حربا علينا؛ لأن النساء بهن النسل والصبيان يبلغون فيصيرون حربا علينا ولوالجية، واعترضه في الفتح بأن تركهم كذلك أشد من القتل المنهي عنه في حقهم قال‏:‏ اللهم إلا أن يضطروا إلى ذلك بسبب عدم الحمل والميرة فيتركوا ضرورة ا هـ‏.‏ وهو عجيب فإن الولوالجي صرح بأن ذلك عند عدم إمكان الإخراج لا مطلقا، والمسألة في المحيط أيضا بحر وفيه نظر فإن مراد الفتح أن تركهم في أرض خربة بلا طعام ولا شراب أشد من القتل، فحيث لم يمكن إخراجهم فليتركوا في مكانهم بلا مباشرة السبب في إهلاكهم

‏(‏قوله إبقاء للنسل‏)‏ أي لتتناسل بعد رجوع عسكرنا فتؤذي أهل الحرب ‏(‏قوله يحرقن بالنار‏)‏ أي إذا لم يمكن دفنهن بمحل يخفى عليهم ولم تطل المدة بحيث يتفسخن ط‏.‏

مطلب في قسمة الغنيمة

‏(‏قوله ولا تقسم غنيمة ثمة‏)‏ على المشهور من مذهب أصحابنا؛ لأنهم لا يملكونها قبل الإحراز، وقيل تكره تحريما در منتقى ‏(‏قوله أو لحاجة الغزاة‏)‏ وكذا لو طلبوا القسمة من الإمام وخشي الفتنة كما في الهندية عن المحيط ‏(‏قوله فتصح‏)‏ أي وتثبت الأحكام فتح أي من حل الوطء والبيع والعتق والإرث‏.‏ بخلاف ما قبل القسمة بدون اجتهاد أو احتياج، ولو بعد الإحراز بدارنا قال في الدر المنتقى‏:‏ والذي قرره في المنح كغيره أنه لا ملك بعد الإحراز بدارنا أيضا إلا بالقسمة، فلا يثبت بالإحراز ملك لأحد، بل يتأكد الحق ولهذا لو أعتق واحد من الغانمين عبدا بعد الإحراز لا يعتق، ولو كان له ملك ولو بشركة لعتق وحكم استيلاد الجارية بعد الإحراز قبل القسمة وبعدها سواء، نعم لو قسمت الغنيمة على الرايات أو العرافة فوقعت جارية بين أهل راية صح استيلاء أحدهم وعتقه للشركة الخاصة حيث كانوا قليلا كمائة فأقل، وقيل كأربعين والأولى تفويضه للإمام ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وتمام الكلام فيه والحاصل كما في الفتح عن المبسوط‏:‏ أن الحق يثبت عندنا بنفس الأخذ ويتأكد بالإحراز ويملك بالقسمة كحق الشفعة يثبت بالبيع، ويتأكد بالطلب ويتم الملك بالأخذ وما دام الحق ضعيفا لا تجوز القسمة‏.‏ ا هـ‏.‏ ويبتنى على هذا ما يأتي في المتن من عدم جواز البيع بل القسمة ومن استحقاق المدد لا من مات قبلها كما يأتي بيانه‏.‏ قلت‏:‏ وهذا كله إذا لم يظهر عسكرنا على البلد، فلو ظهروا عليها وصارت بلد إسلام صارت الغنيمة محرزة بدارنا، ويتأكد الحق فتصح القسمة كما يأتي التنبيه عليه قريبا ‏(‏قوله فتحل‏)‏ عبر بالحل وفيما قبله بالصحة؛ لأنه ليس المراد هنا قسمة التمليك بل الإيداع ليحملوها إلى دار الإسلام ثم يرجعها منهم ويقسمها كما في الجوهرة وغيرها فليست قسمة حقيقة حتى توصف بالصحة ‏(‏قوله حمولة‏)‏ بفتح الحاء كل ما احتمل عليه من حمار وغيره سواء كانت عليه الأحمال أو لم تكن‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله روايتان‏)‏ قال في الفتح‏:‏ والأوجه أنه إن خاف تفرقهم لو قسمها قسمة الغنيمة يفعل هذا، وإن لم يخف قسمها قسمة الغنيمة في دار الحرب؛ لأنها تصح للحاجة وفيه إسقاط الإكراه وإسقاط الأجرة ا هـ‏.‏ وقوله‏:‏ يفعل هذا أي جبرهم بأجر المثل ‏(‏قوله فإذا تعذر‏)‏ أي القسم للإيداع بسبب عدم الإجبار على إحدى الروايتين أو لم يوجد عندهم حمولة على الرواية الأخرى قسمها بينهم حينئذ‏.‏ ا هـ‏.‏ ح

‏(‏قوله ولم تبع الغنيمة قبلها‏)‏ أي قبل القسمة سواء كان في دار الحرب أو بعد الإحراز في دارنا شرنبلالية؛ لأنها لا تملك قبل القسمة كما علمت قال في الفتح‏:‏ وهذا ظاهر في بيع الغزاة، وأما بيع الإمام لها فذكر الطحاوي أنه يصح؛ لأنه مجتهد فيه يعني أنه لا بد أن يكون الإمام رأى المصلحة في ذلك، وأقله تخفيف إكراه الحمل عن الناس أو عن البهائم ونحوه وتخفيف مؤنته عنهم فيقع عن اجتهاد في المصلحة فلا يقع جزافا فينعقد بلا كراهة مطلقا ا هـ‏.‏ وبه يظهر ما في قوله لا للإمام ولا لغيره ‏(‏قوله جوهرة‏)‏ نص عبارتها‏:‏ ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة؛ لأنه لا ملك لأحد فيها قبل ذلك، وإنما أبيح لهم بالطعام والعلف للحاجة ومن أبيح له تناول شيء لم يجز له بيعه كمن أباح طعاما لغيره ا هـ‏.‏ فقوله‏:‏ وإنما أبيح لهم إلخ جواب سؤال تقديره كيف لا يجوز البيع مع أنه يجوز لهم الانتفاع بالطعام والعلف كما يأتي، والجواب ظاهر ولا يخفى أنه ليس المراد بيع شيء بطعام، وإن كان الظاهر أن الحكم كذلك

‏(‏قوله ومدد لحقهم ثمة‏)‏ أي إذا لحق المقاتلين في دار الحرب جماعة يمدونهم وينصرونهم شاركوهم في الغنيمة لما مر من أن المقاتلين لم يملكوها قبل القسمة، وذكر في التتارخانية أنه لا تنقطع مشاركة المدد لهم إلا بثلاث إحداها‏:‏ إحراز الغنيمة بدارنا‏.‏ الثانية‏:‏ قسمتها في دار الحرب‏.‏ الثالثة‏:‏ بيع الإمام لها ثمة؛ لأن المدد لا يشارك الجيش في الثمن ا هـ‏.‏ قال في الشرنبلالية وتقييده بقوله ثمة أي في دار الحرب إشارة إلى أنه لو فتح العسكر بلدا بدار الحرب، واستظهروا عليه، ثم لحقهم المدد لم يشاركهم؛ لأنه صار بلد الإسلام، فصارت الغنيمة محرزة بدار الإسلام نص عليه في الاختيار‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وكذا في شرح السير وزاد أن مثله لو وقع قتال أهل الحرب في دارنا فلا شيء للمدد‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في البحر‏:‏ وأفاد المصنف أن المقاتل وغيره سواء، حتى يستحق الجندي الذي لم يقاتل لمرض أو غيره، وأنه لا يتميز واحد على آخر بشيء حتى أمير العسكر، وهذا بلا خلاف كذا في الفتح وفي المحيط والمتطوع في الغزو وصاحب الديوان سواء ‏(‏قوله لا سوقي‏)‏ هو الخارج مع العسكر للتجارة نهر ‏(‏قوله أسلم ثمة‏)‏ عائد على الحربي والمرتد وأفرد الضمير للعطف بأو وزاد في الفتح التاجر الذي دخل بأمان ولحق العسكر وقاتل ‏(‏قوله ولو مات بعد أحدهما‏)‏ أي بعد القسمة أو البيع بناء على ما قدمناه عن الطحاوي من أن للإمام بيع الغنيمة ‏(‏قوله أو بعد الإحراز بدارنا‏)‏ قال في الدر المنتقى‏:‏ وينبغي أن يزاد رابع هو التنفيل فسيجيء أنه يورث عنه وإن كان مات بدار الحرب وإن لم يثبت له الملك فيه وفيها يلغز‏:‏ أي مال يورث ولا يملكه مورثه‏؟‏ ولم أر من نبه على ذلك هنا فلينظر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفي التتارخانية عن المضمرات ومن مات في دار الحرب من الغانمين بعد القسمة أو الإحراز بدارنا أو بعد بيع الإمام الغنائم في دارنا أو في دار الحرب ليقسم الثمن بينهم أو بعدما نفل لهم شيئا تحريضا أو بعد ما فتح الدار وجعلها دار إسلام فإنه يورث نصيبه وإن مات قبل واحد من هذه بعد إصابة الغنيمة لا يورث‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر أنه يملك ما قبضه بالتنفيل ثمة ففي كلام الدر المنتقى نظر فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله لتأكد ملكه‏)‏ علة لقوله أو بعد الإحراز بدارنا فيورث نصيبه إذا مات في دارنا قبل القسمة للتأكد لا الملك؛ لأنه لا ملك قبل القسمة، وهذا؛ لأن الحق المتأكد يورث كحق الرهن والرد بالعيب بخلاف الضعيف كالشفعة وخيار الشرط فتح ‏(‏قوله استحسانا‏)‏ لعل وجهه تعسر النقض‏.‏مطلب في أن معلوم المستحق من الوقف هل يورث

‏(‏قوله وما في البحر من قياس الوقف‏)‏ أي غلة الوقف فإنه قال‏:‏ إنهم صرحوا بأن معلوم المستحق لا يورث بعد موته على أحد القولين، ولم أر ترجيحا وينبغي التفصيل، فمن مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيبه لتأكد الحق فيه كالغنيمة بعد الإحراز بدارنا وإن مات قبل الإحراز في يد المتولي لا يورث‏.‏ ‏(‏قوله رده في النهر‏)‏ حيث قال‏:‏ أقول في الدرر والغرر عن فوائد صاحب المحيط للإمام والمؤذن وقف فلم يستوفيا حتى ماتا سقط؛ لأنه في معنى الصلة وكذا القاضي وقيل لا يسقط؛ لأنه كالأجرة‏.‏ ا هـ‏.‏ وجزم في البغية بأنه يورث رزق القاضي‏.‏ وأنت خبير بأن ما يأخذه القاضي ليس صلة كما هو ظاهر ولا أجرا؛ لأن مثل هذه العبادة لم يقل أحد بجواز الاستئجار عليها بخلاف ما يأخذه الإمام والمؤذن فإنه لا ينفك عنهما فبالنظر إلى الأجرة يورث ما يستحق إذا استحق غير مقيد بظهور الغلة وقبضها في يد الناظر وبالنظر إلى الصلة لا يورث، وإن قبضه الناظر قبل الموت وبهذا عرف أن القياس على الغنيمة غير صحيح وسيأتي لهذا مزيد بيان في الوقف إن شاء الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لم يف بما وعد من بيانه في الوقف، وقوله إن ما يأخذه القاضي ليس صلة مخالف لما في الهداية وغيرها قبيل باب المرتد كما سيأتي نعم ما يأخذه الإمام ونحوه فيه معنى الصلة ومعنى الأجرة والظاهر أن ذلك منشأ الخلاف المحكي في الدرر لكن ما جزم به في الغنية يقتضي ترجيح جانب الأجرة، وهو ظاهر لا سيما على ما أفتى به المتأخرون من جواز الأجرة على الأذان والإمامة والتعليم وعلى هذا مشى الإمام الطرسوسي في أنفع الوسائل على أن المدرس ونحوه من أصحاب الوظائف إذا مات في أثناء السنة يعطى بقدر ما باشر ويسقط الباقي قال بخلاف الوقف على الأولاد والذرية فإنه إذا مات مستحق منهم يعتبر في حقه وقت ظهور الغلة، فإن مات بعد ظهورها ولو لم يبد صلاحها صار ما يستحقه لورثته وإلا سقط‏.‏ ا هـ‏.‏ وتبعه في الأشباه وأفتى به في الفتاوى الخيرية، فليكن العمل عليه من التفصيل‏.‏ والفرق بين كون المستحق مثل المدرس أو من الأولاد والله تعالى أعلم‏.‏ ثم رأيت الشيخ إسماعيل في شرحه على الدرر نقل قبيل باب المرتد مثل ذلك عن المفتي أبي السعود، وأن المدرس الثاني يستحق الوظيفة من وقت إعطاء السلطان فتلحق الأيام التي قبل المباشرة بأيام المباشرة حيث كان الأخذ عن ميت؛ لأنها من مبادئ أيام المباشرة كأيام التعطيل‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ظهر من كلام الطرسوسي أن معلوم المدرس ونحوه يورث عنه بقدر ما باشر وإن لم تظهر الغلة وأن معلوم المستحق في وقف الذرية يورث عنه بموته بعد ظهور الغلة وإن لم يقبضها الناظر على خلاف ما مر عن البحر، وينبغي أن تكون الغلة بعد قبض الناظر لها ملكا للمستحقين وإن لم تقسم حيث كانوا مائة فأقل قياسا على الغنيمة إذا قسمت على الرايات قبل أن تقسم على الرءوس فقد مر قريبا أنها تملك للشركة الخاصة‏.‏ فالحاصل‏:‏ أن غلة الوقف بعد ظهورها تورث؛ لأنه تأكد فيها حق المستحقين وبعد إحرازها بيد الناظر صارت ملكا لهم وهي في يده أمانة لهم يضمنها إذا استهلكها وأهلكت بعد امتناعه عن قسمتها إذا طلبوا القسمة وإذا كانت حنطة أو نحوها يصح شراء الناظر حصة أحدهم منها هذا ما ظهر لي، ويؤيده ما سيأتي في الحوالة إن شاء الله تعالى عن البحر حيث جعل الحوالة على الناظر من المستحق كالحوالة على المودع والله سبحانه أعلم‏.‏ ‏(‏قوله أي للغانمين‏)‏ أي ممن له سهم أو رضخ شرنبلالية، ويأخذ الجندي ما يكفيه ومن معه من عبيده ونسائه وصبيانه الذين دخلوا معه بحر ‏(‏قوله لا غير‏)‏ فخرج التاجر والداخل لخدمة الجندي بأجر إلا أن يكون قد خبز الحنطة أو طبخ اللحم، فلا بأس به حينئذ؛ لأنه ملكه بالاستهلاك ولو فعلوا لا ضمان عليهم بحر

‏(‏قوله بعلف‏)‏ ولا بأس بعلف دوابه البر إذا لم يوجد الشعير در منتقى ‏(‏قوله وطعام‏)‏ أطلقه فشمل المهيأ للأكل وغيره حتى يجوز لهم ذبح المواشي، ويردون جلودها في الغنيمة بحر ‏(‏قوله ودهن‏)‏ بالضم ما يدهن به أما بالفتح فهو مصدر، والأول هنا أولى لتناسق المعطوفات خلافا للعيني كما أفاده في النهر، والمراد بالدهن ما يؤكل لقول الزيلعي إن ما لا يؤكل عادة لا يجوز له تناوله مثل الأدوية والطيب ودهن البنفسج وما أشبه ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا شك أنه لو تحقق بأحدهم مرض يحوجه إلى استعمالها جاز كما بحثه في الفتح، وصرح به في المحيط بحر ‏(‏قوله وقيد في الوقاية إلخ‏)‏ قال في الدر المنتقى‏:‏ اعلم أنه ذكر في فتح القدير أن استعمال السلاح والكراع والفرس إنما يجوز بشرط الحاجة بأن مات فرسه أو تكسر سيفه أما إذا أراد أن يوفر سيفه وفرسه باستعمال ذلك فلا يجوز، ولو فعل أثم ولا ضمان عليه إن تلف، وأما غير السلاح ونحوه مما مر كالطعام فشرط في السير الصغير الحاجة إلى التناول من ذلك وهو القياس، ولم يشترطها في السير الكبير وهو الاستحسان وبه قالت الأئمة الثلاثة‏.‏ فيجوز لكل من الغني والفقير تناوله ا هـ‏.‏ ملخصا وهكذا ذكره في الشرنبلالية، ولا يخفى ترجيح الاستحسان ههنا‏.‏ قلت‏:‏ وهو ما اختاره الماتن يعني صاحب الملتقى وهو الحق كما علمت‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في النهر‏:‏ ولو احتاج الكل إلى السلاح والثياب قسمها حينئذ بخلاف السبي إذا احتيج إليه ولو للخدمة لكونه من فضول الحوائج ا هـ‏.‏ وفسر الحاجة بالفقر قلت‏:‏ والظاهر أنها أعم إذ لو كان غنيا ولا يجد ما يشتريه فهو كذلك ‏(‏قوله فإن نهى لم يبح‏)‏ والحاصل منع الانتفاع بسلاح ودواب ودواء إلا لحاجة وحل المأكول مطلقا إلا لنهي الإمام، فالمنع مطلقا كمنع استباحة الفرج مطلقا؛ لأن الفرج لا يحل إلا بالملك ولا ملك قبل الإحراز بدارنا ولو أمته المأسورة، بخلاف امرأته المأسورة ومدبرته وأم ولده إن لم يطأهن الحربي كما سيجيء فليحفظ در منتقى‏.‏ لكن في البحر ينبغي أن يقيد النهي عن المأكول والمشروب بما إذا لم تكن حاجة فإن كانت لا يعمل نهيه‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وبلا بيع وتمول‏)‏ أي لا ينتفع بالكل بالبيع في دار الحرب قبل القسمة أصلا احتيج إليه أو لا ولا التمول لعدم الملك؛ وإنما أبيح الانتفاع للحاجة، والمباح له لا يملك البيع در منتقى والمراد بالتمول أن يبقى ذلك الشيء عنده يجعله مالا له، ولذا قال القهستاني وإذا استعمل السلاح ونحوه يرده إلى المغنم‏.‏ ‏(‏قوله رد ثمنه‏)‏ أي إذا أجازه الإمام؛ لأنه بيع الفضولي نهر ‏(‏قوله فإن قسمت‏)‏ أي الغنيمة تصدق به أي بالثمن؛ لأنه لقلته لا تمكن قسمته فتعذر إيصاله إلى مستحقه فيتصدق به كاللقطة كما في الفتح ‏(‏قوله لو غير فقير‏)‏ فلو فقيرا يأكله بحر ‏(‏قوله ما لا يملكه أهل الحرب‏)‏ أي شيئا غير مملوك لهم لكن يخص منه ما يشترك فيه العامة لما في البحر لو حش الجندي الحشيش في دار الحرب أو استقى الماء وباعه طاب له ثمنه ‏(‏قوله فهو مشترك‏)‏ أي بين الغانمين فلا يختص به الآخذ بحر ‏(‏قوله أجازه‏)‏ أي وأخذ الثمن ورده في الغنيمة وقسمه بين الغانمين بحر ‏(‏قوله وإلا‏)‏ صادق بصورتين‏:‏ إحداهما لو كان المبيع قائما، والثانية‏:‏ لو كان البيع أنفع من الثمن، وظاهر أنه فيهما يفسخ البيع ويرد المبيع للغنيمة مع أنه إذا كان قائما والثمن أنفع لهم أجازه كما في البحر فيتعين حمل قوله أو الثمن أنفع على معنى أو لم يهلك والثمن أنفع ‏(‏قوله وبعد الخروج منها‏)‏ أي من دار الحرب لا‏:‏ أي لا ينتفع بشيء مما ذكر لزوال المبيح و؛ لأن حقهم قد تأكد حتى يورث نصيبهم بحر‏.‏ زاد في الكنز وغيره وما فضل رده أي والذي فضل في يده مما أخذه قبل الخروج من دار الحرب ورده الآخذ إلى الغنيمة بعد الخروج إلى دارنا لزوال الحاجة التي هي مناط الإباحة وهذا التعليل يفيد أنه لو كان فقيرا أكله بالضمان كما في المحيط هذا كله قبل القسمة أما بعدها فإن كان غنيا وكانت العين قائمة تصدق بها وبقيمتها لو هالكة، وإن كان فقيرا انتفع بها نهر

‏(‏قوله ومن أسلم منهم‏)‏ أي في دار الحرب؛ لأن المستأمن إذا أسلم في دار الإسلام، ثم ظهرنا على داره فجميع ما خلفه فيها من الأولاد الصغار والمال فيء؛ لأن التباين قاطع للعصمة وللتبعية بحر ‏(‏قوله قبل مسكه‏)‏ قيد به؛ لأنه لو أسلم بعده فهو عبد؛؛ لأنه أسلم بعد انعقاد سبب الملك فيه بحر، وقيد في البحر وتبعه في النهر بقيد آخر وهو قوله ولم يخرج إلينا وفيه كلام يأتي قريبا ‏(‏قوله فإن كانوا أخذوا‏)‏ أي قبل إسلامه ‏(‏قوله أو أودعه معصوما‏)‏ قيد الوديعة؛ لأن ما كان غصبا في يد مسلم أو ذمي فهو فيء عند الإمام خلافا لهما بحر ‏(‏قوله سوى طفله‏)‏ كذا نقله في النهر عن الفتح مع أنه في الفتح قال بعده‏:‏ وما أودعه مسلما أو ذميا ليس فيئا فقد نظر إلى صدر كلامه الموهم ولم ينظر إلى عجزه وستأتي المسألة في المستأمن متنا حيث قال‏:‏ وإن أسلم ثمة فجاءنا فظهر عليهم فطفله حر مسلم ووديعته مع معصوم له وغيره فيء، ومن ثم قال الزيلعي هناك‏:‏ إن حكم المسألتين واحد وبه ظهر أن تقييد البحر بقوله ولم يخرج إلينا غير صحيح ‏(‏قوله لا ولده الكبير‏)‏؛ لأنه كافر حربي ولا تبعية وكذا زوجته بحر ومفاده أن المراد بالكبير البالغ، وأن الصغير يتبعه ولو كان يعبر عن نفسه، خلافا لما قيل إنه لا يتبعه في الإسلام، إلا إذا كان صغيرا لا يعبر عن نفسه كما قدمناه في الجنائز وسنذكره أيضا في فصل استئمان الكافر فاغتنم ذلك فإنه أخطأ فيه كثير ‏(‏قوله وحملها‏)‏؛ لأنه جزء منها فيرق برقها والمسلم محل للتملك تبعا لغيره بخلاف المنفصل؛ لأنه حر لانعدام الجزئية عند ذلك بحر ‏(‏قوله وعقاره‏)‏ وكذا ما فيه من زرع لم يحصد؛ لأنه في يد أهل الدار إذ هو من جملة دار الحرب فلم يكن في يده إلا حكما نهر ‏(‏قوله وعبده المقاتل‏)‏؛ لأنه لما تمرد على مولاه خرج من يده وصار تبعا لأهل داره بحر

‏(‏قوله قبل الإسلام أو بعده‏)‏ لعله لانعقاد سبب الملك فيه للمسلمين والإسلام لا يمنع الرق السابق عليه ط ‏(‏قوله وقالا لآخذه‏)‏ أي هو لمن أخذه خاصة وقدمنا قبل هذا الباب عن شرح السير نسبة هذا القول لمحمد ‏(‏قوله وفي الخمس‏)‏ أي في وجوب الخمس روايتان عن الإمام وكذا عن محمد كما قدمناه ‏(‏قوله استأجره لخدمة سفره إلخ‏)‏ هذه من مسائل الفصل الآتي ووجهها غير ظاهر، فإن أجير الغازي للخدمة لا سهم له لأخذه على خروجه مالا إلا إذا قاتل وترك العمل كما في شرح السير، وفيه لو دخل دار الحرب فارسا ثم دفع فرسه لرجل ليقاتل عليه على أن سهم الفرس لصاحبه جاز؛ لأنه لو لم يشرط ذلك كان سهم فرسه له ولو كان ذلك قبل الدخول فسهم الفرس لمن أدخله دار الحرب؛ لأن السبب وهو الانفصال فارسا قد انعقد له ويكون لصاحب الفرس عليه أجر مثل فرسه ا هـ‏.‏ ملخصا فتأمل‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

مطلب مخالفة الأمير حرام

فصل في كيفية القسمة

لما فرغ من بيان الغنيمة شرع في بيان قسمتها وأفردها بفصل لكثرة شعبها وهو جعل النصيب الشائع معينا نهر‏.‏ قال في الملتقى‏:‏ وينبغي للإمام أن يعرض الجيش عند دخول دار الحرب ليعلم الفارس من الراجل قال في شرحه‏:‏ وأن يكتب أسماءهم وأن يؤمر عليهم من كان بصيرا بأمور الحرب وتدبيرها ولو من الموالي وعليهم طاعته؛ لأن مخالفة الأمير حرام إلا إذ اتفق الأكثر أنه ضرر فيتبع‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله المعتبر في الاستحقاق‏)‏ أي استحقاق الغانمين لأربعة أخماس الغنيمة،؛ لأن خمسها يخرجه الإمام لله تعالى كما سيجيء قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأن لله خمسه وللرسول‏}‏ در منتقى ‏(‏قوله وقت المجاوزة‏)‏ برفع وقت على أنه خبر المبتدأ ‏(‏قوله أي الانفصال من دارنا‏)‏ أي مجاوزة الدرب وهو الحد الفاصل بين دار الإسلام ودار الحرب نهر ‏(‏قوله فلو دخل دار الحرب فارسا‏)‏ هو من معه فرس، ولو في سفينة كما في الشرنبلالية عن الاختيار وغيره،؛ لأنه تأهب للقتال على الفرس والمتأهب للشيء كالمباشر له‏.‏ ‏(‏قوله فنفق‏)‏ كفرح ونصر نفد وفني قاموس ط وشمل ما لو قتل فرسه رجل وأخذ منه القيمة كما في البحر، ومثله ما لو أخذه العدو كما في شرح السير واحترز به عما لو باعه قبل القتال فإنه يستحق سهم راجل كما يأتي ‏(‏قوله استحق سهمين‏)‏ سهم لنفسه وسهم لفرسه، وهذا عنده وعندهما ثلاثة أسهم له سهم ولفرسه سهمان؛ لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك على ما رواه البخاري وغيره، وحمله أبو حنيفة على التنفيل توفيقا بين الروايات ملتقى وشرحه، وإذا كان حديث في البخاري وحديث آخر في غيره رجاله رجال الصحيح أو رجال روى عنهم البخاري كان الحديثان متساويين والقول بأن الأول أصح تحكم لا نقول به مع أن الجمع وإن كان أحدهما أقوى أولى من إبطال الآخر وتمامه في الفتح‏.‏ ‏(‏قوله ولا يسهم لغير فرس واحد‏)‏ وعند أبي يوسف يسهم لفرسين، وما روي فيه يحمل على التنفيل أيضا در منتقى ‏(‏قوله صالح للقتال‏)‏ اعترض بأن هذا يغني عن قوله صحيح كبير، وفيه أنه لا يلزم من كونه صحيحا كبيرا صلاحيته للقتال لجواز كونه حرونا أو لا يجري فلا يصلح للكر والفر أفاده ط لكن مراد المتعرض أن كلام المتن يغني عما زاده الشارح، فالأولى الجواب بأنه زاد ذلك تفسيرا لقول المتن صالح للقتال نعم كان الأولى تأخيره عنه كما فعله في الشرنبلالية فافهم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

يشترط في الفرس أن لا يكون مشتركا فلا سهم لفرس مشترك للقتال عليه، إلا إذا استأجر أحد الشريكين حصة الآخر قبل الدخول در منتقى، واستفيد منه أنه لا يشترط أن يكون الفرس ملكه فيشمل المستأجر والمستعار وكذا المغصوب كما يأتي ‏(‏قوله لا لو مهرا فكبر‏)‏ أي بأن طال المكث في دار الحرب، حتى بلغ المهر وصار صالحا للركوب فقاتل عليه لا يستحق سهم الفرسان بحر ‏(‏قوله وكأن الفرق إلخ‏)‏ هو لصاحب البحر، ولا يظهر إذا كان المرض بينا أفاده ط‏.‏ قلت‏:‏ وقد ذكر الفرق الإمام السرخسي، وهو أن المريض كان صالحا للقتال عليه إلا أنه تعذر لعارض على شرف الزوال فإذا زال صار كأن لم يكن بخلاف المهر فإنه ما كان صالحا، وإنما صار صالحا في دار الحرب ويوضحه أن الصغيرة لا نفقة لها على زوجها؛ لأنها لا تصلح لخدمة الزوج بخلاف المريضة؛ لأنها كانت صالحة ولكن تعذر ذلك لعارض ا هـ‏.‏ ملخصا ‏(‏قوله قبل دخوله‏)‏ أي في الحد الفاصل بين دارنا ودار الحرب ‏(‏قوله ثم أخذه‏)‏ أي في المسائل المذكورة‏:‏ أي أخذه قبل القتال فله سهمان استحسانا؛ لأنه التزم مؤنة الفرس من حين خروجه من أهله وقاتل عليه، فلا يحرم سهمه بعارض غصب ونحوه فيما بين ذلك أما لو قاتل عليه الغاصب حتى غنموا وخرجوا فله سهم الفارس إذ لا فرق بين الفرس المغصوب والمملوك، ولصاحب الفرس سهم راجل إلا إذا أصابوا غنائم بعد أخذه فرسه فله منها سهم فارس، وللغاصب سهم راجل كما لو كان الغصب بعد دخول دار الحرب وتمامه في شرح السير ‏(‏قوله فله سهمان‏)‏ وكذا لو جاوزه أي جاوز الدرب مستأجرا أو مستعيرا وحضر به أي حضر به الوقعة وكذا الغاصب‏.‏ لكن يستحقه من وجه محظور فيتصدق به جوهرة‏.‏ وفي المنح‏:‏ لو رجع الواهب فالموهوب له فارس فيما أصابه قبل الرجوع وراجل فيما أصابه بعده والراجع راجل مطلقا‏.‏ ا هـ‏.‏ در منتقى أي؛ لأنه جاوز الدرب راجلا باختياره كالمؤجر والمعير بخلاف المغصوب منه ‏(‏قوله لا لو باعه‏)‏ أي باختياره فلو مكرها فله سهم فارس، كما في البحر وكالبيع ما لو رهنه أو آجره أو وهبه بحر ‏(‏قوله ولو بعد تمام القتال‏)‏ تبع في هذا المصنف حيث قال وفي فتح القدير لو باعه بعد الفراغ من القتال لا يسقط عند البعض، قال المصنف‏:‏ يعني صاحب الهداية الأصح أنه يسقط؛ لأنه ظهر أن قصده التجارة ا هـ‏.‏ وهو غلط في النقل، عن الفتح وهذه عبارة الفتح ولو باعه بعد الفراغ من القتال لم يسقط سهم الفارس بالاتفاق، وكذا إذا باعه حال القتال لا يسقط عند البعض قال المصنف الأصح أنه يسقط؛ لأنه ظهر أن قصده التجارة ا هـ‏.‏ ومثله في التبيين والجوهرة وعبارة القهستاني موافقة له فلا معنى للاستدراك ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أنه سقط من نسخة المصنف ما بين لفظتي القتال، فحصل الاختلال فاستدراك الشارح عليه في محله‏.‏ نعم كان الأولى له مراجعة عبارة الفتح فافهم ‏(‏قوله ولتحفظ هذه القيود‏)‏ أي المذكورة في قوله ولا يسهم لغير فرس واحد صحيح كبير صالح للقتال، كما هو صريح عبارته في شرحه على الملتقى، وأصل ذلك للمصنف فإنه بعد أن قيد المتن بقوله‏:‏ صالح للقتال قال‏:‏ إن صاحب الكنز وغيره من أصحاب المتون أخل بما ذكرنا من القيد وإن العجب من أصحاب المتون فإنهم يتركون في متونهم قيودا لا بد منها‏:‏ وهي موضوعة لنقل المذهب، فيظن من يقف على مسائله الإطلاق، فيجري الحكم على إطلاقه، وهو مقيد فيرتكب الخطأ في كثير من الأحكام في الإفتاء والقضاء ا هـ‏.‏ فافهم

‏(‏قوله وذمي‏)‏ ولو أسلم أو بلغ المراهق قبل القسمة والخروج إلى دار الإسلام يسهم له كما في شرح السير والظاهر أن العبد إذا أعتق كذلك ‏(‏قوله ورضخ لهم‏)‏ أي يعطون قليلا من كثير فإن الرضيخة هي الإعطاء كذلك، والكثير السهم فالرضخ لا يبلغ السهم فتح ‏(‏قوله عندنا‏)‏ وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد أنه من أربعة الأخماس فتح ‏(‏قوله إذا باشروا القتال‏)‏ شمل المرأة فإنها يرضخ لها إذا قاتلت أيضا وأطلق مباشرة القتال في العبد، فشمل ما إذا قاتل بإذن سيده أو بدونه كما في الفتح وبه صرح في شرح السير الكبير، وقال‏:‏ القياس أنه إذا قاتل بلا إذن المولى لا يرضخ له كمستأمن قاتل بلا إذن الإمام والاستحسان أنه يرضخ له؛ لأنه غير محجور عما يتمحض منفعة، وهو نظير القياس والاستحسان في العبد المحجور إذا آجر نفسه وسلم من العمل ا هـ‏.‏ ملخصا وبه ظهر أن قوله في الولوالجية إن العبد إذا كان مع مولاه يقاتل بإذنه يرضخ له غير قيد خلافا لما فهمه في البحر ولم أر من نبه عليه فتنبه، وظهر به أيضا أن قوله في اليعقوبية‏:‏ ينبغي أن يسهم للعبد المأذون بحث مخالف للمنقول‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

اقتصر المصنف على المذكورين؛ لأن الأجير لا يسهم له ولا يرضخ لعدم اجتماع الأجر والنصيب من الغنيمة إلا إذا قاتل فإنه يسهم له بحر أي بخلاف المذكورين، فإنهم إذا قاتلوا يرضخ ولا يسهم لهم ‏(‏قوله أو تداوي الجرحى‏)‏ هذا داخل فيما قبله مع أنه يوهم التخصيص بهذا النوع فالأولى أن يقول بدله أو تطبخ أو تخبز للغزاة كما في شرح السير، ومثل ذلك السقي ومناولة السهام كما في الفتح‏.‏ والحاصل‏:‏ أن المراد حصول منفعة منها للغزاة احترازا عما إذا خرجت لخدمة زوجها مثلا ‏(‏قوله عند الحاجة‏)‏ أما بدونها فلا؛ لأنه لا يؤمن غدره‏.‏

مطلب في الاستعانة بمشرك

‏(‏قوله وقد استعان عليه الصلاة والسلام إلخ‏)‏ ذكر في الفتح أن في سنده ضعفا، وأن جماعة قالوا لا يجوز لحديث مسلم‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى بدر فلحقه رجل مشرك فقال‏:‏ ارجع فلن أستعين بمشرك» الحديث وروي رجلان ثم قال وقال الشافعي رده عليه الصلاة والسلام المشرك والمشركين كان في غزوة بدر ثم «أنه عليه الصلاة والسلام استعان في غزوة خيبر بيهود من بني قينقاع، وفي غزوة حنين بصفوان بن أمية، وهو مشرك» فالردان كان لأجل أنه كان مخيرا بين الاستعانة وعدمها فلا مخالفة بين الحديثين وإن كان لأجل أنه مشرك فقد نسخه ما بعده ‏(‏قوله فيزاد على السهم‏)‏ أي إذا كان في دلالته منفعة عظيمة للمسلمين فيرضخ له على قدر ما يرى الإمام ولو أكثر من سهام الفرسان شرح السير ‏(‏قوله؛ لأنه كالأجرة‏)‏ أشار إلى الفرق بين ما إذا قاتل الذمي، حيث لا يبلغ في الرضخ له السهم وما إذا دل حيث تصح الزيادة، وهو أن ما يدفع له في هذه الحالة ليس رضخا، بل قائم مقام الأجرة بخلاف ما إذا قاتل فإنه لا يبلغ به السهم؛ لأنه عمل عمل الجهاد ولا يسوى في عمله بين من يؤجر عليه، ومن لا يقبل منه أفاده في الفتح‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الحواشي اليعقوبية لا وجه لتخصيص حكم الدلالة على الطريق بالذمي؛ لأن العبد أيضا إذا دل يعطى له أجر الدلالة بالغا ما بلغ إلا أن تمنع إرادة التخصيص فليتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله سواء‏)‏ أي في القسم فلا يفضل أحدها على الآخر فتح، وهو خبر عن قول المصنف والبراذين والعتاق، وعلى حل الشارح خبر لمبتدأ محذوف‏:‏ أي هذه الأربعة سواء؛ لأنه قدر لكل واحد منها على انفراده خبرا فلا يصلح أن يكون خبرا عنها جميعا، ولا يخفى أن ما زاده الشارح من الهجين بوزن عجين، والمقرف بوزن محسن يفهم حكمه بالأولى؛ لأنه فوق البراذين ‏(‏قوله لا يسهم للراحلة‏)‏ هي المركوب من الإبل ذكرا كان أو أنثى والتاء فيها للوحدة أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية والجمل يختص بالذكر ط ‏(‏قوله لعدم الإرهاب‏)‏ أي تخويف العدو إذ لا تصلح للكر والفر‏.‏

مطلب في قسمة الخمس

‏(‏قوله والخمس الباقي‏)‏ أي الباقي بعد أربعة أخماس الغانمين ‏(‏قوله عندنا‏)‏ وأما عند الشافعي فيقسم أخماسا سهم لذوي القربى، وسهم للنبي صلى الله عليه وسلم يخلفه فيه الإمام، ويصرفه إلى مصالح المسلمين والباقي للثلاثة للآية زيلعي ‏(‏قوله لليتيم‏)‏ أي بشروط فقره، وفائدة ذكره دفع توهم أن اليتيم لا يستحق من الغنيمة شيئا؛ لأن استحقاقها بالجهاد، واليتيم صغير فلا يستحقها، ومثله ما في التأويلات للشيخ أبي منصور لما كان فقراء ذوي القربى يستحقون بالفقر، فلا فائدة في ذكرهم في القرآن أجاب بأن أفهام بعض الناس قد تقضي إلى أن الفقير منهم لا يستحق؛ لأنه من قبيل الصدقة، ولا تحل لهم بحر ‏(‏قوله والمسكين‏)‏ المراد منه ما يشمل الفقير ‏(‏قوله وجاز صرفه إلخ‏)‏ علله في البدائع بأن ذكر هؤلاء الأصناف لبيان المصارف، لا لإيجاب الصرف إلى كل صنف منهم شيئا بل لتعيين المصرف، حتى لا يجوز الصرف إلى غير هؤلاء ا هـ‏.‏ شرنبلالية ‏(‏قوله وقد حققته في شرح الملتقى‏)‏ ونصه والخمس الباقي من المغنم كالمعدن والركاز يكون مصرفها لليتامى المحتاجين والمساكين وابن السبيل فتقسم عندنا أثلاثا هذه الأموال الثلاثة لهؤلاء الأصناف الثلاثة خاصة غير متجاوز عنهم إلى غيرهم، فتصرف لكلهم أو لبعضهم، فسبب استحقاقهم احتياج بيتم أو مسكنة أو كونه ابن السبيل فلا يجوز الصرف لغنيهم، ولا لغيرهم كما في الشرنبلالية والقهستاني‏.‏ قلت‏:‏ ونقلت فيما علقته على التنوير عن المنية أنه لو صرف للغانمين لحاجتهم جاز ا هـ‏.‏ ولعله باعتبار الحاجة فلا تنافي حينئذ فتنبه‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ لا معنى للترجي بعد تصريح المنية بقوله لحاجتهم‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله من بني هاشم‏)‏ بيان لذوي القربى، وفيه قصور؛ لأن المراد بهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب؛ لأنه عليه الصلاة والسلام وضع سهم ذوي القربى فيهم، وترك بني نوفل وبني عبد شمس مع أن قرابتهم واحدة؛ لأن عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم له أولاد هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس بحر‏.‏ والمطلب عم الجد الأول وهو عبد المطلب بن هاشم ‏(‏قوله أي من الأصناف الثلاثة‏)‏ وكذا الضمير في عليهم راجع إليهم، والضمير الثاني يغني عن الأول، ولكن زاده مع ما فيه من الركاكة ليفيد أن ذوي القربى إذا كانوا من الأصناف الثلاثة يقدمون على من كان منهم ممن ليس من ذوي القربى، فيتيم ذوي القربى مقدم على يتيم غيرهم، وهكذا قال في الدر المنتقى‏:‏ والأوضح أن يقال خمس الغنيمة والمعدن للمحتاج وذوو القربى منه أولى ‏(‏قوله لجواز إلخ‏)‏ علة لقوله وقدم أي؛ لأن غير ذوي القربى يحل له أخذ الصدقة لدفع حاجته بخلافهم فليس في تقديمهم إضرار بغيرهم ‏(‏قوله ولا حق لأغنيائهم عندنا‏)‏ وعند الشافعي‏:‏ يستوي فيه فقيرهم وغنيهم ويقسم بينهم للذكر كالأنثيين؛ لأنه لم يفرق في الآية بين الفقير والغني، ولنا أن الخلفاء الراشدين قسموه كما قلناه بمحضر من الصحابة، فكان إجماعا والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم للنصرة، لا للفقر لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنهم لم يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام وشبك بين أصابعه» حين أعطى بني هاشم والمطلب؛ لأنهم قاموا معه حين أرادت قريش قتله عليه الصلاة والسلام، ودخل بنو نوفل وعبد شمس في عهد قريش، ولو كان لأجل القرابة لما خصهم؛ لأن عبد شمس ونوفلا أخوان لهاشم لأبيه وأمه والمطلب كان أخاه لأبيه فكان أقرب والمراد بالنصرة كونهم معه يؤانسونه بالكلام، والمصاحبة لا بالمقاتلة، ولذا كان لنسائهم فيه نصيب ثم سقط ذلك بموته عليه الصلاة والسلام لعدم تلك العلة، وهي النصرة، فيستحقونه بالفقر زيلعي ملخصا‏.‏ وحاصله أنه كما سقط سهمه صلى الله عليه وسلم بموته عندنا سقط سهم ذوي القربى بموته أيضا لفقد علة استحقاقهم، حتى قال الطحاوي‏:‏ لا يستحق فقيرهم أيضا لكن الأول وهو قول الكرخي أظهر، وقد حقق في الفتح قسمة الخلفاء الراشدين أثلاثا كما قلنا لا أخماسا كما قال الشافعي فراجعه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في الشرنبلالية عن البدائع تعطى القرابة كفايتهم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيها عن الجوهرة أنه يقسم بينهم للذكر كالأنثيين‏.‏ قلت‏:‏ واعترضه في الدر المنتقى بأنهم ذكروا هذا عن الشافعي لا عندنا‏.‏ قلت‏:‏ على أنه ينافيه ما في البدائع ‏(‏قوله وما نقله المصنف‏)‏ حيث قال‏:‏ وفي الحاوي القدسي، وعن أبي يوسف‏:‏ الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبه نأخذ‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا يقتضي كما نبه عليه شيخنا يعني صاحب البحر أن الفتوى على الصرف إلى الأقرباء الأغنياء فليحفظ‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله نظر فيه في النهر‏)‏ حيث قال‏:‏ وأقول فيه نظر بل هو ترجيح لإعطائهم، وغاية الأمر أنه سكت عن اشتراط الفقر فيهم للعلم به ا هـ‏.‏ وأنت إذا تأملت كلام الحاوي رأيته شاهدا لما في البحر، وهذه عبارته، وأما الخمس فيقسم ثلاثة أسهم سهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم، ويقدمون ولا يدفع لأغنيائهم شيء، وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبه نأخذ ا هـ‏.‏ إذ لو كان كما قاله في النهر لكانت رواية أبي يوسف عين ما قبلها فتدبر‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ لكن أنت خبير بأن هذه رواية عن أبي يوسف‏:‏ وهي خلاف المشهور عنه والمتون والشروح أيضا على خلافها فالواجب اتباع المذهب في هذه المسألة الذي اعتنى الشراح وغيرهم بتأييد أدلته والجواب عما ينافيه فهذا أقوى ترجيح ولا يعارضه ترجيح الحاوي، ثم رأيت العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي نبه على نحو ما قلته في شرحه على الدرر والغرر ‏(‏قوله وذكره تعالى‏)‏ أي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأن لله خمسه‏}‏ ‏(‏قوله؛ لأنه حكم علق بمشتق وهو الرسالة‏)‏ عبارة النهر وهو الرسول، فيكون مبدأ الاشتقاق علة وهو الرسالة ولا رسول بعده ا هـ‏.‏ أي كما لو قيل إذا لقيت عالما فأكرمه وإذا لقيت فاسقا فأهنه، فإنه علق فيه الأمر بالإكرام والإهانة على مشتق، وهو عالم وفاسق فيدل على أن ما اشتق منه ذلك الوصف‏:‏ أعنى العلم والفسق علة الحكم أي أكرمه لعلمه وأهنه لفسقه، وبه يظهر ما في عبارة الشارح، ثم إن هذا أغلبي لما علمت من أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولذي القربى‏}‏ ليس علته القرابة عندنا بل النصرة إلا أن يقال مرادهم نفي كون العلة مجرد القرابة بل العلة قرابة خاصة مقيدة بالنصرة على الوجه المار فتدبر‏.‏

مطلب في أن رسالته صلى الله عليه وسلم باقية بعد موته

‏[‏تنبيه‏]‏

قدمنا عن الشافعي رحمه الله تعالى أن سهمه صلى الله عليه وسلم يخلفه فيه الإمام بعده أي بناء على أنه صلى الله عليه وسلم كان يستحقه لإمامته، وعندنا لرسالته، ولا رسول بعده أي لا يوصف بعده أحد بهذا الوصف فلذا سقط بموته بخلاف الإمامة والقيام بأمور الأمة وبهذا التقرير اندفع ما أورده المقدسي على قولهم‏:‏ ولا رسول بعده من أنهم إن أرادوا أن رسالته مقصورة على حياته فممنوع إذ قد صرح في منية المفتي بأن رسالة الرسول لا تبطل بموته ثم قال‏:‏ ويمكن أن يقال إنها باقية حكما بعد موته وكان استحقاقه بحقيقة الرسالة لا بالقيام بأمور الأمة ا هـ‏.‏ ولا يخفى ما في كلامه من إيهام انقطاع حقيقتها بعده صلى الله عليه وسلم فقد أفاد في الدر المنتقى أنه خلاف الإجماع‏.‏ قلت‏:‏ وأما ما نسب إلى الإمام الأشعري إمام أهل السنة والجماعة من إنكار ثبوتها بعد الموت‏.‏ فهو افتراء وبهتان والمصرح به في كتبه وكتب أصحابه خلاف ما نسب إليه بعض أعدائه؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم وقد أقام النكير على افتراء ذلك الإمام العارف أبو القاسم القشيري في كتابه‏:‏ شكاية السنة، وكذا غيره كما بسط ذلك الإمام ابن السبكي في طبقاته الكبرى في ترجمة الإمام الأشعري ‏(‏قوله كالصفي‏)‏ بفتح الصاد وكسر الفاء والياء المشددة نهر أي كما سقط الصفي بموته صلى الله عليه وسلم ‏(‏قوله يصطفيه لنفسه‏)‏ أي قبل قسمة الغنيمة، وإخراج الخمس نهر كما اصطفى ذا الفقار وهو سيف منبه بن الحجاج حين قتله علي رضي الله تعالى عنه وكما اصطفى صفية بنت حيي بن أخطب من غنيمة خيبر رواه أبو داود في سننه والحاكم فتح وفي الشرنبلالية قال في طلبة الطلبة‏:‏ وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستأثر بالصفي زيادة على سهمه‏.‏

‏(‏قوله ومن دخل دارهم بإذن الإمام‏)‏ ولو واحدا من أهل الذمة ط عن الشلبي ‏(‏قوله أو منعة‏)‏ في المصباح هو في منعة بفتح النون أي في عز قومه، فلا يقدر عليه من يريده قال الزمخشري‏:‏ وهي مصدر مثل الأنفة والعظمة أو جمع مانع وهم العشيرة والحماة وقد تسكن في الشعر لا غير خلافا لمن أجازه مطلقا ‏(‏قوله خمس‏)‏ أي يأخذ الإمام خمسه والباقي لهم قال في الفتح‏:‏؛ لأن على الإمام أن ينصرهم حيث أذن لهم كما أن عليه أن ينصر الجماعة الذين لهم منعة إذا دخلوا بغير إذنه تحاميا عن توهين المسلمين والدين فلم يكونوا مع نصرة الإمام متلصصين فكان المأخوذ قهرا غنيمة ‏(‏قوله ما أخذوا‏)‏ بضمير الجمع مراعاة لمعنى من كما روعي لفظها في قوله فأغار ‏(‏قوله وإلا لا‏)‏ أي وإن لم يدخلوا بإذن الإمام ولم يكونوا ذوي منعة بأن دخلوا بلا إذنه وهم ثلاثة فأقل كما أفاده في الفتح‏:‏ قال وعن أبي يوسف أنه قدر الجماعة التي لا منعة لها بسبعة، والتي لها منعة بعشرة ‏(‏قوله؛ لأنه اختلاس‏)‏ من خلست الشيء خلسا من باب ضرب اختطفته بسرعة على غفلة مصباح ‏(‏قوله وفي المنية إلخ‏)‏ أفاد به تقدير المنعة ‏(‏قوله وإلا جاز‏)‏؛ لأن الخمس في الثاني واجب بقول الإمام، فله أن يبطله بقوله بخلافه في الأول، ولذا لو دخلوا بغير إذنه خمس ما أخذوه بحر عن المحيط‏.‏ وحاصله‏:‏ أنهم إذا لم يكن لهم منعة لا يجب الخمس إلا إذا أذن فيكون قد وجب بسبب قوله‏:‏ فله أن يبطله بخلاف ما إذا كانت لهم منعة فإنه يجب، وإن لم يأذن لهم فلم يجب بقوله فليس له إبطاله وفي النهر عن التتارخانية‏:‏ لو كان بعضهم بإذنه وبعضهم بلا إذنه ولا منعة لهم فالحكم في كل واحد منهم حالة الاجتماع كما في حالة الانفراد وإن كان لهم منعة يجب الخمس‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله وندب للإمام‏)‏ وكذا لأمير السرية إلا إذا نهاه الإمام فليس له ذلك إلا برضا العسكر فيجوز من الأربعة الأخماس بحر‏.‏

مطلب في التنفيل

‏(‏قوله أن ينفل‏)‏ التنفيل‏:‏ إعطاء الإمام الفارس فوق سهمه وهو من النفل، ومنه النافلة للزائد على الفرض ويقال لولد الولد كذلك، ويقال نفله تنفيلا ونفله بالتخفيف نفلا لغتان فصيحتان فتح ‏(‏قوله وقت القتال‏)‏ قيد به القدوري، ولا بد منه؛ لأنه بعده لا يملكه الإمام، وقيل‏:‏ ما داموا في دار الحرب يملكه كذا في السراج؛ وقد يؤيد هذا القيل أن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من قتل قتيلا فله سلبه» إنما كان بعد الفراغ من حنين ولم أر جوازه قبل المقاتلة نهر‏.‏ قلت‏:‏ وفيه نظر؛ لأن المنقول أن ذلك كان عند الهزيمة تحريضا للمسلمين، على الرجوع إلى القتال وفي القهستاني‏:‏ إن في قوله‏:‏ وقت القتال إشارة إلى أنه يجوز التنفيل قبله بالأولى وإلى أنه لا يجوز به بعده لكن بعد القسمة؛ لأنه استقر فيه حق الغانمين ا هـ‏.‏ ففيه التصريح بجوازه قبله وعزاه ح إلى المحيط وقوله‏:‏ لكن بعد القسمة الظاهر أنه مبني على القيل المار عن السراج، و يؤيده قول المتون‏:‏ وينفل بعد الإحراز من الخمس فقط، فإن مفهومه أنه قبل الإحراز بدارنا يجوز من الكل، لكن الظاهر أن هذا المفهوم غير معتبر؛ لأنه وقع التصريح بخلافه، ففي المنبع عن الذخيرة‏:‏ لا خلاف أن التنفيل قبل الإصابة، وإحراز الغنيمة وقبل أن تضع الحرب أوزارها جائز ويوم الهزيمة، ويوم الفتح لا يجوز؛ لأن القصد به التحريض على القتال ولا حاجة إليه إذا انهزم العدو، وأما بعد الإحراز فلا يجوز إلا من الخمس إذا كان محتاجا ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وفي متن الملتقى، ومتن المختار وللإمام‏:‏ أن ينفل قبل إحراز الغنيمة وقبل أن تضع الحرب أوزارها فقولهم‏:‏ وقبل أن تضع الحرب أوزارها فائدته دفع توهم الجواز بعد انتهاء الحرب؛ لأن قولهم قبل إحراز الغنيمة يشمل ما بعد الإصابة‏:‏ أي إصابة العسكر الغنيمة بالهزيمة وانتهاء الحرب مع أنه غير مراد كما بينه عطف هذه الجملة‏.‏ وفي الفتح التنفيل إنما يجوز عندنا قبل الإصابة، فقد ظهر ضعف ما في السراج مع أن صاحب السراج، لم يعول عليه في مختصره الجوهرة حيث قال‏:‏ عن الخجندي‏:‏ التنفيل‏:‏ إما أن يكون قبل الفراغ من القتال أو بعده، فإن كان بعده لا يملكه الإمام،؛ لأنه إنما جاز لأجل التحريض على القتال وبعد الفراغ منه لا تحريض‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وكل ما ورد من التنفيل بعد القتال فهو محمول عندنا على أنه من الخمس كما بسطه السرخسي‏.‏

مطلب الاقتباس من القرآن جائز عندنا

‏[‏تنبيه‏]‏

قولهم أن تضع الحرب أوزارها اقتباس من القرآن، وبه يستدل على جوازه عندنا كما بسطه الشارح في الدر المنتقى فراجعه ‏(‏قوله وتحريضا‏)‏ أي ترغيبا في القتال‏.‏

مطلب في قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال

‏(‏قوله سماه قتيلا لقربه منه‏)‏ أي من القتل ففيه مجاز الأول مثل أعصر خمرا لكن قال الزركشي قولهم‏:‏ اسم الفاعل حقيقة في الحال أي حال التلبس بالفعل لا حال النطق فإن حقيقة الضارب والمضروب لا تتقدم على الضرب ولا تتأخر عنه، فهما معه في زمن واحد ومن هذا ظهر أن قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من قتل قتيلا فله سلبه» أن قتيلا حقيقة، وأن ما ذكروه من أنه سمي قتيلا باعتبار مشارفته للقتل لا تحقيق فيه‏.‏ ا هـ‏.‏ وصرح القرافي في شرح التنقيح، بأن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقا، يعني سواء كان بمعنى الحال أو الاستقبال أو الماضي إجماعا وحينئذ، فلا مجاز أبو السعود عن الحموي وقوله‏:‏ إذا كان محكوما به كقولك‏:‏ زيد قائم فإنه حكم به على زيد، بخلاف جاء القائم فإنه جعل متعلق الحكم بالمجيء ففي الأول لا بد من أن يكون متصفا بالقيام حال النطق، حتى يصح الحكم عليه بالصفة وإلا كان مجازا بخلاف الثاني فإن قولك‏:‏ جاء القائم غدا حكم بالمجيء على ذات القائم غدا أي على من يسمى قائما غدا أي حال التلبس بالصفة ومنه من قتل قتيلا أي شخصا يسمى قتيلا عند تحقق القتل فيه فافهم‏.‏ ‏(‏قوله أو يقول من أخذ شيئا فهو له‏)‏ هذا الفرع منقول في حواشي الهداية وللكمال فيه كلام سنذكره مع جوابه عند قول الشارح وجاز التنفيل بالكل ‏(‏قوله وقد يكون بدفع مال‏)‏ كأن يقول له خذ هذه المائة واقتل هذا الكافر تأمل ولم أره ‏(‏قوله وترغيب مآل‏)‏ الظاهر أنه بهمزة ممدودة والإضافة على معنى في‏:‏ أي ترغيب في المآل مثل‏:‏ إن قتلت قتيلا فلك ألف درهم، لكن يشترط أن لا يصرح بالأجر كما سنذكره قريبا ‏(‏قوله فالتحريض إلخ‏)‏ جواب عما يورد على قوله‏:‏ وندب للإمام إلخ‏.‏ وحاصله‏:‏ أن التحريض الواجب قد يكون بالترغيب في ثواب الآخرة أو في التنفيل، فهو واجب مخير وإذا كان التنفيل أدعى الخصال إلى المقصود يكون هو الأولى، فصار المندوب اختيار إسقاط الواجب به لا هو في نفسه بل هو واجب مخير فتح ملخصا، وفيه رد لقول العناية إن الأمر في الآية مصروف عن الوجوب لقرينة ‏(‏قوله ولا يخالفه‏)‏ أي لا يخالف قول المصنف وندب‏.‏

مطلب كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب

‏(‏قوله بل يستعمل في المندوب‏)‏ يظهر لي أن محله في موضع يتوهم فيه البأس أي الشدة كما هنا فإن فيه تخصيص الفارس بزيادة مع قطع الخمس بل استعمل نظيره في القرآن في الواجب كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلا جناح عليه أن يطوف بهما‏}‏ فنفى الجناح لما كانوا يعتقدونه من حرمة السعي بين الصفا والمروة ‏(‏قوله قاله المصنف‏)‏ أي تبعا للفتح وغيره ‏(‏قوله ولذا‏)‏ أي لكونه مندوبا لا خلاف الأولى ‏(‏قوله استحسانا‏)‏ والقياس عدمه؛ لأن غيره يستحق بإيجابه وهو لا يملك الإيجاب لنفسه كالقاضي لا يملك القضاء لنفسه وجه الاستحسان أنه أوجب النفل للجيش وهو واحد منهم ‏(‏قوله فلا يستحقه‏)‏؛ لأنه في الأول خصهم بقوله منكم؛ فلا يتناوله الكلام، وفي الثاني هو متهم بتخصيصه نفسه ‏(‏قوله إلا إذا عمم بعده‏)‏ أي إذا قال‏:‏ إن قتلت قتيلا فلي سلبه ولم يقتل أحدا حتى قال‏:‏ ومن قتل منكم قتيلا فله سلبه فقتل الأمير قتيلا استحقه؛ لأن التنفيل صار عاما باعتبار كلاميه ولا فرق بين كونه بكلامين، أو بكلام واحد؛ لأن الأول لم يصح للتهمة بالتخصيص وقد زالت بالثاني أفاده السرخسي‏.‏ وحاصله‏:‏ أن التعميم حصل بمجموع الكلامين لا بالثاني فقط فافهم ‏(‏قوله ويستحقه‏)‏ أي السلب ‏(‏قوله وغيره‏)‏ كالتاجر والمرأة والعبد بحر ‏(‏قوله أي التنفيل‏)‏ أي تنفيل الإمام بقوله‏:‏ من قتل قتيلا إنما يكون في مباح القتل‏:‏ أي وإن كان لفظ قتيلا نكرة لكنه مقيد بمن يباح قتله، فيدخل فيه أجير لهم وتاجر منهم وعبد يخدم مولاه ومرتد أو ذمي لحق بهم ومريض أو مجروح، وإن لم يستطع القتال وشيخ فان له رأي أو يرجى نسله؛ لأن قتله مباح نعم لو قتل مسلما كان يقاتل في صفهم لم يكن له سلبه؛ لأنه وإن كان مباح الدم لكن سلبه ليس بغنيمة كأهل البغي إلا إذا كان سلبه للمشركين أعاروه إياه سرخسي وما ذكره في الدر المنتقى عن البرجندي عن الظهيرية من أنه يستحق السلب بقتل من لم يقاتل استحسانا لم أره في الظهيرية بل الذي فيها عدم الاستحقاق كما عزاه إليها القهستاني فافهم ‏(‏قوله ممن لم يقاتل‏)‏ حتى لو قاتل الصبي فله سلبه؛ لأنه مباح الدم وكذا المرأة كما في شرح السير ‏(‏قوله ويعم كل قتال في تلك السنة‏)‏ الأولى السفرة كما عبر في البحر والنهر، وفي شرح السير لو نفل في دار الحرب قبل القتال يبقى حكمه إلى أن يخرجوا من دار الحرب حتى لو رأى مسلم مشركا نائما فقتله فله سلبه كما لو قتله في الصف أو بعد الهزيمة أما لو نفل بعدما اصطفوا للقتال فهو على ذلك القتال حتى ينقضي ولو بقي أياما‏.‏ ‏(‏قوله وإن مات الوالي أو عزل‏)‏ في شرح السير لو جاء مع المدد أمير وعزل الأمير الأول بطل تنفيله فيما يستقبل لزوال ولايته بالعزل، أما لو لم يقدم أمير بل مات أميرهم فأمر عليهم غيره لم يبطل حكم تنفيل الأول؛ لأن الثاني قائم مقامه إلا إذا أبطله الثاني أو كان الخليفة قال لهم إن مات أميركم فأميركم فلان فيبطل تنفيل الأول؛ لأن الثاني نائب الخليفة بتقليده من جهته، فكأنه قلده ابتداء، فينقطع حكم رأي الأول برأي فوقه ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وحاصله‏:‏ بطلانه بالعزل وكذا بالموت إذا نصب غيره بعده من جهة الخليفة لا من جهتهم وهو خلاف ما في الشرح تبعا للبحر والنهر ‏(‏قوله؛ لأنه نكرة في سياق الشرط‏)‏ فيه أن النكرة في سياق الشرط إنما تعم في اليمين المثبت؛ لأن الحلف على نفيه دون المنفي كإن لم أكلم رجلا؛ لأنه على الإثبات كأنه قال لأكلمن رجلا كما في التحرير ح‏.‏ قلت‏:‏ ذكر في التحرير أيضا أنه قد يظهر عموم النكرة من المقام وغيره كعلمت نفس وتمرة خير من جرادة وأكرم كل رجل ا هـ‏.‏ وهنا كذلك كما يأتي تلوه فافهم ‏(‏قوله بخلاف إن قتلت قتيلا‏)‏ أي فقتل المخاطب قتيلين مثلا لا يعم الكل بل له سلب الأول فقط استحسانا والقياس أنه كالأول؛ لأنه علق استحقاقه بشرط يتكرر فلا ينتهي بقتل الأول وجه الاستحسان أنه في الأول لما لم يعين إنسانا بعينه، فقد خرج الكلام منه عاما ألا ترى أنه يتناول جميع المخاطبين، فكما يعم جماعتهم يعم جماعة المقتولين، وحقيقة معنى الفرق أن مقصود الإمام من تحريضهم المبالغة في النكاية في المشركين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون القاتل للعشرة مثلا عشرة من المسلمين أو واحدا منهم، وأما الثاني فالمقصود فيه معرفة جلادة ذلك الرجل، وذلك يتم بدون إثبات العموم في المقتولين ا هـ‏.‏ ملخصا من شرح السير الكبير‏.‏ وقد خطر لي هذا الفرق قبل رؤيته ولله تعالى الحمد‏.‏ وحاصله‏:‏ يرجع إلى أن العموم في أحدهما استفيد من قرينة المقام كما نبهنا عليه آنفا فافهم ‏(‏قوله ولو قال إن قتلت ذلك الفارس إلخ‏)‏ أقول‏:‏ هذا إذا صرح بكونه أجرا وإلا فهو تنفيل لما في السير الكبير للسرخسي، ولو قال الأمير لمسلم حر أو عبد إن قتلت ذلك الفارس من المشركين، فلك علي أجر مائة دينار، فقتله لم يكن له أجر؛ لأنه لما صرح بالأجر لا يمكن حمل كلامه على التنفيل، والاستئجار على الجهاد لا يجوز وإن قال ذلك لذمي فكذلك عندهما، وعند محمد جاز وأصل جواز الاستئجار على القتل عنده لا عندهما؛ لأنه إزهاق الروح، وليس من عمله ولو كان الأسرى قتلى فقال من قطع رءوسهم فله أجر عشرة دراهم، ففعل ذلك مسلم أو ذمي استحقه؛ لأن ذلك ليس من عمل الجهاد، ولو أراد قتل الأسرى فاستأجر عليه مسلما أو ذميا فهو على الخلاف ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ وهذا صريح بأنه لو لم يصرح بالاستئجار يكون تنفيلا، ويشهد له فروع كثيرة في السير الكبير أيضا منها من جاء بألف درهم، فله ألفان، فجاء رجل بألف لم يكن له غيرها، بخلاف من جاء بأسير فهو له وخمسمائة درهم فإنه يعطى ذلك؛ لأن المقصود هنا نكاية العدو، وفيما قبله لا مقصود إلا المال، ولو قال‏:‏ من قتل الملك فله عشرة آلاف دينار صح، وإن لم يحصل بقتله مال، قال حين اصطفوا للقتال‏:‏ من جاء برأس فله مائة دينار فهو على رأس الرجال دون السبي؛ لأن المقصود في هذه الحالة التحريض على القتال ا هـ‏.‏ ففي هذه الفروع ذكر مال معلوم وقد جعل تنفيلا لا إجارة لعدم التصريح بها، فقد ظهر أن ما ذكره الشارح تبعا للنهر على المنية، وكذا ما نقله ح عن قاضي خان، ليس على إطلاقه، وأما القول بأن الاستئجار على الطاعات جائز عند المتأخرين، ففيه أنهم أجازوه في مسائل خاصة للضرورة، وليس الجهاد منها ولا يصح حمل كلامهم على كل عبادة كما نبهنا عليه سابقا فافهم

‏(‏قوله ولو نفل السرية إلخ‏)‏ من فروع قوله وسماع القاتل إلخ ‏(‏قوله هي قطعة من الجيش إلخ‏)‏ قد علمت ما فيه قبل هذا الباب ‏(‏قوله الربع‏)‏ أي ربع الغنيمة أي بأن جعل لهم ربعها يأخذونه دون بقية العسكر زيادة على سهامهم ‏(‏قوله فلهم النفل‏)‏ أي للسرية والأولى أن يقول فلها لئلا يتوهم عود الضمير على العسكر ‏(‏قوله استحسانا‏)‏ والقياس أنه لا نفل لهم؛ لأن المقصود التحريض، ولا يحصل إذا لم يسمعه أحد منهم، وتكلم الأمير بذلك في عسكره كتكلمه ليلا مع عياله وجه الاستحسان أن ما يتكلم به في عسكره يفشو عادة وأن عادة الملوك التكلم بين خواصهم وتمامه في شرح السير‏.‏

مطلب مهم في التنفيل العام بالكل أو بقدر منه‏.‏

‏(‏قوله وجاز التنفيل بالكل‏)‏ بأن يقول للسرية ما أصبتم فهو لكم سوية بينكم ‏(‏قوله أو بقدر منه‏)‏ بأن يقول‏:‏ ما أصبتم فلكم ثلثه سوية بينكم بعد الخمس أو يقول قبل الخمس‏:‏ أي لكم ثلثه بعد إخراج الخمس أو قبل إخراجه أي ثلث الأربعة الأخماس أو ثلث الكل ‏(‏قوله والفرق في الدرر‏)‏ أي الفرق بين جواز التنفيل المذكور للسرية، وعدم جوازه للعسكر، لكنه لم يذكر في الدرر في الفرق إلا التنفيل بالكل؛ لأنه يعلم منه الفرق في التنفيل بقدر منه، وعبارة الدرر هكذا في النهاية عن السير الكبير‏:‏ أن الإمام إذا قال لأهل العسكر جميعا ما أصبتم فلكم نفلا بالسوية بعد الخمس، فهذا لا يجوز، وكذا إذا قال ما أصبتم فلكم ولم يقل بعد الخمس فإن فعله مع السرية جاز، وذلك أن المقصود من التنفيل التحريض على القتال، وإنما يحصل ذلك بتخصيص البعض بشيء وفي التعميم إبطال تفضيل الفارس على الراجل وإبطال الخمس أيضا إذا لم يستثن ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وما ذكره من صحته للسرية صرح به في الهداية والاختيار والزيلعي‏:‏ لكن نقل في البحر عن الكمال التسوية بين العسكر والسرية في عدم الصحة حيث قال‏:‏ لو قال للعسكر كل ما أخذتم فهو لكم بالسوية بعد الخمس أو للسرية لم يجز؛ لأن فيه إبطال السهمين اللذين أوجبهما الشرع، إذ فيه تسوية الفارس بالراجل وكذا لو قال ما أصبتم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس؛ لأن فيه إبطال الخمس الثابت بالنص ذكره في السير الكبير قال الكمال‏:‏ وهذا بعينه يبطل ما ذكرناه من قوله من أصاب شيئا فهو له لاتحاد اللازم فيهما، وهو بطلان السهمين المنصوصين بالتسوية، بل وزيادة حرمان من لم يصب شيئا أصلا بانتهائه فهو أولى بالبطلان، والفرع المذكور من الحواشي وبه أيضا ينتفي ما ذكر أي صاحب الهداية من قوله إنه لو نفل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى المصلحة وفيه زيادة إيحاش الباقين وزيادة الفتنة ا هـ‏.‏ وتبعه في النهر‏.‏ أقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق‏:‏ لا تنافي بين ما نقله الجماعة وما نقله الكمال بحمل الأول على السرية المبعوثة من دار الحرب، والثاني على المبعوثة من دار الإسلام، وبه يندفع ما أورده الكمال على الفرع المنقول عن الحواشي وغيره، كما يعلم مما ذكره الإمام السرخسي في السير الكبير في مواضع متفرقة منه‏.‏ وحاصله‏:‏ أن السرية إن كانت مبعوثة من دار الحرب بأن دخل الإمام مع الجيش ثم بعث سرية ونفل لهم ما أصابوا جاز؛ لأنهم قبل التنفيل لا يختصمون بما أصابوا، وهذا التنفيل للتخصيص على وجه التحريض، وإن كانت السرية مبعوثة من دار الإسلام لم يكن له ذلك وكذا لو نفل لهم الثلث بعد الخمس، أو قبل الخمس كان باطلا؛ لأنه ما خص بعضهم بالتنفيل، وليس مقصوده إلا إبطال الخمس أو إبطال تفضيل الفارس على الراجل فلا يجوز كما لو قال‏:‏ لا خمس عليكم فيما أصبتم أو الفارس والراجل سواء فيما أصبتم فإنه يكون باطلا فكذا كل تنفيل لا يفيد إلا ذلك باطل، بخلاف قوله‏:‏ من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أصاب منكم شيئا فهو له دون باقي أصحابه فإنه يجوز؛ لأن فيه معنى التخصيص للتحريض،؛ لأن القاتل يختص بالنفل، دون باقي أصحابه‏.‏ وهذا وإن كان فيه إبطال الخمس عن الأسلاب، لكن المقصود منه التحريض، وتخصيص القاتلين بإبطال شركة العسكر عن الأسلاب ثم يثبت إبطال الخمس عنها تبعا، وقد يثبت تبعا ما لا يثبت قصدا كالشرب والطريق في البيع والوقف في المنقول يثبت تبعا للعقار، وإن كان لا يثبت قصدا، ويوضحه أن الإمام لو ظهر على بلدة له أن يجعلها خراجا، ويبطل منها سهام من أصابها والخمس ولو أراد قسمتها بين الغانمين، ويجعل حصة الخمس خراجا للمقاتلة الأغنياء لم يكن له ذلك؛ لأنه إبطال الخمس مقصودا، فلا يجوز وفي الأول يثبت إبطاله تبعا لإبطال حق الغانمين في الغنيمة فيجوز وإن كان في الموضعين تخلص المنفعة للمقاتلة ا هـ‏.‏ ملخصا من مواضعه‏.‏ والذي تحرر منه ومما مر‏:‏ أن تنفيل كل العسكر بكل المأخوذ أو ثلثه مثلا بعد إخراج الخمس أو قبله لا يصح وكذا تنفيل السرية المبعوثة من دارنا؛ لأنها بمنزلة العسكر، والتنفيل هو تخصيص بعض المقاتلين بزيادة للتحريض، وهذا ليس كذلك؛ لأنه جعل كل المأخوذ أو ثلثه بين كل المقاتلين سوية بينهم، فصار المقصود منه إبطال التفاوت بين الفارس والراجل وإبطال الخمس أيضا إن لم يستثنه بأن لم يقل بعد الخمس وإبطال ذلك مقصودا لا يصح بخلاف السرية المبعوثة من الجيش في دار الحرب؛ لأن معنى التنفيل موجود فيها؛ لأن المراد تمييزها من بين العسكر بجميع المأخوذ أو بثلثه مثلا لأجل تحريضها على القتال وإن لزم منه إبطال التفاوت والخمس لكونه ضمنا لا قصدا فصار بمنزلة قوله للعسكر‏:‏ من قتل منكم قتيلا فله سلبه فإنه تخصيص لبعض منهم، وهو القاتل بزيادة على الباقي وإن لزم منه ما ذكر بخلاف قوله لكل العسكر ما أصبتم فهو لكم؛ لأنه بمنزلة قوله ذلك للسرية المبعوثة من دار الإسلام، لعدم المشارك لها فليس فيه تخصيص بعض دون بعض، فلا يصح كما قررناه، وبهذا التقرير ظهر صحة الفرع المنقول من حواشي الهداية وهو من أصاب شيئا فهو له؛ لأنه تخصيص للمصيب بما أصابه‏.‏ فهو بمنزلة قوله من قتل قتيلا فله سلبه، بخلاف قوله ما أصبتم فهو لكم، أو كل ما أخذتم، فهو لكم بالسوية؛ لأنه تشريك محض بجميع المأخوذ بين جميع العسكر أو السرية؛ لأن معناه قسمة جميع ما يأخذه كل واحد بينهم سوية، فصار المقصود منه إبطال التفاوت والخمس لا يصح إبطال ذلك قصدا كما علمت، وكذا ظهر صحة قوله لو نفل بجميع المأخوذ جاز أي بأن قال من أصاب شيئا فهو له بخلاف ما أصبتم فهو لكم لما علمت من أنه تشريك لا تخصيص، ولا يرد عليه قوله إن فيه إبطال السهمين أي التفاوت بين الفارس والراجل، وكذا إبدال الخمس لما علمت من أن ذلك جائز إذا كان ضمنا لا قصدا، وهنا حيث وجد تخصيص كل آخذ بما أخذه للتحريض، فقد تحقق معنى التنفيل وإن لزم منه حرمان من لم يصب شيئا فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنه من فيض المولى عز وجل

‏(‏قوله و لا ينفل بعد الإحراز هنا‏)‏ وكذا قبل الإحراز بعد الإصابة كما أوضحناه عند قوله وندب للإمام أن‏:‏ ينفل وقت القتال ‏(‏قوله لجوازه لصنف واحد‏)‏ أشار به إلى أنه يشترط أن يكون التنفيل المذكور لأحد الأصناف الثلاثة، فلا يجوز لغني كما صرح به الزيلعي و القهستاني وغيرهما، وما بحثه في البحر رده في النهر وغيره

‏(‏قوله وسلبه‏)‏ بفتحتين بمعنى المسلوب والجمع أسلاب ‏(‏قوله ما معه من مركبه وثيابه‏)‏ ومن ذهب وفضة في حقيبته أو وسطه، وخاتم وسوار ومنطقة في الصحيح نهر عن الحقائق ‏(‏قوله لا ما على دابة أخرى‏)‏ ولا ما كان مع غلامه أو في خيمته نهر

‏(‏قوله حكمه قطع حق الباقين‏)‏ أي باقي الغانمين، وحينئذ فلا خمس فيما أصابه لأحد ويورث عنه، ولو مات بدار الحرب شرنبلالية فليحفظ در منتقى‏.‏ قلت‏:‏ ومن حكمه قطع التفاوت أيضا فيستوي فيه الفارس والراجل كما قدمنا عن شرح السير ‏(‏قوله لا الملك قبل الإحراز‏)‏ هذا عندهما وعند محمد يثبت ووجوب الضمان بالإتلاف هداية وغيرها‏.‏ قلت‏:‏ والظاهر أن المراد بنفي ثبوت الملك عندهما نفي تمامه، وإلا فكيف يورث مال لم يملكه مورثه، ولم أر من نبه عليه در منتقى ‏(‏قوله لم يحل له وطؤها ولا بيعها‏)‏ أي قبل الإحراز خلافا لمحمد كما مر ‏(‏قوله لم تحل له إجماعا‏)‏ أي حتى يخرجها ثم يستبرئها ط عن الشلبي

‏(‏قوله والسلب للكل‏)‏ أي لكل الجند إن لم ينفل الإمام به للقاتل وخصه الشافعي رحمه الله بالقاتل در منتقى ‏(‏قوله لحديث إلخ‏)‏ ذكر في الفتح أن الحديث ضعيف، ولا يضر ضعفه؛ لأنا نستأنس به لأحد محتملي حديث السلب أي قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من قتل قتيلا فله سلبه» بحمله على التنفيل، وليس كل ضعيف باطلا، وقد تظافرت أحاديث ضعيفة تفيد أن حديث السلب ليس نصا عاما مستمرا والضعيف إذا تعددت طرقه يرتقي إلى الحسن، فيغلب الظن بأنه تنفيل وتمام تحقيق المقام فيه ‏(‏قوله حيث وقع الاشتباه في قسمتهم‏)‏ الأولى في قسمتهن بضمير النسوة لعوده إلى الإماء إلا أن يقال إنه عائد إلى الغزاة وفيه بعد ثم الواقع الآن أنه لا تقسم غنيمة أصلا كما ذكره في الجواب ‏(‏قوله وقع التنفيل الكلي‏)‏ أي بقول السلطان كل من أخذ شيئا فهو له أما لو قال كل ما أصبتم فهو لكم، فإنه لا يصح كما مر، والمراد وقوعه لأي عسكر كان في أي غزوة كانت وإلا خالفه ما مر من أنه يعم كل قتال في تلك السنة ما لم يرجعوا لكن يبقى النظر فيما بعد موت السلطان المنفل على هذا الوجه أو بعد عزله وتولية غيره هل يبقى تنفيل الأول العام أم لا ويتعين عدمه ما لم ينفل الثاني مثله وهكذا إلى وقتنا هذا فقد ذكر في الخيرية أن أمر السلطان لا يبقى بعد موته، وما قيل من أن كل سلطان من سلاطين آل عثمان نصرهم الله تعالى يؤخذ عليه عهد من قبله لا ينفع كما أوضحت ذلك في كتابي تنبيه الولاة والحكام على شاتم خير الأنام‏.‏

مطلب في حكم الغنيمة المأخوذة بلا قسمة في زماننا

‏(‏قوله فبعد إعطاء الخمس لا تبقى شبهة‏)‏ قد علم مما قدمناه قريبا عند قوله وجاز التنفيل بالكل، أنه لا يلزم إعطاء الخمس في التنفيل العام المقصود منه التخصيص دون التشريك كما لا يلزم فيه تفاوت الفارس والراجل لسقوط ذلك ضمنا لا قصدا على أن الواقع في زماننا عدم القسمة وعدم إعطاء الخمس فكيف تنتفي الشبهة على فرض لزوم الخمس، بل الشبهة باقية من حيث إنا لا نعلم أن سلطان زماننا هل نفل تنفيلا عاما أم لا، ولا يقال إن عدم القسمة اليوم دليل على وجود التنفيل؛ لأن جيوش زماننا يأخذون ما تصل إليه أيديهم سلبا ونهبة، حتى من بلاد الإسلام ولو ظهر مالكه المسلم لا يدفعه إليه إلا بثمنه فليس في حالهم ما يقتضي حملهم على الكمال، وكذا حكام هذا الزمان، وأمراء الجيوش لا ينفلون ولا يقسمون، ولا يخمسون فالظاهر أن ما يؤخذ من الغنائم اليوم حكمه حكم الغلول، وقد ذكر في شرح السير الكبير أن الغال إذا ندم وأتى بما غله إلى الإمام بعد تفرق الجيش، فإن شاء رده عليه وأمره بصرفه إلى مستحقيه، وإن شاء أخذه منه ودفع خمسه لمستحقه ويكون الباقي كاللقطة فإن لم يقدر على رده إلى أهله تصدق به أو جعله موقوفا في بيت المال وكتب عليه أمره، وإن لم يأت به الغال إلى الإمام إن لم يقدر على رده إلى أهله فالمستحب له أن يتصدق به، وإن قدر فالحكم فيه كاللقطة ودفعه إلى الإمام أحب كما في اللقطة فيعطي الخمس منه لأهله، وذكر أيضا أن بيع الغازي سهمه قبل القسمة باطل كإعتاقه‏.‏

مطلب في وطء السراري في زماننا

وفي حاوي الزاهدي‏:‏ اشترى جارية مأسورة لم يؤد منها الخمس من الأمير ينفذ، ويحل وطؤها، وإن اشتراها ممن وقعت في سهمه نفذ في أربعة أخماسها ولا يحل له وطؤها ا هـ‏.‏ أي إذا قسمت ولم تخمس، وإنما حل في بيع الأمير بناء على أن له البيع قبل الإحراز كما مر، ويكون الخمس حينئذ واجبا في الثمن لا فيها فيحل وطؤها، فإذا لم يوجد تنفيل ولا قسمة ولا شراء من أمير الجيش لا يحل الوطء بوجه أصلا، لكن لا نحكم على كل جارية بعينها من الغنيمة بأنها لم يوجد فيها شيء من ذلك لاحتمال أن من أخذها اشتراها من الأمير فارتفع تيقن الحرمة، وبقيت الشبهة القوية فإن الظاهر من حال الجيوش في زماننا عدم الشراء، ولا ترتفع الشبهة بعقده عليها؛ لأنها حيث كانت مشتركة بين الغانمين وأصحاب الخمس لم يصح تزويجها نفسها فالأحوط ما نقله بعض الشافعية عن بعض أهل الورع‏:‏ أنه كان إذا أراد التسري بجارية شراها ثانيا من وكيل بيت المال‏.‏ قلت‏:‏ أي؛ لأنه إذا حصل اليأس من معرفة مستحقها من الغانمين صارت بمنزلة اللقطة واللقطة من مصارف بيت المال، لكن إذا كان المشتري فقيرا له تملكها‏.‏

مطلب فيمن له حق في بيت المال وظفر بشيء من بيت المال

ونقل في القنية عن الإمام الوبري أن من له حظ في بيت المال ظفر بمال وجه لبيت المال فله أن يأخذه ديانة ا هـ‏.‏ ونظمه في الوهبانية وفي البزازية قال الإمام الحلواني‏:‏ إذا كان عنده وديعة فمات المودع بلا وارث له أن يصرف الوديعة إلى نفسه في زماننا؛ لأنه لو أعطاها لبيت المال لضاعت؛ لأنهم لا يصرفونه مصارفه، فإذا كان من أهله صرفه إلى نفسه وإلا صرفه إلى المصرف‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدم الشارح هذا في باب العشر من كتاب الزكاة وظاهره أن من له حظ في بيت المال بكونه فقيرا أو عالما أو نحو ذلك، ووجد ما مرجعه إلى بيت المال من أي بيت من البيوت الأربعة الآتية في آخر الجزية له أخذه ديانة بطريق الظفر في زماننا، ولا يتقيد أخذه بأن يكون مرجع المأخوذ إلى البيت الذي يستحق منه، وإلا فمصرف تركه بلا وارث ولقطة هو لقيط فقير وفقير لا ولي له، وقوله‏:‏ فإذا كان من أهله أي من أهل بيت المال غير مقيد بكونه من أهل ذلك البيت‏.‏ كما هو ظاهر كلام الوبري أيضا؛ لأنه لو تقيد بذلك، لزم أن لا يأخذ مستحق شيئا؛ لأن بيت المال في زماننا غير منتظم، وليس فيه بيوت مرتبة، ولو رد ما وجده إلى بيت المال لزم ضياعه لعدم صرفه الآن في مصارفه كما حررناه في باب العشر من الزكاة فعلى هذا إذا اشترى جارية من الغنيمة فإن كان ممن يستحق من الخمس، جاز له صرفها إلى نفسه بطريق استحقاقه من الخمس، وإن لم يكن مستحقا منه، وله استحقاق من غيره كالعالم الغني ينبغي له أن يملكها لفقير مستحق من الخمس، ثم يشتريها منه أو يملكه خمسها فقط، ثم يشتريها منه؛ لأنه لو صرفها إلى نفسه يبقى فيها الخمس فلا يحل له وطؤها لكن قد يقال إن الغنيمة بعد الإحراز صارت مشتركة بين الغانمين، وأصحاب الخمس وقد مر أن من مات بعد الإحراز يورث نصيبه، ولكن لما جهلت أصحاب الحقوق وانقطع الرجاء من معرفتهم صار مرجعها إلى بيت المال، وانقطعت الشركة الخاصة، وصارت من حقوق بيت المال كسائر أموال بيت المال المستحقة لعامة المسلمين استحقاقا لا بطريق الملك؛ لأن من مات، وله حق في بيت المال لا يورث حقه منه، بخلاف الغنيمة المحرزة قبل جهالة مستحقيها، وتفرقهم فإنها شركة خاصة، وحيث صار مرجعها بيت المال لم يبق فيها حق الخمس أيضا فلمن يستحق من بيت المال أن يتملكها لنفسه هذا ما ظهر لي‏.‏ وقد رأيت رسالة لمحقق الشافعية السيد السمهودي قال فيها وقد كان شيخنا الوالد قد شرى لي أمة للتسري فذاكر شيخنا العلامة محقق العصر الجلال المحلي في أمر الغنائم والشراء من وكيل بيت المال فقال له شيخنا الوالد‏:‏ نحن نتملكها بطريق الظفر لما لنا من الحق الذي لا نصل إليه في بيت المال؛ لأن تلك الجارية على تقدير كونها من غنيمة لم تقسم قسمة شرعية قد آل الأمر فيها إلى بيت المال لتعذر العلم بمستحقيها، فقال شيخنا المحلي‏:‏ نعم لكم فيه حقوق من وجوه ا هـ‏.‏ وهذا موافق لما نقلناه عن القنية وعن البزازية والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏