فصل: فصل في الجزية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


فصل في الجزية

هذا هو الضرب الثاني من الخراج وقدم الأول لقوته لوجوبه، وإن أسلموا بخلاف الجزية، أو لأنه الحقيقة إذ هو المتبادر عند الإطلاق، ولا يطلق على الجزية إلا مقيدا‏:‏ أي فيقال خراج الرأس، وهذا أمارة المجاز، وبنيت على فعلة دلالة على الهيئة التي هي الإذلال عند الإعطاء نهر‏.‏ وتسمى جالية من جلوت عن البلد جلاء بالفتح والمد خرجت وأجليت مثله، والجالية الجماعة، ومنه قيل لأهل الذمة الذين جلاهم عمر رضي الله عنه عن جزيرة العرب‏:‏ الجالية ثم نقلت الجالية إلى الجزية التي أخذت منهم، ثم استعملت في كل جزية تؤخذ، وإن لم يكن صاحبها أجلي عن وطنه فقيل استعمل فلان على الجالية، والجمع الجوالي مصباح، فإطلاقها على الجزية مجاز بمرتبتين ‏(‏قوله لأنها جزت عن القتل‏)‏ أي قضت وكفت عنه فإذا قبلها سقط عنه القتل بحر، أو لأنها وجبت عقوبة على الكفر كما في الهداية قال في الفتح‏:‏ ولهذا سميت جزية وهي والجزاء واحد وهو يقال على ثواب الطاعة وعقوبة المعصية‏.‏ ‏(‏قوله والجمع جزى‏)‏ وفي لغة جزيات مصباح ‏(‏قوله لا يقدر ولا يغير‏)‏ أي لا يكون له تقدير من الشارع، بل كل ما يقع الصلح عليه يتعين ولا يغير بزيادة ولا نقص درر وذلك كما صالح عليه الصلاة والسلام أهل نجران، وهم قوم نصارى بقرب اليمن على ألفي حلة في العام وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب، على أن يؤخذ من كل واحد منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم من المال الواجب، فلزم ذلك وتقدم تفصيله في الزكاة فتح ‏(‏قوله وما وضع بعدما قهروا إلخ‏)‏ هذا الوضع والتقدير لا يشترط فيه رضاهم كما في الفتح ‏(‏قوله على فقير معتمل‏)‏ ظاهره أن القدرة على العمل شرط في حق الفقير فقط لقوله الآتي‏:‏ وفقير غير معتمل، وليس كذلك بل هو شرط في حق الكل، ولذا قال في البناية وغيرها‏:‏ لا يلزم الزمن منهم وإن كان مفرطا في اليسار وكذا لو مرض نصف السنة، كما في شرح الزيلعي، فلو حذف الفقير لكان أولى بحر‏.‏ أي لو حذفه من قوله الآتي فيمن لا يوضع عليه الجزية، وفقير غير معتمل بأن يقول وغير معتمل ليشمل الفقير وغيره، لا من قوله هنا على فقير معتمل كما فهمه في النهر، فاعترضه بأنه لو اقتصر على قوله ومعتمل لما أفاد اشتراط القدرة على العمل في حق الغني كيف وقد قابله به‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ الاعتمال الاضطراب في العمل وهو الاكتساب، والمراد القدرة عليه حتى لو لم يعمل مع قدرته وجبت كمن عطل الأرض كما في الفتح، وقال قيد بالاعتمال لأنه لو كان مريضا في نصف السنة فصاعدا لا يجب عليه شيء ا هـ‏.‏ وبه ظهر أن التقييد بالمعتمل هنا واقع في محله، وأن قوله الآتي لا توضع على زمن وأعمى وفقير غير معتمل تصريح بمفهوم القيد هنا، وأن عطف الفقير والأعمى على الزمن عطف خاص على عام لأن المراد بالزمن العاجز فلو اقتصر عليه لأغناه لشموله الفقير وغيره وقد يقال‏:‏ إن غير المعتمل أعم، لأنه يشمل ما إذا كان سالم الآلات صحيح البدن، لكنه لا يقدر على الكسب لخرقه وعدم معرفته حرفة يكتسب منها، وعلى هذا فتكون القدرة على العمل شرطا في الفقير فقط إذ لا شك أن غير الفقير توضع عليه إذا كان صحيحا غير زمن، ولا أعمى، وإن لم يكن معتملا بهذا المعنى المذكور فيتعين تفسير غير المعتمل بما ذكرنا ليندفع الاستدراك على عبارات المتون، ثم رأيت في القهستاني ما يؤيده حيث قال‏:‏ وفيه إشارة إلى أن الفقير هو الذي يعيش بكسب يده في كل يوم، فلو فضل على قوته وقوت عياله أخذت منه وإلا فلا وإلى أن غيره من لا حاجة له إلى الكسب للنفقة في الحال‏.‏ ‏(‏قوله وهذا للتسهيل إلخ‏)‏ الإشارة إلى قوله في كل شهر درهم وقوله في كل شهر‏:‏ درهمان وقوله في كل شهر‏:‏ أربعة وفي القهستاني عن المحيط إنها تجب في أوله عندهم لأنها جزاء القتل وبعقد الذمة يسقط الأصل، فوجب خلفه في الحال إلا أنه يخاطب بأداء الكل عنده في آخر الحول تخفيفا، وبأداء قسط شهرين عند أبي يوسف آخرهما، وقسط شهر عند محمد في آخره‏.‏ ا هـ‏.‏

ومثله في التتارخانية فما ذكره الشارح تبعا للهداية قول محمد‏.‏ والحاصل‏:‏ أنها تجب في أول العام وجوبا موسعا كالصلاة وإنما يجب الأداء في آخره أو في آخر كل شهرين أو شهر للتسهيل والتخفيف عليه ‏(‏قوله واعتبر أبو جعفر العرف‏)‏ حيث قال ينظر إلى عادة كل بلد في ذلك‏.‏ ألا ترى أن صاحب خمسين ألفا ببلخ يعد من المكثرين، وفي البصرة وبغداد لا يعد مكثرا وذكره عن أبي نصر محمد بن سلام فتح ‏(‏قوله‏:‏ وهو الأصح‏)‏ صححه في الولوالجية أيضا قال في الدر المنتقى‏:‏ والصحيح في معرفة هؤلاء عرفهم، كما في الكرماني وهو المختار كما في الاختيار، وذكره القهستاني، واعترف في المنح تبعا للبحر بأنه أي التحديد لم يذكر في ظاهر الرواية، ولا يخفى أن الأول أي اعتبار العرف أقرب لرأي صاحب المذهب وأقره في الشرنبلالي وفي شرح المجمع وغيره‏:‏ وينبغي تفويضه للإمام أي كما هو رأي الإمام وفي التتارخانية إنه الأصح فتبصر‏.‏ ا هـ‏.‏ يعني إن رأى الإمام أن المقدرات التي لم يرد بها نص لا تثبت بالرأي، بل تفوض إلى رأي المبتلى كما قال في الماء الكثير وفي غسل النجاسة وغير ذلك ‏(‏قوله ويعتبر وجود هذه الصفات في آخر السنة إلخ‏)‏ قال في البحر وينبغي اعتبارها في أولها لأنه وقت الوجوب‏.‏ ا هـ‏.‏ ورده في النهر بأنهم اعتبروا وجودها في آخرها لأنه وقت وجوب الأداء، ومن ثم قالوا لو كان في أكثر السنة غنيا أخذ منه جزية الأغنياء، أو فقيرا أخذت منه جزية الفقراء ولو اعتبر الأول لوجب إذا كان في أولها غنيا فقيرا في أكثرها أن يجب جزية الأغنياء، وليس كذلك نعم الأكثر كالكل ا هـ‏.‏ واعترضه محشي مسكين، بأن ما أورده على اعتبار الأول مشترك الإلزام إذ هو وارد أيضا على اعتبار الآخر لاقتضائه وجوب جزية الأغنياء إذا كان غنيا في آخرها فقيرا في أكثرها‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وحاصله أنه إذا كان المعتبر الوصف الموجود في أكثر السنة فلا فرق بين كونه في أولها أو آخرها، وعلى هذا فمن اعتبر آخرها أراد إذا كان ذلك الوصف موجودا في أكثرها، وعلى هذا فلا اعتبار لخصوص الأول أو الآخر لكن سيذكر المصنف أن المعتبر في الأهلية وعدمها وقت الوضع، بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع حيث توضع عليه‏.‏ وحاصله على وجه يحصل به التوفيق بينه وبين اعتبار أكثر السنة أن من كان من أهلها وقت الوضع وضعت عليه، وذلك بأن يكون حرا مكلفا وإلا لم توضع عليه، وإن صار أهلا بعده كما سيأتي ومن كان أهلا وقت الوضع لكن قام به عذر لم توضع عليه إلا إذا زال العذر بعده كالفقير إذا أيسر والمريض إذا صح لكن بشرط أن يبقى من السنة أكثرها وعلى هذا فيعتبر أول السنة لتعرف الأهل من غيره، وبعد تحقق الأهلية لا يعتبر أولها في حق تغير الأوصاف، بل يعتبر أكثرها فيه كما إذا كان مريضا في أولها، فإن صح بعده في أكثرها وجبت، وإلا فلا وكذا لو كان فقيرا غير معتمل، ثم صار فقيرا معتملا أو متوسطا أو غنيا في أكثرها، وعلى هذا يحمل ما في الولوالجية وغيرها من أن الفقير لو أيسر في آخر السنة أخذت منه‏.‏ ا هـ‏.‏ أي إذا أيسر أكثرها، وعلى هذا عكسه بأن كان غنيا في أولها فقيرا في آخرها اعتبر ما وجد في أكثرها، لكن ما مر من أنه يؤخذ في كل شهر قسط يؤخذ ممن كان غنيا في أولها شهرين مثلا قسط شهرين دون الباقي لما في القهستاني عن المحيط يسقط الباقي في جزية السنة إذا صار شيخا كبيرا أو فقيرا أو مريضا نصف سنة أو أكثر‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار إلى أن ما نقص عن نصف سنة لا يجعل عذرا ولذا قال في الفتح‏:‏ إنما يوظف على المعتمل إذا كان صحيحا في أكثر السنة وإلا فلا جزية عليه لأن الإنسان لا يخلو عن قليل مرض فلا يجعل القليل منه عذرا وهو ما نقص عن نصف العام‏.‏ ا هـ‏.‏ هذا ما ظهر لي في تحير هذا المحل والله تعالى أعلم‏.‏

‏(‏قوله وتوضع على كتابي‏)‏ أي ولو عربيا فتح والكتابي من يعتقد دينا سماويا أي منزلا بكتاب كاليهود والنصارى ‏(‏قوله السامرة‏)‏ فاعل يدخل وهم فرقة من اليهود وتخالف اليهود في أكثر الأحكام، ومنهم السامري الذي وضع العجل وعبده مصباح ‏(‏قوله والأرمن‏)‏ نسبة على خلاف القياس إلى إرمينية بكسر الهمزة والميم بينهما راء ساكنة وبفتح الياء الثانية بعد النون وهي ناحية بالروم كما في المصباح ‏(‏قوله تؤخذ منهم عنده خلافا لهما‏)‏ أي بناء على أنهم من النصارى أو من اليهود فهم من أهل الكتاب عنده، وعندهما يعبدون الكواكب، فليسوا من الكتابيين بلى كعبدة الأوثان كما في الفتح والنهر‏.‏ قال ح أقول‏:‏ ظاهر كلامهم إن الصائبة من العرب إذ لو كانوا من العجم لما تأتى الخلاف لما علمت أن العجمي تؤخذ منه الجزية ولو مشركا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيده ما نقله السائحاني عن البدائع من أنه عندهما تؤخذ منهم الجزية إذا كانوا من العجم لأنهم كعبدة الأوثان‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ومجوسي‏)‏ من يعبد النار فتح ‏(‏قوله على مجوس هجر‏)‏ بفتحتين قال في الفتح بلدة في البحرين ا هـ‏.‏ وفي المصباح‏:‏ وقد أطلقت على ناحية بلاد البحرين وعلى جميع الإقليم، وهو المراد بالحديث‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أيضا البحران على لفظ التثنية موضع بين البصرة وعمان وهو من بلاد نجد ‏(‏قوله ووثني عجمي‏)‏ الوثن ما كان منقوشا في حائط ولا شخص له والصنم ما كان على صورة الإنسان والصليب ما لا نقش له ولا صورة ولكنه يعبد منح على السراج ومثله في البحر لكن ذكر قبله الوثن ما له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت، والجمع أوثان وكانت العرب تنصبها وتعبدها ا هـ‏.‏ وفي المصباح الوثن الصنم سواء كان من خشب أو حجر أو غيره ا هـ‏.‏ والعجمي خلاف العربي ‏(‏قوله لجواز استرقاقه إلخ‏)‏ وإنما لم تضرب الجزية على النساء والصبيان، مع جواز استرقاقهم لأنهم صاروا أتباعا لأصولهم في الكفر، فكانوا أتباعا في حكمهم فكانت الجزية عن الرجل وأتباعه في المعنى، إن كان له أتباع، وإلا فهي عنه خاصة فتح ‏(‏قوله لأن المعجزة في حقه أظهر‏)‏ لأن القرآن نزل بلغتهم فكان كفرهم والحالة هذه أغلظ من كفر العجم فتح وأورد في النهر‏:‏ أن هذا يشمل ما إذا كان كتابيا ا هـ‏.‏‏:‏ أي فيخالف ما مر من أنها توضع عليه‏.‏ قلت‏:‏ والجواب أنه وإن شمله لكن خص بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من الذين أوتوا الكتاب‏}‏ ا هـ‏.‏ ثم رأيته في الشرنبلالي ‏(‏قوله فلا يقبل منهما‏)‏ أي من العربي الوثني والمرتد إلا الإسلام، وإن لم يسلما قتلا بالسيف وفي الدر المنتقى عن البرجندي أن نسبة القبول إلى السيف مسامحة ‏(‏قوله‏:‏ ولو ظهرنا عليهم فنساؤهم وصبيانهم فيء‏)‏ لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه استرق نساء بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين هداية قال في الفتح‏:‏ إلا أن ذراري المرتدين ونساءهم يجبرون على الإسلام بعد الاسترقاق بخلاف ذراري عبدة الأوثان لا يجبرون ا هـ‏.‏‏:‏ أي وكذا نساؤهم والفرق أن ذراري المرتدين تبع لهم فيجبرون مثلهم وكذا نساؤهم لسبق الإسلام منهن‏.‏

مطلب الزنديق إذا أخذ قبل التوبة يقتل ولا تؤخذ منه الجزية

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الفتح قالوا لو جاء زنديق قبل أن يؤخذ فأخبر بأنه زنديق وتاب تقبل توبته، فإن أخذ ثم تاب لا تقبل توبته ويقتل لأنهم باطنية يعتقدون في الباطن خلاف ذلك فيقتل ولا تؤخذ منه الجزية‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي في باب المرتد أن هذا التفصيل هو المفتى به، وفي القهستاني ولا توضع على المبتدع، ولا يسترق وإن كان كافرا لكن يباح قتله إذا أظهر بدعته، ولم يرجع عن ذلك وتقبل توبته وقال بعضهم‏:‏ لا تقبل توبة الإباحية والشيعة والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة وقال بعضهم‏:‏ إن تاب المبتدع قبل الأخذ والإظهار، تقبل وإن تاب بعدهما لا تقبل كما هو قياس قول أبي حنيفة كما في التمهيد السالمي ا هـ‏.‏ قال في الدر المنتقى‏:‏ واعتمد الأخير صاحب التنوير ‏(‏قوله وصبي‏)‏ ولا مجنون فتح ‏(‏قوله وامرأة‏)‏ إلا نساء بني تغلب فإنها تؤخذ من نسائهم كما تؤخذ من رجالهم لوجوبه بالصلح كذلك كما سيأتي ‏(‏قوله وابن أم ولد‏)‏ صورته استولد جارية لها ولد قد ملكه معها فإن الولد يتبع أمه في الحرية والتدبير والاستيلاد‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

‏:‏ قال في الدر المنتقى سقط من نسخ الهداية لفظ ابن وتبعه القهستاني، بل زاد وأمة ولا ينبغي فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء الأحرار، فكيف بأم الولد وإنما المراد ابن أم الولد ‏(‏قوله وفقير غير معتمل‏)‏ تقدم الكلام عليه ‏(‏قوله لأنه لا يقتل إلخ‏)‏ الأصل أن الجزية لإسقاط القتل فمن لا يجب قتله لا توضع عليه الجزية إلا إذا أعانوا برأي أو مال فتجب الجزية كما في الاختيار وغيره در منتقى وقهستاني ‏(‏قوله وجزم الحدادي بوجوبها‏)‏ أي إذا قدر على العمل حيث قال قوله‏:‏ ولا على الرهبان الذين لا يخالطون الناس، هذا محمول على أنهم إذا كانوا لا يقدرون على العمل أما إذا كانوا يقدرون فعليهم الجزية لأن القدرة فيهم موجودة، وهم الذين ضيعوها فصار كتعطيل أرض الخراج‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه جزم في الاختيار أيضا كما في الشرنبلالي قال في النهر‏:‏ وجعله في الخانية ظاهر الرواية حيث قال ويؤخذ من الرهبان والقسيسين في ظاهر الرواية وعن محمد أنها لا تؤخذ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ونقل ابن كمال أنه القياس‏)‏ فيه نظر لأنه قال في شرح قوله‏:‏ ولا على راهب لا يخالط فأما الرهبان، وأصحاب الصوامع الذين يخالطون الناس فقال محمد كان أبو حنيفة يقول بوضع الجزية إذا كانوا يقدرون على العمل، وهو قول أبي يوسف قال عمرو بن أبي عمر قلت لمحمد فما قولك‏؟‏ قال القياس ما قال أبو حنيفة‏:‏ كذا في شرح القدوري للأقطع‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أن هذا في المخالط على أن هذه الصيغة من محمد تفيد اختيار قول أبي حنيفة ولا تفيد أن مقابله هو الاستحسان الذي يقدم على القياس، ووجه كونه هو القياس أنا لو ظهرنا على دار الحرب لنا أن نقتل الراهب المخالط بخلاف غير المخالط وقد مر أن من لا يقتل لا توضع الجزية عليه وهذا القياس، هو مفهوم ما جرى عليه أصحاب المتون فيكون هو المذهب وما مر عن الخانية يمكن حمله عليه فلا يلزم أن يكون المصنف مشى على خلاف ظاهر الرواية فافهم‏.‏

‏(‏قوله لم توضع عليه‏)‏ لأن وقت الوجوب أول السنة عند وضع الإمام، فإن الإمام يجدد الوضع عند رأس كل سنة لتغير أحوالهم ببلوغ الصبي وعتق العبد، وغيرهما فإذا احتلم وعتق العبد بعد الوضع فقد مضى وقت الوجوب، فلم يكونا أهلا للوجوب والوالجية ‏(‏قوله بخلاف الفقير‏)‏ أي غير المعتمل إذا أيسر بالعمل فإنها توضع عليه ط ‏(‏قوله لأن سقوطها لعجزه‏)‏ لأن الفقير أهل لوضع الجزية كما في الاختيار‏:‏ أي لكونه حرا مكلفا لكنه معذور بالفقر فإذا زال أخذت منه لكن إن بقي من الحول أكثره على ما قدمنا تحريره‏.‏

‏(‏قوله كما طعن الملاحدة‏)‏ أي الطاعنون في الدين قال في المصباح لحد الرجل في الدين لحدا وألحد إلحادا طعن ‏(‏قوله إنما هي عقوبة لهم‏)‏ ولأنها دعوة إلى الإسلام بأحسن الجهات، وهو أن يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الإسلام، فيسلم مع دفع شره في الحال قهستاني ‏(‏قوله فإذا جاز إمهالهم‏)‏ أي تأخيرهم بلا جزية للاستدعاء إلى الإيمان أي لأجل دعائهم إليه بمحاربتهم وقتالهم بدونها فهي أولى أي فإمهالهم للاستدعاء إلى الإيمان بالجزية أولى لأن مخالطتهم للمسلمين ورؤيتهم حسن سيرتهم تدعوهم إلى الإسلام كما علمت، فيحصل المقصود بلا قتال فيكون أولى، هذا ما ظهر لي في تقرير كلامه وقد صرح أبو يوسف في كتاب الخراج بأنه لا يجوز ترك واحد بلا جزية فعلم أن المراد ما قررناه فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله وقال تعالى إلخ‏)‏ لا حاجة إلى سوق الدليل النقلي هنا لأن الملحد معترض على مشروعية هذا الحكم من أصله ‏(‏قوله ونصارى نجران‏)‏ بلدة من بلاد همدان من اليمن مصباح، وفي الفتح‏:‏ روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والنصف في رجب»‏.‏

‏(‏قوله ثم فرع عليه‏)‏ أي على كونها عقوبة على الكفر ‏(‏قوله ولو بعد تمام السنة‏)‏ يجب أن تحمل البعدية على المقارنة للتمام لأنه لو أسلم بعد التمام بمدة فالسقوط بالتكرار قبل الإسلام لا بالإسلام‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ لكن تحقق التكرار بدخول السنة الثانية فيه خلاف كما تعرفه ‏(‏قوله ويسقط المعجل‏)‏ على تقدير مضاف أي يسقط رده، فالسقوط هنا عن الإمام لا عنه بخلاف الواقع في المتن ‏(‏قوله فيرد عليه سنة‏)‏ أي لو عجل لسنتين لأنه أدى خراج السنة الثانية، قبل الوجوب، فيرد عليه أما لو عجل لسنة في أولها فقد أدى خراجها بعد الوجوب قال في الولوالجية‏:‏ وهذا على قول من قال بوجوب الجزية في أول الحول كما نص عليه في الجامع الصغير، وعليه الفتوى ‏(‏قوله والموت‏)‏ أي ولو عند تمام السنة في قولهم جميعا كما في الفتح ‏(‏قوله والتكرار‏)‏ أي بدخول السنة ولا يتوقف على مضيها في الأصح كما يأتي قريبا وسقوطها بالتكرار قول الإمام، وعندهما لا تسقط كما في الفتح ‏(‏قوله وبالعمى والزمانة إلخ‏)‏ أي لو حدث شيء من ذلك، وقد بقي عليه شيء لم يؤخذ كما في الولوالجية والخانية أي لو بقي عليه شيء من أقساط الأشهر، وكذا لو كان لم يدفع شيئا لكن قدمنا عن القهستاني عن المحيط تقييد سقوط الباقي بما إذا دامت هذه الأعذار نصف سنة فأكثر، ومثله ما ذكره الشارح أول الفصل عن الهداية فافهم‏:‏ هذا وفي التتارخانية قال في المنتقى‏:‏ قال أبو يوسف‏:‏ إذا أغمي عليه أو أصابته زمانة وهو موسر أخذت منه الجزية قال الإمام الحاكم أبو الفضل على هذه الرواية يشترط للأخذ أهلية الوجوب في أول الحول وعلى رواية الأصل شرطها من أوله إلى آخره ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ قلت‏:‏ وحاصله أنه على رواية المنتقى يشترط وجود الأهلية في أوله فقط فلا يضر زوالها بعده وعلى رواية الأصل يشترط عدم زوالها، وهو ما مشى عليه المصنف وليس المراد عدم الزوال أصلا بل المراد أن لا يستمر العذر نصف سنة فأكثر، فلا ينافي ما مر فتدبر‏.‏ ‏(‏قوله لا يستطيع العمل‏)‏ راجع لقوله فقيرا وما بعده ‏(‏قوله والأصح إلخ‏)‏ وقيل لا بد من مضي الثانية ليتحقق الاجتماع ‏(‏قوله بعكس خراج الأرض‏)‏ فإن وجوبه بآخر الحول لأن به يتحقق الانتفاع‏.‏

‏(‏قوله ويسقط الخراج‏)‏ أي خراج الأرض ‏(‏قوله وقيل لا‏)‏ جزم به في الملتقى ‏(‏قوله بحر‏)‏ أقره في النهر أيضا ‏(‏قوله وعزاه في الخانية‏)‏ حيث قال‏:‏ فإن اجتمع الخراج فلم يؤد سنين عند أبي حنيفة يؤخذ بخراج هذه السنة، ولا يؤخذ بخراج السنة الأولى، ويسقط ذلك عنه كما قال في الجزية، ومنهم من قال لا يسقط الخراج بالإجماع، بخلاف الجزية، وهذا إذا عجز عن الزراعة، فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقد ترك المصنف والشارح هذا القيد وهو العجز عن الزراعة أي في السنة الأولى، وعلى هذا فلا محل لذكر الخراج هنا لأنه لا يجب إلا بالتمكن من الزراعة، فإذا لم يجب لا يقال إنه سقط، ويظهر أن الخلاف المذكور لفظي بحمل القول الأول على ما إذا عجز، والثاني على ما إذا لم يعجز إذ لا يتأتى الوجوب مع العجز كما مر في الباب السابق، ولذا قال‏:‏ فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل، وعلى هذا فلم يبق في المسألة قولان، لكنه خلاف الظاهر من كلامهم، فإن الخلاف محكي في كثير من الكتب، وقد علمت أنه لا يتأتى الخلاف مع العجز فالظاهر أن الخلاف عند عدمه، وعليه فالمناسب إسقاط هذا القيد، ولذا ذكر في الخانية هذه المسألة في باب العشر بدونه، ولم يذكر أيضا القول الثاني، فاقتضى كلامه اعتماد قول الإمام‏:‏ إنه لا يؤخذ بخراج السنة الأولى لكن في الهندية عن المحيط ذكر صدر الإسلام عن أبي حنيفة روايتين والصحيح أنه يؤخذ ا هـ‏.‏ وجزم به في الملتقى كما قدمناه، وبه ظهر أن كلا من القولين مروي عن صاحب المذهب، والمصرح بتصحيحه عدم السقوط، فكان هو المعتمد، ولذا جزم به في متن الملتقى وذكر في العناية الفرق بينه وبين الجزية بأن الخراج في حالة البقاء مؤنة من غير التفات إلى معنى العقوبة، ولذا لو شرى أرضا خراجية، لزمه خراجها، فجاز أن لا يتداخل بخلاف الجزية، فإنها عقوبة ابتداء وبقاء والعقوبات تتداخل ا هـ‏.‏ وبه اندفع ما في البحر ‏(‏قوله وفيها إلخ‏)‏ أي في الخانية، ومحل ذكر هذه المسألة الباب السابق، وقد ذكرها في باب العشر وقدمنا الكلام عليها‏.‏

‏(‏قوله في الأصح‏)‏ أي من الروايات لأن قبولها من النائب يفوت المأمور به من الإزالة عند الإعطاء قال تعالى‏:‏ ‏{‏حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏}‏ فتح ‏(‏قوله والقابض منه قاعد‏)‏ وتكون يد المؤدي أسفل ويد القابض أعلى هندية ‏(‏قوله ويقول إلخ‏)‏ هذا في الهداية أيضا لكن لم يجزم به كما فعله الشارح بل قال وفي رواية يأخذ بتلبيبه ويهزه هزا ويقول أعط الجزية يا ذمي ا هـ‏.‏ ومفاده عدم اعتمادها وفي غاية البيان والتلبيب بالفتح ما على موضع اللبب من الثياب، واللبب موضع القلادة من الصدر ‏(‏قوله يا عدو الله‏)‏ كذا في غاية البيان والذي في الهداية والفتح والتبيين يا ذمي ‏(‏قوله ويصفعه في عنقه‏)‏ الصفع أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الإنسان أو بدنه، فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع بل يقال ضربه بجمع مصباح، وما ذكره من الصفع نقله في التتارخانية، ونقله أيضا في النهر عن شرح الطحاوي، وقد حكاه بعضهم بقيل ‏(‏قوله لا يا كافر‏)‏ مفاده المنع من قول يا عدو الله بل ومن الأخذ بالتلبيب والهز والصفع إذ لا شك بأنه يؤذيه ولهذا رد بعض المحققين من الشافعية ذلك بأنه لا أصل له في السنة ولا فعله أحد من الخلفاء الراشدين ‏(‏قوله ويأثم القائل إن أذاه به‏)‏ مقتضاه أنه يعزر لارتكاب الإثم بحر وأقره المصنف، لكن نظر فيه في النهر‏.‏ قلت‏:‏ ولعل وجه ما مر في يا فاسق من أنه هو الذي ألحق الشين بنفسه قبل قول القائل أفاده الشارح في التعزير ط‏.‏ قلت‏:‏ لكن ذكرنا الفرق هناك فافهم‏.‏

مطلب في أحكام الكنائس والبيع

‏(‏قوله ولا يجوز أن يحدث‏)‏ بضم الياء وكسر الدال وفاعله الكافر ومفعوله بيعة كما يقتضيه قول الشارح، ولا صنما‏.‏ وفي نسخة‏:‏ ولا يحدثوا أي أهل الذمة‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ومن الإحداث نقلها إلى غير موضعها كما في البحر وغيره ط ‏(‏قوله بيعة‏)‏ بالكسر معبد النصارى واليهود، كذلك الكنيسة إلا أنه غلب البيعة على معبد النصارى، والكنيسة على اليهود قهستاني‏.‏ وفي النهر وغيره‏:‏ وأهل مصر يطلقون الكنيسة على متعبدهما ويخصان اسم الدير بمعبد النصارى‏.‏ قلت‏:‏ وكذا أهل الشام در منتقى والصومعة بيت يبنى برأس طويل ليتعبد فيه بالانقطاع عن الناس بحر ‏(‏قوله ولا مقبرة‏)‏ عزاه المصنف إلى الخلاصة، ثم ذكر ما يخالفه عن جواهر الفتاوى ثم قال‏:‏ والظاهر الأول ومن ثم عولنا عليه في المختصر‏.‏

مطلب لا يجوز إحداث كنيسة في القرى ومن أفتى بالجواز فهو مخطئ ويحجر عليه

‏(‏قوله ولو قرية في المختار‏)‏ نقل تصحيحه في الفتح عن شرح شمس الأئمة السرخسي في الإجارات ثم قال‏:‏ إنه المختار، وفي الوهبانية إنه الصحيح من المذهب الذي عليه المحققون إلى أن قال‏:‏ فقد علم أنه لا يحل الإفتاء بالإحداث في القرى لأحد من أهل زمامنا بعدما ذكرنا من التصحيح والاختيار للفتوى وأخذ عامة المشايخ ولا يلتفت إلى فتوى من أفتى بما يخالف هذا، ولا يحل العمل به ولا الأخذ بفتواه، ويحجر عليه في الفتوى ويمنع لأن ذلك منه مجرد إتباع هوى النفس وهو حرام لأنه ليس له قوة الترجيح، لو كان الكلام مطلقا فكيف مع وجود النقل بالترجيح والفتوى فتنبه لذلك، والله الموفق‏.‏

مطلب تهدم الكنائس من جزيرة العرب ولا يمكنون من سكناها

قال في النهر‏:‏ والخلاف في غير جزيرة العرب، أما هي فيمنعون من قراها أيضا لخبر‏:‏ «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ الكلام في الإحداث مع أن أرض العرب لا تقر فيها كنيسة ولو قديمة فضلا عن إحداثها لأنهم لا يمكنون من السكنى بها للحديث المذكور كما يأتي وقد بسطه في الفتح وشرح السير الكبير وتقدم تحديد جزيرة العرب أول الباب المار‏.‏

مطلب في بيان أن الأمصار ثلاثة وبيان إحداث الكنائس فيها

‏[‏تنبيه‏]‏

في الفتح‏:‏ قيل الأمصار ثلاثة ما مصره المسلمون، كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط، ولا يجوز فيه إحداث ذلك إجماعا وما فتحه المسلمون عنوة فهو كذلك، وما فتحوه صلحا فإن وقع على أن الأرض لهم جاز الإحداث وإلا فلا إلا إذا شرطوا الإحداث ا هـ‏.‏ ملخصا وعليه فقوله‏:‏ ولا يجوز أن يحدثوا مقيد بما إذا لم يقع الصلح على أن الأرض لهم أو على الإحداث، لكن ظاهر الرواية أنه لا استثناء فيه كما في البحر والنهر‏.‏ قلت‏:‏ لكن إذا صالحهم على أن الأرض لهم فلهم الإحداث إلا إذا صار مصرا للمسلمين بعد فإنهم يمنعون من الإحداث بعد ذلك، ثم لو تحول المسلمون من ذلك المصر إلا نفرا يسيرا فلهم الإحداث أيضا، فلو رجع المسلمون إليه لم يهدموا ما أحدث قبل عودهم كما في شرح السير الكبير، وكذا قوله وما فتح عنوة فهو كذلك ليس على إطلاقه أيضا بل هو فيما قسم بين الغانمين أو صار مصرا للمسلمين، فقد صرح في شرح السير بأنه لو ظهر على أرضهم وجعلهم ذمة لا يمنعون من إحداث كنيسة لأن المنع مختص بأمصار المسلمين التي تقام فيها الجمع والحدود، فلو صارت مصرا للمسلمين منعوا من الإحداث، ولا تترك لهم الكنائس القديمة أيضا كما لو قسمها بين الغانمين لكن لا تهدم، بل يجعلها مساكن لهم لأنها مملوكة لهم، بخلاف ما صالحهم عليها قبل الظهور عليهم، فإنه يترك لهم القديمة ويمنعهم من الإحداث بعدما صارت من أمصار المسلمين ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏

مطلب لو اختلفنا معهم في أنها صلحية أو عنوية فإن وجد أثر وإلا تركت بأيديهم

‏[‏تتمة‏]‏

لو كانت لهم كنيسة في مصر فادعوا أنا صالحناهم على أرضهم، وقال المسلمون‏:‏ بل فتحت عنوة وأراد منعهم من الصلاة فيها وجهل الحال لطول العهد سأل الإمام الفقهاء، وأصحاب الأخبار فإن وجد أثرا عمل به، فإن لم يجد أو اختلفت الآثار جعلها أرض صلح، وجعل القول فيها لأهلها، لأنها في أيديهم وهم متمسكون بالأصل وتمامه في شرح السير‏.‏

‏(‏قوله ويعاد المنهدم‏)‏ هذا في القديمة التي صالحناهم على إبقائها قبل الظهور عليهم قال في الهداية لأن الأبنية لا تبقى دائما ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة إلا أنهم لا يمكنون من نقلها لأنه إحداث في الحقيقة‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب إذا هدمت الكنيسة ولو بغير وجه لا تجوز إعادتها

‏(‏قوله أشباه‏)‏ حيث قال في فائدة نقل السبكي الإجماع على أن الكنيسة إذا هدمت ولو بغير وجه لا يجوز إعادتها ذكره السيوطي في حسن المحاضرة‏.‏ قلت‏:‏ يستنبط منه أنها إذا قفلت، لا تفتح ولو بغير وجه كما وقع ذلك في عصرنا بالقاهرة في كنيسة بحارة زويلة قفلها الشيخ محمد بن إلياس قاضي القضاة، فلم تفتح إلى الآن حتى ورد الأمر السلطاني بفتحها فلم يتجاسر حاكم على فتحها، ولا ينافي ما نقله السبكي قول أصحابنا يعاد المنهدم لأن الكلام فيما هدمه الإمام لا فيما تهدم فليتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ قال الخير الرملي في حواشي البحر أقول‏:‏ كلام السبكي عام فيما هدمه الإمام وغيره في كلام الأشباه يخص الأول‏.‏ والذي يظهر ترجيحه العموم لأن العلة فيما يظهر أن في إعادتها بعد هدم المسلمين استحفافا بهم، وبالإسلام وإخمادا لهم وكسرا لشوكتهم، ونصرا للكفر وأهله غاية الأمر أن فيه افتياتا على الإمام فيلزم فاعله التعزير كما إذا أدخل الحربي بغير إذنه يصح أمانه ويعزر لافتياته بخلاف ما إذا هدموها بأنفسهم فإنها تعاد كما صرح به علماء الشافعية وقواعدنا لا تأباه لعدم العلة التي ذكرناها فيستثنى من عموم كلام السبكي‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب ليس المراد من إعادة المنهدم جوازه

ليس المراد من إعادة المنهدم أنه جائز نأمرهم به بل المراد نتركهم وما يدينون

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر الشرنبلالي في رسالة في أحكام الكنائس عن الإمام السبكي أن معنى قولهم لا نمنعهم من الترميم ليس المراد أنه جائز نأمرهم به بل بمعنى نتركهم وما يدينون فهو من جملة المعاصي التي يقرون عليها كشرب الخمر ونحوه ولا نقول‏:‏ إن ذلك جائز لهم، فلا يحل للسلطان ولا للقاضي أن يقول لهم افعلوا ذلك ولا أن يعينهم عليه، ولا يحل لأحد من المسلمين أن يعمل لهم فيه، ولا يخفى ظهوره وموافقته لقواعدنا‏.‏

مطلب لم يكن من الصحابة صلح مع اليهود

ثم نقل عن السراج البلقيني في كنيسة لليهود ما حاصله‏:‏ أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عند فتح النواحي لم يكن منهم صلح مع اليهود أصلا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا ظاهر فإن البلاد كانت بيد النصارى، ولم تزل اليهود مضروبة عليهم الذلة؛ ثم رأيت في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي كتب عند قول الشارح في خطبة الإمام بجامع بني أمية ما نصه‏:‏ ثم نقض أهل الذمة عهدهم في وقعة التتار وقتلوا عن آخرهم فكنائسهم الآن موضوعة بغير حق‏.‏

مطلب مهم‏:‏ حادثة الفتوى في أخذ النصارى كنيسة مهجورة لليهود

ويؤخذ من هذا حكم حادثة الفتوى الواقعة في عام ثمانية وأربعين بعد المائتين والألف قريبا من كتابتي لهذا المحل، وهي أن كنيسة لفرقة من اليهود تسمى اليهود القرايين مهجورة من قديم لفقد هذه الفرقة وانقطاعهم في دمشق، فحضر يهودي غريب هو من هذه الفرقة إلى دمشق، فدفع له النصارى دراهم معلومة، وأذن لهم في بنائها، وأن يجعلوها معبدا لهم، وصدق لهم على ذلك جماعة من اليهود لقوة شوكة النصارى في ذلك الوقت، وبلغني أن الكنيسة المذكورة في داخل حارة لليهود مشتملة على دور عديدة وأن مراد النصارى شراء الحارة المذكورة وإدخالها للكنيسة، وطلبوا فتوى على صحة ذلك الإذن، وعلى كونها صارت معبدا للنصارى، فامتنعت من الكتابة‏.‏

مطلب فيما أفتى به بعض المتهورين في زماننا

وقلت‏:‏ إن ذلك غير جائز فكتب لهم بعض المتهورين طمعا في عرض الدنيا أن ذلك صحيح جائز، فقويت بذلك شوكتهم، وعرضوا ذلك على ولي الأمر ليأذن لهم بذلك حيث وافق غرضهم الحكم الشرعي، بناء على ما أفتاهم به ذلك المفتي ولا أدري ما يئول إليه الأمر وإلى الله المشتكى‏.‏ ومستندي فيما قلته أمور‏:‏ منها ما علمته من أن اليهود لا عهد لهم، فالظاهر أن كنائسهم القديمة أقرت مساكن لا معابد، فتبقى كما أبقيت عليه، وما علمته أيضا من أن أهل الذمة نقضوا عهدهم لقتالهم المسلمين مع التتار الكفار فلم يبق لهم عهد في كنائسهم فهي موضوعة الآن بغير حق ويأتي قريبا عند قوله وسب النبي صلى الله عليه وسلم أن عهد أهل الذمة في الشام مشروط بأن لا يحدثوا بيعة، ولا كنيسة، ولا يشتموا مسلما ولا يضربوه، وأنهم إن خالفوا فلا ذمة لهم‏.‏ ومنها‏:‏ أن هذه كنيسة مهجورة انقطع أهلها وتعطلت عن الكفر فيها فلا تجوز الإعانة على تجديد الكفر فيها، وهذا إعانة على ذلك بالقدر الممكن حيث تعطلت عن كفر أهلها‏.‏ وقد نقل الشرنبلالي في رسالته عن الإمام القرافي أنه أفتى بأنه لا يعاد ما انهدم من الكنائس، وأن من ساعد على ذلك فهو راض بالكفر والرضا بالكفر كفر ا هـ‏.‏ فنعوذ بالله من سوء المنقلب‏.‏ ومنها‏:‏ أن عداوة اليهود للنصارى أشد من عداوتهم لنا، وهذا الرضا والتصديق ناشئ عن خوفهم من النصارى لقوة شوكتهم كما ذكرناه‏.‏ ومنها‏:‏ أنها إذا كانت معينة لفرقة خاصة ليس لرجل من أهل تلك الفرقة أن يصرفها إلى جهة أخرى وإن كان الكفر ملة واحدة عندنا كمدرسة موقوفة على الحنفية مثلا لا يملك أحد أن يجعلها لأهل مذهب آخر وإن اتحدت الملة‏.‏ ومنها‏:‏ أن الصلح العمري الواقع حين الفتح مع النصارى إنما وقع على إبقاء معابدهم التي كانت لهم إذ ذاك، ومن جملة الصلح معهم كما علمته آنفا أن لا يحدثوا كنيسة ولا صومعة، وهذا إحداث كنيسة لم تكن لهم بلا شك، واتفقت مذاهب الأئمة الأربعة على أنهم يمنعون عن الإحداث كما بسطه الشرنبلالي بنقله نصوص أئمة المذاهب، ولا يلزم من الإحداث أن يكون بناء حادثا لأنه نص في شرح السير وغيره على أنه لو أرادوا أن يتخذوا بيتا لهم معدا للسكنى كنيسة يجتمعون فيه يمنعون منه لأن فيه معارضة للمسلمين وازدراء بالدين‏.‏ ا هـ‏.‏ أي لأنه زيادة معبد لهم عارضوا به معابد المسلمين، وهذه الكنيسة كذلك جعلوها معبدا لهم حادثا فما أفتى به ذلك المسكين خالف فيه إجماع المسلمين، وهذا كله مع قطع النظر عما قصدوه من عمارتها بأنقاض جديدة وزيادتهم فيها فإنها لو كانت كنيسة لهم يمنعون من ذلك بإجماع أئمة الدين أيضا ولا شك أن من أفتاهم وساعدهم وقوى شوكتهم يخشى عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى ‏(‏قوله عن النقض‏)‏ بالضم ما انتقض من البنيان قاموس ‏(‏قوله وتمامه في شرح الوهبانية‏)‏ ذكر عبارته في النهر حيث قال‏:‏ قال في عقد الفرائد‏:‏ وهذا أي قولهم من غير زيادة يفيد أنهم لا يبنون ما كان باللبن بالآجر، ولا ما كان بالآجر بالحجر ولا ما كان بالجريد، وخشب النخل بالنقي والساج ولا بياض لم يكن‏.‏ قال‏:‏ ولم أجد في شيء من الكتب المعتمدة أن لا تعاد إلا بالنقض الأول وكون ذلك مفهوم الإعادة شرعا ولغة غير ظاهر عندي على أنه وقع في عبارة محمد يبنونها وفي إجارة الخانية يعمروا وليس فيهما ما يشعر باشتراط النقض الأول‏.‏

مطلب في كيفية إعادة المنهدم من الكنائس

وفي الحاوي القدسي‏:‏ وإذا انهدمت البيع والكنائس لذوي الصلح إعادتها باللبن والطين إلى مقدار ما كان قبل ذلك، ولا يزيدون عليه، ولا يشيدونها بالحجر والشيد والآجر، وإذا وقف الإمام على بيعة جديدة أو بنى منها فوق ما كان في القديم خربها وكذا ما زاد في عمارتها العتيقة ا هـ‏.‏ ومقتضى النظر أن النقض الأول حيث وجد كافيا للبناء الأول لا يعدل عنه إلى آلة جديدة إذ لا شك في زيادة الثاني على الأول حينئذ‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وأما القديمة إلخ‏)‏ مقابل قوله‏:‏ ولا يحدث بيعة ولا كنيسة، وكان الأولى ذكره قبل قوله ويعاد المنهدم لأن إعادة المنهدم إنما هي في القديمة دون الحادثة ‏(‏قوله في الفتحية‏)‏ أراد بها المفتوحة عنوة بقرينة مقابلتها بالصلحية ‏(‏قوله بحر‏)‏ عبارته قال في فتح القدير‏:‏ واعلم أن البيع والكنائس القديمة في السواد لا تهدم على الروايات كلها، وأما في الأمصار فاختلف كلام محمد، فذكر في العشر والخراج تهدم القديمة وذكر في الإجارة لا تهدم، وعمل الناس على هذا، فإنا رأينا كثيرا منها توالت عليها أئمة وأزمان، وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها؛ فكان متوارثا من عهد الصحابة وعلى هذا لو مصرنا برية فيها أو كنيسة فوقع داخل السور، ينبغي أن لا يهدم لأنه كان مستحقا للأمان قبل وضع السور فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك، فإنها كانت قضاء فأدار العبيديون عليها السور، ثم فيها الآن كنائس ويبعد من إمام تمكين الكفار من إحداثها جهارا وعلى هذا أيضا فالكنائس الموضوعة الآن في دار الإسلام غير جزيرة العرب كلها ينبغي أن لا تهدم لأنها إن كانت في الأمصار قديمة، فلا شك أن الصحابة أو التابعين حين فتحوا المدينة علموا بها وأبقوها، وبعد ذلك ينظر فإن كانت البلدة فتحت عنوة حكمنا بأنهم أبقوها مساكن لا معابد فلا تهدم ولكن يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب، وإن عرف أنها فتحت صلحا حكمنا بأنهم أقروها معابد فلا يمنعون من ذلك فيها بل من الإظهار‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقوله فوقع داخل السور ينبغي أن لا يهدم ظاهره لأنه لم يره منقولا وقد صرح به في الذخيرة وشرح السير، وقوله‏:‏ وبعد ذلك ينظر إلخ قدمنا ما لو اختلف في أنها فتحية أو صلحية ولم يعلم من الآثار والأخبار تبقى في أيديهم ‏(‏قوله خلافا لما في القهستاني‏)‏ أي عن التتمة من أنها في الصلحية تهدم في المواضع كلها في جميع الروايات‏.‏

مطلب في تمييز أهل الذمة في الملبس

‏(‏قوله ويميز الذمي إلخ‏)‏ حاصله‏:‏ أنهم لما كانوا مخالطين أهل الإسلام، فلا بد من تمييزهم عنا كي لا يعامل معاملة المسلم من التوقير والإجلال، وذلك لا يجوز وربما يموت أحدهم فجأة في الطريق ولا يعرف فيصلى عليه، وإذا وجب التمييز وجب أن يكون بما فيه صغار لا إعزاز لأن إذلالهم لازم بغير أذى من ضرب أو صفع بلا سبب يكون منه بل المراد اتصافه بهيئة وضيعة فتح ‏(‏قوله ومركبه‏)‏ مخالفة الهيئة فيه إنما تكون إذا ركبوا من جانب واحد وغالب ظني أني سمعته من الشيخ الأخ كذلك نهر‏.‏ قلت‏:‏ وهو كذلك ففي رسالة العلامة قاسم في الكنائس، وقد كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن يختموا أهل الذمة بالرصاص ويركبوا على الأكف عرضا ‏(‏قوله سلاحه‏)‏ تبع فيه الدرر وهو مناف لقوله تبعا لغيره من أصحاب المتون، ولا يعمل بسلاح إلا أن يحمل على ما إذا استعان بهم الإمام أو المراد من تمييزه في سلاحه بأن لا يحمل سلاحا، وهو بعيد تأمل ‏(‏قوله إلا إذا استعان بهم الإمام إلخ‏)‏ لكنه يركب في هذه الحالة بإكاف لا بسرج كما قال بعضهم نهر ‏(‏قوله وذب‏)‏ بالذال المعجمة أي دفع وطرد العدو ‏(‏قوله وجاز بغل‏)‏ أي إن لم يكن فيه عز وشرف وتمامه في شرح الوهبانية ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي جواز ركوبه لبغل أو حمار وكان ينبغي تأخير هذه الجملة كلها عن قوله ويركب سرجا كالأكف‏.‏ ‏(‏قوله إلا لضرورة‏)‏ كما إذا خرج إلى قرية أو كان مريضا فتح ‏(‏قوله والمعتمد أن لا يركبوا‏)‏ كتب بعضهم هنا أن الصواب يركبون بالنون، كما هو عبارة الأشباه لعدم الناصب والجازم وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن‏.‏ أقول‏:‏ هذا التصويب خطأ محض، لأن المخففة من الثقيلة التي لا تنصب المضارع شرطا أن تقع بعد فعل اليقين أو ما ينزل منزلته نحو‏:‏ ‏{‏علم أن سيكون‏}‏ ‏{‏أفلا يرون أن لا يرجع‏}‏ وهذه ليست كذلك بل هي المصدرية الناصبة نحو‏:‏ ‏{‏وأن تصوموا خير لكم‏}‏ ‏(‏قوله مطلقا‏)‏ أي ولو حمارا ‏(‏قوله في المجامع‏)‏ أي في مجامع المسلمين إذا مر بهم فتح ‏(‏قوله كالأكف‏)‏ بضمتين جمع إكاف مثل حمار وحمر مصباح فكان الأولى التعبير بالإكاف المفرد ‏(‏قوله كالبرذعة‏)‏ بدل من قوله كالأكف قال في المصباح البرذعة بالذال والدال حلس يجعل تحت الرحل والجمع البراذع هذا هو الأصل‏.‏ وفي عرف زماننا هي للحمار ما يركب عليه بمنزلة السرج للفرس ا هـ‏.‏ فالمراد هنا المعنى العرفي لا اللغوي ‏(‏قوله ولا يعمل بسلاح‏)‏ أي لا يستعمله ولا يحمله لأنه عز وكل ما كان كذلك يمنعون عنه‏.‏ قلت‏:‏ ومن هذا الأصل تعرف أحكام كثيرة در منتقى ‏(‏قوله ويظهر الكستيج‏)‏ بضم الكاف وبالجيم كما في القهستاني فارسي معرب معناه العجز والذل كما في النهر، فيشمل القلنسوة والزنار والنعل لوجود الذل فيها، ولقوله في البحر وكستيجات النصارى قلنسوة سوداء من اللبد مضربة وزنار من الصوف ا هـ‏.‏ فتعبيره بخصوص الزنار بيان لبعض أنواعه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله الزنار‏)‏ بوزن تفاح وجمعه زنانير مصباح، وفي البحر عن المغرب أنه خيط غليظ بقدر الأصبع يشده الذمي فوق ثيابه‏.‏ قال القهستاني وينبغي أن يكون من الصوف أو الشعر وأن لا يجعل له حلقة تشده كما يشد المسلم المنطقة بل يعلقه على اليمين أو الشمال كما في المحيط ‏(‏قوله ولو زرقاء أو صفراء‏)‏ أي خلافا لما في الفتح من أنه إذا كان المقصود العلامة يعتبر في كل بلدة متعارفها، وفي بلادنا جعلت العلامة في العمامة فألزم النصارى بالأزرق واليهود بالأصفر، واختص المسلمون بالأبيض قال في النهر‏:‏ إلا أنه في الظهيرية قال‏:‏ وأما لبس العمامة والزنار الإبريسم فجفاء في حق أهل الإسلام ومكسرة لقلوبهم وهذا يؤذن بمنع التمييز بها، ويؤيده ما ذكره في التتارخانية حيث صرح بمنعهم من القلانس الصغار، وإنما تكون طويلة من كرباس مصبوغة بالسواد مضربة مبطنة، وهذا في العلامة أولى وإذا عرف هذا فمنعهم من لبس العمائم هو الصواب الواضح بالتبيان فأيد الله سلطان زماننا، ولسعادته أبد ولملكه شيد ولأمره سدد إذ منعهم من لبسها ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وهذا هو الموافق لما ذكره أبو يوسف في كتاب الخراج من إلزامهم لبس القلانس الطويلة المضربة، وأن عمر كان يأمر بذلك ومن منعهم من لبس العمائم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الفتح وكذا تؤخذ نساؤهم بالزي في الطرق فيجعل على ملاءة اليهودية خرقة صفراء وعلى النصرانية زرقاء وكذا في الحمامات‏.‏ ا هـ‏.‏ أي فيجعل في أعناقهن طوق الحديد كما في الاختيار قال في الدر المنتقى قلت‏:‏ وسيجيء أن الذمية في النظر إلى المسلمة كالرجل الأجنبي في الأصح فلا تنظر أصلا إلى المسلمة فليتنبه لذلك ا هـ‏.‏ ومفاده منعهن من دخول حمام فيه مسلمة، وهو خلاف المفهوم من كلامهم هنا تأمل ‏(‏قوله وإنما تكون طويلة سوداء‏)‏ ظاهره أن الضمير للعمامة وليس كذلك بل هو للقلنسوة لأن المقصود منعهم من العمامة ولو غير طويلة وإلزامهم بالقلنسوة الطويلة كما علمته فكان الصواب أن يقول‏:‏ إنما يلبس قلنسوة طويلة سوداء والقلنسوة هي التي يدخل فيها الرأس والعمامة ما يدار عليها من منديل ونحوه ‏(‏قوله الإبريسم‏)‏ بكسر الهمزة والراء وفتح السين وهو الحرير قال في المصباح‏:‏ الحريرة واحدة الحرير وهو الإبريسم ‏(‏قوله كصفوف مربع‏)‏ لعلة الفرجية فإنه الآن من خصوصيات أهل القرآن والعلم ط ‏(‏قوله وأبراد رقيقة‏)‏ البرد نوع من الثياب مخطط كما في النهاية ‏(‏قوله وتمامه في الفتح‏)‏ حيث قال‏:‏ بل ربما يقف بعض المسلمين خدمة لهم خوفا من أن يتغير خاطره منه، فيسعى به عند مستكتبه سعاية توجب له منه الضرر ثم قال‏:‏ وتجعل مكاعبهم خشنة فاسدة اللون ولا يلبسوا طيالسة كطيالسة المسلمين ولا أردية كأرديتهم هكذا أمروا واتفقت الصحابة على ذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال أيضا ولا شك في وقوع خلاف هذا في هذه الديار‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وفي هذه السنة في البلاد الشامية استأسدت اليهود والنصارى على المسلمين ولله در القائل‏:‏ أحبابنا نوب الزمان كثيرة وأمر منها رفعة السفهاء فمتى يفيق الدهر من سكراته وأرى اليهود بذلة الفقهاء ‏(‏قوله وينبغي أن يلازم الصغار‏)‏ أي الذل والهوان والظاهر أن ينبغي هنا بمعنى يجب قال في البحر‏:‏ وإذا وجب عليهم إظهار الذل والصغار مع المسلمين وجب على المسلمين عدم تعظيمهم لكن قال في الذخيرة‏:‏ إذا دخل يهودي الحمام إن خدمه المسلم طمعا في فلوسه فلا بأس به، وإن تعظيما له فإن كان ليميل قلبه إلى الإسلام فكذلك وإن لم ينو شيئا مما ذكرنا كره وكذا لو دخل ذمي على مسلم فقام له ليميل قلبه إلى الإسلام فلا بأس وإن لم ينو شيئا أو عظمه لغناه كره ا هـ‏.‏ قال الطرسوسي‏:‏ وإن قام تعظيما لذاته وما هو عليه كفر لأن الرضا بالكفر كفر فكيف بتعظيم الكفر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وبه علم أنه لو قام له خوفا من شره فلا بأس أيضا بل إذا تحقق الضرر، فقد يجب وقد يستحب على حسب حال ما يتوقعه ‏(‏قوله ويضيق عليه في المرور‏)‏ بأن يلجئه إلى أضيق الطريق، وعبارة الفتح ويضيق عليهم في الطريق‏.‏ ‏(‏قوله ويجعل على داره علامة‏)‏ لئلا يقف سائل فيدعو له بالمغفرة أو يعامله في التضرع معاملة المسلمين فتح ‏(‏قوله لأنهما من أرض العرب‏)‏ أفاد أن الحكم غير مقصور على مكة والمدينة، بل جزيرة العرب كلها كذلك كما عبر به في الفتح وغيره وقدمنا تحديدها، والحديث المذكور قاله عليه الصلاة والسلام في مرضه الذي مات فيه كما أخرجه في الموطأ وغيره وبسطه في الفتح ‏(‏قوله ولا يطيل‏)‏ فيمنع أن يطيل فيها المكث حتى يتخذ فيها مسكنا لأن حالهم في المقام في أرض العرب مع التزام الجزية كحالهم في غيرها بلا جزية وهناك لا يمنعون من التجارة، بل من إطالة المقام فكذلك في أرض العرب شرح السير وظاهره أن حد الطول سنة تأمل ‏(‏قوله فالظاهر أنه أورد فيه ما استقر عليه الحال‏)‏ أي فيكون المنع هو المتعمد في المذهب‏.‏ قلت‏:‏ لكن الذي ذكره أصحاب المتون في كتاب الحظر والإباحة أن الذمي لا يمنع من دخول المسجد الحرام وغيره وذكر الشارح هناك أن قول محمد والشافعي وأحمد المنع من المسجد الحرام فالظاهر أن ما في السير الكبير هو قول محمد وحده دون الإمام، وأن أصحاب المتون على قول الإمام، ومعلوم أن المتون موضوعة لنقل ما هو المذهب، فلا يعدل عما فيها على أن الإمام السرخسي ذكر في شرح السير الكبير أن أبا سفيان جاء إلى المدينة، ودخل المسجد، ولذلك قصة قال فهذا دليل لنا على مالك رحمه الله تعالى بمنعه المشرك، من أن يدخل شيئا من المساجد ثم قال‏:‏ إن الشافعي قال يمنعون من دخول المسجد الحرام خاصة للآية ‏{‏إنما المشركون نجس‏}‏ فأما عندنا لا يمنعون كما لا يمنعون عن دخول سائر المساجد ويستوي في ذلك الحربي والذمي إلخ ‏(‏قوله وفي الخانية إلخ‏)‏ كان الأولى تقديمه على مسألة الاستيطان ثم إن ظاهره أن نساءهم تميز بالكستيج دون العبيد مع أنه ليس في عبارة الخانية ذكر النساء أصلا ونصها‏:‏ ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات، وهكذا نقله عنها في البحر والنهر وعبارة النهر قالوا ويجب أن تميز نساؤهم أيضا عن نسائنا في الطرقات والحمامات وفي الخانية ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب في سكنى أهل الذمة بين المسلمين في المصر

‏(‏قوله الذمي إذا اشترى دارا إلخ‏)‏ قال السرخسي في شرح السير فإن مصر الإمام في أراضيهم للمسلمين كما مصر عمر رضي الله عنه البصرة والكوفة، فاشترى بها أهل الذمة دورا وسكنوا مع المسلمين، لم يمنعوا من ذلك فإنا قبلنا منهم عقد الذمة، ليقفوا على محاسن الدين، فعسى أن يؤمنوا واختلاطهم بالمسلمين والسكن معهم يحقق هذا المعنى، وكان شيخنا الإمام شمس الأئمة الحلواني يقول‏:‏ هذا إذا قلوا وكان بحيث لا تتعطل جماعات المسلمين ولا تتقلل الجماعة بسكناهم بهذه الصفة فأما إذا كثروا على وجه يؤدي إلى تعطيل بعض الجماعات أو تقليلها منعوا من ذلك وأمروا أن يسكنوا ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة، وهذا محفوظ عن أبي يوسف في الأمالي‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله أي أراد شراءها‏)‏ إنما فسره بهذا لقوله بعد لا ينبغي أن تباع منه ط ‏(‏قوله وقيل لا يجبر إلا إذا كثر‏)‏ نقله في البحر عن الصغرى بعد أن نقله عن الخانية، بلا تقييد بالكثرة، ولكن لم يعبر عنه بقيل، ولا يخفى أن هذا القيد يصلح توفيقا بين القولين وهذا قول شمس الأئمة الحلواني كما علمته آنفا ومشى عليه في الوهبانية وشرحها، وكذا قال الخير الرملي إن الذي يجب أن يعول عليه التفصيل، فلا نقول بالمنع مطلقا ولا بعدمه مطلقا بل يدور الحكم على القلة والكثرة والضرر والمنفعة وهذا هو الموافق للقواعد الفقهية فتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله فأجاب إلخ‏)‏ هذا الجواب مبني على اختيار الحلواني وغيره قال ط‏:‏ ولم يجب عن المسئول عنه وجوابه أنهما يستحقان الوظيفة لقيامهما بالعمل‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وإنما تركه لظهوره وتنبيها على ما هو الأهم فهو من أسلوب الحكيم كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأهلة‏}‏ الآية ‏(‏قوله ففي الخانية إلخ‏)‏ أي والاستخدام المذكور ينافي الاستخفاف‏.‏

‏(‏قوله وإذا تكارى إلخ‏)‏ شروع في الكراء بعد الفراغ من الشراء وظاهر كلام المصنف الفرق بينهما، وهو مبني على القول بالجبر على البيع مطلقا وقد علمت أن المعول عليه القول بالتفصيل، فلا فرق بين الكراء والشراء بل أصل العبارة المذكورة إنما هو في الشراء كما نقلناه آنفا عن السرخسي ‏(‏قوله في المصر‏)‏ الظاهر أنه غير قيد بعد اعتبار الشرط المذكور ‏(‏قوله ليس فيها مسلمون‏)‏ هو في معنى ما مر من قوله ليس فيها للمسلمين جماعة لأن من شأن المسلمين إقامة الجماعة ‏(‏قوله لكن رده إلخ‏)‏ وعبارته كما رأيته في حاشية الحموي وغيرها قوله في محلة خاصة، هذا اللفظ لم أجده لأحد وإنما الموجود في الكتب أن الجواز مقيد بما ذكره الحلواني بقوله هذا إذا قلوا بحيث لا تتعطل بسبب سكناهم جماعات المسلمين، ولا تتقلل أما إذا تعطلت أو تقللت، فلا يمكنون من السكنى فيها، ويسكنون في ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة، فكأن المصنف فهم من الناحية المحلة، وليس كذلك بل قد صرح التمرتاشي في شرح الجامع الصغير بعدما نقل عن الشافعي أنهم يؤمرون ببيع دورهم في أمصار المسلمين، والخروج عنها وبالسكنى خارجها لئلا تكون لهم منعة كمنعة المسلمين بمنعهم عن أن تكون لهم محلة خاصة حيث قال بعدما ذكرناه نقلا عن النسفي، والمراد أي بالمنع المذكور عن الأمصار أن يكون لهم في المصر محلة خاصة يسكنونها ولهم فيها منعة كمنعة المسلمين فأما سكناهم بينهم وهم مقهورون فلا كذلك ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقوله بمنعهم متعلق بقوله صرح وقوله‏:‏ حيث قال أي التمرتاشي وحاصل كلامه أن المحلة من جملة المصر مع أن الحلواني قال‏:‏ لا يمكنون من السكنى فيها أي في المصر ويسكنون في ناحية إلخ فهو صريح بأنه إذا لزم تقليل الجماعة يسكنون في ناحية خارجة عن المصر فهي غير المحلة، وصريح كلام التمرتاشي أيضا منعهم عن أن يكون لهم محلة خاصة في المصر وإنما يسكنون بينهم مقهورين، يعني إذا لم يلزم تقليل الجماعة، فتحصل من مجموع كلام الحلواني والتمرتاشي‏:‏ أنه إذا لزم من سكناهم في المصر تقليل الجماعة أمروا بالسكنى في ناحية خارج المصر، ليس فيها جماعة للمسلمين وإن لم يلزم ذلك يسكنون في المصر بين المسلمين مقهورين لا في محلة خاصة في المصر لأنه يلزم منه أن يكون لهم في مصر المسلمين منعة كمنعة المسلمين، بسبب اجتماعهم في محلتهم فافهم ‏(‏قوله أنهم يؤمرون‏)‏ مفعول نقل ط ‏(‏قوله نقلا‏)‏ حال من فاعل صرح بتأويل اسم الفاعل‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ ‏(‏قوله والمراد‏)‏ الأوضح أن يقول بأن المراد، ويكون متعلقا بصرح ط ‏(‏قوله ولهم فيها منعة‏)‏ الواو للحال والمنعة بفتح النون جمع مانع أي جماعات يمنعونهم من وصول غيرهم إليهم أفاده ح وقوله‏:‏ عارضة صفة منعة وعروضها إنما هو بسبب اجتماعهم في محلة خاصة وقوله فأما سكناهم إلخ مقابلة أي أن سكناهم بين المسلمين، لا في محلة خاصة بل متفرقين بينهم وهم مقهورون لهم فلا كذلك أي فلا يكون ممنوعا‏.‏

مطلب في منعهم عن التعلي في البناء على المسلمين

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الدر المنتقى وكذا يمنعون عن التعلي في بنائهم على المسلمين ومن المساواة عند بعض العلماء نعم يبقى القديم كما في الوهبانية وشروحها وفي المنظومة المحبية‏:‏ ويمنع الذمي من أن يسكنا أو أن يحل منزلا عالي البنا إن كان بين المسلمين يسكن بل أهل ذمة على ما بينوا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضى النظم الذي ذكره المنع ولو البناء قديما لأنه علق المنع على السكنى لا على التعلية في البناء لكن سئل في الخيرية عن طبقة ليهودي راكبة على بيت لمسلم، يريد المسلم منعه من سكناهم، ومن التعلي عليه فأجاب‏:‏ بأنه ليس للمسلم ذلك فقد جوزوا إبقاء دار الذمي العالية، على دار المسلم وسكناها إذا ملكها ما لم تنهدم فإنه لا يعيدها عالية كما كانت، وممن صرح بذلك ابن الشحنة في شرح النظم الوهباني وكثير من علمائنا‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر في جواب سؤال آخر أنه إذا كان التعلي للتحفظ من اللصوص، لا يمنع منه لأنهم نصوا على أنهم ليس لهم رفع بنائهم على المسلمين وعلة المنع مقيدة بالتعلي على المسلمين، فإذا لم يكن ذلك بل للتحفظ، فلا يمنعون كما هو ظاهر ا هـ‏.‏ وقال قارئ الهداية في فتاواه‏:‏ أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين فما جاز للمسلم فعله في ملكه جاز لهم وما لا فلا وإنما يمنع من تعلية بنائه إذا حصل لجاره ضرر كمنع ضوء وهواء قال‏:‏ هذا هو ظاهر المذهب، وذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج أن للقاضي منعهم من السكنى بين المسلمين، بل يسكنون منعزلين قال قارئ الهداية‏:‏ وهو الذي أفتي به أنا ا هـ‏.‏ أي لأنه إذا كان له منعهم من السكنى بيننا، فله منعهم من التعلي بالأولى، وذكر في جواب آخر لا يجوز لهم أن يعلوا بناءهم على بناء المسلمين‏:‏ ولا أن يسكنوا دارا عالية البناء بين المسلمين بل يمنعون أن يسكنوا محلات المسلمين‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا ميل منه إلى ما نقله عن أبي يوسف وأفتى به أولا أيضا والظاهر أن قوله هذا هو ظاهر المذهب، يرجع إلى قوله أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين، ولما كان لا يلزم منه أن يكونوا مثلهم فيما فيه استعلاء على المسلمين أفتى في الموضوعين بالمنع لما قدمه الشارح عن الحاوي من أنه ينبغي أن يلازم الصغار فيما يكون بينه، وبين المسلمين في كل شيء، ولا يخفى أن استعلاءه في البناء على جيرانه المسلمين خلاف الصغار، بل بحث في الفتح أنه إذا استعلى على المسلمين حل للإمام قتله، ولا يخفى أن لفظ استعلى يشمل ما بالقول وما بالفعل وبهذا التقرير اندفع ما ذكره في الخيرية مخالفا لما قدمناه عنه من قوله‏:‏ إن ما أفتى به قارئ الهداية من ظاهر المذهب، أقوى مدركا للحديث الشريف الموجب لكونهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فإن قارئ الهداية لم يفت به بل أفتى في الموضعين بخلافه كما سمعت‏.‏ والحديث الشريف لا يفيد أن لهم ما لنا من العز والشرف، بل في المعاملات من العقود ونحوها للأدلة الدالة على إلزامهم الصغار وعدم التمرد على المسلمين وصرح الشافعية بأن منعهم عن التعلي واجب، وأن ذلك لحق الله تعالى وتعظيم دينه فلا يباح برضا الجار المسلم‏.‏ ا هـ‏.‏ وقواعدنا لا تأباه فقد مر أنه يحرم تعظيمه، ولا يخفى أن الرضا باستعلائه تعظيم له هذا ما ظهر لي في هذا المحل والله تعالى أعلم‏.‏

مطلب فيما ينتقض به عهد الذمي وما لا ينتقض

‏(‏قوله وينتقض عهدهم إلخ‏)‏ لأنهم بذلك صاروا حربا علينا وعقد الذمة ما كان إلا لدفع شر حرابتهم فيعرى عن الفائدة فلا يبقى ولا يبطل أمان ذريته بنقض عهده فتح ‏(‏قوله بالغلبة على موضع‏)‏ أي قرية أو حصن فتح وقوله للحرب أي لأجل حربنا، وفي بعض النسخ للحراب بزيادة الألف واحترز بالغلبة المذكورة عما لو كانوا مع أهل البغي يعينونهم على القتال، فإنه لا ينقض عهدهم كما ذكره الزيلعي وغيره في باب البغاة ‏(‏قوله أو باللحاق بدار الحرب‏)‏ لا يبعد أن يقال انتقاله إلى المكان الذي تغلبوا فيه كانتقاله إلى دار الحرب بالاتفاق، إن لم يكن ذلك المكان مواخما لدار الإسلام‏:‏ أي بأن كان متصلا بدار الحرب وإلا فعلى قولهما كما في الفتح ‏(‏قوله أو بالامتناع عن قبول الجزية‏)‏ أي بخلاف الامتناع عن أدائها على ما يأتي، لكن الامتناع عن قبولها إنما يكون عند ابتداء وضعها وهو حينئذ لم يكن له عهد ذمة، حتى ينتقض، ويمكن تصويره فيمن دخل في عهد الذمة تبعا ثم صار أهلا كالمجنون والصبي، فإذا أفاق أو بلغ أول الحول توضع عليه فإذا امتنع انتقض عهده أفاده ط‏.‏ ‏(‏قوله أو يجعل نفسه طليعة للمشركين‏)‏ هذا مما زاده في الفتح أيضا لكن لم يذكره هنا، بل ذكره في النكاح في باب نكاح المشرك ‏(‏قوله بأن يبعث ليطلع إلخ‏)‏ صورته أن يدخل مستأمن ويقيم سنة، وتضرب عليه الجزية وقصده التجسس على المسلمين ليخبر العدو ط ‏(‏قوله فلو لم يبعثوه‏)‏ بأن كان ذميا أصليا وطرأ عليه هذا القصد ط ‏(‏قوله وعليه يحمل كلام المحيط‏)‏ حيث قال لو كان يخبر المشركين بعيوب المسلمين أو يقاتل رجلا من المسلمين ليقتله لا يكون نقضا للعهد، وهذا التوفيق لصاحب البحر وأقره في النهر وغيره، ويشعر به تعبير الفتح بالطليعة فإن الطليعة واحدة الطلائع في الحرب، وهم الذين يبعثون ليطلعوا على أخبار العدو، كما في البحر عن المغرب ‏(‏قوله في كل أحكامه‏)‏ فيحكم بموته باللحاق وإذا تاب تقبل توبته وتعود ذمته وتبين منه زوجته الذمية التي خلفها في دار الإسلام إجماعا ويقسم ماله بين ورثته فتح وتمامه في البحر ‏(‏قوله والمرتد يقتل‏)‏ لأن كفره أغلظ بحر ‏(‏قوله والمرتد يجبر على الإسلام‏)‏ أما المرتدة فإنها تسترق بعد اللحاق رواية واحدة وقبله في رواية بحر ‏(‏قوله بقوله نقضت العهد‏)‏ لأنه لا ينتقض عهده بالقول بل بالفعل كما مر، بخلاف الأمان للحربي‏.‏ قلت‏:‏ ولعل وجه الفرق أن أمان الحربي على شرف الزوال لتمكنه من العود، متى أراد فهو غير لازم، بخلاف عهد الذمة فهو لازم لا يصح الرجوع عنه ولذا لا يمكن من العود إلى دار الحرب، فيجبره الإمام على الجزية ما دام تحت قهره، بخلاف ما إذا لحق بدارهم أو غلبوا على موضع أو جعل نفسه طليعة أو امتنع عن قبول الجزية لأنه في الأولين صار حربا علينا كما مر وفي الثالث‏:‏ علم أنه لم يقصد العهد بل جعله وصلة إلى إضراره بنا، وفي الرابع‏:‏ لم يوجد منه ما يدفع عنه القتل بخلاف ما إذا امتنع عن أدائها ولذا قال الزيلعي وغيره‏:‏ لأن الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها والالتزام باق فيأخذها الإمام منه جبرا ا هـ‏.‏ وبهذا اندفع ما استشكله في النهر من أنه لو امتنع عن قبولها نقض عهده، وليس ذلك إلا بالقول‏.‏ وجه الدفع أن الانتقاض لم يجئ من قوله لا أقبل بل من عدم وجود ما يدفع عنه القتل وهو التزام أدائها بخلاف امتناعه عن أدائها بقوله لا أؤديها، فإنه قول وجد بعد التزامها الدافع للقتل، ولا يزول ذلك الالتزام به وكذا بقوله نقضت العهد لما قلنا، من أنه لازم لا يملك فسخه صريحا، ولا دلالة ما دام تحت قهرنا فافهم، واندفع به أيضا ما أورده في الدرر من أن امتناعه عن أدائها بقوله‏:‏ لا أعطيها ينافي بقاء الالتزام لما قلنا من لزوم ذلك الالتزام، وأنه لا يملك نقضه صريحا فكذا دلالة بالأولى فيجبر على أدائها ما دام مقهورا في دارنا، ثم رأيت الحموي أجاب بنحوه والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله بل عن قبولها‏)‏ أي بل ينتقض عهده بالإباء عن قبولها، وقدمنا تصويره، وقد علمت آنفا وجه الفرق بين المسألتين ‏(‏قوله ونقل العيني‏)‏ حيث قال وفي رواية مذكورة في واقعات حسام أن أهل الذمة إذا امتنعوا عن أداء الجزية ينتقض العهد، ويقاتلون وهو قول الثلاثة‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا يخفى ضعفها رواية ودراية بحر‏.‏ قلت‏:‏ أما وجه الضعف رواية فلأنه خلاف الرواية المشهورة في المذهب المنصوصة في المتون وغيرها وأما الدراية أي الضعف من حيث المعنى، فلما علمت من بقاء الالتزام الدافع للقتل فتؤخذ منهم جبرا، ويمكن تأويل ما في الواقعات، بما إذا كانوا جماعة تغلبوا على موضع هو بلدهم أو غيرهم وأظهروا العصيان والمحاربة، فإنها حينئذ لا يمكن أخذها منهم إلا بالقتال تأمل ‏(‏قوله ولا بالزنا بمسلمة‏)‏ بل يقام عليه موجبه، وهو الحد وكذا لو نكحها لا ينقض عهده، والنكاح باطل ولو أسلم بعده ويعزران وكذا الساعي بينهما بحر ‏(‏قوله وإفتان مسلم‏)‏ مصدر أفتن الرباعي ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ لكن الذي رأيناه في النسخ افتتان بتاءين وفي المصباح‏:‏ فتن المال الناس من باب ضرب استمالهم، وفتن في دينه وافتتن أيضا بالبناء للمفعول مال عنه ا هـ‏.‏ ومقتضاه‏:‏ أن الافتتان متعد لا لازم تأمل‏.‏

مطلب في حكم سب الذمي النبي صلى الله عليه وسلم

‏(‏قوله وسب النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إذا لم يعلن، فلو أعلن بشتمه أو اعتاده قتل، ولو امرأة وبه يفتى اليوم در منتقى وهذا حاصل ما سيذكره الشارح هنا وقيده الخير الرملي بقيد آخر حيث قال أقول‏:‏ هذا إن لم يشترط انتقاضه به أما إذا شرط انتقض به كما هو ظاهر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وقد ذكر الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج في صلح أبي عبيدة، مع أهل الشام أنه صالحهم، واشترط عليهم حين دخلها على أن يترك كنائسهم، وبيعهم على أن لا يحدثوا بناء بيعة، ولا كنيسة، وأن لا يشتموا مسلما، ولا يضربوه إلخ، وذكر العلامة قاسم من رواية الخلال والبيهقي وغيرهما كتاب العهد وفي آخره فلما أتيت عمر بن الخطاب بالكتاب زاد فيه‏:‏ وأن لا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا لهم ذلك علينا، وعلى أهل ملتنا وقبلنا‏.‏ عنهم الأمان، فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا وقد حل لكم منا ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاق، وفي رواية الخلال‏:‏ فكتب عمر أن أمض لهم ما سألوه وألحق فيه حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم أن لا يشتروا شيئا من سبايانا ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد ذكر الشرنبلالي في رسالته كتاب العهد بتمامه ثم قال‏:‏ وقد اعتمد الفقهاء ذلك من كل مذهب كما نقله القاضي بدر الدين القرافي ا هـ‏.‏ ثم ذكر الشرنبلالي أنه انتقض عهدهم بإحداث ذلك الدير أي الذي أحدثوه في زمنه، وألف فيه الرسالة المذكورة ثم قال بعد ذكره ما ألحقه عمر رضي الله تعالى عنه أن هذا دليل لما قاله الكمال بن الهمام من نقضي العهد بتمردهم واستعلائهم على المسلمين‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ولعلهم لم يقيدوا بهذا القيد لظهوره كما تقدم عن الرملي لأن المعلق على أمر لا يوجد بدونه ولأن مرادهم بيان أن مجرد عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه من السب ونحوه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، وليس كل إمام إذا فتح بلدة يشترط هذا الشرط الذي شرطه عمر فلذا تركوا التصريح به على أن ما شرطه عمر على الشام ونحوها لا يجري حكمه على كل ما فتحه من البلاد ما لم يعلم اشتراطه عليهم أيضا‏.‏ فصار الحاصل‏:‏ أن عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه ما لم يشترط انتقاضه به فإذا اشترط انتقض، وإلا فلا إلا إذا أعلن بالشتم أو اعتاده لما قدمناه ولما يأتي عن المعروضات وغيرها ولما ذكره ط عن الشلبي عن حافظ الدين النسفي إذا طعن الذمي في دين الإسلام طعنا ظاهرا جاز قتله لأن العهد معقود معه على أن لا يطعن فإذا طعن، فقد نكث عهده وخرج من الذمة ا هـ‏.‏ لكن مقتضى هذا التعليل اشتراط عدم الطعن بمجرد عقد الذمة، وهو خلاف كلامهم فتأمل‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قيد الشافعية الشتم بما لا يتدينون به ونقله في حاشية السيد أبي السعود عن الذخيرة بقوله‏:‏ إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به، بأن قال إنه ليس برسول أو قتل اليهود بغير حق أو نسبه إلى الكذب فعند بعض الأئمة لا ينتقض عهده أما إذا ذكره بما لا يعتقده ولا يتدين به كما لو نسبه إلى الزنا أو طعن في نسبه ينتقض‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله المقارن له‏)‏ أي لعهد الذمة ‏(‏قوله فالطارئ‏)‏ أي بالسب ‏(‏قوله فلو من مسلم قبل‏)‏ أي إن لم يتب لا مطلقا خلافا لما ذكره في الدرر هنا والبزازية وغيرهما، فإنه مذهب المالكية لا مذهبنا كما سيأتي تحريره فافهم‏.‏

‏(‏قوله ويؤدب الذمي ويعاقب إلخ‏)‏ أطلقه فشمل تأديبه وعاقبه بالقتل، إذا اعتاده، وأعلن به كما يأتي، ويدل عليه ما قدمناه آنفا عن حافظ الدين النسفي، وتقدم في باب التعزير أنه يقتل المكابر بالظلم وقطاع الطريق والمكاس وجميع الظلمة وجميع الكبائر، وأنه أفتى الناصحي بقتل كل مؤذ‏.‏ ورأيت في كتاب الصارم المسلول لشيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي ما نصه‏:‏ وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا‏:‏ لا ينتقض العهد بالسب، ولا يقتل الذمي بذلك لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من إظهار أصواتهم بكتابهم ونحو ذلك وحكاه الطحاوي عن الثوري، ومن أصولهم يعني الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل، والجماع في غير القبل إذا تكرر، فللإمام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك ويحملون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم، على أنه رأي المصلحة في ذلك ويسمونه القتل سياسة‏.‏ وكان حاصله‏:‏ أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي تعظمت بالتكرار، وشرع القتل في جنسها؛ ولهذا أفتى أكثرهم بقتل من أكثر من سب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه، وقالوا يقتل سياسة، وهذا متوجه على أصولهم‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد أفاد أنه يجوز عندنا قتله إذا تكرر منه ذلك وأظهره وقوله وإن أسلم بعد أخذه لم أر من صرح به عندنا لكنه نقله عن مذهبنا وهو ثبت فيقبل ‏(‏قوله قال العيني إلخ‏)‏ قال في البحر‏:‏ لا أصل له في الرواية ا هـ‏.‏ ورده الخير الرملي، بأنه لا يلزم من عدم النقض عدم القتل، وقد صرحوا قاطبة بأنه يعزر على ذلك، ويؤدب وهو يدل على جواز قتله زجرا لغيره إذ يجوز الترقي في التعزير إلى القتل، إذا عظم موجبه ومذهب الشافعي كمذهبنا على الأصح قال ابن السبكي‏:‏ لا ينبغي أن يفهم من عدم الانتقاض أنه لا يقتل، فإن ذلك لا يلزم‏.‏ ا هـ‏.‏ وليس في مذهبنا ما ينفي قتله خصوصا إذا أظهر ما هو الغاية في التمرد، وعدم الاكتراث والاستخفاف واستعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم ا هـ‏.‏ ونقل المقدسي ما قاله العيني، ثم قال، وهو مما يميل إليه كل مسلم والمتون، والشروح خلافه أقول ولنا أن نؤدب الذمي تعزيرا شديدا بحيث لو مات كان دمه هدرا‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ لكن هذا إذا أعلن بالسب وكان مما لا يعتقده كما علمته آنفا ‏(‏قوله وتبعه ابن الهمام‏)‏ حيث قال والذي عندي أن سبه عليه الصلاة والسلام أو نسبة ما لا ينبغي إلى الله تعالى إن كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد إلى الله تعالى وتقدس عن ذلك إذا أظهره يقتل به وينتقض عهده، وإن لم يظهره ولكن عثر عليه، وهو يكتمه فلا وهذا لأنه الغاية في التمرد والاستخفاف بالإسلام والمسلمين، فلا يكون جاريا على العقد الذي يدفع عنه القتل وهو أن يكون صاغرا ذليلا إلى أن قال‏:‏ وهذا البحث منا يوجب أنه إذا استعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم يحل للإمام قتله أو يرجع إلى الذل والصغار‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ وهو بحث خالف فيه أهل المذهب ا هـ‏.‏ وقال الخير الرملي إن ما بحثه في النقض مسلم مخالفته للمذهب وأما ما بحثه في القتل فلا ا هـ‏.‏ أي لما علمته آنفا من جواز التعزير بالقتل ولما يأتي من جواز قتله إذا أعلن به ‏(‏قوله وبه أفتى شيخنا‏)‏ أي بالقتل لكن تعزيرا كما قدمناه عنه وينبغي تقييده بما إذا ظهر أنه معتاده كما قيده به في المعروضات أو بما إذا أعلن به كما يأتي بخلاف ما إذا أعثر عليه، وهو يكتمه كما مر عن ابن الهمام‏.‏ ‏(‏قوله وبه أفتى‏)‏ أي أبو السعود مفتي الروم بل أفتى به أكثر الحنفية إذا أكثر السب، كما قدمناه عن الصارم المسلول، وهو معنى قوله‏:‏ إذا ظهر أنه معتاده ومثله ما إذا أعلن به كما مر، وهذا معنى قول ابن الهمام إذا أظهره يقتل به، فلم يكن كلامه مخالفا للمذهب، بل صرح به محرر المذهب الإمام محمد كما يأتي ‏(‏قوله بأنه يقتل‏)‏ لم يقيده بما إذا اعتاده كما قيد به أولا فظاهره أنه يقتل مطلقا وهو موافق لما أفتى به الخير الرملي ولما مر عن العيني والمقدسي، لكن علمت تقييده بالإعلان، أو بما في الصارم المسلول من اشتراط التكرار ‏(‏قوله لسبه للأنبياء‏)‏ المراد الجنس وإلا فهو قد سب نبيا واحدا ‏(‏قوله ويؤيده‏)‏ أي يؤيده قتل الكافر الساب ‏(‏قوله في أحاديثه‏)‏ الجار والمجرور خبر مقدم، وما في قوله ما نصه نكرة موصوفة بمعنى شيء مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر خبر إن ونصه مصدر بمعنى منصوصه مرفوع، على أنه مبتدأ وقوله والحق إلخ هذه الجملة إلى آخرها أريد بها لفظها في محل رفع، على أنها خبر نصه وجملة هذا المبتدأ أو خبره في محل رفع على أنها صفة لما الواقعة مبتدأ وجملة ما وخبرها المقدم خبر أن في قوله أن ابن كمال والمعنى‏:‏ أن ابن كمال شيء منصوصه، والحق إلخ ثابت في أحاديثه الأربعينية فافهم‏.‏ ‏(‏قوله حيث قال إلخ‏)‏ بيانه أن هذا استدلال من الإمام محمد رحمه الله تعالى، على جواز قتل المرأة إذا أعلنت بالشتم فهو مخصوص من عموم النهي عن قتل النساء، من أهل الحرب كما ذكره في السير الكبير فيدل على جواز قتل الذمي المنهي عن قتله بعقد الذمة، إذا أعلن بالشتم أيضا، واستدل لذلك في شرح السير الكبير بعدة أحاديث منها‏:‏ حديث أبي إسحاق الهمداني قال‏:‏ «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سمعت امرأة من يهود وهي تشتمك والله يا رسول الله إنها لمحسنة إلي فقتلتها فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمها»

‏(‏قوله تغلبي وتغلبية‏)‏ بكسر اللام على الأصل ومنهم من يفتحها مصباح نسبة إلى تغلب بن وائل بن ربيعة بوزن تضرب قوم تنصروا في الجاهلية، وسكنوا بقرب الروم امتنعوا عن أداء الجزية، فصالحهم عمر على ضعف زكاتنا فهو وإن كان جزية في المعنى إلا أنه لا يراعى فيه شرائطها من وصف الصغار، وتقبل من النائب بل شرائط الزكاة وأسبابها ولذا أخذت من المرأة لأهليتها لها بخلاف الصبي والمجنون فلا يؤخذ من مواشيهم وأموالهم كما في النهر ‏(‏قوله إلا الخراج‏)‏ أي خراج الأرض فإنه يؤخذ من طفلهم والمجنون لأنه وظيفة الأرض وليس عبادة بحر ‏(‏قوله ضعف زكاتنا‏)‏ فيأخذ الساعي من غنمهم السائمة من كل أربعين شاة شاتين، ومن كل مائة وإحدى وعشرين أربع شياه وعلى هذا من الإبل والبقر نهر ولا شيء عليهم في بقية أموالهم ورقبتهم كما في الأتقاني يعني إلا إذا مروا على العاشر فإنه يأخذ منهم ضعف ما يأخذ من المسلمين ط عن الحموي ‏(‏قوله كمولى القرشي‏)‏ يعني أن معتق التغلبي كمعتق القرشي في أن كلا منهما لا يتبع أصله، حتى توضع الجزية والخراج عليهما وإن لم يوضعا على أصلهما تخفيفا والمعتق لا يلحق أصله في التخفيف ولذا لو كان لمسلم مولى نصراني، وضعت عليه الجزية وتمامه في الفتح ‏(‏قوله وحديث إلخ‏)‏ جواب سؤال وهو أن ما عللتم به من أن المعتق لا يلحق أصله في التخفيف معارض للنص والجواب‏:‏ أن الحديث المذكور غير مجرى على عمومه بالإجماع فإن مولى الهاشمي لا يلحقه في الكفاءة للهاشمية ولا في الإمامة، وإذا كان عاما مخصوصا يصح تخصيصه أيضا بما ذكرنا من العلة وتمامه في الفتح‏.‏

مطلب في مصارف بيت المال

‏(‏قوله ومصرف الجزية والخراج إلخ‏)‏ قيد بالخراج لأن العشر مصرفه مصرف الزكاة كما مر ‏(‏قوله وإنما يقبلها إلخ‏)‏ ترك قيدا آخر ذكره في الجوهرة وهو أن يكون المهدي لا يطمع في إيمانه لو ردت هديته فلو طمع في إيمانه بالرد لا يقبل منه ‏(‏قوله وما أخذ منهم بلا حرب‏)‏ فيه أن ما قبله مأخوذ بحرب، لكن فسره في النهر بالمأخوذ صلحا على ترك القتال قبل نزول العسكر بساحتهم ‏(‏قوله مصالحنا‏)‏ نبه بذلك على أنه لا يخمس ولا يقسم بين الغانمين نهر، وهو جمع مصلحة بفتح الميم واللام ما يعود نفعه إلى الإسلام ط عن القهستاني ‏(‏قوله كسد ثغور‏)‏ أي حفظ المواضع التي ليس وراءها إسلام، وفيه إشعار بأنه يصرف إلى جماعة يحفظون الطريق في دار الإسلام عن اللصوص قهستاني ‏(‏قوله وبناء قنطرة وجسر‏)‏ القنطرة ما بني على الماء للعبور، والجسر بالفتح والكسر ما يعبر به النهر وغيره مبنيا كان أو غيره كما في المغرب ومثله بناء مسجد وحوض، ورباط وكري أنهار عظام غير مملوكة كالنيل وجيحون قهستاني وكذا النفقة على المساجد كما في زكاة الخانية فيدخل فيه الصرف على إقامة شعائرها من وظائف الإمامة والأذان ونحوها بحر ‏(‏قوله وكفاية العلماء‏)‏ هم أصحاب التفسير والحديث والظاهر أن المراد بهم من يعلم العلوم الشرعية، فيشمل الصرف والنحو وغيرهما حموي عن البرجندي ط‏.‏ وفي التعبير بالكفاية إشعار بأنه لا يزاد عليها وسيأتي بيانه وكذا يشعر باشتراط فقرهم، لكن في حظر الخانية سئل علي الرازي عن بيت المال هل للأغنياء فيه نصيب قال‏:‏ لا إلا أن يكون عاملا أو قاضيا، وليس للفقهاء فيه نصيب إلا فقيه فرغ نفسه لتعليم الناس الفقه أو القرآن‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في البحر‏:‏ أي بأن صرف غالب أوقاته في العلم وليس مراد الرازي الاقتصار على العامل، أو القاضي، بل أشار بهما إلى كل من فرغ نفسه لعمل المسلمين فيدخل فيه المفتي والجندي، فيستحقان الكفاية مع الغني ا هـ‏.‏ وذكر قبله عن الفتح أن طالب العلم قبل أن يتأهل عامل لنفسه لكن ليعمل بعده للمسلمين ‏(‏قوله والعمال‏)‏ من عطف العام على الخاص لما في القهستاني أنه بالضم والتشديد جمع عامل، وهو الذي يتولى أمور رجل في ماله وعمله كما قال ابن الأثير، فيدخل فيه المذكر والواعظ بحق وعلم كما في المنية، وكذا الوالي وطالب العلم والمحتسب، والقاضي، والمفتي والمعلم بلا أجر كما في المضمرات ‏(‏قوله وشهود قسمة‏)‏ بالسين المهملة أي الذين يشهدون القسمة بين الورثة، والشركاء واستيفاء حقوقهم، وفي نسخة‏:‏ وشهود قيمة بالياء المثناة التحتية أي الذين يشهدون على التقويم عند الاختلاف في القيمة ط ‏(‏قوله ورقباء سواحل‏)‏ جمع رقيب من رقبته أرقبه من باب قتل‏:‏ أي حفظته والسواحل جمع ساحل، وهو شاطئ البحر مصباح فالمراد الذين يحفظون السواحل، وهم المرابطون في الثغور أو أعم فافهم ‏(‏قوله ورزق المقاتلة‏)‏ الرزق بالكسر اسم من الرزق بالفتح ما ينتفع به قاموس، وقال الراغب‏:‏ الرزق يقال للعطاء الجاري دينيا كان أو دنيويا وللنصيب ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به قهستاني ط ‏(‏قوله أي ذراري من ذكر إلخ‏)‏ لأن العلة تعم الكل كما صرح به القهستاني ومنلا مسكين وغيرهما، وعبارة الهداية والكافي توهم تخصيصهم بالمقاتلة وبه صرح شارح المجمع قال في الشرنبلالي قال في البحر‏:‏ وليس كذلك وتبعه في المنح در منتقى، وفسر الذراري في شرح درر البحار بالزوجة والأولاد‏.‏

مطلب من له استحقاق في بيت المال يعطى ولده بعده

‏(‏قوله لم أره‏)‏ نقل الشيخ عيسى السفطي في رسالته ما نصه قال أبو يوسف في كتاب الخراج‏:‏ إن من كان مستحقا في بيت المال، وفرض له استحقاقه فيه فإنه يفرض لذريته أيضا تبعا له، ولا يسقط بموته وقال صاحب الحاوي الفتوى‏:‏ على أنه يفرض لذراري العلماء، والفقهاء والمقاتلة، ومن كان مستحقا في بيت المال لا يسقط ما فرض لذراريهم بموتهم ا هـ‏.‏ ط‏.‏ قلت‏:‏ لكن قول المتون الآتي‏:‏ ومن مات في نصف الحول حرم من العطاء ينافي ذلك إلا أن يجاب بأن ما يجري على الذراري عطاء مستقل خاص بالذراري لإعطاء الميت بطريق الإرث بين جميع الورثة تأمل، لكن ما مر عن الحاوي لم أره في الحاوي القدسي، ولا في الحاوي الزاهدي، وراجعت مواضع كثيرة من كتاب الخراج فلم أره فيه والله أعلم‏.‏ نعم قال الحموي في رسالته‏:‏ وقد ذكر علماؤنا أنه يفرض لأولادهم تبعا ولا يسقط بموت الأصل ترغيبا ا هـ‏.‏ وذكر العلامة المقدسي‏:‏ أن إعطاءهم بالأولى لشدة احتياجهم، سيما إذا كانوا يجتهدون في سلوك طريق آبائهم‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب من له وظيفة توجه لولده من بعده

ونقل العلامة البيري عن الخزانة عن مبسوط فخر الإسلام‏:‏ إذا مات من له وظيفة في بيت المال لحق الشرع وإعزاز الإسلام كأجر الإمامة والتأذين، وغير ذلك مما فيه صلاح الإسلام والمسلمين وللميت أبناء يراعون ويقيمون حق الشرع وإعزاز الإسلام، كما يراعي ويقيم الأب فللإمام أن يعطي وظيفة الأب لأبناء الميت لا لغيرهم لحصول مقصود الشرع، وانجبار كسر قلوبهم‏.‏ ا هـ‏.‏

مطلب تحقيق مهم في توجيه الوظائف للابن

قال البيري أقول‏:‏ هذا مؤيد لما هو عرف الحرمين الشريفين ومصر والروم من غير نكير من إبقاء أبناء الميت ولو كانوا صغارا على وظائف آبائهم مطلقا من إمامة وخطابة، وغير ذلك عرفا مرضيا لأن فيه إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على بذل الجهد في الاشتغال بالعلم، وقد أفتى بجواز ذلك طائفة من أكابر الفضلاء الذين يعول على إفتائهم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومقتضاه تخصيص ذلك بالذكور دون الإناث، وأنت خبير بأن الحكم يدور مع علته، فإن العلة هي إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على تحصيل العلم، فإذا اتبع الابن طريقة والده في الاشتغال في العلم، فذلك ظاهر‏.‏ أما إذا أهمل ذلك واشتغل باللهو واللعب أو في أمور الدنيا جاهلا غافلا معطلا للوظائف المذكورة، أو ينيب غيره من أهل العلم بشيء قليل، ويصرف باقي ذلك في شهواته، فإنه لا يحل لما فيه من أخذ وظائف العلماء، وتركهم بلا شيء يستعينون به على العلم كما هو الواقع في زماننا، فإن عامة أوقاف المدارس والمساجد والوظائف في أيدي جهلة أكثرهم لا يعلمون شيئا من فرائض دينهم، ويأكلون ذلك بلا مباشرة ولا إنابة بسبب تمسكهم بأن خبز الأب لابنه، فيتوارثون الوظائف أبا عن جد كلهم جهلة كالأنعام ويكبرون بذلك فراهم وعمائمهم، وينصدرون في البلدة حتى أدى ذلك إلى اندراس المدارس والمساجد، وأكثرها صار بيوتا باعوها أو بساتين اشتغلوها، فمن أراد أن يطلب العلم لا يجد له مأوى يسكنه ولا شيئا يأكله فيضطر إلى أن يترك العلم، ويكتسب ووقع في زماننا أن رجلا من أكابر دمشق مات عن ولد أجهل منه لا يقرأ ولا يكتب فوجهت من وظائفه تولية مسجد ومدرسة على رجلين من أعلم علماء دمشق فذهب ولده وعزلهما عن ذلك بالرشوة، وفي أواخر القرن الثالث من الأشباه إذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته وفي البزازية السلطان إذا أعطى غير المستحق فقد ظلم مرتين بمنع المستحق وإعطاء غيره ا هـ‏.‏ ففي توجيه هذه الوظائف لأبناء هؤلاء الجهلة ضياع العلم، والدين، وإعانتهم على إضرار المسلمين، فيجب على ولاة الأمور توجيهها على أهلها ونزعها من أيدي غير الأهل، وإذا مات أحد من أهلها توجه على ولده فإن لم يخرج على طريقة والده يعزل عنها وتوجه للأهل إذ لا شك أن غرض الواقف إحياء ما أوقفه من ذلك، فكل ما كان فيه تضييعه فهو مخالف لغرض الشرع والواقف هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏ ‏(‏قوله فهذا‏)‏ أي ما ذكر من المصالح وقوله مصرف جزية، وخراج أي ونحوهما مما ذكر معهما ‏(‏قوله مر في الزكاة‏)‏ أي في باب المصرف ‏(‏قوله مر في السير‏)‏ أي في فصل كيفية القسمة ‏(‏قوله وبقي رابع‏)‏ تقدم هذا مع الثلاثة التي قبله نظما لابن الشحنة في آخر باب العشر من كتاب الزكاة وقدمنا الكلام عليها ‏(‏قوله وفقير بلا ولي‏)‏ أي ليس له من تجب نفقته عليه قال في البحر‏:‏ يعطون منه نفقتهم وأدويتهم ويكفن به موتاهم ويعقل به جنايتهم‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في الأحكام‏:‏ العلماء يستحقون من النوع الأول بالعمل مع الغنى، ومن النوع الثاني بصفة الفقر ونحوهما، ومن النوع الثالث بأحد صفات مستحقيه، ومن النوع الرابع بصفة المرض، ونحوه ومن خص استحقاقهم بالأول نظر إلى محض صفة العلم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله بيتا يخصه‏)‏ فلا يخلط بعضه ببعض لأن لكل نوع حكما يختص به زيلعي ‏(‏قوله ليصرفه للآخر‏)‏ أي لأهله قال الزيلعي‏:‏ ثم إذا حصل من ذلك النوع شيء رده في المستقرض منه إلا أن يكون المصروف من الصدقات، أو من خمس الغنيمة على أهل الخراج وهم فقراء، فإنه لا يرد فيه شيئا لأنهم مستحقون للصدقات بالفقر وكذا في غيره إذا صرفه إلى المستحق‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ويعطي بقدر الحاجة إلخ‏)‏ الذي في الزيلعي هكذا، ويجب على الإمام أن يتقي الله تعالى ويصرف إلى كل مستحق قدر حاجته من غير زيادة فإن قصر في ذلك كان الله تعالى عليه حسيبا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البحر عن القنية‏:‏ كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يسوي في العطاء من بيت المال، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يعطيهم على قدر الحاجة والفقه والفضل، والأخذ بهذا في زماننا أحسن فتعتبر الأمور الثلاثة ا هـ‏.‏ أي فله أن يعطي الأحوج أكثر من غير الأحوج، وكذا الأفقه والأفضل أكثر من غيرهما وظاهره أنه لا تراعى الحاجة في الأفقه والأفضل، وإلا فلا فائدة في ذكرهما، ويؤيده أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يعطي من كان له زيادة فضيلة، من علم، أو نسب أو نحوه ذلك أكثر من غيره، وفي البحر أيضا عن المحيط والرأي إلى الإمام من تفضيل وتسوية من غير أن يميل في ذلك إلى هوى، وفيه عن القنية وللإمام الخيار في المنع والإعطاء في الحكم‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ومثله في كتاب الخراج لأبي يوسف الذي خاطب به هارون الرشيد حيث قال‏:‏ فأما الزيادة على أرزاق القضاة والعمال والولاة والنقصان مما يجري عليهم، فذلك إليك من رأيت أن تزيده من الولاة والقضاة في رزقهم فزده ومن رأيت أن تحط رزقه حططت ‏(‏قوله هو المفتى اليوم‏)‏ لأنهم كانوا يحفظون القرآن ويعلمون أحكامه ط ‏(‏قوله ممن ذكر‏)‏ أي ممن يقوم بمصالح المسلمين، كالقضاة والغزاة، ونحوهم زيلعي ‏(‏قوله في نصف الحول‏)‏ المراد به ما قبل آخره بقرينة قوله ولو في آخره ط ‏(‏قوله حرم من العطاء‏)‏ هو ما يثبت في الديوان باسم كل ممن ذكرنا، من المقاتلة وغيرهم، وهو كالجامكية في عرفنا إلا أنها شهرية، والعطاء سنوي فتح ‏(‏قوله لأنه صلة‏)‏ ولذا سمي عطاء فلا يملك قبل القبض فلا يورث ويسقط بالموت فتح ‏(‏قوله في زماننا‏)‏ قال في العناية وفي الابتداء كان يعطى كل من كان له ضرب مزية في الإسلام كأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأولاد المهاجرين والأنصار ‏(‏قوله القاضي والمفتي والمدرس‏)‏ عبارة البحر مثل القاضي، والمفتي والمدرس‏:‏ وهي أولى لشمولها نحو المقاتلة‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏ قلت‏:‏ وهي عبارة الهداية أيضا‏.‏ ‏(‏قوله أو بعد تمامه‏)‏ هذا مفهوم بالأولى لأنه إذا استحب الصرف إلى القريب قبل التمام فبعده أولى ‏(‏قوله فيندب الوفاء له‏)‏ قال في الفتح‏:‏ والوجه يقتضي الوجوب لأن حقه تأكد بإتمام عمله في السنة، كما قلنا إنه يورث سهم الغازي بعد الإحراز بدار الإسلام لتأكد الحق حينئذ، وإن لم يثبت له ملك وقول فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير، وإنما خص نصف السنة لأن عند آخرها يستحب أن يصرف ذلك إلى ورثته، فأما قبل ذلك فلا إلا على قدر عنائه يقتضي أن يعطي حصته من العام ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله قيل يجب إلخ‏)‏ عبارة الزيلعي قيل يجب رد ما بقي من السنة، وقيل على قياس قول محمد في نفقة الزوجة يرجع، وعندهما لا يرجع هو يعتبره بالإنفاق على امرأة ليتزوجها وهما يعتبرانه بالهبة ا هـ‏.‏ ونقل في الشرنبلالي تصحيح وجوب الرد عن الهداية والكافي ولكني لم أره فيهما في هذا الموضع فليراجع‏.‏

مطلب فيما إذا مات المؤذن أو الإمام قبل أخذ وظيفتهما

‏(‏قوله فإنه يسقط إلخ‏)‏ حاصله‏:‏ أن ما يأخذه الإمام والمؤذن من الوقف بمنزلة ما يأخذه القاضي ونحوه من بيت المال نظرا إلى أنه في معنى الصلة لا تملك إلا بالقبض كما مر ‏(‏قوله وقيل لا يسقط إلخ‏)‏ أي ما يأخذه الإمام والمؤذن قال في الشرنبلالي جزم في البغية تلخيص القنية بأنه يورث بخلاف رزق القاضي كما في الأشباه والنظائر‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ ووجهه ما أشار إليه الشارح تبعا للدرر بقوله لأنه كالأجرة أي فيه معنى الأجرة ومعنى الصلة، فليس أجرة من كل وجه، لكن وجه الأجرة فيه أرجح لجواز أخذ الأجرة على الأذان والإمامة والتعليم كما أفتى به المتأخرون بخلاف القضاء وغيره من الطاعات، فإنه لا يجوز أصلا ولعل وجه القول الأول ترجيح معنى الصلة في الكل بناء على أصل المذهب من عدم جواز الأجرة على شيء من الطاعات، لكن الفتوى على قول المتأخرين؛ فلذا جزم في البغية بالقول الثاني، وفرق بين الإمام والقاضي كما قدمناه قبيل فصل في كيفية القسمة، وقدمناه هناك عن الطرسوسي وغيره أن المدرس ونحوه إذا مات في أثناء السنة، يعطى بقدر ما باشر فقط بخلاف الوقف على الأولاد والذرية فإن المعتبر فيهم ظهور الغلة فمن مات بعد ظهورها استحق لا قبله، وقدمنا هناك أيضا عن المفتي أبي السعود مثل ذلك، وأن المدرس الثاني يستحق الوظيفة من وقت توجيه السلطان ‏(‏قوله وهذا‏)‏ أي قوله والمؤذن إلخ، وقد نقله في الدرر عن فوائد صاحب المحيط ‏(‏قوله وتمامه في الدرر‏)‏ قال فيها وفي فوائد صدر الإسلام طاهر بن محمود قرية فيها أراضي الوقف على إمام المسجد يصرف إليه غلتها وقت الإدراك فأخذ الإمام الغلة وقت الإدراك، وذهب عن تلك القرية لا يسترد منه حصة ما بقي من السنة وهو نظير موت القاضي، وأخذ الرزق ويحل للإمام أكل ما بقي من السنة إن كان فقيرا وكذلك الحكم في طلبة العلم في المدارس والله سبحانه أعلم‏.‏